الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حَدِّ المُسْكِرِ
ــ
بابُ حدِّ المُسْكِرِ
كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، مِنْ أَىِّ شَىْءٍ كَانَ، وَيُسَمَّى خَمْرًا.
ــ
قوله: كلُّ شَرابٍ أسْكَرَ كَثيرُه، فقَليلُه حَرامٌ، مِن أَىِّ شئٍ كان، ويُسَمَّى خَمْرًا. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. نصَّ عليه فى رِوايةِ الجماعَةِ. وعليه الأصحابُ. وأباحَ إبْراهِيمُ الحَرْبِىُّ، مِن نَقِيعِ التَّمْرِ إذا طُبِخَ ما دُونَ السُّكْرِ. قال الخَلَّالُ: فُتْيَاه على قولِ أبى حَنِيفَةَ. وذكَر أبو الخَطَّابِ فى ضِمْنِ مسْألَةِ جَوازِ التَّعَبُّدِ بالقِياسِ، أنَّ الخَمْرَ إذا طُبِخَ، لم يُسَم خَمْرًا، ويَحْرُمُ إذا حدَثَتْ فيه الشِّدَّةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُطْرِبَةُ. ثم صرَّح فى مَنْعِ ثُبوتِ الأسْماءِ بالقِياسِ، أنَّ الخَمْرَ إنَّما سُمِّىَ خَمْرًا؛ لأنَّه عَصِيرُ العِنَبِ المُشْتَدُّ، ولهذا يقولُ القائلُ: أمَعَكَ نَبِيذٌ، أم خَمْرٌ؟ قال: وقولُه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ:«الخَمْرُ مِن هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» (1). وقولُ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عنه: الخَمْرُ ما خَامَرَ العَقْلَ. مَجازٌ؛ لأنَّه يعْمَلُ عمَلَها مِن
(1) أخرجه مسلم، فى: باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخلة والعنب يسمى خمرًا، من كتاب الأشربة صحيح مسلم 3/ 1573. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الحبوب التى يتخذ منها الخمر، من أبواب الأشربة. عارضة الأحوذى 8/ 65. والنسائى، فى: باب تأويل قول اللَّه تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}، من كتاب الأشربة. المجتبى 8/ 261. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 279، 408، 409، 474، 496، 518، 526.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهٍ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: إنْ قصَد بذلك نَفْىَ الاسْمِ فى الحَقيقَةِ اللُّغَوِيةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ، فله مَساغٌ، فإنَّ مقْصُودَنا يحْصُلُ بأنْ يكونَ اسْمُ الخَمْرِ فى الشَّرْعِ يعُمُّ الأشْرِبَةَ المُسْكِرَةَ، وإنْ كانتْ فى اللُّغَةِ أخَصَّ، وإنِ ادَّعَى أنَّ الاسْمَ الحقِيقِىَّ مسْلوبٌ مُطْلَقًا، فهذا -مع مُخالَفَتِه لنَصِّ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله خِلافُ الكتابِ والسُّنَّةِ، وهو تأْسيسٌ لمذهبِ الكُوفِيِّين، ويترَتَّبُ عليه، إذا حلَف أَنْ لا يشْرَبَ خَمْرًا. انتهى.
وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ، وَلَا لِلتَّدَاوِى، وَلَا لِعَطَشٍ، وَلَا غَيْرِهِ،
ــ
وعنه، لا يُحَدُّ باليَسِيرِ المُخْتَلَفِ فيه. ذكَرَها ابنُ الزَّاغُونِىِّ فى «الوَاضِحِ» . نقَلَها ابنُ أبى المَجْدِ فى «مُصَنَّفِه» عنه. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، وُجوبَ الحدِّ بأكْلِ الحَشِيشَةِ القِنَّبيَّةِ. وقال: هى حرامٌ؛ سواءٌ سَكِرَ منها، أو لم يسْكَرْ، والسُّكْرُ منها حَرامٌ باتفاقِ المُسْلِمينَ، وضرَرُها مِن بعضِ الوُجوهِ أعْظَمُ مِن ضرَرِ الخَمْرِ. قال: ولهذا أوْجَبَ الفُقَهاءُ بها الحدَّ، كالخَمْرِ. وتوَقَّفَ بعضُ المُتأَخِّرينَ فى الحدِّ بها، وأنَّ أكْلَها يُوجبُ التَّعْزِيرَ بما دُونَ الحدِّ فيه نظَرٌ؛ إذ هى داخِلَةٌ فى عُمومِ ما حرَّم اللَّهُ، وأكَلَتُهاَ ينْتَشُونَ عنها ويشْتَهُونَها كشَرابِ الخَمْرِ وأكثرَ، وتصُدُّهم عن ذِكْرِ اللَّهِ، وإنَّما لم يتَكَلَّمِ المُتَقَدِّمُونَ فى خُصوصِها؛ لأَنَّ أكْلَها إنَّما حدَث فى أوَاخِرِ المِائَةِ السَّادِسَةِ، أو قريبًا مِن ذلك، فكان ظُهورُها مع ظُهورِ سَيْفِ جَنْكِيزخَان. انتهى.
قوله: ولا يَحِلُّ شُرْبُه للَذَّةٍ، ولا للتَّداوِى، ولا لعَطَش، ولا غيرِه، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْه لدَفْعِ لُقمَةٍ غُصَّ بها، فيَجُوزُ. يعْنِى، إذا لم يجِدْ غيرَه؛ بدَليلِ قولِه:
إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ، لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا، فَيَجُوزُ.
ــ
إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إليه. قال فى «الفُروعِ» : وخافَ تَلَفًا.
وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا،
ــ
فائدة: لو وجَد بَوْلًا، والحالَةُ هذه، قُدِّمَ على الخَمْرِ؛ لوجوبِ الحدِّ بشُرْبِه دون البَوْلِ، فهو أخَفُّ تحْريمًا. [وقطَع به صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ»، و «الفُروعِ»، وغيرُهما](1). ولو وجدَ ماءً نَجِسًا، قُدِّم عليهما.
قوله: ومَن شَرِبَه مُخْتَارًا عَالِمًا أنَّ كَثِيرَه يُسْكِرُ، قَلَيلًا كان أو كَثِيرًا، فعليه
(1) سقط من: الأصل.
فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً. وَعَنْهُ، أَرْبَعُونَ إِنْ كَاْنَ حُرًّا.
ــ
الحَدُّ ثَمَانُون جَلْدَةً. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به الخِرَقِىُّ، وابنُ عَقِيلٍ فى «التَّذْكِرَةِ» ، والشِّيرازِىُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفُروعِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، و «نِهايةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «تَجْريدِ العنايةِ» ، وغيرِهم.
وعنه، أرْبَعُون. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والمُصنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به فى «العُمْدَةِ» ، و «التَّسْهيلِ» . وأَطلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «الكافِى» ، و «المَذْهَبِ الأحمدِ» . وجوَّز الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، الثَّمانِينَ للمَصْلَحَةِ، وقال: هى الرِّوايَةُ الثَّانيةُ. فالزِّيادَةُ عندَه (1) على الأرْبَعِين إلى الثَّمانِين ليستْ واجِبَةً على الإِطْلاقِ، ولا
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُحَرَّمَةً على الإِطْلاقِ، بل يُرْجَعُ فيها إلى اجْتِهادِ الإِمامِ، كما جوَّزْنا له الاجْتِهادَ فى صِفَةِ الضَّرْبِ فيه بالجَرِيدِ، والنِّعالِ، وأطْرافِ الثِّيابِ، بخِلافِ بقِيَّةِ الحُدودِ. انتهى. قال الزَّرْكَشِىُّ: قلتُ: وهذا القولُ هو الذى يقُومُ عليه الدَّليلُ. وعندَ الشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، رحمه الله، أيضًا، يُقْتَلُ شارِبُ الخَمْرِ فى الرَّابِعَةِ عندَ الحاجَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى قَتْلِه، إذا لم يَنْتَهِ النَّاسُ بدُونِه. انتهى. وتقدَّم فى كتابِ الحُدودِ، أنَّه لا يُحَدُّ حتى يصْحُوَ.
تنبيه: مفْهومُ قولِه: مخْتارًا. أنَّ غيرَ المُخْتارِ لشُربِها لا يُحَدُّ؛ وهو المُكْرَهُ. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وهو ظاهرُ كلامِ كثيرٍ منهم. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وصحَّحه النَّاظِمُ وغيرُه. وقدَّمه الزَّرْكَشِىُّ وغيرُه. وعنه، عليه الحَدُّ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ» . وأَطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّغِيرِ». وظاهرُ كلامِه فى «الفُروعِ» ، أنَّ مَحَلَّ الخِلافِ إذا قُلْنا:[يَحْرُمُ شُرْبُهَا](1).
فوائد؛ الأُولَى، إذا أُكْرِهَ على شُرْبِها، حلَّ شُرْبُها. على الصَّحيحِ مِنَ
(1) سقط من: الأصل، وفى ط:«يحرم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وعنه، لا يحِلُّ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. ذكَرَهما القاضى فى «التَّعْليقِ» ، وقال: كما لا يُباحُ لمُضْطَرٍّ.
الثَّانيةُ، الصَّبْرُ على الأذَى أفْضَلُ مِن شُرْبها. نصَّ عليه. وكذا كلُّ ما جازَ فِعْلُه للمُكْرَهِ. ذكَرَه القاضى وغيرُه. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: رخَّصَ أكثرُ العُلَماءِ فيما يُكْرَهُ عليه مِنَ المُحَرَّماتِ لحقِّ اللَّهِ، كأَكْلِ المَيْتَةِ، وشُرْبِ الخَمْرِ. وهو ظاهرُ مذهبِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله.
الثَّالثةُ، قولُه: عالِمًا. بلا نِزاع. لكِنْ لو ادَّعَى أنَّه جاهِلٌ بالتَّحْريمِ، مع نُشوئِه بينَ المُسْلِمِين، لم يُقْبَلْ، وإلَّا قُبِلَ. ولا تُقْبَلُ دَعْوَى الجَهْلِ بالحَدِّ. قالَه ابنُ حَمْدانَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّابِعَةُ، لو سَكِرَ فى شهرِ رمَضانَ، جُلِدَ ثَمانِين حدًّا، وعِشْرِينَ تعْزِيرًا. نقَلَه صالِحٌ. ونقَل حَنْبَلٌ، يُغَلَّظُ عليه، كمَن قَتَل فى الحَرَمِ. واخْتارَه بعضُ الأصحابِ. ذكَرَه الزَّرْكَشِىُّ. قال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ»: إذا سَكِرَ فى رَمضانَ، غُلِّظَ حدُّه. واخْتارَ أبو بَكْرٍ، يُعَزَّرُ بعشَرَةٍ فأَقَلَّ. وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (1): عُزِّرَ بعِشْرِين لفِطْرِه.
الخامسةُ، يُحَدُّ مَن احْتَقَنَ بها. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ، نصَّ عليه، كما لو استَعطَ بها، أو عَجَنَ بها (2) دَقِيقًا فأكَلَه. وقيل: لا يُحَدُّ مَنِ احْتَقَنَ بها. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، واخْتارَاه. واخْتارَ أيضًا، أنَّه لا يُحَدُّ إذا عجَن به دقيقًا وأكَلَه. وقال فى «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والعِشْرِين»: لو خلَط خَمْرًا بماءٍ، واسْتُهْلِكَ فيه، ثم شَرِبَه، لم يُحَدَّ على المَشْهورِ؛ وسواءٌ قيلَ بنَجاسَةِ الماءِ، أَوْ لا. وفى «التَّنْبِيهِ» لأبى بَكْرٍ، مَن لَتَّ بالخَمْرِ سَوِيقًا، أو صَبَّها فى لَبَنٍ أو ماءٍ جارٍ، ثم شَرِبَها، فعليه الحدُّ. ولم يُفَرقْ بينَ الاسْتِهْلاكِ وعدَمِه. انتهى. وأمَّا إذا خَبَزَ العَجِينَ، فإنَّه لا يُحَدُّ بأَكْلِ الخُبْزِ؛ لأَنَّ النَّارَ أكَلَتْ أجْزاءَ الخَمْرِ. قالَه الزَّرْكَشِىُّ وغيرُه. ونقَل حَنْبَلٌ، يُحَدُّ إنْ تَمَضْمَضَ به. وكذا روَاه بَكْرُ بنُ محمدٍ، عن أبِيه (3)، فى الرَّجُلِ يَسْتَعطُ بالخَمْرِ، أو يحْتَقِنُ به، أو يتَمَضْمَضُ به، أَرَى، عليه الحدُّ. ذكَرَه القاضى فى «التَّعْليقِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو مَحْمولٌ على أنَّ المَضْمَضَةَ وصلَتْ إلى حَلْقِه. وذكَر ما نقَله حَنْبَلٍ فى «الرِّعَايةِ» قوْلًا، ثم قال:
(1) انظر: المغنى 12/ 525.
(2)
سقط من: الأصل، ط.
(3)
لعله محمد بن العباس بن الوليد النسائى، أبو العباس، صاحب أبى ثور الفقيه، روى عن الإمام أحمد، وعنه محمد بن جعفر الأدمى، وكان ثقة. تاريخ بغداد 3/ 110، 111.
وَالرَّقِيقُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا الذِّمِّىَّ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ، فى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.
ــ
وهو بعيدٌ. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» : إنْ وصَلَ جَوْفَه، حُدَّ.
قوله: إِلَّا الذِّمِّىَّ، فإنه لا يُحَدُّ بشُرْبِه، فى الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وكذا قال فى «الهِدايَةِ» . وكذا الحَرْبِىُّ المُسْتَأْمِنُ. وهذا المذهبُ كما قال، وعليه جماهيرُ
وَهَلْ يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
الأصحابِ. قال فى «الفُروعِ» وغيرِه: المذهبُ، لا يُحَدُّ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحه فى «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. قال فى «البُلْغَةِ»: ولو رَضِىَ بحُكْمِنا؛ لأنَّه لم يلْتَزِمْ الانْقِيادَ فى مُخالفَةِ دِينه. وعنه، يُحَدُّ الذِّمِّىُّ دُونَ الحَرْبِىِّ. وعنه، يُحَدُّ إنْ سَكِرَ. واخْتارَه فى «المُحَرَّرِ». قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: وكلامُ طائفةٍ مِنَ الأصحابِ يُشْعِرُ ببِناءِ هذه المسْألَةِ على أنَّ الكُفَّارَ، هل هم مُخاطَبُون بفُروعِ الإِسْلامِ أمْ لا؟ فقال الزَّرْكَشِىُّ: وقد تُبْنَى الرِّوايَتان على تكْليفِهم بالفُروعِ، لكِنَّ المذهبَ ثَمَّ -قطْعًا- تَكْلِيفُهم بها.
قوله: وهل يُحَدُّ بوُجُودِ الرائِحَةِ؟ على رِوايتَيْن. وأَطْلَقَهما فى «مَسْبوكٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذَّهَبِ»، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، و «نِهايةِ ابنِ رَزِينٍ» ؛ إحْداهما، لا يُحَدُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو المذهبُ. صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الخُلاصَةِ» ، و «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «الفُصولِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الكافِى» ، و «الهادِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يُحَدُّ إذا لم يدَّعِ شُبْهَةً. قال ابنُ أبى مُوسى فى «الإِرْشادِ»: هذه أظْهَرُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. واخْتارَها ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله. وقدَّمها فى «المُسْتَوْعِبِ» . وعنه، يُحَدُّ وإنِ ادَّعَى شُبْهَةً. ذكَرَها فى «الفُروعِ» . وذكَر هذه المَسْأَلَةَ فى آخرِ بابِ حدِّ الزِّنى. وأطْلقَهُنَّ فى «تجْريدِ العنايةِ» . ونقَل الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله: يُؤدَّبُ برائِحَتِه. واخْتارَه الخَلَّالُ، كالحاضِرِ مع مَن يشْرَبُه. نقَلَه أبو طالِبٍ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو وُجِدَ سَكْرَانَ، أو (1) قد تقَيَّأَ الخَمْرَ، فقيلَ: حُكْمُه
(1) فى الأصل، أ:«و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حكمُ الرَّائحَةِ. قدَّمه فى «الفُصولِ» وجزَم به فى «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وقيل: يُحَدُّ هنا وإنْ لم نَحُدَّه بالرَّائحَةِ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وهو ظاهرُ كلامِه فى «الإِرْشادِ» . وهذا المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه فى الخُطْبَةِ. وأَطْلَقَهما فى «الفُروعِ» .
الثَّانيةُ، يثْبُتُ شُرْبُه للخَمْرِ بإقْرارِه مرَّةً، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كحدِّ القَذْفِ. جزَم به فى «الفُصولِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُغنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وعنه، مرَّتَيْن. اخْتارَه القاضى وأصحابُه. وصحَّحه النَّاظِمُ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» . وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» وغيرِه. وجعَل أبو الخَطَّابِ، أنَّ بقِيَّةَ الحُدودِ لا تثْبُتُ إلَّا بإقْرِارِه مرتَيْن. وقال فى «عُيونِ المَسائلِ» ، فى حدِّ الخَمْرِ بمَرَّتَيْن: وإنْ سلَّمْناه فلأنه لا يتَضَمَّنُ إتْلافًا، بخِلافِ حدِّ السَّرِقَةِ. قال فى «الفُروعِ»: ولم يُفَرِّقُوا بينَ حدِّ القَذْفِ وغيرِه، إلَّا بأنَّه حقُّ آدَمِى كالقَوَدِ. فدَلَّ على رِوايةٍ فيه، قال: وهذا مُتَّجِهٌ.
ويثْبُتُ أيضًا شُرْبُها بشَهادَةِ عدْلَيْن مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: ويُعْتَبَرُ قوْلُهما: عالِمًا بتَحْريمِه مُخْتارًا. وأَطْلَقَهما فى «الرِّعايةِ الكُبْرى» .
وَالْعَصِيرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، حَرُمَ، إِلَّا أَنْ يَغْلِىَ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَحْرُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ.
ــ
قوله: والعَصِيرُ إذا أَتَتْ عليه ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، حَرُمَ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. وعليه الأصْحابُ. وبيَّن ذلك فى «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقالوا: بلَيالِيهِنَّ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقيل: لا يَحْرُمُ ما لم يُغْلَ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وحمَل كلامَ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، على ذلك؛ فقال فى «الهِدايَةِ»: وعندِى أنَّ كلامَ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، مَحْمولٌ على عَصِيرٍ يتَخَمَّرُ فى ثلاثٍ غالِبًا.
فائدة: لو طُبِخَ قبلَ التَّحْريمِ، حَلَّ إنْ ذهَب ثُلُثاه وبَقِىَ ثُلُثُه. وهذا المذهبُ. نقَلَه الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وقطَع به أكثرُ. قال أبو بَكْرٍ: هو إجْماعٌ مِنَ المُسْلِمِين. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال فى «المُغْنِى» ، [والشَّارِحُ، وغيرُهما: الاعْتِبارُ فى حِلِّه عدَمُ الاسْكارِ؛ سواءٌ ذهَب بطَبْخِه ثُلُثَاه أو أقَلُّ أو أكثرُ](1)، [أو لم يُسْكِرْ](2).
قوله (3): إلَّا أَنْ يغْلِىَ قبلَ ذلك، فيَحْرُمُ. نصَّ عليه. وهو المذهبُ. نقَلَه الجماعَةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، إذا غَلَى اكْرَهُه وإنْ لم يُسْكِرْ، فإذا أسْكَرَ فحرامٌ. وعنه، الوَقْفُ فيما نَشَّ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: ط.
(3)
سقط من: الأصل.
وَعِنْدَ أَبِى الْخَطَّابِ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ يَتَخَمَّرُ فى ثَلَاثٍ غَالِبًا.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ فى الْمَاءِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا وَنَحْوَهُ، لِيَأَخُذَ مُلُوحَتَهُ، مَا لَمْ يَشْتَدَّ، أَوْ يَأْتِىَ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ.
وَلَا يُكْرَهُ الْانْتِبَاذُ فى الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ.
ــ
قوله: ولا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ فى الماءِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا ونحوَه؛ ليأخُذَ مُلُوحَتَه، ما لم يشْتَدَّ، أو يأْتِىَ عليه ثَلَاثٌ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه. وعليه الأصحابُ. ونقَل ابنُ الحَكَمِ، إذا نقَع زَبِيبًا أو تَمْرَ هِنْدِىٍّ أو عُنَّابًا ونحوَه؛ لدَواءٍ، غَدْوَةً ويَشْرَبُه عَشِيَّةً، أو عَشِيَّةً ويشْرَبُه غَدْوَةً، هذا نَبِيذٌ أكْرَهُه، ولكِنْ يطْبُخُه ويشْرَبُه على المَكانِ، فهذا ليس نبيذًا.
فائدة: لو غَلَى العِنَبَ، وهو عِنَبٌ على حالِه، فلا بأْسَ به. نقَلَه أبو داودَ، واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ» .
قوله: ولا يُكْرَهُ الانْتِباذُ فى الدُّبَّاءِ، والحَنْتَمِ، والنَّقِيرِ، والمُزَفَّتِ. هذا
وَعَنْهُ، يُكْرَهُ.
ــ
المذهبُ بلا رَيْب. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرِهم. وصحَّحه فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ،
وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَبِذَ شَيْئَيْنِ، كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ.
ــ
وغيرِهم.
وعنه، يُكْرَهُ. قال الخَلَّالُ: عليه العَمَلُ. وذكَر ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، فى «الهَدْى» رِوايةً، أنَّه يَحْرُمُ. وعنه، يُكْرَهُ فى هذه الأوْعِيَةِ وفى غيرِها، إلَّا سِقاءً يُوكَى (1) حيثُ بَلَغَ الشَّرابُ، ولا يُتْرَكُ يتَنَفَّسُ. نقَله جماعَةٌ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. ونقَل أبو داودَ، ولا يُعْجِبُنِى إلَّا هو. ونقَل جماعةٌ، أنَّه كَرِه السِّقَاءَ الغَلِيظَ.
قوله: ويُكْرَهُ الخَلِيطان، وهو أَنْ يَنْتَبِذَ شَيئَيْن، كالتَّمْرِ والزَّبِيبِ. وكذا البُسْرُ والتَّمْرُ ونحوُه. وهذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ونقَلَه الجماعَةُ
(1) الوكاء: الخيط الذى تشد به السرة أو الكيس وغيره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم.
وعنه، يَحْرُمُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ» . قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: الخَلِيطان حَرامٌ. قال القاضى: يعْنِى أحمدُ، رحمه الله، بقوْلِه: حرامٌ. إذا اشْتَدَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأسْكَرَ، وإذا لم يُسْكِرْ، لم يحْرُمْ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: وهذا هو الصَّحيحُ. وعنه، لا يُكْرَهُ. اخْتارَه فى «التَّرْغيبِ» . قال فى «المُغْنِى» ،
وَلَا بَأْسَ بِالْفُقَّاعَ.
ــ
و «الشَّرْحِ» : لا يُكْرَهُ ما كان فى المُدَّةِ اليسِيرَةِ، ويُكْرَهُ ما كان فى مدَّةٍ يَحْتَمِلُ إفْضاؤُه [فيها إلى الإِسْكارِ](1). ولا يَثْبُتُ التَّحْريمُ ما لم يُغْلَ، أو تَمْضِ عليه ثلاثةُ أَيَّامٍ.
فائدة: يُكْرهُ انْتِباذُ المُذَنِّبِ (2) وحدَه. قالَه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.
قوله: ولا بَأْسَ بالفُقَّاعِ. هذا المذهبُ. وعليه الأصحابِ، لأنَّه لا يُسْكِرُ، ويفْسُدُ إذا بَقِىَ. وعنه، يُكْرَهُ. وعنه، يَحْرُمُ. ذكَرَها فى «الوَسِيلَةِ». قال فى «تَجْريدِ العنايةِ»: وشَذَّ مَن نَقَل تحْرِيمَه.
(1) فى الأصل: «إلا الإشكال» .
(2)
المُذَنِّبِ: الذى بدأ فيه الإرطاب من قبل طرفه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: جعَل الإِمامُ أحْمَدُ، رحمه الله، وَضعَ زَبِيب فى خَرْدَلٍ كعَصِير، وأنَّه إنْ صُبَّ فيه خَلٌّ أُكِلَ.