المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ التَّعْزِيرِ وَهُوَ التَّأْدِيبُ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِى كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٦

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ التَّعْزِيرِ وَهُوَ التَّأْدِيبُ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِى كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ

‌بَابُ التَّعْزِيرِ

وَهُوَ التَّأْدِيبُ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِى كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، كَالْاسْتِمْتَاعِ الَّذِى لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإتْيَانِ الْمَرأَةِ الْمَرأَةِ، وَسَرِقَةِ مَا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَى وَنَحْوِهِ.

ــ

بابُ التَّعْزيرِ

قوله: وهو واجِبٌ فى كلِّ مَعْصيةٍ لا حَدَّ فيها ولا كَفَّارَةَ، كالاسْتِمْتاعِ الذِى لا يُوجِت الحَدَّ، وإتْيانِ المَرْأَةِ المَرْأَةَ، وسَرِقَةِ ما لا يُوجِبُ القَطْعَ، والجِنايَةِ على النَّاسِ بما لا قِصاصَ فيه، والقَذْفِ بغيرِ الزِّنَى، وَنَحوِه. إذا كانتِ المعْصِيةُ لا حدَّ فيها ولا كفَّارةَ -كما مثَّل المُصَنِّفُ- وفَعَلَها، فإنَّه يُعَزَّرُ. وقد يفْعَلُ معْصِيةً لا كفَّارةَ فيها ولا حدَّ ولا تَعْزيرَ أيضًا، كما لو شتَم نفْسَه أو سبَّها. قالَه القاضى. ومالَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، إلى وُجوبِ التَّعْزيرِ. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه. وإنْ كان فيها حدٌّ، فقد يُعَزَّرُ معه. وقد تقدَّم بعضُ ذلك، فى مَسائِلَ متفَرِّقَةٍ؛ منها، الزِّيادةُ على الحدِّ إذا شَرِبَ الخَمْرَ فى رَمَضانَ.

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الزَّرْكَشِىُّ: ولا يُشْرَعُ التَّعْزيرُ فيما فيه حدٌّ، إلَّا على ما قالَه أبو العَبَّاسِ ابنُ تَيْمِيَّةَ، رحمه الله، فى شارِبِ الخمرِ، يعْنِى فى جَوازِ قَتْلِه، وفيما إذا أَتَى حدًّا فى الحَرَمِ، فإنَّ بعضَ الأصحابِ قال: يُغَلَّظُ. وهو نَظيرُ تغْليظِ الدِّيَةِ بالقَتْلِ فى ذلك. انتهى. وإنْ كانتِ المَعْصِيةُ فيها كفَّارَةٌ، كالظِّهارِ، وقَتْلِ شِبْهِ العَمْدِ ونحوِه، كالفِطْرِ فى رَمَضانَ بالجِماعِ، فهذا لا تعْزِيرَ فيه مع الكفَّارةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وصاحبِ «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. قال فى «الفُروعِ»: وهو الأَشْهَرُ. واخْتارَه القاضى، ذَكَرَه عنه فى «النُّكَتِ». وقيل: يُعَزَّرُ أيضًا. وأَطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، [و «الزَّرْكَشِىِّ». قال فى «الفُروعِ»] (1): وقوْلُنا: لا كفَّارَةَ. فائدَتُه فى الظِّهارِ، وشِبْهِ العَمْدِ، ونحوِهما، لا فى اليَمِينِ الغَمُوسِ إنْ وجبَتِ الكفَّارةُ، لاخْتِلافِ سبَبِها وسَبَبِ التَّعْزيرِ، فيَجِبُ التَّعْزيرُ مع الكفَّارةِ فيها.

قوله: وهو واجِبٌ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وعليه الأصحابُ. ونصَّ عليه فى سبِّ الصَّحابِىِّ، كحدٍّ، وكحَقِّ آدَمِىِّ طلَبَه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ.

وعنه، منْدوبٌ. نصَّ عليه فى تَعْزيرِ رَقِيقِه على مَعْصِيَةٍ، وشاهِدِ زُورٍ. وفى «الواضحِ»: فى وُجوبِ التَّعْزيرِ رِوايَتانِ. وفى «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : إنْ تَشاتَمَ والِدٌ ووَلَدُه، لم يُعَزَّرِ الوالِدُ [لحقِّ وَلَدِه، ويُعَزَّرُ الوَلَدُ لحقِّ والِدِه، ولا يجوزُ تعْزِيرُه إلَّا بمُطالَبَةِ الوالِدِ](1). وفى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» فى قَذْفِ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّغِيرَةِ: لا يحْتاجُ فى التَّعْزيرِ إلى مُطالَبَةٍ؛ لأنَّه مشْروعٌ لتأْديبِه، فللإمامِ تعْزِيرُه إذا رَآه. قال فى «الفُروعِ»: يُؤيِّدُه نصُّ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، فى مَن سبَّ صَحابِيًّا؛ يجبُ على السُّلْطانِ تأْدِيبُه. ولم يُقَيِّدْه بطَلَبِ وارِثٍ، مع أنَّ أَكْثَرَهم أو كثيرًا منهم له وارِثٌ. وقد نصَّ فى مَواضِعَ على التَّعْزِيرِ، ولم يُقَيِّدْه. وهو ظاهرُ كلامِ الأصحابِ، إلا ما تقدَّم فى «الأَحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» . ويأتِى فى أوَّل بابِ أدَبِ القاضى، إذا افْتاتَ خَصْمٌ على الحاكِمِ، له تعْزِيرُه، مع أنَّه [لا يحْكُمُ](1) لنَفْسِه إجْماعًا، فدَلَّ أنَّه ليس كحَقٍّ آدَمِىٍّ، المُفْتَقِرُ جوازُ إقامَتِه إلى طلَبٍ.

وقال المُصَنِّفُ، والشَّارحُ: إنْ كانَ التَّعْزيرُ منْصوصًا عليه، كوَطْءِ جارِيَةِ امْرَأتِه، أوِ المُشْترَكَةِ، وتجب، وإنْ كان غيرَ منْصوصٍ عليه، وجَب إذا رَأى المصْلَحَةَ فيه، أو عَلِمَ أنَّه لا ينْزَجِرُ إلَّا به، وإنْ رأى العَفْوَ عنه، جازَ. ويجِبُ إذا طالَبَ الآدَمِىُّ بحَقِّه. وقال فى «الكافِى»: يجِبُ فى مَوْضعَيْن فيهما الخَبَرُ، إِلَّا إنْ جاءَ تائِبًا، فله تَرْكُه. قال المَجْدُ: فإنْ جاءَ مَن يَسْتَوْجِبُ التَّعْزيرَ تائِبًا، لم يُعَزَّرْ عندِى. انتهى. وإنْ لم يَجِئْ تائِبًا، وجَب. وهو مَعْنَى كلامِه فى «الرِّعايَةِ» ، مع أنَّ فيها: له العَفْوُ عن حقِّ اللَّهِ. وقال: إنْ تَشَاتَمَ اثْنانِ عُزِّرَا، ويَحْتَمِلُ عدَمُه. وفى «الأَحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» ، يسْقُطُ بعَفْوِ آدَمِىِّ حقُّه وحقُّ السَّلْطَنَةِ. وفيه احْتِمالٌ، لا يسْقُطُ؛ للتَّهْذيبِ (2) والتَّقْويمِ. وقال فى «الانْتِصارِ»: وِلو قذَف مُسْلِمٌ كافرًا، التَّعْزيرُ للَّهِ، فلا يسْقُطُ بإسْقاطِه. نقَل المَيْمُونِىُّ فى مَن زَنى صغِيرًا، لم نرَ عليه شيئًا. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ فى صَبِىٍّ قال لرَجُلٍ: يا زانِى. ليس قوْلُه شيئًا. وكذا

(1) سقط من: الأصل.

(2)

فى أ: «للتهديد» .

ص: 449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «التَّبْصِرَةِ» أنَّه لا يُعَزَّرُ. وكذا فى «المُغْنِى» وزادَ، ولا لِعانَ، وأنَّه قولُ الأئمَّةِ الثَّلَاثَةِ، رحمهم الله. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله «فى الرَّدِّ على الرَّافِضِىِّ»: لا نِزاعَ بينَ العُلَماءِ أنَّ غيرَ المُكَلَّفِ، كالصَّبِى المُمَيِّزِ، يُعاقَبُ على الفاحِشَةِ تعْزِيرًا بَلِيغًا. وكذا المَجْنونُ يُضْرَبُ على ما فعَل ليُزْجَرَ، لكِنْ لا عُقوبَةَ بقَتْلٍ أو قَطْعٍ. وقال فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ»: وما أوْجَبَ حدًّا على مُكَلَّفٍ، عُزِّرَ به المُمَيِّزُ، كالقَذْفِ. قال فى «الواضِحِ»: مَن شرَع فى عَشْرٍ صَلَحَ تأْدِيبُه فى تَعْزِيرٍ على طَهارَةٍ وصلاةٍ، فكذا مِثْلُه زِنًى. وهو مَعْنَى كلامِ القاضى. وذكَر ما نَقَلَه الشَّالَنْجِىُّ فى الغِلْمانِ يتَمَرَّدُونَ، لا بأْسَ بضَرْبِهم. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ ما ذكَرَه الشَّيْخُ وغيرُه عنِ القاضى: يجبُ ضَرْبُه على صلاةٍ. وظاهِرُ كلامِهم فى تأْدِيبِه فى الإِجارَةِ والدِّياتِ، أنَّه جائِزٌ. وأمَّا القِصاصُ؛ مثْلَ أَنْ يظْلِمَ صَبِىٍّ صَبِيًّا، أو مَجْنونٌ مجْنونًا، أو بهِيمَةٌ بهِيمَةً، فيقْتَصُّ المَظْلُومُ مِنَ الظَّالِمِ، وإنْ لم يكُنْ فى ذلك زَجْرٌ، لكِنْ لاسْتِيفاءِ المَظْلومِ وأخْذِ حقِّه. وجزَم فى «الرَّوْضَةِ» ، إذا زَنَى ابنُ عَشْر، أو بِنْتُ تِسْعٍ، لا بأْسَ بالتَّعْزِيرِ. ذكَرَه فى «الفُروعِ» فى أثْناءِ بابِ المُرْتَدِّ.

فائدة: فى جَوازِ عَفْوِ وَلىِّ الأمْرِ عنِ التَّعْزيرِ الرِّوايَتان المُتَقَدِّمَتان فى وُجوبِ التَّعْزيرِ ونَدْبِه.

تنبيه: قولُه: كالاسْتِمْتاعِ الَّذى لا يُوجِبُ الحدَّ. قال الأصحابُ: يُعَزَّرُ على ذلك. وقال فى «الرِّعايَةِ» : هل حدُّ القَذْفِ حقٌّ للَّهِ، أو لآدَمِىٍّ؟ وأنَّ التَّعْزِيرَ لِمَا دُونَ الفَرْجِ مثْلُه؟

ص: 450

وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَحَلَّتْهَا لَهُ، فَيُجْلَدُ مِائَةً.

ــ

قوله: ومَن وَطِئَ أمَةَ امْرَأَتِه، فعليه الحَدُّ -بلا نِزاعٍ فى الجُملةِ- إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَحلَّتْها له، فَيُجْلَدُ مِائَةً. هذا المذهبُ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «العُمْدَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفرَداتِ المذهبِ.

ص: 451

وَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

وعنه، يجْلَدُ مِائَةً إلَّا سَوْطًا. وعنه، يُضْرَبُ عشَرَةَ أسْواطٍ. وهما مِنَ المُفْرَداتِ أيضًا.

قوله: وهل يَلْحَقُه نَسَبُ وَلَدِها؟ على رِوايتَيْن. وأَطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ،

ص: 452

وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالإِبَاحَةِ فى غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الهادِى» ، و «الكافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» ؛ إحْداهما، يَلْحَقُه نسَبُه (1). صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يلْحَقُه نسَبُه. وهو المذهبُ. نقَلَه الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وصحَّحه فى «النَّظْمِ». قال أبو بَكْرٍ: عليه العَمَلُ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: لِمَا لَزِمَه مِنَ الجَلْدِ أوِ الرَّجْمِ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: إنْ ظنَّ جوازَه، لَحِقَه، وإلَّا فرِوايَتان فيه، فى حدِّه. وعنه، يُحَدُّ، فلا يلْحَقُه نسَبُه، كما لو لم نُحِلَّها له، ولو مع ظَنِّ حِلِّها. نقَلَه مُهَنَّا. وعنه، فى مَن وَطِئَ أمَةَ امْرَأتِه، إنْ أكْرَهَها، عتَقَتْ وغَرِمَ مثْلَها، وإلَّا مَلَكَها. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: وليس ببعيدٍ مِنَ الأُصولِ. وهذه الرِّوايةُ ذكَرَها الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله.

(1) زيادة من: أ.

ص: 453

وَلَا يُزَادُ فى التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ، فى عيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:«ولَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إِلَّا فى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . وَعَنْهُ، مَا كَانَ سبَبُهُ الْوَطْءَ، كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ والْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِ، ضَرْبُ مِائَةٍ، ويَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْىُ،

ــ

قوله: ولا يُزَادُ فى التَّعْزِيرِ على عَشْرِ جَلَدَاتٍ، فى غيرِ هذا الموضِعِ. هذا إحْدَى الرِّواياتِ. نقَلَه ابنُ مَنْصورٍ. قال ابنُ مُنجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، إلَّا فى وَطْءِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ، [على ما يأْتِى. قال القاضى فى كتابِ «الرِّوايتَيْن»: المذهبُ عندِى، أنَّه لا يُزادُ على عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلَّا فى وَطْءِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ] (1)، وجارِيَةِ زوْجَتِه إذا أحَلَّتْها له. انتهى. قال الشَّارِحُ: وهو حسنٌ. وعنه، لا يُزادُ على تِسْعِ جَلَداتٍ. نقَلَها أبو الخَطَّابِ ومَن بعدَه. قال الزَّرْكَشِىُّ: ولا يظْهَرُ لى وَجْهُها. وذكَر ابنُ الصَّيْرَفِىِّ فى عُقوبَةِ أصحابِ الجرائمِ، أنَّ مَن صلَّى فى الأوْقاتِ المَنْهِىِّ عنها، ضُرِبَ ثلاثَ ضَرَباتٍ، منْقولٌ عنِ الصَّحابَةِ، رَضىَ اللَّهُ عنهم. وذكَر ابنُ بَطَّةَ فى

(1) سقط من: الأصل.

ص: 454

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كِتابِ الحَمَّامِ، أنَّ عُقوبَةَ مَن دَخَلَها بغيرِ مِئْزَرٍ، يُجْلَدُ خَمْسَ عَشْرَةَ جَلْدَةً. انتهى.

وعنه، ما كان سَبَبُه الوَطْءَ، كوَطْءِ جارِيَتِه المُشْتَرَكَةِ والمُزَوَّجَةِ ونحوِه،

ص: 455

وَكَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ فى مَن أَتَى بَهِيمَةً. وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يُبْلَغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ.

ــ

ضُرِبَ مِائَةً، ويسْقُطُ عنه النَّفْىُ. وهى الرِّوايةُ التى ذكَرَها المُصَنِّفُ هنا. قال: وكذلك تُخَرَّجُ فى مَن أَتَى بهِيمَةً. يعْنِى إذا قُلْنا: إنَّه لا يُحَدُّ. وهذا التَّخْرِيجُ لأبى الخَطَّابِ.

ص: 456

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اعلمْ أنَّه إذا وَطِئَ جارِيَتَه المُشْتَرَكَةَ، يُعَزَّرُ بضَرْبِ مِائَةٍ إلَّا سَوْطًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ونصَّ عليه فى رِوايةِ الجماعةِ. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يُضْرَبُ مِائَةً، ويسْقُطُ عنه النَّفْىُ، وله نقْصُه. وقدَّم فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، أنَّه يُجْلَدُ مِائَةً. قال فى «الخُلاصَةِ»: فما كان سَبَبُه الوَطْءَ، يُضْرَبُ فيه مِائَةً، ويسْقُطُ النَّفْىُ. وقيل: عَشْرُ جَلَداتٍ. انتهى. وجزَم به الأدَمِىُّ فى «مُنْتَخَبِه» . وعنه، لا يُزادُ على عَشْرِ جَلَداتٍ. وهو الَّذى قدَّمه المُصَنِّفُ هنا. وأمَّا إذا وَطِئَ جارِيَتَه المُزَوَّجِةَ، أوِ المُحَرَّمَةَ برَضاعٍ -إذا قُلْنا: لا يُحَدُّ بذلك. على ما تقدَّم فى بابِ حدِّ الزِّنى- فعنه، أنَّ حُكْمَه حكمُ وَطْءِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ، على ما تقدَّم. قال فى «الفُروعِ»: وهى أشْهَرُ عندَ جماعَةٍ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ هنا، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرهم.

ص: 457

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعنه، لا يُزادُ على عَشَرَةِ أسْواطٍ، وإنْ زِدْنا عليها فى وَطْءِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ. وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه. قدَّمه فى «الفُروعِ». قال القاضى: هذا المذهبُ. كما تقدَّم عنه. وأمَّا إذا وَطِئَ فيما دُونَ الفَرْجِ، فنقَل يَعْقُوبُ، أنَّ حُكْمَه حُكمُ الوَطْءِ فى الفَرْجِ، على ما تقدَّم. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرِّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ،

ص: 458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم، على ما قدَّمُوه. وعنه، لا يُزادُ فيه على عَشَرَةِ أسْواطٍ، وإنْ زِدْنا فى الوَطْءِ فى الفَرْجِ. قال القاضى: هذا المذهبُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وهو المذهبُ على المُصْطَلَحِ، كما تقدَّم.

فائدة: لو وَطِئَ ميِّتَةٍ، وقُلْنا: لا يُحَدُّ. على ما تقدَّم، عُزِّرَ بمِائَةِ جَلْدَةٍ، وإنْ وَطِئَ جاريَةَ ولَدِه، عُزِّر. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ويكونُ مِائَةً. وقيل: لا يُعَزَّرُ. وقيل: إنْ حمَلَتْ منه، مَلَكَها، وإلَّا عُزِّرَ. وإنْ وَطِئَ أمَةَ أحدِ أبوَيْه، عالِمًا بتَحْريمِه، وقُلْنا: لا يُحَدُّ. عُزِّرَ بمِائَةِ سَوْطٍ. وكذا لو وجَد مع امْرَأتِه رجُلًا، فإنَّه يُعَزَّرُ بمِائَةِ [جَلْدَةٍ. قال ذلك فى «الرِّعايتَيْن» وغيره. ويأْتِى فيه مِنَ الخِلافِ ما فى نظائرِه. وأمَّا العَبْدُ -على القولِ بأنَّ الحُرَّ يُعَزَّرُ بمِائةٍ](2)، أو

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا- فإنَّه يُجْلَدُ خَمْسِين إلَّا سَوْطًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: خَمْسونَ. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» .

وقولُ المُصَنِّفِ: وغيرُ الوَطْءِ لا يُبْلغُ به أدْنَى الحُدودِ. مِن تَتِمَّةِ الرِّوايَةِ، أو رِوايَةٌ برَأْسِها. وجزَم بهذا الخِرَقِىُّ وغيرُه. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم، إلَّا ما اسْتَثْنُوه ممَّا سبَبُه الوَطْءُ. فعلى هذه الرِّوايةِ، وهى اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ، لا يُبْلَغُ به (1) أدْنَى الحُدودِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: كذا فَهِمَ عنه القاضى وغيرُه. وقالَه فى «الفُصولِ» . وقال فى «الفُروعِ» : فعلى قولِ الخِرَقِىِّ، رُوِى عنه أدْنَى حدٍّ عليه، وهو أشْهَرُ. ونصَرَه أبو الخَطَّابِ وجماعةٌ. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو قولُ أكثرِ الأصحابِ. فعلى هذا، لا يُبْلَغُ بالحُرِّ أدْنَى حدِّه، وهو الأرْبَعُون أو الثَّمانُون، ولا بالعَبْدِ أدْنَى حدِّه، وهو العِشْرون أوِ (2) الأرْبَعُون. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ»: ويَحْتَمِلُ كلامُ الإِمامِ أحمدَ، والخِرَقِىِّ، رَحِمَهُما اللَّهُ، أَنْ لا يبلَغَ بكُلِّ جِنايَةٍ حدًّا مشْروعًا مِن جِنْسِها، ويجوزُ أَنْ يَزيدَ على حدٍّ مِن غيرِ جِنْسِها. فعلى هذا، ما كان سبَبُه الوَطْءَ، يجوزُ أَنْ

(1) فى الأصل: «بالحد» .

(2)

فى الأصل: «و» .

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُجْلَدَ مِائَةً إلَّا سَوْطًا؛ لينْقُصَ عن حدِّ الزِّنَى، وما كان سَبَبُه غيرَ الوَطْءِ، لم يُبْلَغْ به أدْنَى الحُدودِ. وإليه مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، رحمه الله. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو أقْعَدُ مِن جِهَةِ الدَّليلِ. زادَ فى «الفُروعِ» فقال: ويكونُ ما لم يَرِدْ به نصٌّ بحَبْسٍ وتَوْبِيخٍ. وقيل: فى حقِّ اللَّهِ الحَبْسُ والتَّوْبِيخُ.

فائدتان؛ إحْداهما، إذا عزَّره الحاكِمُ، أشْهَرَه لمَصْلَحَةٍ. نقَلَه عَبْدُ اللَّهِ فى شاهِدِ الزُّورِ. ويأتِى ذلك فى آخِرِ بابِ الشَّهادَةِ على الشَّهادَةِ.

الثَّانيةُ، يَحْرُمُ التَّعْزيرُ بحَلْقِ لِحْيَتِه، وفى تسْوِيدِ وَجْهِه وَجْهان. وأَطْلَقَهما فى «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ الجوازُ. وقد توَقَّفَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، فى تسْويدِ الوَجْهِ. وسُئِلَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، فى رِوايةِ مُهَنَّا عن تَسْويدِ الوَجْهِ؟ قال مُهَنَّا: فرَأيْتُ كأنَّه كَرِهَ تسْوِيدَ الوَجْهِ. قالَه فى «النُّكَتِ» فى شَهادَةِ الزُّورِ. وذكَر فى «الإِرْشادِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، أنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، حلَق رأْسَ شاهِدِ الزُّورِ. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ، عن أصحابِنا: لا يُرَكَّبُ، ولا يُحْلَقُ رأْسُه، ولا يُمَثَّلُ به، ثم جوَّزَه هو لمَن تكرَّرَ منه؛ للرَّدْعِ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: ورَد فيه عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، يُضْرَبُ ظَهْرُه، ويُحْلَقُ رأْسُه، ويُسَخَّمُ وَجْهُه، ويُطافُ به، ويُطالُ حَبْسُه (1). وقال فى «الأَحْكام السُّلْطانِيَّةِ»: له التَّعْزيرُ بحَلْقِ شَعَرِه لا لحْيَتِه، وبصَلْبِه حيًّا، ولا يُمْنَعُ مِن أكْلٍ ووُضوءٍ، ويُصَلِّى بالإِيماءِ ولا يُعِيدُ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. قال: ويتوَجَّهُ، لا يُمْنَعُ مِن صلاةٍ.

(1) أخرجه عبد الرزاق، فى: المصنف 8/ 326، 327. وابن أبى شيبة، فى: المصنف 10/ 41، 58. والبيهقى، فى: السنن الكبرى 10/ 142.

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال القاضى أيضًا: هل يُجَرَّدُ فى التَّعْزيرِ مِن ثِيَابِه إلَّا ما يَسْتُرُ عوْرَتَه؟ اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ عنه فى الحدِّ. قال: ويجوزُ أَنْ يُنادَى عليه بذَنْبِه إذا تكَرَّرَ منه ولم يُقْلِعْ. ثم ذكَر كلامَ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، فى شاهِدِ الزُّورِ، وقال: فنَصَّ أنَّه يُنادَى عليه بذَنْبِه، ويُطافُ به، ويُضْرَبُ مع ذلك. قال فى «الفُصولِ»: يُعَزَّرُ بقَدْرِ رُتْبَةِ المَرْمِىِّ، فإنَّ المَعَرَّةَ (1) تلْحَقُ بقَدْرِ مَرْتَبَتِه. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: يُعَزِّرُه بما يرْدَعُه، كعَزْلِ مُتَولٍّ. وقال: لا يتَقَدَّرُ، لكِنْ ما فيه مُقَدَّرٌ لا يبْلُغُه، فلا يُقْطَعُ بسَرِقَةٍ دُونَ نِصابٍ، ولا يُحدُّ حدَّ الشُّرْبِ بمَضْمَضَةِ خَمْرٍ، ونحوِه. وقال: هو رِوايةٌ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، واخْتِيارُ طائفَةٍ مِن أصحابِه، وقد يُقالُ بقَتْلِه للحاجَةِ. وقال: يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ داعِيَةٌ. وذكَرَه وَجْهًا وِفاقًا لمالِكٍ، رحمه الله. ونقَلَه إبْراهِيمُ بنُ سعيدٍ الأطْروشُ (2)، عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، فى الدُّعَاةِ مِن الجَهْمِيَّةِ. وقال

(1) فى النسخ: «المعيرة» . وانظر: «الفروع» 6/ 109.

(2)

ذكره ابن أبى يعلى فى طبقات الحنابلة 1/ 95، وقال: روى عن إمامنا أشياء.

ص: 462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، فى الخَلْوَةِ بأجْنَبِيَّةٍ، واتِّخاذِ الطَّوافِ بالصَّخْرَةِ دِينًا، وفى قَوْلِ الشَّيْخِ: انْذِرُوا لى، واسْتَعِينُوا بى: إنْ أصَرَّ ولم يَتُبْ، قُتِلَ. وكذا مَن تكرَّرَ شُرْبُه للخَمْرِ ما لم يَنْتَهِ بدُونِه؛ للأَخْبارِ فيه. ونصُّ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، فى المُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ، يُحْبَسُ حتَّى يَكُفَّ عنها. وقال فى «الرِّعايَةِ»: مَن عُرِفَ بأَذَى النَّاسِ ومالِهم، حتَّى بعَيْنِه، ولم يَكُفَّ، حُبِسَ حتَّى يموتَ. وقال فى «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ»: للوَالِى فِعْلُه لا للقاضى. ونَفَقَتُه مِن بَيْتِ المالِ لدَفْعِ ضرَرِه. وقال فى «التَّرْغيبِ» : للإِمامِ حَبْسُ العائِنِ. وتقدَّم فى أوائلِ كتابِ الجِنايَاتِ، إذا قتَل العائِنُ، ماذا يجِبُ عليه؟ قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ إنْ كَثُرَ مَجْزُومونَ ونحْوُهم، لَزِمَهُم التَّنَحِّى ناحِيَةً. وظاهرُ كلامِهم، لا يَلْزَمُهم، فللإِمامِ فِعْلُه. وجوَّز ابنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جاسُوسٍ للكُفَّارِ. وزادَ ابنُ الجَوْزِىِّ، إنْ خِيفَ دَوامُه. وتوَقَّفَ فيه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله. وقال ابنُ

ص: 463

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجَوْزِىِّ فى «كَشْفِ المُشْكِلِ» : دلَّ حدِيثُ حاطِبٍ (1) رَضىَ اللَّهُ عنه، على أنَّ الجاسُوسَ المُسْلِمَ لا يُقْتَلُ. ورَدَّه فى «الفُروعِ» ، وهو كما قال. وعندَ القاضى: يُعَنَّفُ ذُو الهَيْئَةِ، وغيرُه يُعَزَّرُ. وقال الأصحابُ: ولا يجوزُ قَطعُ شئٍ منه، ولا جَرْحُه، ولا أخْذُ شئٍ مِن مالِه. قال فى «الفُروعِ»: فيتَوجَّهُ أن إتْلافَه أوْلَى، مع أنَّ ظاهِرَ كلامِهم، لا يجوزُ. وجوَّزَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، التَّعْزيرَ بقَطْعِ الخُبْزِ، والعَزْلِ عنِ الوِلَاياتِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، لا نَفْىَ إلَّا للزَّانِى والمُخَنَّثِ. وقال القاضى: نَفْيُه دُونَ سنَةٍ. واحْتَجَّ به الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، وبنَفْىِ عمرَ، رَضىَ اللَّهُ عنه، نَصْرَ بنَ حَجَّاجٍ (2). وقال فى «الفُنونِ»: للسُّلْطانِ سُلوكُ السِّياسَةِ، وهو الحَزْمُ عندَنا، ولا تَقِفُ السِّياسَةُ على ما نطَق به الشَّرْعُ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: وقولُه: اللَّهُ أكبرُ علَيْك. كالدُّعاءِ عليه وشَتْمِه

(1) أخرجه البخارى، فى: باب الجاسوس وقول اللَّه تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر فى شعور أهل الذمة إذا عصين اللَّه وتجريدهن، من كتاب الجهاد والسير، وباب فضل من شهد بدرًا، وباب غزوة الفتح وما بعث حاطب بن أبى بلتعة إلى أهل مكة. . .، من كتاب المغازى، وباب {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ، من كتاب التفسير، و: باب من نظر فى كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره، من كتاب الاستئذان، وباب ما جاء فى المتأولين، من كتاب استتابة المرتدين. صحيح البخارى 4/ 72، 73، 92، 93، 5/ 99، 184، 185، 6/ 185، 186، 8/ 71، 72، 9/ 23، 24. ومسلم، فى: باب من فضل أهل بدر. . . وقصة حاطب بن أبى بلتعة، من كتاب فضائل الصحابة. صحيح مسلم 3/ 1782. وأبو داود، فى: باب فى حكم الجاسوس إذا كان مسلم، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 44. والترمذى، فى: باب تفسير سورة الممتحنة، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 12/ 191. والإمام أحمد فى: المسند 1/ 79، 105، 2/ 109.

(2)

هو نصر بن حجاج بن علاط السلمى. انظر قصته فى: الطبقات الكبرى، لابن سعد 3/ 285. والإصابة 6/ 485، 486.

ص: 464

وَمَنِ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، عُزِّرَ، وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنَ الزِّنَى، فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ.

ــ

بغيرِ فِرْيَةٍ، نحوَ: يا كَلْبُ. فله قوْلُه له، أو تعْزِيرُه. ولو لعَنَه فهل له أَنْ يلْعَنَه؟ ينْبَنِى على جَوازِ لَعْنَةِ المُعَيَّنِ. ومَن لَعَن نَصْرانِيًّا، أُدِّبَ أدبًا خفِيفًا، إلَّا أَنْ يكونَ قد صدَر مِنَ النَّصْرانِىِّ ما يقْتَضِى ذلك. وقال أيضًا: ومَن دُعِىَ عليه ظُلْمًا، فله أَنْ يدْعُوَ على ظالِمه [بمِثْلِ ما دَعَا به عليه، نحوَ: أخْزاكَ اللَّهُ. أو: لَعَنَكَ اللَّهُ. أو يشْتُمَه بغيرِ فِرْيَةٍ، نحوَ: يا كَلْبُ، يا خِنْزِيرُ. فله أَنْ يقُولَ له مِثْلَ ذلك. وقال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: الدُّعاءُ قِصاصٌ، ومَن دعَا على ظَالِمه](1) فما صَبَر. انتهى.

قوله: ومَن اسْتَمْنَى بيَدِه لغيرِ حاجَةٍ، عُزِّرَ. هذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ؛ لفِعْلِه مُحَرَّمًا. واجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يُكْرَهُ. نقَل ابنُ مَنْصُورٍ، لا يُعْجِبُنِى بلا ضَرُورَةٍ. قوله: وِإنْ فعَلَه خَوْفًا مِنَ الزِّنَى، فلا شئَ عليه. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ لإِباحَتِه إذَنْ. قال فى «الوَجيزِ»: وإنْ فَعَلَه خَوفًا مِنَ الزِّنَى، ولم يجِدْ طَوْلًا لحُرَّةٍ، ولا ثَمَنَ أمَةٍ، فلا شئَ عليه. وجزَم بأنَّه لا شئَ عليه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِى» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 465

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. قلتُ: لو قيلَ بوُجوبِه فى هذه الحالَةِ، لكانَ له وَجْهٌ، كالمُضْطَرِّ، بل أوْلَى، لأنَّه أخَفُّ. [ثم وجَدْتُ ابنَ نَصْرِ اللَّهِ فى «حَواشِى الفُروعِ» ذكَر ذلك](1). وعنه، يُكْرَهُ. وعنه، يَحْرُمُ، ولو خافَ الزِّنَى. ذكَرَها فى «الفُنونِ» ، وأنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَها، لأَنَّ (2) الفَرْجَ -مع إباحَتِه بالعَقْدِ- لم يُبَحْ بالضَّرُورَةِ، فهُنا أوْلَى، وقد جَعَل الشَّارِعُ الصَّوْمَ بدَلًا مِنَ النِّكاحِ، والاحْتِلامُ مُزِيلٌ لشِدَّةِ الشَّبَقِ مُفتِّرٌ للشَّهْوَةِ.

فائدتان، إحْداهما، لا يُباحُ الاسْتِمْناءُ إلَّا عندَ الضَّرُورَةِ، ولا يُباحُ نِكاحُ الإِماءِ إلَّا عنْدَ الضَّرُورَةِ، فإذا حصَلَتِ الضَّرورَةُ، قُدِّم نِكاحُ الإِماءِ، ولا يحِلَّ الاسْتِمْناءُ، كما قطَع به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله. وقدَّمه فى «القاعِدَةِ الثَّانيةَ عَشْرَةَ بعدَ المِائَةِ». وقال ابن عَقِيلٍ فى «مُفْرَداتِه»: الاسْتِمْناءُ أحبُّ إلَىَّ مِن نِكاحِ الأمَةِ. قال فى «القواعِدِ» : وفيه نظَرٌ. وهو كما قال.

الثَّانيةُ، حُكْمُ المرأةِ فى ذلك كلِّه حُكْمُ الرَّجُلِ، فتَسْتَعْمِلُ شيئًا مِثْلَ الذَّكَرِ عندَ الخَوْفِ مِنَ الزِّنَى. وهذا الصَّحيحُ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال ابنُ عَقِيلٍ: ويَحْتَمِلُ المَنْعَ وعَدَمَ القِياسِ. وقال القاضى فى ضِمْنِ المسْألَةِ، لمَّا ذكرَ المرْأةَ: قال بعضُ أصحابِنا: لا بأْسَ به إذا قَصَدَتْ به إطْفاءَ الشَّهْوَةِ والتَّعَفّفَ عنِ الزِّنَى. قال: والصَّحيحُ عندِى أنَّه لا يُباحُ.

(1) سقط من: الأصل.

(2)

فى الأصل: «لأبى» .

ص: 466