المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب العفو عن القصاص] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٠

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب العفو عن القصاص]

[بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ]

ِ قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقِصَاصُ، أَوْ الدِّيَةُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْخِيَرَةُ فِيهِ إلَى الْوَلِيِّ " فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ. وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ. وَإِنْ شَاءَ عَفَا إلَى غَيْرِ شَيْءٍ. وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ. بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: اسْتِيفَاءُ الْإِنْسَانِ حَقَّهُ مِنْ الدَّمِ عَدْلٌ، وَالْعَفْوُ إحْسَانٌ. وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ. لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إحْسَانًا إلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ. وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ. فَإِذَا حَصَلَ بِهِ ضَرَرٌ كَانَ ظُلْمًا مِنْ الْعَافِي، إمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ. فَلَا يُشْرَعُ. قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْمُحَارِبِينَ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مُطَالَبَةُ الْمَقْتُولِ بِالْقِصَاصِ تُوجِبُ تَحَتُّمَهُ. فَلَا يُمَكَّنُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَفْوِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَعْلَى. فَكَانَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْأَدْنَى. وَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ لَهُ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الدِّيَةُ هِيَ الَّتِي وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 3

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَهَا بِاخْتِيَارِهِ الْقِصَاصَ، فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي التَّرْغِيبِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: إنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ سَقَطَ الْقِصَاصُ. وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ كَانَ لَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الصُّلْحِ " حَيْثُ قَالَ " وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ بِدِيَاتٍ وَبِكُلِّ مَا يَثْبُتُ مَهْرًا " وَاسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ فَلْيُعَاوَدْ.

قَوْلُهُ (وَلَهُ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ سَخِطَ الْجَانِي) . يَعْنِي: إذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: مُوجِبُهُ الْقَوَدُ عَيْنًا، مَعَ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا.

ص: 4

وَعَنْهُ: أَنَّ مُوجِبَهُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ بِدُونِ رِضَا الْجَانِي فَيَكُونُ قَوَدُهُ بِحَالِهِ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ يَرْضَ الْجَانِي فَقَوَدُهُ بَاقٍ. وَيَجُوزُ لَهُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ رَضِيَ. وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَلَهُ الدِّيَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، أَوْ عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا، وَلَوْ عَنْ يَدِهِ: فَلَهُ الدِّيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى خَاصَّةً. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا وَقُلْنَا: يَجِبُ بِالْعَمْدِ قَوَدٌ أَوْ دِيَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوَدُ فَقَطْ سَقَطَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَلَمَّا يَذْكُرْ مَالًا فَإِنْ قُلْنَا: مُوجِبُهُ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُ شَيْئَيْنِ: ثَبَتَ الْمَالُ. وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقَوَدِ سَقَطَ. وَلَا شَيْءَ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، عَلَى كُلِّ قَوْلٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَمَنْ قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ طَرَفٍ قَدْ عَفَوْت عَنْك، أَوْ عَنْ جِنَايَتِك: فَقَدْ بَرِئَ مِنْ قَوَدِ ذَلِكَ وَدِيَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَبْرَأُ مِنْ الدِّيَةِ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْعَافِي أَنَّهُ أَرَادَهَا بِلَفْظِهِ.

ص: 5

وَقِيلَ: يَبْرَأُ مِنْهَا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَرَدْت الْقَوَدَ دُونَ الدِّيَةِ. فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ وَحْدَهُ: سَقَطَ وَلَا دِيَةَ. وَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُ شَيْئَيْنِ: انْصَرَفَ الْعَفْوُ إلَى الْقِصَاصِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى يَسْقُطَانِ جَمِيعًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ إلَى غَيْرِ مَالٍ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا: فَلَا مَالَ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ هَذَا لَغْوٌ. وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: سَقَطَ الْقِصَاصُ وَالْمَالُ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَبَرُّعَ لَهُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَالْمُكَاتَبُ. وَالْمَرِيضُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْوَرَثَةُ مَعَ اسْتِغْرَاقِ الدُّيُونِ لِلتَّرِكَةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَسْقُطُ الْمَالُ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنَّ الْعَفْوَ لَا يَصِحُّ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ، لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ. كَالْقَتْلِ مُكَابَرَةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي قَاتِلِ الْأَئِمَّةِ: يُقْتَلُ حَدًّا؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ عَامٌّ أَعْظَمُ مِنْ الْمُحَارِبِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ) . وَكَذَا لَوْ قُتِلَ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي فِي الْمَوْتِ. وَقَدَّمَاهُ فِي الْقَتْلِ. وَقِيلَ: تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ.

ص: 6

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَقَتْلِهِ. وَخَرَّجَهُ وَجْهًا. وَسَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا، أَوْ مُوسِرًا. وَسَوَاءٌ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا، أَوْ الْوَاجِبُ: أَحَدُ شَيْئَيْنِ. وَعَنْهُ: يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إذَا قُتِلَ إلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي. فَيُخَيَّرُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بَيْنَ قَتْلِهِ، أَوْ الْعَفْوِ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِدِ النَّصَّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَقَالَ: وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. وَقَدْ فَاتَ أَحَدُهُمَا فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ (وَإِذَا قَطَعَ إصْبَعًا عَمْدًا. فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ سَرَتْ إلَى الْكَفِّ، أَوْ النَّفْسِ، وَكَانَ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ: فَلَهُ تَمَامُ الدِّيَةِ) . يَعْنِي: تَمَامَ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَطَعَ إصْبَعًا عَمْدًا فَعَفَا عَنْهَا، فَسَرَتْ إلَى الْكَفِّ. فَقَالَ: لَمْ أَعْفُ عَنْ السِّرَايَةِ وَلَا عَنْ الدِّيَةِ: صُدِّقَ إنْ حَلَفَ. وَلَهُ دِيَةُ كَفِّهِ. وَقِيلَ: دُونَ إصْبَعٍ. وَقِيلَ: تُهْدَرُ كَفُّهُ بِعَفْوِهِ. وَإِنْ سَرَتْ إلَى نَفْسِهِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فَقَطْ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْعَفْوُ إلَى مَالٍ، وَإِلَّا فَلَا.

ص: 7

وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُهَا. وَقِيلَ: الْكُلُّ هَدَرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ: فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ تَمَامَ الدِّيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَلِيُّ بِنِصْفِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إنَّمَا عَفَا عَنْ نِصْفِهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا: انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُوجِبِ الْعَمْدِ) . فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ. وَإِنْ قِيلَ: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا: فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَا إلَى غَيْرِ مَالٍ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ الدِّيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، عَلَى الْأَوْلَى خَاصَّةً، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَقِيلَ: تَسْقُطُ الدِّيَةُ كُلُّهَا. كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ الْجَانِي الْعَافِي عَنْ الْقَطْعِ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ.

ص: 8

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ، أَوْ تَمَامُ الدِّيَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

فَائِدَةٌ: إذَا قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ " عَفَوْت عَنْك، أَوْ عَنْ جِنَايَتِك " بَرِيء مِنْ الدِّيَةِ. كَالْقَوَدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَبْرَأُ مِنْ الدِّيَةِ إذَا قَصَدَهَا بِقَوْلِهِ. وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى قَصْدَ الْقَوَدِ فَقَطْ قُبِلَ وَإِلَّا بَرِئَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: بَقِيَتْ الدِّيَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا فِي الْقِصَاصِ، ثُمَّ عَفَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ حَتَّى اقْتَصَّ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . يَعْنِي: عَلَى الْوَكِيلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ. وَهُوَ وَجْهٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ: وَقَالَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ: يَخْرُجُ فِي صِحَّةِ الْعَفْوِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَكِيلِ: هَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ عِلْمِهِ، أَمْ لَا؟ قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ: فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.

ص: 9

وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: لَا يَرْجِعُ بِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ: يَكُونُ فِي مَالِهِ حَالًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. فَعَلَيْهِمَا: إنْ كَانَ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، فَهِيَ لِلْعَافِي عَلَى الْجَانِي.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَافِي؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّ الْوَكِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ: صَحَّ) . سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ أَوْ الْوَصِيَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ فِي الْقَوَدِ: إنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قَوَدَ فِيهِ إذَا بَرِئَ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا " صَحَّ. وَلَمْ يَضْمَنْ السِّرَايَةَ.

ص: 10

فَإِنْ كَانَ عَمْدًا: لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً اُعْتُبِرَ خُرُوجُهُمَا مِنْ الثُّلُثِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: السُّقُوطُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَإِنْ قَالَ " عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ، أَوْ هَذِهِ الضَّرْبَةِ " فَعَنْهُ: يَضْمَنُ السِّرَايَةَ بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَإِنْ قَالَ " عَفَوْت عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ " وَأَطْلَقَ: لَمْ يَضْمَنْ السِّرَايَةَ. وَإِنْ قَصَدَ بِالْجِنَايَةِ الْجُرْحَ. فَفِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قَدَّمَ فِي النَّظْمِ عَدَمَ الضَّمَانِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأهُ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهَا، فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ: هَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " كِتَابِ الْمُقْنِعِ " وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي: إنْ كَانَ خَطَأً: اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ. وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: تَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَالِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

ص: 11

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَتَقَدَّمَ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْمُوصَى لَهُ " عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا جَرَحَهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجُرْحِ ". وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ، وَلَا وَصِيَّتُهُ بِهِ لِقَاتِلٍ وَلَا غَيْرِهِ. إذَا قُلْنَا: يَحْدُثُ، عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي " بَابِ الْمُوصَى بِهِ " فِيمَا إذَا قَتَلَ وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ: هَلْ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا؟ فَلْيُرَاجَعْ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، لَا الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: تَخَرَّجَ فِي السِّرَايَةِ فِي النَّفْسِ رِوَايَاتٌ: الصِّحَّةُ، وَعَدَمُهَا وَالثَّالِثَةُ: يَجِبُ النِّصْفُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الْعَفْوِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ. وَيَبْقَى مَا قَابَلَ السِّرَايَةَ. لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا. قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إلَى صِحَّتِهِ فِي الْعَمْدِ، وَفِي الْخَطَإِ مِنْ ثُلُثِهِ. قُلْت: وَذَكَرَ أَيْضًا هَذَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْقَاتِلَ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، أَوْ الْعَبْدَ مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ: لَمْ يَصِحَّ) . فِي الْأُولَى قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إبْرَاءُ الْعَبْدِ مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَاقِلَةَ أَوْ السَّيِّدَ: صَحَّ) .

ص: 12

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِحَالٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: تَجِبُ الدِّيَةُ لِلْوَرَثَةِ. لَا لِلْمَقْتُولِ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قِصَاصٌ، أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ: فَلَهُ طَلَبُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي حَدِّ الْقَذْفِ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ. لِأَنَّ السَّيِّدَ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مَالًا، أَوْ طَلَبَ بَدَلٍ هُوَ مَالٌ كَالْقِصَاصِ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَا لَهُ بَدَلٌ هُوَ مَالٌ: فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، كَالْقَسَمِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالْعُنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: إذَا قُلْنَا " الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ " يَحْتَمِلُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُطَالَبَةَ بِالدِّيَةِ مَا لَمْ يَعْفُ الْعَبْدُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُطَالَبَةَ بِالدِّيَةِ: فِيهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْعَبْدِ مِمَّا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مُخَيَّرًا فِيهِ. فَيَكُونُ مَنْفِيًّا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ: وَجْهَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ. وَهُنَا أَوْلَى بِعَدَمِ السُّقُوطِ. إذْ ذَاتُ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ. انْتَهَى.

ص: 13