الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ]
ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ إلَّا بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ. أَحَدُهَا: السَّرِقَةُ، وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ) . يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِلَا نِزَاعٍ. وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَوْ مُكْرَهًا. وَعَنْهُ: أَوْ سَكْرَانَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: تَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ السَّكْرَانِ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ ".
قَوْلُهُ (فَلَا قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا غَاصِبٍ، وَلَا خَائِنٍ، وَلَا جَاحِدِ وَدِيعَةٍ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا عَارِيَّةٍ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ شَاقِلَا، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ. وَهُوَ الَّذِي يَبُطُّ الْجَيْبَ وَغَيْرَهُ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَبَنَى الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ الْجَيْبَ وَالْكُمَّ: هَلْ هُمَا حِرْزٌ مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى كُمِّهِ وَيَزُرَّ جَيْبَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَمْ لَا؟ فَائِدَةٌ: يُقْطَعُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَخَذَهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ، وَكَانَ نِصَابًا، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حِرْزٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَبَنَى فِي التَّرْغِيبِ الْقَطْعَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ حِرْزًا.
تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُحْتَرَمًا) .
الْمِلْحُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْمِلْحِ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ: قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي. وَهَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ تُرَابٍ وَكَلَإٍ وَسِرْجِينٍ طَاهِرٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ فِي الْكَلَأِ الْوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْطَعُ بِهِ، اخْتَارَهُ النَّاظِمُ فِي السِّرْجِينِ، وَالتُّرَابِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ كَلَأٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: فِي السِّرْجِينِ الطَّاهِرِ. وَقَالَ فِي التُّرَابِ: الذِّمِّيُّ لَهُ قِيمَةٌ كَالْأَرْمَنِيِّ، وَاَلَّذِي يُعَدُّ لِلْغَسْلِ بِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَمَّا السَّرْجِينُ النَّجِسُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: يُقْطَعُ بِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ فِي الثَّلْجِ: وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي عَدَمَ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالْمِلْحِ. وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ شَاقِلَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُقْطَعُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ لَمْ يَتَمَوَّلْ عَادَةً كَمَاءٍ وَكَلَإٍ مُحَرَّزٍ فَلَا قَطْعَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الصَّيْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْوَاضِحِ: فِي صَيْدِ مَمْلُوكٍ مُحَرَّزٍ: رِوَايَتَانِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ، لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا
وَيَأْتِي: إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ. أَوْ الْمُسْتَأْمِنُ، أَوْ سُرِقَ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَغَيْرُهُمْ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. يَعْنِي: أَنَّ مُرَادَهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ كَبِيرٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ كَبِيرٍ أَكْرَهَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي الْعَبْدِ الْكَبِيرِ وَجْهَانِ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي سَرِقَةِ نَائِمٍ وَسَكْرَانَ: وَجْهَانِ.
الثَّانِيَةُ: لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُكَاتَبٍ، وَلَا بِسَرِقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْمُكَاتَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.
وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ، إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِهِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَا نَائِمَيْنِ، أَوْ مَجْنُونَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ سَرَقَ أُمَّ وَلَدٍ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً: قُطِعَ. وَإِنْ سَرَقَهَا كُرْهًا فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ، فَسَرَقَهُ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ: فَهَلْ يُقْطَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.
اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَاهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْطَعُ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: قُطِعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.
تَنْبِيهٌ:
أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ. وَقَيَّدَهَا جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحُلِيِّ. مِنْهُمْ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُصْحَفٍ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ، وَصَاحِبُ. الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَحَّحَهُ. فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُصُولِ. وَرَدَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي " كِتَابِ الْبَيْعِ ": إنْ حَرُمَ بَيْعُهُ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ. قَالَ ابْنُ مُعَلَّى الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةٍ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ: هَذَا عِنْدِي سَهْوٌ. وَصَوَابُهُ. إنْ جَازَ بَيْعُهُ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَمُ الْقَطْعِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ: قُطِعَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْطَعُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ أَوْ لَا. انْتَهَى. قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ سَرِقَةَ الْحُرِّ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ وَجَدْته فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ نَقَلَ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي.
قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ وَلَا مُحَرَّمٍ، كَالْخَمْرِ) . وَكَذَا كُتُبُ بِدَعٍ وَتَصَاوِيرَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُقْطَعُ بِذَلِكَ.
وَعَنْهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ سَرِقَةً. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حِلْيَةٌ قُطِعَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُقْطَعُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمِثْلُهُ فِي إنَاءٍ فُقِدَ. وَفِي الْفُصُولِ: فِي قُضْبَانِ الْخَيْزُرَانِ وَمَخَادِّ الْجُلُودِ الْمُعَدَّةِ لِتَغْبِيرِ الصُّوفِيَّةِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَآلَةِ لَهْوٍ. وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ وَضَمَانُهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا الْخَمْرُ، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ: لَمْ يُقْطَعْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يُقْطَعْ فِي الْأَظْهَرِ إذَا سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ. قَالَ الشَّارِحُ: إذَا سَرَقَ إنَاءً فِيهِ خَمْرٌ: لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ سَرَقَ صَلِيبًا أَوْ صَنَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا قَطْعَ فِيهِ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ فِي الْكُلِّ: فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: إذَا سَرَقَ صَلِيبَ ذَهَبٍ: قُطِعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ فِيمَا إذَا سَرَقَ صَلِيبًا أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ.
فَائِدَةٌ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ إنَاءِ نَقْدٍ، أَوْ دَرَاهِمَ فِيهَا تَمَاثِيلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ
وَقِيلَ: يُقْطَعُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ إنْكَارًا. فَإِنْ قَصَدَ الْإِنْكَارَ لَمْ يُقْطَعْ.
قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا. وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْعُرُوضِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. أَعَنَى أَنَّ الْأَصْلَ: هُوَ الدَّرَاهِمُ لَا غَيْرُ. وَالذَّهَبُ وَالْعُرُوضُ تُقَوَّمَانِ بِهَا. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنِ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ دِرْهَمٌ، أَوْ رُبْعُ دِينَارٍ، أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا. يَعْنِي: أَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَعُمْدَةِ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تُقَوَّمُ الْعُرُوض إلَّا بِالدَّرَاهِمِ، فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ أَصْلًا لِلْعُرُوضِ. وَيَكُونُ الذَّهَبُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لَا غَيْرُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَلَوْ سَرَقَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَا تُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ: قُطِعَ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ. وَلَوْ سَرَقَ دُونَ رُبْعِ مِثْقَالٍ، يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ: قُطِعَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى.
فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُكْمِلُ النِّصَابَ بِضَمِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ، إنْ جُعِلَا أَصْلَيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: أَصْلُ الْخِلَافِ: الْخِلَافُ فِي الضَّمِّ فِي الزَّكَاةِ. انْتَهَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُكْمِلُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.
الثَّانِيَةُ: يَكْفِي وَزْنُ التِّبْرِ الْخَالِصِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَكْفِي. بَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِالْمَضْرُوبِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي.
الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ النِّصَابِ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَاقِيَهُ، وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ: قُطِعَ. وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.
الثَّانِي: يُقْطَعُ، قَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ بَعْضُ شُيُوخِي. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ وَأَهْمَلَهُ: فَلَا قَطْعَ. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: يُبْنَى عَلَى فِعْلِهِ كَمَا يُبْنَى عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، إنْ عَادَ غَدًا. وَلَمْ يَكُنْ رَدَّ الْحِرْزَ، فَأَخَذَ بَقِيَّتَهُ وَسَلَّمَهُ الْقَاضِي لِكَوْنِ سَرِقَتِهِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِي لَيْلَةٍ قُطِعَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ، أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا: لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ) . إذَا سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصُهَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ. فَإِنْ نَقَصَتْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ قُطِعَ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ نَقَصَتْ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ " إذَا دَخَلَ الْحِرْزُ فَذَبَحَ شَاةً قِيمَتُهَا نِصَابٌ فَنَقَصَتْ. أَوْ قُلْنَا: هِيَ مَيِّتَةٌ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، أَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ فَأَتْلَفَهَا فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ " لَمْ يُقْطَعْ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّارِقَ إذَا ذَبَحَ الْمَسْرُوقَ: يَحِلُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَحَكَى رِوَايَةً: أَنَّهُ مَيْتَةٌ، لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ وَيَأْتِي أَيْضًا فِي الذَّكَاةِ. وَهُوَ مَحَلُّهَا.
وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ السَّارِقُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ قَبْلَهُ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ: لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْعَفْوُ عَنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. أَعْنِي عَلَى مَا بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ. وَقَالَ: فِي كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ " لَمْ يَسْقُطْ " وَالسُّقُوطُ يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْقَطْعِ. وَمِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقَطْعِ: مُطَالَبَةُ الْمَالِكِ. وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ الرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ. انْتَهَى وَعِبَارَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ: مِثْلُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ: لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ.
قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَة، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالنَّظْمِ. فَيُعَايَى بِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْخِرَقِيِّ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُغْنِي: يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ. انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ عَنْ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمِلٌ لِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُقْطَعُ السَّارِقُ وَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ السَّرِقَةُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ. بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ: الْقَطْعُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَقِيمَتُهُ وَحْدَهُ مَعَ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ: لَمْ يُقْطَعْ) بِلَا خِلَافٍ. لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قِيمَةُ الْمُتْلَفِ وَنَقْصُ التَّفْرِقَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ سَرَقَ جُزْءًا مِنْ كِتَابٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَنَظَائِرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَضَمَانُ مَا فِي وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ: يُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْغَصْبِ " بَعْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ الْفَائِقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ: قُطِعُوا، سَوَاءٌ أَخْرَجُوهُ جُمْلَةً، أَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ مَنْ أَخْرَجَ مِنْهُمْ نِصَابًا مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ: لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ بِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. كَمَا لَوْ [كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، كَأَبِي الْمَسْرُوقِ مِنْهُ] فَهَلْ يُقْطَعُ الْبَاقِي أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ.
قُلْت: وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ مَا إذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ".
الثَّانِيَةُ: لَوْ سَرَقَ لِجَمَاعَةٍ نِصَابًا: قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَاهُ الدَّاخِلُ إلَى خَارِجٍ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ: فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ وَحْدَهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا بِأَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَهُ: فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) . إذَا لَمْ يَتَوَاطَآ، فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَنْقُبَ أَحَدُهُمَا وَيَذْهَبَ، فَيَأْتِي الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَسْرِقُ: فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَوَاطَآ عَلَى ذَلِكَ) . فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْطَعَا. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً أَوْ ذَهَبًا، وَخَرَجَ بِهِ: فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ إنْ خَرَجَتْ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فِي الْحِرْزِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قُلْت: إتْلَافُهُ فِي الْحِرْزِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. بَلْ فَعَلَ فِيهِ مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الْإِتْلَافِ إنْ وُجِدَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ خَرَجَ فَفِيهِ وَجْهَانِ.
قَوْلُهُ (أَوْ نَقَبَ وَدَخَلَ، فَتَرَكَ الْمَتَاعَ عَلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. فَخَرَجَتْ بِهِ: فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَة، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَاقَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَوْ تَرَكَهُ فِي مَاءٍ جَارٍ فَأَخْرَجَهُ) . أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، ثُمَّ انْفَتَحَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ أَيْضًا.
فَائِدَةٌ: لَوْ عَلَّمَ قِرْدًا السَّرِقَةَ، فَسَرَقَ: لَمْ يُقْطَعْ الْمُعَلِّمُ. لَكِنْ يَضْمَنُهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَا بْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ.
قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْمَالِ: مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِيهِ. وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْبُلْدَانِ، وَعَدْلِ السُّلْطَانِ وَجَوْرِهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ حِرْزًا لِمَالٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِمَالٍ آخَرَ. وَرَدَّهُ النَّاظِمُ. وَحَمَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ. فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُمَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ. فَمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَعَدْلِهِ وَبَسْطِ الْأَمْنِ. وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ: يَرْجِعُ إلَى ضَعْفِ السُّلْطَانِ وَعَادَةِ الْبَلَدِ مَعَ الدُّعَّارِ فِيهِ. انْتَهَى. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (فَحِرْزُ الْأَثْمَانِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْقُمَاشِ، فِي الدُّورِ وَالدَّكَاكِينِ فِي الْعُمْرَانِ: وَرَاءَ الْأَبْوَابِ وَالْأَغْلَاقِ الْوَثِيقَةِ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ فِي قُمَاشٍ غَلِيظٍ وَرَاءَ غَلْقٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: مَا جُعِلَ لِلسُّكْنَى وَحِفْظِ الْمَتَاعِ كَالدُّورِ وَالْخِيَامِ حِرْزٌ، سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ [لَهُ حَارِسٌ] مُحَجَّرٌ بِالْبِنَاءِ.
فَائِدَةٌ: الصُّنْدُوقُ فِي السُّوقِ حِرْزٌ إذَا كَانَ لَهُ حَارِسٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَارِسٌ.
قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ: الْحَظَائِرُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: حِرْزُ الْحَطَبِ: تَعْبِئَتُهُ وَرَبْطُهُ بِالْحِبَالِ. وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَحِرْزُ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ: تَعْبِئَتُهُ وَرَبْطُهُ فِي حَظِيرَةٍ أَوْ فُنْدُقٍ مُغْلَقٍ أَوْ فِيهِ حَافِظٌ يَقْظَانُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَحِرْزُهَا فِي الْمَرْعَى بِالرَّاعِي وَنَظَرِهِ إلَيْهَا) . يَعْنِي: إذَا كَانَ يَرَاهَا فِي الْغَالِبِ. قَوْلُهُ (وَحِرْزُ حُمُولَةِ الْإِبِلِ: بِتَقْطِيرِهَا وَسَائِقِهَا وَقَائِدِهَا. إذَا كَانَ يَرَاهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: حِرْزُهَا بِقَائِدٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ إلَيْهَا وَيَرَاهَا إذَنْ، إلَّا الْأَوَّلَ مُحَرَّزٌ بِقَوْدِهِ. وَالْحَافِظُ الرَّاكِبُ فِيمَا وَرَاءَهُ كَقَائِدٍ.
قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ: بِالْحَافِظِ) . فَيُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْحَافِظِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حِرْزُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ بِحَافِظٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. وَمَالَ إلَيْهِ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَيْسَ الْحَمَّامِيُّ حَافِظًا بِجُلُوسِهِ، وَلَا الَّذِي يَدْخُلُ الطَّاسَاتِ.
فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا الثِّيَابُ فِي الْأَعْدَالِ، وَالْغَزْلُ فِي السُّوقِ وَالْخَانِ، إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ بِالْحَافِظِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ: عَلَى الْمَيِّتِ. فَلَوْ نَبَشَ قَبْرًا وَأَخَذَ الْكَفَنَ: قُطِعَ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ كَفَنًا مَشْرُوعًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ: قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْوَجِيزُ وَقَالَ: بَعْدَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ.
وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَقْبَرَةٍ مَصُونَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ. وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّبْصِرَةِ " مَصُونَةٍ ". قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَحِرْزُ كَفَنِ الْمَيِّتِ: قَبْرُهُ قَرِيبُ الْعُمْرَانِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى، قُلْت: قَرِيبُ الْعُمْرَانِ. وَقِيلَ: مُطْلَقًا. انْتَهَى. قُلْت: جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا: أَنَّ حِرْزَ كَفَنِ الْمَيِّتِ الْقَبْرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
فَائِدَةٌ: الْكَفَنُ مِلْكُ الْمَيِّتِ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ فِي الْجَنَائِزِ فَقَالَ: لَوْ كُفِّنَ، فَعَدِمَ الْمَيِّتُ، فَالْكَفَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، يُقْضَى مِنْهُ دُيُونَهُ. وَقِيلَ: مِلْكُ الْوَرَثَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَكَلَهُ ضَبُعٌ، فَكَفَنُهُ إرْثٌ. وَقَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ: الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ الْوَرَثَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: نَائِبُ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ عَدِمُوا. وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكَذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ لَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي " كِتَابِ الْفَرَائِضِ " وَابْنُ تَمِيمٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْكَفَنِ مِنْ " كِتَابِ الْجَنَائِزِ ".
قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَلْ يُفْتَقَرُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ إلَى الْمُطَالَبَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يُفْتَقَرُ إلَى ذَلِكَ. فَيَكُونُ الْمُطَالَبُ الْوَارِثَ.
وَالثَّانِي: لَا يُفْتَقَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَظْهَرُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَقِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَوَارِثُهُ لَا يَمْلِكُ إبْدَالَهُ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ، إذَا لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ، أَوْ عَيَّنَهُ بِوَصِيَّةٍ: تَعَيَّنَ كَوْنُهُ حَقًّا لِلَّهِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَثَوْبٌ رَابِعٌ وَخَامِسٌ مِثْلُهُ كَطِيبٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَفِي الطِّيبِ وَالثَّوْبِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَجْهَانِ.
قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْبَابِ: تَرْكِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ. فَلَوْ سَرَقَ رِتَاجَ. الْكَعْبَةِ) وَهُوَ الْبَابُ الْكَبِيرُ (أَوْ بَابَ مَسْجِدٍ، أَوْ تَأْزِيرَهُ: قُطِعَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِسَرِقَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سَتَائِرِهَا) . إذَا لَمْ تَكُنْ سَتَائِرُهَا مَخِيطَةً عَلَيْهَا: لَمْ يُقْطَعْ. وَإِنْ كَانَتْ مَخِيطَةً عَلَيْهَا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَخِيطَةِ عَلَيْهَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ قَنَادِيلَ الْمَسْجِدِ، أَوْ حَصَرَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُقْطَعُ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْطَعُ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا. فَإِنْ كَانَ كَافِرًا: قُطِعَ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: قَوْلًا وَاحِدًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي قَنَادِيلِهِ الَّتِي تَنْفَعُ الْمُصَلِّينَ وَبِوَارِيهِ وَحُصُرِهِ وَبُسُطِهِ: وَجْهَانِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ نَامَ إنْسَانٌ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ. فَسَرَقَهُ سَارِقٌ: قُطِعَ) . وَكَذَا إنْ نَامَ عَلَى مَجَرِّ فَرَسِهِ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ، أَوْ نَعْلِهِ فِي رِجْلِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ سَرَقَ مَرْكُوبَهُ مِنْ تَحْتِهِ: فَلَا قَطْعَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السُّوقِ غَزْلًا، وَثَمَّ حَافِظٌ: قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: حُكْمُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ بِالْحَافِظِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، هُنَاكَ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ النَّخْلِ، أَوْ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ: فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَيَضْمَنُ عِوَضَهَا مَرَّتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَكَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لَوْ سَرَقَ مَاشِيَةً مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ عِوَضَهَا مَرَّتَيْنِ، بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَمَّا غَيْرُ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ، إذَا سَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ: فَلَا يَضْمَنُ عِوَضَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، إلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ كَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ أَيْضًا. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا فِي الزَّرْعِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَكَذَا لَوْ سَرَقَ دُونَ نِصَابٍ مِنْ حِرْزٍ. يَعْنِي أَنَّهَا تَضْعُفُ قِيمَتُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ.
فَائِدَةٌ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى سَارِقٍ فِي عَامِ مَجَاعَةٍ. وَأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَبْذُلْهُ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا يُحْيِي نَفْسَهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْتَاجَ إذَا سَرَقَ مَا يَأْكُلُهُ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ. قَالَا: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَشْتَرِيهِ، أَوْ لَا يَجِدُ مَا يُشْتَرَى بِهِ. فَأَمَّا الْوَاجِدُ لِمَا يَأْكُلُهُ، أَوْ لِمَا يَشْتَرِيهِ وَمَا يُشْتَرَى بِهِ: فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ بِالثَّمَنِ الْغَالِي. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ. فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا الْوَلَدُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ عَدَمُ الْقَطْعِ بِالْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ: قَطْعُ الْكُلِّ، غَيْرَ الْأَبِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ) . وَكَذَا لَا يُقْطَعُ السَّيِّدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ عَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ مَلَكَ وَفَاءً، فَيُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِيمَنْ وَارِثُهُ حُرٌّ: يُقْطَعُ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا مُسْلِمٌ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ) . لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلَا الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ " أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ مَالِ سَيِّدِهِ. فَدَخَلَ فِيهِ بَيْتُ الْمَالِ. أَوْ يُقَالُ: لِلسَّيِّدِ شُبْهَةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَهَذَا عَبْدُهُ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يُقْطَعُ عَبْدُ مُسْلِمٍ بِسَرِقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: عَبْدٌ مُسْلِمٌ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُسْلِمِ لَهُ شُبْهَةٌ. وَهُوَ أَنَّ سَيِّدَهُ لَوْ افْتَقَرَ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ فِي نَفْسِهِ: كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. انْتَهَى. وَجَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: سَرِقَةَ عَبْدِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَنَحْوِهِمَا: مِثْلُ سَرِقَةِ الْعَبْدِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ مُخَالِفٌ.
تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ: لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ وَقْفٍ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَا قَطْعَ بِذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ: قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَقِيلَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ الْمُحْرَزِ عَنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ: الثَّانِيَةُ: يُقْطَعُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا، أَوْ نَفَقَةَ وَلَدِهَا، فَأَخَذَتْهَا: لَمْ تُقْطَعْ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: وَكَذَا لَوْ أَخَذَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِرْزٍ مُفْرَدٍ: فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ.
قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ سَائِرُ الْأَقَارِبِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ أَقَارِبِهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ ذُو الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ.
قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ. وَيُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَضَمَانِ مُتْلَفٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ مُسْتَأْمَنٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، كَحَدِّ خَمْرٍ وَزِنًا، نَصَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ لِلشِّيرَازِيِّ: لَا يُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ مَالِ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا، وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ: لَمْ يُقْطَعْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ بِحَلِفِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ.
وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ وَقَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا بِالْقَطْعِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبُّ الدَّارِ أَنْ أُخْرِجَهُ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلَهُ حَدُّ الزِّنَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا يُحَدُّ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَالَ السَّارِقِ، أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ، مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ، أَوْ الْمَغْصُوبَةُ: لَمْ يُقْطَعْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ إنْ تَمَيَّزَ الْمَسْرُوقُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْحِرْزِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ: قُطِعَ، إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ، فَيَسْرِقُ قَدْرَ حَقِّهِ: فَلَا يُقْطَعُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ.
وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ مُطْلَقًا. بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ دَيْنِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ سَرَقَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ، أَوْ الْمَغْصُوبَ أَجْنَبِيٌّ: لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَجَّرَ دَارِهِ، أَوْ أَعَارَهَا. ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ: قُطِعَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: احْتِمَالٌ إنْ قَصَدَ بِدُخُولِهِ الرُّجُوعَ فِي الْعَارِيَّةِ لَمْ: يُقْطَعْ. وَفِي الْفُنُونِ: لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِهِ، لَا بِسَرِقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَعَارَهُ ثَوْبًا وَسَرَقَ ضِمْنَهُ شَيْئًا وَلَا فَرْقَ.
قَوْلُهُ (السَّادِسُ:)(ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ مِنْ شَرْطِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا: أَنْ يَصِفَا السَّرِقَةَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى فِي الْأَصَحِّ.
وَقِيلَ: تُسْمَعُ.
تَنْبِيهٌ: اشْتِرَاطُ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ لِأَجْلِ الْقَطْعِ. أَمَّا ثُبُوتُ الْمَالِ: فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَبِإِقْرَارِهِ مَرَّةً. عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (أَوْ إقْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ) . وَوَصْفُ السَّرِقَةِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالزِّنَا. فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ وَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. بِخِلَافِ الْقَذْفِ لِحُصُولِ التَّعْيِيرِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. أَعَنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إقْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ. وَيَكْتَفِي بِذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: فِي إقْرَارِ عَبْدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ نَقَلَهُ مُهَنَّا لَا يَكُونُ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إقْرَارِهِ، حَتَّى يُقْطَعَ) . فَإِنْ رَجَعَ: قُبِلَ بِلَا نِزَاعٍ. كَحَدِّ الزِّنَا. بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ. فَإِنَّ رُجُوعَهُ لَا يُقْبَلُ. أَمَّا لَوْ شَهِدَتْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ جَحَدَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ: فَهَلْ يُقْطَعُ نَظَرًا لِلْبَيِّنَةِ، أَوْ لَا يُقْطَعُ نَظَرًا لِلْإِقْرَارِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. حَكَاهُمَا الشِّيرَازِيُّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَمَعَ هَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِلْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَطَلَبُ رَبِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ شَرْطٌ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ، عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ: وَإِنْ قُطِعَ دُونَ الْمُطَالَبَةِ أَجْزَأَ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ " وَلَوْ قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ".
فَائِدَةٌ: وَكِيلُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ كَهُوَ. كَذَا وَلِيُّهُ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا حُكْمُ سَرِقَةِ الْكَفَنِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ: قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ وَحُسِمَتْ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَسْمَ وَاجِبٌ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ الْحَسْمَ مُسْتَحَبٌّ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا " هَلْ الزَّيْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ السَّارِقِ؟ ".
فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ. زَادَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَ: حُبِسَ، وَلَمْ يُقْطَعْ) .
يَعْنِي: بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، إنْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيَاسُ قَوْلِ شَيْخِنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ تَيْمِيَّةَ رحمه الله أَنَّ السَّارِقَ كَالشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ يُقْتَلُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَتُبْ بِدُونِهِ. انْتَهَى قُلْت: بَلْ هَذَا أَوْلَى عِنْدَهُ، وَضَرَرُهُ أَعَمُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجْلِسُ فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى يَتُوبَ، كَالْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ الْحَبْسَ. وَمُرَادُهُمْ الْأَوَّلُ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يُحْبَسُ وَيُعَذَّبُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُحْبَسُ أَوْ يُغَرَّبُ. قُلْت: التَّغْرِيبُ بَعِيدٌ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ: يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ، وَلَيْسَ لَهُ يَدٌ يُمْنَى: قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى، لَكِنْ لَا رِجْلَ لَهُ يُسْرَى: فَإِنَّ يَدَهُ الْيُمْنَى تُقْطَعُ
بِلَا نِزَاعٍ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ. وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَقَطْ، أَوْ يَدَيْهِ: فَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ رِجْلَيْهِ، أَوْ يُمْنَاهُمَا: قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُطِعَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا تُقْطَعُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى، فَذَهَبَتْ: سَقَطَ الْقَطْعُ. وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى: لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَتُقْطَعُ عَلَى الْأُخْرَى) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأُولَى: وَمَنْ سَرَقَ وَلَهُ يَدٌ يُمْنَى، فَذَهَبَتْ هِيَ أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ رِجْلَيْهِ، أَوْ إحْدَاهُمَا: فَلَا قَطْعَ؛ لِتَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهَا لِوُجُودِهَا. كَجِنَايَةٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ فَمَاتَ. وَإِنْ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ، أَوْ يُمْنَاهُمَا. فَقِيلَ: يُقْطَعُ كَذَهَابِ يُسْرَاهُمَا. وَقِيلَ: لَا لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ يُمْنَاهُمَا فَقَطْ: قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ عَلَيْهِمَا. يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ، فَقَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) . وَإِنْ قَطَعَهَا خَطَأً فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا. وَفِي قَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ وَجْهَانِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالثَّانِي: لَا يُقْطَعُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ: إذَا قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا: أُقِيدَ مِنْ الْقَاطِعِ. وَهَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَصْلُهُ: هَلْ يَقْطَعُ أَرْبَعَتَهُ، أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَطَعَهَا خَطَأً: أَخَذَ مِنْ الْقَاطِعِ الدِّيَةَ. وَهَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَيَا. فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَرَّةً ثَالِثَةً: أَنَّ يُسْرَى يَدَيْهِ لَا تُقْطَعُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: إنْ قَطَعَهَا مَعَ دَهْشَةٍ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُ: كَفَتْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَقْطٌ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ الْقَطْعَ يُجْزِئُ وَلَا ضَمَانَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الِانْتِصَارِ، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَضْمِينَهُ نِصْفَ دِيَةٍ.
قَوْلُهُ (وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ، فَتُرَدُّ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ إلَى مَالِكِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً: غَرِمَ قِيمَتَهَا وَقُطِعَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا غُرْمَ لِهَتْكِ حِرْزٍ وَتَخْرِيبِهِ.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجِبُ الزَّيْتُ الَّذِي يُحْسَمُ بِهِ) وَكَذَا أُجْرَةُ الْقَطْعِ. (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ السَّارِقِ) ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ.
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ مِنْ مَالِ السَّارِقِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَجِبُ مِنْ مَالِ السَّارِقِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ احْتِيَاطٌ لَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: أَنَّ الزَّيْتَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ.
فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ الْيَدُ الَّتِي وَجَبَ قَطْعُهَا شَلَّاءَ، فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَيَنْتَقِلُ، قَدَّمَهُ النَّاظِمُ، وَالْكَافِي وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَعَ أَمْنِ تَلَفِهِ بِقَطْعِهَا.
صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِ الْيَدِ كَقَطْعِ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا، أَوْ أَرْبَعٍ مِنْهَا. فَإِنْ ذَهَبَتْ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ، أَوْ وَاحِدَةٌ غَيْرُهُمَا: أَجْزَأَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ إذَا قُطِعَ الْإِبْهَامُ. وَتُجْزِئُ إذَا قُطِعَتْ السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى فَإِنْ بَقِيَ إصْبَعَانِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ قَطْعُهُمَا، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ.
بَابُ حَدِّ الْمُحَارَبِينَ تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (وَهُمْ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِالسِّلَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ فَيَغْصِبُونَهُمْ الْمَالَ مُجَاهَرَةً) . وَلَوْ كَانَ سِلَاحُهُمْ الْعِصِيَّ وَالْحِجَارَةَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ وَعَصًا وَحَجَرٍ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يُعْطَوْنَ حُكْمَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْأَيْدِي، وَالْعِصِيُّ، وَالْأَحْجَارُ: كَالسِّلَاحِ فِي وَجْهٍ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهَا: لَوْ غَصَبُوهُمْ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ سِلَاحٍ: كَانُوا مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ.
فَائِدَةٌ: مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا. لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فِي الصَّحْرَاءِ) . كَذَا قَالَ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فِي صَحْرَاءَ بَعِيدَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ: لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ. فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. هُوَ الْأَشْهَرُ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُمْ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُ الْمِصْرِ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ إنْ لَمْ يُغَثْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ. ذَكَرَهُ فِي الطَّبَقَاتِ.
تَنْبِيهٌ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَتَوَقَّفَ فِيهِمْ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَأَخَذَ الْمَالَ: قُتِلَ حَتْمًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يُزَادُ عَلَى الْقَتْلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ أَوَّلًا، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقِيلَ: وَيُصْلَبُونَ بِحَيْثُ لَا يَمُوتُونَ. قَوْلُهُ (وَصُلِبَ حَتَّى يَشْتَهِرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يُتَمَثَّلُ بِهِ وَيُعْتَبَرُ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعِنْدَ ابْنِ رَزِينٍ: يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الصَّلْبَ بَعْدَ قَتْلِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ أَوَّلًا، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ " أَنَّهُ " هَلْ يُقْتَلُ أَوْ لَا؟ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصْلَبُ، أَوْ يُصْلَبُ عَقِبَ الْقَتْلِ ".
فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ: لَمْ يُصْلَبْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُصْلَبُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ) يَعْنِي: كَوَلَدِهِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ. (فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ إحْدَاهُمَا: يُقْتَلُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُقْتَلُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْتَلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَمَشَى عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ: فَهَلْ يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ إحْدَاهُمَا: لَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَحَتَّمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَا يَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَوَدِ فِي الطَّرْفِ إذَا كَانَ قَدْ قُتِلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي: أَنْ يَسْقُطَ تَحَتُّمُ قَوَدِ طَرْفٍ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا الِاحْتِمَالَ. فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ الْجِنَايَةُ، إنْ قُلْنَا: يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهَا. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ. إنْ قُلْنَا: يَتَحَتَّمُ فِي الطَّرْفِ، وَهَذَا وَهْمٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَلِكَ الطَّلِيعُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: السَّرِقَةُ كَذَلِكَ، فَرِدْءٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَهُوَ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمَالَ آخِذُهُ. وَقِيلَ: قَرَارُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: مَنْ قَاتَلَ اللُّصُوصَ، وَقُتِلَ: قُتِلَ الْقَاتِلُ فَقَطْ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يُقْتَلُ الْآمِرُ كَرِدْءٍ، وَأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ كَذَلِكَ وَفِي السَّرِقَةِ فِي الِانْتِصَارِ: الشَّرِكَةُ تُلْحِقُ غَيْرَ الْفَاعِلِ بِهِ، كَرِدْءٍ مَعَ مُبَاشِرٍ.
وَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ: إنَّمَا قُطِعَ جَمَاعَةٌ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لِلسَّعْيِ بِالْفَسَادِ. وَالْغَالِبُ مِنْ السُّعَاةِ: قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَالتَّلَصُّصُ بِاللَّيْلِ وَالْمُشَارَكَةُ بِأَعْوَانٍ، بَعْضُهُمْ يُقَاتِلُ أَوْ يَحْمِلُ، أَوْ يُكَثَّرُ، أَوْ يَنْقُلُ. فَقَتَلْنَا الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْفَسَادِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ: قُتِلَ) . يَعْنِي: حَتْمًا مُطْلَقًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ حَتْمًا إنْ قَتَلَهُ لِقَصْدِ مَالِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: فِي غَيْرِ مُكَافِئٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا أَثَرَ لِعَفْوِ وَلِيٍّ. فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُصْلَبُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُصْلَبُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُصْلَبُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلْ: قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَحُسِمَتَا وَخُلِّيَ) . يَعْنِي: يَكُونُ ذَلِكَ حَتْمًا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَتَّبًا، بِأَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى أَوَّلًا، ثُمَّ رِجْلَهُ الْيُسْرَى. وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، ثُمَّ أَوْجَبَهُ. لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي مِثْلِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَخَرَجَ عَدَمُ الْقَطْعِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُكَافَأَةِ.
فَائِدَةٌ: مِنْ شَرْطِ قَطْعِهِ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حِرْزٍ. فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مُنْفَرِدٍ عَنْ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ: لَمْ يُقْطَعْ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ فِي الْمَالِ الْمَأْخُوذِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَقْطُوعَةً، أَوْ مُسْتَحَقَّةً فِي قِصَاصٍ، أَوْ شَلَّاءَ: قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَهَلْ تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ؟ يُبْنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ) وَهُوَ بِنَاءٌ صَحِيحٌ، فَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ: عَدَمُ الْقَطْعِ. فَكَذَا هُنَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَا بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَقِيلَ: يُقْطَعُ الْمَوْجُودُ مَعَ يَدِهِ الْيُسْرَى. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِ: إنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ قَوَدًا وَاكْتَفَى بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى فَفِي إمْهَالِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. .
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قُطِعَتْ يُسْرَاهُ قَوَدًا وَقُلْنَا: تُقْطَعُ يُمْنَاهُ كَسَرِقَةٍ: أُمْهِلَ. وَإِنْ عَدِمَ يُسْرَى يَدَيْهِ: قُطِعَتْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ.
وَيَتَخَرَّجُ: لَا تُقْطَعُ، كَيُمْنَى يَدَيْهِ، فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ حَارَبَ مَرَّةً ثَانِيَةً: لَمْ تُقْطَعْ أَرْبَعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي السَّارِقِ إذَا سَرَقَ مَرَّةً ثَالِثَةً، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَلَا أَخَذَ الْمَالَ: نُفِيَ وَشُرِّدَ. فَلَا يُتْرَكُ يَأْتِي إلَى بَلَدٍ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُعَزَّرُ، ثُمَّ يُنْفَى وَيُشَرَّدُ. وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ حَبْسُهُ. وَفِي الْوَاضِحِ، وَغَيْرِهِ، رِوَايَةٌ: نَفْيُهُ طَلَبُهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: دُخُولُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ. وَأَنَّهُ يُنْفَى. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا تُعْرَفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ. وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، فَالْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ: كَفُّهُ عَنْ الْفَسَادِ. وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ. انْتَهَى.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقِينَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّبْصِرَةِ.
الثَّانِيَةُ: لَا يَزَالُ مَنْفِيًّا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُنْفَى عَامًا. وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ احْتِمَالَيْنِ. وَقَالَا: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا قَدْرَ مُدَّةِ نَفْيِهِمْ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ مِنْ الصَّلْبِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَأَطْلَقَ فِي الْمُبْهِجِ فِي حَقِّ اللَّهِ رِوَايَتَيْنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَقَطَعَ فِي آخِرِهِ بِالْقَبُولِ. قَوْلُهُ (وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ: مِنْ الْأَنْفُسِ، وَالْجِرَاحِ وَالْأَمْوَالِ. إلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُ عَنْهَا) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَحُقُوقَ اللَّهِ، فِيمَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: هَذَا فِيمَنْ تَحْتَ حُكْمِنَا. ثُمَّ قَالَ: وَفِي خَارِجِيٍّ، وَبَاغٍ وَمُرْتَدٍّ، وَمُحَارِبٍ: الْخِلَافُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا، يَعْنِي: بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله. وَقِيلَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ. وَقِيلَ: وَقَرِينَةٍ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْكَافِرُ: فَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ فِي كُفْرِهِ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ سِوَى ذَلِكَ - مِثْلُ الشُّرْبِ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَنَحْوِهَا - فَتَابَ قَبْلَ إقَامَتِهِ: لَمْ يَسْقُطْ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ إصْلَاحِ الْعَمَلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِبَيِّنَةٍ: لَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ. ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَلَكِنْ أَطْلَقَ الثُّبُوتَ. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ " إذَا تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ قَبْلَ التَّعْزِيرِ: هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ، أَمْ لَا؟ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالرِّوَايَةِ الْأُولَى: يَسْقُطُ فِي حَقِّ مُحَارِبٍ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْقُطَ، كَمَا قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ.
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمِنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الذِّمِّيِّ. وَنَقَلَ فِيهِ أَبُو دَاوُد عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: إنْ أَكْرَهَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمَةً، فَوَطِئَهَا: قُتِلَ. لَيْسَ عَلَى هَذَا صُولِحُوا. وَلَوْ أَسْلَمَ هَذَا حُدَّ، وَجَبَ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ: سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَأَنَّهُ أَوْجَبَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَفْرِقَةٍ بَيْنَ إسْلَامٍ وَتَوْبَةٍ وَيُتَوَجَّهُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً مَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَسْقُطُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِإِسْلَامٍ إذَا أَسْلَمَ: سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ بِالْكُفْرِ. كَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ. وَفِي الْمُبْهِجِ احْتِمَالٌ: يُسْقَطُ حَدُّ زِنَا ذِمِّيٍّ. وَيُسْتَوْفَى حَدُّ قَذْفٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.
وَفِي الرِّعَايَةِ: الْخِلَافُ. وَهُوَ مَعْنَى مَا أَخَذَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ عَدَمِ إعْلَامِهِ، وَصِحَّةِ تَوْبَتِهِ: أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَسْقُطُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُوجِبُ مَالًا، وَإِلَّا سَقَطَ إلَى مَالٍ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فِي إسْقَاطِ التَّوْبَةِ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ، قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا: رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ الْمَذْهَبُ " وَعَنْهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ
إصْلَاحِ الْعَمَلِ " فَلَا يُشْتَرَطُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْبَةِ. بَلْ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْكَافِي: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُعْتَبَرُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْبَةِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا صَلَاحُ عَمَلِهِ مُدَّةً. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا وَهُوَ سُقُوطُ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ فَقِيلَ: يَسْقُطُ بِهَا قَبْلَ تَوْبَتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ.
وَقِيلَ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ. وَقِيلَ: قَبْلَ إقَامَتِهِ. [وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إصْلَاحُ الْعَمَلِ مُدَّةً يَتَبَيَّنُ فِيهَا صِحَّةَ تَوْبَتِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي فِي سُقُوطِ حَدِّ الزَّانِي، وَالشَّارِبِ، وَالسَّارِقِ، وَالْقَاذِفِ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ، وَقِيلَ: قَبْلَ تَوْبَتِهِ رِوَايَتَانِ] . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَغَيْرِهِمْ. بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، كَمَا قَالَ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَفِي بَحْثِ الْقَاضِي: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِهِمْ أَوَّلًا.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: تُقْبَلُ وَلَوْ فِي الْحَدِّ. فَلَا يُكْمَلُ، وَأَنَّ هَرَبَهُ فِيهِ تَوْبَةٌ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ، أَوْ مَالُهُ: فَلَهُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ دَفْعَهُ بِهِ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ لَهُ: الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إذَا أَمْكَنَهُ هَرَبٌ أَوْ احْتِمَاءٌ وَنَحْوُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ لَهُ الْمُنَاشَدَةُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ لَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْأَسْهَلِ ابْتِدَاءً. إنْ خَافَ أَنْ يُبَدِّدَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يَجْهَلُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِالْقَتْلِ: فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ قَوْلًا بِالضَّمَانِ، مِنْ ضَمَانِ الصَّائِلِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ.
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْغَصْبِ: لَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ مَالِهِ: قُتِلَ. وَلَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ: لَمْ يُقْتَلْ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْفُصُولِ: يَضْمَنُ مَنْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ، وَمَالِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي فِتْنَةٍ، أَوْ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَنِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَإِنْ كَانَ فِي فِتْنَةٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْهَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ حُرْمَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، قَدَّمَهُ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَمِنْهَا: لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ.
قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ: وَمِنْهَا: لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَالِهِ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ: وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَحُرْمَتِهِ، وَمَالِهِ، وَعِرْضِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ. وَمِنْهَا: لَهُ بَذْلُ الْمَالِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ: أَنَّ تَرْكَ قِتَالِهِ عَنْهُ أَفْضَلُ. وَأَطْلَقَ رِوَايَتَيْ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ فِي الذِّمِّيِّ مُرَادٌ غَيْرُهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ يُرِيدُ الْمَالَ أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ، وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا عِوَضَ لَهَا.
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ لَا بَأْسَ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَكَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ أَيْضًا، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ الدَّافِعِ. كَذَا مَالُهُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يَجُوزُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا، وَإِلَّا حَرُمَ. وَقِيلَ فِي جَوَازِهِ عَنْهُمَا وَعَنْ حُرْمَتِهِ: رِوَايَتَانِ. نَقَلَ حَرْبٌ الْوَقْفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ أَحْمَدُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَا يُقَاتِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ لِمَالِ غَيْرِهِ. وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لُزُومَهُ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ.
قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: فَإِنْ أَبِي أَعْلَمَ مَالِكَهُ. فَإِنْ عَجَزَ: لَزِمَتْهُ إعَانَتُهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِلُزُومِ دَفْعِ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِإِبَاحَتِهِ عَنْ مَالِهِ وَحُرْمَتِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَحُرْمَتِهِ وَأَنَّ فِي إبَاحَتِهِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ وَصَلَاةِ خَوْفٍ لِأَجْلِهِ: رِوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: وَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمَطْلُوبِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مَنْ أَرَادَ نَفْسَهُ، أَوْ يَجِبُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَمَّا دَفْعُ الْإِنْسَانِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ: فَيَجُوزُ، مَا لَمْ يُفْضِ إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، انْتَهَى.
وَمِنْهَا: لَوْ ظَلَمَ ظَالِمٌ، فَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ: لَا يُعِينُهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ ظُلْمِهِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِينُوهُ، أَخْشَى أَنْ يَجْتَرِئَ يَدَعُوهُ حَتَّى يَنْكَسِرَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَسَأَلَهُ صَالِحٌ فِيمَنْ يَسْتَغِيثُ بِهِ جَارُهُ؟ قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحَةٍ بِاللَّيْلِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِمَا خِلَافُهُ. وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا أَوْ بَهِيمَةً) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الْأَوْلَى مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبَهِيمَةِ: وُجُوبُ الدَّفْعِ إذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا لَوْ خَافَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ: فَالْأَوْلَى يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْبَهِيمَةُ لَا حُرْمَةَ لَهَا فَيَجِبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ فِي الْبَهِيمَةِ مُتَّجَهٌ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ الْبَهِيمَةَ حَيْثُ قُلْنَا لَهُ قَتْلُهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " الْغَصْبِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي " بَابِ الصَّائِلِ " فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي التَّنْبِيهِ: إذَا قَتَلَ صَيْدًا صَائِلًا عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فَرَعَيْنَ. أَحَدُهُمَا: لَوْ حَالَ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَبَيْنَ الطَّعَامِ بَهِيمَةٌ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ: جَازَ لَهُ قَتْلُهَا. وَهَلْ يَضْمَنُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
الْفَرْعُ الثَّانِي: لَوْ تَدَحْرَجَ إنَاءٌ مِنْ عُلْوٍ عَلَى رَأْسِ إنْسَانٍ، فَكَسَرَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ بِشَيْءٍ الْتَقَاهُ بِهِ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِهِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ فِي " بَابِ الْأَطْعِمَةِ " أَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ وَصَاحِبُهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، إذَا قَتَلَهُ الْمُضْطَرُّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إذَا قُلْنَا: بِجَوَازِ مُقَاتَلَتِهِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ " بَابِ الْأَطْعِمَةِ " جَوَازُ قِتَالِهِ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ فِي " كِتَابِ الْغَصْبِ " ضَمَانَ الصَّائِلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ الصَّائِلِ عَلَى الْمُحْرِمِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا، أَوْ صَائِلًا: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا) فِيمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ عَضَّ إنْسَانٌ إنْسَانًا، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ: ذَهَبَتْ هَدَرًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَنْتَزِعُهَا بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ كَالصَّائِلِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَضُّ مُحَرَّمًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خُصَاصِ الْبَابِ، أَوْ نَحْوِهِ، فَحَذَفَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَدْفَعُهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، كَالصَّائِلِ. فَيُنْذِرَهُ أَوَّلًا، كَمَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، لَا يَقْصِدُ أُذُنَهُ بِلَا إنْذَارٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ.
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ النَّاظِرُ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا ظَنَّهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ مُتَعَمِّدًا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَوْ صَادَفَ النَّاظِرُ عَوْرَةً مِنْ مَحَارِمِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: وَلَوْ خَلَتْ مِنْ نِسَاءٍ الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْبَابَ لَوْ كَانَ مَفْتُوحًا، وَنَظَرَ إلَى مَنْ فِيهِ: لَيْسَ لَهُ رَمْيُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّظَرِ مِنْ خُصَاصِ الْبَابِ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ.
فَائِدَةٌ: لَوْ تَسَمَّعَ الْأَعْمَى عَلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ: لَمْ يَجُزْ طَعْنُ أُذُنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ طَعْنَ أُذُنِهِ. وَقَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، " الْأَعْمَى إذَا تَسَمَّعَ " وَحَكَوْا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَسَمُّعَ الْبَصِيرِ يَلْحَقُ بِالْأَعْمَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ. سَوَاءٌ كَانَ أَعْمَى، أَوْ بَصِيرًا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ. وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْبَصِيرِ لَا يَتَسَمَّعُ. وَالْعِلَّةُ جَامِعَةٌ لَهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.