المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ الْقَذْفِ] ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا: فَعَلَيْهِ جَلْدُ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٠

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ الْقَذْفِ] ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا: فَعَلَيْهِ جَلْدُ

[بَابُ الْقَذْفِ]

ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا: فَعَلَيْهِ جَلْدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، إنْ كَانَ الْقَاذِفُ حُرًّا، وَأَرْبَعِينَ إنْ كَانَ عَبْدًا) . أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ وَلَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْحَدِّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. تَنْبِيهٌ ثَانٍ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ قَذْفِ الْقَاذِفِ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا. وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ. فَلَا حَدَّ عَلَى مَجْنُونٍ، وَلَا مُبَرْسَمٍ، وَلَا نَائِمٍ، وَلَا صَبِيٍّ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ قَذْفِ السَّكْرَانِ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". وَيَصِحُّ قَذْفُ الْأَخْرَسِ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي اللِّعَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْقَاذِفُ مُعْتَقًا بَعْضُهُ: حُدَّ بِحِسَابِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَعَبْدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ قِيلَ بِالْعَكْسِ لَاتُّجِهَ. يَعْنِي أَنَّهُ كَالْحُرِّ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا زِيدَ فِي الْكِتَابِ. إحْدَاهُمَا: هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 200

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَقَالَ: هُوَ مُقْتَضَى مَا جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى الثَّانِيَةُ: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْقُطُ الْحَدُّ بِعَفْوِهِ عَنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ، لَا عَنْ بَعْضِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَسْقُطُ. وَعَلَيْهِمَا: لَا يُحَدُّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْرَضَ لَهُ إلَّا بِطَلَبٍ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَبِدُونِهِ.

وَلَوْ قَالَ " اقْذِفْنِي " فَقَذَفَهُ: عُزِّرَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيُحَدُّ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَصَحَّحَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَلَى الْأُولَةِ أَيْضًا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

فَائِدَةٌ: لَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ: لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: لَا يَسْتَوْفِيهِ بِدُونِ الْإِمَامِ. فَإِنْ فَعَلَ فَوَجْهَانِ. وَقَالَ: هَذَا فِي الْقَذْفِ الصَّرِيحِ. وَأَنَّ غَيْرَهُ يَبْرَأُ بِهِ سِرًّا، عَلَى خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ. وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْحُدُودِ " هَلْ يَسْتَوْفِي حَدَّ الزِّنَا مِنْ نَفْسِهِ؟ .

ص: 201

قَوْلُهُ (وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ: يُوجِبُ التَّعْزِيرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالْمُلَاعَنَةِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ قَاذِفُ أَمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ لَهَا وَلَدٌ أَوْ زَوْجٌ مُسْلِمَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَذَفَ كَافِرًا لَا وَلَدَ لَهُ مُسْلِمٌ: لَمْ يُحَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُحَدُّ وَالِدٌ لِوَلَدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: لَا يُحَدُّ أَبٌ. وَفِي أُمٍّ وَجْهَانِ، انْتَهَوْا. وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوَا كَالْأَبَوَيْنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَيُحَدُّ الِابْنُ بِقَذْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ.

الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ بِقَذْفٍ عَلَى وَجْهِ الْغَيْرَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُحَدُّ وِفَاقًا لِمَالِكٍ رحمه الله، وَأَنَّهَا عُذْرٌ فِي غَيْبَةٍ وَنَحْوِهَا.

ص: 202

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

قَوْلُهُ (وَالْمُحْصَنُ: هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ، الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ) . زَادَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ " الْمُلْتَزِمُ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: لَا مُبْتَدِعٌ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: لَا مُبْتَدِعٌ، وَلَا فَاسِقٌ ظَهَرَ فِسْقُهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ فَاسِقٍ تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " الْمُحْصَنُ: هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ " أَنَّ الرَّقِيقَ وَالْكَافِرَ غَيْرُ مُحْصَنٍ. فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: عِنْدِي يُحَدُّ بِقَذْفِ الْعَبْدِ. وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ لِعَدَالَتِهِ. فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الزِّنَا. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: يُحَدُّ بِقَذْفِ أُمِّ الْوَلَدِ قَطَعَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ بِقَذْفِ أَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ لَهَا وَلَدٌ أَوْ زَوْجٌ مُسْلِمٌ. كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَقِيلَ: يُحَدُّ الْعَبْدُ بِقَذْفِ الْعَبْدِ وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعَزَّرُ الْقَاذِفُ عَلَى الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَا يُعَزَّرُ لِقَذْفِ كَافِرٍ الثَّانِي: شَمِلَ كَلَامُهُ الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.

ص: 203

الثَّالِثُ: مُرَادُهُ بِالْعَفِيفِ هُنَا: الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ظَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ:

وَقَاذِفُ الْمُحْصَنِ فِيمَا يَبْدُو

وَإِنْ زَنَى فَقَاذِفٌ يُحَدُّ

، وَقِيلَ: هُوَ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا وَوَطْءٍ لَا يُحَدُّ بِهِ لِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ: هَلْ يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ . قُلْت: تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ". وَقِيلَ: يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ بَاطِنِ عِفَّةٍ.

فَائِدَةٌ: لَا يَخْتَلُّ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. بَلْ يَكُونُ مِثْلُهُ يَطَأُ أَوْ يُوطَأُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله: أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرَةٍ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَذِهِ أَشْهَرُهُمَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَشْهَرُهُمَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

ص: 204

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: وَالْمُحْصَنُ هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَفِيفُ. وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخَرَّجَةٌ لَا مَنْصُوصَةٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَقْذُوفُ وَيُطَالِبَ بِهِ بَعْدَهُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرٍ، وَالْجَارِيَةُ بِنْتَ تِسْعٍ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَذَفَ عَاقِلًا فَجُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ: لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يُفِيقَ وَيُطَالِبَ. فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ ثُمَّ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ: جَازَتْ إقَامَتُهُ. وَلَوْ قَذَفَ غَائِبًا: اُعْتُبِرَ قُدُومُهُ وَطَلَبُهُ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ طَالَبَ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ. . فَيُقَامُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقَامُ؛ لِاحْتِمَالِ عَفْوِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عَنْ تِسْعِ سِنِينَ) . لَمْ يُحَدَّ. وَلَكِنْ يُعَزَّرُ. زَادَ الْمُصَنِّفُ: إذَا رَآهُ الْإِمَامُ. وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبٍ؛ لِأَنَّهُ لِتَأْدِيبِهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَنْكَرَ الْمَقْذُوفُ الصِّغَرَ حَالَ الْقَذْفِ، فَقَالَ الْقَاضِي يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ. فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ مُؤَرَّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: فَهُمَا قَذْفَانِ. مُوجَبُ أَحَدِهِمَا: التَّعْزِيرُ، وَالْآخَرُ: الْحَدُّ.

ص: 205

وَإِنْ بَيَّنَا تَارِيخًا وَاحِدًا، وَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: وَهُوَ صَغِيرٌ. وَقَالَتْ الْأُخْرَى: وَهُوَ كَبِيرٌ، تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِلَّا خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْت وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) . وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَأَمْكَنَ: فَرِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُحَدُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حُدَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَأَمْكَنَ " أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَا يُحَدُّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتَا: لَمْ يُحَدَّ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ.

ص: 206

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، وَادَّعَى رِقَّهَا، وَأَنْكَرَتْهُ وَلَا بَيِّنَةَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هُنَا: أَنَّهُ يُحَدُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يُحَدُّ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتِ مُشْرِكَةٌ. فَقَالَتْ: أَرَدْت قَذْفِي بِالزِّنَا وَالشِّرْكِ مَعًا. فَقَالَ: بَلْ أَرَدْت قَذْفَك بِالزِّنَا إذْ كُنْت مُشْرِكَةً: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَصُّهُمَا. وَعَنْهُ: يُحَدُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ. ثُمَّ ثَبَتَ زِنَاهَا فِي حَالِ كُفْرِهَا: لَمْ تُحَدَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَثُبُوتِهِ فِي إسْلَامٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ قَذَفَهُ بِمَا أَتَى فِي الْكُفْرِ: حُدَّ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ. وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: رَجُلٌ رَمَى امْرَأَةً بِمَا فَعَلَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: يُحَدُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي فِي الْحَالِ، فَأَنْكَرَهَا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) .

ص: 207

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَدُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى جُنُونٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُجَنُّ: لَمْ يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهُ، فَأَنْكَرَ وَعُرِفَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ: فَوَجْهَانِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَذَفَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ: حُدَّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ نَفْسَهَا وَوَلَدَ الزِّنَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا، فَزَالَ إحْصَانُهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ: لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِهِ أَوْ لَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ.

ص: 208

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) . زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: وَلَوْ دُونَ الْفَرْجِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: أَوْ تُقِرُّ بِهِ. فَيُصَدِّقُهَا قَوْلُهُ (فَيَعْتَزِلُهَا، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَذْفُهَا وَنَفْيُ وَلَدِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ، وَظَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: نَفْيُهُ مُحَرَّمٌ مَعَ التَّرَدُّدِ. فَإِنْ تَرَجَّحَ النَّفْيُ، بِأَنْ اسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ: فَوَجْهَانِ، وَاخْتَارَ جَوَازَهُ مَعَ أَمَارَةِ الزِّنَا. وَلَا وُجُوبَ. وَلَوْ رَآهَا تَزْنِي، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّانِي: حَرُمَ نَفْيُهُ. وَلَوْ نَفَاهُ وَلَاعَنَ: انْتَفَيَا.

قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَأْتِيَ بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ) . يَعْنِي: يَرَاهَا تَزْنِي وَلَا تَأْتِي بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ. (أَوْ اسْتَفَاضَ زِنَاهَا فِي النَّاسِ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ ثِقَةٌ، أَوْ رَأَى رَجُلًا يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ يَدْخُلُ إلَيْهَا) . زَادَ فِي التَّرْغِيبِ، فَقَالَ. " يَدْخُلُ إلَيْهَا خَلْوَةً ". وَاعْتُبِرَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ هُنَا: اسْتِفَاضَةُ زِنَاهَا، وَقَدَّمَا: أَنَّهُ لَا يَكْفِي اسْتِفَاضَةٌ بِلَا قَرِينَةٍ، وَقَوْلُهُ (فَيُبَاحُ قَذْفُهَا وَلَا يَجِبُ) . قَالَ الْأَصْحَابُ: فِرَاقُهَا أَوْلَى مِنْ قَذْفِهَا، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ الْقَذْفَ الْمُبَاحَ: أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي أَوْ يَظُنَّهُ وَلَا وَلَدَ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ " مَنْ يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا وَمَنْ يُكْرَهُ، وَمَنْ يُبَاحُ.

ص: 209

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا: لَمْ يُبَحْ نَفْيُهُ بِذَلِكَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ إبَاحَتُهُ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ: فَإِنَّهُ يُبَاحُ نَفْيُهُ.

قَوْلُهُ (فَصْلٌ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ. فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: يَا زَانِي، يَا عَاهِرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرَدْت يَا زَانِيَ الْعَيْنِ. وَلَا يَا عَاهِرَ الْيَدِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَمْ يُقْبَلْ مَعَ سَبْقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَذْفٍ صَرِيحٍ، وَإِلَّا قُبِلَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: يَا لُوطِيُّ، أَوْ يَا مَعْفُوجُ: فَهُوَ صَرِيحٌ) . إذَا قَالَ لَهُ " يَا لُوطِيُّ " فَهُوَ صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: صَرِيحٌ مَعَ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ، دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا قَالَ " أَرَدْت أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ " فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعِيدٌ.

ص: 210

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا قَالَ " أَرَدْت أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ " هَذَا لَا يُعْرَفُ. انْتَهَى وَكَذَا لَوْ قَالَ " نَوَيْت أَنَّ دِينَهُ دِينُ قَوْمِ لُوطٍ " وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَإِذَا قَالَ " يَا مَعْفُوجُ " فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: يُحَدُّ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ كِنَايَةٌ. وَيَحْتَمِلُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ. وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّك تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ غَيْرَ إتْيَانِ الرِّجَالِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ هُنَاكَ صَرِيحٌ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِهِ هُنَا، وَإِلَّا قُبِلَ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقِيلَ: الْوَجْهَانِ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: فَيُقْبَلُ مِنْهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، تَبَعًا لِأَبِي الْبَرَكَاتِ يَعْنِي الْمَجْدَ فِي الْمُحَرَّرِ.

فَائِدَةٌ: وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ: قَوْلُهُ " يَا مَنْيُوكُ أَوْ يَا مَنْيُوكَةُ ". لَكِنْ لَوْ فَسَّرَ قَوْلَهُ " يَا مَنْيُوكَةُ " بِفِعْلِ الزَّوْجِ: لَمْ يَكُنْ قَذْفًا. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

ص: 211

وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّهُ قَذْفٌ بِقَرِينَةِ غَضَبٍ وَخُصُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا: لَكَانَ مُتَّجَهًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: لَسْت بِوَلَدِ فُلَانٍ: فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ) . إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَى أُمِّهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِقَذْفٍ لِأُمِّهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحَكَمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ نَفَاهُ مِنْ قَبِيلَتِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِنَفْيِ الرَّجُلِ عَنْ قَبِيلَتِهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَذَفَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ: حُدَّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: لَسْت بِوَلَدِي: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِقَذْفٍ إذَا فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ. فَيَكُونُ كِنَايَةً. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ قَذْفٌ بِكُلِّ حَالٍ. فَيَكُونُ صَرِيحًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْت أَزَنَى النَّاسِ، أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانَةَ، أَوْ قَالَ

ص: 212

لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، أَوْ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِي، أَوْ قَالَ: زَنَتْ يَدَاك، أَوْ رِجْلَاك: فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ، فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) . إذَا قَالَ " أَنْت أَزَنَى النَّاسِ " أَوْ " مِنْ فُلَانَةَ " أَوْ قَالَ لَهُ " يَا زَانِيَةُ " أَوْ لَهَا " يَا زَانِي " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: فِي قَذْفِ فُلَانَةَ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِقَاذِفٍ لَهَا، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ. وَالثَّانِي: هُوَ قَذْفٌ أَيْضًا لَهَا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِذَا قَالَ " زَنَتْ يَدَاك أَوْ رِجْلَاك " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَاهُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لِلرَّجُلِ " يَا زَانِيَةُ " وَلِلْمَرْأَةِ " يَا زَانِي " صَرِيحٌ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ قَالَ " زَنَتْ يَدُك " أَوْ " رِجْلُك " وَكَذَا قَوْلُهُ " زَنَى بَدَنُك " قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

ص: 213

وَكَذَا قَوْلُهُ " زَنَتْ عَيْنُك " قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " زَنَتْ عَيْنُك " وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالصَّوَابِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " زَنَأْت فِي الْجَبَلِ " مَهْمُوزًا: فَهُوَ صَرِيحٌ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ: لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا. وَيُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ: أَرَدْت صُعُودَ الْجَبَلِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ إمَامِنَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ " بهشتم " إنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ طَلَاقٌ: لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ " فِي الْجَبَلِ " فَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: هُوَ صَرِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: حُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقِيلَ: لَا قَذْفَ هُنَا.

ص: 214

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلَهَا لَفْظَةُ " عِلْقٍ " ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله صَرِيحَةً. وَمَعْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ رَزِينٍ: كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُرْفًا.

قَوْلُهُ (وَالْكِنَايَةُ: نَحْوُ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِيهِ، وَغَطَّيْت أَوْ نَكَّسْت رَأْسَهُ، وَجَعَلْت لَهُ قُرُونًا، أَوْ عَلَّقْت عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَفْسَدْت فِرَاشَهُ، أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يَا حَلَالُ بْنَ الْحَلَالِ. مَا يَعْرِفُك النَّاسُ بِالزِّنَا، يَا عَفِيفُ، أَوْ يَا فَاجِرَةُ يَا قَحْبَةُ يَا خَبِيثَةُ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " يَا نَظِيفُ، يَا خَنِيثُ " بِالنُّونِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. أَوْ يَقُولُ لِعَرَبِيٍّ " يَا نَبَطِيُّ، يَا فَارِسِيُّ، يَا رُومِيُّ ". أَوْ يَقُولُ لِأَحَدِهِمْ " يَا عَرَبِيُّ " أَوْ " مَا أَنَا بِزَانٍ " أَوْ " مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ ". أَوْ يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَيَقُولُ " صَدَقْت " أَوْ " أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّك زَنَيْت ". أَوْ " أَشْهَدَنِي فُلَانٌ أَنَّك زَنَيْت " وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ. فَهَذَا كِنَايَةٌ. إنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرُ الْقَذْفِ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ

ص: 215

وَفِي الْآخَرِ: جَمِيعُهُ صَرِيحٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّ إلَّا بِنِيَّتِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إلَّا بِالصَّرِيحِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ: صَرَائِحُ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ، فَقَالَ " صَدَقْت " كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ لَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ " صَدَقْت فِيمَا قُلْت " فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُحَدُّ بِكُلِّ حَالٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: الْقَرِينَةُ هُنَا: كَكِنَايَةِ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ قَذْفٌ بِنِيَّةٍ. وَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهَا. وَفِي قِيَامِ قَرِينَةٍ مَقَامَ النِّيَّةِ: مَا تَقَدَّمَ. فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا بِالنِّيَّةِ. وَفِي لُزُومِ إظْهَارِهَا وَجْهَانِ، وَأَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ: يُقْبَلُ تَأْوِيلُهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ قَالَ " أَحَدُكُمَا زَانٍ " فَقَالَ أَحَدُهُمَا " أَنَا " فَقَالَ " لَا " إنَّهُ قَذْفٌ لِلْآخَرِ.

ص: 216

وَذَكَرَهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا.

الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي غَضَبٍ " اعْتَدِّي " وَظَهَرَتْ مِنْهُ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ، أَوْ فَسَّرَهُ بِهِ: وَقَعَ الطَّلَاقُ. وَهَلْ يُحَدُّ؟ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: أَنَّهُ يُحَدُّ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ. الرَّابِعَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو يَعْلَى.

الْخَامِسَةُ: يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ " يَا كَافِرُ، يَا فَاجِرُ، يَا حِمَارُ، يَا تَيْسُ، يَا رَافِضِيُّ، يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ، أَوْ الْفَرْجِ، يَا عَدُوَّ اللَّهِ، يَا ظَالِمُ، يَا كَذَّابُ، يَا خَائِنُ، يَا شَارِبَ الْخَمْرِ، يَا مُخَنَّثُ " نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ " يَا فَاسِقُ " كِنَايَةٌ، وَ " يَا مُخَنَّثُ " تَعْرِيضٌ. وَيُعَزَّرُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ " يَا قَرْنَانُ " " يَا قَوَّادُ " وَنَحْوَهَا. وَسَأَلَهُ حَرْبٌ عَنْ " دَيُّوثٍ "؟ فَقَالَ: يُعَزَّرُ. قُلْت: هَذَا عِنْدَ النَّاسِ أَقْبَحُ مِنْ الْفِرْيَةِ؟ فَسَكَتَ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ " يَا دَيُّوثُ " قَذْفٌ لِامْرَأَتِهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: الدَّيُّوثُ هُوَ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ. وَمِثْلُهُ " كَشْحَانِ " وَ " قَرْطَبَانُ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي " مَأْبُونٍ " كَمُخَنَّثٍ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله أَنَّ قَوْلَهُ " يَا عِلْقُ " تَعْرِيضٌ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا صَرِيحَةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلُهُ " لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ " كِنَايَةٌ.

ص: 217

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ، لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْ جَمِيعِهِمْ: عُزِّرَ، وَلَمْ يُحَدَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ بِقَذْفٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا عَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. وَيُعَزَّرُ كَسَبِّهِمْ بِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ. يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ فِي الْمُغْنِي جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا لِقَذْفِ الصَّغِيرَةِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: وَيُعَزَّرُ حَيْثُ لَا حَدَّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ. فَهَلْ يُحَدُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) مَبْنِيَّيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ: لَمْ يُحَدَّ هَاهُنَا وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ: حُدَّ، وَصَحَّحَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ يُحَدُّ أَيْضًا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بِك زَنَيْت، لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً. وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ " زَنَى بِك فُلَانٌ " كَانَ قَذْفًا لَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَخَرَجَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ الْأُخْرَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي هِدَايَتِهِ: يَكُونُ الرَّجُلُ قَاذِفًا

ص: 218

لَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى الزِّنَا، وَتَصْدِيقُهَا لَمْ تُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ لَوَجَبَ كَوْنُهَا قَاذِفَةً. انْتَهَى، وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ قَاذِفَةً. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ " قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي غَيْرِ هِدَايَتِهِ " فَسَقَطَ لَفْظَةُ " غَيْرِ ".

قَوْلُهُ (وَإِذَا قُذِفَتْ الْمَرْأَةُ: لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ فِي الْحَيَاةِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً حُدَّ الْقَاذِفُ إذَا طَالَبَ الِابْنُ، وَكَانَ مُسْلِمًا حُرًّا. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَيِّتَةٍ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ أُمَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَالِابْنُ مُشْرِكٌ أَوْ عَبْدٌ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّف، وَالشَّارِحُ، وَنَصَرَاهُ.

ص: 219

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَذَفَ جَدَّتَهُ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، فَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ كَقَذْفِ أُمِّهِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ، أَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ، بَعْدَ مَوْتِهِ: لَمْ يُحَدَّ بِقَذْفِهِ فِي ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ حَدَّ قَذْفِ الْمَيِّتِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى الزَّوْجَيْنِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَذْفِ الْمَوْرُوثِ لَا غَيْرُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ: سَقَطَ الْحَدُّ) . إذَا قُذِفَ قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ مَاتَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَالَبَ، أَوْ لَا. فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُطَالِبْ: سَقَطَ الْحَدُّ بِلَا إشْكَالٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِالْإِرْثِ وَالْمُطَالَبَةِ. وَإِنْ كَانَ طَالَبَ بِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَلِلْوَرَثَةِ طَلَبُهُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ قُذِفَ لَهُ مَوْرُوثٌ حَيٌّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ فِي حَيَاتِهِ بِمُوجَبِ قَذْفِهِ. فَإِنْ مَاتَ، وَقَدْ وَرِثَ، أَوْ قُلْنَا: يُورَثُ مُطْلَقًا، صَارَ لِلْوَارِثِ بِصِفَةِ مَا كَانَ لِلْمَوْرُوثِ، اعْتِبَارًا بِإِحْصَانِهِ. انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَسْتَوْفِيهِ الْوَرَثَةُ بِحُكْمِ الْإِرْثِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا قَرَأْته بِخَطِّهِ: إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِلْمَيِّتِ بِمُطَالَبَتِهِ مِنْهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ.

ص: 220

وَكَذَا الشُّفْعَةُ فِيهِ. فَإِنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ طَارِئًا عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مِلْكِ مَوْرُوثِهِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يُورَثُ حَدُّ قَذْفٍ، وَلَوْ طَلَبَهُ مَقْذُوفٌ كَحَدِّ الزِّنَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ آخِرَ " خِيَارِ الشَّرْطِ ".

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَقُّ الْقَذْفِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَقِيلَ: لَهُمْ سِوَى الزَّوْجَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ لِلْعَصَبَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يَرِثُهُ الْإِمَامُ أَيْضًا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي " بَابِ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ " وَحُكْمُ الْقَضَاءِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ: حُدَّ لِلْبَاقِي كَامِلًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَسْقُطُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَعَلَّهُ " وَقِيلَ: بِقِسْطِهِ " انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ: مَلَكَهُ وَارِثُهُ. فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ: حُدَّ لِمَنْ طَلَبَ بِقِسْطِهِ، وَسَقَطَ قِسْطُ مَنْ عَفَا، بِخِلَافِ الْقَذْفِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ. وَهَذَا يَتَبَعَّضُ.

ص: 221

قَوْلُهُ (وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. يُكَفَّرُ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: إنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ. وَهِيَ، مُخَرَّجَةٌ مِنْ نَصِّهِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ وَالسَّاحِرِ الذِّمِّيِّ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ فِي الْمَنْثُورِ: وَهَذَا كَافِرٌ قُتِلَ مِنْ سَبِّهِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَذْفُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَقَذْفِ أُمِّهِ. وَيَسْقُطُ سَبُّهُ بِالْإِسْلَامِ كَسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمُرْتَدِّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَكَذَا مَنْ سَبَّ نِسَاءَهُ، لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بِبَرَاءَتِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ - لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ. فَتَخْرُجُ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي وَجْهٍ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا.

الثَّانِيَةُ: اخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: كُفْرَ مَنْ سَبَّ أُمَّ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا غَيْرَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ كَأُمِّ نَبِيِّنَا سَوَاءٌ عِنْدَهُ.

ص: 222

قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا بَيَّنَّا فِيهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: فَحَدٌّ وَاحِدٌ، إذَا طَالَبُوا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) . فَيُحَدُّ لِمَنْ طَلَبَ. ثُمَّ لَا حَدَّ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ: حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا، وَإِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً: تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ هُنَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، كَمَا لَوْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ: حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَعَدَّدَ الْحَدُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: حَدٌّ وَاحِدٌ. وَعَنْهُ: إنْ تَعَدَّدَ الطَّلَبُ: تَعَدَّدَ الْحَدُّ، وَإِلَّا فَلَا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الزِّنَا. أَمَّا إنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ جَمِيعِهِمْ: فَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

ص: 223

قَوْلُهُ (وَإِنْ حُدَّ لِلْقَذْفِ فَأَعَادَهُ: لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَلَوْ بَعْدَ لِعَانِهِ زَوْجَتَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَتَعَدَّدُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُحَدُّ إنْ كَانَ حَدًّا. أَوْ لَاعَنَ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: مَتَى قُلْنَا: لَا يُحَدُّ هُنَا: فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ لَا لِعَانَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُلَاعِنُ، إلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًا لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً، وَاعْتَرَفَ. أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُلَاعِنُ لِنَفْيِ التَّعْزِيرِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ. فَعَنْهُ: يُحَدُّ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ: يُحَدُّ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ فِي الْأُولَى. وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 224

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ عَقِبَ هَذَا: فَرِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجِبُ حَدَّانِ، وَالثَّانِيَةُ: حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ. وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ: حُدَّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، ثُمَّ نَكَحَهَا قَبْلَ حَدِّهِ فَقَذَفَهَا. فَإِنْ طَالَبَتْ بِأَوَّلِهِمَا، فَحُدَّ: فَفِي الثَّانِي رِوَايَتَانِ وَإِنْ طَالَبَتْ بِالثَّانِي، فَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لَاعَنَ: لَمْ يُحَدَّ لِلْأَوَّلِ.

الثَّالِثَةُ: مَنْ تَابَ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ قُذِفَ: حُدَّ قَاذِفُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحَدُّ بِقَذْفِهِ بِزِنًا جَدِيدٍ لِكَذِبِهِ يَقِينًا.

الرَّابِعَةُ: لَوْ قُذِفَ مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا مَرَّةً وَفِي الْمُبْهِجِ: أَرْبَعًا أَوْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ، أَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا: فَلَا لِعَانَ، وَيُعَزَّرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يُعَزَّرُ.

الْخَامِسَةُ: لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَتِهِ وَنَحْوِهِمَا: إعْلَامُهُ، وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يَحْرُمُ إعْلَامُهُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا إعْلَامُهُ. قُلْت: وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهَا. وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ، وَإِلَّا دَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ.

ص: 225

وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ: وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ، فَيُعْرِضُ. وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ. وَمَنْ جَوَّزَ التَّصْرِيحَ فِي الْكَذِبِ الْمُبَاحِ: فَهُنَا فِيهِ نَظَرٌ. وَمَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالْإِحْسَانِ: تَعْرِيضُهُ كَذِبٌ، وَيَمِينُهُ غَمُوسٌ. قَالَ: وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا لَا يُعْلِمُهُ، بَلْ يَدْعُو لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَظْلِمَتِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا: وَزِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ كَالْغِيبَةِ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى بِكَثِيرٍ. وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعْلِمَهُ، وَإِنْ أَعْلَمَهُ بِالْغِيبَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي فِي الْغَالِبِ إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ. وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ. وَذُكِرَ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: إنْ تَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ وَأَهْلِهِ وَغِيبَتِهِ بِعَيْبٍ خَفِيٍّ يَعْظُمُ أَذَاهُ بِهِ فَهُنَا لَا طَرِيقَ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ. وَيَبْقَى عَلَيْهِ مَظْلِمَةٌ مَا، فَيَجْبُرُهُ بِالْحَسَنَاتِ، كَمَا تُجْبَرُ مَظْلِمَةُ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ. انْتَهَى.

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي زِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا لِبَعْضِهِمْ: لَا يَصِحُّ إحْلَالُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِإِبَاحَتِهِ ابْتِدَاءً. قُلْت: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إبَاحَتَهَا ابْتِدَاءً كَالذَّمِّ وَالْقَذْفِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي اسْتِحْلَالُهُ. فَإِنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ. وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ، وَإِذْنُهُ فِي عِرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ هِيَ كَإِذْنِهِ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ لَهُ إبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ. وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَ بِأَنْ يُشْتَمَ أَوْ يُغْتَابَ: لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ انْتَهَى. فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِمَا فَعَلَ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَحَلَّلَهُ: فَهُوَ كَإِبْرَاءٍ مِنْ مَجْهُولٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 226

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ قَدْرَ ظُلْمِهِ: لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِالْإِحْلَالِ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ تَعَذَّرَ: فَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ. فَإِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَيُلْزِمُهُ قَبُولَ حَسَنَاتِهِ مُقَابَلَةً لِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا فَجَاءَ بِمِثْلِهِ، وَأَبَى قَبُولَهُ وَأَبْرَأَهُ: حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ.

ص: 227