الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الدِّيَاتِ]
ِ قَوْلُهُ (كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إنْسَانًا، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ سَبَبٍ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ. فَإِنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا: فَهِيَ مِنْ مَالِ الْجَانِي حَالَّةً) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِيمَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي " بَابِ الْعَاقِلَةِ ". تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَإٍ، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ: فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) . أَمَّا الْخَطَأُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ: فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: بِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَحْمِلُهُ. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الْعَاقِلَةِ ".
قَوْلُهُ (وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إنْسَانٍ أَفْعَى، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ، أَوْ طَلَبَ إنْسَانًا بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ فَهَرَبَ مِنْهُ، فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ بَصِيرًا كَانَ أَوْ ضَرِيرًا: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا انْدَهَشَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ. أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ إلْقَاءَ نَفْسِهِ، مَعَ الْقَطْعِ بِالْهَلَاكِ: فَلَا خَلَاصَ مِنْ الْهَلَاكِ. فَيَكُونُ كَالْمُبَاشِرِ مِنْ التَّسَبُّبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ: أَنَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ، فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) .
مُرَادُهُ: إذَا كَانَ الْحَفْرُ مُحَرَّمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي فِنَائِهِ أَوْ غَيْرِهِ. فَمُرَادُهُ: ضَرْبُ مِثَالٍ. لَا حَصْرُ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ " قُبَيْلَ قَوْلِهِ " وَشِبْهُ الْعَمْدِ " فِي الْفَائِدَةِ الثَّامِنَةِ " إذَا حَفَرَ فِي بَيْتِهِ بِئْرًا وَسَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ ". وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا حَفَرَ فِي فِنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ، أَوْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ. وَوَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ مَا حُكْمُهُ؟ فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ (أَوْ صَبَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ، فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ رَشَّهُ لِذَهَابِ الْغُبَارِ:
فَمَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ
، كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي سَابِلَةٍ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَلْقَى كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ فِي الطَّرِيقِ فَكَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِيهَا شَيْئًا لَيْسَ مَنْفَعَةً ضَمِنَ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ " لَوْ تَرَكَ طِينًا فِي الطَّرِيقِ، أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا، أَوْ حَجَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ " فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ (أَوْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا، فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ قَائِدًا أَوْ سَائِقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَضْمَنُهُ، كَمِنْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ فَمَاتَ وَنَحْوِهِ؛ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا، وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا، فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ، فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ) فَقَدْ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ. (فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهُرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُتَسَبِّبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ كَقَاتِلٍ وَمُمْسِكٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا تَعَدَّيَا بِفِعْلِ ذَلِكَ. أَمَّا إنْ تَعَدَّى أَحَدُهُمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ الْبِئْرِ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَكِنَّ شَرْطَ ابْنِ عَقِيلٍ فِي ضَمَانِهِ كَوْنُ أَرْضِهِ تُعْرَفُ بِذَلِكَ. وَحَكَى صَاحِبُ النَّظْمِ فِي الْغَصْبِ: أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ قَالَ: لَا يَضْمَنُهُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مِثْلُ الْحَيَّةِ وَالصَّاعِقَةِ كُلُّ سَبَبٍ يَخْتَصُّ الْبُقْعَةَ، كَالْوَبَاءِ وَانْهِدَامِ سَقْفٍ عَلَيْهِ، وَنَحْوِهِمَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ بِمَرَضٍ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا لَوْ مَاتَ فَجْأَةً. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ. نَقَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ: وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَضْمَنُ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّاعِقَةِ وَالْمَرَضِ. وَهُوَ الْحَقُّ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْغَصْبِ " إذَا غَصَبَ صَغِيرًا: هَلْ يَضْمَنُهُ بِذَلِكَ؟ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا وَغَلَّهُ، فَتَلِفَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ حَيَّةٍ: فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ)(اصْطَدَمَ نَفْسَانِ) . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بَصِيرَانِ، أَوْ ضَرِيرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا. قُلْت: وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. (فَمَاتَا: فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِبَعْضِهِمْ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ تَصَادُمُهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ عَمْدًا يَضْمَنَانِ دُونَ عَاقِلَتِهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا رَاكِبَيْنِ، فَمَاتَتْ الدَّابَّتَانِ: فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ دَابَّةِ الْآخَرِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: إنْ غَلَبَتْ الدَّابَّةُ رَاكِبَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ: لَمْ يَضْمَنْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ، وَالْآخَرُ وَاقِفًا، فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا. فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: مَا يُتْلِفُهُ السَّائِرُ إذَا كَانَ الْآخَرُ وَاقِفًا، أَوْ قَاعِدًا. فَقَطَعَ بِضَمَانِ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ عَلَى السَّائِرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا. فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ.
جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ السَّائِرُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفِ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، أَوْ وَاسِعٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا يُتْلِفُهُ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاعِدُ لِلسَّائِرِ فِي الطَّرِيقِ الضَّيِّقِ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَمَّا مَا يُتْلَفُ لِلسَّائِرِ إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعًا: فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَاقِفِ وَالْقَاعِدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ.
تَنْبِيهَانِ
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ ". ضَمَانُ الْوَاقِفِ يَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّائِرِ، وَضَمَانُ دَابَّةِ الْوَاقِفِ عَلَى نَفْسِ السَّائِرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُرَادٍ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ. قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا ". قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ أَنَّ الطَّرِيقَ الضَّيِّقَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْوَاقِفِ
أَوْ الْقَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِوُقُوفِهِ فِيهِ، بَلْ السَّائِرُ هُوَ الْمُتَعَدِّي بِسُلُوكِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: لَوْ اصْطَدَمَ عَبْدَانِ مَاشِيَانِ فَمَاتَا: فَهَدَرٌ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقِيمَتُهُ فِي رَقَبَةِ الْآخَرِ كَسَائِرِ جِنَايَتِهِ. وَإِنْ اصْطَدَمَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَمَاتَا: ضُمِنَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي تَرِكَةِ الْحُرِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: نِصْفُهَا. وَتَجِبُ دِيَةُ الْحُرِّ كَامِلَةً فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ: أَوْ نِصْفُهَا. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، فَاصْطَدَمَا، فَمَاتَا: فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُمَا) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الَّذِي أَرْكَبَهُمَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.
تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي نَفْسِ الدِّيَةِ: عَلَى مَنْ تَجِبُ؟ أَمَّا إنْ كَانَ التَّالِفُ مَالًا: فَإِنَّ الَّذِي أَرْكَبَهُمَا يَضْمَنُهُ قَوْلًا وَاحِدًا.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ لَوْ أَرْكَبَهُمَا مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمَا: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ أَرْكَبَهُمَا لِمَصْلَحَةٍ، فَهُمَا كَمَا لَوْ رَكِبَا وَكَانَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا أَرْكَبَهُمَا لِيُمَرِّنَهُمَا عَلَى الرُّكُوبِ إذَا كَانَا يَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا. فَأَمَّا إنْ كَانَا لَا يَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ صَلَحَا لِلرُّكُوبِ وَأَرْكَبَهُمَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ مِثْلِهِمَا: لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ.
فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ رَكِبَ الصَّغِيرَانِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمَا: فَهُمَا كَالْبَالِغَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ اصْطَدَمَ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ. فَإِنْ مَاتَ الصَّغِيرُ: ضَمِنَهُ الْكَبِيرُ. وَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ: ضَمِنَهُ الَّذِي أَرْكَبَ الصَّغِيرَ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ تَجَاذَبَ اثْنَانِ حَبْلًا أَوْ نَحْوَهُ، فَانْقَطَعَ فَسَقَطَا فَمَاتَا: فَهُمَا كَالْمُتَصَادَمِينَ سَوَاءٌ انْكَبَّا أَوْ اسْتَلْقَيَا، أَوْ انْكَبَّ أَحَدُهُمَا وَاسْتَلْقَى الْآخَرُ. لَكِنَّ نِصْفَ دِيَةِ الْمُنْكَبِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَلْقِي مُغَلَّظَةً، وَنِصْفَ دِيَةِ الْمُسْتَلْقِي عَلَى عَاقِلَةِ الْمُنْكَبِّ مُخَفَّفَةً قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْغَصْبِ " أَحْكَامُ مَا إذَا اصْطَدَمَ سَفِينَتَانِ فَلْيُعَاوَدْ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ. فَقَتَلَ الْحَجَرُ إنْسَانًا: فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَتِهِ) .
وَلَا قَوَدَ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَصْدِ غَالِبًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسٍ وَمِقْلَاعٍ وَحَجَرٍ عَنْ يَدٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يَفْدِيهِ الْإِمَامُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَيْهِمْ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ ذَلِكَ عَمْدًا، إذَا كَانَ الْغَالِبُ الْإِصَابَةَ. قُلْت: إنْ قَصَدُوا رَمْيَهُ: كَانَ عَمْدًا، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمْ: فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ. وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا أَحْسَنُ، وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.
وَالثَّالِثُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ، وَثُلُثَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرَيْنِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَهَذَا الْوَجْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ فِي أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: تَكُونُ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعُهَا إلَى وَرَثَتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " أَحَدُهُمَا يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ. وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ". يَعْنِي: يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَأَمَّا كَوْنُ أَحَدِهِمْ إذَا قَتَلَهُ الْحَجَرُ يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ فِي وَجْهٍ: فَقِيَاسٌ عَلَى الْمُتَصَادِمَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. فَعَلَى هَذَا: يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَلَمْ يُرَتِّبْ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى إلْغَاءِ فِعْلِ نَفْسِهِ كَمَالَ الدِّيَةِ، بَلْ رَتَّبَ عَلَيْهِ وُجُوبَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ. قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا. بَلْ وَجْهُ إيجَابِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ: أَنْ يَجْعَلَ مَا قَابَلَ فِعْلَ الْمَقْتُولِ سَاقِطًا لَا يَضْمَنُهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ. فَلَمْ يَضْمَنْ مَا قَابَلَ فِعْلَهُ كَمَا لَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ بَهِيمَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ.
وَهَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَنَسَبَهُ إلَى الْقَاضِي. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ مُنَجَّا. وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ جَدْوَى. وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا قَالَ. فَإِنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ " يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ " أَنَّهُ يَسْقُطُ فِعْلُ نَفْسِهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ". وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ فِعْلِ نَفْسِهِ وُجُوبُ كَمَالِ الدِّيَةِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ: فَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ الْحُكْمَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ الْحَجَرُ الثَّلَاثَةَ، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَثُلُثُهَا هَدَرٌ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَالُ الدِّيَةِ لِلْآخَرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ: فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ)
هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. فَإِنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً، فَقَتَلَ الْحَجَرُ أَحَدَهُمْ.: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهَا كُلَّهَا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ: وَإِنْ زَادُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ: فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَعَنْهُ: عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِاتِّحَادِ فِعْلِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً، فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كَالْخَمْسَةِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: لَا يَضْمَنُ مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ وَأَمْسَكَ الْكِفَّةَ، كَمَنْ أَوْتَرَ الْقَوْسَ وَقَرَّبَ سَهْمًا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا مُمْسِكٍ
قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى إنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ طَرَفِهِ خَطَأً، فَلَا دِيَةَ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ. دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ. وَدِيَةُ طَرَفِهِ لِنَفْسِهِ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ دِيَةُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقِ، فَرَجَعَ الْحَجَرُ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا نُحَمِّلُهُ دُونَ الثُّلُثِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. نَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ لَا يُودَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ نَزَلَ رَجُلٌ بِئْرًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ آخَرُ. فَمَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ. وَإِنْ سَقَطَ ثَالِثٌ فَمَاتَ الثَّانِي. فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ. وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِمَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) . وَدَمُ الثَّالِثِ هَدَرٌ. لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ مَاتُوا كُلُّهُمْ: فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ. وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ. وَالثَّالِثُ هَدَرٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، أَوْ كُلُّهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ يَقْتُلُ غَالِبًا: وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَإِلَّا فَهُوَ عَمْدٌ خَطَأً. فِيهِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ. فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ خَطَأً: فَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِيَ، وَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّالِثِ. وَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي: دِيَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. لَكِنْ إنَّمَا مَحَلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَهُمْ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ ثُلُثُهَا وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إرْثًا وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي نِصْفُهَا، وَالْبَاقِي هَدَرٌ. وَقِيلَ: دَمُهُ كُلُّهُ هَدَرٌ. ذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الْأَخِيرَةَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ نَظَرٌ. بَلْ حِكَايَةُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَلَطٌ. وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَوْجُهُ: فِيمَا إذَا جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا. وَقَدْ أَخَذَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمُحَرَّرِ. وَأَسْقَطَ مِنْهَا الرَّابِعَ، فَفَسَدَتْ الْأَوْجُهُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ) . وَهِيَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَيُهْدَرُ نِصْفُهَا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وُجُوبُ نِصْفِ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ كَمَا قُلْنَا " إذَا رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ، فَقَتَلَ الْحَجَرُ أَحَدَهُمْ " وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الدِّيَةَ
عَلَى مَنْ ذُكِرَ، لَا عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَصَرَّحَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَاقِلَةِ الْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ. وَأَنَّ دِيَةَ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ. قِيلَ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ: هَذَا عَمْدٌ خَطَأً. وَهَلْ يَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي، أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ هُنَا، وَالْآخَرَ فِي الْمُغْنِي. انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: دِيَةُ الْأَوَّلِ، قِيلَ: تَجِبُ كُلُّهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي، وَيُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي. وَيُهْدَرُ نِصْفُ دِيَةِ الْقَاتِلِ، لِفِعْلِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى نَفْسِهِ لِوَرَثَتِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، فَجَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ، وَالثَّانِي الثَّالِثَ. وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ: فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّالِثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: عَلَى الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ: فَعَلَى الثَّانِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي. وَقِيلَ: عَلَى الْأَوَّلَيْنِ. وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا. وَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّانِي: فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: بَلْ ثُلُثَاهَا عَلَيْهِمَا. وَقِيلَ: عَلَى الثَّالِثِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ، بَلْ عَلَى الثَّالِثِ كُلُّهَا أَوْ نِصْفُهَا. وَقِيلَ: نِصْفُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي دِيَةِ الثَّالِثِ: أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ. وَأَمَّا دِيَةُ الْأَوَّلِ: فَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا عَلَيْهِمَا.
تَنْبِيهٌ: تَتِمَّةُ الدِّيَةِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هَلَكَ مِنْ دَفْعَةِ الثَّالِثِ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ عَلَى الثَّانِي) ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَفِي نِصْفِهَا الْآخَرِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِرَارًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَّ رَجُلٌ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ. فَجَذَبَ آخَرَ، وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا. وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا. فَقَتَلَهُمْ الْأَسَدُ فَالْقِيَاسُ: أَنَّ دَمَ الْأَوَّلِ هَدَرٌ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي. وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ. وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ) .
وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَانِ. وَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. وَقِيلَ: دِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي خَاصَّةً. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَجِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ دِيَةَ الْأَوَّلِ تَجِبُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَذْبَتِهِ وَجَذْبَةِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ، وَجَذْبَةِ الثَّالِثِ لِلرَّابِعِ. فَسَقَطَ فِعْلُ نَفْسِهِ. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّانِي: فَتَجِبُ عَلَى الثَّالِثِ وَالْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ.
وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ: فَتَجِبُ عَلَى الثَّانِي خَاصَّةً. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي. وَأَمَّا دِيَةُ الرَّابِعِ: فَهِيَ عَلَى الثَّالِثِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْآخَرِ: تَجِبُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. انْتَهَوْا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الْقِيَاسُ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: لَمَّا قَدَّمَ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنها. قَالَ: وَالْقِيَاسُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ. وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا. وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا. وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِهَا عَلَى مَنْ حَضَرَ. ثُمَّ رَفَعَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَجَازَ قَضَاءَهُ. فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله إلَيْهِ تَوْقِيفًا، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ فِي خَبَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَجَعَلَهُ عَلَى قَبَائِلِ الَّذِينَ ازْدَحَمُوا. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ ثَلَاثَةٌ. وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا. لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ اثْنَانِ. وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا. لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ. وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِهَا.
تَنْبِيهٌ: حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فِيمَا إذَا خَرَّ رَجُلٌ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ فَجَذَبَ آخَرَ إلَى آخِرِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. ثُمَّ قَالُوا: وَلَوْ تَدَافَعَ وَتَزَاحَمَ عِنْدَ الْحُفْرَةِ جَمَاعَةٌ. فَسَقَطَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِيهَا مُتَجَاذِبِينَ كَمَا وَصَفْنَا. فَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي قَضَى فِيهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه. فَصُورَةُ عَلِيٍّ رضي الله عنه الَّتِي حَكَاهَا هَؤُلَاءِ، جَزَمَ بِهَا وَبِحُكْمِهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. مَعَ حِكَايَتِهِمَا الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَ مَا جَزَمَا بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ: فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ. وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا إنْ ازْدَحَمَ وَتَدَافَعَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ الْحُفْرَةِ، فَوَقَعَ أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ فَظَاهِرُهُ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّهُمَا فِي الْخِلَافِ سَوَاءٌ. وَهُوَ أَوْلَى. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَغَيْرُهُمَا. لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ: وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّ سِتَّةً تَغَاطَسُوا فِي الْفُرَاتِ فَمَاتَ وَاحِدٌ. فَرُفِعَ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى
اثْنَيْنِ، فَقَضَى بِخُمُسَيْ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَبِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا عَلَى الِاثْنَيْنِ. ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ نَامَ عَلَى سَطْحِهِ، فَهَوَى سَقْفُهُ مِنْ تَحْتِهِ عَلَى قَوْمٍ لَزِمَهُ الْمُكْثُ كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِيمَنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِ نَارٌ. وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ لَمْ يَتَسَبَّبْ. وَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ بِدَوَامِ مُكْثِهِ أَوْ بِانْتِقَالِهِ: ضَمِنَهُ.
وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّائِبِ الْعَاجِزِ عَنْ مُفَارَقَةِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ، أَوْ الْعَاجِزِ عَنْ إزَالَةِ أَثَرِهَا كَمُتَوَسِّطِ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَمُتَوَسِّطِ الْجَرْحَى: تَصِحُّ تَوْبَتُهُ مَعَ الْعَزْمِ وَالنَّدَمِ. وَأَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْغَصْبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِنْهُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الْجُرْحِ، وَتَخْلِيصِهِ صَيْدَ الْحَرَمِ مِنْ الشَّبَكِ، وَحَمْلِهِ الْمَغْصُوبَ لِرَبِّهِ لِيَرْتَفِعَ الْإِثْمُ بِالتَّوْبَةِ. وَالضَّمَانُ بَاقٍ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَخُرُوجِ مُسْتَعِيرٍ مِنْ دَارٍ انْتَقَلَتْ عَنْ الْمُعِيرِ، وَخُرُوجِ مَنْ أَجْنَب مِنْ مَسْجِدٍ، وَنِزَاعِ مُجَامِعٍ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ اتِّفَاقًا. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ: تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ لَمْ يَتُبْ مِنْ أَصْلِهِ: تَصِحُّ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا. كَذَا تَوْبَةُ الْقَاتِلِ قَدْ تُشْبِهُ هَذَا. وَتَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ. وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَأَبُو الْخَطَّابِ مَنَعَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْغَاصِبِ لِلْخُرُوجِ طَاعَةٌ. بَلْ مَعْصِيَةٌ. فَعَلَهَا لِدَفْعِ أَكْثَرِ الْمَعْصِيَتَيْنِ بِأَقَلِّهِمَا. وَالْكَذِبُ لِدَفْعِ قَتْلِ إنْسَانٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: هُوَ الْوَسَطُ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْغَصْبِ مُتَمَثِّلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إنْ جَازَ الْوَطْءُ،
لِمَنْ قَالَ " إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَفِيهَا رِوَايَتَانِ. وَإِلَّا تَوَجَّهَ لَنَا أَنَّهُ عَاصٍ مُطْلَقًا، أَوْ عَاصٍ مِنْ وَجْهٍ، مُمْتَثِلٌ مِنْ وَجْهٍ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ إنْسَانٍ، أَوْ شَرَابِهِ، وَلَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ، فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ: ضَمِنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْأَطْعِمَةِ " إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ ".
فَائِدَةٌ: مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَخَذَ مِنْهُ تُرْسًا كَانَ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرْبًا. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ.
قَوْلُهُ (وَخَرَّجَ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ إنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ) . وَوَافَقَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ضَمَانَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعَ الطَّلَبِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَأَلْحَقَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ شَخْصٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ. وَفَرَّقَ غَيْرُهُمَا بَيْنَهُمَا. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ " وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَهُ ".
وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ إنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ: لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ مِنْهُ. فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الطَّعَامِ: فَإِنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ مَنْعًا كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ، فَافْتَرَقَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ " لَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ " فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهُمْ: فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ مَاتَ فَرَسُهُ فِي غَزَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ حِمْلِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُذَكِّرُ النَّاسَ. فَإِنْ حَمَلُوهُ، وَإِلَّا مَضَى مَعَهُمْ.
فَائِدَةٌ: مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ شَخْصٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ. فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ. وَقِيلَ: الْوَجْهَانِ أَيْضًا فِي وُجُوبِ إنْجَائِهِ. قُلْت: جَزَمَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ بِاللُّزُومِ. وَتَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ ".
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ. وَخَصُّوا الْحُكْمَ بِالْإِنْسَانِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَضْمُونٍ إذَا أَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَلِفَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْخِلَافُ بِالْإِنْسَانِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ ذِي رُوحٍ. كَمَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ لِلْبَهَائِمِ. وَحَكَوْا فِي الزَّرْعِ رِوَايَتَيْنِ.
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا اُضْطُرَّتْ بَهِيمَةُ الْأَجْنَبِيِّ إلَى طَعَامِهِ، وَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ بِبَذْلِهِ، فَلَمْ يَبْذُلْهُ حَتَّى مَاتَتْ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَجَعَلَهَا كَالْآدَمِيِّ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ " بَابِ أَرْشِ الشِّجَاجِ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَحْدَثَ بِبَوْلٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الْإِحْدَاثَ بِالرِّيحِ كَالْإِحْدَاثِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالرِّيحِ. لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ أَفْحَشُ. فَلَا يُقَاسُ الرِّيحُ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى الْغَائِطِ. وَقَالَ: هَذَا الْأَقْوَى. وَوُجُوبُ ثُلُثِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْإِحْدَاثِ: جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ.
قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: فَأَحْدَثَ. وَقِيلَ: مَرَّةً. أَمَّا إنْ اسْتَمَرَّ الْإِحْدَاثُ بِالْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ الْغَائِطَ أَوْ الْبَوْلَ " فِي " بَابِ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا " فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ مِنْ الْإِفْزَاعِ: فَعَلَى الَّذِي أَفْزَعَهُ الضَّمَانُ. تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِشَرْطِهِ وَكَذَا لَوْ جَنَى الْفَزَعَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوْ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوْ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ، فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْإِجَارَةِ " لَمْ يَضْمَنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْمَنْصُوصِ. نَقَلَهُ ابْنُ أَبُو طَالِبٍ، وَبَكْرٌ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا. فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ: فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِأَبِي الْخَطَّابِيِّ فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: إنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ فَقَلَعَ عَيْنَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ.
تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا، فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا أَوْ مَاتَتْ: أَنَّهُ يَضْمَنُ.
أَمَّا إذَا أَجْهَضَتْ جَنِينَهَا: فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ أَسْقَطَتْ بِطَلَبِ سُلْطَانٍ، أَوْ تَهْدِيدِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَاتَتْ بِوَضْعِهَا، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا، أَوْ اسْتَعْدَى السُّلْطَانُ ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَالْمُسْتَعِدِّي فِي الْأَخِيرَةِ فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا. كَإِسْقَاطِهَا بِتَأْدِيبٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهِ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِمَرَضٍ. وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ فَزَعًا مِنْ إرْسَالِ السُّلْطَانِ إلَيْهَا: فَجَزَمَ الْمُصَنِّف هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُهَا أَيْضًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ فِي مَوْضِعٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي مَوَاضِعَ: إنْ أَحْضَرَ الْخَصْمُ ظَالِمَةً عِنْدَ السُّلْطَانِ: لَمْ يَضْمَنْهَا، بَلْ جَنِينَهَا. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: وَكَذَا رَجُلٌ مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ أَفْزَعَهَا سُلْطَانٌ بِطَلَبِهَا وَقِيلَ: إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ فَوَضَعَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا، أَوْ مَاتَتْ: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقِيلَ: بَلْ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: تُهْدَرُ. وَإِنْ هَلَكَتْ بِرَفْعِهَا: ضَمِنَهَا. وَإِنْ أَسْقَطَتْ بِاسْتِعْدَاءِ أَحَدٍ إلَى السُّلْطَانِ: ضَمِنَ الْمُسْتَعِدِّي ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ
وَقِيلَ: لَا. وَإِنْ فَزِعَتْ فَمَاتَتْ فَوَجْهَانِ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي ضَرْبِ عَبْدِهِ. فَضَرَبَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ: فَفِي ضَمَانه وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهَلْ يَسْقُطُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ.
وَلَوْ أَذِنَ الْوَالِدُ فِي ضَرْبِ وَلَدِهِ، فَضَرَبَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ: ضَمِنَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُنُونِ: إنْ شَمَّتْ حَامِلٌ رِيحَ طَبِيخٍ. فَاضْطَرَبَ جَنِينُهَا فَمَاتَتْ هِيَ، أَوْ مَاتَ جَنِينُهَا، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ وَشَافِعِيَّانِ: إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا فَلَا إثْمَ، وَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ عَلِمُوا، وَكَانَتْ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً أَنَّ الرَّائِحَةَ تَقْتُلُ: احْتَمَلَ الضَّمَانَ لِلْإِضْرَارِ. وَاحْتَمَلَ عَدَمَهُ، لِعَدَمِ تَضَرُّرِ بَعْضِ النِّسَاءِ. كَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهَا صَاحِبُ السُّعَالِ، وَضِيقِ النَّفَسِ: لَا ضَمَانَ وَلَا إثْمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ إلَى السَّابِحِ) يَعْنِي: الْحَاذِقَ (لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ: لَمْ يَضْمَنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَضَمُنَّهُ الْعَاقِلَةُ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْمُذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: إذَا سَلَّمَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ إلَى سَابِحٍ لَيُعَلِّمَهُ، فَغَرِقَ: فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّابِحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: لَوْ سَلَّمَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ نَفْسَهُ إلَى السَّابِحِ لَيُعَلِّمَهُ، فَغَرِقَ: لَمْ يَضْمَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَ عَاقِلًا يَنْزِلُ بِئْرًا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً، فَهَلَكَ بِذَلِكَ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ. إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ. فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ. وَهُوَ مِنْ خَطَإِ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ: بِذَلِكَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ الْأَكْثَرَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ: لَوْ أَمَرَ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ بِذَلِكَ: ضَمِنَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ مَا جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ. كَقَرَابَةٍ وَصُحْبَةٍ، وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهِ. فَهَذَا مُتَّجَهٌ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحٍ، فَرَمَتْهَا الرِّيحُ عَلَى إنْسَانٍ، فَتَلِفَ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ إذَا كَانَتْ مُتَطَرِّفَةً. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَالَ النَّاظِمُ: إنْ لَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ فِي وَجْهٍ. كَمَنْ بَنَى حَائِطًا مُمَالًا، أَوْ مِيزَابًا.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ دَفَعَ الْجَرَّةَ حَالَ نُزُولِهَا عَنْ وُصُولِهَا إلَيْهِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَكَذَا لَوْ تَدَحْرَجَ فَدَفَعَهُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ فِيهَا وَجْهَانِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَبَيْنَ طَعَامِهِ، وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِقَتْلِهَا، فَقَتَلَهَا مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ، فَهَلْ يَضْمَنُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي آخِرِ " بَابِ الْغَصْبِ " فِيمَا إذَا حَالَتْ الْبَهِيمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، فَقَتَلَهَا. فَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ فِي الضَّمَانِ احْتِمَالَيْنِ. وَاخْتَرْنَا هُنَاكَ عَدَمَ الضَّمَانِ. وَظَهَرَ لَنَا هُنَاكَ: أَنَّهَا كَالْجَرَادِ إذَا انْفَرَشَ فِي طَرِيقِ الْمُحْرِمِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُرُورِ إلَّا بِقَتْلِهِ.