الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ]
ِ قَوْلُهُ (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَيُسَمَّى خَمْرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَبَاحَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ مَا دُونَ السُّكْرِ. قَالَ الْخَلَّالُ: فُتْيَاهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا طُبِخَ لَمْ يُسَمَّ خَمْرًا. وَيَحْرُمُ إذَا حَدَثَتْ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ. ثُمَّ صَرَّحَ فِي مَنْعِ ثُبُوتِ الْأَسْمَاءِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا سُمِّيَ خَمْرًا؛ لِأَنَّهُ عَصِيرُ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ. وَلِهَذَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَمَعَك نَبِيذٌ، أَمْ خَمْرٌ؟ قَالَ: وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ.» وَقَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه " الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهَا مِنْ وَجْهٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْيَ الِاسْمِ فِي الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ: فَلَهُ مَسَاغٌ. فَإِنَّ مَقْصُودَنَا يَحْصُلُ بِأَنْ يَكُونَ اسْمُ الْخَمْرِ فِي الشَّرْعِ يَعُمُّ الْأَشْرِبَةَ الْمُسْكِرَةَ. وَإِنْ كَانَتْ فِي اللُّغَةِ أَخَصَّ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الِاسْمَ الْحَقِيقِيَّ مَسْلُوبٌ مُطْلَقًا: فَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَهُوَ تَأْسِيسٌ لِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ: إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ خَمْرًا. انْتَهَى.
وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّ بِالْيَسِيرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ. نَقَلَهَا ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وُجُوبَ الْحَدِّ بِأَكْلِ الْحَشِيشَةِ الْقِنَّبِيَّةِ.
وَقَالَ: هِيَ حَرَامٌ، سَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهَا، أَوْ لَمْ يَسْكَرْ. وَالسُّكْرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَضَرَرُهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْخَمْرِ. قَالَ: وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْفُقَهَاءُ بِهَا الْحَدَّ كَالْخَمْرِ. وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحَدِّ بِهَا، وَأَنَّ أَكْلَهَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ بِمَا دُونَ الْحَدِّ: فِيهِ نَظَرٌ. إذْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَكَلَتُهَا يَنْتَشُونَ عَنْهَا وَيَشْتَهُونَهَا كَشَرَابِ الْخَمْرِ وَأَكْثَرَ، وَتَصُدُّهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي خُصُوصِهَا لِأَنَّ أَكْلَهَا إنَّمَا حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جِنْكِيزْ خَانْ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ، وَلَا لِلتَّدَاوِي، وَلَا لِعَطَشٍ، وَلَا غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا، فَيَجُوزُ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَافَ تَلَفًا. فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَ بَوْلًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ قُدِّمَ عَلَى الْخَمْرِ، لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ دُونَ الْبَوْلِ. فَهُوَ أَخَفُّ تَحْرِيمًا، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. وَلَوْ وَجَدَ مَاءً نَجِسًا قُدِّمَ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا، عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالتَّسْهِيلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله الثَّمَانِينَ
لِلْمَصْلَحَةِ
، وَقَالَ: هِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ. فَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ إلَى الثَّمَانِينَ: لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ. بَلْ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. كَمَا جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ فِي صِفَةِ الضَّرْبِ فِيهِ: بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ. بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحُدُودِ. انْتَهَى.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله أَيْضًا: يُقْتَلُ شَارِبُ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى قَتْلِهِ، إذَا لَمْ يَنْتَهِ النَّاسُ بِدُونِهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْحُدُودِ " أَنَّهُ لَا يُحَدُّ حَتَّى يَصْحُوَ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مُخْتَارًا " أَنَّ غَيْرَ الْمُخْتَارِ لِشُرْبِهَا: لَا يُحَدُّ. وَهُوَ الْمُكْرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا: يَحْرُمُ شُرْبُهَا. فَوَائِدُ: الْأُولَى: إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا: حَلَّ شُرْبُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَالَ: كَمَا لَا يُبَاحُ لِمُضْطَرٍّ.
الثَّانِيَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى أَفْضَلُ مِنْ شُرْبِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِلْمُكْرَهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: رَخَّصَ أَكْبَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِحَقِّ اللَّهِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ " عَالِمًا " بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَى: أَنَّهُ جَاهِلٌ بِالتَّحْرِيمِ، مَعَ نُشُوئِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: لَمْ يُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَ. وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْحَدِّ. قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ سَكِرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: جُلِدَ ثَمَانِينَ حَدًّا، وَعِشْرِينَ تَعْزِيرًا. نَقَلَهُ صَالِحٌ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُغَلَّظُ عَلَيْهِ كَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: إذَا سَكِرَ فِي رَمَضَانَ: غُلِّظَ حَدُّهُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: يُعَزَّرُ بِعَشْرَةٍ فَأَقَلَّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: عُزِّرَ بِعَشْرَيْنِ لِفِطْرِهِ. الْخَامِسَةُ: يُحَدُّ مَنْ احْتَقَنَ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَطَ بِهَا، أَوْ عَجَنَ بِهَا دَقِيقًا فَأَكَلَهُ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ مَنْ احْتَقَنَ بِهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَاخْتَارَاهُ وَاخْتَارَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إذَا عَجَنَ بِهِ دَقِيقًا وَأَكَلَهُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ خَلَطَ خَمْرًا بِمَاءٍ، وَاسْتُهْلِكَ فِيهِ، ثُمَّ شَرِبَهُ: لَمْ يُحَدَّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَسَوَاءٌ قِيلَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، أَوْ لَا. وَفِي التَّنْبِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ: مَنْ لَتَّ بِالْخَمْرِ سَوِيقًا، أَوْ صَبَّهَا فِي لَبَنٍ، أَوْ مَاءٍ حَارٍّ ثُمَّ شَرِبَهَا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ وَعَدَمِهِ. انْتَهَى.
وَأَمَّا إذَا خُبِزَ الْعَجِينُ: فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِأَكْلِ الْخُبْزِ. لِأَنَّ النَّارَ أَكَلَتْ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُحَدُّ إنْ تَمَضْمَضَ بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الرَّجُلِ يَسْتَعِطْ بِالْخَمْرِ، أَوْ يَحْتَقِنُ بِهِ، أَوْ يَتَمَضْمَضُ بِهِ أَرَى عَلَيْهِ الْحَدُّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَصَلَتْ إلَى حَلْقِهِ. وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ وَصَلَ جَوْفَهُ: حُدَّ. قَوْلُهُ (إلَّا الذِّمِّيَّ: فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ بِشُرْبِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ.
وَكَذَا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: الْمَذْهَبُ لَا يُحَدُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الِانْقِيَادَ فِي مُخَالَفَةِ دِينِهِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ الذِّمِّيُّ، دُونَ الْحَرْبِيِّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ إنْ سَكِرَ، اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَكَلَامُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يُشْعِرُ بِبِنَاءِ هَذَا الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ تُبْنَى الرِّوَايَتَانِ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ ثَمَّ قَطْعًا: تَكْلِيفُهُمْ بِهَا.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يُحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ إحْدَاهُمَا: لَا يُحَدُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ: هَذِهِ أَظْهَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله.
وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ وَإِنْ ادَّعَى شُبْهَةً. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ " بَابِ حَدِّ الزِّنَا ". وَأَطْلَقَهُنَّ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يُؤَدَّبُ بِرَائِحَتِهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ كَالْحَاضِرِ مَعَ مَنْ يَشْرَبُهُ نَقَلَهُ. أَبُو طَالِبٍ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وُجِدَ سَكْرَانَ وَقَدْ تَقَيَّأَ الْخَمْرَ، فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّائِحَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُحَدُّ هُنَا، وَإِنْ لَمْ نَحُدَّهُ بِالرَّائِحَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
الثَّانِيَةُ: يَثْبُتُ شُرْبُهُ لِلْخَمْرِ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَحَدِّ الْقَذْفِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: مَرَّتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ بَقِيَّةَ الْحُدُودِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِمَرَّتَيْنِ: وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا، بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْقَوَدِ. فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ فِيهِ، قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. وَيَثْبُتُ أَيْضًا شُرْبُهَا: بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ مُخْتَارًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
قَوْلُهُ (وَالْعَصِيرُ إذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: حَرُمَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، فَقَالُوا: بِلَيَالِيِهِنَّ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ مَا لَمْ يَغْلِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ يَتَخَمَّرُ فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا.
فَائِدَةٌ: لَوْ طُبِخَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ: حَلَّ. إنْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ. وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا: الِاعْتِبَارُ فِي حِلِّهِ عَدَمُ الْإِسْكَارِ. سَوَاءٌ ذَهَبَ بِطَبْخِهِ ثُلُثَاهُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ لَمْ يُسْكِرْ.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُغْلَى قَبْلَ ذَلِكَ. فَيَحْرُمُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: إذَا غُلِيَ أَكْرَهُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ. فَإِذَا أَسْكَرَ فَحَرَامٌ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِيمَا نَشَّ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْمَاءِ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا وَنَحْوَهُ، لِيَأْخُذَ مُلُوحَتَهُ، مَا لَمْ يَشْتَدَّ أَوْ يَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إذَا نَقَعَ زَبِيبًا، أَوْ تَمْرًا هِنْدِيًّا، أَوْ عُنَّابًا وَنَحْوَهُ لِدَوَاءٍ غَدْوَةً وَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، أَوْ عَشِيَّةً وَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً: هَذَا نَبِيذٌ أَكْرَهُهُ. وَلَكِنْ يَطْبُخُهُ وَيَشْرَبُهُ عَلَى الْمَكَانِ. فَهَذَا لَيْسَ بِنَبِيذٍ.
فَائِدَةٌ: لَوْ غَلَى الْعِنَبُ وَهُوَ عِنَبٌ عَلَى حَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: عَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي الْهَدْيِ رِوَايَةً: أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ، وَفِي غَيْرِهَا، إلَّا سِقَاءً يُوكَى حَيْثُ بَلَغَ الشَّرَابُ، وَلَا يَتْرُكُهُ يَتَنَفَّسُ. نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: وَلَا يُعْجِبُنِي إلَّا هُوَ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ كَرِهَ السِّقَاءَ الْغَلِيظَ.
قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ. وَهُوَ أَنْ يَنْتَبِذَ شَيْئَيْنِ، كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) . وَكَذَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ وَنَحْوُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: الْخَلِيطَانِ حَرَامٌ. قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي أَحْمَدُ رحمه الله بِقَوْلِهِ " حَرَامٌ " إذَا اشْتَدَّ وَأَسْكَرَ. وَإِذَا لَمْ يُسْكِرْ: لَمْ يَحْرُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَا يُكْرَهُ مَا كَانَ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ وَيُكْرَهُ مَا كَانَ فِي مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ إفْضَاؤُهُ فِيهَا إلَى الْإِسْكَارِ. وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مَا لَمْ يَغْلِ. أَوْ تَمْضِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ انْتِبَاذُ الْمُذْنِبِ وَحْدَهُ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِالْفُقَّاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْكِرُ وَيَفْسُدُ إذَا بَقِيَ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. ذَكَرَهَا فِي الْوَسِيلَةِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَشَذَّ مَنْ نَقَلَ تَحْرِيمَهُ.
فَائِدَةٌ: جَعَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله وَضْعَ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ: كَعَصِيرٍ. وَأَنَّهُ إنْ صُبَّ فِيهِ خَلٌّ: أُكِلَ.
بَابُ التَّعْزِيرِ قَوْلُهُ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، وَسَرِقَةِ مَا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَا وَنَحْوِهِ) إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَفَعَلَهَا: فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. وَقَدْ يَفْعَلُ مَعْصِيَةً لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَلَا حَدَّ، وَلَا تَعْزِيرَ أَيْضًا. كَمَا لَوْ شَتَمَ نَفْسَهُ أَوْ سَبَّهَا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إلَى وُجُوبِ التَّعْزِيرِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَدٌّ: فَقَدْ يُعَزَّرُ مَعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ. مِنْهَا: الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يُشْرَعُ التَّعْزِيرُ فِيمَا فِيهِ حَدٌّ. إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله فِي شَارِبِ الْخَمْرِ يَعْنِي: فِي جَوَازِ قَتْلِهِ وَفِيمَا إذَا أَتَى حَدًّا فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَالَ: يُغَلَّظُ. وَهُوَ نَظِيرُ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ بِالْقَتْلِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ فِيهَا كَفَّارَةٌ كَالظِّهَارِ، وَقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِ، كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ فَهَذَا لَا تَعْزِيرَ فِيهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهُرُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي النُّكَتِ. وَقِيلَ: يُعَزَّرُ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُنَا " لَا كَفَّارَةَ " فَائِدَتُهُ فِي الظِّهَارِ، وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَنَحْوِهِمَا لَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ إنْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ؛ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا وَسَبَبِ التَّعْزِيرِ. فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِيهَا.
قَوْلُهُ (وَهُوَ وَاجِبٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ الصَّحَابِيِّ. كَحَدٍّ، وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: مَنْدُوبٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَشَاهِدِ زُورٍ. وَفِي الْوَاضِحِ: فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ تَشَاتَمَ وَالِدٌ وَوَلَدُهُ: لَمْ يُعَزَّرْ الْوَالِدُ لِحَقِّ وَلَدِهِ. وَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ لِحَقِّ وَالِدِهِ. وَلَا يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْوَالِدِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي قَذْفِ الصَّغِيرِ: لَا يُحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِتَأْدِيبِهِ. فَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ إذَا رَآهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُؤَيِّدُهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ تَأْدِيبُهُ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِطَلَبِ وَارِثٍ. مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَهُ وَارِثٌ. وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّعْزِيرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.
وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي " إذَا افْتَاتَ خَصْمٌ عَلَى الْحَاكِمِ: لَهُ تَعْزِيرُهُ. مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا. فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَحَقِّ آدَمِيٍّ، الْمُفْتَقِرِ جَوَازُ إقَامَتِهِ إلَى طَلَبٍ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ كَانَ التَّعْزِيرُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَبَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ: وَجَبَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ. وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ عَنْهُ جَازَ. وَيَجِبُ إذَا طَالَبَ الْآدَمِيُّ بِحَقِّهِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: يَجِبُ فِي مَوْضِعَيْنِ، فِيهِمَا الْخَبَرُ. إلَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا، فَلَهُ تَرْكُهُ. قَالَ الْمَجْدُ: فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ تَائِبًا: لَمْ يُعَزَّرْ عِنْدِي. انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ يَجِئْ تَائِبًا وَجَبَ. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ. مَعَ أَنَّ فِيهَا: لَهُ الْعَفْوُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ. وَقَالَ: إنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا. وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا يَسْقُطُ، لِلتَّهْدِيدِ وَالتَّقْوِيمِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَلَوْ قَذَفَ مُسْلِمٌ كَافِرًا: التَّعْزِيرُ لِلَّهِ. فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ. نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صَغِيرًا لَمْ نَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي صَبِيٍّ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِي لَيْسَ قَوْلُهُ شَيْئًا. وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ. وَكَذَا فِي الْمُغْنِي، وَزَادَ: وَلَا لِعَانَ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ رحمهم الله. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا. وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ لِيَنْزَجِرَ. لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَمَا أَوْجَبَ حَدًّا عَلَى مُكَلَّفٍ: عُزِّرَ بِهِ الْمُمَيِّزُ، كَالْقَذْفِ. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: مَنْ شَرَعَ فِي عَشْرٍ: صَلُحَ تَأْدِيبُهُ فِي تَعْزِيرٍ عَلَى طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ فَكَذَا مِثْلُهُ زِنًا. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي. وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ فِي الْغِلْمَانِ يَتَمَرَّدُونَ: لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ، وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي: يَجِبُ ضَرْبُهُ عَلَى صَلَاةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي تَأْدِيبِهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالدِّيَاتِ: أَنَّهُ جَائِزٌ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِثْلُ أَنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا، أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً فَيَقْتَصُّ الْمَظْلُومُ مِنْ الظَّالِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زَجْرٌ. لَكِنْ لِاسْتِيفَاءِ الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ، وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ: إذَا زَنَى ابْنُ عَشْرٍ، أَوْ بِنْتُ تِسْعٍ: لَا بَأْسَ بِالتَّعْزِيرِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَثْنَاءِ " بَابِ الْمُرْتَدِّ ". فَائِدَةٌ: فِي جَوَازِ عَفْوِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْ التَّعْزِيرِ: الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ وَنَدْبِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " كَالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ ". قَالَ الْأَصْحَابُ: يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ؟ وَإِنَّ التَّعْزِيرَ لِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِثْلُهُ؟ .
قَوْلُهُ (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ أَحَلَّتْهَا لَهُ: فَيُجْلَدُ مِائَةً) .
هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُجْلَدُ مِائَةً إلَّا سَوْطًا. وَعَنْهُ: يُضْرَبُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ. وَهُمَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْعَمَلُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْجَلْدِ أَوْ الرَّجْمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنْ ظَنَّ جَوَازَهُ: لَحِقَهُ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ فِيهِ وَفِي حَدِّهِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ. فَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ كَمَا لَوْ لَمْ تُحِلَّهَا لَهُ، وَلَوْ مَعَ ظَنِّ حِلِّهَا. نَقَلَهُ مُهَنَّا
وَعَنْهُ فِيمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ إنْ أَكْرَهَهَا: عَتَقَتْ، وَغَرِمَ مِثْلَهَا. وَإِلَّا مَلَكَهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الْأُصُولِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ: ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.
قَوْلُهُ (وَلَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ، فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، إلَّا فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْهَبُ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ، إلَّا فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَجَارِيَةِ زَوْجَتِهِ إذَا أَحَلَّتْهَا لَهُ. انْتَهَى.
قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ عَلَى تِسْعِ جَلْدَاتٍ. نَقَلَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَظْهَرُ لِي وَجْهُهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي عُقُوبَةِ أَصْحَابِ الْجَرَائِمِ: أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا: ضُرِبَ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ. مَنْقُولٌ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّةَ فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ: أَنَّ عُقُوبَةَ مَنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ مِئْزَرٍ: يُجْلَدُ خَمْسَ عَشْرَةَ جَلْدَةً. انْتَهَى.
وَعَنْهُ: مَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِ ضُرِبَ مِائَةً. وَيَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْيُ. وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ تَخَرَّجَ فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً. يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُحَدُّ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِأَبِي الْخَطَّابِ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُشْتَرَكَةَ: يُعَزَّرُ بِضَرْبِ مِائَةٍ إلَّا سَوْطًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُضْرَبُ مِائَةً. وَيَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْيُ. وَلَهُ نَقْصُهُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَمَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ: يُضْرَبُ فِيهِ مِائَةً. وَيَسْقُطُ النَّفْيُ. وَقِيلَ: عَشْرَ جَلْدَاتٍ. انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ. وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَمَّا إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوْ الْمُحَرَّمَةَ بِرَضَاعٍ إذَا قُلْنَا: لَا يُحَدُّ بِذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ حَدِّ الزِّنَا " فَعَنْهُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ عَلَى عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَإِنْ زِدْنَا عَلَيْهَا فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ.
وَأَمَّا إذَا وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَنَقَلَ يَعْقُوبُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، عَلَى مَا قَدَّمُوهُ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، وَإِنْ زِدْنَا فِي الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ مَيِّتَةً وَقُلْنَا: لَا يُحَدُّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ عُزِّرَ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ. وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ: عُزِّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَكُونُ مِائَةً. وَقِيلَ: لَا يُعَزَّرُ. وَقِيلَ: إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ مَلَكَهَا، وَإِلَّا عُزِّرَ. وَإِنْ وَطِئَ أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَقُلْنَا: لَا يُحَدُّ عُزِّرَ بِمِائَةِ سَوْطٍ. وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ. قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا فِي نَظَائِرِهِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُرَّ يُعَزَّرُ بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا: فَإِنَّهُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: خَمْسُونَ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ " مِنْ تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ، أَوْ رِوَايَةٌ بِرَأْسِهَا.
وَجَزَمَ بِهَذَا الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، إلَّا مَا اسْتَثْنَوْهُ مِمَّا سَبَبُهُ الْوَطْءُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ: لَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَذَا فَهِمَ عَنْهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَهُ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: رُوِيَ عَنْهُ أَدْنَى حَدٍّ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَشْهَرُ. وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَبْلُغُ بِالْحُرِّ أَدْنَى حَدِّهِ. وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ، أَوْ الثَّمَانُونَ. وَلَا بِالْعَبْدِ أَدْنَى حَدِّهِ. وَهُوَ الْعِشْرُونَ، أَوْ الْأَرْبَعُونَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنْ لَا يَبْلُغَ جِنَايَةً حَدًّا مَشْرُوعًا مِنْ جِنْسِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى حَدٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا. فَعَلَى هَذَا: مَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ: يَجُوزُ أَنْ يُجْلَدَ مِائَةً إلَّا سَوْطًا، لِيَنْقُصَ عَنْ حَدِّ الزِّنَا. وَمَا كَانَ سَبَبُهُ غَيْرَ الْوَطْءِ، لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَقْعَدُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. زَادَ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَيَكُونُ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِحَبْسٍ وَتَوْبِيخٍ. وَقِيلَ: فِي حَقِّ اللَّهِ الْحَبْسُ وَالتَّوْبِيخُ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا عَزَّرَهُ الْحَاكِمُ: أَشْهَرَهُ
لِمَصْلَحَةٍ
. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ " بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ".
الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ لِحْيَتِهِ. وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهِهِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ. وَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ؟ قَالَ مُهَنَّا: فَرَأَيْت كَأَنَّهُ كَرِهَ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ. قَالَهُ فِي النُّكَتِ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ، وَالتَّرْغِيبِ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حَلَقَ رَأْسَ شَاهِدِ الزُّورِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَرْكَبُ، وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَلَا يُمَثِّلُ بِهِ. ثُمَّ جَوَّزَهُ هُوَ لِمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ، لِلرَّدْعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: وَرَدَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ. وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ. وَيُطَافُ بِهِ. وَيُطَالُ حَبْسُهُ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَهُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ شَعْرِهِ، لَا لِحْيَتِهِ، وَبِصَلْبِهِ حَيًّا. وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ. وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، وَلَا يُعِيدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ صَلَاةٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: هَلْ يُجَرَّدُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ ثِيَابِهِ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ؟ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْحَدِّ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ، إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يُقْلِعْ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ، وَقَالَ: فَنَصَّ أَنَّهُ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ. وَيُطَافُ بِهِ، وَيُضْرَبُ مَعَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُعَزَّرُ بِقَدْرِ رُتْبَةِ الْمَرْمِيِّ. فَإِنَّ الْمَعْيَرَةَ تَلْحَقُ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: يُعَزِّرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ، كَعَزْلِ مُتَوَلٍّ. وَقَالَ: لَا يَتَقَدَّرُ. لَكِنَّ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَبْلُغُهُ. فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ دُونَ نِصَابٍ، وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الشُّرْبِ بِمَضْمَضَةِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ: هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: بِقَتْلِهِ لِلْحَاجَةِ. وَقَالَ: يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ. وَذَكَرَهُ وَجْهًا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ رحمه الله. وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُطْرُوشُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي الدُّعَاةِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي الْخَلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَاِتِّخَاذِ الطَّوَافِ بِالصَّخْرَةِ دِينًا، وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ " اُنْذُرُوا لِي، وَاسْتَعِينُوا بِي " إنْ أَصَرَّ وَلَمْ يَتُبْ: قُتِلَ. وَكَذَا مَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ لِلْخَمْرِ مَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ، لِلْأَخْبَارِ فِيهِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ: يُحْبَسُ حَتَّى يَكُفَّ عَنْهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَالِهِمْ، حَتَّى بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَكُفَّ: حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ.
وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي. وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِلْإِمَامِ حَبْسُ الْعَائِنِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ " إذَا قَتَلَ الْعَائِنُ: مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إنْ كَثُرَ مَجْذُومُونَ وَنَحْوُهُمْ: لَزِمَهُمْ التَّنَحِّي نَاحِيَةً. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَلْزَمُهُمْ، فَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ. وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِلْكُفَّارِ. وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنْ خِيفَ دَوَامُهُ.
وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: دَلَّ حَدِيثُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ رضي الله عنه عَلَى أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ. وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: يُعَنَّفُ ذُو الْهَيْئَةِ. وَغَيْرُهُ يُعَزَّرُ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا جَرْحُهُ، وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ أَنَّ إتْلَافَهُ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ: لَا يَجُوزُ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله التَّعْزِيرَ بِقَطْعِ الْخُبْزِ، وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَاتِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا نَفْيَ إلَّا لِلزَّانِي وَالْمُخَنَّثِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: نَفْيُهُ دُونَ سَنَةٍ. وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَبِنَفْيِ عُمَرَ رضي الله عنه نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ. وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا. وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَقَوْلُهُ " اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك " كَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ، نَحْوُ " يَا كَلْبُ " فَلَهُ قَوْلُهُ لَهُ، أَوْ تَعْزِيرُهُ. وَلَوْ لَعَنَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ؟ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ لَعْنَةِ الْمُعَيَّنِ. وَمَنْ لَعَنَ نَصْرَانِيًّا: أُدِّبَ أَدَبًا خَفِيفًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدَرَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ ظُلْمًا: فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ نَحْوُ " أَخْزَاك اللَّهُ " أَوْ " لَعَنَك اللَّهُ " أَوْ يَشْتُمُهُ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ، نَحْوُ " يَا كَلْبُ، يَا خِنْزِيرُ " فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ. وَمَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَمَا صَبَرَ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ: عُزِّرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنْ الزِّنَا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، لِإِبَاحَتِهِ إذَنْ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنْ الزِّنَا، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ، وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ.
ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ ذَكَرَ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. وَلَوْ خَافَ الزِّنَا. ذَكَرَهَا فِي الْفُنُونِ، وَأَنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا. لِأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ إبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ لَمْ يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ. فَهُنَا أَوْلَى. وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّوْمَ بَدَلًا مِنْ النِّكَاحِ. وَالِاحْتِلَامُ مُزِيلٌ لِشِدَّةِ الشَّبَقِ مُفْتِرٌ لِلشَّهْوَةِ.
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْنَاءُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَلَا يُبَاحُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. فَإِذَا حَصَلَتْ الضَّرُورَةُ قُدِّمَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ. وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ كَمَا قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: الِاسْتِمْنَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الرَّجُلِ. فَتَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِثْلَ الذَّكَرِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ. وَعَدَمَ الْقِيَاسِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ الْمَسْأَلَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا قَصَدَتْ بِهِ إطْفَاءَ الشَّهْوَةِ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الزِّنَا. قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ.