المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب العاقلة وما تحمله] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٠

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب العاقلة وما تحمله]

[بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ]

ُ فَائِدَةٌ: سُمِّيَتْ " عَاقِلَةً " لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْإِبِلَ تُجْمَعُ فَتُعْقَلُ بِفِنَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ. أَيْ تُشَدُّ عُقُلُهَا لِتُسَلَّمَ إلَيْهِمْ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لِإِعْطَائِهِمْ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ (عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ: عِصَبَاتُهُ كُلُّهُمْ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ، مِنْ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ: آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْعَاقِلَةُ الْعُمُومَةُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: الْأَبُ وَالِابْنُ وَالْإِخْوَةُ وَكُلُّ الْعَصَبَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ. انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مِنْ عَصَبَةِ أُمِّهِ. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ السَّامِرِيُّ فِي مُسْتَوْعِبِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَيْضًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 119

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ ذُكُورُ عَصَبَتِهِ، وَلَوْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْجَمِيعُ عَاقِلَتُهُ، إلَّا أَبْنَاؤُهُ إذَا كَانَ امْرَأَةً. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهِيَ أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهَا يَقُومُ الدَّلِيلُ. نَقَلَ حَرْبٌ: الِابْنُ لَا يَعْقِلُ عَنْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ أَبِي الْمَجْدِ، وَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ كُلُّ الْعَصَبَةِ إلَّا الْأَبْنَاءَ. وَلَعَلَّهُ يَقِيسُ أَبْنَاءَ الرَّجُلِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَرْأَةِ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: الْجَمِيعُ عَاقِلَتُهُ، إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَإِخْوَتَهُ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَيَأْتِي التَّرْتِيبُ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلَاءِ " أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ: عَصَبَاتُ سَيِّدِهِ " فَكَلَامُهُ هُنَا مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ، وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِ الْجَانِي: حَمْلُ شَيْءٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 120

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْفَقِيرَ يَحْمِلُ مِنْ الْعَقْلِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَيَّدَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بِالْمُعْتَمَلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: تَحْمِلُ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ بِالْوَلَاءِ. وَعَنْهُ: الْمُمَيِّزُ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْعُمْدَةِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْخُنْثَى يَحْمِلَانِ مِنْ الْعَقْلِ. فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَ إلَّا الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالْفَقِيرَ، وَمَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ وَالْأَعْمَى يَحْمِلُ مِنْ الْعَقْلِ بِشَرْطِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَيَعْقِلُ الزَّمِنُ وَالشَّيْخُ وَالضَّعِيفُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْمِلُونَ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهَرِمِ وَالزَّمِنِ فِي الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فِي أَحْكَامِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَخَطَأِ الْوَكِيلِ. وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ.

ص: 121

وَالْمُرَادُ: فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، كَخَطَئِهِمَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَأٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ جَهِلَا حَمْلًا، أَوْ بَانَ مَنْ حَكَمَا بِشَهَادَتِهِ غَيْرَ أَهْلٍ. وَيَأْتِي الْخَطَأُ فِي الْحَدِّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَتَعَاقَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي.

إحْدَاهُمَا: يَتَعَاقَلُونَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَتَعَاقَلُونَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَتَعَاقَلُونَ. وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ النَّاظِمُ: يَتَعَاقَلُونَ فِي الْأَظْهَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَتَعَاقَلُونَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ وَجْهَانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ. وَذَكَرَهُمَا فِي الْكَافِي وَجْهَيْنِ، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوْرِيثِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَتَعَاقَلُونَ أَيْضًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ: لَا يَتَعَاقَلُونَ.

ص: 122

قَوْلُهُ (وَلَا يَعْقِلُ ذِمِّيٌّ عَنْ حَرْبِيٍّ، وَلَا حَرْبِيٌّ عَنْ ذِمِّيٍّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَتَعَاقَلَانِ، إنْ قُلْنَا: يَتَوَارَثَانِ. وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الْجَمِيعَ: فَالدِّيَةُ أَوْ بَاقِيهَا عَلَيْهِ، إنْ كَانَ ذِمِّيًّا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي كُتُبِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: كَمُسْلِمٍ. وَأَجْرَى فِي الْمُحَرَّرِ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: لَا تَحْمِلُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَانِي. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ حَالًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 123

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) يَعْنِي: أَخْذُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهُوَ أَوْلَى، فَاخْتَارَهُ. [ثُمَّ قَالَ كَمَا لَوْ قَالُوا فِي فِطْرَةِ زَوْجَةِ الْمُعْسِرِ، وَضَيْفِهِ. فَإِنَّهُ عَلَيْهِمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مُحْتَمَلَانِ لَا أَصْلِيَّانِ. وَكَقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ بِمَنْ لَا يَرَى تَحَمُّلَهَا عَنْهُ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ شَيْئًا مَغْرَمًا أَوْ مَغْنَمًا بِاخْتِيَارِهِ لَهُ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ. أَوْ قَهْرًا عَنْهُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ] . وَقَالَ كَقَوْلِهِمْ فِي الْمُرْتَدِّ: يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ. وَلَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ فَلَمْ يُصِبْ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ: كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. وَلَوْ رَمَى الْكَافِرُ سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إنْسَانًا: فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ. وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ ثُمَّ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ: فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ لَهُ. قَالَ: فَكَذَا هَذَا.

ص: 124

فَاسْتَشْهَدَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله عَلَى صِحَّةِ مَا اخْتَارَهُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا بِهَا. فَنَذْكُرُ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ. فَمِنْهَا: قَوْلُهُ " يَجِبُ أَرْشُ خَطَأِ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِهِ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَنَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إلَى الْأَصْحَابِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَيْهِ جَمَاهِيرَ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ " وَلَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يُصِبْ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ: كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ " وَلَوْ رَمَى الْكَافِرُ سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ. ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إنْسَانًا: فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ " وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ، ثُمَّ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ، ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ: فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ تَغَيَّرَ دِينُ جَارِحٍ حَالَتَيْ جَرْحٍ وَزُهُوقٍ: عَقَلَتْ عَاقِلَتُهُ حَالَ الْجَرْحِ. وَقِيلَ: أَرْشُهُ.

ص: 125

وَقِيلَ: الْكُلُّ فِي مَالِهِ. وَإِنْ انْجَرَّ وَلَاءُ ابْنِ مُعْتَقَةٍ بَيْنَ جَرْحٍ أَوْ رَمْيٍ وَتَلِفَ فَكَتَغَيُّرِ دِينٍ. وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ.

فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا) . فَسَّرَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ الصُّلْحَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ ذِكْرُ الْعَمْدِ. بَلْ مَعْنَاهُ: صَالَحَ عَنْهُ صُلْحَ إنْكَارٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا اعْتِرَافًا) . وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَتَلَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ جَنَى جِنَايَةَ خَطَأٍ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، تُوجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ. فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. لَكِنَّ مُرَادَهُمْ: إذَا لَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَاقِلَةُ بِهِ. وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. [بَلْ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ لِلْخِرَقِيِّ. لَكِنْ لَوْ سَكَتَتْ فَلَمْ تَتَكَلَّمْ، أَوْ قَالَتْ: لَا نُصَدِّقُهُ وَلَا نُكَذِّبُهُ، أَوْ قَالَتْ: لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ. فَهَلْ هُوَ كَقَوْلِ الْمُدَّعِي " لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ " أَوْ " لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ " أَوْ كَسُكُوتِهِ؟ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَوَابِ دَعْوَى فَنُكُولُهُمْ كَنُكُولِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَوَابِ دَعْوَى: لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ. وَلَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِنُكُولِهِمْ. وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ فِيهَا: وَلَا اعْتِرَافًا تُنْكِرُهُ. انْتَهَى] قَوْلُهُ (وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ) .

ص: 126

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً عَمْدًا، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا احْتِمَالُ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ الْقَلِيلَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا أَصَابَ الصَّبِيَّ مِنْ شَيْءٍ: فَعَلَى الْأَبِ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ. فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ: فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَحْمِلُ الثُّلُثَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا، إلَّا غُرَّةَ الْجَنِينِ إذَا مَاتَ مَعَ أُمِّهِ. فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا مَعَ دِيَةِ أُمِّهِ) . يَعْنِي: وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ بِانْفِرَادِهَا، لَكِنْ لَمَّا وَجَبَتْ مَعَ الْأُمِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، مَعَ زِيَادَتِهِمَا عَلَى الثُّلُثِ: حَمَلَتْهَا الْعَاقِلَةُ، كَالدِّيَةِ الْوَاحِدَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ خَبَرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْ الْمَرْأَةَ وَجَنِينَهَا، وَجْهُ الدَّلِيلِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِدِيَةٍ لِلْجَنِينِ عَلَى الْجَانِيَةِ» . حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَا مُنْفَرِدَيْنِ: لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ، لِنَقْصِهَا عَنْ الثُّلُثِ) إنْ مَاتَ، وَلَمْ تَمُتْ الْأُمُّ: لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً، فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَإِنْ مَاتَا مِنْ الضَّرْبَةِ، فَإِنْ مَاتَا مَعًا حَمَلَتْهَا: بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ: حَمَلَتْهَا أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ.

ص: 127

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهَا لَا تَحْمِلُهَا. فَإِنَّهُمَا قَالَا: إذَا مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ: لَمْ تَحْمِلْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ مَاتَ مَعَ أُمِّهِ: حَمَلَتْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَيَا. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ: لَمْ تَحْمِلْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ هُنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ: بِأَنَّهَا تَحْمِلُهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ أَيْضًا: الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

قَوْلُهُ (وَتَحْمِلُ جِنَايَةَ الْخَطَإِ عَلَى الْحُرِّ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ: لَا تَحْمِلُ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَيَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) . اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ: هَلْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَحْمِلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُقْنِعِ، فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ " وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ.

ص: 128

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَصَحَّحَهُ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَحْمِلُ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَيَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا تَحْمِلُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي الْأَصَحِّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَنِّفُ بِالْوَاوِ قَبْلُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِتَظْهَرَ الْمُغَايَرَةُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً: يَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالًّا، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ كَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ حَالًّا. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي حَالِ الْجَانِي فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. قَوْلُهُ (وَمَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ: غَيْرُ مُقَدَّرٍ، لَكِنْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. فَيَحْمِلُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَسْهُلُ وَلَا يَشُقُّ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله.

فَائِدَةٌ: الْمُوسِرُ هُنَا: مَنْ مَلَكَ نِصَابًا عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ. كَالْحَجِّ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ.

ص: 129

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا: يَتَكَرَّرُ. فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ دِينَارٌ وَنِصْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِينَارٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ. فَيَتَكَرَّرُ بِالْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَتَكَرَّرُ. فَيَكُونُ عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ. وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعُ دِينَارٍ لَا غَيْرُ. قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ قُلْنَا يَتَكَرَّرُ لَأَفْضَى إلَى إيجَابِ أَقَلَّ مِنْ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ مُضِرًّا. انْتَهَى. قُلْت: إنْ بَقِيَ الْغَنِيُّ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ غَنِيًّا تَكَرَّرَ. كَذَا إنْ بَقِيَ مُتَوَسِّطًا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ: تَكَرَّرَ وَإِلَّا فَلَا وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَيُبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) . كَالْعَصَبَاتِ فِي الْمِيرَاثِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 130

وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّرْغِيبِ: يُبْدَأُ بِالْآبَاءِ، ثُمَّ بِالْأَبْنَاءِ. وَقِيلَ: مُدْلٍ بِأَبٍ كَالْأُخْوَةِ وَأَبْنَائِهِمْ. وَالْأَعْمَامِ وَأَبْنَائِهِمْ كَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ قَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْأَخَ لِلْأَبِ: هَلْ يُسَاوِي الْأَخَ لِلْأَبَوَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَخَرَجَ مِنْهَا مُسَاوَاةُ بَعِيدٍ لِقَرِيبٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُضْرَبُ عَلَى عَاقِلَةِ مُعْتَقَةٍ فِي حَيَاةِ مُعْتِقَةٍ، بِخِلَافِ عَصَبَةِ النَّسَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: وَالْمَوْلَى يَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَةُ الْمُعْتَقِ.

فَائِدَةٌ: يُؤْخَذُ مِنْ الْبَعِيدِ لِغَيْبَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُبْعَثُ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: دِيَةُ الْخَطَإِ فِي خَمْسِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ خُمُسُهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَكُونُ حَالًّا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهُ إنْ كَانَ دِيَةً كَامِلَةً) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ كَأَرْشِ الْجَائِفَةِ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَهَا كَدِيَةِ الْيَدِ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ الثُّلُثُ، وَبَاقِيهِ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْجِيلِ.

ص: 131

وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ: وَجَبَ الثُّلُثَانِ فِي السَّنَتَيْنِ، وَالْبَاقِي فِي آخِرِ الثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ دِيَةَ امْرَأَةٍ وَكِتَابِيٍّ فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي: يَجِبُ ثُلُثَاهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَبَاقِيهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقَسَّمَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِكَوْنِهَا دِيَةَ نَفْسٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَصْحَابُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى الثُّلُثِ) . وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الضَّرْبَةُ الْأُمَّ وَجَنِينَهَا بَعْدَمَا اسْتَهَلَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُؤْخَذُ الْكُلُّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ شَخْصٌ اثْنَيْنِ: لَزِمَ عَاقِلَتَهُ فِي كُلِّ حَوْلٍ مِنْ كُلِّ دِيَةٍ ثُلُثُهَا فَيَلْزَمُهُمْ دِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ أَذْهَبَ بِجِنَايَتَيْنِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ

ص: 132

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجِبُ دِيَةُ الِاثْنَيْنِ فِي سِتِّ سِنِينَ. قَوْلُهُ (وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ فِي الْجُرْحِ: مِنْ حِينِ الِانْدِمَالِ، وَفِي الْقَتْلِ: مِنْ حِينِ الْمَوْتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَاب، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يَسِرْ الْجُرْحُ إلَى شَيْءٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْقَطْعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: ابْتِدَاؤُهُ فِي الْقَتْلِ الْمُوحِي وَالْجُرْحِ إنْ لَمْ يَسِرْ عَنْ مَحِلِّهِ مِنْ حِينِ الْجَنَابَةِ.

فَائِدَةٌ: مَنْ صَارَ أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ: لَزِمَهُ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ، تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) . عَمْدُ الْمَجْنُونِ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ، فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ: أَنَّ عَمْدَهُ فِي مَالِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ: وَتَكُونُ مُغَلَّظَةً.

ص: 133

وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةً: تَكُونُ فِي مَالِهِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا أَصَابَ الصَّبِيُّ مِنْ شَيْءٍ، فَعَلَى الْأَبِ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ. فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ: فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا.

ص: 134

بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً خَطَأً، أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ، أَوْ شَارَكَ فِيهَا: فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهَا. وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: لَا تَلْزَمُ قَاتِلَ نَفْسِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُ قَاتِلَ نَفْسِهِ وَلَا كَافِرًا، بِنَاءً عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَعَنْهُ: عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عِنْدَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. قَوْلُهُ (أَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَقِيلَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقِيلَ: تَتَعَدَّدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي جَنِينٍ وَأُمِّهِ.

ص: 135

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَأَلْقَتْ جَنِينًا " أَنَّهَا لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تَتَصَوَّرْ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ (سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ كَبِيرًا عَاقِلًا، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ إلَّا الْمَجْنُونَ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ) يَأْتِي حُكْمُ الْعَبْدِ فِي التَّكْفِيرِ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " فِيمَا إذَا عَتَقَ أَوْ لَمْ يَعْتِقْ قَبْلَ التَّكْفِيرِ. فَلْيُعَاوَدْ هُنَاكَ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الزَّكَاةِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْقَتْلُ الْمُبَاحُ كَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ، وَقَتْلِ الْبَاغِي وَالصَّائِلِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) . بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا فِي الْبَاغِي إذَا قَتَلَهُ الْعَادِلُ. فَإِنَّهُ حَكَى فِي التَّرْغِيبِ فِيهِ وَجْهَيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ.

قَوْلُهُ (وَفِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ: رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِيهِمَا. أَمَّا الْعَمْدُ: فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَوَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.

ص: 136

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ: تَجِبُ، اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَزَعَمَ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ: إنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَوْلًا. وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ كَالْعَمْدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَكَذَا قَالَ ابْنُ مُنَجَّا وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْأَصْحَابُ فِيهَا: إنَّمَا هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ.

ص: 137

تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ وَقَعَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ إجْرَاءُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ. وَهُوَ ذُهُولٌ. فَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي فَحِكَايَةُ الرِّوَايَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَقَعَتْ هُنَا سَهْوًا. قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً أَنَّهُ كَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّ دِيَتَهُ مُغَلَّظَةٌ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ النَّاظِمُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلنَّقْلِ فِيهَا. لَكِنْ قَالَ النَّاظِمُ: هِيَ بَعِيدَةٌ. وَقَدْ عَلَّلَهَا الشَّارِحُ، فَقَالَ: لِأَنَّ دِيَتَهُ مُغَلَّظَةٌ. فَكَانَتْ كَالْعَمْدِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ، فَفِي مَالِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ وَحَاكِمٍ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. وَيُكَفِّرُ الْوَلِيُّ عَنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْ مَالِهِ. الثَّانِيَةُ: نَقَلَ مُهَنَّا: الْقَتْلُ لَهُ كَفَّارَةٌ. وَالزِّنَا لَهُ كَفَّارَةٌ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَيْسَ بَعْدَ الْقَتْلِ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا.

ص: 138

بَابُ الْقَسَامَةِ قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ) . مُرَادُهُ: قَتْلُ مَعْصُومٍ. وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. أَمَّا الْعَمْدُ: فَلَا نِزَاعَ فِيهِ بِشُرُوطِهِ. وَأَمَّا الْخَطَأُ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: دَعْوَى الْقَتْلِ، ذَكَرًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا قَسَامَةَ فِي عَبْدٍ وَكَافِرٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ لَا تُشْرَعُ إلَّا فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. كَذَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ (الثَّانِي: اللَّوْثُ. وَهِيَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ، كَنَحْوِ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ، وَكَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ شُيُوخِنَا.

ص: 139

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: لَوْ حَصَلَ عَدَاوَةٌ مَعَ سَيِّدِ عَبْدٍ وَعَصَبَتِهِ. فَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَحْرَاءَ، وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ عَبْدِهِ: كَانَ ذَلِكَ لَوْثًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ. وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ الْقَسَامَةُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى بِهِ، كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ، وَوُجُودِ قَتِيلٍ عِنْدَ مَنْ مَعَهُ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، وَشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِمْ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَعَدْلٍ وَاحِدٍ، وَفَسَقَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَنْهُ: إذَا كَانَ عَدَاوَةٌ أَوْ عَصَبِيَّةٌ. نَقَلَهَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَاوَةِ أَثَرُ الْقَتْلِ فِي الْمَقْتُولِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، كَدَمٍ مِنْ أُذُنِهِ. وَفِيهِ مِنْ أَنْفِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ: أَوْ مِنْ شَفَتِهِ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهَلْ يَقْدَحُ فِيهِ فَقْدُ أَثَرِ الْقَتْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَيْسَ ذَلِكَ أَثَرًا. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي: أَنْ لَا يَخْتَلِطَ بِالْعَدُوِّ غَيْرُهُ، وَالْمَنْصُوصُ: عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ ادَّعَى، قَتِيلٌ عَلَى مَحَلَّةِ بَلَدٍ كَبِيرٍ يَطْرُقُهُ غَيْرُ أَهْلِهِ: ثَبَتَتْ الْقَسَامَةُ فِي رِوَايَةٍ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا قَوْلُ الْقَتِيلِ " فُلَانٌ قَتَلَنِي " فَلَيْسَ بِلَوْثٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 140

وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَذْهَبُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ لَطْخٌ. إذَا كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ بَيِّنٌ. إذَا كَانَ ثَمَّ عَدَاوَةٌ. إذَا كَانَ مِثْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا.

قَوْلُهُ (وَمَتَى ادَّعَى الْقَتْلَ مَعَ عَدَمِ اللَّوْثِ عَمْدًا فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْكَمُ لَهُ بِيَمِينٍ وَلَا بِغَيْرِهَا) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: أَنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَهِيَ الْأَوْلَى. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقَوْلُ بِالْحَلِفِ هُوَ الْحَقُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا.

فَائِدَةٌ: حَيْثُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: فَلَا كَلَامَ. وَحَيْثُ امْتَنَعَ: لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَأَمَّا الدِّيَةُ فَتَثْبُتُ بِالنُّكُولِ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُ الْمَالَ بِهِ، أَوْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي، إنْ قُلْنَا: بِرَدِّ الْيَمِينِ، وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ. انْتَهَى.

ص: 141

وَإِذَا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ: فَهَلْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، أَوْ يُحْبَسُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: الصَّوَابُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ خَطَأً حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا. وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ.

قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ فِي الدَّعْوَى. فَإِنْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ: لَمْ تَثْبُتْ الْقَسَامَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُكَذِّبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: لَمْ يَقْدَحْ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّعِينَ رِجَالٌ عُقَلَاءُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فِي الْقَسَامَةِ، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: لِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِي الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ نِسَاءٌ: أَقْسَمَ الرِّجَالُ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ نِسَاءً: فَهُوَ كَمَا لَوْ نَكَلَ الْوَرَثَةُ.

ص: 142

فَائِدَةٌ: لَا مَدْخَلَ لِلْخُنْثَى فِي الْقَسَامَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَلَفَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالْأَوْلَى عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِفَ الْآخَرُ. فَلَا قَسَامَةَ إلَّا بَعْدَ أَهْلِيَّةِ الْآخَرِ. وَمَحِلُّ الْخِلَافِ: فِي غَيْرِ الْعَمْدِ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ.

ص: 143

أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ خَمْسِينَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ: حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ. وَلَهُ بَقِيَّتُهَا) . سَوَاءٌ قُلْنَا: يَحْلِفُ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ، أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ خَمْسِينَ. وَحَكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَ التَّعْيِينُ أَقْسَمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ. قَوْلُهُ (وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ مِنْ شُرُوط الْقَسَامَةِ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ، وَأَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ) ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْقَسَامَةِ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمْدًا. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَّلَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا نَظَرٌ حَسَنٌ. وَلَيْسَ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ بِالْبَيِّنِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

ص: 144

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ أَرَ الْأَصْحَابَ عَرَّجُوا عَلَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَعِنْدَ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَجْرِي الْقَسَامَةُ فِيمَا لَا قَوَدَ فِيهِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: عَنْهُ عَمْدًا. وَالنَّصُّ: أَوْ خَطَأً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَمْدًا مَحْضًا: لَمْ يُقْسِمُوا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ. وَيَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ: لَيْسَ لَهُمْ الْقَسَامَةُ. وَلَا تُشْرَعُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُمْ الْقَسَامَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ. وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ غَيْرَ الْخِرَقِيِّ قَالَ ذَلِكَ. وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مَنْ اخْتَارَ ذَلِكَ.

ص: 145

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، أَوْ بِقِسْطِهِ مِنْهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقِسْطِهِ.

قَوْلُهُ (وَيُبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ. فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَارِثِ) . يَعْنِي الْعَصَبَةَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ مِنْ الْعَصَبَةِ الْوَارِثُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْوَارِثِ. نَصَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَاضِي: فِيمَا أَظُنُّ. فَيُقْسِمُ مَنْ عُرِفَ وَجْهُ نِسْبَتِهِ مِنْ الْمَقْتُولِ، لَا أَنَّهُ مِنْ الْقَبِيلَةِ فَقَطْ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَسَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ رحمه الله: إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلِيَاءٌ؟ قَالَ: فَقَبِيلَتُهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا، أَوْ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ.

ص: 146

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُمْ الْعَصَبَةُ الْوَارِثُونَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا حَلَفَهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَحْلِفُ وَلِيٌّ يَمِينًا. وَعَنْهُ: خَمْسُونَ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَيْمَانِ الْخَمْسِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَجْهَانِ. أَصْلُهُمَا الْمُوَالَاةُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ. فَلَوْ حَلَفَ ثُمَّ جُنَّ. ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ عُزِلَ الْحَاكِمُ بَنَى لَا وَارِثُهُ.

الثَّانِيَةُ: وُرَّاثُ الْمُسْتَحِقِّ كَالْمُسْتَحِقِّ بِالْأَصَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ لَمْ يَكُنْ طَالِبٌ. فَلَهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً. وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ الدَّعْوَى فِي يَمِينِ الْمُدَّعِي.

الثَّالِثَةُ: مَتَى حَلَفَ الذُّكُورُ فَالْحَقُّ لِلْجَمِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْعَمْدُ لِذُكُورِ الْعَصَبَةِ. الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقْتَ يَمِينِهِ، كَالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَحُضُورُ الْمُدَّعِي. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 147

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ) وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا نِسَاءً. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ وَيَغْرَمُ الدِّيَةَ. وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَ فِي الْمُوجَزِ: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَصِحُّ يَمِينُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ " مَا قَتَلْته، وَلَا أَعَنْت عَلَيْهِ وَلَا تَسَبَّبْت " لِئَلَّا يُتَأَوَّلَ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا قُلْنَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِي الْخَطَإِ وَشِبْهِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ: هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ قِسْطَهُ مِنْهَا. فَلْيُرَاجَعْ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبُوا أَيْمَانَهُمْ فَنَكَلُوا: لَمْ يُحْبَسُوا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 148

وَعَنْهُ: يُحْبَسُونَ حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ، أَوْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا نَكَلُوا، وَقُلْنَا: إنَّهُمْ لَا يُحْبَسُونَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ إحْدَاهُمَا: تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَبَنَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَتَيْ الْحَبْسِ وَعَدَمِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ وَجْهَانِ، وَأَنَّهُمَا فِي كُلٍّ نُكُولٌ عَنْ يَمِينٍ مَعَ الْعَوْدِ إلَيْهَا فِي مَقَامٍ آخَرَ: هَلْ لَهُ ذَلِكَ لِتَعَدُّدِ الْمَقَامِ، أَمْ لَا، لِنُكُولِهِ مَرَّةً؟ الثَّانِيَةُ: يُفْدَى مَيِّتٌ فِي زَحْمَةٍ كَجُمُعَةٍ وَطَوَافٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: هَدَرٌ. وَعَنْهُ: هَدَرٌ فِي صَلَاةٍ لَا حَجٍّ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ فِي غَيْرِ زِحَامٍ خَالِيًا.

ص: 149

كِتَابُ الْحُدُودِ فَائِدَةٌ: " الْحُدُودُ " جَمْعُ حَدٍّ. وَهُوَ فِي الْأَصْلِ: الْمَنْعُ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: عُقُوبَةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهِ. قَوْلُهُ (لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) . هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ تَبَعًا لِلرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " مُلْتَزِمٍ " لِيَدْخُلَ الذِّمِّيُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ. قُلْت: هَذَا الْحُكْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِقَرِينَةٍ، كَتَطَلُّبِ الْإِمَامِ لَهُ لِيَقْتُلَهُ. فَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ قَتْلُهُ. [وَقِيلَ: يُقِيمُ الْحَدَّ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ] . فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (إلَّا السَّيِّدَ) يَعْنِي الْمُكَلَّفَ (فَإِنَّ لَهُ إقَامَةَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِسَيِّدٍ إقَامَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 150

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى أَمَتِهِ الْمَرْهُونَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنْ عَصَى الرَّقِيقُ عَلَانِيَةً: أَقَامَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَإِنْ عَصَى سِرًّا: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ. بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ سَتْرِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ، بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَدْ يُقَالُ إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ " رَقِيقِهِ الْقِنِّ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَقِيقًا مُشْتَرَكًا لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى.

الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ السَّيِّدِ إقَامَةُ الْحَدِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لِلْوَصِيِّ إقَامَتُهُ عَلَى رَقِيقِ مُوَلِّيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَنَصَرُوهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ ذَلِكَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

ص: 151

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ إقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) . يَعْنِي لَا يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَهُ إقَامَتُهُ عَلَيْهَا، صَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً فَالسُّلْطَانُ، وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تُحَدَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ فَاسِقًا، أَوْ امْرَأَةً: فَلَهُ إقَامَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ.

ص: 152

وَيُحْتَمَلُ. وَهُوَ لِلْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: يُقِيمُ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ

قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فِي " بَابِ الْمُكَاتَبِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي فِي الْكِتَابَةِ وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهُ. وَهُوَ وَجْهٌ وَرِوَايَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي هُنَا وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَوْلُهُ (وَسَوَاءٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ) . حَيْثُ قُلْنَا " لِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ " فَلَهُ إقَامَتُهُ بِالْإِقْرَارِ. بِلَا نِزَاعٍ. إذَا عَلِمَ شُرُوطَهُ. وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شُرُوطَهَا فَلَيْسَ لَهُ إقَامَتُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ عَلِمَ شُرُوطَ سَمَاعِهَا، فَلَهُ إقَامَتُهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ.

ص: 153

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: وَمَنْ أَقَامَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَدِّ زِنًا أَوْ قَذْفٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ: لَمْ يَسْقُطْ، بِخِلَافِ قَطْعِ سَرِقَةٍ. وَيَأْتِي اسْتِيفَاؤُهُ حَدَّ قَذْفٍ مِنْ نَفْسِهِ فِي بَابِهِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. [وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ. " لَوْ اقْتَصَّ الْجَانِي مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَا الْوَلِيِّ هَلْ يَجُوزُ، أَوْ لَا؟] .

قَوْلُهُ (وَإِنْ ثَبَتَ بِعِلْمِهِ: فَلَهُ إقَامَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ كَالْإِمَامِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، اخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَوَجْهٌ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله جَوَازُ إقَامَتِهِ بِعِلْمِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ) . يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّحْرِيمَ.

ص: 154

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ، قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي " بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْوَقْفِ.

قَوْلُهُ (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: قَاعِدًا. فَعَلَيْهَا: يُضْرَبُ الظَّهْرُ وَمَا قَارَبَهُ. قَوْلُهُ (بِسَوْطٍ لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلِقٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ: سَوْطُ الْعَبْدِ دُونَ سَوْطِ الْحُرِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَجَعَلُوا الْأَوَّلَ احْتِمَالًا. وَنَسَبَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَى الْمُصَنِّفِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلْتَكُنْ الْحِجَارَةُ مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّيَّةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ مَنْ عِنْدَهُ حَجْمُ السَّوْطِ بَيْنَ الْقَضِيبِ وَالْعَصَا، أَوْ بِقَضِيبٍ بَيْنَ الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُمَدُّ، وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُجَرَّدُ. بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ) .

ص: 155

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَيْمُونِيُّ. قَوْلُهُ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ، إلَّا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ الْمَقْتَلِ) . تَفْرِيقُ الضَّرْبِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ فِي الْحُدُودِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مُوَالَاةِ الْوُضُوءِ، لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ، وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَظْهَرُ.

الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ لِلْجَلْدِ النِّيَّةُ. فَلَوْ جَلَدَهُ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ، وَيُعِيدُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يُعْتَبَرُ. وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ: وَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ مَنْ يُقِيمُهُ أَنَّهُ حَدٌّ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ: يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لَا يُعْتَبَرُ. وَفِي الْفُصُولِ قُبَيْلَ فُصُولِ التَّعْزِيرِ يُحْتَاجُ عِنْدَ إقَامَتِهِ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضْرِبُ لِلَّهِ وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْحِدَادُ، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَوَلَّى، وَأَمَرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ.

ص: 156

قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ نِيَّتُهُمَا، كَمَا نَقُولُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ: تُعْتَبَرُ نِيَّةُ غَاسِلِهِ. وَاحْتَجَّ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ لِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ. فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ. كَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً، وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ. (وَتُمْسَكُ يَدَاهَا، لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) . وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: أَسْوَاطُهَا كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا: أَشَدُّ الْجَلْدِ، ثُمَّ جَلْدُ الْقَذْفِ، ثُمَّ الشُّرْبِ، ثُمَّ التَّعْزِيرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: أَخَفُّهَا حَدُّ الشُّرْبِ، إنْ قُلْنَا هُوَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً. ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ. وَإِنْ قُلْنَا: حَدُّهُ ثَمَانُونَ بُدِئَ بِحَدِّ الْقَذْفِ، ثُمَّ بِحَدِّ الشُّرْبِ، ثُمَّ بِحَدِّ الزِّنَا، ثُمَّ بِحَدِّ السَّرِقَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الضَّرْبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ: فَلَهُ ذَلِكَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَبِالْأَيْدِي أَيْضًا. وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ الشُّرَّاحُ بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يُجْزِئُ بِطَرْفِ ثَوْبٍ وَنَعْلٍ. . وَفِي الْمُوجَزِ: لَا يُجْزِئُ بِيَدٍ وَطَرْفِ ثَوْبٍ.

ص: 157

وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ، يُسْتَوْفَى بِالسَّوْطِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَالْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي. وَكَلَامِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. حَيْثُ قَالُوا: يُضْرَبُ بِسَوْطٍ.

فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ حَبْسُهُ بَعْدَ الْحَدِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: مَنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَدِّ وَضَرْبِ النَّاسِ فَلِلْوَالِي لَا الْقَاضِي حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: حَتَّى يَمُوتَ.

قَوْلُهُ (قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُؤَخَّرُ الْحَدُّ لِلْمَرَضِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ. يَعْنِي إذَا كَانَ جَلْدًا. فَأَمَّا الرَّجْمُ: فَلَا يُؤَخَّرُ، فَلَوْ خَالَفَ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَفَعَلَ: ضَمِنَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: تَأْخِيرُهُ. لِقَوْلِهِ: مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَاقِلٌ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ جَلْدًا، وَخُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ السَّوْطِ: أُقِيمَ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَالْعُثْكُولِ) هَذَا الْمَذْهَبُ.

ص: 158

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ خِيفَ مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ الْجَلْدُ بِالسَّوْطِ. وَقِيلَ: يُضْرَبُ بِمِائَةِ شِمْرَاخٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ جَلَدَهُ بِطَرْفِ ثَوْبٍ أَوْ عُثْكُولِ نَخْلٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ يَضْرِبُهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً.

فَائِدَةٌ: يُؤَخَّرُ شَارِبُ الْخَمْرِ حَتَّى يَصْحُوَ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ لَوْ وُجِدَ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ بِهِ أَلَمٌ يُوجِبُ الزَّجْرَ: سَقَطَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى وَقَالَ أَيْضًا: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ: لَا يَضْمَنُهُ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ، إذَا قُلْنَا: لَا يَسْقُطُ بِهِ. وَيُؤَخَّرُ قَطْعُ السَّارِقِ خَوْفَ التَّلَفِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ فِي الْجَلْدِ: فَالْحَقُّ قَتْلُهُ) . وَكَذَا فِي التَّعْزِيرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِنْ جَلَدَهُ الْإِمَامُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ، وَتَلِفَ فَهَدَرٌ فِي الْأَصَحِّ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: إذَا لَمْ يَلْزَمْ التَّأْخِيرُ. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ، وَجَلَدَهُ فَمَاتَ: ضَمِنَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَ سَوْطًا، أَوْ أَكْثَرَ، فَتَلِفَ: ضَمِنَهُ. وَهَلْ يَضْمَنُ. جَمِيعَهُ أَوْ نِصْفَ الدِّيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

ص: 159

وَهُمَا رِوَايَتَانِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ جَمِيعَ الدِّيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَعَلَيْهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَقِيلَ: تُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى الْأَسْوَاطِ إنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: إنْ وَضَعَ فِي سَفِينَةٍ كُرًّا فَلَمْ تَغْرَقْ، ثُمَّ وَضَعَ قَفِيزًا فَغَرِقَتْ: فَغَرَقُهَا بِهِمَا فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ.

وَالثَّانِي: بِالْقَفِيزِ. وَكَذَلِكَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ، وَالسَّيْرُ بِالدَّابَّةِ فَرْسَخًا، وَالسُّكْرُ بِالْقَدَحِ وَالْأَقْدَاحِ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا تَنْشَأُ الْغَضْبَةُ بِكَلِمَةٍ بَعْدَ كَلِمَةٍ، وَيَمْتَلِئُ الْإِنَاءُ بِقَطْرَةٍ بَعْدَ قَطْرَةٍ، وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ. وَجَزَمَ أَيْضًا فِي السَّفِينَةِ: أَنَّ الْقَفِيزَ هُوَ الْمُغْرِقُ لَهَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْغَصْبِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرَتُهَا فِي الْإِجَارَةِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أُمِرَ بِزِيَادَةٍ فِي الْحَدِّ، فَزَادَ جَاهِلًا: ضَمِنَهُ الْآمِرُ. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا: فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ الْآمِرُ.

ص: 160

قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ الضَّارِبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ تَعَمَّدَ الْعَادُّ الزِّيَادَةَ دُونَ الضَّارِبِ، أَوْ أَخْطَأَ وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ: ضَمِنَهُ الْعَادُّ. وَتَعَمُّدُ الْإِمَامِ الزِّيَادَةَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَقْيَسِ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ. وَقِيلَ: كَخَطَأٍ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ، قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. نَقَلَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا: لَمْ يُحْفَرْ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. (وَفِي الْآخَرِ: إنْ ثَبَتَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِإِقْرَارِهَا لَمْ يُحْفَرْ لَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ: حُفِرَ لَهَا إلَى الصَّدْرِ) ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ: الْحَفْرَ لَهَا يَعْنُونَ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، فَهُوَ أَسْتَرُ لَهَا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ.

ص: 161

قَوْلُهُ (وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ: اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيَجِبُ حُضُورُهُ هُوَ، أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ مَقَامَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَأَبْطَلَا غَيْرَهُ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَجِيءُ النَّاسُ صُفُوفًا لَا يَخْتَلِطُونَ، ثُمَّ يَمْضُونَ صَفًّا صَفًّا.

فَائِدَةٌ: يَجِبُ حُضُورُ طَائِفَةٍ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَالطَّائِفَةُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا وَاحِدًا مَعَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ حَاصِلٌ ضَرُورَةً. فَتَعَيَّنَ صَرْفُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: أَقَلُّ ذَلِكَ وَاحِدٌ مَعَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ، وَاخْتَارَ فِي الْبُلْغَةِ: اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ: الْجَمَاعَةُ. وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ. قَالَ الْقَاضِي: الطَّائِفَةُ: اسْمُ الْجَمَاعَةِ {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء: 102] وَلَوْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ وَاحِدًا لَمْ يَقُلْ {فَلْيُصَلُّوا} [النساء: 102] . وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ الطَّائِفَةُ اسْمُ جَمَاعَةٍ. وَأَقَلُّ اسْمِ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْعَدَدِ: ثَلَاثَةٌ. وَلَوْ قَالَ " جَمَاعَةٍ " لَكَانَ كَذَلِكَ. فَكَذَا إذَا قَالَ " طَائِفَةٍ " وَسَبَقَ فِي الْوَقْفِ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ. قُلْت: كَلَامُ الْقَاضِي فِي اسْتِدْلَالِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا} [النساء: 102] غَيْرُ قَوِيٍّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ بِهَذَا أَيْضًا وَلَا يَمْنَعُهُ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ عِنْدَهُ تَشْمَلُ الْجَمَاعَةَ وَتَشْمَلُ الْوَاحِدَ. فَهَذِهِ الْآيَةُ شَمِلَتْ الْجَمَاعَةَ. لَكِنْ مَا نَفَتْ أَنَّهَا تَشْمَلُ الْوَاحِدَ.

ص: 162

ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّ الطَّائِفَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: 2] لِأَنَّهُ أَوَّلُ شُهُودِ الزِّنَا.

قَوْلُهُ (وَمَتَى رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالْحَدِّ عَنْ إقْرَارِهِ: قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ: لَمْ يُتْمَمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ أَعْنِي حَدَّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالشُّرْبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِي الزِّنَا فَقَطْ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي الزِّنَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ بِكِنَايَةٍ، نَحْوِ " مَزَحْت " أَوْ " مَا عَرَفْت مَا قُلْت " أَوْ " كُنْت نَاعِسًا ". وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا فِي سَارِقِ بَارِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ تُمِّمَ الْحَدُّ إذَنْ: ضَمِنَ الرَّاجِعُ [لَا الْهَارِبُ] فَقَطْ الْمَالَ. وَلَا قَوَدَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رُجِمَ بِبَيِّنَةٍ، فَهَرَبَ: لَمْ يُتْرَكْ) بِلَا نِزَاعٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ: تُرِكَ) . يَعْنِي: إذَا رُجِمَ بِإِقْرَارٍ فَهَرَبَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُتْرَكُ. فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِالْهَرَبِ.

ص: 163

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تُمِّمَ الْحَدُّ بَعْدَ الْهَرَبِ: لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَرَّ، ثُمَّ رَجَعَ، ثُمَّ أَقَرَّ: حُدَّ، وَلَوْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ، فَقَدْ رَجَعَ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يُتْرَكُ فَيُحَدُّ. وَقِيلَ: قُبِلَ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِمَالٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ، فِيهَا قَتْلٌ: اُسْتُوْفِيَ، وَسَقَطَ سَائِرُهَا) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ مِثْلُ إنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا: أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي السَّرِقَةِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فَقَطْعٌ وَاحِدٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةً: إنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ: قُطِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ رِوَايَةُ صَالِحٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهَا. قَوْلُهُ (وَإِذْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ: اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا. وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ) .

ص: 164

وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. فَلَوْ بُدِئَ بِغَيْرِ الْأَخَفِّ جَازَ. وَقَطَعَا بِهِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ: فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ. وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ حُدُودِ اللَّهِ: بُدِئَ بِهَا) . وَبِالْأَخَفِّ وُجُوبًا، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْمُغْنِي: إنْ بُدِئَ بِغَيْرِهِ جَازَ. فَإِذَا زَنَى، وَشَرِبَ، وَقَذَفَ، وَقَطَعَ يَدًا: قُطِعَتْ يَدُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ، ثُمَّ لِلشُّرْبِ، ثُمَّ لِلزِّنَا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ الْقَطْعُ. وَيُؤَخَّرُ حَدُّ الشُّرْبِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ إنْ قِيلَ: هُوَ أَرْبَعُونَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 165

وَقِيلَ: إنْ طَلَبَ صَاحِبُ قَتْلٍ جَلْدَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ مِنْ قَطْعٍ: فَوَجْهَانِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ وَارْتَدَّ، أَوْ سَرَقَ وَقَطَعَ يَدًا: قُتِلَ. وَقُطِعَ لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ. وَقُطِعَ لِلْقَوَدِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَظْهَرَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِي جَوَازِ الْخِلَافِ فِي اسْتِيفَائِهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَأَنَّ عَلَى الْمَنْعِ: هَلْ يُعَزَّرُ أَمْ لَا؟ . وَأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ الْمَقْتُولِ؟ وَأَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ يَكُونُ كَمَنْ قَتَلَ جَمَاعَةً فَيُقْرَعُ؟ أَوْ يُعَيِّنُ الْإِمَامُ؟ وَأَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَمَا قِيلَ فِيمَنْ قَتَلَ الرَّجُلَيْنِ؟ وَغَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى

وَقَالَ الشَّارِحُ: إذَا اتَّفَقَ الْحَقَّانِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ قِصَاصًا صَارَ حَدًّا. فَأَمَّا الْقَتْلُ: فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا هُوَ خَالِصٌ لِحَقِّ اللَّهِ كَالرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَمَا هُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ قُدِّمَ الْقِصَاصُ؛ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَإِنْ اجْتَمَعَ الْقَتْلُ كَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالْقِصَاصِ: بُدِئَ بِأَسْبَقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْمُحَارَبَةِ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ. وَإِنْ سَبَقَ الْقَتْلُ فِي الْمُحَارَبَةِ: اُسْتُوْفِيَ. وَوَجَبَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ دِيَتُهُ مِنْ مَالِ الْجَانِي. وَإِنْ سَبَقَ الْقِصَاصُ: قُتِلَ قِصَاصًا، وَلَمْ يُصْلَبْ. وَوَجَبَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الْمُحَارَبَةِ دِيَتُهُ. وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ.

ص: 166

وَلَوْ كَانَ الْقِصَاصُ سَابِقًا، وَعَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ: اُسْتُوْفِيَ الْقَتْلُ لِلْمُحَارَبَةِ، سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ. وَإِنْ اجْتَمَعَ وُجُوبُ الْقَطْعِ فِي يَدٍ أَوْ رِجْلٍ قِصَاصًا وَحَدًّا: قُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَدِّ الْمُتَمَحِّضِ لِلَّهِ. وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ: اُسْتُوْفِيَ الْحَدُّ. فَإِذَا قَطَعَ يَدًا وَأَخَذَ الْمَالَ فِي الْمُحَارَبَةِ: قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا. وَيُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ. فَإِذَا بَرَأَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ اُسْتُوْفِيَ الْحَدُّ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: مَنْ قَتَلَ بِسِحْرٍ قُتِلَ حَدًّا. وَلِلْمَسْحُورِ مِنْ مَالِهِ دِيَتُهُ. فَيُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ، أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ. ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ: لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ) . وَكَذَلِكَ لَوْ لَجَأَ إلَيْهِ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَحَيَوَانٍ صَائِلٍ مَأْكُولٍ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِي الْحُدُودِ. وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُؤْخَذُ بِدُونِ الْقَتْلِ. هَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِيمَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ مِنْ قَاتِلٍ وَآتٍ حَدًّا لَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ. وَعَنْهُ: يُسْتَوْفَى فِيهِ كُلُّ حَدٍّ وَقَوَدٍ مُطْلَقًا غَيْرَ الْقَتْلِ. قَالَ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْحَرْبِيِّ الْمُلْتَجِئِ إلَيْهِ، وَالْمُرْتَدِّ، وَلَوْ ارْتَدَّ فِيهِ.

ص: 167

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ فِيهِ يُقْتَلُ فِيهِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى) . أَنَّهُ لَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُوَاكَلُ، وَلَا يُشَارَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: وَلَا يُكَلَّمُ أَيْضًا. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يُوَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ. الثَّانِي: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي " الْحَرَمِ " لِلْعَهْدِ. وَهُوَ حَرَمُ مَكَّةَ. فَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ: فَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي التَّعْلِيقِ وَجْهًا: أَنَّ حَرَمَهَا كَحَرَمِ مَكَّةَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ: اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ لَجَأَ إلَى دَارِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ مِنْ خَارِجِهِ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ لَا تَعْصِمُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تُعْصَمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي الْهَدْيِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قُوتِلُوا فِي الْحَرَمِ: دَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَطْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.

ص: 168

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي الْهَدْيِ: الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ. لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ. وَفِي الْخِلَافِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهِمَا: اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ فِيهَا مَتَى عَرَضَتْ تِلْكَ الْحَالُ. وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ، أَوْ غَيْرُهُمْ عَلَى الرَّكْبِ: دَفَعَ الرَّكْبُ كَمَا يُدْفَعُ الصَّائِلُ. وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ. بَلْ قَدْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ.

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْوِ: لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، حَتَّى يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَتُقَامُ عَلَيْهِ) . وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الثُّغُورِ: أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، أَوْ أُسِرَ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا خَرَجَ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا قَتَلَ وَزَنَى، وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَقَتَلَ أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا أَصَابَ هُنَاكَ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ زَنَى الْأَسِيرُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا: مَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا خَرَجَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ هُنَاكَ حُكْمٌ

ص: 169