المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل الثاني انتفاء الشبهة] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٠

[المرداوي]

الفصل: ‌[فصل الثاني انتفاء الشبهة]

أَحَدُهَا: أَنْ يَطَأَ فِي الْفَرَجِ، سَوَاءٌ كَانَ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا. وَأَقَلُّ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرَجِ) . مُرَادُهُ بِالْحَشَفَةِ: الْحَشَفَةُ الْأَصْلِيَّةُ مِنْ فَحْلٍ أَوْ خَصِيٍّ. أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ الْعَدَمِ. وَمُرَادُهُ بِالْفَرْجِ: الْفَرَجُ الْأَصْلِيُّ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ) أَيْ تَسَاحَقَتَا (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي إتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ: يُحْتَمَلُ وُجُوبُ الْحَدِّ لِلْخَبَرِ.

[فَصْلٌ الثَّانِي انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ]

قَوْلُهُ (فَصْلٌ الثَّانِي: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ. فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ) فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَنْوِ تَمَلُّكَهَا.

تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ هَذَا: إذَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ يَطَؤُهَا. فَإِنْ كَانَ الِابْنُ يَطَؤُهَا: فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. تَقَدَّمَتَا فِي بَابِ الْهِبَةِ. فَلْيُعَاوَدْ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِوَلَدِهِ، أَوْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ، أَوْ جَارِيَتَهُ أَوْ دَعَا الضَّرِيرُ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا، أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، أَوْ

ص: 181

حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ، لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نُشُوئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ (أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ) . فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، كَنِكَاحِ مُتْعَةٍ، وَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا النِّكَاحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ: تَوَجَّهَ الْخِلَافُ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ انْتَهَى. وَيَأْتِي قَرِيبًا " إذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ عَالِمًا، أَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ، أَوْ وَطِئَ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ".

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ " فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَالِدِهِ: أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ: كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ، بَلْ يُعَزَّرُ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ.

قَوْلُهُ (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَزَنَى: حُدَّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 182

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْغُلَامُ عَلَى الزِّنَا بِإِلْجَاءٍ أَوْ تَهْدِيدٍ، أَوْ مَنْعِ طَعَامٍ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ، وَنَحْوِهِ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تُحَدُّ الْمَرْأَةُ. ذَكَرَهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَعَنْهُ فِيهَا: لَا حَدَّ بِتَهْدِيدٍ وَنَحْوِهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْفِعْلُ بِالْإِكْرَاهِ بَلْ الْقَوْلُ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَإِنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْقَتْلَ: سَقَطَ عَنْهَا الدَّفْعُ كَسُقُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِالْخَوْفِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ مَيِّتَةً، أَوْ مَلَكَ أُمَّهُ، أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَوَطِئَهَا: فَهَلْ يُحَدُّ، أَوْ يُعَزَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ إذَا وَطِئَ مَيِّتَةً: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 183

وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: عَلَيْهِ حَدَّانِ. فَظَنَنْته يَعْنِي نَفْسَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَظُنُّ أَبَا عَبْدَ اللَّهِ أَشَارَ إلَيْهِ. وَأَثْبَتَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِيهِ رِوَايَةً، فِيمَنْ وَطِئَ مَيِّتَةً: أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: بَلْ يُحَدُّ حَدَّيْنِ لِلزِّنَا، وَلِلْمَوْتِ. وَأَمَّا إذَا مَلَكَ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَطِئَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ الْقَاضِي، قَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُرْجَمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعَزَّرُ. وَمِقْدَارُهُ يَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ ".

فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ: لَمْ يُحَدَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. بَلْ يُعَزَّرُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: يُعَزَّرُ.

ص: 184

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: يُعَزَّرُ، وَلَا يُرْجَمُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَحَرْبٌ: يُحَدُّ، وَلَا يُرْجَمُ. وَيَأْتِي فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ " مِقْدَارُ مَا يُعَزَّرُ بِهِ فِي ذَلِكَ. وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ وَطْئِهِ لِأَمَتِهِ الْمُحَرَّمَةِ أَبَدًا بِرَضَاعٍ وَغَيْرِهِ وَعِلْمِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُرْجَمُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. فَكَذَا فِي هَذِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَمَتِهِ الْمُعْتَدَّةِ إذَا وَطِئَهَا. فَإِنْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً: فَلَا حَدَّ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: يَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ " إذَا وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ بِإِبَاحَتِهَا لَهُ ".

الثَّانِي: قَوْلُهُ (أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. إذَا كَانَ عَالِمًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ يَجْهَلُهُ مِثْلُهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ يَعْنِي: أَنَّهُ حَيْثُ ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا: فَلَا حَدَّ. نَقَلَ مُهَنَّا: لَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ بِقَوْلِهِ " إنَّهَا امْرَأَتُهُ " وَأَنْكَرَتْ هِيَ. وَقَدْ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا. فَلَا تُحَدُّ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا.

ص: 185

فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كَوَطْءِ الْبَائِعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي مُدَّتِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِشَرْطِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي " بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ " قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مُسْتَوْفًى. فَلْيُعَاوَدْ. وَلَوْ وَطِئَ أَيْضًا فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَشِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ بِحَالٍ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي حَدِّ مَنْ وَطِئَ فِي عَقْدِ فُضُولِيٍّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ إنْ وَطِئَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يُحَدُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِهَا. وَحُكِيَ رِوَايَةً.

فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ حَالَ سُكْرِهِ: لَمْ يُحَدَّ. قَالَ النَّاظِمُ: لَمْ يُحَدَّ فِي الْأَقْوَى مُطْلَقًا مِثْلُ الرَّاقِدِ. وَقِيلَ: يُحَدُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ " أَحْكَامُ أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ.

ص: 186

قَوْلُهُ (أَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ) . فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَزَّرُ.

قَوْلُهُ (أَوْ زَنَى بِصَغِيرَةٍ) . إنْ كَانَ يُوطَأُ مِثْلُهَا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا نِزَاعٍ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَإِنْ كَانَ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: أَنَّهُ يُحَدُّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا. كَذَلِكَ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا: فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى وَطِئَ مَنْ أَمْكَنَ وَطْؤُهَا، أَوْ أَمْكَنَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ يُمْكِنُهُ الْوَطْءَ، فَوَطِئَهَا: أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْهُمَا. وَلَا يَصِحُّ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِتِسْعٍ وَلَا بِعَشْرٍ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوْقِيفِ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، وَكَوْنُ التِّسْعِ وَقْتًا لِإِمْكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ غَالِبًا: لَا يَمْنَعُ وُجُودَهُ قَبْلَهُ. كَمَا إنَّ الْبُلُوغَ يُوجَدُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا غَالِبًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وُجُودِهِ قَبْلَهُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (أَوْ أَمْكَنَتْ الْعَاقِلَةُ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا أَوْ صَغِيرًا، فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهَا الْحَدُّ) .

ص: 187

تُحَدُّ الْعَاقِلَةُ بِتَمْكِينِهَا الْمَجْنُونَ مِنْ وَطْئِهَا. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ مَكَّنَتْ صَغِيرًا، بِحَيْثُ لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ: فَعَلَيْهَا الْحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ ابْنَ عَشْرٍ حُدَّتْ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَتَقَدَّمَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: لَوْ مَكَّنَتْ مَنْ لَا يُحَدُّ لِجَهْلِهِ، أَوْ مَكَّنَتْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا، أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ: فَعَلَيْهَا الْحَدُّ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ) أَيْ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ. (أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِي.، وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُقِرُّ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَسَأَلَهُ الْأَثْرَمُ: بِمَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ؟ قَالَ: الْأَحَادِيثُ لَيْسَتْ تَدُلُّ إلَّا عَلَى مَجْلِسٍ، إلَّا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَذَلِكَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) . فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَفِي مَعْنَاهُمَا: مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ، وَكَذَا مُسْكِرٌ.

ص: 188

قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ. وَيَأْتِي حُكْمُ إقْرَارِهِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الْإِقْرَارِ ". وَيَلْحَقُ أَيْضًا بِهِمَا الْأَخْرَسُ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ: لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ. وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، فَقَطَعَ الْقَاضِي بِالصِّحَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا بِعَدَمِهَا. وَيَلْحَقُ أَيْضًا بِهِمَا الْمُكْرَهُ. فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُصَرِّحُ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ) . أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَنْ زَنَى بِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ زَنَى بِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: رِوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي إنَّمَا حَكَيَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَيِّنَ مَنْ زَنَى بِهَا أَمْ لَا؟ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ حَكَى كَمَا ذَكَرَهَا أَوَّلًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ أَرْبَعًا بِالزِّنَا: ثَبَتَ الزِّنَا. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ أَرْبَعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 189

وَعَنْهُ: يَثْبُتُ بِاثْنَيْنِ. وَيَأْتِي هَذَا فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ أَرْبَعًا، فَأَنْكَرَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ مَرَّةً: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ رُجُوعٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ صَدَّقَهُمْ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلِي " وَصَدَّقَهُمْ مَرَّةً " هَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ النَّاظِمُ: إذَا صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ. وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَلِذَلِكَ قَالُوا لَوْ صَدَّقَهُمْ أَرْبَعًا: حُدَّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُحَدُّ الشُّهُودُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَيْنِ: إنْ أَنْكَرُوا، أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُمْ: لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ أَحْرَارٍ عُدُولٍ) . هَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: تُقْبَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي " بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ " مُحَرَّرًا مُسْتَوْفًى.

ص: 190

قَوْلُهُ (وَيَصِفُونَ الزِّنَا) . يَقُولُونَ " رَأَيْنَاهُ غَيَّبَ ذَكَرَهُ أَوْ حَشَفَتَهُ، أَوْ قَدْرَهَا فِي فَرْجِهَا " وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرُوا الْمَكَانَ، وَلَا الْمَزْنِيَّ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الزَّمَانِ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَجْرَى الْمَجْدُ الْخِلَافَ فِي الزَّمَانِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَيَجِيئُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. سَوَاءٌ صَدَّقَهُمْ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِيئُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ، أَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا: فَهُمْ قَذَفَةٌ. وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا جَاءَ بَعْضُهُمْ، بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ وَشَهِدَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ حَتَّى كَمُلَ النِّصَابُ بِهِ: أَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّونَ، لِكَوْنِهِمْ أَرْبَعَةً. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ.

ص: 191

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانُوا فُسَّاقًا، أَوْ عُمْيَانًا، أَوْ بَعْضُهُمْ: فَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ كَمَسْتُورِ الْحَالِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَكَمَوْتِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ وَصْفِهِ الزِّنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ الْعُمْيَانُ خَاصَّةً. . وَأَطْلَقَهُنَّ الشَّارِحُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا، وَأَحَدُهُمْ فَاسِقٌ، فَصَدَّقَهُمْ: أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجًا حُدَّ الثَّلَاثَةُ، وَلَاعَنَ الزَّوْجُ إنْ شَاءَ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ بِحَالٍ.

فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، وَإِذْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَجْبُوبٌ أَوْ رَتْقَاءُ: حُدُّوا لِلْقَذْفِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ.

ص: 192

وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ: الشُّهُودُ قَذَفَةٌ. وَقَدْ أَحْرَزُوا ظُهُورَهُمْ. . وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهَا، فَثَبَتَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ: لَمْ تُحَدَّ هِيَ، وَلَا هُمْ، وَلَا الرَّجُلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: تَزُولُ حَصَانَتُهَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ: قَوْلَيْنِ، بِخِلَافِ الْعَذْرَاءِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ يَوْمٍ، وَشَهِدَ اثْنَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ يَوْمٍ آخَرَ: فَهُمْ قَذَفَةٌ وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حُدُّوا لِلْقَذْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّونَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله الرِّوَايَةَ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَاسْتَبْعَدَهَا الْقَاضِي، ثُمَّ تَأَوَّلَهَا تَأْوِيلًا حَسَنًا. فَقَالَ: هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ شَاهَدُوا زِنَاهُ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ، وَلَمْ يُشَاهِدُوا غَيْرَهَا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الشَّهَادَةِ بِالْفِعْلِ. وَيَكُونُ حَصَلَ فِي التَّأْوِيلِ سَهْوٌ أَوْ غَلَطٌ فِي الصِّفَةِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله مَا يَمْنَعُهُ. لَكِنْ فِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ مَا يَمْنَعُهُ.

ص: 193

وَبِالْجُمْلَةِ: فَهُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ وَهُوَ عِنْدِي يُشْبِهُ قَوْلَ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، دُونَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَحِلُّ الْخِلَافِ: إذَا شَهِدُوا بِزِنًا وَاحِدٍ. فَأَمَّا إنْ شَهِدُوا بِزِنَاءَيْنِ: لَمْ تُكْمَلْ. وَهُمْ قَذَفَةٌ. حَقَّقَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ: جَرَيَانُ الْخِلَافِ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قُلْت: وَجَزَمَ بِمَا قَالَ الْمَجْدُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ بِكَوْنِهَا زَانِيَةً، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: فَلَا يُحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَلْزَمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ. وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي كَوْنِهَا زَانِيَةً. وَفِيهَا بُعْدٌ. انْتَهَى.

قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ بِكَوْنِهَا زَانِيَةً، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ، وَشَهِدَ الْآخَرَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى، أَوْ شَهِدَ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ، وَشَهِدَ الْآخَرَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحْمَرَ: كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ) .

ص: 194

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَكْمُلَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِهِمْ. فَعَلَيْهِ: هَلْ يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنَّهُ قَالَ، وَقِيلَ: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْبَيْتِ هُنَا: الْبَيْتُ الصَّغِيرُ عُرْفًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ كَبِيرًا: كَانَ كَالْبَيْتَيْنِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوَعَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً: لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ، وَلَمْ تُقْبَلْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَلَا حَدَّ لِلْمَرْأَةِ وَالشُّهُودِ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ.

ص: 195

وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهَا لَا تُحَدُّ. وَفِي الزَّانِي وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. أَمَّا الشُّهُودُ: فَلِأَنَّهُ كَمُلَ عَدَدُهُمْ عَلَى الْفِعْلِ، كَمَا لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى وَصْفِ الْوَطْءِ. وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَةُ الزِّنَا فِي حَقِّهِ، كَدُونِ أَرْبَعَةٍ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ، أَوْ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَكْمِيلِ شَهَادَتِهِمْ، وَعَدَمِ قَبُولِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. أَمَّا شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ: فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْقَبُولِ وَالتَّكْمِيلِ.

أَحَدُهُمَا: يُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ فَقَطْ لِقَذْفِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَدُّ الْجَمِيعُ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ أَيْضًا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَ فِي الْخُلَاصَةِ: أَنَّ الْجَمِيعَ يُحَدُّونَ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِي قَذْفِ الرَّجُلِ الْوَجْهَيْنِ وَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، أَوْ لَا يُحَدُّونَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يُحَدُّونَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ

ص: 196

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: يُحَدُّونَ. جَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ التَّبْصِرَةِ، وَالْوَاضِحِ.

تَنْبِيهٌ: تَابَعَ الْمُصَنِّفُ فِي عِبَارَتِهِ أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، أَوْ لَا يُحَدُّونَ لَهُ؟ أَوْ يُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَفِي الْعِبَارَةِ نَوْعُ قَلَقٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ)(شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ) قَبْلَ الْحَدِّ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعِ. وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ) . فَقَطْ. هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ مَعَهُمْ أَيْضًا، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: حُدَّ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَخَرَّجُوا: لَا يُحَدُّ سِوَى الرَّاجِعِ، إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْحَدِّ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي النَّظْمِ.

ص: 197

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ: لَا يُحَدُّ أَحَدٌ لِتَمَامِهَا بِالْحَدِّ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ: حُدُّوا، فِي الْأَظْهَرِ. كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي زَمَانِ أَوْ مَكَانِ، أَوْ مَجْلِسِ، أَوْ صِفَةِ الزِّنَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْحَدِّ: فَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَيَغْرَمُ الرَّاجِعُ رُبْعَ مَا أَتْلَفُوهُ وَيُحَدُّ وَحْدَهُ) . وَيُحَدُّ وَحْدَهُ. يَعْنِي: إنْ وَرِثَ حَدَّ الْقَذْفِ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرَّاجِعَ يُحَدُّ، إنْ قُلْنَا: يُورَثُ حَدُّ الْقَذْفِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ: أَنَّهُمْ هُمْ الزُّنَاةُ بِهَا لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. وَهَلْ يُحَدُّ الشُّهُودُ الْأَوَّلُونَ حَدَّ الزِّنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُحَدُّ الشُّهُودُ الْأَوَّلُونَ لِلزِّنَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ

ص: 198

وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّونَ لِلزِّنَا، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا سَيِّدَ: لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تُحَدُّ إذَا لَمْ تَدَّعِ شُبْهَةً، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَهُوَ ظَاهِرُ قِصَّةِ عُمَرَ رضي الله عنه. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ وَالْمَجْمُوعِ رِوَايَةً: أَنَّهَا تُحَدُّ، وَلَوْ ادَّعَتْ شُبْهَةً.

ص: 199