المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ الذَّكَاةِ] ِ قَوْلُهُ (لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ: - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٠

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ الذَّكَاةِ] ِ قَوْلُهُ (لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ:

[بَابُ الذَّكَاةِ]

ِ قَوْلُهُ (لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ: بِغَيْرِ ذَكَاةٍ) . إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَرِّ. فَهَذَا لَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ تَذْكِيَةِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَإِنْ كَانَ مَأْوَاهُ الْبَحْرَ، وَيَعِيشُ فِي الْبَرِّ كَكَلْبِ الْمَاءِ وَطَيْرِهِ، وَالسُّلَحْفَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا أَيْضًا لَا يُبَاحُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: وَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ صَحَّحَهَا تَحِلُّ مَيْتَةُ كُلِّ بَحْرِيٍّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبَحْرِيِّ: يَحِلُّ بِذَكَاةٍ أَوْ عَقْرٍ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: بِأَنَّ الطَّيْرَ يُشْتَرَطُ ذَبْحُهُ. قَوْلُهُ (إلَّا الْجَرَادَ وَشَبَهَهُ، وَالسَّمَكَ وَسَائِرَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ فَلَا ذَكَاةَ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ كَانَ طَافِيًا. وَعَنْهُ فِي السَّرَطَانِ وَسَائِرِ الْبَحْرِيِّ: أَنَّهُ يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِلَا ذَكَاةٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ فِي الْجَرَادِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ. كَكَبْسِهِ وَتَغْرِيقِهِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ السَّمَكُ الطَّافِي، وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَتَقَذَّرْهُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ.

ص: 384

وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ مَيْتَةُ بَحْرِيٍّ سِوَى السَّمَكِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ جَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ سَمَكٌ وَجَرَادٌ صَادَهُ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً يَجْرِي مَجْرَى دِيدَانِ الْخَلِّ وَالْبَاقِلَّاءِ. فَيَحِلُّ بِمَوْتِهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالذُّبَابِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ: لَمْ يَكُنْ نَجِسًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: بَلَى. وَعَنْهُ: نَجِسٌ مَعَ دَمٍ. .

الثَّانِيَةُ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: شَيَّ السَّمَكِ الْحَيِّ، لَا الْجَرَادِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِمَا: يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْجَرَادِ: لَا بَأْسَ بِهِ. مَا أَعْلَمُ لَهُ وَلَا لِلسَّمَكِ ذَكَاةً. الثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ بَلْعُهُ حَيًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُكْرَهُ. .

قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ. أَحَدُهَا: أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا) ؛ لِيَصِحَّ قَصْدُهُ التَّذْكِيَةَ وَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 385

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ كَذَبْحِ مَغْصُوبٍ وَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله الْأَقْلَفُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ. فَائِدَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هُنَا: لَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الْأَكْلِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَوْ تَلَاعَبَ بِسِكِّينٍ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ، فَصَارَ ذَبْحًا، وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ أَكْلِهَا: لَمْ تُبَحْ. وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ تَحْرِيمَ مَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لِصَوْلِهِ: بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَكْلَهُ. كَمَا لَوْ وَطِئَهُ آدَمِيٌّ إذَا قُتِلَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: كَذَبْحِهِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: إذَا ذَبَحَهُ لِيُخَلِّصَ مَالَ غَيْرِهِ مِنْهُ بِقَصْدِ الْأَكْلِ لَا التَّخَلُّصِ، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي " بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ " لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَكْلَ. أَوْ قَصَدَ حِلَّ يَمِينِهِ: لَمْ يُبَحْ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَجَمَاعَةٌ: اعْتِبَارَ إرَادَةِ التَّذْكِيَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ يَكْفِي. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ (مُسْلِمًا، أَوْ كِتَابِيًّا، وَلَوْ حَرْبِيًّا. فَتُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ بَنِي تَغْلِبَ، وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ)

ص: 386

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِيهِمَا. أَمَّا ذَبِيحَةُ بَنِي تَغْلِبَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إبَاحَتُهَا. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ": وَتَحِلُّ مُنَاكَحَةُ وَذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: هُمَا فِي بَقِيَّةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ. انْتَهَى، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: إبَاحَةَ ذَبِيحَةِ بَنِي تَغْلِبَ. وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِيهِمْ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ". وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَفِي نَصَارَى الْعَرَبِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقُوهُمَا.

وَأَمَّا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ قَدَّمَ إبَاحَةَ ذَبْحِهِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ كَالْمُصَنِّفِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تُبَاحُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ": وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ فَاخْتَارَ دِينَهُ، فَالْأَشْهَرُ: تَحْرِيمُ مُنَاكَحَتِهِ وَذَبِيحَتِهِ.

ص: 387

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَا تَحِلُّ ذَكَاةُ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مَجُوسِيٌّ أَوْ وَثَنِيٌّ أَوْ كِتَابِيٌّ لَمْ يَخْتَرْ دِينَهُ. وَعَنْهُ: أَوْ اخْتَارَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: إنْ أَقَرَّ حَلَّ ذَبْحُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: فَإِنْ انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ إلَى دِينٍ يُقِرُّ أَهْلُهُ بِكِتَابٍ وَجِزْيَةٍ، وَأَقَرَّ عَلَيْهِ: حَلَّتْ ذَكَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي " بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ " وَمَنْ أَقْرَرْنَاهُ عَلَى تَهَوُّدٍ أَوْ تَنَصُّرٍ مُتَجَدِّدٍ: أَبَحْنَا ذَبِيحَتَهُ وَمُنَاكَحَتَهُ. وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَشَكَكْنَا: هَلْ كَانَ مِنْهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟ قُبِلَتْ جِزْيَتُهُ، وَحَرُمَتْ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: كُلُّ مَنْ تَدَيَّنَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ قَدْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَسَوَاءٌ كَانَ دُخُولُهُ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ. وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَهُمْ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّهُ إجْمَاعٌ قَدِيمٌ. انْتَهَى، وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ ذَبِيحَةَ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ: غَيْرُ مُبَاحَةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ صَيْدُهُ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي الصَّائِبَةِ رِوَايَتَانِ. مَأْخَذُهُمَا: هَلْ هُمْ فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى أَمْ لَا؟

ص: 388

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَإِنَّهُ قَالَ " هُمْ يَسْبِتُونَ " جَعَلَهُمْ رضي الله عنه بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ، وَكُلُّ مَنْ يَصِيرُ إلَى كِتَابٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَذْبَحَ الْيَهُودِيُّ الْإِبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ الَّذِي لَا يَخَافُ بِخِتَانِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْأَقْلَفِ لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ. وَهِيَ مِنْ تَمَامِ الْإِسْلَامِ. وَنَقَلَ فِيهِ الْجَمَاعَةُ: لَا بَأْسَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ مِنْ جُنُبٍ وَنَحْوِهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ: لَا بَأْسَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَذْبَحُ الْجَنْبُ. وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَوْلُهُ.

(وَلَا تُبَاحُ ذَكَاةُ مَجْنُونٍ، وَلَا سَكْرَانَ) . أَمَّا الْمَجْنُونُ: فَلَا تُبَاحُ ذَكَاتُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَأَمَّا السَّكْرَانُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تُبَاحُ. وَعَنْهُ: تُبَاحُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (وَلَا طِفْلٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ) . إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ: فَلَا تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ. فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا: أُبِيحَتْ ذَبِيحَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 389

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَأَنَاطَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْإِبَاحَةَ بِالتَّمْيِيزِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ ابْنِ دُونَ عَشْرٍ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: تُبَاحُ إنْ كَانَ مُرَاهِقًا.

قَوْلُهُ (وَلَا مُرْتَدٍّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: تَحِلُّ ذَكَاةُ مُرْتَدٍّ إلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: الْآلَةُ. وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ بِمُحَدَّدٍ. سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ قَصَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ذَبَحَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ: حَلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْحِلُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَحِلُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثْلُ الْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ سِكِّينٌ ذَهَبٌ وَنَحْوِهَا.

ص: 390

ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ الْمَغْصُوبُ لِرَبِّهِ وَغَيْرِهِ. إذَا ذَكَّاهُ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ، سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ. فَغَيْرُهُ أَوْلَى، كَغَاصِبِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقِيلَ: إنَّهُ مَيْتَةٌ. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ عَيْنُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَكَاةِ مِلْكِهِ، فَفَعَلَ: حَلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَكْرَهَهُ رَبُّهُ عَلَى ذَبْحِهِ، فَذَبَحَهُ: حَلَّ مُطْلَقًا.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إلَّا السِّنَّ " أَنَّهُ يُبَاحُ الذَّبْحُ بِالْعَظْمِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله إبَاحَةَ الذَّبْحِ بِهِ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ آلَةٍ لَهَا حَدٌّ يَقْطَعُ وَيَنْهَرُ الدَّمَ، إلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهِ.

ص: 391

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ: وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عَدَمِ التَّذْكِيَةِ بِالْعِظَامِ: إمَّا لِنَجَاسَةِ بَعْضِهَا، وَإِمَّا لِتَنْجِيسِهِ عَلَى مُؤْمِنِي الْجِنِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَحْرُمُ بِعَظْمٍ، وَلَوْ بِسَهْمٍ نَصْلُهُ عَظْمٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. قَالَ فِي الْكَافِي: الْأَوْلَى قَطْعُ الْجَمِيعِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ قَطْعُ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ. وَقَالَ فِي الْإِشَارَةِ: الْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ.

ص: 392

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْكَافِي أَيْضًا: يَكْفِي قَطْعُ الْأَوْدَاجِ. فَقَطْعُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْحُلْقُومِ، أَوْ الْمَرِيءِ: أَوْلَى بِالْحِلِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَذَكَرَهُ فِي الْأُولَى رِوَايَةً وَذَكَرَ وَجْهًا: يَكْفِي قَطْعُ ثَلَاثٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ: إنَّهُ الْأَقْوَى. وَسُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً، فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ، لَكِنْ فَوْقَ الْجَوْزَةِ؟ فَأَجَابَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا تَحِلُّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، حَيْثُ أَطْلَقُوا الْإِبَاحَةَ بِقَطْعِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي اعْتِبَارِ إبَانَةِ ذَلِكَ بِالْقَطْعِ مُحْتَمَلٌ. قَالَ: وَيَقْوَى عَدَمُهُ. وَظَاهِرُهُ: لَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ. وَاعْتَبَرَ فِي التَّرْغِيبِ: قَطْعًا تَامًّا. فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ جِلْدَةٌ، وَلَمْ يَنْفُذْ الْقَطْعُ، وَانْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، ثُمَّ قَطَعَ الْجِلْدَةَ: لَمْ يَحِلَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَحَرَهُ: أَجْزَأَهُ) بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (وَالْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ، وَيَذْبَحَ مَا سِوَاهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةً: أَنَّ الْبَقَرَ تُنْحَرُ أَيْضًا.

ص: 393

وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: يُنْحَرُ مَا صَعُبَ وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ أَيْضًا. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ ذَبْحُ الْإِبِلِ. وَعَنْهُ: لَا يُؤْكَلُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنِدَّ الْبَعِيرَ، أَوْ يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ: صَارَ كَالصَّيْدِ، إذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ فَقَتَلَهُ: حَلَّ أَكْلُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْتُلَ مِثْلَهُ غَالِبًا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُبَاحُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ إذَا كَانَ الْجَرْحُ مُوجِبًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا، وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ) يَعْنِي: الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ (أُكِلَتْ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 394

وَعَنْهُ: يُؤْكَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ نَفَاذَ ذَلِكَ لِحِدَةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ: فَالْأَوْلَى إبَاحَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ رِوَايَةً: يَحْرُمُ مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى الْخَطَأِ: أَنْ تَلْتَوِيَ الذَّبِيحَةُ عَلَيْهِ، فَتَأْتِيَ السِّكِّينُ عَلَى الْقَفَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْتِوَائِهَا مَعْجُوزٌ عَنْ ذَبْحِهَا فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ. فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَحَلِّ كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ. فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْتِوَائِهَا: فَلَا يُبَاحُ ذَلِكَ. انْتَهَى، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخَطَأَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَهُ الْمَجْدُ وَمَنْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: تُبَاحُ إذَا أَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ. بِشَرْطِ أَنْ تَبْقَى فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُبَاحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ.

ص: 395

وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

تَنْبِيهٌ: شَرْطُ الْحِلِّ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ أَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً حَالَةَ وُصُولِ السِّكِّينِ إلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ الْقُوَّةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقُوَّةُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ: تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْبَقَاءَ لِحِدَةِ الْآلَةِ، وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ، فَالْأَوْلَى: الْإِبَاحَةُ. وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ كَآلَةٍ، وَأَبْطَأَ الْقَطْعَ: لَمْ تُبَحْ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ الْتَوَى عُنُقُهُ: كَانَ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ. قَالَهُ الْقَاضِي، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: هُوَ كَالذَّبْحِ مِنْ قَفَاهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَبَانَ الرَّأْسَ بِالذَّبْحِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً: بِتَحْرِيمِهِ.

قَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ الْمَوْتِ كَالْمُنْخَنِقَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَالنَّطِيحَةِ، وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهَا، وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَكْثَرَ مِنْ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ: حَلَّتْ. وَإِنْ صَارَتْ حَرَكَتُهَا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ: لَمْ تَحِلَّ) . هَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ.

ص: 396

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقِيلَ: تَزِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ مِنْ مُنْخَنِقَةٍ، وَمَوْقُوذَةٍ، وَمُتَرَدِّيَةٍ وَنَطِيحَةٍ، وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ فَذَكَّاهُ، وَحَيَاتُهُ يُمْكِنُ زِيَادَتُهَا: حَلَّ. وَقِيلَ: بِشَرْطِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ، وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: أَوْ لَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا أَدْرَكَ ذَكَاةَ ذَلِكَ وَفِيهِ حَيَاةٌ يُمْكِنُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ: حَلَّ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَرَّكَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَلَوْ بِيَدٍ، أَوْ رِجْلٍ، أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ، أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ وَنَحْوِهِ. فَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ تَحَرُّكُهُ إذَا كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَكْثَرَ مِنْ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعِيشُ زَمَنًا يَكُونُ الْمَوْتُ بِالذَّبْحِ أَسْرَعَ مِنْهُ: حَلَّتْ بِالذَّبْحِ. وَأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ مَوْتُهَا كَالْمَرِيضَةِ أَنَّهَا مَتَى تَحَرَّكَتْ وَسَالَ دَمُهَا: حَلَّتْ. انْتَهَى. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَجَمَاعَةٌ: مَا عُلِمَ مَوْتُهُ بِالسَّبَبِ: لَمْ يَحِلَّ. وَعَنْهُ: مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى مُعْظَمَ الْيَوْمِ: يَحِلُّ. وَمَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ لِأَقَلَّ مِنْهُ: فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. ذَكَرُوهُ فِي " بَابِ الصَّيْدِ ". وَعَنْهُ: يَحِلُّ إذَا ذُكِّيَ قَبْلَ مَوْتِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.

ص: 397

وَفِي كِتَابِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: يُشْتَرَطُ حَيَاةٌ يُذْهِبُهَا الذَّبْحُ، جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَعَنْهُ: إنْ تَحَرَّكَ. ذَكَرَهَا فِي الْمُبْهِجِ.

وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ. وَعَنْهُ: مَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ السَّبَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ ذَبَحَ وَشَكَّ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَوَجَدَ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَادَةِ: حَلَّ فِي الْمَنْصُوصِ. قَالَ: وَأَصْحَابُنَا قَالُوا: الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ مَا جَازَ بَقَاؤُهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ. وَقَالُوا: إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ: لَمْ يَحِلَّ. فَإِنْ كَانَ التَّقْيِيدُ بِأَكْثَرِ الْيَوْمِ صَحِيحًا: فَلَا مَعْنًى لِلتَّقْيِيدِ بِحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِلْحَظْرِ. وَكَذَا بِعَكْسِهِ. فَإِنَّ بَيْنَهُمَا أَمَدًا بَعِيدًا. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ: مَا ظُنَّ بَقَاؤُهَا زِيَادَةً عَلَى أَمَدِ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمِثْلِهِ سِوَى أَمَدِ الذَّبْحِ. قَالَ: وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ كَمَقْطُوعِ الْحُلْقُومِ وَمُبَانِ الْحَشْوَةِ: فَوُجُودُهَا كَعَدَمٍ عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ، بَلْ مَتَى ذُبِحَ، فَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمُذَكَّى الْمَذْبُوحِ فِي الْعَادَةِ، لَيْسَ هُوَ دَمُ الْمَيِّتِ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمَرِيضَةِ حُكْمُ الْمُنْخَنِقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَقِيلَ: لَا تُعْتَبَرُ حَرَكَةُ الْمَرِيضَةِ. وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهَا فِي غَيْرِهَا.

ص: 398

وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي صَرِيحًا. وَحُكْمُ مَا صَادَهُ بِشَبَكَةٍ، أَوْ شَرَكٍ، أَوْ أُحْبُولَةٍ أَوْ فَخٍّ، أَوْ أَنْقَذَهُ مِنْ مَهْلَكَةٍ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ يَكُونُ عِنْدَ حَرَكَةِ يَدِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوْ قَبْلَهُ قَرِيبًا، فُصِلَ بِكَلَامٍ أَوْ لَا، وَاخْتَارُوهُ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، إذَا كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا. وَذَكَرَ حَنْبَلٌ عَكْسَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى.

تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ: شَرْطٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: التَّسْمِيَةُ سُنَّةٌ. نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: الْآيَةَ فِي الْمَيْتَةِ. وَقَدْ رَخَّصَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ. وَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ " بِسْمِ اللَّهِ " لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 399

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَكْفِي تَكْبِيرُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُهُ، كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: الْإِتْيَانَ بِهَا بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا. بِالْعَرَبِيَّةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِيَهُ إلَّا التَّسْمِيَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ.

قَوْلُهُ (إلَّا الْأَخْرَسَ. فَإِنَّهُ يُومِئُ إلَى السَّمَاءِ) . تُبَاحُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ إجْمَاعًا. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: يُشِيرُ عِنْدَ الذَّبْحِ إلَى السَّمَاءِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهَا عَلَمٌ عَلَى قَصْدِهِ التَّسْمِيَةَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَلَوْ أَشَارَ إشَارَةً تَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ: كَانَ كَافِيًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا: لَمْ تُبَحْ. وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا: أُبِيحَتْ)

ص: 400

هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعًا فِي سُقُوطِهَا سَهْوًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ. وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهَا تَحِلُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: لَا يُبَاحُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا: أُبِيحَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ، يَعْنِي: أَنَّهَا سُنَّةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَفْظُهَا. وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ فِيهِمَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَالتَّسْمِيَةُ شَرْطٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَعَنْهُ: مَعَ الذِّكْرِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُشْتَرَطُ قَصْدُ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا يَذْبَحُهُ. فَلَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ وَذَبَحَ غَيْرَهَا

ص: 401

بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ: لَمْ تُبَحْ. وَكَذَا لَوْ رَأَى قَطِيعًا فَسَمَّى وَأَخَذَ شَاةً، فَذَبَحَهَا بِالتَّسْمِيَةِ الْأُولَى: لَمْ يُجْزِئْهُ. وَيَأْتِي عَكْسُهُ فِي الصَّيْدِ. الثَّانِيَةُ: لَيْسَ الْجَاهِلُ هُنَا كَالنَّاسِي كَالصَّوْمِ. ذَكَرَهُ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. الثَّالِثَةُ: يَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ إنْ حَرُمَتْ بِتَرْكِهَا، وَاخْتَارَ فِي النَّوَادِرِ: الضَّمَانَ لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ. الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ التَّسْمِيَةِ. فَيَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ مَعَ التَّسْمِيَةِ شَيْئًا.

قَوْلُهُ (وَتَحْصُلُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا، أَوْ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَسَوَاءٌ أَشَعَرَ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 402

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: فِي الْقِيَاسِ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله " لَا يَحِلُّ جَنِينٌ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ " أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ. وَقَالَ فِي فُنُونِهِ: لَا يُحْكَمُ بِذَكَاتِهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ خَرَجَ حَيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَبْحِهِ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا يَحِلُّ: فَيُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ: لَمْ يُبَحْ إلَّا بِذَبْحِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، أَشَعَرَ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُنْخَنِقَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: إنْ مَاتَ قَرِيبًا: حَلَّ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي وَاضِحِهِ وَفُنُونِهِ فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ مُحَرَّمًا مِثْلُ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ أَبُوهُ: لَمْ يَقْدَحْ فِي ذَكَاةِ الْأُمِّ. وَلَوْ وَجِئَ بَطْنَ أُمِّهِ فَأَصَابَ مَذْبَحَ الْجَنِينِ: تَذَكَّى وَالْأُمُّ مَيْتَةٌ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.

ص: 403

نَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي الِانْتِصَارِ.

قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) . وَيُسَنُّ تَوْجِيهُهَا إلَى الْقِبْلَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ الْكَحَّالُ: يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْهُ.

فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَذْبُوحُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَرِفْقِهِ بِهِ. وَيُحْمَلُ عَلَى الْآلَةِ بِالْقُوَّةِ، وَإِسْرَاعِهِ بِالشَّحْطِ. وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله، وَغَيْرِهِ: إيمَاءٌ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَ الْحَيَوَانِ، أَوْ يَسْلُخَهُ حَتَّى يَبْرُدَ) وَكَذَا لَا يَقْطَعُ عُضْوًا مِنْهُ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ. يَعْنِي: يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَفْعَلُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَحْرُمُ فِعْلُ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْإِحْسَانُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، حَتَّى فِي حَالِ إزْهَاقِ النُّفُوسِ، نَاطِقِهَا وَبَهِيمِهَا. فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ الْقِتْلَةَ لِلْآدَمِيِّينَ وَالذِّبْحَةَ لِلْبَهَائِمِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ قَطْعُ رَأْسِهِ قَبْلَ سَلْخِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا: لَا يُفْعَلُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ لَا يَحِلُّ.

ص: 404

فَائِدَةٌ: نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَكْرَهُ نَفْخَ اللَّحْمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: مُرَادُهُ الَّذِي لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ أَكْلِ أُذُنِ الْقَلْبِ وَالْغُدَّةِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا ذَبَحَ حَيَوَانًا، ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ: فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

إحْدَاهُمَا: لَا يَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحِلُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

ص: 405

وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ الْآتِي فِي " بَابِ الصَّيْدِ " كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْجَرْحُ مُوجِبًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ) يَعْنِي: يَقِينًا (كَذِي الظُّفُرِ) . مِثْلُ الْإِبِلِ وَالنَّعَامَةِ وَالْبَطِّ، وَمَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِعِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا. هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. أَوْ الرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهِيَ أَظْهَرُ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ عَلَيْنَا. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: لِفَقْدِ قَصْدِ الذَّكَاةِ مِنْهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَحُكِيَ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ. وَهُوَ سَهْوٌ. إنَّمَا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حُكِيَ عَنْهُ فِي الْمَكَانَيْنِ، أَوْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: وَلَوْ ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا ظَنَّهُ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ: حَلَّ أَكْلُهُ.

ص: 406

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ ذَبَحَ شَيْئًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ: حَلَّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَحْرُمُ مِنْ ذَبْحِهِ مَا نَتَبَيَّنُهُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، كَحَالِ الرِّئَةِ وَنَحْوِهَا. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْيَهُودَ إذَا وَجَدُوا الرِّئَةَ لَاصِقَةً بِالْأَضْلَاعِ امْتَنَعُوا مِنْ أَكْلِهَا، زَاعِمِينَ تَحْرِيمَهَا وَيُسَمُّونَهَا: اللَّازِقَةَ. وَإِنْ وَجَدُوهَا غَيْرَ لَازِقَةٍ بِالْأَضْلَاعِ أَكَلُوهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا ذَبَحَ حَيَوَانًا غَيْرَهُ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَحَكَاهُ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي تَحْرِيمَهُ. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَقَطَعَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ.

ص: 407

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ: لَنَا أَنْ نَتَمَلَّكَهَا مِنْهُمْ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُطْعِمَهُمْ شَحْمًا مِنْ ذَبْحِنَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: نُسِخَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا. انْتَهَى. وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِاعْتِقَادِنَا. الثَّانِيَةُ: فِي بَقَاءِ تَحْرِيمِ يَوْمِ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. ذَكَرُوهُ فِي " بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ " وَفَائِدَتُهُمَا: حِلُّ صَيْدِهِمْ فِيهِ وَعَدَمُهُ. قَالَهُ النَّاظِمُ قُلْت: وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ " أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ: لَوْ شَكَا عَلَيْهِمْ لَا يَحْضُرُوا يَوْمَ السَّبْتِ إذَا قُلْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُحْضِرُ يَهُودِيًّا يَوْمَ سَبْتٍ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ، أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى شَيْءٍ مِمَّا يُعَظِّمُونَهُ: لَمْ يَحْرُمْ) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله -

ص: 408

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ: عِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ مَيْتَةً. {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] .

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ: إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا إذَا ذُكِرَ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، أَصَحُّهَا عِنْدِي. تَحْرِيمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنْ يُذْكَرَ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي مَا ذُبِحَ لِلزُّهْرَةِ، وَالْكَوَاكِبِ، وَالْكَنِيسَةِ، وَكُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَذَكَرَ الْآيَةَ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا، فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ جَرَادًا، أَوْ طَائِرًا فَوَجَدَ فِي حَوْصَلَتِهِ حَبًّا، أَوْ وَجَدَ الْحَبَّ فِي بَعْرِ الْجَمَلِ: لَمْ يَحْرُمْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ الطَّافِي أَشَدَّ مِنْ هَذَا. وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

ص: 409

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَحْرُمُ جَرَادٌ فِي بَطْنِ سَمَكٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ. وَمَيْتَتُهُ حَرَامٌ، لَا الْعَكْسُ؛ لِحِلِّ مَيْتَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ وَجَدَ سَمَكَةً فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ.

الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ بَوْلُ طَائِرٍ كَرَوْثِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَبَاحَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الطِّبِّ. وَذَكَرَ رِوَايَةً فِي بَوْلِ الْإِبِلِ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيهِ: لَا يُبَاحُ. وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يُبَاحُ رَجِيعُ السَّمَكِ، وَنَحْوِهِ.

الثَّالِثَةُ: يَحِلُّ مَذْبُوحٌ مَنْبُوذٌ بِمَوْضِعٍ يَحِلُّ ذَبْحُ أَكْثَرِ أَهْلِهِ، وَلَوْ جُهِلَتْ تَسْمِيَةُ الذَّابِحِ. الرَّابِعَةُ: الذَّبِيحُ إسْمَاعِيلُ عليه السلام عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

ص: 410