المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١٠

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

[بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]

ِ قَوْلُهُ (كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ: أُقِيدَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا. وَمَنْ لَا فَلَا) . يَعْنِي: وَمَنْ لَا يُقَادُ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ لَا يُقَادُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَ الْعَبِيدِ مُطْلَقًا. نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَمُهَنَّا. وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ، حَتَّى تَسْتَوِيَ الْقِيمَةُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ حَرْبٌ فِي الطَّرَفِ: كَأَنَّهُ مَالٌ، إذَا اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي " بَابِ شُرُوطِ الْقِصَاصِ ".

قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ إلَّا بِمِثْلِ الْمُوجِبِ فِي النَّفْسِ. وَهُوَ الْعَمْدُ الْمَحْضُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ: يَجِبُ الْقِصَاصُ أَيْضًا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجْرِي) الْقِصَاصُ (فِي الْأَلْيَةِ وَالشَّفْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

ص: 14

أَطْلَقَ فِي إجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْأَلْيَةِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ إحْدَاهُمَا: يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِمَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي إجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِي الشَّفْرِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَلَا قِصَاصَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: الْأَمْنُ مِنْ الْحَيْفِ) . أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا. لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِي ذَلِكَ الْحَيْفِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 15

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، وَالشَّالَنْجِيُّ: الْقَوَدُ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، رحمهم الله، قَالُوا: مَا أَصَابَ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا، وَكَانَ دُونَ النَّفْسِ: فَفِيهِ الْقِصَاصُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: وَكَذَلِكَ أَرَى. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فِي أَدَبٍ يُؤَدِّبُهَا بِهِ. فَإِنْ اعْتَدَى، أَوْ جَرَحَ، أَوْ كَسَرَ: يُقْتَصُّ لَهَا مِنْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا قَتَلَهُ بِعَصًا، أَوْ خَنَقَهُ، أَوْ شَدَخَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ: يُقْتَلُ بِمِثْلِ الَّذِي قَتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجُرُوحَ قِصَاصٌ. وَنَقَلَ أَيْضًا: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْكَسْرِ، يُقْدَرُ عَلَى الِاقْتِصَاصِ، يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْأَخْبَارِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَالَ: ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رضي الله عنهم.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْغَصْبِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانَ مَصُوغًا أَوْ تِبْرًا. هَلْ يُقْتَصُّ فِي الْمَالِ " مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ؟

الثَّانِي: قَوْلُهُ " وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ الْأَمْنُ مِنْ الْحَيْفِ ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ حَمْدَانَ تَبَعًا لِأَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْمُشْتَرَطَ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ: أَمْنُ الْحَيْفِ. وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ إمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ وَالْخِرَقِيُّ إنَّمَا اشْتَرَطَ إمْكَانَ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ. وَتَبِعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ. وَجَعَلَ الْمَجْدُ أَمْنَ الْحَيْفِ شَرْطًا لِجَوَازِ الِاسْتِيفَاءِ. وَهُوَ التَّحْقِيقُ. وَعَلَيْهِ: لَوْ أَقْدَمَ وَاسْتَوْفَى، وَلَمْ يَتَعَدَّ وَقَعَ الْمَوْقِعُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَا صَرَّحَ الْمَجْدُ.

ص: 16

وَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَمْدَانَ، وَمَا فِي الْمُقْنِعِ: تَكُونُ جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً. يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ عَنْ ابْنِ حَمْدَانَ، وَالْمُصَنِّفُ: إذَا أَقْدَمَ وَاسْتَوْفَى أَكْثَرُ مَا فِيهِ: أَنَّا إذَا خِفْنَا الْحَيْفَ: مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ. فَلَوْ أَقْدَمَ وَفَعَلَ، وَلَمْ يَحْصُلْ حَيْفٌ: فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا مَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ، أَوْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ أَوْ السَّاقِ) . وَكَذَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الْعَضُدِ، أَوْ الْوَرِكِ: فَلَا قِصَاصَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا قِصَاصَ.

وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يُقْتَصُّ مِنْ حَدِّ الْمَارِنِ، وَمِنْ الْكُوعِ وَالْمَرْفِقِ، وَالرُّكْبَةِ وَالْكَعْبِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا قَطَعَهُ مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ، أَوْ زَادَ قَطْعَ الْأَصَابِعِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ، ثُمَّ تَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ: فَلَا قَوَدَ لَهُ أَيْضًا، اعْتِبَارًا بِالِاسْتِقْرَارِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: يُقْتَصُّ هُنَا مِنْ الْكُوعِ أَوْ الْكَعْبِ.

ص: 17

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجِبُ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ لَهُ أَرْشٌ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهُرُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْأَرْشُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ حُكُومَةً مَعَ الْقِصَاصِ. وَقَالَ فِيمَنْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ: لَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الذِّرَاعِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَنْ جَوَّزَ لَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ، فَعِنْدَهُ فِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ لِمَا قَطَعَ مِنْ الذِّرَاعِ: وَجْهَانِ.

تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ هُنَا يَعُودُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. يَعْنِي سَوَاءً قُلْنَا: يُقْتَصُّ، أَوْ لَا يُقْتَصُّ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَيْهِمَا فِي أَرْشِ الْبَاقِي وَلَوْ خَطَأً: وَجْهَانِ. وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ: إنَّمَا حَكَى ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ. مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. هُوَ الْقَوْلُ بِالْقِصَاصِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

ص: 18

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمَنْكِبِ إذَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ خِيفَ: هَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ مِرْفَقِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الثَّانِيَةُ: لَوْ خَالَفَ وَاقْتَصَّ مَعَ خَشْيَةِ الْحَيْفِ، أَوْ مِنْ مَأْمُومَةٍ، أَوْ جَائِفَةٍ، أَوْ نِصْفِ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ: أَجْزَأَهُ. بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْضَحَ إنْسَانًا. فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنَيْهِ، أَوْ سَمْعُهُ، أَوْ شَمُّهُ. فَإِنَّهُ يُوضِحُهُ. فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَ فِيهِ مَا يُذْهِبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْرَى عَلَى حَدَقَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ أَنْفِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، أَعْنِي اسْتِعْمَالَ مَا يُذْهِبُ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالِ مَا يُذْهِبُهُ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

ص: 19

قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ. وَلَوْ أَذْهَبَ ذَلِكَ عَمْدًا بِشَجَّةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا، أَوْ لَطْمَةٍ: فَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالدَّوَاءِ، أَوْ تَتَعَيَّنُ دِيَتُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا لَطَمَهُ فَأَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنَيْهِ أَوْ غَيْرَهَا.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْجِنَايَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ سَقَطَ) . يَعْنِي الْقَوَدُ وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا تُؤْخَذُ أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةٍ، وَلَا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ) . أَنَّ الزَّائِدَةَ تُؤْخَذُ بِالزَّائِدَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوِيَا مَحِلًّا وَخِلْقَةً، وَلَوْ تَفَاوَتَا قَدْرًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ بِهَا أَيْضًا. فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ تُؤْخَذْ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا.

فَائِدَةٌ: تُؤْخَذُ كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِزَائِدَةٍ إصْبَعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ بِهَا. فَإِنْ ذَهَبَتْ الْإِصْبَعُ الزَّائِدَةُ: فَلَهُ الْأَخْذُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ) . يَعْنِي: إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْأَصْلِيَّةَ بِالزَّائِدَةِ، أَوْ عَكْسِهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ فَعَلَا، أَوْ قَطَعَهَا تَعَدِّيًا، أَوْ قَالَ " أَخْرِجْ يَمِينَك " فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا أَجْزَأَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ.

ص: 20

هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا: لَمْ يَجُزْ. وَيُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا تُجْزِئُ: فَعَلَى الْقَاطِعِ دِيَتُهَا) . هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ وَاخْتِيَارُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: فَعَلَى الْقَاطِعِ دِيَتُهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا يَسَارٌ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ. وَيُعَزَّرُ وَجَزَمَ بِهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا: أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا، وَقَطَعَهَا: أَنَّهَا تَذْهَبُ هَدَرًا. انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ " وَيُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ " يَعْنِي: إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا. فَأَمَّا إنْ تَرَاضَيَا: فَفِي سُقُوطِهِ إلَى الدِّيَةِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ دَهِشَ: اُقْتُصَّ مِنْ يَسَارِ الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّثَبُّتِ. وَقَالَ: إنْ قَطَعَهَا عَالِمًا عَمْدًا فَالْقَوَدُ. وَقِيلَ: الدِّيَةُ. وَيُقْتَصُّ مِنْ يُمْنَاهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ

قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ. فَلَا يُؤْخَذُ لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

ص: 21

مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي لِسَانِ النَّاطِقِ بِأَخْرَسَ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ (وَلَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَلَا عِنِّينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ، فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِمَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ ذَكَرُ الْفَحْلِ بِذَكَرِ الْعِنِّينِ خَاصَّةً، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُؤْخَذُ ذَكَرُ الْفَحْلِ بِالْخَصِيِّ. وَفِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ وَجْهَانِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: هَلْ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، أَوْ حُكُومَةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (إلَّا مَارِنُ الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ يُؤْخَذُ بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ

ص: 22

وَالْمَجْذُومِ، وَالْمُسْتَحْشِفِ، وَأُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ الشَّلَّاءِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، فِي أَخْذِ الصَّحِيحِ بِالْمُسْتَحْشِفِ الْوَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَخْذَ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَنْفِ الْأَشَمِّ بِالْأَنْفِ الْأَخْشَمِ وَبِالْأُذُنِ الْأَصَمِّ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ: عَدَمَ أَخْذِ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَنْفِ الصَّحِيحَةِ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ الْمَخْزُومَتَيْنِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَخْذَ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ بِالْأُذُنِ الشَّلَّاءِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْجَمِيعِ. قَالَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: لَا يُؤْخَذُ عُضْوٌ صَحِيحٌ بِأَشَلَّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُؤْخَذُ فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي الْمَخْزُومِ خَاصَّةً.

تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَخْذَ أُذُنِ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ الشَّلَّاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ أَرَ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا إلَّا الصَّمَمَ مُنْفَرِدًا، وَالشَّلَلَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ. فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ هُنَا وَاوٌ.

ص: 23

وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: بِأُذُنِ الْأَصَمِّ وَالشَّلَّاءِ، مُوَافَقَةً لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ الْمَعِيبُ مِنْ ذَلِكَ) كُلِّهِ (بِالصَّحِيحِ، وَبِمِثْلِهِ إذَا أُمِنَ مِنْ قَطْعِ الشَّلَّاءِ التَّلَفُ) بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقِصَاصِ أَرْشٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: لَهُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ النَّاقِصَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي قَوْلُهُ (وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الشَّلَلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَشَيْخِهِ. وَقِيلَ: الشَّلَلُ مَوْتٌ. قَالَ فِي الْفُنُونِ: سَمِعْته مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْبُلْهِ الْمُدَّعِينَ لِلْفِقْهِ. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَإِلَّا لَأَنْتَنَ وَاسْتَحَالَ كَالْحَيَوَانِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ ثَبَتَ فَلَا قَوَدَ فِي مَيِّتٍ.

ص: 24

وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ لَهُ أَرْشَهُ مُطْلَقًا. قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَلَلِ الْعُضْوِ وَصِحَّتِهِ، فَأَيُّهَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ.

أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ عَكْسَ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ فِي أَعْضَاءٍ بَاطِنَةٍ لِتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إنْ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْعُضْوِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ وَمَارِنِهِ، أَوْ شَفَتِهِ، أَوْ حَشَفَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ: أُخِذَ مِثْلُهُ، يُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي غَيْرِ قَطْعِ بَعْضِ اللِّسَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا قَوَدَ بِبَعْضِ اللِّسَانِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.

ص: 25

قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ السِّنِّ حَتَّى يُؤْيَسَ مِنْ عَوْدِهَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ فِي سِنِّ الْكَبِيرِ وَنَحْوِهَا: الْقَوَدَ فِي الْحَالِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. فَإِنَّ سِنَّ الْكَبِيرِ إذَا قُلِعَتْ يَيْأَسُ مِنْ عَوْدِهَا غَالِبًا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا، فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَلَا قِصَاصَ فِيهَا) . يَجِبُ دِيَتُهَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. بَلْ تَذْهَبُ هَدَرًا كَنَبْتِ شَيْءٍ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ فَائِدَةٌ: الظُّفْرُ كَالسِّنِّ فِي ذَلِكَ. وَلَهُ فِي غَيْرِهِمَا الدِّيَةُ. وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: لَهُ الْقَوَدُ حَيْثُ شَرَعَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْ سِنٍّ، فَعَادَتْ غَرِمَ سِنَّ الْجَانِي، ثُمَّ إنْ عَادَتْ سِنُّ الْجَانِي: رَدَّ مَا أَخَذَ) .

ص: 26

هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ، ثُمَّ نَبَتَتْ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ. قَالَ: ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي " بَابِ ذِكْرِ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا " فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي.

فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا " يَرُدُّ مَا أَخَذَ " فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ. كَمَالٍ ضَالٍّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي.

قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: الْجُرُوحُ. فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ. كَالْمُوضِحَةِ وَجُرْحِ الْعَضُدِ وَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمُوضِحَةُ يُقْتَصُّ مِنْهَا؟ قَالَ: الْمُوضِحَةُ كَيْفَ يُحِيطُ بِهَا.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْجُرُوحِ كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ وَأَعْظَمَ مِنْهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ الْمُوضِحَةِ. كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ. فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَهُ مَا بَيْنَ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ. فَيَأْخُذُ فِي الْهَاشِمَةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ. وَفِي الْمُنَقِّلَةِ: عَشْرًا. وَفِي الْمَأْمُومَةِ: ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَثُلُثًا.

ص: 27

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ، فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ

قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ. فَلَوْ أَوْضَحَ إنْسَانًا فِي بَعْضِ رَأْسِهِ، مِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَمِيعُ رَأْسِ الشَّاجِّ وَزِيَادَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُوضِحَهُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ.

(وَفِي الْأَرْشِ لِلزَّائِدِ وَجْهَانِ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَفِي بَعْضِ إصْبَعٍ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَ فِي الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الزَّائِدِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمَا: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الزَّائِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْأَرْشُ لِلزَّائِدِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِهِ، وَكَانَ رَأْسُ الْجَانِي أَكْبَرَ مِنْهُ: فَلَهُ قَدْرُ شَجَّتِهِ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 28

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: وَمِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ بِقَدْرِ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْهُمَا: لَمْ يُعْدَلْ عَنْ جَانِبِهَا إلَى غَيْرِهِ بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ جُرْحٍ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ، وَتَسَاوَتْ أَفْعَالُهُمْ، مِثْلُ أَنْ يَضَعُوا الْحَدِيدَةَ عَلَى يَدِهِ وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا، حَتَّى تَبِينَ: فَعَلَى جَمِيعِهِمْ الْقِصَاصُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ: هَذَا أَشْهُرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ. وَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ " وَشَرْطُهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. أَمَّا لَوْ تَفَرَّقَتْ أَفْعَالُهُمْ، أَوْ قَطَعَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ: فَلَا قِصَاصَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَ فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: لَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ " أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ يَدَ أَحَدٍ " حَنِثَ بِهَذَا الْفِعْلِ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعٌ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ.

ص: 29

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعٌ لِجَمِيعِ الْيَدِ.

قَوْلُهُ (وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ. فَلَوْ قَطَعَ إصْبَعًا فَتَآكَلَتْ أُخْرَى إلَى جَانِبِهَا، وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تَآكَلَتْ الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنْ الْكُوعِ: وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ شُلَّ فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ الْقِصَاصِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا قَوَدَ بِنَقْصِهِ بَعْدَ بُرْئِهِ.

قَوْلُهُ (وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ قِصَاصًا، فَسَرَى إلَى النَّفْسِ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اقْتَصَّ قَهْرًا مَعَ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ مَسْمُومَةٍ وَنَحْوِهِ: لَزِمَهُ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَعِنْدَ الْقَاضِي يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ وَطَرَفٍ. فَقُطِعَ طَرَفُهُ فَسَرَى. أَوْ صَالَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، فَدَفَعَهُ دَفْعًا جَائِرًا، فَقَتَلَهُ: هَلْ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ كَمَا يُجْزِئُ إطْعَامُ مُضْطَرٍّ عَنْ كَفَّارَةٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ لَهُ. وَكَذَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا وَصَلَّى قَضَاءً وَنَوَى كَفَاهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الطَّرَفِ إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) .

ص: 30

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الطَّرَفِ قَبْلَ بُرْئِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. بَلْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ الْقَوَدُ قَبْلَ بُرْئِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ مِنْ قَوْلِنَا: إنَّهُ إذَا سَرَى إلَى السِّنِّ يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ)(اقْتَصَّ) قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ (مِنْ سِرَايَةِ جُرْحِهِ فَلَوْ سَرَى إلَى نَفْسِهِ: كَانَ هَدَرًا) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ الْعَفْوُ بِالْقِصَاصِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

ص: 31