المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الزَّكَاةِ فَائِدَةٌ: " الزَّكَاةُ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الزَّكَاةِ فَائِدَةٌ: " الزَّكَاةُ

[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الزَّكَاةِ فَائِدَةٌ: " الزَّكَاةُ " فِي اللُّغَةِ: النَّمَاءُ. وَقِيلَ: النَّمَاءُ وَالتَّطْهِيرُ؛ لِأَنَّهَا تُنَمِّي الْمَالَ وَتُطَهِّرُ مُعْطِيَهَا، وَقِيلَ: تُنَمِّي أَجْرَهَا، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: تُنَمِّي الْفُقَرَاءَ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا فِيهَا لَكَانَ حَسَنًا: فَتُنَمِّي الْمَالَ، وَتُنَمِّي أَجْرَهَا، وَتُنَمِّي الْفُقَرَاءَ، وَتُطَهِّرُ مُعْطِيَهَا، وَسُمِّيَتْ " زَكَاةً " فِي الشَّرْعِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَحَدُّهَا فِي الشَّرْعِ: حَقٌّ يَجِبُ فِي مَالٍ خَاصٍّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ {وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ} يَعْنِي لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، وَالْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، وَالْأَثْمَانِ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ {أَصْحَابُنَا تَجِبُ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ} ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْهَادِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا، وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا فِيهِ، تَغْلِيبًا وَاحْتِيَاطًا كَتَحْرِيمِ قَتْلِهِ وَإِيجَابِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِ.

وَالنُّصُوصُ تَتَنَاوَلُهُ، قَالَ الْمَجْدُ: تَتَنَاوَلُهُ بِلَا شَكٍّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَهُمَا، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْفَائِقِ.

قَوْلُهُ {وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ رِوَايَتَانِ} ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ.

ص: 3

إحْدَاهُمَا: تَجِبُ فِيهَا، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ.

وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ " قَالَ الشَّارِحُ: وَهِيَ أَصَحُّ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا زَكَاةَ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفَائِدَتُهُ تَكْمِيلُ النِّصَابِ بِبَقَرَةِ وَحْشٍ. انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمَتَى كَمُلَ النِّصَابُ مِنْهُ وَجَبَتْ فِيهِ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: حُكْمُ الْغَنَمِ الْوَحْشِيَّةِ حُكْمُ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَالْوُجُوبُ فِيهَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَمِنْهَا: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الظِّبَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الطَّرِيقَةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ، عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَحَكَى رِوَايَةً؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْغَنَمَ. وَالظَّبْيَةُ تُسَمَّى عَنْزًا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَمِنْهَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا.

وَهَلْ تَجِبُ فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْجَنِينِ، إذَا انْفَصَلَ حَيًّا أَمْ لَا؟ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْدِ فِي مَسْأَلَةِ زَكَاةِ مِلْكِ الصَّبِيِّ، مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ. بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ. لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلًا، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ حَيًّا، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فِطْرَةِ الْجَنِينِ: لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ

ص: 4

بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْوُجُوبَ بِحُكْمِنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا، حَتَّى مَنَعْنَا بَاقِيَ الْوَرَثَةِ، وَهُمَا وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي، وَمَنَعَهُ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجِبُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: الْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ} الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ {وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا تَجِبُ عَلَى أَصْلِيٍّ، عَلَى الْأَشْهَرِ، كَذَا الْمُرْتَدُّ، نَصَّ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ حَكَمْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ مَعَ الرِّدَّةِ أَوْ زَوَالِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَرَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ]، فَقِيلَ: لِكَوْنِهَا عِبَادَةً، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: لِمَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ قُلْنَا " يَزُولُ مِلْكُهُ " فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ، نَصَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: تَجِبُ لِمَا مَضَى مِنْ الْأَحْوَالِ عَلَى مَالِهِ حَالَ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ شَاقِلَا رِوَايَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ {وَلَا تَجِبُ عَلَى مُكَاتَبٍ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ هُوَ كَالْقِنِّ، وَعَنْهُ يُزَكِّي بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.

ص: 5

قَوْلُهُ {فَإِنْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا وَقُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ} . يَعْنِي عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قُلْت: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالزَّرْكَشِيُّ.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ، ذَكَرَهَا فِي الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ.

وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: يُزَكِّي الْعَبْدُ مَالَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ تَبَعًا لِابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُزَكِّيَهُ السَّيِّدُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَعَنْ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَى السَّيِّدِ، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إمَّا مِلْكٌ لَهُ، أَوْ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، قُلْت: وَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ فَزَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ بِلَا نِزَاعٍ.

تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله أَنَّ الْعَبْدَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا: أَنَّ فِي مِلْكِهِ خِلَافًا؛ لِقَوْلِهِ " وَقُلْنَا إنَّهُ يُمَلِّكُهُ "، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَوَاعِدِ ابْنِ اللَّحَّامِ، وَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ

ص: 6

الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّقِيقِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ اخْتَارَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ شَاقِلَا، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَغَيْرِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَوْ مَلَكَ مَلَكَهُ فِي الْأَقْيَسِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.

فَائِدَةٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ. أَكْثَرُهَا مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْكِتَابِ، وَمِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا، وَمِنْهَا: إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ عَبْدًا وَأَهَلَّ عَلَيْهِ هِلَالُ الْفِطْرِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ، فَفِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا اعْتِبَارًا بِزَكَاةِ الْمَالِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا فِطْرَةَ إذَنْ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَيُؤَدِّي السَّيِّدُ عَنْ عَبْدِ عَبْدِهِ؛ إذْ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ مَلَكَ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ؛ لِعَدَمِ مِلْكِ السَّيِّدِ وَنَقْصِ مِلْكِ الْعَبْدِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْحُرَّ كَنَفَقَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ [وَالشَّارِحُ]، وَمِنْهَا: تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ، وَالْأَيْمَانِ، وَالظِّهَارِ، وَنَحْوِهَا، وَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ، وَذَكَرْتُهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

ص: 7

وَمِنْهَا: إذَا بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ. وَلِلْأَصْحَابِ أَيْضًا: فِيهَا طُرُقٌ، ذَكَرْتُهَا فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمِنْهَا: إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَالِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَاشْتَرَاهُ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، صَحَّ، وَكَانَ مَمْلُوكًا لِلسَّيِّدِ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ: لَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ. انْتَهَى.

قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ الصَّحِيحُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَحَد الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ، وَمِنْهَا: عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَذِنَ الْكَافِرُ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِهِ رَقِيقًا مُسْلِمًا. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، صَحَّ، وَكَانَ الْعَبْدُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، لَمْ يَصِحَّ، وَمِنْهَا: تَسَرِّي الْعَبْدِ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، جَازَ تَسَرِّيهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ: مُحَرَّمٌ، بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَالْأَصْحَابِ بَعْدَهُ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ تَسَرِّيهِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ.

وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْوَاضِحِ، وَرَجَّحَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَحَرَّرَهَا فِي فَوَائِدِهِ، وَتَأْتِي هَذِهِ الْفَائِدَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ، فِي قَوْلِهِ " وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ، فَهَلْ يُعْتَقُ؟ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ

ص: 8

يُعْتَقُ بِذَلِكَ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مَعَ قَوْلِهِ " إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ " وَقَوْلُ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ، وَمِنْهَا: إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ مَالٌ، فَهَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ أَمْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمَجْدُ، وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ بِمَالِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، لَمْ يَنْفَسِخْ، وَمِنْهَا: لَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، فَالْوَلَدُ مِلْكُ السَّيِّدِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، فَالْوَلَدُ مَمْلُوكُ الْعَبْدِ، لَكِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا أُعْتِقَ وَلَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ حِينَئِذٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.

وَمِنْهَا: هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْعَبْدِ دُونَ اسْتِرْجَاعِهِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، صَحَّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُ السَّيِّدِ رَقِيقَ عَبْدِهِ، قَالَ الْقَاضِي: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ عِتْقِهِ، قَالَ: وَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلِأَنَّ عِتْقَهُ يَتَضَمَّن الرُّجُوعَ فِي التَّمْلِيكِ، وَمِنْهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ. فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَقِيلَ: ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، فَأَمَّا إنْ قِيلَ: إنَّهُ يَمْلِكُ، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالْمُكَاتَبِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ [وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْوَقْفِ] .

وَمِنْهَا: وَصِيَّةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ: صَحَّ وَعَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْمَالِ، وَيَكْمُلُ عِتْقُهُ مِنْ بَقِيَّةِ

ص: 9

الْوَصِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي تَعْلِيلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِ قَوَاعِدِهِ، وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ، وَمِنْهَا: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مُقَدَّرٍ، فَفِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ، أَشْهَرُهُمَا: عَدَمُ الصِّحَّةِ. فَمِنْ الْأَصْحَابِ: مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هَلْ يَتَمَلَّكُ أَمْ لَا؟ وَهُمَا طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الصِّحَّةَ عَلَى أَنَّ لِلْوَصِيَّةِ لِقَدْرٍ [مِنْ] الْعَيْنِ، أَوْ لِقَدْرٍ مِنْ التَّرِكَةِ لَا بِعَيْنِهِ، فَيَعُودُ إلَى الْحَقِّ الْمُشَاعِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَمِنْهَا: لَوْ غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ مَلَّكَهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ لَمْ يُسْهَمْ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَالِكِهَا، فَيَرْضَخُ لَهَا، كَمَا يَرْضَخُ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا أَسْهَمَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لِسَيِّدِهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُسْهِمُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ. وَتَوَقَّفَ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا يُسْهِمُ لَهَا مُتَّحِدًا، وَمَوْضِعُ هَذِهِ الْفَوَائِدِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ.

تَنْبِيهٌ: هَلْ الْخِلَافُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ مُخْتَصٌّ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا؟ فَاخْتَارَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، فَلَا يَمْلِكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُقَيِّدُوا الرِّوَايَتَيْنِ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، بَلْ ذَكَرُوهُمَا مُطْلَقًا فِي مِلْكِ الْعَبْدِ إذَا مَلَكَ، قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ.

ص: 10

فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: اللُّقَطَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ، قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: تَنْبَنِي عَلَى رِوَايَتَيْ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، جَعْلًا لِتَمْلِيكِ الشَّارِعِ كَتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ، وَإِنْ لَمْ تُمْلَكْ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ، وَعِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ: لَا يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ، كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ بِمُضِيِّ الْحَوْلِ، وَمِنْهَا: حِيَازَةُ الْمُبَاحَاتِ: مِنْ احْتِطَابٍ، أَوْ احْتِشَاشٍ، أَوْ اصْطِيَادٍ، أَوْ مَعْدِنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هُوَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، كَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ لَكِنْ لَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَخَرَّجَ طَائِفَةٌ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ وَعَدَمِهِ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ.

وَقَاسَهُ عَلَى اللُّقَطَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمِنْهَا: لَوْ أَوْصَى لِلْعَبْدِ، أَوْ وَهَبَ لَهُ، وَقَبِلَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ بِدُونِهِ إذَا أَجَزْنَا لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ، وَيَأْتِي أَيْضًا هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ، وَمِنْهَا: لَوْ خَلَعَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ بِعِوَضٍ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْعَبْدَ هُنَا يَمْلِكُ الْبِضْعَ فَمَلَكَ عِوَضَهُ بِالْخُلْعِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ عِوَضَهُ، فَأَمَّا مَهْرُ الْأَمَةِ: فَهُوَ لِلسَّيِّدِ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ مِنْ قَوَاعِدِهِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا.

فَائِدَةٌ: تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

ص: 11

قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: مِلْكُ نِصَابٍ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَسِيرًا، كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ) ، فَالنِّصَابُ تَقْرِيبٌ فِي النَّقْدَيْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ [وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ] تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: قَالَهُ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ نَقَصَ النِّصَابُ مَا لَا يُضْبَطُ كَحَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي: قَالَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: لَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ، كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ وَعَنْهُ النِّصَابُ تَحْدِيدٌ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا، قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: هَذَا أَظْهَرُ وَأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَدْخُلُ فِي الْمَكَايِيلِ، كَالْأُوقِيَّةِ، وَنَحْوِهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَحَوَاشِيهِ وَالْكَافِي، وَالْمُقْنِعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ النَّقْصَ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ حَبَّتَيْنِ، وَعَنْهُ حَتَّى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفَ وَثُلُثَ مِثْقَالٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ فِي ثُلُثِ مِثْقَالٍ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الدَّانَقِ وَالدَّانَقَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَقِيلَ: الدَّانَقُ وَالدَّانَقَانِ لَا يَمْنَعُ فِي الْفِضَّةِ، وَيَمْنَعُ فِي الذَّهَبِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هَذَا أَوْجَهُ، وَقِيلَ: يَضُرُّ النَّقْصُ الْيَسِيرُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ وَسَطِهِ، دُونَ آخِرَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ الْيَسِيرُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ نَقْصُ ثَمَنٍ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَفِي [أُخْرَى فِي] الْفِضَّةِ ثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَفِي أُخْرَى فِي الذَّهَبِ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ الثُّلُثُ.

ص: 12

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ: أَنَّ نِصَابَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ تَحْدِيدٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ نِصَابُ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُؤَثِّرُ نَحْوُ رَطْلَيْنِ وَمُدَّيْنِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُؤَثِّرُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ: وَجَعَلَهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ.

الثَّانِيَةُ: لَا اعْتِبَارَ بِنَقْصٍ دَاخِلَ الْكَيْلِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا نَقَصَ مَا لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ ظَهَرَ فِيهَا: سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ {وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ، إلَّا فِي السَّاعَةِ} لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي وَقْصِ السَّائِمَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي وَقْصِهَا، اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ تَلِفَ بَعِيرٌ مِنْ تِسْعَةِ أَبْعِرَةٍ، أَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إنْ اعْتَبَرْنَا التَّمَكُّنَ: سَقَطَ تِسْعُ شِيَاهٍ، وَلَوْ تَلِفَ مِنْ التِّسْعِ سِتَّةٌ زَكَّى الْبَاقِيَ ثُلُثَ شَاةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً فَأَخَذَ مِنْهَا بَعِيرًا بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّاهُ بِتُسْعِ شَاةٍ.

ص: 13

وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا رَدِيئًا أَوْ صِغَارًا كَانَ الْوَاجِبُ وَسَطًا، وَيُخْرِجُ مِنْ الْأَعْلَى بِالْقِيمَةِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ مِنْ فَوَائِدِهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شَاةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ: ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا، وَفِي الثَّالِثَةِ: خُمُسُهَا، وَفِي الرَّابِعَةِ: يَتَعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِالْخِيَارِ، وَيَتَعَلَّقُ الرَّدِيءُ بِالْوَقْصِ لِأَنَّهُ أَحَطُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ أَيْضًا، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَوْ تَلِفَ عِشْرُونَ بَعِيرًا مِنْ أَرْبَعِينَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ: خَمْسَةُ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ الْوَقْصِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي وُجُوبِ الشَّاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّصَابِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَفَوَائِدُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالزَّائِدِ عَلَى نِصَابِ السَّرِقَةِ احْتِمَالَانِ يَعْنِي أَنَّ الْقَطْعَ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ بِالنِّصَابِ مِنْهُ فَقَطْ، فَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ، وَهِيَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.

قَوْلُهُ {فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ {وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا} أَمَّا السَّائِمَةُ الْمَوْقُوفَةُ: فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَالْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالنَّصُّ الْوُجُوبُ.

ص: 14

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا زَكَاةَ فِيهَا قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى رِوَايَةِ الْمِلْكِ فَقَطْ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عَيْنِهَا، لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْوَقْفِ، فَيَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهَا، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ السَّائِمَةُ أَوْ غَيْرُهَا وَقْفًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ، وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا، لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، وَنَصَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ: لَا عُشْرَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَصِيرُ إلَيْهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ.

فَائِدَةٌ: لَوْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ شَجَرًا عَلَى مُعَيَّنٍ: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا فِي الْغَلَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِجَوَازِ بَيْعِهَا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: تَجِبُ مَعَ غِنَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، دُونَ غَيْرِهِ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُهُ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ فَحَيْثُ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَإِنْ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابُ زَكَاةٍ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَأْثِيرِ الْخَلْطِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يُوقَفُ، فَاتَّجَرَ بِهِمَا الْوَصِيُّ: فَرِبْحُهُ مَعَ أَصْلِ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى بِهِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا، وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ النَّقْصَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: رِبْحُهُ إرْثٌ.

ص: 15

وَقَالَ فِي الْمُؤَجَّرِ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ إنْ رَبِحَ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَيَأْتِي مَا إذَا بَنَى فِي الْمُوصَى بِوَقْفِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ وَقْفِهِ: فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي فَوَائِدِ مَا إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَتَى يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ. وَمِنْهَا: الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ يُزَكِّيهِ مَنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عَلَى مِلْكِهِ، وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى بِنَفْعِ نِصَابِ سَائِمَةٍ: زَكَّاهَا مَالِكُ الْأَصْلِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ لَا زَكَاةَ إنْ وَصَّى بِهَا أَبَدًا، فَيُعَايَى بِهَا، وَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ: فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَجْهَيْنِ [وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ] وَقَالَ: إنَّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا تَخْلُو، إمَّا أَنْ نَقُولَ: لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ أَوْ يَمْلِكُهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَتَّى تُقْسَمَ، وَإِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَيْضًا، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِلَافِ وَالْمُجَرَّدِ، وَذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَيَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهَا بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ: يُعْتَبَرُ بُلُوغُ حِصَّتِهِ نِصَابًا، فَإِنْ كَانَتْ دُونَهُ انْبَنَى عَلَى الْخُلْطَةِ فِيهِ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِلَا إذْنٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

ص: 16

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَمَّا حَقُّ رَبِّ الْمَالِ: فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ تَزْكِيَتُهُ بِدُونِ إذْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْآجُرِّيِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَصِيرَ الْمُضَارِبُ شَرِيكًا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْخُلَطَاءِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِدُخُولِهِمَا عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ حُكْمِهِ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْمَالِ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ.

فَائِدَةٌ: يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاةُ رَأْسِ مَالِهِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَيَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِالظُّهُورِ، نَصَّ عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ: فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ، وَقِيلَ: قَبْضِهَا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُهَا قَبْلَهُ لِتَزَلْزُلِهَا. انْتَهَى. وَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إذَا قُلْنَا " لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ " فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاتُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ عَنْ الْقَاضِي: يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاتُهُ، إذَا قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ الْعَامِلُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ، وَحَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَجْهًا، وَصَحَّحَهُ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَدَّاهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ: فَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ، وَإِنْ أَدَّاهَا مِنْهُ: حُسِبَ مِنْ الْمَالِ وَالرِّبْحِ، عَلَى الصَّحِيحِ [مِنْ الْمَذْهَبِ] قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا، فَيَنْقُصُ رُبْعُ عُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: يُحْسَبُ مِنْ الرِّبْحِ فَقَطْ، وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ، وَجَزَمَا بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي، وَقَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَدَيْنِهِ، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ: فَمِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ، فَمِنْ الرِّبْحِ فَقَطْ.

ص: 17

قَوْلُهُ {وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ زَكَّاهُ إذَا قَبَضَهُ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَا يُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ، وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ، أَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " عَلَى مَلِيءٍ " مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا.

فَائِدَةٌ: الْحَوَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ كَالْقَبْضِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ جُعِلَا وَفَاءً فَكَالْقَبْضِ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ {زَكَّاهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى} يَعْنِي مِنْ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قَصْد بِبَقَائِهِ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا مَضَى.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُجْزِيهِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِزَكَاةِ سِنِينَ، وَلَوْ وَقَعَ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِقِيَامِ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَدَاءُ رُخْصَةً. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ مِائَةً نَقْدًا، وَمِائَةً مُؤَجَّلَةً: زَكَّى النَّقْدَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ، وَزَكَّى الْمُؤَجَّلَ إذَا قَبَضَهُ. الثَّالِثَةُ: حَوْلُ الصَّدَاقِ: مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، مُسْتَقِرًّا كَانَ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ كَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ وَالْأُجْرَةِ، وَعَنْهُ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ.

ص: 18

وَعَنْهُ لَا زَكَاةَ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى يُقْبَضَ، فَيَثْبُتُ الِانْعِقَادُ وَالْوُجُوبُ قَبْلَ الْحَوْلِ، قَالَ الْمَجْدُ: بِالْإِجْمَاعِ، مَعَ احْتِمَالِ الِانْفِسَاخِ، وَعَنْهُ تَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا فِي اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي كُلِّ دَيْنٍ، إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ، أَوْ مَالٌ زَكَوِيٌّ عِنْدَ الْكُلِّ، كَمُوصًى بِهِ، وَمَوْرُوثٍ، وَثَمَنِ مَسْكَنٍ، وَعَنْهُ لَا حَوْلَ لِأُجْرَةٍ، فَيُزَكِّيهِ فِي الْحَالِ كَالْمَعْدِنِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأُجْرَةِ الْعَقَارِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى كَوْنِهَا غَلَّةَ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا لَا حَوْلَ لِمُسْتَفَادٍ، وَذَكَرَهَا أَبُو الْمَعَالِي فِيمَنْ بَاعَ سَمَكًا صَادَهُ بِنِصَابِ زَكَاةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَلَا زَكَاةَ لِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ فِيهَا، فَإِنْ عُيِّنَتْ زُكِّيَتْ كَغَيْرِهَا، وَكَذَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ مَالًا زَكَوِيًّا؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ فِي الذِّمَّةِ فِيهَا أَصْلٌ أَوْ أَحَدُهَا.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ " الْقَرْضَ، وَدَيْنَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، أَوْ زَالَ، أَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، بِتَلَفِ مَطْعُومٍ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَيُزَكَّى الْمَبِيعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكِهِ، وَلَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ. وَيُزَكَّى أَيْضًا دَيْنُ السَّلَمِ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا. وَيُزَكَّى أَيْضًا ثَمَنُ الْمَبِيعِ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمْ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِلْكٍ تَامٍّ مَقْبُوضٍ، وَعَنْهُ أَوْ مُمَيَّزٍ لَمْ يُقْبَضْ ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَفِيمَا صَحَّ تَصَرُّفُ رَبِّهِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ، وَفِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَرَأْسِ مَالِ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمَا،

ص: 19

وَدَيْنُ السَّلَمِ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا، وَفِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْل الْقَبْضِ رِوَايَتَانِ. وَلِلْبَائِعِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ فِيهِ خِيَارٌ مِنْهُ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهِ، وَفِي قِيمَتِهِ رِوَايَتَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَفِي أَيِّهِمَا تُقْبَلُ.

قَوْلُهُ {وَفِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ وَجْهَانِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ قُلْت: الصَّوَابُ قَوْلُ الْمُخْرَجِ، فَأَمَّا مَبِيعٌ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَلَا مُتَمَيِّزٍ فَيُزَكِّيهِ الْبَائِعُ.

الْخَامِسَةُ: كُلُّ دَيْنٍ سَقَطَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَمْ يَتَعَوَّضْ عَنْهُ: تَسْقُطُ زَكَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: هَلْ يُزَكِّيهِ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ رَبُّهُ زَكَاةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: يُزَكِّيهِ الْمُبَرَّأُ مِنْ الدَّيْنِ، لِأَنَّهُ مُلِكَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ عِوَضًا، أَوْ أَحَالَ أَوْ احْتَالَ زَادَ بَعْضُهُمْ، وَقُلْنَا: الْحَوَالَةُ وَفَاءٌ زَكَّاهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَعَيْنٍ وَهَبَهَا، وَعَنْهُ زَكَاةُ التَّعْوِيضِ عَلَى الدَّيْنِ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْإِبْرَاءِ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا الْمَدِينَ.

السَّادِسَةُ: الصَّدَاقُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَالدَّيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: سُقُوطُهُ كُلُّهُ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ مِنْ جِهَتِهَا كَإِسْقَاطِهَا، وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ تَامٍّ، وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، هَذَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ، أَمَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَإِنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ، نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى

ص: 20

وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا كُلَّهُ، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقٍ: رَجَعَ فِيمَا بَقِيَ بِكُلِّ حَقِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا فَقِيمَةُ حَقِّهِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ، وَنِصْفِ بَدَلِ مَا أَخْرَجَتْ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَصْدَقَهَا يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ مِثْلَهُ، وَلَا تُجْزِيهَا زَكَاتُهَا مِنْهُ بَعْدَ طَلَاقِهِ، لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَقِيلَ: بَلَى عَنْ حَقِّهَا، وَتَغْرَمُ لَهُ نِصْفَ مَا أَخْرَجَتْ، وَمَتَى لَمْ تُزَكِّهِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ كَامِلًا، وَتُزَكِّيهِ هِيَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ وَقِيلَ: أَوْ بِالذِّمَّةِ.

[فَائِدَةٌ: لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا: لَمْ تَسْقُطْ عَنْهَا الزَّكَاةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي الْكَافِي احْتِمَالٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا] .

قَوْلُهُ {وَفِي الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ، وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْمَجْحُودِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالضَّائِعِ: رِوَايَتَانِ} ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى مُمَاطِلٍ، أَوْ كَانَ الْمَالُ مَسْرُوقًا، أَوْ مَوْرُوثًا، أَوْ غَيْرَهُ جَهِلَهُ أَوْ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هُوَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَالْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا: كَالدِّينِ عَلَى الْمَلِيءِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا قَبَضَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَنَصَرَهَا أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ: اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ

ص: 21

وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمُؤَجَّلِ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَالْإِبْرَاءِ. وَشَمِلَهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ، صَحَّحَهَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ فِي غَيْرِ الْمُؤَجَّلِ [وَرَجَّحَهَا بَعْضُهُمْ] وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ.

وَقِيلَ: تَجِبُ فِي الْمَدْفُونِ فِي دَارِهِ، وَفِي الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ وَالْمُمَاطِلِ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِوُجُوبِهَا فِي وَدِيعَةٍ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هِيَ، وَعَلَيْهِ: مَا لَا يُؤْمَلُ رُجُوعُهُ: كَالْمَسْرُوقِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالْمَجْحُودِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَمَا يُؤْمَلُ رُجُوعُهُ كَالدَّيْنِ، عَلَى الْمُفْلِسِ: أَوْ الْغَائِبُ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذِهِ أَقْرَبُ، وَعَنْهُ إنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْحُودِ، ذَكَرَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُزَكِّي ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمُوا بِهِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْمُبْهِجِ: إذَا قُلْنَا تَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَقَبَضَهُ، فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " الْمَجْحُودُ " يَعْنِي سَوَاءً كَانَ مَجْحُودًا بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا أَوْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِالْمَجْحُودِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: ظَاهِرًا.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ كَانَ بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ، وَقُلْنَا: لَا تَجِبُ فِي الْمَجْحُودِ، فَفِيهِ هُنَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي] .

ص: 22

أَحَدُهُمَا: تَجِبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ [وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ] . الثَّانِي: لَا تَجِبُ. وَمِنْهَا: لَوْ وَجَبَتْ فِي نِصَابٍ بَعْضُهُ دَيْنٌ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ غَصْبٌ أَوْ ضَالٌّ وَنَحْوُهُ، فَفِي وُجُوبِ إخْرَاجِ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَالضَّالِّ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَلَوْ كَانَتْ إبِلًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ، مِنْهَا خَمْسٌ مَغْصُوبَةٌ أَرْضًا أَخْرَجَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بِنْتَ مَخَاضٍ.

وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ، وَمِنْهَا: لَوْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ، أَخْرَجَ زَكَاتَهُ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: يُخْرِجُ زَكَاتَهُ بِالْحِسَابِ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ.

وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ نِصَابًا، أَوْ يَصِيرُ مَا بِيَدِهِ مَا يُتَمِّمُ بِهِ نِصَابًا، وَمِنْهَا: يَرْجِعُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالزَّكَاةِ لِنَقْصِهِ بِيَدِهِ كَتَلَفِهِ، وَمِنْهَا: لَوْ غُصِبَ رَبُّ الْمَالِ بِأَسْرٍ أَوْ حَبْسٍ، وَمُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ: لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ.

قَوْلُهُ {وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَاللُّقَطَةُ إذَا جَاءَ رَبُّهَا زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا} اللُّقَطَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا رَبُّهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَالِ الضَّائِعِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا

ص: 23

وَمَذْهَبًا، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهَا إذَا وَجَدَهَا رَبُّهَا لِحَوْلِ التَّعْرِيفِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ " الْخِرَقِيُّ " تَأْكِيدًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَوَائِدَ إذَا مَلَكَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ، بَعْدَ الْحَوْلِ، اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا وَزَكَّاهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مَدِينٌ بِهَا. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي: لَا زَكَاةَ فِيهَا، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا، أَوْ قِيمَتِهَا، فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ. انْتَهَى.

وَلِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَكِنْ نَظَرًا إلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهَا. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَوْ مَلَكَ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ قَدْرَ عِوَضِهَا: زَكَّى عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: لَا؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ لَهَا، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَإِذَا مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطُ وَزَكَّاهَا فَلَا زَكَاةَ إذَنْ عَلَى رَبِّهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ بَلَى، وَهَلْ يُزَكِّيهَا رَبُّهَا حَوْلَ التَّعْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ، إذْ لَمَّا يَمْلِكُهَا الْمُلْتَقِطُ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الْمَالِ الضَّالِّ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ اللُّقَطَةَ وَقُلْنَا: لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ حَتَّى يَخْتَارَ بِهَا الضَّمَانَ فَتَثْبُتُ حِينَئِذٍ فِي ذِمَّتِهِ كَدَيْنٍ تَجَدَّدَ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ زَكَاتَهَا عَلَيْهِ مِنْهَا ثُمَّ أَخَذَهَا رَبُّهَا، رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، إنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ رَبَّهَا زَكَاتُهَا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ إذَنْ.

قَوْلُهُ {وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ} هَذَا الْمَذْهَبُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْحَالُّ خَاصَّةً، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 24

قَوْلُهُ (إلَّا فِي الْحُبُوبِ وَالْمَوَاشِي) ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْنَعُ أَيْضًا، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، قُلْت: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ كَانَ ثَمَنُهُ، وَلَا يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِمُؤْنَةِ نَفْسِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْمَنْعِ: مَا لَزِمَهُ مِنْ مُؤْنَةِ الزَّرْعِ مِنْ أُجْرَةِ حَصَادٍ، وَكِرَاءِ أَرْضٍ وَنَحْوِهِ يَمْنَعُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ: رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَحَكَى أَبُو الْبَرَكَاتِ رِوَايَةً: أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ فِي الظَّاهِرِ مُطْلَقًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ أَجِدْ بِهَا نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَمْنَعُ خَلَا الْمَاشِيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: فِي الْأَمْوَالِ: ظَاهِرَةً، وَبَاطِنَةً، فَالظَّاهِرَةُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْمَوَاشِي، وَكَذَا الثِّمَارُ، وَالْبَاطِنَةُ: كَالْأَثْمَانِ، وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ: هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَقَطْ. انْتَهَى. وَهَلْ الْمَعْدِنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ الْبَاطِنَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

ص: 25

الثَّانِي: هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنِيَّةِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأَثْمَانِ، وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ: السَّائِمَةُ وَالْحُبُوبُ، وَالثِّمَارُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ وَالْمَنْعُ فِي الْمَعْدِنِ، وَقِيلَ: لَا.

الثَّانِيَةُ: لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ خُمُسَ الزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَعَلَّقَ بِعَبْدِ تِجَارَةٍ أَرْشُ جِنَايَةٍ: مَنَعَ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ وَجَبَ جَبْرًا لَا مُوَاسَاةً، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ كَالدَّيْنِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي حَوَاشِيهِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ قُنْيَةٍ يُبَاعُ لَوْ أَفْلَسَ بَقِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَزَكَّى مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، اعْتِبَارًا بِمَا فِيهِ الْحَظَّ لِلْمَسَاكِينِ، وَعَنْهُ يُفْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا مَعَهُ وَلَا يُزَكِّيهِ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفَائِقِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ: مَا إذَا كَانَ بِيَدِهِ أَلْفٌ، وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى مَلِيءٍ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا مَعَهُ عَلَى الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا جَعَلَ الدَّيْنَ مُقَابِلًا لِمَا فِي يَدِهِ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا: أَوْ قِيلَ مُقَابِلًا لِلدَّيْنِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ تِجَارَةٍ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَمَعَهُ عَيْنٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَرَضِ، وَيُزَكِّي مَا مَعَهُ مِنْ الْعَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي الْحَارِثِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ.

ص: 26

وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِيمَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ جِنْسَ الَّذِي جُعِلَ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً، وَتَابَعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْأَحَظُّ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا، فَمَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ، قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ جَعَلَ الدَّنَانِيرَ قُبَالَةَ دَيْنِهِ، وَزَكَّى مَا مَعَهُ، وَمَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَعَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَدَيْنُهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا: جَعَلَ قُبَالَةَ دَيْنِهِ الْغَنَمَ وَزَكَّى شَاتَيْنِ. السَّادِسَةُ: دَيْنُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهِ فِي مَالِهِ، دُونَ الضَّامِنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي.

السَّابِعَةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الَّذِي حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ تَشْبِيهًا لِلْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بِالْمَنْعِ الْحِسِّيِّ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا بَعِيدٌ، بَلْ إلْحَاقُهُ بِمَالِ الدُّيُونِ أَقْرَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَالُ سَائِمَةً زَكَّاهَا، لِحُصُولِ النَّمَاءِ وَالنِّتَاجِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ قَضَى الْحَاكِمُ دُيُونَهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، فَهُوَ الَّذِي مَلَكَ نِصَابًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، قَالَ: وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ غَرِيمٍ بَعْضَ أَعْيَانِ مَالِهِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ، لِضَعْفِهِ بِتَسْلِيطِ الْحَاكِمِ لِغَرِيمِهِ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ. انْتَهَى. وَإِنْ حَجَر عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِهَا، لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهَا مِنْ الْمَالِ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْأَوْلَى: أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ كَالرَّاهِنِ، وَهُمَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهَا، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالزَّكَاةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، ذَكَرَهُ

ص: 27

الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يُقْبَلُ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ الْغَرِيمُ، وَيَأْتِي زَكَاةُ الْمَرْهُونِ فِي فَوَائِدِ الْخِلَافِ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ.

قَوْلُهُ {وَالْكَفَّارَةُ كَالدَّيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ} وَحَكَاهُمَا أَكْثَرُهُمْ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُحَرَّرِ: إذَا لَمْ يَمْنَعْ دَيْنُ الْآدَمِيِّ الزَّكَاةَ، فَدَيْنُ اللَّهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَدَيْنِ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ: لَا يَمْنَعُ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَإِنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، فَهَلْ يَمْنَعُ دَيْنَ اللَّهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ. أَحَدُهُمَا: هُوَ كَالدَّيْنِ [الَّذِي] لِلْآدَمِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِلَافِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْخَرَاجِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي فِي الْكَفَّارَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ، وَدَيْنُ الْحَجِّ وَنَحْوُهُ كَالْكَفَّارَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالْخَرَاجُ مِنْ دَيْنِ اللَّهِ، وَتَابَعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا، فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي إلْحَاقِهِ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فَقَدَّمَ الْخَرَاجَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْخَرَاجُ مُلْحَقٌ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ. وَالثَّانِي: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ زَكَاةً، هَلْ يَمْنَعُ؟ عِنْدَ قَوَاعِدِ الْخِلَافِ [فِي الزَّكَاةِ هَلْ تَجِبُ] فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ؟ . الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا، أَوْ هُوَ صَدَقَةٌ، فَحَال الْحَوْلُ: فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ

ص: 28

فِي قَوْلِهِ " إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْت مِنْ هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ " فَشَفَى، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ، وَقِيلَ: أَوْ قَالَ: جَعَلْته ضَحَايَا، فَلَا زَكَاةَ، وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهَا إذَا تَمَّ حَوْلُهُ قَبْلَهَا. انْتَهَى.

وَلَوْ قَالَ " عَلَيَّ لِلَّهِ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا النِّصَابِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ " وَجَبَتْ الزَّكَاةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ [وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ] فَعَلَى الْأَوَّلِ: تُجْزِئُهُ الزَّكَاةُ [مِنْهُ] عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَيَبْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إنْ نَوَاهُمَا مَعًا، لِكَوْنِ الزَّكَاةِ صَدَقَةً، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ هَلْ يُخْرِجُهُمَا، أَوْ يُدْخِلُ النَّذْرَ فِي الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا؟ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَوَجَبَ إخْرَاجُهُمَا مَعًا، وَقِيلَ: يُدْخِلُ النَّذْرَ فِي الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا مَعًا. انْتَهَى.

قَوْلُهُ {الْخَامِسُ مُضِيُّ الْحَوْلِ: شَرْطٌ، إلَّا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ} فَيُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْحَوْلِ فِي الْأَثْمَانِ وَالْمَاشِيَةِ. وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: اشْتِرَاطُ مُضِيِّ الْحَوْلِ كَامِلًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي، لَكِنْ ذَكَرَهُ إذَا كَانَ النَّقْصُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْفَى عَنْ سَاعَتَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، قُلْت: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ أَقَلُّ مِنْ مُعْظَمِ الْيَوْمِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ: وَلَا يُؤَثِّرُ نَقْصٌ دُونَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ نِصْفِ يَوْمٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُعْفَى عَنْ يَوْمٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: الْخَمْسَةُ وَالسَّبْعَةُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

ص: 29

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُعْفَى عَنْ أَيَّامٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِمَّا أَنَّ مُرَادَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِقِلَّتِهَا، وَاعْتِبَارِهَا فِي مَوَاضِعَ، أَوْ مَا لَمْ يُعَدَّ كَثِيرًا عُرْفًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ طَرَفَا الْحَوْلِ خَاصَّةً فِي الْعُرُوضِ خَاصَّةً.

قَوْلُهُ {فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ} ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ لَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي الْأُجْرَةِ: أَنَّهَا تَتْبَعُ الْمَالَ الَّذِي مِنْ جِنْسِهَا.

فَائِدَةٌ: يُضَمُّ الْمُسْتَفَادُ إلَى نِصَابٍ بِيَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ فِي حُكْمِهِ، وَيُزَكَّى كُلُّ مَالٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي الْمُسْتَفَادِ أَيْضًا. قَوْلُهُ {إلَّا نِتَاجَ السَّائِمَةِ وَرِبْحَ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا إنْ كَانَ نِصَابًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ حَوْلُهُ مِنْ حِينَ مَلَكَ الْأُمَّاتِ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَقِيلَ: حَوْلُ النِّتَاجِ مُنْذُ كَمَّلَ أُمَّهَاتُهُ نِصَابًا، وَحَوْلُ أُمَّهَاتِهِ مُنْذُ مَلَكَهُنَّ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا وَاحْتِمَالًا فِي رِبْحِ التِّجَارَةِ: أَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ أَصْلِهِ. قُلْت: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ عَنْهُ: إذَا كَمُلَ النِّصَابُ بِالرِّبْحِ، فَحَوْلُهُ مِنْ حِينَ مَلَكَ الْأَصْلَ كَالْمَاشِيَةِ فِي رِوَايَةٍ، فَعَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَوْ أَبْدَلَ بَعْضَ نِصَابٍ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ، كَعِشْرِينَ شَاةً بِأَرْبَعِينَ: اُحْتُمِلَ أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى حَوْلِ الْأُولَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَوْلَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَرِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: الصَّوَابُ الثَّانِي مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ.

ص: 30

قَوْلُهُ {وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا صِغَارًا: انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ حِينَ مَلَكَهُ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ، حَتَّى يَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ فِي الْوَاجِبِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحِقَاقِ، وَفِي بَنَاتِ الْمَخَاضِ [وَاللَّبُونِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِ السِّخَالِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا زَكَاةَ فِي بَنَاتِ الْمَخَاضِ] حَتَّى يَكُونَ فِيهَا كَبِيرَةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَغَذَّتْ بِاللَّبَنِ فَقَطْ لَمْ تَجِبْ لِعَدَمِ السَّوْمِ الْمُعْتَبَرِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: تَجِبُ لِوُجُوبِهَا فِيهِ تَبَعًا لِلْأُمَّاتِ. كَمَا تَتْبَعُهَا فِي الْحَوْلِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَبْقَ وَاحِدَةً مِنْ الْأُمَّاتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ، مَا لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ مِنْ الْأُمَّاتِ. قَوْلُهُ {وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ} انْقَطَعَ الْحَوْلُ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ: بِأَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَانَ كَامِلًا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ.

قَوْلُهُ {أَوْ بَاعَهُ، أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ: انْقَطَعَ الْحَوْلُ} هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَبْدَلَهُ لَا بِمِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ: انْقَطَعَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً بِالْبِنَاءِ فِي الْإِبْدَالِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِإِبْدَالِ نِصَابِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ عَدَمِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ:

ص: 31

إبْدَالُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخِرِ يَنْبَنِي عَلَى الضَّمِّ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَةٍ وَصَحَّحَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ. وَطَرِيقَةُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمَجْدُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالضَّمِّ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا " لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ " فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ عِنْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلُهُ.

الثَّانِيَةُ: لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فِي أَمْوَالِ الصَّيَارِفَةِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِهَا فِيمَا يَنْمُو، أَوْ وُجُوبُهَا فِي غَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأُصُولُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ، وَهَذَا أَيْضًا يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ {إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ} ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا قُصِدَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ نَحْوِهِ الْفِرَارُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ، عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالتَّحَيُّلِ. وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا فِي بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، قُلْت: وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ وَأُصُولُهُ تَأْبَى ذَلِكَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: عَدَمَ السُّقُوطِ إذَا فَعَلَهُ فَارًّا قِبَلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: بِيَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ، وَقِيلَ: بِشَهْرَيْنِ، حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا لَمْ تَسْقُطْ.

وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، قَالَ: وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَلِهَذَا

ص: 32

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِهَا فِيمَنْ بَاعَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِنِصْفِ عَامٍ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالصَّحِيحُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الْحَوْلِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ: لَا أَوَّلَ الْحَوْلِ، لِنُدْرَتِهِ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَيْضًا: فِي أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ لَمْ يُوجَدْ لِرَبِّ الْمَالِ الْغَرَضُ، وَهُوَ التَّرَفُّهُ بِأَكْثَرِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ، وَحُصُولُ النَّمَاءِ فِيهِ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُزَكَّى مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ الْحَوْلِ فَقَطْ. إذَا قَصَدَ الْفِرَارَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ أَبْدَلَهُ بِعَقَارٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَتْ زَكَاةُ كُلِّ حَوْلٍ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ مَلَكَ نِصَابَ غَنَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَهَا، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إذَا فَرَّ بِهَا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى ثَمَنَهَا إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ.

الثَّانِيَةُ: لَهُ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَا فَعَلَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ، قُبِلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ إنْ عُرِفَ بِقَرَائِنَ أَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِلَّا قُبِلَ. قَوْلُهُ {وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ} ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْقَطِعَ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ، كَالْجِنْسَيْنِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي

ص: 33

وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ الْبِنَاءُ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ تُبَاعُ بِنَقْدٍ أَوْ تُشْتَرَى بِهِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي، وَحَكَى الْخِلَافَ.

تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ عَبَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَيْعِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْإِبْدَالِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي بِالْإِبْدَالِ، ثُمَّ قَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ، فَيَبِيعُهَا بِضَعْفِهَا مِنْ الْغَنَمِ، هَلْ يُزَكِّيهَا أَمْ يُزَكِّي الْأَصْلَ؟ فَقَالَ: بَلْ يُعْطِي زَكَاتَهَا؛ لِأَنَّ نَمَاءَهَا مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْمُبَادَلَةُ، هَلْ هِيَ بَيْعٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّهُ بِجَوَازِ إبْدَالِ الْمُصْحَفِ، لَا بَيْعِهِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ: الْمُعَاطَاةُ بَيْعٌ، وَالْمُبَادَلَةُ مُعَاطَاةٌ، وَأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ.

قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ انْقَطَعَ الْحَوْلُ، كَلَفْظِ الْمَبِيعِ، لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ نَعَمْ الْمُبَادَلَةُ تَدُلُّ عَلَى وَضْعِ شَيْءٍ مُمَاثِلٍ لَهُ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ، فَكُلُّ بَيْعٍ مُبَادَلَةٌ وَلَا عَكْسَ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُبَادَلَةِ: هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَقَالَ: هِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَيَأْتِي هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبَيْعِ عِنْدَ حُكْمِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ زَادَ بِالِاسْتِبْدَالِ، تَبِعَ الْأُصُولَ فِي الْحَوْلِ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ كَنِتَاجٍ، فَلَوْ أَبْدَلَ مِائَةَ شَاةٍ بِمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ إذَا حَالَ حَوْلُ الْمِائَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَسْتَأْنِفُ لِلزَّائِدِ حَوْلًا، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَنَى، أَوْمَأَ إلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ وَفَرَّقَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: لَا يَبْنِي فِي الْأَصَحِّ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ: اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا أَبْدَلَ نِصَابًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ. يَنْبَنِي عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُبَادَلَةُ بَيْعًا وَفِي نُسْخَةٍ إذَا لَمْ نَقُلْ الْمُبَادَلَةُ بَيْعٌ وَلَوْ أَبْدَلَ نِصَابَ سَائِمَةٍ بِمِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ، بَعْدَ أَنْ

ص: 34

وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ فَرَدَّ عَلَيْهِ. فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ النِّصَابِ فَلَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ، قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُخْرِجِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ {وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ الْجُمْهُورُ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ حَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هِيَ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَقَالَ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَنِهَايَتُهُ وَنَظْمُهَا، وَاخْتَارَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا، وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.

ص: 35

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ إشْعَارٌ بِتَزَيُّلِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، وَهُمَا يَسَارُ الْمَالِكِ وَإِعْسَارُهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ فِي عَيْنِ الْمَالِ، قَالَ: وَهُوَ غَرِيبٌ.

تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ أَعْنِي أَنَّهَا: هَلْ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ؟

فَوَائِدُ جَمَّةٌ: مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَهُوَ مَا إذَا مَضَى حَوْلَانِ عَلَى النِّصَابِ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُمَا. فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، إنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، وَزَكَاتَانِ إنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ. هَكَذَا أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاتَيْنِ، إذَا قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا، فَأَطْلَقُوا، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ هُنَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْقِطُ نَفْسَهُ وَقَدْ يُسْقِطُ غَيْرَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا: إنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ زَكَّى لِكُلِّ حَوْلٍ، إلَّا إذَا قُلْنَا دَيْنُ اللَّهِ يَمْنَعُ، فَيُزَكِّي عَنْ حَوْلٍ وَاحِدٍ، وَلَا زَكَاةَ لِلْحَوْلِ الثَّانِي لِأَجْلِ الدَّيْنِ، لَا لِلتَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: مَتَى قُلْنَا يَمْنَعُ الدَّيْنَ، فَلَا زَكَاةَ لِلْعَامِ الثَّانِي، تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ، وَقَالَ: حَيْثُ لَمْ يُوجِبْ أَحْمَدُ زَكَاةَ الْعَامِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الْأَوَّلِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَجَعَلَ مِنْ فَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ: إخْرَاجَ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ مِنْ الرَّهْنِ بِلَا إذْنٍ إنْ عَتَقَتْ بِالْعَيْنِ.

وَاخْتَارَ سُقُوطَهَا بِالتَّلَفِ وَتَقْدِيمَهَا عَلَى الدَّيْنِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ، وَيَأْتِي أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَحْمَدَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ.

ص: 36

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذِهِ الْفَائِدَةِ: فِي غَيْرِ مَا زَكَاتُهُ الْغَنَمُ مِنْ الْإِبِلِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَأَمَّا مَا زَكَاتُهُ الْغَنَمُ مِنْ الْإِبِلِ: فَإِنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةً، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَ الْجِنْسِ، بَلْ الْإِبِلُ الْمُزَكَّاةُ بِالْغَنَمِ فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ تَتَكَرَّرُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالشِّيَاهُ عَنْ الْإِبِلِ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَتَتَعَدَّدُ وَتَتَكَرَّرُ. قُلْت: هَذَا إنْ قُلْنَا لَا تَسْقُطُ بِدَيْنِ اللَّهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، فِي الْمُبْهِجِ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي، وَالدَّيْنِ بِالرَّهْنِ، فَلَا فَرْقَ إذَنْ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ سِوَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَفِي امْتِنَاعِ زَكَاةِ الْحَوْلِ الثَّانِي لِكَوْنِهَا دَيْنًا الْخِلَافُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَلْزَمُهُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. الْأَوَّلُ: حَوْلُ بِنْتِ مَخَاضٍ، ثُمَّ ثَمَانِ شِيَاهٍ؛ لِكُلِّ حَوْلٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَعَلَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِأَوَّلِ حَوْلٍ، ثُمَّ لِلثَّانِي، ثُمَّ إنْ نَقَصَ النِّصَابُ بِذَلِكَ عَنْ عِشْرِينَ بَعِيرًا إذَا قَوَّمْنَاهُ، فَلِلثَّالِثِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَالْأَرْبَعُ.

فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: مَتَى أَفْنَتْ الزَّكَاةُ الْمَالَ: سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ مِنْهَا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الدَّيْنِ بَعْدَ

ص: 37

اسْتِغْرَاقِهِ بِالزَّكَاةِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، فَتَتَعَلَّقُ زَكَاتُهُ بِالذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فِي امْتِنَاعِ الزَّكَاةِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ.

الثَّانِيَةُ: تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ انْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي ابْتِدَاءً، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَنَقَلَ الْمَجْدُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ. وَأَوْرَدَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي ابْتِدَاءً، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ، وَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْخُلْطَةِ إذَا بَاعَ بَعْضَ النِّصَابِ. الثَّالِثَةُ: إذَا قُلْنَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ، فَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يَتَعَلَّقُ بِهِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ بِرَقَبَتِهِ، فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعِ غَيْرِهِ، بِلَا إذْنِ السَّاعِي، كُلُّ النَّمَاءِ لَهُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَةُ الزَّكَاةِ دُونَ جِنْسِهِ، حَيَوَانًا كَانَ النِّصَابُ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَنْوِهَا، لَمْ يُجْزِهِ، وَإِذَا كَانَ كُلُّهُ مِلْكًا لِرَبِّهِ لَمْ يَنْقُصْ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ، بَلْ يَكُونُ دَيْنًا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، أَوْ لَا يَمْنَعُ لِعَدَمِ رُجْحَانِهَا عَلَى زَكَاةِ غَيْرِهَا، بِخِلَافِ دَيْنِ الْآدَمِيِّ.

وَقِيلَ: بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ، وَبِمَالِ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلْسِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ وَفَائِهِ أَوْ إذْنِ رَبِّهِ، وَقِيلَ: بَلْ كَتَعَلُّقِهِ بِالتَّرِكَةِ، قَالَ: وَهُوَ أَقْيَسُ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ، هَلْ هُوَ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أَوْ ارْتِهَانٍ، أَوْ تَعَلُّقُ اسْتِيفَاءٍ

ص: 38

كَالْجِنَايَةِ؟ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا، وَيَحْصُلُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ الْمُذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالثَّانِي: تَعَلُّقُ اسْتِيفَاءٍ. وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْقَاضِي ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَلُّقُ رَهْنٍ، وَيَنْكَشِفُ هَذَا النِّزَاعُ بِتَحْرِيرِ مَسَائِلَ، مِنْهَا: أَنَّ الْحَقَّ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ النِّصَابِ، أَوْ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ فِيهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؟ وَنَقَلَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الثَّانِي، وَمِنْهَا: أَنَّهُ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالْمَالِ، هَلْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَتْلَفَ الْمَالُ، أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَالِكُ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ إذَا قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ اسْتِيفَاءٍ مَحْضٍ كَتَعَلُّقِ الدُّيُونِ بِالتَّرِكَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَمِنْهَا: مَنْعُ التَّصَرُّفِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَمْنَعُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ {وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ، وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ، فَيُعْتَبَرُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ النِّصَابَ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمَالِكِ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ: وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ فِي غَيْرِ الْمَالِ الظَّاهِرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ

ص: 39

رِوَايَةً: لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِ النِّصَابِ غَيْرُ الْمَاشِيَةِ، وَقَالَ الْمَجْدُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَسْقُطُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالْمَالِ، وَالْعَمَلِ عَلَى مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ: أَنَّهَا كَالْمَالِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ إذَا تَلِفَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَبَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْمَالِ الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْمَوَاشِي.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: زَكَاةُ الزُّرُوعِ إذَا تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ، كَأَنَّهَا تَسْقُطُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ " قَالَ الْقَوَاعِدُ: اتِّفَاقًا، قَالَ: وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ [وَجْهًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهَا أَيْضًا، قَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، قُلْت: قَدْ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ] فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ رِوَايَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ قَالَ: قِيَاسُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَ الْوُجُوبِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ، وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ: أَنَّهُ كَنَقْصِ نِصَابٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ ضَمِنَهَا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَضْمَنُهَا، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، بِالضَّمَانِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ ضَمِنَهَا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَضْمَنُهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ، وَصَاحِبُ

ص: 40

الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُهَا، لَكِنْ خَافَ رُجُوعَ السَّاعِي، فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهَا، فَلَوْ نَتَجَتْ السَّائِمَةُ لَمْ تُضَمَّ فِي حُكْمِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتُضَمُّ عَلَى الثَّانِيَةِ.

تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَقِيلَ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ، فَإِنْ قِيلَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالسَّامِرِيِّ، وَقِيلَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَيْهِ أَيْضًا، فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِ الْخِلَافِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ: هَلْ هِيَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ؟ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمِنْ الْفَوَائِدِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ {وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَنْ نِصَابٍ. فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ، إنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، نَقَصَ مِنْ زَكَاتِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ مِنْهَا} .

قَوْلُهُ {وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ} هَذَا الْمَذْهَبُ. أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَزَكَاةٌ وَكَفَّارَةٌ: مِنْ الثُّلُثِ، وَنُقِلَ عَنْهُ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، مَعَ عِلْمِ وَرَثَتِهِ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا فِي زَكَاةٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَعَ صَدَقَةٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهَذِهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ وَصِيَّتِهِ.

كَمَا قَيَّدَ الْحَجَّ. يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهُ أَوْ آكَدُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ سِوَى النَّصِّ السَّابِقِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اقْتَسَمُوا بِالْحِصَصِ} هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَبْدَأُ

ص: 41

بِالدَّيْنِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَوْلًا، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمَا كَعَدَمِهِ بِالرَّهِينَةِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ الْمَجْدُ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، كَبَقَاءِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ فَجَعَلَهُ أَصْلًا، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، وَلَوْ عُلِّقَتْ بِالذِّمَّةِ، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى. وَقَالَهُ الْمَجْدُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: إنْ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ قُدِّمَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: إنْ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ تَحَاصَّا، وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يُقَدَّمُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَيًّا وَأَفْلَسَ، فَصَرَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ الزَّكَاةَ تُقَدَّمُ حَتَّى فِي حَالِ الْحَجْرِ. وَقَالَ: سَوَاءٌ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ، إذَا كَانَ النِّصَابُ بَاقِيًا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَقْدِيمُ الدَّيْنِ عَلَى الزَّكَاةِ. الثَّانِيَةُ: دُيُونُ اللَّهِ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ، وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَأَمَّا النَّذْرُ بِمُتَعَيِّنٍ: فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ. انْتَهَى.

وَمِنْ الْفَوَائِدِ: إنْ كَانَ النِّصَابُ مَرْهُونًا، وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَهَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ مِنْهُ؟ هُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ فَهُنَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ، صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ غَيْرَ الرَّهْنِ، فَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ مَتَى قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ قَبْلَهُ،

ص: 42

أَخْرَجَهَا، مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَعَلُّقٌ قَهْرِيٌّ، وَيَنْحَصِرُ فِي الْعَيْنِ. فَهُوَ كَحَقِّ الْجِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُزَكَّى الْمَرْهُونُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُخْرِجُهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ بِلَا إذْنٍ إنْ عُدِمَ. كَجِنَايَةِ رَهْنٍ عَلَى دِيَتِهِ، وَقِيلَ: مِنْهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ عُلِّقَتْ بِالْعَيْنِ. وَقِيلَ: يُزَكِّي رَاهِنٌ مُوسِرٌ، وَإِنْ أَيْسَرَ مُعْسِرٌ جَعَلَ بَدَلَهُ رَهْنًا، وَقِيلَ: لَا. انْتَهَى.

وَمِنْ الْفَوَائِدِ: التَّصَرُّفُ فِي النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّتُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

قَالَ الْأَصْحَابُ: وَسَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي، إنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ، صَحَّ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أَوْ رَهْنٍ، صَرَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ قَرِيبًا، وَنَزَّلَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ زَوْجَهَا مَهْرَهَا الَّذِي لَهَا فِي ذِمَّتِهِ، فَهَلْ تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا؟ قَالَ: فَإِنْ صَحَّحْنَا هِبَةَ الْمَهْرِ جَمِيعِهِ فَعَلَى الْمَرْأَةِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِنْ مَالِهَا، وَإِنْ صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِيمَا عَدَا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ قَدْرُ الزَّكَاةِ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ مَا عَدَاهُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا بِنَاءٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَاعَ النِّصَابَ كُلَّهُ، تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ كَمَا لَوْ تَلِفَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا، فَقَالَ الْمَجْدُ: إنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهَا، تَقْدِيمًا لَحِقَ الْمَسَاكِينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: تَتَعَيَّنُ فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِكُلِّ حَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِالْفَسْخِ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرً بِنَاءٍ عَلَى مَحَلِّ التَّعَلُّقِ.

ص: 43

وَمِنْ الْفَوَائِدِ: إذَا كَانَ النِّصَابُ غَائِبًا عَنْ مَالِكِهِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِهِ. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالٍ فَأَقْرَضَهُ، لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: وَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ غَرِيمِهِ، وَكَذَا ذَكَرَهَا الْمَجْدُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِهِ، وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ إلَى بِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى مَحَلِّ الزَّكَاةِ.

فَإِنْ قُلْنَا: الذِّمَّةُ، لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ زَكَاتَهُ لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ، وَقُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الذِّمَّةِ، فَوَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَقَالَ: وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْغَائِبِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَحْمَدَ، وَمِنْ الْفَوَائِدِ: مَا تَقَدَّمَ عَلَى قَوْلٍ، وَهُوَ مَا إذَا أَخْرَجَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْهُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُحْسَبُ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: يُحْسَبُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ بَنَى الْخِلَافَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ، فَإِنْ قُلْنَا: الذِّمَّةُ فَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ، حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ كَالْمُؤْنَةِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَيْضًا: الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الْمُضَارِبِ زَكَاةَ حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ

ص: 44