المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صوم التطوع] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب صوم التطوع]

الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ، يَلْزَمُ تَحِيَّةُ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي النَّذْرِ. انْتَهَى. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الطَّوَافَ الْمَنْذُورَ كَالصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ.

[بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ]

ِ قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُهُ صَوْمُ دَاوُد عليه السلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ مِنْ الْأَصْحَابِ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، فَظَاهِرُ حَالِهِ: أَنَّ سَرْدَ الصَّوْمِ أَفْضَلُ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ صَوْمُ الدَّهْرِ إذَا دَخَلَ فِيهِ يَوْمَا الْعِيدَيْنِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، بَلْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِالْكَرَاهَةِ، وَمُرَادُهُمَا: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ: جَازَ صَوْمُهُ، وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَ صَالِحٌ: إذَا أَفْطَرَهَا رَجَوْت أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَاخْتَارَ الْكَرَاهَةَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَثَرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهُ تَرْكًا لِلْأَوْلَى أَوْ كَرَاهَةً.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامِ الْبِيضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَسُمِّيَتْ بَيْضَاءَ لِابْيِضَاضِهَا لَيْلًا بِالْقَمَرِ وَنَهَارًا بِالشَّمْسِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ.

ص: 342

وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ فِي كِتَابِهِ " اللَّطِيفُ الَّذِي لَا يَسَعُ جَهْلُهُ " إنَّمَا سُمِّيَتْ بَيْضَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَ فِيهَا عَلَى آدَمَ، وَبَيَّضَ صَحِيفَتَهُ، وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ) . أَنَّ الْأَوْلَى: مُتَابَعَةُ السِّتِّ، إذْ الْمُتَابَعَةُ ظَاهِرُهَا التَّوَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَصَرَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: حُصُولُ فَضِيلَتِهَا بِصَوْمِهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً. ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ. هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِإِطْلَاقِهِمْ صَوْمًا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ فَرَّقَهَا جَازَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ. قَالَ فِي اللَّطَائِفِ: هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ التَّتَابُعَ، وَأَنْ يَكُونَ عَقِيبَ الْعِيدِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ بِغَيْرِهِ، فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَحْصُلُ بِصِيَامِ السِّتَّةِ فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصَوْمِهَا فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ شَوَّالٍ فَفِيهِ نَظَرٌ.

ص: 343

قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِفَضِيلَةِ رَمَضَانَ لِكَوْنِهِ حَرِيمَهُ، لَا لِكَوْنِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ يُسَاوِي رَمَضَانَ فِي فَضِيلَةِ الْوَاجِبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَتِهَا لِمَنْ صَامَهَا، وَقَضَى رَمَضَانَ، وَقَدْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ، وَمَا ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ: خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ)، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَمَّا كَوْنُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِسَنَتَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ بَيْنَ شَهْرَيْنِ حَرَامَيْنِ: كَفَّرَ سَنَةً قَبْلَهُ وَسَنَةً بَعْدَهُ، وَالثَّانِي: إنَّمَا كَانَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ وُعِدَتْ فِي الْعَمَلِ بِأَجْرَيْنِ، وَإِنَّمَا كَفَّرَ عَاشُورَاءُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ؛ لِأَنَّهُ تَبِعَهَا وَجَاءَ بَعْدَهَا، وَالتَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا مَضَى لَا لِمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَفِطْرُهُ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ إلَّا لِمَنْ يُضَعِّفُهُ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَهُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ صِيَامُهُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إذَا عَدِمَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ.

تَنْبِيهٌ: عَدَمُ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ لِتَقَوِّيهِ عَلَى الدُّعَاءِ. قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَعَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ.

ص: 344

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِيهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام، فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ، قَالَ: عَرَفْت؟ قَالَ: عَرَفْت. وَقِيلَ: لِتَعَارُفِ حَوَّاءَ وَآدَمَ بِهَا. الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ لَيْسَ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فِي عَدَمِ الصَّوْمِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْحَاجِّ الْفِطْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ بِهِمَا. انْتَهَى، وَسُمِّيَ " يَوْمُ التَّرْوِيَةِ " لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ، وَكَانُوا يَرْتَوُونَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى: هَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ، أَوْ حُلْمٌ؟ فَلَمَّا رَآهُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) . بِلَا نِزَاعٍ، وَأَفْضَلُهُ: يَوْمُ التَّاسِعِ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ. ثُمَّ يَوْمُ الثَّامِنِ، وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وَآكَدُ الْعَشْرِ: الثَّامِنُ، ثُمَّ التَّاسِعُ. قُلْت: وَهُوَ خَطَأٌ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: آكَدُهُ الثَّامِنُ ثُمَّ التَّاسِعُ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: آكَدُهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ.

قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) ، قَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ: جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَمْ يَلْتَزِمْ الصَّوْمَ فِيهِ لِعُذْرٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا. انْتَهَى. وَحَمَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي لَطَائِفِهِ عَلَى أَنَّ صِيَامَهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ بِالصِّيَامِ

ص: 345

بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ: جَوْفُ اللَّيْلِ» قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّوَاتِبَ أَفْضَلُ، فَمُرَادُهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ: فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَالتَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ، وَقَالَ: صَوْمُ شَعْبَانَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّاتِبَةِ مَعَ الْفَرَائِضِ. قَالَ: فَظَهَرَ أَنَّ فَضْلَ التَّطَوُّعِ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ رَمَضَانَ، قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ مُلْتَحِقٌ بِصِيَامِ رَمَضَانَ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: أَفْضَلُ الْمُحَرَّمِ: الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. ثُمَّ التَّاسِعُ، وَهُوَ تَاسُوعَاءُ. ثُمَّ الْعَشْرُ الْأُوَلُ.

الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصِّيَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِصَوْمِهَا، وَوَافَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ: مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. الثَّالِثَةُ: لَمْ يَجِبْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا. ثُمَّ نُسِخَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.

قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَحْرِيمِ إفْرَادِهِ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَرَاهَةِ أَحْمَدَ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ غَيْرِ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ. وَهُوَ صَحِيحٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

ص: 346

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَجَبٍ، وَلَوْ يَوْمًا، أَوْ بِصَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ مِنْ السَّنَةِ. قَالَ فِي الْمَجْدِ: وَإِنْ لَمْ يَلِهِ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابَ صَوْمِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ. وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَشَعْبَانَ كُلِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: آكَدُ شَعْبَانَ يَوْمُ النِّصْفِ، وَاسْتَحَبَّ الْآجُرِّيُّ صَوْمَ شَعْبَانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ نِزَاعٌ. قِيلَ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ. يُفْطِرُ نَاذِرُهُمَا بَعْضَ رَجَبٍ.

قَوْلُهُ (وَإِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) . يَعْنِي يُكْرَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَتَعَهَّدَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا.

قَوْلُهُ (وَيَوْمِ السَّبْتِ) . يَعْنِي يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ صِيَامُهُ مُفْرَدًا، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَثْرَمُ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ شَاذٌّ، أَوْ مَنْسُوخٌ، وَقَالَ: هَذِهِ طَرِيقَةُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ كَالْأَثْرَمِ، وَأَبِي دَاوُد، وَأَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْآجُرِّيُّ كَرَاهَةً غَيْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ.

ص: 347

قَوْلُهُ (وَيَوْمِ الشَّكِّ) . يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الشَّكِّ، فَتَارَةً يَصُومُهُ لِكَوْنِهِ وَافَقَ عَادَتَهُ، وَتَارَةً يَصُومُهُ مَوْصُولًا قَبْلَهُ، وَتَارَةً يَصُومُهُ عَنْ قَضَاءِ فَرْضٍ، وَتَارَةً يَصُومُهُ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مُطْلَقٍ، وَتَارَةً يَصُومُهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا. وَتَارَةً يَصُومُهُ تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ. إحْدَاهَا: إذَا وَافَقَ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَادَتَهُ، فَهَذَا لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: إذَا صَامَهُ مَوْصُولًا بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الصَّوْمِ، فَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ فَلَا يُكْرَهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا بَعْدَ النِّصْفِ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَمَبْنَاهُمَا عَلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ بَعْدَ النِّصْفِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَمَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إلَى تَحْرِيمِ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. الثَّالِثَةُ: إذَا صَامَهُ عَنْ قَضَاءِ فَرْضٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ قَضَاءً، جَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ لِلشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. الرَّابِعَةُ: إذَا وَافَقَ نَذْرٌ مُعَيَّنٌ يَوْمَ الشَّكِّ، أَوْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا: لَمْ يُكْرَهْ صَوْمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

ص: 348

الْخَامِسَةُ: إذَا صَامَهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا: كُرِهَ صَوْمُهُ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. السَّادِسَةُ: إذَا صَامَهُ تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ فِي الْكَافِي: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَقِيلَ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ، فَلَا يَصِحُّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَمَالَ إلَيْهِ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي عِبَادَاتِهِ الْخَمْسِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ. حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. السَّابِعَةُ: يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَلَمْ يَتَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. قَالَ الْقَاضِي: أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ صَوْمُهُ.

قَوْلُهُ (وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) يَعْنِي يُكْرَهُ صَوْمُهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهُمَا بِالصَّوْمِ، فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا: وَعَلَى قِيَاسِ كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا كُلُّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ يَوْمٌ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ صَوْمُ أَعْيَادِهِمْ.

ص: 349

وَمِنْهَا: النَّيْرُوزُ وَالْمِهْرَجَانُ عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّيْرُوزُ الشَّهْرُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّبِيعِ، وَالْمِهْرَجَانُ: الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ الْخَرِيفِ، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ الْوِصَالُ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي، وَأَوْمَأَ إلَى إبَاحَتِهِ لِمَنْ يُطِيقُهُ، وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِأَكْلِ تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا. كَذَا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ عَلَى ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْهُ، وَلَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ تَرْكُ الْأَوْلَى، وَهُوَ تَعْجِيلُهُ الْفِطْرَ، وَمِنْهَا: هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ قَبْلَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، وَيَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ فَهَلْ: يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، أَمْ لَا يُكْرَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَتَابَعَهُ فِي

ص: 350

الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا أَقْوَى عِنْدِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لِأَنَّا إذَا حَرَّمْنَا التَّطَوُّعَ قَبْلَ الْفَرْضِ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ الْكَرَاهَةِ، فَلَا تَصِحُّ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ. انْتَهَى.

وَلَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى، قَالَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ إنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ جَوَازِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ صَوْمِ الْفَرْضِ: لَمْ يُكْرَهْ الْقَضَاءُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ الْعِبَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ: كُرِهَ الْقَضَاءُ فِيهَا، لِتَوْفِيرِهَا عَلَى التَّطَوُّعِ لِبَيَانِ فَضْلِهِ فِيهَا مَعَ فَضْلِ الْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُبَاحُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الْكُبْرَى أَيْضًا: وَيَحْرُمُ نَفْلُ الصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ فَرْضِهِ لِحُرْمَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ اجْتَمَعَ مَا فُرِضَ شَرْعًا وَنُذِرَ: بُدِئَ بِالْمَفْرُوضِ شَرْعًا، إنْ كَانَ لَا يُخَافُ فَوْتُ الْمَنْذُورِ، وَإِنْ خِيفَ فَوْتُهُ بُدِئَ بِهِ، وَيُبْدَأُ بِالْقَضَاءِ أَيْضًا إنْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ عَنْ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ، وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا كَانَ عَاصِيًا، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ فَرْضٍ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ عَنْ فَرْضٍ، وَلَا نَفْلٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ يَصِحُّ عَنْ فَرْضٍ. نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ: يَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَطَوُّعًا) بِلَا نِزَاعٍ (وَفِي صَوْمِهَا عَنْ الْفَرْضِ رِوَايَتَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،

ص: 351

وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى هُنَا، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا أَحْمَدُ أَخِيرًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَوْمِ النَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازَ صَوْمِهَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: خَصَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْخِلَافَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ. وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: تَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَنَهَى عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قُلْت: وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ: أَنَّهَا تُصَامُ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ إذَا عَدِمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ فِي بَابِ أَقْسَامِ النُّسُكِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَالنَّاظِمُ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ: اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُ وَلَمْ يَجِبْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْ أَحْمَدَ يَجِبُ إتْمَامُ الصَّوْمِ. وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الصَّوْمِ: إنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ. قَالَ الْقَاضِي: أَيْ نَذْرَهُ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّفْلِ. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَنْبَلٌ، وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ نَقَلُوا عَنْهُ لَا يَقْضِي، وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: رِوَايَةٌ فِي الصَّوْمِ لَا يَقْضِي الْمَعْذُورُ.

ص: 352

وَعَنْهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ. بِخِلَافِ الصَّوْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَالْمَجْدُ: مَالَ إلَى ذَلِكَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، وَقَالَ: الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ كَالْحَجِّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا فِي الصَّوْمِ: تَدُلُّ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَعَلَّلَ رِوَايَةَ لُزُومِهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى، فَلَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ، كَالْحَجِّ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: التَّسْوِيَةُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ خُرُوجُهُ، يَتَوَجَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَإِلَّا كُرِهَ فِي الْأَصَحِّ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: هَلْ يُفْطِرُ لِضَيْفِهِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَصَائِمٍ دُعِيَ يَعْنِي إلَى وَلِيمَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ فِي الِاعْتِكَافِ: يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ. الثَّانِيَةُ: لَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ سِوَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ، مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِمَا: كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: الِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ عَلَى الْخِلَافِ يَعْنِي: إذَا دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ نَوَاهُ مُدَّةً لَزِمَتْهُ، وَيَقْضِيهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ادِّعَائِهِ الْإِجْمَاعَ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ، وَشَرَعَ فِي الصَّدَقَةِ بِهِ، فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ إجْمَاعًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ قَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا. بِلَا خِلَافٍ فِي الْمُذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَامِ، إلَّا فِيمَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ هُنَا. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ نَوَى طَوَافَ شَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ تَمَامُ الْأُسْبُوعِ كَالصَّلَاةِ

ص: 353

الرَّابِعَةُ: لَا تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ، وَأَمَّا نَفْلُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ، ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ ".

الْخَامِسَةُ: لَوْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ كُلِّهِ قَبْلَ رَمَضَانَ، وَالْمَكْتُوبَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ، وَكَفَّارَةٍ إنْ قُلْنَا: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا حَرُمَ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَلَوْ خَالَفَ وَخَرَجَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يُكَفِّرُ إنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ.

قَوْلُهُ (وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ وَالْهَادِي، وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي: تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ. قَالَ الشَّارِحُ: يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا فِي جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ آكَدُ، وَفِي لَيَالِي الْوَتْرِ آكَدُ. انْتَهَى، قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ تُطْلَبَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُ؛ لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، خُصُوصًا لَيْلَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ. لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَيَالِي الْوَتْرِ آكَدُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّ كُلَّ الْعَشْرِ سَوَاءٌ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوَتْرُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي، فَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إلَى آخِرِهِ، وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي. لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى» فَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَكُونُ ذَلِكَ لَيَالِيَ لِأَشْفَاعٍ، فَلَيْلَةُ الثَّانِيَةِ: تَاسِعَةٌ تَبْقَى، وَلَيْلَةُ الرَّابِعَةِ: سَابِعَةٌ تَبْقَى. كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَلِمَنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا: كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي كَالتَّارِيخِ بِالْمَاضِي

ص: 354

قَوْلُهُ (وَأَرْجَاهَا: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: وَأَرْجَاهَا الْوَتْرُ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقِيلَ: أَرْجَاهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَقَالَ فِي الْكَافِي أَيْضًا: وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي لَيَالِي الْوَتْرِ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي أَفْرَادِ الْعَشْرِ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ لَيَالِي الْجَمْعِ فِي الْأَفْرَادِ: فَأَجْدَرُ وَأَخْلَقُ أَنْ تَكُونَ فِيهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةِ أَوَّلِ الْعَشْرِ: وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ. وَإِنْ مَضَى مِنْهُ لَيْلَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي لَيْلَةِ حَلِفِهِ فِيهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا إنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ: إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ. وَإِنْ كَانَ مَضَى مِنْهُ لَيْلَةٌ: وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ عَلَى مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ. قُلْت: هُوَ الصَّوَابُ قُلْت: تَلَخَّصَ لَنَا فِي الْمَذْهَبِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ النَّاقِدُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِلْعُلَمَاءِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا، وَذَكَرَ أَدِلَّةَ كُلِّ قَوْلٍ.

أَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا هُنَا مُلَخَّصَةً فَأَقُولُ: قِيلَ: وَقَعَتْ خَاصَّةً بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ مُمْكِنَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ تَنْتَقِلُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ لَيْلَةُ النِّصْفِ

ص: 355

مِنْ شَعْبَانَ مُخْتَصَّةٌ بِرَمَضَانَ مُمْكِنَةٌ فِي جَمِيعِ لَيَالِيِهِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْهُ لَيْلَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ قُلْت: أَوْ إنْ كَانَتْ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ. ذَكَرَهُ فِي اللَّطَائِفِ. ثَمَانِ عَشْرَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ حَادِي عِشْرِينَ ثَانِي عِشْرِينَ ثَالِثُ عِشْرِينَ رَابِعُ عِشْرِينَ خَامِسُ عِشْرِينَ سَادِسُ عِشْرِينَ سَابِعُ عِشْرِينَ ثَامِنُ عِشْرِينَ تَاسِعُ عِشْرِينَ ثَلَاثِينَ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ تَنْتَقِلُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ كُلِّهِ فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِثْلُهُ بِزِيَادَةِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَهَلْ هِيَ اللَّيَالِي السَّبْعُ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ؟ أَوْ فِي آخِرِ سَبْعٍ مِنْ الشَّهْرِ؟ مُنْحَصِرَةٌ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ فِي أَشْفَاعِ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ وَالْعَشْرُ الْأَخِيرُ مُبْهَمَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ أَوْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ أَوْ تَاسِعُ لَيْلَةٍ أَوْ سَابِعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ فِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي لَيْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ الْخَامِسَةُ مِنْهُ، وَزِدْنَا قَوْلًا عَلَى ذَلِكَ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ نَذَرَ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَامَ الْعَشْرَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ نَذَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي النُّذُورِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسَنُّ أَنْ يَنَامَ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ، نَصَّ عَلَيْهِ

ص: 356

الثَّالِثَةُ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ إجْمَاعًا. وَعَنْهُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ ابْنِ بَطَّةَ، وَأَبِي الْحَسَنِ الْجَوْزِيِّ، وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا، وَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمٍ: أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ. قَالَ: وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِنَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ: يَوْمُ الْقَرِّ الَّذِي يَلِيهِ. قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الْأَيَّامِ أَرْبَعَةً: الْفِطْرَ، وَالْأَضْحَى، وَعَرَفَةَ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَاخْتَارَ مِنْهَا: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِلْحُسَيْنِ الشَّهَادَةَ فِي أَشْرَفِ الْأَيَّامِ، وَأَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا، وَأَرْفَعِهَا عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً.

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ، عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهَا. وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ: لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ وَأَيَّامُ ذَلِكَ أَفْضَلُ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِوُجُوهٍ، وَذَكَرَهَا. الْخَامِسَةُ: رَمَضَانُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ، وَذَكَرُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ فِيهِ أَفْضَلُ، وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الشُّهُورِ أَرْبَعَةً: رَجَبٌ، وَشَعْبَانُ، وَرَمَضَانُ

ص: 357