المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب إخراج الزكاة] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب إخراج الزكاة]

وَلَوْ حَصَلَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَسَّمَهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، فَعَادَ إلَى إنْسَانٍ فِطْرَتُهُ: جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ كَشِرَائِهَا، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ، وَابْنِ رَزِينٍ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا قَالَا: جَائِزٌ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ لَا يَجُوزُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ، وَقِيلَ: فِي التَّحْرِيمِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فِي الرِّكَازِ فَلْتُعَاوَدْ، وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ جَازَ. قَوْلًا وَاحِدًا.

الثَّالِثَةُ: مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِغَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: تُدْفَعُ إلَى مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ. وَلَا تُصْرَفُ فِي الْمُؤَلَّفَةِ وَالرِّقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. الرَّابِعَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: مَا أَحْسَنَ مَا كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَفْعَلُ: يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَتَّى مَاتَ، وَهَذَا تَبَرُّعٌ.

[بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ]

ِ قَوْلُهُ (لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا، مَعَ إمْكَانِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهَا عَلَى الْفَوْرِ. لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ كَالْكَفَّارَةِ.

قَوْلُهُ (مَعَ إمْكَانِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِهَا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا مِنْ النِّصَابِ لِغَيْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَازَ التَّأْخِيرُ إلَى الْقُدْرَةِ. وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا.

ص: 186

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّأْخِيرُ إنْ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ. وَلَمْ تَسْقُطْ بِالتَّلَفِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِضَرَرٍ عَلَيْهِ (مِثْلَ أَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ أَيْضًا لِحَاجَتِهِ إلَى زَكَاتِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا إلَيْهَا تَخْتَلُّ كِفَايَتُهُ وَمَعِيشَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَيْسَرَتِهِ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِيُعْطِيَهَا لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَ يَعْقُوبُ: لَا أُحِبُّ تَأْخِيرَهَا، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ قَوْمًا مِثْلَهُمْ فِي الْحَاجَةِ فَيُؤَخِّرُهَا لَهُمْ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُجَرَّدِهِ يَجُوزُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ، وَلَا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ وَاجِبٍ لِمَنْدُوبٍ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَقَيَّدَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لِيَتَحَرَّى الْأَفْضَلَ جَازَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْمَنْعُ، وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِقَرِيبٍ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقُلْ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ.

قُلْت: مِنْهُمْ ابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ الْمَنْعَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ [وَالْحَاوِيَيْنِ] وَالْفَائِقِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ فِي الْقَرِيبِ، وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِلْجَارِ كَالْقَرِيبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَ الْمَنْعَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

ص: 187

وَعَنْهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ قَرِيبَهُ كُلَّ شَهْرٍ شَيْئًا، وَحَمَلَهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى تَعْجِيلِهَا. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِمَصْلَحَةٍ، كَقَحْطٍ وَنَحْوِهِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ وَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى لُزُومِ فَوْرِيَّةِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدُ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمَانِ عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: الْمَنْصُوصُ عَدَمُ لُزُومِ الْفَوْرِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا بِهَا: أُخِذَتْ مِنْهُ، وَعُزِّرَ)، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهَا تَهَاوُنًا. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ " أَوْ هَمْلًا " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ التَّعْزِيرَ. قُلْت: أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ فَعَلَهُ لِفِسْقِ الْإِمَامِ، لِكَوْنِهِ لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا: لَمْ يُعَزَّرْ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. بَلْ لَوْ قِيلَ: بِوُجُوبِ كِتْمَانِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكَانَ سَدِيدًا.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَعُزِّرَ " إذَا كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَالْمُعَزِّرُ لَهُ هُوَ الْإِمَامُ أَوْ عَامِلُ الزَّكَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَالُهُ بَاطِنًا عَزَّرَهُ الْإِمَامُ أَوْ الْمُحْتَسِبُ.

ص: 188

قَوْلُهُ (فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ، أَوْ كَتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا، وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا، أُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: يَأْخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، وَقَدَّمَهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ. وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ رِوَايَةً، قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا: يَأْخُذُ شَطْرَ مَالِهِ الزَّكَوِيِّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ خِيَارِ مَالِهِ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ بِشَطْرِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ عَدَدٍ وَلَا سِنٍّ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا تَكَلُّفٌ ضَعِيفٌ، وَعَنْهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِثْلُهَا. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: إذَا مَنَعَ الزَّكَاةَ فَرَأَى الْإِمَامُ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ بِأَخْذِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ.

تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: مَحَلُّ هَذَا عِنْدَ صَاحِبِ الْحَاوِي وَجَمَاعَةٍ: فِيمَنْ كَتَمَ مَالَهُ فَقَطْ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي: وَكَذَا قِيلَ: إنْ غَيَّبَ مَالَهُ، أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا. الثَّانِي: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ عَدْلٍ فِيهَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ زِيَادَةً. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ الْأَخْذَ، كَمَسْأَلَةِ التَّعْزِيرِ السَّابِقَةِ. الثَّالِثُ: قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهَا لَمْ يَكْفُرْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

ص: 189

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كَفَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يَكْفُرُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهَا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ أَخْذُهَا: اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَأَخْرَجَ وَإِلَّا قُتِلَ) . حُكْمُ اسْتِتَابَتِهِ هُنَا: حُكْمُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ، وَإِذَا قُتِلَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يُقْتَلُ كُفْرًا.

فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْهُ إلَّا بِالْقِتَالِ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً: لَا يَجِبُ قِتَالُهُ إلَّا مِنْ جَحْدِ وُجُوبِهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى مَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ: مِنْ نُقْصَانِ النِّصَابِ أَوْ الْحَوْلِ، أَوْ انْتِقَالِهِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ، كَادِّعَائِهِ أَدَاءَهَا، أَوْ أَنَّ مَا بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ، أَوْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ قَرِيبًا، أَوْ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ مُخْتَلِطٌ قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ نَصَّ عَلَيْهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: يُسْتَحْلَفُ إنْ اُتُّهِمَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ رَأَى الْعَامِلُ أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ فَعَلَ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَقِيلَ: يَقْضِي عَلَيْهِ. قُلْت: فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يُعَايَى بِهَا.

فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُشْرَعُ.

ص: 190

قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ " لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ. قَوْلُهُ (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ إنْ خَافَ أَنْ يُطَالَبَ بِذَلِكَ، كَمَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي، لَكِنْ يَعْلَمُهُ إذَا بَلَغَ وَعَقِلَ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ) . سَوَاءٌ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ أَوْ فِطْرَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ يُشْتَرَطُ أَمَانَتُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَهُ دَفْعُهَا إلَى السَّاعِي، وَإِلَى الْإِمَامِ أَيْضًا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ نَاظِمُهَا: زَكَاتُهُ يُخْرِجُ فِي الْأَيَّامِ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ إذَا طَلَبَهَا وَفَاقَا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعُشْرَ، وَيَتَوَلَّى هُوَ تَفْرِيقَ الْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَزَوَالِ التُّهْمَةِ، وَعَنْهُ دَفْعُ الْمَالِ الظَّاهِرِ إلَيْهِ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ دَفْعُ الْفِطْرَةِ إلَيْهِ أَفْضَلُ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْفِطْرَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ إلَى الْإِمَامِ. وَلَا يُجْزِئُ دُونَهُ.

ص: 191

فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى الْإِمَامِ الْفَاسِقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا، إنْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، وَيَجِبُ كَتْمُهَا إذَنْ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَوَارِجِ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. إنْ وَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَا نَظَرَ لَهُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ، إلَّا أَنْ يُبْذَلَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ الْقَاضِي: إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ أَوْ الْمُؤَذِّنُ لَهُ بِالْمَالِ عَلَى عَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ: أَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ. قَالَ وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ طَلَّقَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ إخْرَاجُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إذَا طَلَبهَا إلَيْهِ، وَلَا يُقَاتَلُ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي الْخِلَافِ.

قُلْت: صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَاطِنَةِ بِطَلَبِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ جَوَّزَ الْقِتَالَ عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ: جَوَّزَهُ هُنَا، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إلَّا عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: لَمْ يُجَوِّزْهُ.

الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارِ.

ص: 192

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. الْخَامِسَةُ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ السُّعَاةَ عِنْدَ قُرْبِ الْوُجُوبِ لِقَبْضِ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ، وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: لَا يَجِبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ، وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ يُسْتَحَبُّ، وَيَجْعَلُ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ الْمُحَرَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ، وَمِنْهُ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ، فَإِنْ عَجَّلَ رَبُّهُ زَكَاتَهُ، وَإِنَّمَا وَكَّلَ ثِقَةً يَقْبِضُهَا ثُمَّ يَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا، وَلَهُ جَعْلُ ذَلِكَ إلَى رَبِّ الْمَالِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثِقَةً، فَقَالَ الْقَاضِي: يُؤَخِّرُهَا إلَى الْعَامِ الثَّانِي، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَهَا.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ لَمْ يُعَجِّلْهَا، فَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ يُؤَخِّرَهَا إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي، وَإِذَا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَرَّقَهَا فِي مَكَانِهَا وَمَا قَارَبَهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ حَمَلَهُ، وَلَهُ بَيْعُ مَالِ الزَّكَاةِ: لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، وَصَرْفُهُ فِي الْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ حَاجَتِهِمْ، حَتَّى فِي أُجْرَةِ مَسْكَنٍ، وَإِنْ بَاعَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي عَلَى الْبَيْعِ إنْ خَافَ تَلَفَهُ، وَمَالَ إلَى الصِّحَّةِ، وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ. أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِخَوْفِ تَلَفٍ وَمُؤْنَةِ نَقْلٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ، أَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، فَيَنْوِي الزَّكَاةَ أَوْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَلَوْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً: لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، كَصَدَقَتِهِ بِغَيْرِ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ

ص: 193

صَرْفَ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ، فَلَا تَتَعَيَّنُ الزَّكَاةُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: إنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ الْمُعَيَّنِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ نَوَى صَدَقَةَ الْمَالِ، أَوْ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ أَجْزَأَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَفَى فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ: لَا يَكْفِي نِيَّةُ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ صَدَقَةِ الْمَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي الزَّكَاةَ. قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْفَرْضِ، وَلَا تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَجْهٌ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ إذَا اخْتَلَفَ الْمَالُ. مِثْلُ شَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَشَاةٍ أُخْرَى عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ، وَدِينَارٍ عَنْ نِصَابٍ تَالِفٍ، وَدِينَارٍ آخَرَ عَنْ نِصَابٍ قَائِمٍ، وَصَاعٍ عَنْ فِطْرَةٍ، وَصَاعٍ آخَرَ عَنْ عُشْرٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَوَى زَكَاةً عَنْ مَالِهِ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ: أَجْزَأَ عَنْهُ إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا، وَإِنْ كَانَا سَالِمَيْنِ أَجْزَأَ عَنْ أَحَدِهِمَا.

وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ، فَقَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ عَنْ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ: أَجْزَأَتْهُ عَنْ إحْدَاهُمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ، وَأَخْرَجَ، وَقَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْحَاضِرِ أَوْ الْغَائِبِ، وَإِنْ قَالَ: هَذَا عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَتَطَوَّعَ، فَبَانَ سَالِمًا: أَجْزَأَهُ عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ كَمَنْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي، أَوْ نَفْلٌ، أَوْ هَذِهِ زَكَاةُ إرْثِي مِنْ مُوَرِّثِي إنْ كَانَ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الشَّكِّ: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضِيٌّ

ص: 194

وَإِلَّا فَنَفْلِيٌّ، وَقَالَ الْمَجْدُ كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ دَخَلَ فَصَلَاتِي هَذِهِ عَنْهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ: إنْ كَانَ الْوَقْتُ دَخَلَ فَفَرْضٌ، وَإِلَّا فَنَفْلٌ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِيمَنْ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ التَّرَدُّدُ فِي الْعِبَادَةِ يُفْسِدُهَا. وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى أَوْ نَوَى: إنْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ فَهِيَ فَرِيضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَنَافِلَةٌ: لَمْ يَصِحَّ لَهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي فَوَائِدِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ " هَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَالِهِ الْغَائِبِ أَمْ لَا؟ ".

الثَّانِيَةُ: الْأَوْلَى مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلدَّفْعِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْعِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ. كَالصَّلَاةِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الْأَدْنَى بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ. كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ عِنْدَ الدَّفْعِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا) إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَأَخْرَجَهَا نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ، وَلَمْ يَنْوِهَا رَبُّهَا: أَجْزَأَتْ عَنْ رَبِّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَابْنُ رَزِينٍ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهَذَا أَصْوَبُ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَجْزَأَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ: لَا يُجْزِئُ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ.

ص: 195

فَعَلَى [الْمَذْهَبِ] الْأَوَّلِ: تُجْزِئُ ظَاهِرًا، وَبَاطِنًا، وَعَلَى الثَّانِي تُجْزِئُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا.

فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا كُرْهًا وَقَهْرًا. قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ طَائِعًا، وَنَوَاهَا الْإِمَامُ دُونَ رَبِّهَا: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقِيلَ: تُجْزِئُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَجْزَأَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِهَا رَبُّهَا وَلَا الْإِمَامُ: فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: لَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى نِيَّةٍ مِنْهُ، وَلَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُعَايَى بِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَقَعُ نَفْلًا وَطَالَبَ بِهَا.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ غَابَ الْمَالِكُ، أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، فَأَخَذَ السَّاعِي، مِنْ مَالِهِ: أَجْزَأَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِهَا إذَنْ، وَنِيَّةُ الْمَالِكِ مُتَعَذِّرَةٌ مِمَّا يُعْذَرُ فِيهِ.

ص: 196

الثَّانِيَةُ: إذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَنَوَاهَا دُونَ الْإِمَامِ: أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْتَحِقِّ، كَذَا نَائِبُهُ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى وَكِيلِهِ: اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، دُونَ الْوَكِيلِ) . أَنَّهُ سَوَاءٌ بَعْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ أَوْ لَا، وَاعْلَمْ أَنَّهَا إذَا دَفَعَهَا الْوَكِيلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَتَارَةً يَدْفَعُهَا بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ، وَتَارَةً يَدْفَعُهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ دَفَعَهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْإِجْزَاءُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُجْزِئُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ أَيْضًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُوَكِّلُ، وَنَوَاهَا الْوَكِيلُ عِنْدَ إخْرَاجِهَا. لَمْ تُجْزِهِ، وَإِنْ نَوَاهَا الْوَكِيلُ صَحَّ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ بَعْدَ مَا بَيَّنَهُمَا أَوْ قَرُبَ.

الثَّانِيَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازَ التَّوْكِيلِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ. هُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: مُسْلِمًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَجْهًا بِجَوَازِ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ فِي

ص: 197

إخْرَاجِهَا، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَلَعَلَّهُ عَنَى شَيْخَهُ الْمَجْدَ. كَمَا لَوْ اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ جَازَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى الْمُوَكِّلَ وَكَفَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَخْرِجْ عَنِّي زَكَاتِي مِنْ مَالِكَ فَفَعَلَ: أَجْزَأَ عَنْ الْآمِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الزَّكَاةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّصِّ وَأَلْحَقَ الْأَصْحَابُ بِهَا الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا، وَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ، فَأَخْرَجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَنَوَاهَا زَكَاةً، فَقِيلَ: لَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا يَقْتَضِي النَّفَلَ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَدَقَةٌ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّكَاةَ صَدَقَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ نَفْلًا، أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ. ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ: أَجْزَأَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ، فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ، ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَلَّلَهُ بِذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَجْدِ: لَا يُجْزِئُ، لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ.

الْخَامِسَةُ: فِي صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ.

السَّادِسَةُ: لَوْ أَخْرَجَ شَخْصٌ مِنْ مَالِهِ زَكَاةً عَنْ حَيٍّ بِغَيْرِ إذْنِهِ: لَمْ يَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِهَا رَجَعَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ

ص: 198

السَّابِعَةُ: لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقُلْنَا: يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، فَأَجَازَهُ رَبُّهُ كَفَتْهُ. كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقُلْت: إنْ كَانَ بَاقِيًا بِيَدِ مَنْ أَخَذَهُ أَجْزَأَتْ عَنْ رَبِّهِ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ إذَنْ كَالدَّيْنِ، فَلَا يُجْزِئُ إسْقَاطُهُ مِنْ الزَّكَاةِ.

الثَّامِنَةُ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ غَصْبٍ: لَمْ يُجْزِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ أَجَازَهَا رَبُّهُ، كَفَتْ مُخْرِجَهَا، وَإِلَّا فَلَا.

التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا)، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. زَادَ بَعْضُهُمْ: وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ الْآخِذُ: أَجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت، وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت، وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا) . يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لَهُ قَوْلُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْآخِذُ الْفُقَرَاءَ، أَوْ الْعَامِلَ أَوْ غَيْرَهُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: عَلَى الْعَامِلِ إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ أَنْ يَدْعُوَ لِأَهْلِهَا، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ " عَلَى " ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ، وَأَوْجَبَ الدُّعَاءَ لَهُ الظَّاهِرِيَّةُ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي قَوْلِهِ " عَلَى الْعَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ " أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْعُمْدَةِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ فِي بَابِ الْحُرُوفِ أَنَّ " عَلَى " لِلْإِيجَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَقُولَهَا.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ ظَنَّ أَنَّ الْآخِذَ أَهْلٌ

ص: 199

لِأَخْذِهَا: كُرِهَ إعْلَامُهُ بِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لِمَ يُبَكِّتُهُ؟ يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ. مَا حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يُقَرِّعَهُ؟ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُسْتَحَبُّ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: لَا يُسْتَحَبُّ إعْلَامُهُ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ إعْلَامُهُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ. كَمَا لَوْ رَآهُ مُتَجَمِّلًا. هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مِنْ عَادَتِهِ أَخْذَ الزَّكَاةِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ الزَّكَاةَ: فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ: لَمْ يُجْزِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ زَكَاةً ظَاهِرًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: فِيهِ بُعْدٌ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ يُعَايَى بِهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا لَهَا، وَجَهِلَ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا: لَمْ يُجْزِهِ. قُلْت: بَلَى. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ إظْهَارُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُسْتَحَبُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ: إنْ مَنَعَهَا أَهْلُ بَلَدِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إظْهَارُهَا. وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: إنْ نُفِيَ عَنْهُ ظَنُّ السُّوءِ بِإِظْهَارِهِ اُسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ فِي النَّقْلِ. يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ نَقْلُهَا لِرَحِمٍ أَوْ شِدَّةِ حَاجَةٍ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَرِوَايَتَيْهِ وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ

ص: 200

يُكْرَهُ نَقْلُهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ، وَنَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى الثَّغْرِ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ مُرَابِطَةَ الْغَازِي بِالثَّغْرِ قَدْ تَطُولُ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ. مَعَ رُجْحَانِ الْحَاجَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقِيلَ: تُنْقَلُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ. كَقَرِيبٍ مُحْتَاجٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ، وَتَحْدِيدُ الْمَنْعِ مِنْ نَقْلِ الزَّكَاةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَجُعِلَ مَحَلَّ ذَلِكَ الْأَقَالِيمُ، فَلَا تُنْقَلُ الزَّكَاةُ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ، وَتُنْقَلُ إلَى نَوَاحِي الْإِقْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ انْتَهَى، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَ نَقْلِهَا لِلْقَرَابَةِ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ نَقْلِهَا إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ. يَعْنِي بِالْمَنْعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ. يَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَحْرُمُ نَقْلُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

إحْدَاهُمَا: تُجْزِئُهُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

ص: 201

الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا فُقَرَاءَ فِيهِ، أَوْ كَانَ بِبَادِيَةٍ، فَيُفَرِّقُهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ) ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: أُجْرَةُ نَقْلِ الزَّكَاةِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، كَوَزْنٍ وَكَيْلٍ.

الثَّانِيَةُ: الْمُسَافِرُ بِالْمَالِ فِي الْبُلْدَانِ: يُزَكِّيهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي إقَامَةُ الْمَالِ فِيهِ أَكْثَرُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، لِتَعَلُّقِ الْأَطْمَاعِ بِهِ غَالِبًا، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: تَفْرِقَتُهُ فِي بَلَدِ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُلْدَانِ الَّتِي كَانَ بِهَا فِي الْحَوْلِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: هُوَ كَغَيْرِهِ، اعْتِبَارًا بِمَكَانِ الْوُجُوبِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: يُفَرِّقُهَا حَيْثُ حَالَ حَوْلُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَظَاهِرُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ.

الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ لِأَجْلِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ إذَا أَوْجَبْنَاهُ، وَتَعَذَّرَ بِدُونِ النَّقْلِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَعْنِي بِالْجَوَازِ وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

ص: 202

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَرَ: أَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَالِ فِي بَلَدِهِ) يَعْنِي فِي بَلَدِ الْمَالِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَالُ مُتَفَرِّقًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ حَيْثُ هُوَ، وَإِنْ كَانَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ فِي بَلَدَيْنِ. فَعَنْهُ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: تَلْزَمُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ تَعَذَّرَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ؛ لِئَلَّا يَنْقُلَ الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، الْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ إخْرَاجُهَا فِي أَحَدِهِمَا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَشْقِيصِ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَيُغْتَفَرُ مِثْلُ هَذَا لِأَجْلِ الضَّرَرِ لِحُصُولِ التَّشْقِيصِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَفِطْرَتُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ نَقَلَهَا، فَفِي الْإِجْرَاءِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّف نَقْلًا وَمَذْهَبًا.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ يُمَوِّنُهُ. كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا، فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَرَهُ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. كَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُؤَدِّيهِ فِي بَلَدِ مَنْ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ، قُلْت: قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْفِطْرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ نَقْلُ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، وَالْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحُوهُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي الْكَفَّارَةِ بِالْمَنْعِ، فَيُخَرَّجُ فِي النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ مِثْلُهُ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ

ص: 203

لِفُقَرَاءِ الْبَلَدِ: فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِي فُقَرَائِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ وَسْمُ الْإِبِلِ فِي أَفْخَاذِهَا) ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ، وَأَمَّا الْغَنَمُ: فَفِي آذَانِهَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّى: الْوَسْمُ بِالْحِنَّاءِ أَوْ بِالْقِيرِ أَفْضَلُ. انْتَهَى. وَيَأْتِي مَتَى تُمْلَكُ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَنْ الْحَوْلِ إذَا كَمُلَ النِّصَابُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ، كَالدَّيْنِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ بِهِ. زَادَ الْأَثْرَمُ: هُوَ مِثْلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَالظِّهَارُ أَصْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ، فِيهِمَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ وَالْفَضِيلَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَرْكُ التَّعْجِيلِ أَفْضَلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ، قُلْت: وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الْأَثْرَمِ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا: إنَّ النِّصَابَ وَالْحَوْلَ سَبَبَانِ، فَقُدِّمَ الْإِخْرَاجُ عَلَى أَحَدِهِمَا، قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: الْحَوْلُ شَرْطٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُمَا شَرْطَانِ، قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُقْنِعِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ " الشَّرْطُ الثَّالِثُ مِلْكُ نِصَابٍ " وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " الْخَامِسُ: مُضِيُّ الْحَوْلِ شَرْطٌ " وَصَرَّحَ بِهِ فِي

ص: 204

الْمُبْهِجِ، وَالْكَافِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُمَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ، قُلْت: وَهُوَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَمِلْكُ النِّصَابِ شَرْطٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْحَوْلِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ تَعْجِيلِ زَكَاةِ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا، قُلْت: وَهُوَ الْأَوْلَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ

قَوْلُهُ (وَفِي تَعْجِيلِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلِ: رِوَايَتَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ لَهُ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّارِحُ. . إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ لَمْ يَنْعَقِدْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ: وَيَحُوزُ لِحَوْلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ [وَالْبُلْغَةِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي

ص: 205

الْفُصُولِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ تَابِعٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ فِيهِمَا، وَهَكَذَا فِي التَّلْخِيصِ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ " وَفِي تَعْجِيلِهَا لِحَوْلَيْنِ رِوَايَتَانِ " وَالنُّسْخَةُ الْأُولَى مَقْرُوءَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ، قَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: يَجُوزُ أَعْوَامًا. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَجُوزُ لِأَعْوَامٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: أَوْ عَنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ، أَوْ عَنْ أَكْثَرَ.

فَائِدَةٌ: إذَا قُلْنَا: يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامَيْنِ، فَعَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ، وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ عَنْهُ مَا وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ شَاةً وَاحِدَةً عَنْ الْحَوْلِ الثَّانِي وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ مِنْهُ لِلْحَوْلِ الثَّانِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَوْ قُلْنَا يَرْتَجِعُ مَا عَجَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْدِيدُ مِلْكٍ، فَإِنْ مَلَكَ شَاةً: اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ الْكَمَالِ، وَقِيلَ: إنْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَجْزَأَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، إنْ قُلْنَا يَرْجِعُ، وَإِنْ عَجَّلَ وَاحِدَةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَأُخْرَى مِنْ غَيْرِهَا جَازَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْهُ وَشَاةً مِنْ غَيْرِهِ: أَجْزَأَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُجْزِئْ عَنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ النِّصَابَ نَقَصَ. وَإِنْ تَكَمَّلَ بِهِ ذَلِكَ صَارَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ وَتَعْجِيلُهُ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ نِصَابِهَا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَّلَهَا عَنْ النِّصَابِ وَمَا يَسْتَفِيدُهُ: أَجْزَأَ عَنْ النِّصَابِ دُونَ الزِّيَادَةِ) .

ص: 206

وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابَيْنِ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ تُجْزِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ أَيْضًا، لِوُجُوبِ سَبَبِهَا فِي الْجُمْلَةِ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ بِضَمِّهِ إلَى الْأَصْلِ فِي حَوْلِ الْوُجُوبِ، وَكَذَا فِي التَّعْجِيلِ، وَلِهَذَا اخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ: تُجْزِئُ عَنْ الْمُسْتَفَادِ مِنْ النِّصَابِ فَقَطْ، وَقِيلَ بِهِ، إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالْحَوْلِ كَوُجُودٍ، فَإِذَا بَلَغَهُ اُسْتُقْبِلَ بِالْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ، لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْأَصْلُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ عَنْ النَّمَاءِ إنْ ظَهَرَ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ: لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ نَمَاءِ النِّصَابِ قَبْلَ وُجُودِهِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. ثَالِثُهَا: يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ نِصَابًا فَلَا يَجُوزُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ دُونَهُ فَيَجُوزُ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ رَابِعٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ نِتَاجَ مَاشِيَةٍ، أَوْ رِبْحَ تِجَارَةٍ، فَيَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ عَجَّلَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَعَنْ نِتَاجِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَنَتَجَتْ مِثْلَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ لِلْمُعَجَّلَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: الْأَوْلَى: جَوَازُ الِارْتِجَاعِ، فَإِنْ جَازَ الِارْتِجَاعُ فَأَخَذَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ: جَازَ، وَإِنْ اعْتَدَّ بِهَا قَبْلَ أَخْذِهَا: لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْفَقِيرِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ عَجَّلَ مُسِنَّةً عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً وَنِتَاجِهَا فَنَتَجَتْ عَشْرًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْجَمِيعِ، بَلْ عَنْ الثَّلَاثِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا

ص: 207

الْأَشْهَرُ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، وَيُخْرِجُ لِلْعُشْرِ رُبُعَ مُسِنَّةٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ ارْتِجَاعِ الْمُسِنَّةِ، وَيُخْرِجُهَا أَوْ غَيْرَهَا عَنْ الْجَمِيعِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، ثُمَّ أَبْدَلَهَا بِمِثْلِهَا، أَوْ نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَدَلِ وَالسِّخَالِ؛ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ عَنْ الْكُلِّ، فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ وَجْهًا: لَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ كَانَ لِغَيْرِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ مِائَةِ شَاةٍ، أَوْ تَبِيعًا عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، ثُمَّ نَتَجَتْ الْأُمَّاتُ مِثْلَهَا وَمَاتَتْ: أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْ النِّتَاجِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْحَوْلِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَتَجَتْ نِصْفُ الشِّيَاهِ مِثْلَهَا ثُمَّ مَاتَتْ أُمَّاتُ الْأَوْلَادِ: أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْهَا، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ مِثْلُهُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ نِصَابٌ لَمْ يُزَكِّهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِنِصْفِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ قَسَّطَ السِّخَالَ مِنْ وَاجِبِ الْمَجْمُوعِ، وَلَمْ يَصِحَّ التَّعْجِيلُ عَنْهَا، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَلَوْ نَتَجَتْ نِصْفُ الْبَقَرِ مِثْلَهَا. ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ: أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الْعُجُولِ تَبَعًا، وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. عَلَى الثَّانِي بِنِصْفِ تَبِيعٍ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا قِسْطُهَا مِنْ الْوَاجِبِ.

ص: 208

الرَّابِعَةُ: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْهِ وَتَلِفَ: لَمْ يَصْرِفْهُ إلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَتَلِفَتْ وَلَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً: لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: مَنْ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ، فَعَجَّلَ عَنْ جِنْسٍ مِنْهَا ثُمَّ تَلِفَ: صَرَفَهُ إلَى الْآخَرِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقُلْنَا: يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامَيْنِ، وَعَنْ الزِّيَادَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا، فَعَجَّلَ خَمْسِينَ، وَقَالَ: إنْ رَبِحْت أَلْفًا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ عَنْهَا، وَإِلَّا كَانَتْ لِلْحَوْلِ الثَّانِي جَازَ.

السَّادِسَةُ: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفٍ يَظُنُّهَا لَهُ، فَبَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ أَجْزَأَ عَنْ عَامَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الطَّلْعِ، وَالْحِصْرِمِ: لَمْ يُجْزِهِ) ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ عُشْرَ الزَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، وَالْمَاشِيَةِ قَبْلَ سَوْمِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بَعْدَ مِلْكِ الشَّجَرِ، وَوَضْعِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوُجُوبِ إلَّا مُضِيُّ الْوَقْتِ عَادَةً، كَالنِّصَابِ الْحَوْلِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَصَالِحٌ: لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْتَسِبَ فِي الْعُشْرِ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ السَّاعِي لِسَنَةٍ أُخْرَى.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " قَبْلَ طُلُوعِ الطَّلْعِ وَالْحِصْرِمِ " جَوَازُ التَّعْجِيلِ بَعْدَ طُلُوعِ ذَلِكَ وَظُهُورِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. لِأَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ كَالنِّصَابِ، وَالْإِدْرَاكُ كَالْحَوْلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَيَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ. جَزَمَ

ص: 209

بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: وَكَذَا يُخَرَّجُ الْخِلَافُ إنْ أَسَامَهَا دُونَ أَكْثَرِ السَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا ظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ وَطَلَعَ الزَّرْعُ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِحَالٍ، بِسَبَبِ أَنَّ وُجُوبَهَا يُلَازِمُ وُجُودَهَا. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ النِّصَابِ، فَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُوَ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ: جَازَ) ، وَكَانَ حُكْمُ مَا عَجَّلَهُ كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ، يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ؛ لِأَنَّهُ كَمَوْجُودٍ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَوْلِ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مَالِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ: لَا يُجْزِئُ، وَيَكُونُ نَفْلًا، وَيَكُونُ كَتَالِفٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً، فَعَجَّلَ شَاةً، ثُمَّ نَتَجَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَاحِدَةً: لَزِمَهُ شَاةٌ ثَانِيَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ، فَنَتَجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةً: لَزِمَتْهُ، شَاةٌ ثَالِثَةٌ) بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَكِيمٍ: لَا يَلْزَمُهُ

وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَوْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَ دَرَاهِمَ. ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ: لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَةٍ، دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا، وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ زَكَاةُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا.

ص: 210

وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ عَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ زَكَاةُ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخَمْسَةِ الْمُعَجَّلَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ، فَالْخَمْسَةُ الْمُخْرَجَةُ أَجْزَأَتْ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَهِيَ كَالتَّالِفَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَكِيمٍ، فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ، وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ عَلَى الْبَاقِي، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْهَا. ثُمَّ رَبِحَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ: لَزِمَهُ زَكَاتُهَا. عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَمِنْهَا: لَوْ تَغَيَّرَ بِالْمُعَجَّلِ قَدْرُ الْفَرْضِ قُدِّرَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَتَجَ الْمَالُ مَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ تَبِيعًا عَنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ، فَنَتَجَتْ عَشْرًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ شَيْءٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُهُ عَمَّا عَجَّلَهُ، وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبُعُ مُسِنَّةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ لَهُ ارْتِجَاعُ الْمُعَجَّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، قُلْت: إنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ مَوْجُودًا سَاغَ ارْتِجَاعُهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخَذَ السَّاعِي فَوْقَ حَقِّهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ اعْتَدَّ بِالزِّيَادَةِ مِنْ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: يَحْسِبُ مَا أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّكَاةِ أَيْضًا، وَعَنْهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ: إنْ نَوَى الْمَالِكُ التَّعْجِيلَ اُعْتُدَّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَحَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَحَمَلَ الْمَجْدُ رِوَايَةَ الْجَوَازِ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ أَخَذَ الزِّيَادَةَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى التَّعْجِيلَ. قَالَ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ وَأَخَذَهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا.

ص: 211

عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا غَصْبًا. قَالَ: وَلَنَا رِوَايَةٌ: أَنَّ مَنْ ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ يَحْتَسِبُهُ مِنْ الْعُشْرِ، أَوْ مِنْ خَرَاجٍ آخَرَ، فَهَذَا أَوْلَى، وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِي أَرْضِ صُلْحٍ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنْهَا نِصْفَ الْغَلَّةِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُ: فَيُزَكِّي الْمَالِكُ عَمَّا بَقِيَ فِي يَدِهِ؟ قَالَ: يُجْزِئُ مَا أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مِنْ الزَّكَاةِ. يَعْنِي إذَا نَوَى بِهِ الْمَالِكُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: إنْ زَادَ فِي الْخِرْصِ، هَلْ يُحْتَسَبُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ الزَّكَاةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ: وَحَمَلَ الْقَاضِي الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِنِيَّةِ الْمَالِكِ وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا أَخَذَهُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ وَلَوْ فَوْقَ الْوَاجِبِ بِلَا تَأْوِيلٍ، اُعْتُدَّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُعْتَدُّ بِمَا أَخَذَهُ، وَعَنْهُ بِوَجْهٍ سَائِغٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي آخِرِ فَصْلِ شِرَاءِ الذِّمِّيِّ لِأَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَمَاتَ، أَوْ ارْتَدَّ، أَوْ اسْتَغْنَى) يَعْنِي مَنْ دُفِعَتْ إلَيْهِ مِنْ هَؤُلَاءِ (أَجْزَأَتْ عَنْهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ وَجْهٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الْوُجُوبِ لَمْ تُجْزِهِ) إذَا عَلِمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِمَّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ فَقِيرٌ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ غَنِيٌّ فَيَأْتِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. ثُمَّ عَلِمَ ".

فَائِدَةٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِقَوْلِهِ (وَإِنْ عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَسَاكِينِ) أَنَّ الزَّكَاةَ إذَا عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُخْرَجَ غَيْرُ زَكَاةٍ، وَكَذَا الْحُكْمُ

ص: 212

لَوْ ارْتَدَّ الْمَالِكُ أَوْ نَقَصَ النِّصَابُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: إنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ عَجَّلَ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ، وَأَجْزَأَتْ عَنْ الْوَارِثِ.

قَوْلُهُ (لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَسَاكِينِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَانَ أَنَّ الْمُخْرَجَ غَيْرُ زَكَاتِهِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. لِوُقُوعِهِ نَفْلًا. بِدَلِيلِ مِلْكِ الْفَقِيرِ لَهَا. قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ زَكَاةَ مَالِهِ، ثُمَّ عَلِمَ غِنَاهُ: يَأْخُذُهَا مِنْهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إنْ كَانَ الدَّافِعُ وَلِيَّ رَبِّ الْمَالِ رَجَعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ وَدَفَعَ إلَى السَّاعِي مُطْلَقًا: رَجَعَ فِيهَا، مَا لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْفَقِيرِ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: إنْ كَانَ الدَّافِعُ لَهَا السَّاعِيَ رَجَعَ مُطْلَقًا، قُلْت: مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ: فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَحَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَى فِي الْوَسِيلَةِ: أَنَّ مِلْكَهُ لِلرُّجُوعِ رِوَايَةٌ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي فِيهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ السَّاعِيَ: أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ، وَدَفَعَهَا السَّاعِي إلَى الْفَقِيرِ: رَجَعَ عَلَيْهِ، أَعْلَمَهُ السَّاعِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ، فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

ص: 213

وَإِنْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ. رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ هُنَا، وَقِيلَ: يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْفَقِيرُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ رَجَعَ عَلَيْهِ: وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَأَوْجُهٌ. الثَّالِثُ: يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا عَلَى الْمُقَدَّمِ عِنْدَهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: فِي الْوَلِيِّ أَوْجُهٌ. الثَّالِثُ: يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ. قَالَ كَذَا مَنْ دَفَعَ إلَى السَّاعِي، وَقِيلَ: يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ. وَكَانَتْ بِيَدِهِ.

فَائِدَةٌ: مَتَى كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَادِقًا، فَلَهُ الرُّجُوعُ بَاطِنًا. أَعْلَمَهُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ لَا لَا ظَاهِرًا مَعَ إطْلَاقِ أَنَّهُ خِلَافٌ لِلظَّاهِرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ التَّعْجِيلِ صُدِّقَ الْآخِذُ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَيَحْلِفُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ وَرَجَعَ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ كَنَظَائِرِهِ، وَأَشَارَ أَبُو الْمَعَالِي إلَى تَرَدُّدِ الْأَمْرِ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْفَرْضِ، فَإِذَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ بَقِيَ كَوْنُهَا فَرْضًا، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِالْمُنْفَصِلَةِ أَيْضًا، كَرُجُوعِ بَائِعِ الْمُفْلِسِ الْمُسْتَرِدِّ عَيْنَ مَالِهِ بِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ نَقْصَهَا كَجُمْلَتِهَا وَأَبْعَاضِهَا، كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

ص: 214

وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ: وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي فِي ضَمَانِ النَّقْصِ وَلَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً ضَمِنَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يَوْمَ التَّلَفِ عَلَى صِفَتِهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ، وَلَا يَضْمَنُهُ، وَمَا نَقَصَ يَضْمَنُهُ. انْتَهَى. وَأَمَّا ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: ضَمِنَهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الْمَجْدَ يَوْمَ التَّلَفِ عَلَى صِفَتِهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ، فَصَاحِبُ الْفُرُوعِ فَسَّرَ مُرَادَ الْأَصْحَابِ بِمَا قَالَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَانِيًا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَتَفْسِيرُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ أَوْلَى وَأَقْعَدُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَغْرَمُ نَقْصَهَا يَوْمَ رَدِّهَا أَوْ قِيمَتَهَا، إنْ تَلِفَتْ أَوْ مِثْلَهَا يَوْمَ عُجِّلَتْ، وَقِيلَ: بَلْ يَوْمَ التَّلَفِ. فَصِفَتُهَا يَوْمَ عُجِّلَتْ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ وَغَيْرَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عُجِّلَ وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهُ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ اسْتَسْلَفَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْفُقَرَاءِ. سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: إنْ تَلِفَتْ بِيَدِ السَّاعِي ضَمِنَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لَا، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّ الْإِمَامَ يَدْفَعُ إلَى الْفَقِيرِ عِوَضَهَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ.

وَمِنْهَا: لَوْ تَعَمَّدَ الْمَالِكُ إتْلَافَ النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ التَّعْجِيلِ، غَيْرَ قَاصِدٍ الْفِرَارَ مِنْهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّالِفِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فِي الرُّجُوعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا لَوْ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ قَبْضَهَا، أَوْ قَبْضَهَا لِحَاجَةِ صِغَارِهِمْ، وَكَمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ.

ص: 215

وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ فِيمَا إذَا أُتْلِفَتْ دُونَ الزَّكَاةِ لِلتُّهْمَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهَلْ إتْلَافُهُ مَالَهُ عَمْدًا بَعْدَ التَّعْجِيلِ كَتَلَفِهِ لِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ كَإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْفَقِيرُ لَزِمَهُ بَدَلُهَا وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ لِمِلْكِ الْفَقِيرِ لَهَا وَإِجْزَائِهَا عَنْ رَبِّهَا: قَبْضُهُ، فَلَا يُجْزِئُ غَدَاءُ الْفُقَرَاءِ وَلَا عَشَاؤُهُمْ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْفَقِيرِ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي الْمُعَيَّنَةِ الْمَقْبُولَةِ كَالْمَقْبُوضَةِ، كَالْهِبَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالرَّهْنِ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ عَيَّنَ زَكَاتَهُ فَقَبِلَهَا الْفَقِيرُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: فِي الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْفَرْضِ وَغَيْرِهَا طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقَبْضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالشِّيرَازِيِّ فِي الْمُبْهِجِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ فِي الْمُبْهَمِ بِدُونِ الْقَبْضِ. وَفِي الْمُعَيَّنِ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَالْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ، إلَّا أَنَّهُمَا حَكَيَا فِي الْمُعَيَّنِ رِوَايَتَيْنِ كَالْهِبَةِ. انْتَهَى، فَإِذَا قُلْنَا: تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ، فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهَا؟ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ. قَالَ: وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ. فَقِيَاسُهُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ، وَتَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْهِبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ الْفَقِيرُ لِرَبِّ الْمَالِ: اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا، وَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ: لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ كَانَ لِلْمَالِكِ وَلَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ. مِنْ إذْنِهِ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ عَنْهُ أَوْ صَرْفِهِ، أَوْ الْمُضَارَبَةِ بِهِ.

ص: 216