المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء]

وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، وَعَنْهُ تَسْقُطُ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَسْقُطُ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ تَسْقُطُ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَسْقُطُ مُطْلَقًا كَرَمَضَانَ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ أَحْكَامِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ هَلْ يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ؟ وَتَقَدَّمَ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي بَابِهِ.

الثَّانِيَةُ: حُكْمُ أَكْلِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ عَنْهُ: حُكْمُ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ جَوَازُ أَكْلِهِ مَخْصُوصًا بِكَفَّارَةِ رَمَضَانَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ مَلَّكَهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَقُلْنَا لَهُ أَخْذُهُ هُنَاكَ فَلَهُ هُنَا أَكْلُهُ، وَإِلَّا أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: هَلْ لَهُ أَكْلُهُ، أَوْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا هُنَا. وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الظِّهَارِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ لِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ: مِقْدَارُ مَا يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ وَصِفَتُهُ

[بَابُ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ]

ِ قَوْلُهُ (يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْتَلِعَهُ، وَأَنْ يَبْتَلِعَ النُّخَامَةَ وَهَلْ يُفْطِرُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . إذَا جَمَعَ رِيقَهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا كُرِهَ، بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يُفْطِرُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. كَمَا لَوْ ابْتَلَعَهُ قَصْدًا وَلَمْ يَجْمَعْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

ص: 324

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يُفْطِرُ بِذَلِكَ، فَيَحْرُمُ فِعْلُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ أَخْرَجَ رِيقَهُ إلَى مَا بَيْنَ شَفَتَيْهِ. ثُمَّ أَعَادَهُ وَبَلَعَهُ. حَرُمَ عَلَيْهِ، وَأَفْطَرَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ وَيَبْلَعُهُ؛ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ عَادَةً، كَغَيْرِ الرِّيقِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْرَجَ حَصَاةً مِنْ فَمِهِ أَوْ دِرْهَمًا أَوْ خَيْطًا ثُمَّ أَعَادَ، فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرًا فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ إلَى فِيهِ بِمَا عَلَيْهِ وَبَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُفْطِرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ، أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ قَيْءٌ، أَوْ قَلَسٌ فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ؛ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَإِنْ بَصَقَهُ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا النُّخَامَةُ إذَا بَلَعَهَا: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفِطْرِ بِهِ وَجْهَيْنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النُّخَامَةَ تَارَةً تَكُونُ مِنْ جَوْفِهِ، وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ [دِمَاغِهِ، وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ] حَلْقِهِ، فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى فَمِهِ ثُمَّ بَلَعَهَا، فَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا ثَلَاثُ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: إنْ كَانَتْ مِنْ جَوْفِهِ أَفْطَرَ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

ص: 325

إحْدَاهُمَا: يُفْطِرُ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُفْطِرُ، فَيُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: فِي بَلْعِ النُّخَامَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ رِوَايَتَانِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمُحَرَّرِهِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يُفْطِرُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُفْطِرُ بِهِ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: إنْ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ: أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صَدْرِهِ فَرِوَايَتَانِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ) . هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقُوا. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْحَاجَةِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ وَحَاجَةٍ، كَذَوْقِ الطَّعَامِ مِنْ الْقِدْرِ، وَالْمَضْغِ لِلطِّفْلِ وَنَحْوِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ لِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: إذَا ذَاقَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْصِي فِي الْبَصْقِ. ثُمَّ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي

ص: 326

حَلْقَهُ لَمْ يُفْطِرْ كَالْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقْصِ فِي الْبَصْقِ أَفْطَرَ لِتَفْرِيطِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ يُفْطِرُ مُطْلَقًا، قُلْت: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي مُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ.

قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: وَهُوَ الْمُومْيَا، وَاللِّبَانُ الَّذِي كُلَّمَا مَضَغَهُ قَوِيَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ يَحْلُبُ الْفَمَ، وَيَجْمَعُ الرِّيقَ وَيُوَرِّثُ الْعَطَشَ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ غَالِبًا: وَفِطْرُهُ بِوُصُولِهِ أَوْ طَعْمِهِ إلَى حَلْقِهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يُفْطِرُ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَصَفَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الطَّعْمِ لَا يُفْطِرُ. كَمَنْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِحَنْظَلٍ. إجْمَاعًا، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ) . يَعْنِي فَيَجُوزُ، وَهَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَجَزَمُوا بِهِ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ مَضْغُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَفَرَضَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ فِي ذَوْقِهِ يَعْنِي يَحْرُمُ

ص: 327

ذَوْقُهُ وَإِنْ لَمْ يَذُقْهُ لَمْ يَحْرُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيَحْرُمُ ذَوْقُ مَا يَتَحَلَّلُ، أَوْ يَتَفَتَّتُ، وَقِيلَ: إنْ بَلَعَ رِيقَهُ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ (وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، فَاعِلُ الْقُبْلَةِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ ذَلِكَ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْهُ تَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَظُنَّ الْإِنْزَالَ، فَإِنْ ظَنَّ الْإِنْزَالَ حَرُمَ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْقُبْلَةُ إذَا لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْوَجِيزِ: وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ بِشَهْوَةٍ، فَمَفْهُومُهُ: لَا تُكْرَهُ بِلَا شَهْوَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ تُكْرَهُ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

تَنْبِيهٌ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ: عَائِدٌ إلَى مَنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَعَلَيْهِ شَرْحُ الشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّى، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَشْهَرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا:

ص: 328

وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَلَا تُكْرَهُ. لَكِنْ يُبْعِدُ هَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي.

فَائِدَةٌ: إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ مَنْ اقْتَصَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ عَلَى ذِكْرِ الْقُبْلَةِ: دَوَاعِي الْجِمَاعِ بِأَسْرِهَا أَيْضًا. وَلِهَذَا قَاسُوهُ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَقَالُوا: عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ فَمَنَعَتْ دَوَاعِيَهُ. قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: وَاللَّمْسُ، وَتَكْرَارُ النَّظَرِ كَالْقُبْلَةِ. لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقُبْلَةِ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَكْرَارِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ فِي الْجِمَاعِ، فَإِنْ أَنْزَلَ أَثِمَ وَأَفْطَرَ، وَالتَّلَذُّذُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ، وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ سَوَاءٌ. هَذَا كَلَامُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ شُتِمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ) . يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ مَعَ نَفْسِهِ، يَزْجُرُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَطَّلِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُوَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنْ يَقُولَهُ جَهْرًا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِلْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنْ يَقُولَهُ: جَهْرًا فِي رَمَضَانَ، وَسِرًّا فِي غَيْرِهِ زَاجِرًا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ؛ وَذَلِكَ لِلْأَمْنِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ) إجْمَاعًا. يَعْنِي إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ.

ص: 329

الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السَّحُورِ) . إجْمَاعًا. إذَا لَمْ يُخْشَ طُلُوعُ الْفَجْرِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ اسْتِحْبَابُ السَّحُورِ مَعَ الشَّكِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا قَوْلَ أَبِي دَاوُد: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ " إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَ غَيْرِ الشَّيْخِ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُ الْمَنْعِ بِالشَّكِّ، وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ: يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ، وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَذَا خَصَّ الْأَصْحَابُ الْمَنْعَ بِالْمُتَيَقَّنِ. كَشَكِّهِ فِي نَجَاسَةِ طَاهِرٍ. قَالَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ لِعَالِمَيْنِ: اُرْقُبَا الْفَجْرَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَطْلُعْ. أَكَلَ حَتَّى يَتَّفِقَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إذَا خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ. لِيَتَحَقَّقَ لَهُ صَوْمُ جَمِيعِ الْيَوْمِ، وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ، وَقَالَ: لَا فَرْقَ. ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، وَقَالَ: بَلْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَ شَكِّهِ فِي طُلُوعِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ: فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ " أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ، وَيُكْرَهُ الْجِمَاعُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَجِبُ إمْسَاكُ جَزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ، أَوْ صَرِيحُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ.

ص: 330

وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ.

الثَّالِثَةُ: الْمَذْهَبُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِالظَّنِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَجُوزُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ، وَلَا يَجُوزُ فِي آخِرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَوْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الْآخِرِ. وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَوَّلِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ.

الرَّابِعَةُ: إذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى: أَفْطَرَ الصَّائِمُ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَطْعَمْ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، فَلَا يُثَابُ عَلَى الْوِصَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَقَالَ: وَالْعَلَامَاتُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ: فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» مُتَلَازِمَةٌ، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا لِئَلَّا يُشَاهِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدُ عَلَى غَيْرِهَا. ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا، وَيَقُولُ: يُقْبِلُ اللَّيْلُ مَعَ بَقَاءِ الشَّمْسِ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا مُشَاهَدٌ.

الْخَامِسَةُ: تَحْصُلُ فَضِيلَةُ السَّحُورِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَكَمَالُ فَضِيلَتِهِ بِالْأَكْلِ

قَوْلُهُ (وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ) . هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: يُسَنُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى الرُّطَبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، وَقَالَ فِي

ص: 331

الْوَجِيزِ: وَيُفْطِرُ عَلَى رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ مَاءٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: يُفْطِرُ عَلَى تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ مَاءٍ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيُسَنُّ أَنْ يُعَجِّلَ فِطْرَهُ عَلَى تَمْرٍ أَوْ مَاءٍ.

قَوْلُهُ (وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ. سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك. اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي. إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) هَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَزَادَ " بِسْمِ اللَّهِ " وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ " بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ " وَبَعْدَ قَوْلِهِ " وَعَلَى رِزْقِك " أَفْطَرْتُ ":" وَعَلَيْك تَوَكَّلْتُ " وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا أَفْطَرَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ. وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبُتَ الْأَجْرُ. إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» . فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ. فَإِنَّ لَهُ دَعْوَةً لَا تُرَدُّ.

الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَطِّرَ الصُّوَّامَ، «وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُ بِتَفْطِيرِهِ أَنْ يُشْبِعَهُ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ كَثْرَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ، وَالصَّدَقَةِ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجِبُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ إنْ [قُلْنَا: إنَّ] قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى الْفَوْرِ، وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: هَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِالصِّيَامِ قَبْلَ [قَضَاءِ] رَمَضَانَ لَهُمْ أَمْ لَا؟ .

ص: 332

تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَتَّسِعُ لِلْقَضَاءِ فَقَطْ. فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَعَيَّنُ التَّتَابُعُ قَوْلًا وَاحِدًا، فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: هَلْ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الْقَضَاءِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّلَاةِ: لَا تَنْتَفِي إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى النَّفْلِ فِي ثَانِي الْوَقْتِ. قَالَ: وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ مُتَرَاخِيَةٍ.

الثَّانِيَةُ: مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ كَامِلًا، سَوَاءٌ كَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، لِعُذْرٍ كَالْأَسِيرِ وَالْمَطْمُورِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ غَيْرِهِ: قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ مُطْلَقًا، كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إنْ قَضَى شَهْرًا هِلَالِيًّا أَجْزَأَهُ. سَوَاءٌ كَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ شَهْرًا صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: أَجْزَأَ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: مَنْ صَامَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ كَامِلٍ، أَوْ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ، تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَكَانَ رَمَضَانُ الْفَائِتُ نَاقِصًا: أَجْزَأَهُ عَنْهُ، اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَقْضِي يَوْمًا تَكْمِيلًا لِلشَّهْرِ بِالْهِلَالِ، أَوْ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَخَّرَهُ رَمَضَانَاتٍ

ص: 333

وَلَمْ يَمُتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: لَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ؛ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ.

فَائِدَةٌ: يُطْعِمُ مَا يُجْزِئُ كَفَّارَةً. وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ. قَالَ الْمَجْدُ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَنَا، مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ، وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ رِوَايَةً: يُطْعِمُ عَنْهُ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ الصَّوْمُ عَنْهُ، أَوْ التَّكْفِيرُ

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَخَّرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ) أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ: الْعِبَادَةُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ. بَلْ النِّيَابَةُ تَدْخُلُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، إذَا وَجَبَتْ وَعَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ: فَأَمَّا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ، فَلَنَا رِوَايَةٌ: أَنَّ الْوَارِثَ يَنْوِ عَنْهُ فِي جَمِيعِهَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. انْتَهَى. وَمَالَ النَّاظِمُ إلَى جَوَازِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لَوْ قَالَ بِهِ، لَمْ أَبْعُدْ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ أَخَّرَهُ لَا لِعُذْرٍ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ: أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَالْمُخْتَارُ الصِّيَامُ عَنْهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيَصِحُّ قَضَاءُ نَذْرٍ قُلْت: وَفَرْضٍ عَنْ مَيِّتٍ مُطْلَقًا. كَاعْتِكَافٍ. انْتَهَى.

ص: 334

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ تَبَرَّعَ بِصَوْمِهِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَهُمَا مُعْسِرَانِ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ، بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَهَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، أَوْ اثْنَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَحَكَاهُمَا فِي الْفَائِقِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا: يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ فَقَطْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ. وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَانِ؛ لِاجْتِمَاعِ التَّأْخِيرِ وَالْمَوْتِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَقْضِي مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، وَقَالَ: لَا تَصِحُّ عَنْهُ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْإِطْعَامُ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ.

الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُ صَوْمُ كَفَّارَةٍ عَنْ مَيِّتٍ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ أُطْعِمَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكِينَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مِنْ كَفَّارَةٍ: أُطْعِمَ عَنْهُ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ.

ص: 335

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ: فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مَنْذُورٌ فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى مَا سَبَقَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيُجْزِئ عِدَّتُهُمْ مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى الصَّحِيحِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ، وَحَمَلَ الْمَجْدُ مَا نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ عَلَى صَوْمِ شَرْطِ التَّتَابُعِ، وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَصُومُ وَاحِدٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: فَمَعَ الِاشْتِرَاكِ كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَمَاعَةٍ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ [مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي]، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ: يَصُومُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ: ابْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّصِّ: أَنَّهُ لَا يُصَامُ بِإِذْنِهِ.

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: قَوْلُهُ (فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) . يُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَجَبَ فِعْلُهُ، فَيُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ الصَّوْمُ. وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ

ص: 336

إلَى مَنْ يَصُومُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَمَعَ امْتِنَاعِ الْوَلِيِّ مِنْ الصَّوْمِ يَجِبُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَعَ صَوْمِ الْوَرَثَةِ لَا يَجِبُ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا يَعْجِزُ عَنْهُ: أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا إطْعَامَ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ رَمَضَانَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِ خِلَافَهُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: لَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا امْتَنَعُوا يَلْزَمُهُمْ اسْتِنَابَةٌ وَلَا إطْعَامٌ. الثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ مَعَ الصَّوْمِ عَنْهُ، أَوْ الْإِطْعَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الصَّوْمَ عَنْهُ بَدَلٌ مُجْزِئٌ عَنْهُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَأَوْجَبَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْكَفَّارَةَ. قَالَ: كَمَا لَوْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ صَوْمَ شَهْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ لَمْ يَقْضِهِ عَنْهُ وَرَثَتُهُ أَوْ غَيْرُهُمْ: أُطْعِمَ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرٌ مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَإِنْ قَضَى كَفَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَعَنْهُ مَعَ الْعُذْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ.

تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: هَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ مَا نَذَرَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى مَاتَ، فَأَمَّا إنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ بَعْضِ مَا نَذَرَهُ: قَضَى عَنْهُ مَا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ فَقَطْ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: يَثْبُتُ الصِّيَامُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ أَدَائِهِ، وَيُخَيَّرُ وَلِيُّهُ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ، أَوْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ يَصُومُ عَنْهُ.

ص: 337

وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يَقْضِي عَنْ الْمَيِّتِ مَا تَعَذَّرَ فِعْلُهُ بِالْمَرَضِ دُونَ الْمُتَعَذِّرِ بِالْمَوْتِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: وَأَمَّا الْمَنْذُورَاتُ: فَفِي اشْتِرَاطِ التَّمَكُّنِ لَهَا مِنْ الْأَدَاءِ وَجْهَانِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ: هَلْ يَقْضِي الصَّائِمُ الْفَائِتَ بِالْمَرَضِ خَاصَّةً، أَوْ الْفَائِتَ بِالْمَرَضِ وَالْمَوْتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. الثَّانِي: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ النَّذْرُ فِي الذِّمَّةِ، فَأَمَّا إنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ: لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَقْضِ عَنْهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا مَذْهَبُ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ سَقَطَ بَاقِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ حَتَّى انْقَضَى، ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ: فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ هَذِهِ أَحْكَامُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ، وَأَمَّا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ مَنْذُورٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وَلِيَّهُ يَفْعَلُهُ عَنْهُ، وَيَصِحُّ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلُ لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْحَجِّ فِي حَيَاتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَهُوَ أَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْفَقِيرِ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ، وَلَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ النَّذْرِ زَادًا وَلَا رَاحِلَةً حَتَّى مَاتَ لَا يُقْضَى عَنْهُ، كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَعَلَيْهِ قِيَاسُ كُلِّ صُورَةٍ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، كَاَلَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ، أَوْ عِنْدَ خَوْفِ الطَّرِيقِ، قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ: هَلْ هُوَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ؟ . الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَةِ حُكْمُ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ إذَا مَاتَ وَهِيَ عَلَيْهِ.

ص: 338

الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. بِلَا نِزَاعٍ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّرِكَةِ. كَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ فِي نَذْرٍ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ فِي كَفَّارَةٍ، إذَا قُلْنَا: يَصِحُّ، ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ فِي ضِمْنِ تَعْلِيلِ الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُفْعَلُ عَنْهُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَعْتَكِفُوا عَنْهُ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ، فَالْخِلَافُ السَّابِقُ كَالصَّوْمِ، وَقِيلَ: يَقْضِي. وَقِيلَ: لَا، فَعَلَيْهِ يَسْقُطُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ.

تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا حَكَيْته فِي الْمَتْنِ هَكَذَا " وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ " فَلَفْظَةُ " مَنْذُورٌ " مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الِاعْتِكَافِ، وَهَكَذَا فِي نُسَخٍ قُرِئَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ، فَغَيَّرَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُصَنِّفِ الْمَأْذُونُ لَهُ بِالْإِصْلَاحِ، فَقَالَ " وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مَنْذُورٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ اعْتِكَافٌ فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ " لِأَنَّ تَأْخِيرَ لَفْظَةِ " مَنْذُورٌ " لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ: إمَّا أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الثَّلَاثَةِ، أَوْ إلَى الْأَخِيرِ، وَهُوَ الِاعْتِكَافُ، وَعَلَى كِلَيْهِمَا يَحْصُلُ فِي الْكَلَامِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الِاعْتِكَافِ فَقَطْ بَقِيَ الصَّوْمُ مُطْلَقًا. وَالْوَلِيُّ لَا يَفْعَلُ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ مِنْ الصَّوْمِ، وَإِنْ عَادَ إلَى الثَّلَاثَةِ، بَقِيَ الْحَجُّ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ مَنْذُورًا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَفْعَلُ الْحَجَّ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ أَيْضًا، فَلِذَلِكَ غَيَّرَ.

ص: 339

وَلَا يُقَالُ: إذَا قَدَّمْنَا لَفْظَةَ " مَنْذُورٌ " عَلَى الْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ، يَبْقَى الِاعْتِكَافُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ وَاجِبًا إلَّا بِالنَّذْرِ. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى [صِفَةِ] مَا قَالَهُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ أَوْلَى، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ هُنَا النِّيَابَةُ فِي الْمَنْذُورَاتِ لَا غَيْرُ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ، وَالصَّوْمَ الْمَنْذُورَ، فَكَذَا الِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ، وَأَمَّا كَوْنُ الْحَجِّ إذَا كَانَ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ يُفْعَلُ: فَهَذَا مُسَلَّمٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، فَقَالَ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ: أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ غَالِبُ الْأَصْحَابِ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، فَيَذْكُرُونَ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمُحَرَّرِهِ، وَالشَّارِحُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يُفْعَلُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ جَزَمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُفْعَلُ عَنْهُ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَهِيَ أَصَحُّ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَا يُفْعَلُ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي نَظْمِ النِّهَايَةِ: لَا يُفْعَلُ فِي الْأَظْهَرِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهَا.

ص: 340

تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُ ذِكْرَ " الْوَارِثُ " هُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْخِرَقِيُّ: هُوَ الْوَارِثُ مِنْ الْعَصَبَةِ. الثَّانِي: هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ إذَا كَانَ النَّاذِرُ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْأَدَاءِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ غَيْرُ مَا ذَكَرَ مِنْ الطَّاعَاتِ الْمَنْذُورَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: مَنْ نَذَرَ طَاعَةً فَمَاتَ فُعِلَتْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ: صَامَ عَنْهُ وَرَثَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ وَطَاعَةٍ، وَكَذَا قَالَ فِي الْعُمْدَةِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ وَطَاعَةٍ إلَّا الصَّلَاةَ، فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِصَّةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ نَذْرٍ يُقْضَى، كَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَقَى: بِقَضَاءِ كُلِّ الْمَنْذُورَاتِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لَا تُفْعَلُ طَهَارَةٌ مَنْذُورَةٌ عَنْهُ مَعَ لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي فِعْلِهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَلُزُومِهَا بِالنَّذْرِ مَا سَبَقَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ: هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ قِيَاسَ عَدَمِ فِعْلِ الْوَلِيِّ لَهَا: أَنْ لَا تُفْعَلَ بِالنَّذْرِ، وَإِنْ لَزِمَتْ الطَّهَارَةُ: لَزِمَ فِعْلُ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا بِهَا، كَنَذْرِ

ص: 341