المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب زكاة الأثمان] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب زكاة الأثمان]

[بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ]

ِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ. وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، فَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَلَا فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيَجِبُ فِيهَا خَمْسُ دَرَاهِمَ)، مُرَادُهُ: وَزْنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ قَالَ: نِصَابُ الْأَثْمَانِ: هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي كُلِّ زَمَنٍ مِنْ خَالِصٍ وَمَغْشُوشٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَكَذَا قَالَ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَهُ قَاعِدَةٌ فِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا:" الْمِثْقَالُ " وَزْنُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي وَزْنُهُ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَالْعَشَرَةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ صِنْفَيْنِ " سَوْدَاءَ " زِنَةُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ دَوَانِقَ، وَ " طَبَرِيَّةً " زِنَةُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ، فَجَمَعَهُمَا بَنُو أُمَيَّةَ وَجَعَلُوا الدِّرْهَمَ سِتَّةَ دَوَانِقَ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، فَرَأَى بَنُو أُمَيَّةَ صَرْفَهَا إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ، فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا، وَضَرَبُوا عَلَى وَزْنِهِمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: زِنَةُ كُلِّ مِثْقَالٍ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً، وَزِنَةُ كُلِّ دِرْهَمٍ إسْلَامِيٍّ: خَمْسُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ وَخُمُسَا حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْمِثْقَالُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ عُشْرِ حَبَّةٍ.

الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفُلُوسَ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فِيمَا زَكَاتُهُ الْقِيمَةُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 131

وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ: الْحَلْوَانِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فَقَالَ: وَالْفُلُوسُ أَثْمَانٌ، وَلَا تُزَكَّى، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: تَجِبُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَقِيلَ: إذَا كَانَتْ رَائِجَةً، وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ، إذَا كَانَتْ نَافِقَةً وَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرِّبَا، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً، أَوْ لِلتِّجَارَةِ، وَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا زَكَاةَ فِيهَا إنْ كَانَتْ لِلنَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ: قُوِّمَتْ كَعُرُوضٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَالْفُلُوسُ عُرُوضٌ، فَتُزَكَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَهِيَ نَافِقَةٌ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَالْفُلُوسُ ثَمَنٌ فِي وَجْهٍ، فَلَا تُزَكَّى، وَقِيلَ: سِلْعَةٌ، فَتُزَكَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا وَهِيَ رَائِجَةٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْكُبْرَى، وَقِيلَ: فِي وُجُوبِ رَائِجَةٍ وَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا: عَدَمُهُ، لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ إذَنْ، وَإِنْ قُلْنَا: عَرَضٌ فَلَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ.

قَوْلُهُ (وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهَا، حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ مَا فِيهِ نِصَابًا) . يَعْنِي حَتَّى يَبْلُغَ الْخَالِصُ نِصَابًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ فِي شَرْحِهِ وَجْهًا: إنْ بَلَغَ مَضْرُوبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ الْغِشُّ أَكْثَرَ، وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: يُقَوَّمُ مَضْرُوبُهُ كَالْعُرُوضِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَكَّ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ) . يَعْنِي لَوْ شَكَّ: هَلْ فِيهِ نِصَابٌ خَالِصٌ؟ فَإِنْ لَمْ يَسْبِكْهُ اسْتَظْهَرَ، وَأَخْرَجَ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ مَعَ الشَّكِّ، هَلْ هُوَ نِصَابٌ أَمْ لَا؟ .

ص: 132

فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ مِنْ الْمَغْشُوشِ أَكْثَرُ مِنْهُ نِصَابٌ خَالِصٌ، لَكِنْ شَكَّ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَظْهِرُ وَيُخْرِجُ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَغْشُوشُ وَزْنَ أَلْفٍ ذَهَبًا، وَفِضَّةً سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الْأُخْرَى. زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً، وَإِنْ لَمْ يُجْزِ ذَهَبٌ عَنْ فِضَّةٍ. زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَسِتَّمِائَةٍ فِضَّةً.

الثَّانِيَةُ: إذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ قَدْرِ غِشِّهِ، فَضَعْ فِي مَاءٍ ذَهَبًا خَالِصًا بِوَزْنِ الْمَغْشُوشِ وَعَلِّمْ قَدْرَ عُلُوِّ الْمَاءِ، ثُمَّ ارْفَعْهُ، ثُمَّ ضَعْ فِضَّةً خَالِصَةً بِوَزْنِ الْمَغْشُوشِ وَعَلِّمْ عُلُوَّ الْمَاءِ. ثُمَّ ضَعْ الْمَغْشُوشَ وَعَلِّمْ عُلُوَّ الْمَاءِ، ثُمَّ امْسَحْ مَا بَيْنَ الْوُسْطَى وَالْعُلْيَا وَمَا بَيْنَ الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى، فَإِنْ كَانَ الْمَمْسُوحَانِ سَوَاءً: فَنِصْفُ الْمَغْشُوشِ ذَهَبٌ، وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ، وَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَبِحِسَابِهِ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْشُوشِ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ: أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ، كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ لِصِنَاعَتِهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَغْشُوشَةَ مِنْهَا، فَإِنْ عَلِمَ قَدْرَ الْغِشِّ فِي كُلِّ دِينَارٍ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ، فَيُخْرِجَ قَدْرَ الزَّكَاةِ بِيَقِينٍ، وَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا غَشَّ فِيهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَإِنْ أَسْقَطَ الْغِشَّ وَزَكَّى عَلَى قَدْرِ الذَّهَبِ جَازَ، وَلَا زَكَاةَ فِي غِشِّهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ فِضَّةً وَلَهُ مِنْ الْفِضَّةِ مَا يَتِمُّ بِهِ نِصَابًا، أَوْ نَقُولُ بِرِوَايَةِ ضَمِّهِ إلَى الذَّهَبِ. زَادَ الْمَجْدُ: أَوْ يَكُونُ غِشُّهَا لِلتِّجَارَةِ.

قَوْلُهُ (وَيُخْرِجُ مِنْ الْجَيِّدِ الصَّحِيحَ مِنْ جِنْسِهِ) هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ مُكَسَّرًا أَوْ بَهْرَجَاءَ وَهُوَ الرَّدِيءُ زَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ مَغْشُوشًا مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ الْمَغْشُوشُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

ص: 133

وَقِيلَ: يَجِبُ الْمِثْلُ، اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ فِي غَيْرِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ صِحَاحٍ مُكَسَّرَةً، وَزَادَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ جِيَادٍ بَهْرَجًا بِقِيمَةِ جِيَادٍ: فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ، وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا أَخْرَجَ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَيْنِ بِمَا عَيَّنَهُ لَا مِنْ جِنْسِهِ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: يُخْرِجُ عَنْ جَدِيدٍ صَحِيحٍ وَرَدِيءٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ شَقَّ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ أَخْرَجَ مِنْ الْوَسَطِ كَالْمَاشِيَةِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ الْأَعْلَى مِنْ الْأَدْنَى، أَوْ مِنْ الْوَسَطِ وَزَادَ قَدْرَ الْقِيمَةِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ كَلَامُ جَمَاعَةٍ وَتَعْلِيلُهُمْ أَنَّهَا كَمَغْشُوشٍ عَنْ جَيِّدٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَعْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَزْنِ لَمْ يُجْزِهِ، وَيُجْزِئُ قَلِيلُ الْقِيمَةِ عَنْ كَثِيرِهَا مَعَ الْوَزْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَزِيَادَةُ قَدْرِ الْقِيمَةِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، أَوْ يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. أَمَّا ضَمُّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الضَّمُّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَالْقَاضِي، وَوَلَدُهُ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي

ص: 134

خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ. انْتَهَى. قُلْت: وَنَصَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْهَادِي، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُضَمُّ. قَالَ الْمَجْدُ: يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهَا أَخِيرًا وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ مَعَ اخْتِيَارِهِ فِي الْحُبُوبِ الضَّمَّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَهَذَا يَكُونُ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَأَمَّا إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ. قَالَ فِي، الْفَائِقِ: وَيَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، كَمَا اخْتَارَ عَدَمَ الضَّمِّ، وَوَافَقَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ هُنَا، وَخَالَفَاهُ فِي الضَّمِّ، فَاخْتَارَا جَوَازَهُ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ، وَلَمْ يُصَحِّحَا شَيْئًا فِي الضَّمِّ، وَصَحَّحَ فِي الْفَائِقِ عَدَمَ الضَّمِّ، وَصَحَّحَ جَوَازَ إخْرَاجِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى الضَّمِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ انْتَهَى.

ص: 135

قُلْت: بَنَاهُمَا عَلَى الضَّمِّ فِي الْكَافِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهَلْ يُجْزِئُ مُطْلَقًا إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، أَوْ إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ عَمَّا يُضَمُّ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُصُولِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْفُلُوسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ: قُلْت: إنْ جُعِلَتْ ثَمَنًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي إجْزَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ إجْزَاءُ الْفُلُوسِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَعَنْهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِالْحِسَابِ، مَعَ الضَّمِّ، وَقِيلَ: وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا، وَفِي إجْزَاءِ الْفُلُوسِ عَنْهَا إذَنْ مَعَ الْإِخْرَاجِ الْمَذْكُورِ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ (وَيَكُونُ الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: بِالضَّمِّ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الضَّمَّ يَكُونُ بِالْأَجْزَاءِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجَامِعِهِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: بِالْقِيمَةِ فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ، يَعْنِي يُكَمَّلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْ الْقَاضِي أَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ قَالَ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَحَظَّ لِلْمَسَاكِينِ.

ص: 136

فَعَلَى هَذَا: لَوْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا ضَمَّ إلَيْهِ مَا نَقَصَ عَنْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ يَكُونُ الضَّمُّ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ إلَى وَزْنِ الْآخَرِ، فَيُقَوَّمُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، وَعَنْهُ يُضَمُّ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا إلَى الْأَكْثَرِ. ذَكَرَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَيُقَوَّمُ بِقِيمَةِ الْأَكْثَرِ، نَقَلَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: فِي فَوَائِدِ الْخِلَافِ: لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ: ضُمَّا. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا دُونَ مِائَةِ دِرْهَمٍ: ضُمَّا، عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ ثَمَانِيَةً، قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ: ضُمَّا عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا ضَمَّ. الثَّانِيَةُ: يُضَمُّ جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ إلَى رَدِيئِهِ وَيُضَمُّ مَضْرُوبُهُ إلَى تِبْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّارِحُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي كُتُبِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ مَعَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ، ضَمَّ الْجَمِيعَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا. وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَصْلًا لِرِوَايَةِ ضَمِّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اعْتَرَفَ الْمَجْدُ أَنَّ الضَّمَّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، قَالَ: فَيَلْزَمُ حَيْثُ التَّخْرِيجُ مِنْ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ الْفَرْقِ. قَالَ: وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ أَظُنُّهُ أَبَا الْمَعَالِي بْنَ مُنَجَّى بِأَنَّ مَا قُوِّمَ بِهِ الْعُرُوض، كَنَاضٍّ عِنْدَهُ، فَفِي ضَمِّهِ إلَى غَيْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَتُضَمُّ الْعُرُوض إلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

ص: 137

نِصَابًا أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَعُرُوضٌ، الْكُلُّ لِلتِّجَارَةِ: ضَمَّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ لِلتِّجَارَةِ: ضَمَّ الْعُرُوضَ إلَى إحْدَاهُمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ يُضَمُّ إلَيْهِمَا، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَزَادَ بَعْدَ الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ قُلْنَا: يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

قَوْلُهُ (وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ نَظَرًا، وَعَنْهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا لَمْ يُعَرْ وَلَمْ يُلْبَسْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ " زَكَاتُهُ عَارِيَّتُهُ " وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَسِيلَةِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ جَوَابًا.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ " لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا أُعِدَّ لِلُبْسِ الْمُبَاحِ أَوْ الْإِعَارَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَهُ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، كَرَجُلٍ يَتَّخِذُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِإِعَارَتِهِنَّ، أَوْ امْرَأَةٍ تَتَّخِذُ حُلِيَّ الرِّجَالِ لِإِعَارَتِهِمْ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَهُوَ أَظْهَرُ، وَوَجَّهَ احْتِمَالًا لَا يُعْدَمُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَلَوْ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْهَا، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ قَالَ: إنْ اتَّخَذَ رَجُلٌ حُلِيَّ امْرَأَةٍ: فَفِي زَكَاتِهِ رِوَايَتَانِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادًا، أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا.

ص: 138

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْحُلِيُّ لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ: فَلِوَلِيِّهِ إعَارَتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يُعِرْهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُعِيرِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، قَالَ: فَهَذَانِ قَوْلَانِ، أَوْ أَنَّ هَذَا لِمَصْلَحَةِ مَالِهِ، وَيُقَالُ: قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الثَّوَابِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ، كَالْقَرْضِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ. انْتَهَى.

(وَالْآنِيَةُ، وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ أَوْ النَّفَقَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ، وَالْآنِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَكَذَا مَا أُعِدَّ لِلنَّفَقَةِ. أَوْ مَا أُعِدَّ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ الْقَنِيَّةِ أَوْ الِادِّخَارِ، وَحُلِيُّ الصَّيَارِفِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ، وَقِيلَ: مَا اتَّخَذَهُ مِنْ ذَلِكَ لِسَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ كُرِهَ، وَزُكِّيَ وَإِلَّا فَلَا، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي، إلَّا فِيمَنْ اتَّخَذَ خَوَاتِيمَ، وَمُرَادُهُ: مَعَ نِيَّةِ لُبْسٍ أَوْ إعَارَةٍ، قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا زَكَاةَ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ اتِّخَاذَهُ لِسَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ فَقَطْ، فَالْمَذْهَبُ قَوْلًا وَاحِدًا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. انْتَهَى، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَعُمُدِ الْأَدِلَّةِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: لَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ، لَمْ يُعَدَّ لِلتَّكَسُّبِ بِهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَأَمْكَنَ لُبْسُهُ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لُبْسُهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِي إصْلَاحِهِ إلَى سَبْكٍ وَتَجَدُّدِ صَنْعَةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: إنْ نَوَى إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ كَالصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا

ص: 139

وَذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا، فَقَالَ: مَا لَمْ يَنْوِ كَسْرَهُ فَيُزَكِّيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ يُزَكِّيهِ، وَلَوْ نَوَى إصْلَاحَهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا، وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ صَنْعَةٍ: فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: فِيهِ الزَّكَاةُ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَ الْكَسْرُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اللُّبْسِ، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَ الْكَسْرُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اللُّبْسِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ، وَ " لَا " زَائِدَةٌ غَلَطٌ. انْتَهَى. قُلْت: إنْ أَرَادَ أَنَّ ابْنَ تَمِيمٍ زَادَ " لَا " فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْمُبْهِجِ فِي نُسَخٍ مُعْتَمَدَةٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُبْهِجِ زَادَ " لَا " غَلَطًا مِنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ؟ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِد الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْكَسْرَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ اللُّبْسِ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، فَكَذَا هَذَا.

قَوْلُهُ (وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِهِ) إلَّا مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ وَفِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ الصِّنَاعَةِ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ: الِاعْتِبَارُ فِي النِّصَابِ فِيهِ: بِوَزْنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إجْمَاعًا، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ فِي فُصُولِهِ، وَحَكَى رِوَايَةً. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُحَرَّمُ اتِّخَاذُهُ، وَتُضْمَنُ صَنْعَتُهُ بِالْكَسْرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ، إذَا كَانَ مُبَاحًا. وَبِوَزْنِهِ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا.

ص: 140

فَعَلَى هَذَا: لَوْ تَحَلَّى الرَّجُلُ بِحُلِيِّ الْمَرْأَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا حُلِيَّ الْآخَرِ قَاصِدًا لُبْسَهُ، أَوْ اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا مَا يُبَاحُ لِمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، أَوْ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ لِإِبَاحَةِ الصَّنْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَجَزَمَ فِي الْبُلْغَةِ فِي حُلِيِّ الْكِرَاءِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مُبَاحِ الصِّنَاعَةِ، دُونَ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ لِلتِّجَارَةِ، فَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلتِّجَارَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ مَعَهُ نَقْدٌ مُعَدٌّ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهُ عَرَضٌ يُقَوَّمُ بِالْأَجْزَاءِ إنْ كَانَ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ نَقَصَ عَنْ نِصَابِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هَذَا ظَاهِرُ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَالْأَثْرَمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ: فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ هَذَا مِنْ كَلَامِ وَلَدِهِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي بَعْضَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي بِالْأَوَّلِ إذَا كَانَ النَّقْدُ عَرَضًا.

قَوْلُهُ (إلَّا مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ وَفِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ) الْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مُبَاحِ الصِّنَاعَةِ فِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا الْأَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ " إذَا أَخْرَجَ عَنْ صِحَاحٍ مُكَسَّرَةً يُعْطِي مَا بَيْنَهُمَا " فَاعْتَبَرَ الصَّنْعَةَ دُونَ الْوَزْنِ، كَزِيَادَةِ الْقِيمَةِ لِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةَ فِي الْإِخْرَاجِ إنْ اُعْتُبِرَتْ فِي النِّصَابِ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي النِّصَابِ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْإِخْرَاجِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 141

فَائِدَةٌ: إنْ أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا، أَوْ مِثْلَهُ وَزْنًا مِمَّا يُقَابِلُ جُودَتَهُ زِيَادَةُ الصَّنْعَةِ جَازَ، وَإِنْ جَبَرَ زِيَادَةَ الصَّنْعَةِ بِزِيَادَةٍ فِي الْمُخْرَجِ فَكَمُكَسَّرَةٍ عَنْ صِحَاحٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ كَسْرَهُ مُنِعَ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ بِقَدْرِهِ جَازَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْكَسْرِ وَلَا يُخْرِجُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. كَذَا السَّبَائِكُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ) اتِّخَاذُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ مُبَاحٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِيمِ هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي بَابِ الْحُلِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِي بَابِ اللِّبَاسِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِيمِ: قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: النَّهْيُ عَنْ الْخَاتَمِ لِيَتَمَيَّزَ السُّلْطَانُ بِمَا يَخْتِمُ بِهِ، فَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ إلَّا لِلسُّلْطَانِ.

تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ: اسْتِحْبَابَ التَّخَتُّمِ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ، وَجَزَمُوا فِي بَابِ الْحُلِيِّ بِإِبَاحَتِهِ، وَظَاهِرُهُ: التَّنَاقُضُ، أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُمْ فِي بَابِ الْحُلِيِّ: إخْرَاجَ الْخَاتَمِ مِنْ التَّحْرِيمِ لَا أَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا أَوْلَى.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: الْأَفْضَلُ لِلَابِسِهِ جَعْلُ فَصِّهِ مِمَّا يَلِي كَفِّهِ. لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِي

ص: 142

ظَهَرَ كَفِّهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَكَذَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ كَانَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: جَوَازُ لُبْسِهِ فِي خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى، وَالْأَفْضَلُ فِي لُبْسِهِ فِي إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " هُوَ أَقْرَبُ وَأَثْبَتُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي آدَابِهِ الْمَنْظُومَةِ: وَيَحْسُنُ فِي الْيُسْرَى كَأَحْمَدَ وَصَحْبِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثَ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى، وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ: أَنَّ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: الْيُمْنَى أَفْضَلُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ [فَلِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ اخْتِيَارَاتٍ]، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ لُبْسُهُ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرَّجُلِ، نَصَّ عَلَيْهِ. لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ ذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى.

قُلْت: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يُقَيِّدُوا الْكَرَاهَةَ فِي اللُّبْسِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرِّجَالِ. بَلْ أَطْلَقُوا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ. انْتَهَى. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ.

ص: 143

وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ أَيْضًا: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ لُبْسِهِ فِي الْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْإِبْهَامُ مِثْلُ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. يَعْنِي فِي الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مِنْ عِنْدِهِ، فَالْبِنْصِرُ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ.

قُلْت: لَوْ قِيلَ: بِالْفَرْقِ لَكَانَ مُتَّجَهًا. لِمُجَاوَرَتِهَا لِمَا يُبَاحُ التَّخَتُّمُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْإِبْهَامِ لِبُعْدِهِ وَاسْتِهْجَانِهِ، وَمِنْهَا: لَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ مِثْقَالًا وَأَكْثَرَ، مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ يُسَنُّ جَعْلُهُ دُونَ مِثْقَالٍ، وَتَابَعَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْآدَابِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ: قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَصْحَابِنَا تَحَلِّيَ النِّسَاءِ بِمَا زَادَ عَلَى أَلْفِ مِثْقَالٍ: أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ مِنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إذَا زَادَ عَلَى مِثْقَالٍ وَأَوْلَى. لِوُرُودِ النَّصِّ هُنَا، وَثَمَّ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، بَلْ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: لَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ، أَوْ مَنَاطِقَ: لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، إلَّا أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ، أَوْ عَبْدِهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: فَهَذَا قَدْ يَدُلُّ عَلَى مَنْع لُبْسِ أَكْثَرِ مِنْ خَاتَمٍ وَاحِدٍ. لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ، وَهَذَا قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: لَا زَكَاةَ فِي كُلِّ حُلِيٍّ أُعِدَّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لِرَجُلٍ كَانَ أَوْ امْرَأَةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُخَرَّجُ جَوَازُ لُبْسِ خَاتَمَيْنِ فَأَكْثَرَ جَمِيعًا.

ص: 144

وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ، عِنْدَ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْآدَابِ. وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: لَا يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَقَدْ سَأَلَهُ مَا السُّنَّةُ؟ يَعْنِي فِي التَّخَتُّمِ فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ خَوَاتِيمُ الْقَوْمِ إلَّا فِضَّةً. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا ابْنُ رَجَبٍ، وَأَعَلَّهَا فِي كِتَابِهِ.

وَمِنْهَا: فَصُّ الْخَاتَمِ إنْ كَانَ ذَهَبًا، وَكَانَ يَسِيرًا، فَإِنْ قُلْنَا: بِإِبَاحَةِ يَسِيرِ الذَّهَبِ، فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ إبَاحَتِهِ، فَهَلْ يُبَاحُ هُنَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: التَّحْرِيمُ أَيْضًا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَنْعِ مِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْمَجْدِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ.

وَمِنْهَا: يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ: قُرْآنٌ، أَوْ غَيْرُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِذَلِكَ، فَلَا كَرَاهَةَ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ فِي الْكَرَاهَةِ دَلِيلًا إلَّا قَوْلَهُ: لِدُخُولِ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالْكَرَاهَةُ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ وَرَدَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ: كِتَابَةُ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى خَوَاتِيمِهِمْ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ حِينَ قَالَ لِلنَّاسِ «إنِّي اتَّخَذْت خَاتَمًا، وَنَقَشْت فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِي» لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ نَقْشِهِمْ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " لَا عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي

ص: 145

الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا وَرَدَ: لَا يُكْرَهُ غَيْرُ ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَذِكْرِ رَسُولِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُشَ عَلَى الْخَاتَمِ صُورَةَ حَيَوَانٍ. بِلَا نِزَاعٍ لِلنُّصُوصِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ. لَكِنْ هَلْ يَحْرُمُ لُبْسُهُ، أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، فِي آخِرِ الْفُصُولِ، وَحَكَاهُ أَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي الثِّيَابِ وَالْخَوَاتِمِ، وَذَكَرَ النَّصَّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ. ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَصَحَّحَهُ أَبُو حَكِيمٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ

وَمِنْهَا: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ حَدِيدٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ إِسْحَاقُ، وَنَقَلَ مُهَنَّا " أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ ". إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا: كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَالْأَثْرَمُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: تَحْرِيمُهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ مَتَى صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ صُفْرٍ: أَعَادَ الصَّلَاةَ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: الدُّمْلُوجُ الْحَدِيدُ، وَالْخَاتَمُ الْحَدِيدُ: نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُمَا، وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَجُوزُ دُمْلُوجٌ مِنْ حَدِيدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْخَاتَمُ، وَنَحْوُهُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ الرَّصَاصَ لَا أَعْلَمُ فِيهِ شَيْئًا وَلَهُ رَائِحَةٌ.

قَوْلُهُ (وَفِي حِلْيَةِ الْمِنْطَقَةِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ،

ص: 146

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُبَاحُ حِلْيَةُ الْمِنْطَقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُبَاحُ، فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَعَلَى قِيَاسِهَا الْجَوْشَنُ وَالْخُوذَةُ وَالْخُفُّ وَالرَّانُ وَالْحَمَائِلُ) ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِإِبَاحَةِ الْكُلِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَدْ حَكَى فِي الْكَافِي عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى: وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَمَائِلِ. وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْخُفِّ وَالرَّانِ، فَفِيهِمَا الزَّكَاةُ. كَذَا الْحُكْمُ عِنْدَهُ فِي الكمران وَالْخَرِيطَةِ، وَمَنَعَ الْقَاضِي مِنْ حَمَائِلِ السَّيْفِ، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمِغْفَرِ وَالنَّعْلِ وَرَأْسِ الرُّمْحِ وَشَعِيرَةِ السِّكِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَظْهَرُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ. انْتَهَى.

وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ بِالْفِضَّةِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ بِالْإِبَاحَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ عَنْ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَخَلَ فِي الْخِلَافِ تِرْكَاشُ النُّشَّابِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَلَالِيبُ. لِأَنَّهُمَا يَسِيرٌ تَابِعٌ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ أَوَّلَ بَابِ الْآنِيَةِ.

ص: 147

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ، فَلَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ الْمَرَاكِبِ، وَلِبَاسِ الْخَيْلِ، كَاللُّجُمِ وَقَلَائِدِ الْكِلَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى تَحْرِيمِ حِلْيَةِ الرِّكَابِ وَاللِّجَامِ، وَقَالَ: مَا كَانَ سَرْجٌ وَلِجَامٌ زُكِّيَ، وَكَذَا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ، والكمران، وَالْمِرْآةِ، وَالْمُشْطِ، وَالْمُكْحُلَةِ، وَالْمِيلِ، وَالْمِسْرَجَةِ، وَالْمِرْوَحَةِ، وَالْمِشْرَبَةِ، وَالْمُدْهُنِ، وَكَذَا الْمُسْعُطُ، وَالْمِجْمَرُ، وَالْقِنْدِيلُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قِيلَ. وَلَا فَرْقَ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَكْرَهُ رَأْسَ الْمُكْحُلَةِ وَحِلْيَةَ الْمِرْآةِ فِضَّةً، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ تَافِهٌ، فَأَمَّا الْآنِيَةُ: فَلَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ لَا يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُضَبَّبِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي حِلْيَةِ جَمِيعِ الْأَوَانِي كَذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ فِي كِتَابِهِ اللَّطِيفِ.

الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ تَحْلِيَةُ مَسْجِدٍ وَمِحْرَابٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ قِنْدِيلُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَيَحْرُمُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ، فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَتِهِ. انْتَهَى. وَيَحْرُمُ أَيْضًا: تَمْوِيهُ سَقْفٍ وَحَائِطٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَخُيَلَاءُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ الْخِلَافُ السَّابِقُ عَلَى إبَاحَتِهِ تَبَعًا.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يَحْرُمُ، وَجَبَتْ إزَالَتُهُ وَزَكَاتُهُ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ. لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَذَهَابِ الْمَالِيَّةِ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مِنْ الْفِضَّةِ

ص: 148

إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْأَصْحَابُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِيهِ: وَلَا أَعْرِفُ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْفِضَّةِ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِهَا لِلرِّجَالِ، إلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ انْتَهَى، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: لُبْسُ الْفِضَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِذَا أَبَاحَتْ السُّنَّةُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ، وَالتَّحْرِيمُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَرَدَّ جَمِيعَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: كَانَ فِي سَيْفِ عُمَرَ سَبَائِكُ مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ فِي سَيْفِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: جَعَلَ أَصْحَابُنَا الْجَوَازَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَعَنْهُ لَا يُبَاحُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

تَنْبِيهٌ: حَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ: عَدَمَ الْإِبَاحَةِ احْتِمَالًا، وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ. كَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَيَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ الْإِبَاحَةَ بِالْيَسِيرِ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ثَمَانِيَةُ مَثَاقِيلَ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الرِّوَايَتَيْنِ فِي إبَاحَتِهِ فِي السَّيْفِ، وَتَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَيْفِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ الذَّهَبُ فِي السِّلَاحِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

ص: 149

وَقِيلَ: كُلُّ مَا أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ، أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ. كَذَا تَحْلِيَةُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ بِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ، تَبَعًا لَا مُفْرَدًا، كَالْخَاتَمِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ يَسِيرُهُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَقِيلَ: ضَرُورَةً. قُلْت: أَوْ حَاجَةً لَا ضَرُورَةً. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْآنِيَةِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ.

قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ) ، كَالطَّوْقِ، وَالْخَلْخَالِ، وَالسِّوَارِ، وَالدُّمْلُوجِ، وَالْقُرْطِ، وَالْعِقْدِ، وَالْمُقَلَّدَةِ، وَالْخَاتَمِ، وَمَا فِي الْمُخَانِقِ مِنْ حَرَائِزَ وَتَعَاوِيذَ، وَأُكَرَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. حَتَّى قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: وَتَاجٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُطْلَقًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: إذَا بَلَغَ أَلْفًا، فَهُوَ كَثِيرٌ، فَيَحْرُمُ لِلسَّرَفِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عَنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الذَّهَبِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ. كَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَلْفُ مِثْقَالٍ كَثِيرٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعَنْهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ كَثِيرٌ، وَأَبَاحَ الْقَاضِي أَلْفَ مِثْقَالٍ فَمَا دُونُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُبَاحُ الْمُعْتَادُ. لَكِنْ

ص: 150

إنْ بَلَغَ الْخَلْخَالُ وَنَحْوُهُ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لِسَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ كُرِهَ وَزُكِّيَ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمَرْأَةِ بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ وَفِي مُرْسَلَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهَا بِذَلِكَ، فَعَلَيْهَا الزَّكَاةُ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ. قُلْت: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ: فِي حِنْثِهِ وَجْهَيْنِ، جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: الْحِنْثَ، فَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَمَنْ كَانَ عُرْفُهُمْ وَعَادَتُهُمْ اتِّخَاذَ ذَلِكَ حُلِيًّا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا حِنْثَ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا زَكَاةَ فِي الْجَوْهَرِ، وَاللُّؤْلُؤِ. وَلَوْ كَانَ فِي حُلِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ، فَيُقَوَّمُ جَمِيعُهُ تَبَعًا، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيِّ جَوْهَرٍ، وَعَنْهُ وَلُؤْلُؤٍ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ أَوْ سَرَفٍ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ لِلْكِرَاءِ فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ.

قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ.

ص: 151

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَدَمُ الْوُجُوبِ. الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ لِلتَّشَبُّهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ تَخَتُّمِهِ بِذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَمَرَّتْ بِهِ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا قَبَاءٌ، فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ. قُلْت: تَكْرَهُهُ؟ قَالَ: كَيْفَ لَا أَكْرَهُهُ جِدًّا. وَقَدْ «لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» . قَالَ: وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ جَيْبِ الرِّجَالِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ فِي لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْعِمَامَةَ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ إنْكَارُ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَعَكْسِهِ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد " وَلَا يُلْبِسُ خَادِمَتَهُ شَيْئًا مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ. لَا يُشَبِّهُهَا بِهِمْ " وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يُخَاطُ لَهَا مَا كَانَ لِلرَّجُلِ وَعَكْسُهُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ وَلَا يَحْرُمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، مَعَ جَزْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِ أَحَدِهِمَا حُلِيَّ الْآخَرِ لِيَلْبَسَهُ، مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ الَّذِي عَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: تَكْرَهُ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا بِلِبَاسِ الْآخَرِ لِلتَّشَبُّهِ.

ص: 152