المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب زكاة العروض] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب زكاة العروض]

[بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ]

ِ قَوْلُهُ (وَتُؤْخَذُ مِنْهَا لَا مِنْ الْعُرُوضِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ عَيْنِهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ بِهَا، فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ، أَوْ مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهُ لِلْقِنْيَةِ، ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ. لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْكَافِي وَالْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْأَصْلِ، كَنِيَّةِ إسَامَةِ الْمَعْلُوفَةِ، وَنِيَّةِ الْحَاضِرِ لِسَفَرَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ أَنَّ الْعَرَضَ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا مَلَكَهُ الْمُعَاوَضَةُ، فَحُصُولُهُ بِالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ كَالْبَيْعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِعِوَضٍ عَلَى الْأَصَحِّ

ص: 153

وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْمُعَاوَضَةُ سَوَاءٌ تَمَحَّضَتْ، كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ لَا، كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهِمَا: لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِعِوَضٍ. أَشْبَهَ الْمَوْرُوثَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ بِلَا عِوَضٍ، كَوَصِيَّةٍ وَهِبَةٍ مُطْلَقَةٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحْتِشَاشٍ وَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ، أَوْ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالِيٍّ، كَدِيَةٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ زَادَ فِي الْكُبْرَى أَوْ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ بِلَا عَقْدٍ، كَرَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ فَسْخٍ، أَوْ أَخْذِهِ بِشُفْعَةٍ فَوَجْهَانِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْعِوَضِ نَقْدًا. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيمَا إذَا مَلَكَ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِغَرَضِ قِنْيَةٍ لَا زَكَاةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهِيَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَخْرُجُ مِنْهَا اعْتِبَارُ كَوْنِ بَدَلِهِ نَقْدًا أَوْ عَرَضَ تِجَارَةٍ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: مَعْنَى " نِيَّةِ التِّجَارَةِ " أَنْ يَقْصِدَ التَّكَسُّبَ بِهِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ لَا بِإِتْلَافِهِ، أَوْ مَعَ اسْتِبْقَائِهِ، فَإِذَا اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يَصْبُغُ بِهِ وَيَبْقَى، كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ عَرَضُ تِجَارَةٍ يُقَوِّمُهُ عِنْدَ حَوْلِهِ. كَذَا لَوْ اشْتَرَى دَبَّاغٌ مَا يَدْبُغُ بِهِ، كَعَفْصٍ وَقَرْضٍ، وَمَا يُدْهَنُ بِهِ، كَسَمْنٍ وَمِلْحٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا زَكَاةَ فِيمَا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ، كَالْحَطَبِ وَالْمِلْحِ وَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَالْقُلِّ وَالنُّورَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِي آلَاتِ الصَّبَّاغِ، وَأَمْتِعَةِ النَّجَّارِ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ وَالسَّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ، إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بَيْعَهَا بِمَا فِيهَا، وَكَذَا آلَاتُ الدَّوَابِّ إنْ كَانَتْ لِحِفْظِهَا، وَإِنْ كَانَ بَيْعُهَا مَعَهَا فَهِيَ مَالُ تِجَارَةٍ.

ص: 154

الثَّالِثَةُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا مَلَكَهُ عَيْنَ مَالٍ. بَلْ مَنْفَعَةُ عَيْنٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ. عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ فِيهِ كَمَا لَوْ نَوَاهَا بِدَيْنٍ حَالٍّ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ عَرَضَ قِنْيَةٍ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ نَاوِيًا التِّجَارَةَ. صَارَ لِلتِّجَارَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضَ تِجَارَةٍ بِعَرَضِ قِنْيَةٍ، فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ: انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وَمِثْلُهُ: لَوْ بَاعَ عَرَضَ تِجَارَةٍ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ فَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدَ تِجَارَةٍ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ صَارَ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَلَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلتِّجَارَةِ فَتَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ: عَادَ حُكْمُ التِّجَارَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ مَاشِيَةُ التِّجَارَةِ فَدَبَغَ جُلُودَهَا وَقُلْنَا: تَطْهُرُ فَهِيَ عَرَضُ تِجَارَةٍ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا.

الْخَامِسَةُ: تَقْطَعُ نِيَّةُ الْقِنْيَةِ حَوْلَ التِّجَارَةِ، وَتَصِيرُ لِلْقِنْيَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ كَالْإِقَامَةِ مَعَ السَّفَرِ، وَقِيلَ: لَا تَقْطَعُ إلَّا الْمُمَيِّزَةُ، وَقِيلَ: لَا تَقْطَعُ نِيَّةٌ مُحَرَّمَةٌ كَنَاوِ مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْهَا، فَفِي بُطْلَانِ أَهْلِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ خِلَافٌ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي.

قَوْلُهُ (وَتُقَوَّمُ الْعُرُوض عِنْدَ الْحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: تُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَبِالْأَحَظِّ.

ص: 155

وَعَنْهُ لَا يُقَوَّمُ نَقْدٌ بِنَقْدٍ آخَرَ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: لَا يُبْنَى حَوْلُ نَقْدٍ عَلَى حَوْلِ نَقْدٍ آخَرَ، فَيُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: مَا قَوَّمَهُ بِهِ لَا عِبْرَةَ بِتَلَفِهِ إلَّا قَبْلَ التَّمَكُّنِ. فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ: وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِنَقْصِهِ بَعْدَ تَقْوِيمِهِ وَلَا بِزِيَادَتِهِ إلَّا قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَإِنَّهُ كَتَلَفِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَمْ تُؤَثِّرْ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ كَنِتَاجِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعُرُوضِ بِكُلِّ نَقْدٍ نِصَابًا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: يُقَوَّمُ بِفِضَّةٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اتَّجَرَ فِي الْجَوَارِي لِلْغِنَاءِ قَوَّمَهُنَّ سَوَاذِجَ، وَلَوْ اتَّجَرَ فِي الْخُصْيَانِ قَوَّمَهُمْ عَلَى صِفَتِهِمْ، وَلَوْ اتَّجَرَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَمْ يُنْظَرْ إلَى الْقِيمَةِ، وَهُوَ عَاصٍ بِذَلِكَ، بَلْ تَحْرِيمُ الْآنِيَةِ أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ. لِتَحْرِيمِهَا عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَالْخِرَقِيُّ رحمه الله أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ، وَمُرَادُهُ: التَّحْرِيمُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " وَالْمُتَّخِذُ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَاصٍ، وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ " وَذَلِكَ مُصْطَلَحُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي إطْلَاقِهِمْ " الْكَرَاهَةَ " وَإِرَادَتِهِمْ التَّحْرِيمَ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي إرَادَةِ الْخِرَقِيِّ ذَلِكَ، وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَفِي جَامِعِ الْقَاضِي وَالْوَسِيلَةِ: ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ.

تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ ضَمُّ الْعُرُوضِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّقْدَيْنِ، وَضَمُّ النَّقْدَيْنِ إلَى الْعُرُوضِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَنَحْوِهِ.

ص: 156

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِنِصَابٍ مِنْ السَّائِمَةِ لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ) وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِنِصَابٍ مِنْ السَّائِمَةِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِلْقِنْيَةِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَبْنِي فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَبْنِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُونَ السَّوْمِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ دُونَ التِّجَارَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِلْإِجْمَاعِ، وَتَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ، لَكِنْ إنْ نَقَصَ نِصَابُهُ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُزَكِّيَ بِالْأَحَظِّ مِنْهُمَا لِلْفُقَرَاءِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِي الْأَمْثِلَةِ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُزَكِّي النِّصَابَ لِلْعَيْنِ، وَالْوَقْصَ لِلْقِيمَةِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَوْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: قَدَّمَ السَّابِقَ فِي حَوْلِ السَّائِمَةِ أَوْ التِّجَارَةِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ زَكَاتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ) كَأَرْبَعِينَ شَاةً. قِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْنِ، أَوْ دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا مِائَتَا

ص: 157

دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرُونَ مِثْقَالًا، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ. هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا خِلَافَ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ مَا تَمَّ نِصَابُهُ، بَلْ يَغْلِبُ حُكْمُ مَا يَغْلِبُ إذَا اجْتَمَعَ النِّصَابَانِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ شَيْخِهِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى نَقَصَتْ قِيمَةُ الْأَرْبَعِينَ شَاةً عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا، قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ إنْ نَقَصَ نِصَابُ السَّوْمِ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ. انْتَهَى.

[تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ كُلَّ الْحَوْلِ] وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ حَوْلُ السَّوْمِ، فَأَمَّا إنْ سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ، وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، فَلَا زَكَاةَ مُطْلَقًا، حَتَّى يَتِمَّ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يَبْلُغُ النِّصَابُ فِي وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ عِنْدَ حَوْلِهِ، فَإِذَا حَالَ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الزَّائِدِ عَلَى النِّصَابِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ، وَمَال إلَيْهِ، وَكَذَا حَكَى الْمُصَنِّفُ إذَا سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَمَّا إنْ نَقَصَ عَنْ نِصَابِ جَمِيعِ الْحَوْلِ وَجَبَتْ زَكَاةُ السَّوْمِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. لِئَلَّا يَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ، صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ مَلَكَ سَائِمَةً لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ حَوْلٍ، ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ، اسْتَأْنَفَ حَوْلًا وَلَمْ يَبْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ حَتَّى لَوْ وُجِدَ سَبَبُ

ص: 158

الزَّكَاةِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَبَنَاهُ الْمَجْدُ عَلَى تَقْدِيمِ مَا وُجِدَ نِصَابُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ نَخْلًا لِلتِّجَارَةِ، فَأَثْمَرَ النَّخْلُ وَزُرِعَتْ الْأَرْضُ، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ، وَيُزَكِّي الْأَصْلَ لِلتِّجَارَةِ) . يَعْنِي إذَا اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: أَنَّ جَدَّهُ أَبَا الْمَعَالِي ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. قُلْت: جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُزَكِّي الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ فَيُخْرِجُهُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ تَارَةً يَتَّفِقُ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَالْعُشْرِ فِي الْوُجُوبِ، بِأَنْ يَكُونَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادُ الْحَبِّ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَصْلِ تَبْلُغُ نِصَابَ التِّجَارَةِ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ، وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ، مِثْلَ أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ، أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ يَتَّفِقَانِ، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دُونَ نِصَابٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ السَّبْقِ هُنَا حُكْمُ مَا لَوْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ، وَسَبَقَ حَوْلُ

ص: 159

أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَحُكْمُ تَقْدِيمِ مَا كَمُلَ نِصَابُهُ هُنَا حُكْمُ مَا لَوْ وَجَدَ نِصَابَ أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَا: وَإِنْ اخْتَلَفَ وَقْتُ الْوُجُوبِ، أَوْ وُجِدَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا فَكَمَسْأَلَةِ سَائِمَةِ التِّجَارَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ، وَتَقْدِيمُ مَا تَمَّ نِصَابُهُ. انْتَهَيَا. وَقِيلَ: يُزَكِّي عُشْرَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ إذَا سَبَقَ وُجُوبُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ سَبَقَ نِصَابُ الْعُشْرِ وَجَبَ الْعُشْرُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا.

قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَسْأَلَةِ السَّائِمَةِ الَّتِي لِلتُّجَّارِ، وَقَطَعَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ السَّائِمَةِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: حَيْثُ أَخْرَجَ الْعُشْرَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى زَكَاةِ الْأَصْلِ، وَحَيْثُ أَخْرَجَ عَنْ الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ زَكَاةَ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُشْرٌ لِلزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا سَبَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ: أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ مَعَ إخْرَاجِهِ عَنْ الْجَمِيعِ زَكَاةَ الْقِيمَةِ. وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي الْكُلِّ، أَوْ فِي الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ إذَا اتَّفَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ وَزَكَاةِ التِّجَارَةِ. الثَّانِي: فَعَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ: يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ التِّجَارَةِ عَلَى زَرْعٍ وَثَمَرٍ مِنْ الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَنْتَهِي وُجُوبُ الْعُشْرِ الَّذِي لَوْلَاهُ لَكَانَا جَارِيَيْنِ فِي حَوْلِ التُّجَّارِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَيْهِمَا الْحَوْلَ حَتَّى يُبَاعَا، فَيَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِمَا الْحَوْلَ كَمَالِ الْقِنْيَةِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي شَرْحِ الْمَجْدِ، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى مَالِ الْقِنْيَةِ.

ص: 160

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ النِّصَابِ، وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا: اُعْتُبِرَ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ زَرَعَ بَذْرًا لِلْقِنْيَةِ فِي أَرْضِ التِّجَارَةِ: فَوَاجِبُ الزَّارِعِ الْعُشْرُ، وَوَاجِبُ الْأَرْضِ: زَكَاةُ الْقِيمَةِ، وَلَوْ زَرَعَ بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ فِي أَرْضٍ قِنْيَةٍ: فَهَلْ يُزَكِّي الزَّرْعَ زَكَاةَ عُشْرٍ، أَوْ قِيمَةٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ الثَّمَرُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالْخَضْرَاوَاتِ، أَوْ كَانَ الْعَقَارُ لِتِجَارَةٍ وَعَبِيدُهَا أُجْرَةً: ضَمَّ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ وَالْأُجْرَةِ إلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَالرِّيحِ، وَقِيلَ: لَا يَضُمُّ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ، فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَوْ صَرِيحُهُ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

الْخَامِسَةُ: لَا زَكَاةَ فِي قِيمَةِ مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ، مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ذَلِكَ تَخْرِيجًا مِنْ الْحُلِيِّ الْمُعَدِّ لِلْكِرَاءِ. السَّادِسَةُ: لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ مَا أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ، مِنْ عَرَضٍ وَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ، وَثِيَابٍ وَشَجَرٍ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْآلَاتِ وَالْأَمْتِعَةِ، وَالْقَوَارِيرِ وَنَحْوِهَا، الَّتِي لِلصُّنَّاعِ وَالتُّجَّارِ وَالسُّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ. السَّابِعَةُ: لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا لِلتِّجَارَةِ بِأَلْفٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ: زَكَّاهُمَا وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَصَارَ عِنْدَ حَوْلِهِ بِأَلْفٍ: زَكَّى أَلْفًا وَاحِدَةً وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ

ص: 161

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ، فَأَخْرَجَاهَا مَعًا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ صَاحِبِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمُوهُ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُوَكِّلِ زَكَاةٌ، كَمَا لَوْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ، وَالْعَزْلُ يَسْتَوِي فِيهِ الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدٍ، فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ أَعْتَقَهُ، وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: وَجَهِلَ السَّبْقَ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَهُوَ غَرِيبٌ حَسَنٌ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِإِخْرَاجِ صَاحِبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَضَاهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفَرَّقَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ حَقَّ الْمَالِكِ بِدَفْعِهِ. إذْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّ الْآخَرِ، وَقِيلَ: لَا، كَالْجَاهِلِ مِنْهُمَا، وَالْفَقِيرِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُمَا فِي الْأَقْيَسِ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيبَ الْأَوَّلِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْوَكَالَةِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِهِ. كَمَا تَقَدَّمَ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُمَا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ قَبْلَ ذَلِكَ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ أَذِنَ غَيْرُ الشُّرَكَاءِ كُلُّ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ.

ص: 162

فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. لَكِنْ هَلْ يَبْدَأُ بِزَكَاتِهِ وُجُوبًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ أَوَّلًا. بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ زَكَاةِ الْآذِنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ نَفَلَ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَا فِي نَفْلِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ قَبْلَ أَدَائِهَا.

الثَّانِيَةُ: لَوْ لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ وَنَذْرٌ. قَدَّمَ الزَّكَاةَ، فَإِنْ قَدَّمَ النَّذْرَ لَمْ يَصِرْ زَكَاةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَبْدَأُ بِمَا شَاءَ، وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِ النَّذْرِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ وَكَّلَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا هُوَ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فِي ضَمَانِهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَكْثَرُ، اكْتِفَاءً بِمَا سَبَقَ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا: لَا يَضْمَنُ إنْ قُلْنَا لَا يَنْعَزِلُ، وَإِلَّا ضَمِنَ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ: أَنَّهُ أَخْرَجَ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ إلَى السَّاعِي، وَقَوْلُ مَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى: أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا. الْخَامِسَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ، فَإِنْ وُجِدَ مَعَ السَّاعِي أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ تَلِفَ، أَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ كَانَا دَفَعَا إلَيْهِ: فَلَا. تَنْبِيهٌ: سَبَقَ حُكْمُ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا زَكَاةَ فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ".

ص: 163