الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]
ِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ بِالْمُكَلَّفِ بِالصَّوْمِ، وَحُكِيَ وَجْهٌ: لَا تَجِبُ فِي مَالِ صَغِيرٍ، وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ [وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ [وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا] وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ كَافِرٍ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ مُسْلِمٍ، فِي فِطْرَتِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَنِي الْخِلَافُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ: هَلْ هُوَ مُتَحَمِّلٌ أَوْ أَصِيلٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. إنْ قُلْنَا مُتَحَمِّلٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا أَصِيلٌ: لَمْ تَجِبْ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَهِيَ وَاجِبَةٌ " هَلْ تُسَمَّى فَرْضًا؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتَا فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَتَقَدَّمَتْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ (إذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ: مِنْ مَسْكَنٍ، وَخَادِمٍ، وَدَابَّةٍ، وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلًا. كَذَا قَالَ. انْتَهَى.
قُلْت: قَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وُجُوبَ الْإِخْرَاجِ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ الْأَوَّلَ قَوْلًا مُوجَزًا.
تَنْبِيهٌ: أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ: الْكُتُبَ الَّتِي يَحْتَاجُهَا لِلنَّظَرِ وَالْحِفْظِ، وَالْحُلِيَّ لِلْمَرْأَةِ لِلُبْسِهَا، أَوْ لِكِرَاءٍ تَحْتَاجُ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ. قَالَ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْوُجُوبِ. وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْمَانِعِ: أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَوَجَّهَ احْتِمَالًا: أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ، بِخِلَافِ الْحُلِيِّ لِلُبْسٍ، لِلْحَاجَةِ إلَى الْعِلْمِ وَتَحْصِيلِهِ. قَالَ: وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ فِي الْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُلِيَّ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ، وَعَدَمُهُ، وَالْمَنْعُ فِي الْكُتُبِ دُونَ الْحُلِيِّ، فَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ: الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَحْتَاجُهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ: أَنْ يَكُونَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي بَقِيَّةِ الْأَبْوَابِ، لِتَسْوِيَةٍ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَضْيَقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ هُوَ كَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا) . يَعْنِي: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا: فِطْرَةُ قَرِيبِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَتَجِبُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ.
إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ، كَبَعْضِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: أَخْرَجَهُ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ كَالْكَفَّارَةِ، جَزَمَ بِهِ [فِي الْإِرْشَادِ] وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْعُمْدَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَخْرُجُ ذَلِكَ الْبَعْضُ، وَيَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَصِيرُ الْبَعْضُ كَالْمَعْدُومِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الْغَيْرُ جَمِيعَهَا.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يَمُونُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) الزَّوْجَةَ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ. وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ أَقَارِبُ مُسْلِمُونَ، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ:
هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ لَهُمْ أَمْ لَا؟ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَتَقَدَّمَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ عَبْدًا: هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ؟ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُؤَدِّي عَنْ جَمِيعِهِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، ثُمَّ بِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ بِرَقِيقِهِ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الرَّقِيقَ عَلَى امْرَأَتِهِ. لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تُخْرِجُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ قَوْلُهُ (ثُمَّ بِوَلَدِهِ، ثُمَّ بِأُمِّهِ، ثُمَّ بِأَبِيهِ) تَقْدِيمُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَحَدُ الْوُجُوهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ آخَرُونَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي [الْهَادِي] وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الْوَلَدُ مَعَ صِغَرِهِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُقَدَّمُ الْأَبَوَانِ عَلَى الْوَلَدِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَالْهَادِي] وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الْأُمِّ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً. وَقِيلَ: بِتَسَاوِيهِمَا فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ الْقَرَابَةِ، وَلَمْ يَفْضُلْ سِوَى صَاعٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُوَزِّعُ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْ أَيِّهِمْ شَاءَ.
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْجَنِينِ، وَلَا تَجِبُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ: نَقَلَهَا يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهَا إذَا مَضَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ الْبَائِنِ الْحَامِلِ، إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا، وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْجَنِينِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُسْتَحَبُّ فِطْرَةُ الْجَنِينِ، إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ، فَلَوْ أَبَانَ حَامِلًا لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهَا إنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَهَا، وَفِي فِطْرَةِ حَمْلِهَا إذْن وَجْهَانِ، وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ، وَفِي أُمِّهِ إذَنْ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقِيلَ: تُسَنُّ فِطْرَتُهُ، وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَهُ، وَتَجِبُ فِطْرَتُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِأُمِّهِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ تَكَفَّلَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ، عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ أَيْضًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ. انْتَهَى. وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهَا تَلْزَمُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فِي شَهْرِ رَمَضَانَ " أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُونَهُ كُلَّ الشَّهْرِ، وَهُوَ
صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ إذَا مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ كَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا وَزَوْجَةً قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمَعْنَاهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالرَّوْضَةِ، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الْعِيدِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت أَوْ نَزَلَ بِهِ قَبْلَ فَجْرِهَا، إنْ عَلَّقْنَا الْوُجُوبَ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا عَلَى الْمَنْصُوصِ: أَنَّهُ لَوْ مَانَهُ جَمَاعَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ.
قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: تَجِبُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ، كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ، وَعَلَى قَوْل ابْنِ عَقِيلٍ: تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أَوْ ظِئْرًا بِطَعَامِهِمَا لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ. قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِنْفَاقٍ. إنَّمَا هُوَ إيصَالُ الْمَالِ فِي حَقِّهِ، أَوْ أَنَّ الْمَالَ لَا مَالِكَ لَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْمُرَادُ مُعَيَّنٌ، كَعَبِيدِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالْفَيْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، فَعَلَيْهِمْ صَاعٌ وَاحِدٌ)، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الظَّاهِرُ عَنْهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ رِوَايَةِ وُجُوبِ صَاعٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: قَالَ فَوْزَانِ: رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي عَنْ إيجَابِ صَاعٍ كَامِلٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْهِدَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَعَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ.
قَوْلُهُ (كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ)، وَكَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا: لَوْ كَانَ عَبْدَانِ فَأَكْثَرُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، مِنْهُمْ أَوْ مِنْ وَرَثَةٍ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، أَوْ مَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ وَنَحْوِهِمْ، حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ الْعَبِيدِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ نَقْلًا وَمَذْهَبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ وَلَدًا بِاثْنَيْنِ، فَكَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ: وَتَبِعَ ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ صَاعٌ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. ثُمَّ خَرَجَ خِلَافُهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَجَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وُجُوبُ الصَّاعِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لُزُومَ السَّيِّدِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْبَاقِي، وَيَأْتِي لَوْ كَانَ نَفْعُ الرَّقِيقِ لِوَاحِدٍ وَرَقَبَتُهُ لِآخَرَ: عَلَى مَنْ تَجِبُ فِطْرَتُهُ؟ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ ".
فَائِدَةٌ: لَوْ هَايَأَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ سَيِّدُهُ بَاقِيَهُ: لَمْ تَدْخُلْ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ كَالصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ،
وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَمْ تَدْخُلْ الْفِطْرَةُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، فَعَلَى هَذَا: أَيُّهُمَا عَجَزَ عَمَّا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ قِسْطُهُ، كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قِسْطُهُ، فَإِنْ كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ نَوْبَةَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ نِصْفُهُ مَثَلًا اُعْتُبِرَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ قُوتِهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ نَوْبَةَ سَيِّدِهِ: لَزِمَ الْعَبْدَ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ: تَدْخُلُ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ. بِنَاءً عَلَى دُخُولِ كَسْبٍ نَادِرٍ فِيهَا كَالنَّفَقَةِ.
فَلَوْ كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ نَوْبَةَ الْعَبْدِ وَعَجَزَ عَنْهَا: لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، كَمُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْ الْفِطْرَةِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقُلْت: تَلْزَمُهُ إنْ وَجَبَتْ بِالْغُرُوبِ فِي نَوْبَتِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ، وَإِنْ كَانَتْ نَوْبَةُ السَّيِّدِ، وَعَجَزَ عَنْهَا: أَدَّى الْعَبْدُ قِسْطَ حُرِّيَّتِهِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ، كَمُوسِرَةٍ تَحْتَ مُعْسِرٍ، وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ فِطْرَتِهَا، فَعَلَيْهَا، أَوْ عَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ) ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَجِبَ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ كَالنَّفَقَةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ، فَهَلْ تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ
فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي: هَلْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ كَالنَّفَقَةِ، أَمْ لَا؟ كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ. يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
قُلْت: الْأَوْلَى السُّقُوطُ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
وَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ تَرْجِعُ الْحُرَّةُ وَالسَّيِّدُ إذَا أَخْرَجَا عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ، كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا، كَفِطْرَةِ الْقَرِيبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ تَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْأَقْيَسِ إذَا أَيْسَرَ بِالنَّفَقَةِ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ السَّيِّدِ: يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ الْحُرِّ فِي وَجْهٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. بَحَثَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ غَيْرِهِ: هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، أَوْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا، أَوْ أَصِيلًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَ: وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ غَيْرُ أَصِيلٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا، وَالْمُخْرَجُ عَنْهُ أَصِيلٌ، بَلْ هُوَ أَصِيلٌ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ فِطْرَةِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالنَّفَقَةِ، وَكَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَعَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ [قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هَذَا أَصَحّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَلُّقِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ. أَوْ أَنَّ السَّيِّدَ مُعْسِرٌ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَقُلْنَا: نَفَقَةُ زَوْجَةِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ عِنْدَهُ لَيْلًا، وَعِنْدَ سَيِّدِهَا نَهَارًا، فَفِطْرَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا. لِقُوَّةِ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي تَحَمُّلِ الْفِطْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ. فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَالنَّفَقَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ وُجُوبُ فِطْرَةِ قَرِيبِ الْمَكَاتِبِ وَزَوْجَتِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ زَوَّجَ قَرِيبَهُ، وَلَزِمَتْهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ، فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ غَائِبٌ أَوْ آبِقٌ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ) ، وَكَذَا الْمَغْصُوبُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةً [وَاحِدَةً] قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ لَا تَجِبُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِل أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَرْجِعُ، كَزَكَاةِ الدَّيْنِ وَالْمَغْصُوبِ.
فَائِدَةٌ: يُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عَنْ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ مَكَانَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَكَانَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَشُكَّ فِي حَيَاتِهِ، فَتَسْقُطُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ، كَالنَّفَقَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ فَتَلْزَمُهُ، لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالشَّكِّ.
قُلْت: وَهُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ. وَالْأَصْلُ: عَدَمُ مَوْتِهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا وَجْهٌ بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ لِلْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ عِتْقِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: أَخْرَجَ لِمَا مَضَى) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ لُزُومُهُ. وَقِيلَ: لَا يُخْرِجُ، وَلَوْ عَلِمَ حَيَاتَهُ، وَقِيلَ: لَا يُخْرِجُ عَنْ الْقَرِيبِ فَقَطْ كَالنَّفَقَةِ، وَرُدَّ ذَلِكَ بِوُجُوبِهَا، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ أَيْضًا لَهَا كَتَعَذُّرِهِ بِحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهِمَا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَلْزَمُهُ [قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.
فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ لَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَتُهَا كَالصَّغِيرَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ، فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُنْتَهَى، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. أَحَدُهُمَا: تُجْزِئُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، [قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَإِنْ أَخْرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنِيَّتِهِ، فَوَجْهَانِ.
تَنْبِيهٌ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ هُنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ، هَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا عَنْهُ أَوْ أَصِيلًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَقَدَّمَا. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَالَ إنْ أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الزَّوْجُ وَالْقَرِيبُ مُتَحَمِّلَانِ: جَازَ، وَإِنْ قُلْنَا هُمَا أَصِيلَانِ: فَلَا، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ عَدَمُ الْبِنَاءِ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ لَمْ يُخْرِجْ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ: لَمْ يَلْزَمْ الْغَيْرَ شَيْءٌ وَلِلْغَيْرِ مُطَالَبَتُهُ بِالْإِخْرَاجِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ كَنَفَقَتِهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا، وَلَا افْتِرَاضُهَا عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.
قُلْت: الصَّوَابُ لَا، اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الْمُخْرِجِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْرَجَ عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ: هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْرَجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: لَمْ تُجْزِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ: إنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ، فَيُخْرِجُ الْعَبْدُ عَنْ عَبْدِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ.
وَقِيلَ: بَلْ تَسْقُطُ لِتَزَلْزُلِ مِلْكِهِ وَنَقْصِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَلَى الْوُجُوبِ إنْ أَخْرَجَهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ أَجْزَأَتْ. قُلْت: لَا تُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ كَسْبُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ الشَّرْحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ يَمْنَعُ، سَوَاءٌ كَانَ مُطَالَبًا بِهِ أَوْ لَا. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَنْهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَجَعَلَ الْأَوَّلَ اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَمْتَدُّ وَقْتُ الْوُجُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَاخْتَارَ مَعْنَاهُ الْآجُرِّيُّ، وَعَنْهُ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَعَنْهُ يَمْتَدُّ الْوُجُوبُ إلَى أَنْ يُصَلَّى الْعِيدُ. ذَكَرَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ: لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ، وَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَنَحْوِهِ: لَمْ تَجِبْ وَلَا تَسْقُطُ بَعْدُ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا يَسْقُطُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ: لَمْ تَجِبْ الْفِطْرَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُخْرِجُ مَتَى قَدَرَ، فَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ، وَعَنْهُ يُخْرِجُ إنْ أَيْسَرَ أَيَّامَ الْعِيدِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: أَيَّامَ النَّحْرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: السِّتَّةَ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ إذَا قَدَرَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ: أَنَّهُ يُخْرِجُ. وَعَنْهُ تَجِبُ إنْ أَيْسَرَ يَوْمَ الْعِيدِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الْفِطْرَةُ فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْمُوصَى بِهِ عَلَى مَالِكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ. وَكَذَا الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ، كَمَقْبُوضٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُفْسَخْ فِيهِ الْعَقْدُ، وَكَمَا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ مَلَكَ عَبْدًا دُونَ نَفْعِهِ، فَهَلْ فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مَالِكِ نَفْعِهِ، أَوْ فِي كَسْبِهِ؟ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي نَفَقَتِهِ، الَّتِي ذَكَرَهُنَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ لَهُ، فَالصَّحِيحُ هُنَاكَ هُوَ الصَّحِيحُ هُنَا. هَذَا أَصَحُّ الطَّرِيقِينَ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ. لِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَحَكَوْا الْأُوَلَ قَوْلًا. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَتَقَدَّمَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَأْجَرًا، أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ ظِئْرًا: أَنَّ فِطْرَتَهُمَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ، عَلَى الصَّحِيحِ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ) . أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَيَجُوزُ قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ، أَوْ
ثَلَاثَةٍ، وَقَطَعَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِأَيَّامٍ، وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْإِرْشَادِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كَالرِّوَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَحُكِيَ رِوَايَةً. جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِشَهْرٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ، قَبْلَ الصَّلَاةِ، مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) . صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا، أَوْ قَدْرَهَا إنْ لَمْ يُصَلِّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تُخْرَجُ قَبْلَهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْأَفْضَلُ أَنْ تُخْرَجَ إذَا خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِمْ: لَوْ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى قَبْلَ الْفَجْرِ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَى بَعْدِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ، وَيَكُونُ قَضَاءً، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ: وَهُوَ بَعِيدٌ.
تَنْبِيهٌ: يُحْتَمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَيَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ " الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ الْجَوَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَكَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ
قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَثِمَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَأْثَمُ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْكَحَّالِ فَإِنْ أَخَّرَهَا؟ قَالَ: إذَا أَعَدَّهَا لِقَوْمٍ.
قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ: صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إجْزَاءُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ. قَالَ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَاخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صَاحِبُ الْفَائِقِ.
فَائِدَةٌ: الصَّاعُ قَدْرٌ مَعْلُومٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَدْرُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ، فَيُؤْخَذُ صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ، وَمِثْلُ مَكِيلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ التَّمْرِ، وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ التَّمْرِ. قُلْت: وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا يُخْرِجُهُ سِوَى الْبُرِّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الصَّاعُ بِالْعَدَسِ كَالْبُرِّ، وَقُلْت: بَلْ بِالْمَاءِ كَمَا سَبَقَ. انْتَهَى. وَيُحْتَاطُ فِي الثَّقِيلِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ.
قَوْلُهُ (وَدَقِيقُهُمَا وَسَوِيقُهُمَا) يَعْنِي دَقِيقَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَسَوِيقَهُمَا، فَيُجْزِئُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ السَّوِيقُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَاعُ ذَلِكَ بِوَزْنِ حَبَّةٍ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ.
وَنَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الدَّقِيقَ بِالْكَيْلِ لَنَقَصَ عَنْ الْحَبِّ، لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْإِجْزَاءُ وَإِنْ لَمْ يُنْخَلْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ إلَّا مَنْخُولًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.
قَوْلِهِ (وَمِنْ الْأَقِطِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. إحْدَاهُمَا: الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُجْزِئُ صَاعُ أَقِطٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ لِمَنْ يَقْتَاتُهُ دُونَ غَيْرِهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ، فِي الْمَذْهَبِ، نَقَلَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ: وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَرْبَعَةِ، فَاخْتَلَفَ نَقْلُهُمْ فِي مَحَلِّ الرِّوَايَةِ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، فَأَمَّا الْأَقِطُ: فَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، فَحَكَى اخْتِيَارَ أَبِي بَكْرٍ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ مُطْلَقًا، وَحَكَى فِي الْفُرُوعِ اخْتِيَارَهُ عَدَمَ الْجَوَازِ مُطْلَقًا.
فَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِيَارَانِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يُجْزِئُ اللَّبَنُ غَيْرُ الْمَخِيضِ وَالْجُبْنُ، أَوْ لَا يُجْزِئَانِ؟ أَوْ يُجْزِئُ اللَّبَنُ دُونَ الْجُبْنِ، أَوْ عَكْسُهُ؟ أَوْ يُجْزِئَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَ الْأُولَيَيْنِ: الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إجْزَاءُ اللَّبَنِ، دُونَ الْجُبْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاَلَّذِي وُجِدَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ قَالَ " يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ صَاعُ لَبَنٍ؛ لِأَنَّ الْأَقِطَ رُبَّمَا ضَاقَ " فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجُبْنِ. انْتَهَى.
قُلْت: الْجُبْنُ أَوْلَى مِنْ اللَّبَنِ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: إذَا قُلْنَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ مُطْلَقًا، فَإِذَا عَدِمَهُ أَخْرَجَ عَنْهُ اللَّبَنَ. قَالَ الْقَاضِي: إذَا عَدِمَ الْأَقِطَ وَقُلْنَا: لَهُ إخْرَاجُهُ جَازَ إخْرَاجُ اللَّبَنِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْأَقِطَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يُجْزِئُ وَأَخْرَجَ عَنْهُ اللَّبَنَ: أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْأَقِطَ مِنْ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ لَبَنٌ مُجَمَّدٌ مُجَفَّفٌ بِالْمَصْلِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ اللَّبَنُ بِحَالٍ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِذَا قُلْنَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ: لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُ اللَّبَنِ مَعَ وُجُودِهِ، وَيُجْزِئُ مَعَ عَدَمِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُجْزِئُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ) يَعْنِي إذْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: إجْزَاءُ أَحَدِ الْأَجْنَاسِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ غَيْرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ " الْقِيمَةُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا، وَقِيلَ: يُجْزِئُ كُلُّ مَكِيلٍ مَطْعُومٍ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجْزِئُهُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ مِثْلُ الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا.
قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَعْدِمَهُ، فَيُخْرِجَ مِمَّا يَقْتَاتُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) . سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ غَيْرَهُ، كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، وَسَائِرِ مَا يَقْتَاتُ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يَعْدِلُ عَنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ. (وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: يُخْرِجُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ) مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ يُقْتَاتُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا مُقْتَاتًا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَا يَقُومُ مَقَامَهَا صَاعٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَمَعْنَاهُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. زَادَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: مِمَّا يَقْتَاتُ غَالِبًا، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلِأَبِي الْحَسَنِ بْنِ عَبْدُوسٍ احْتِمَالٌ: لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْخَمْسَةِ
الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَتَبْقَى عِنْدَ عَدَمِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فِي ذِمَّتِهِ، حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى أَحَدِهَا.
قَوْلُهُ (وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا) ، كَحَبٍّ مُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ، وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَنَحْوُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ خَالَطَ الَّذِي يُجْزِئُ مَا لَا يُجْزِئُ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُجْزِئْ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا زَادَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا، لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ وَلَوْ كَانَ مَا لَا يُجْزِئُ كَثِيرًا، إذَا زَادَ بِقَدْرِهِ لَكَانَ قَوِيًّا.
الثَّانِيَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى تَنْقِيَةِ الطَّعَامِ الَّذِي يُخْرِجُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا خُبْزًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا ابْنَ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُجْزِئُ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا قَوْلًا، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ: لَوْ قِيلَ بِإِجْزَاءِ الْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ: لَكَانَ مُتَوَجِّهًا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ.
قَوْلُهُ (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لِتَفَاوُتِ مَقْصُودِهَا، وَاتِّحَادِهِ. وَقَاسَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى فِطْرَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقُلْت لَا يُخْرِجُ فِطْرَةَ عَبْدِهِ مِنْ جِنْسَيْنِ إذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ. احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ، وَاحْتِمَالٌ مِنْ الْكَفَّارَةِ: لَا يُجْزِئُ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ. إلَّا أَنْ تُعَدَّ بِالْقِيمَةِ، وَخَرَّجَ فِي الْقَوَاعِدِ وَجْهًا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ.
قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُ الْمُخْرَجِ: التَّمْرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَلِفِعْلِ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّهُ قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً. قُلْت: وَالزَّبِيبُ يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَوْلَا الْأَثَرُ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَعِنْدِي: الْأَفْضَلُ أَعْلَى الْأَجْنَاسِ قِيمَةً وَأَنْفَعُ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ لَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّمْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ التَّمْرِ، وَقَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَهَا أَغْلَاهَا ثَمَنًا. كَمَا أَنَّ أَفْضَلَ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا.
قَوْلُهُ (ثُمَّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ) ، وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ الزَّبِيبُ [وَهُوَ الْمَذْهَبُ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَالْأَفْضَلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَعْدَ التَّمْرِ الزَّبِيبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ الْبُرُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَعَنْهُ الْأَقِطُ أَفْضَلُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إنْ كَانَ قُوتَهُمْ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ مَا كَانَ قُوتَ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ.
قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: الْأَفْضَلُ مَا كَانَ قُوتَ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ، لَا قُوتَهُ هُوَ وَحْدَهُ. انْتَهَى.
وَأَيَّهُمَا كَانَ أَعْنِي الزَّبِيبَ وَالْبُرَّ كَانَ أَفْضَلَ بَعْدَهُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ الْآخَرُ. ثُمَّ الشَّعِيرُ بَعْدَهُمَا. ثُمَّ دَقِيقُهُمَا، ثُمَّ سَوِيقُهُمَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ وَالْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ فِي بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ. لَكِنَّ الْأَفْضَلَ: أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عَنْ مُدِّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ: تَفْرِقَةُ الصَّاعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ: أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عَنْ الصَّاعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لِلْمَشَقَّةِ، وَعَدَمِ نَقْلِهِ وَعَمَلِهِ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ فَرَّقَ فِطْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى جَمَاعَةٍ لَمْ يُجْزِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَفْرِيقَ الْفِطْرَةِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَعْطَى الْفَقِيرَ فِطْرَةً، فَرَدَّهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ: جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ حِيلَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ، كَشِرَائِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.