المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ الضَّمَانُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ الضَّمَانُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي

أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ الضَّمَانُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ بِاسْتِخْلَافِهِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، كَحَلْقِ الْمُحْرِمِ شَعْرًا ثُمَّ عَادَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا " إذَا نَتَفَ رِيشَهُ فَعَادَ " فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.

[فَوَائِدُ]

ُ إحْدَاهَا: لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْطُوعِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. كَالصَّيْدِ، وَقِيلَ: يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ قَاطِعِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَلَعَ شَجَرًا مِنْ الْحَرَمِ، فَغَرَسَهُ فِي الْحِلِّ: لَزِمَهُ رَدُّهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ يَبِسَ: ضَمِنَهُ، فَإِنْ رَدَّهُ، وَثَبَتَ كَمَا كَانَ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ثَبَتَ نَاقِصًا: فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ. الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْجَزَاءَ: قَوَّمَهُ ثُمَّ صَامَ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: مَنْ لَمْ يَجِدْ: قَوَّمَ الْجَزَاءَ طَعَامًا كَالصَّيْدِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيُخَيَّرُ بَيْنَ إخْرَاجِ الْبَقَرَةِ وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا، وَأَنْ يَفْعَلَ فِي ثَمَنِهَا كَمَا قُلْنَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ.

فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَمَنْ قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ: ضَمِنَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. كَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ وَأَصْلُهُ فِي الْحِلِّ: لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهَادِي.

ص: 557

أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ [وَصَحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يُخْرَجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ، وَلَا يُدْخَلُ إلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ، وَلَا يُخْرَجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ، وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى كَرَاهَةِ إخْرَاجِهِ، وَجَزَمَ فِي مَكَان آخَرَ بِكَرَاهَتِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ إلَى حِلٍّ، وَفِي إدْخَالِهِ إلَى الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ فِي تُرَابِ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوْلَى أَنَّ تُرَابَ الْمَسْجِدِ أَكْرَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ لِلتَّبَرُّكِ وَلِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ: يَحْرُمُ.

وَمِنْهَا: لَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ مَاءِ زَمْزَمَ قَالَ أَحْمَدُ: أَخْرَجَهُ كَعْبٌ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: حَدّ الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا، وَقَالَ الْقَاضِي: حَدُّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ: دُونَ التَّنْعِيمِ عِنْدَ بُيُوتِ نِفَارٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَمِنْ الْيَمَنِ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ إضَاحَةِ أَضَاةٍ لِبْنٍ، وَمِنْ الْعِرَاقِ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عَلَى ثَنِيَّةِ رِجْلٍ، وَهُوَ جَبَلٌ بِالْمُنْقَطِعِ، وَقِيلَ: تِسْعَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ: تِسْعَةُ أَمْيَالٍ فِي شِعْبٍ يُنْتَسَبُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَمِنْ جَدَّةَ: عَشَرَةُ أَمْيَالٍ

ص: 558

عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْأَعْشَاشِ، وَمِنْ الطَّائِفِ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ طَرَفِ عُرَنَةَ، وَمِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَالَ: عِنْدَ إضَاةِ لِبْنٍ مَكَانُ إضَاحَةِ لِبْنٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ [وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ لَوْ فَعَلَ وَذَبَحَ صَحَّتْ ذَكِيَّتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي صِحَّتِهَا احْتِمَالَانِ، وَالْمَنْعُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْآتِي وَغَيْرِهِ] . (وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا، إلَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ وَالْعَارِضَةِ وَالْقَائِمَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْوِسَادَةِ، وَالْمَسْنَدِ. وَهُوَ عُودُ الْبَكَرَةِ. (وَمِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ، وَمَنْ أَدْخَل إلَيْهَا صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ) ، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: حُكْمُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا سَبَقَ، إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَدْخَلَ صَيْدًا، أَوْ أَخَذَ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ. [قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْخَلَ إلَيْهِ صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ) . قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي صِحَّةِ تَذْكِيَةِ الصَّيْدِ احْتِمَالَانِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ] .

قَوْلُهُ (وَلَا جَزَاءَ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قُلْت: مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ.

ص: 559

وَعَنْهُ جَزَاؤُهُ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَحَنْبَلٌ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: سَلَبُ الْقَاتِلِ: ثِيَابُهُ. قَالَ الْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَالسَّرَاوِيلُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: وَالزِّينَةُ مِنْ السَّلَبِ كَالْمِنْطَقَةِ، وَالسِّوَارِ، وَالْخَاتَمِ، وَالْجُبَّةِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ آلَةِ الِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْفِعْلِ الْمَحْظُورِ. كَمَا قَالَ فِي سَلَبِ الْمَقْتُولِ. قَالَ غَيْرُهُ: وَلَيْسَتْ الدَّابَّةُ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: إذَا لَمْ يَسْلُبْهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا فَعَلَ.

قَوْلُهُ (وَحَرَمُهَا مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ) ، وَهُوَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، وَقَدْرُهُ: بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ: لَا يُعْرَفُ بِهَا ثَوْرٌ وَلَا عَيْرٌ وَإِنَّمَا هُمَا جَبَلَانِ بِمَكَّةَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ أَرَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ جَبَلَيْنِ بِالْمَدِينَةِ وَسَمَّاهُمَا ثَوْرًا وَعَيْرًا تَجَوُّزًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: عَيْرٌ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ مَشْهُورٌ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ: لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ عَيْرٌ وَلَا ثَوْرٌ، وَأَمَّا ثَوْرٌ: فَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ مَعْرُوفٌ، فِيهِ الْغَارُ الَّذِي تَوَارَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ» . قَالَ عِيَاضٌ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ ذَكَرُوا " عَيْرًا " فَأَمَّا " ثَوْرٌ " فَمِنْهُمْ

ص: 560

مَنْ كَنَّى عَنْهُ بِكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ مَكَانَهُ بَيَاضًا. لِأَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا ذِكْرَ " ثَوْرٍ " خَطَأً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُ الْحَدِيثِ «مِنْ عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ» وَكَذَا قَالَ الْحَازِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ. وَقَدَّرُوا كَمَا قَدَّرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: وَهَذَا كُلُّهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ " ثَوْرًا " بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْعَلَّامَةُ عَفِيفُ الدِّينِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مَزْرُوعٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: صَحِبْت طَائِفَةً مِنْ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي هَيْثَمٍ، وَكُنْت إذَا صَحِبْت الْعَرَبَ أَسْأَلُهُمْ عَمَّا أَرَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ وَادٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَرَرْنَا بِجَبَلٍ خَلَفَ أُحُدٍ، فَقُلْت: مَا يُقَالُ لِهَذَا الْجَبَلِ؟ قَالُوا: هَذَا جَبَلُ ثَوْرٍ، فَقُلْت: مَا تَقُولُونَ؟ ، قَالُوا: هَذَا " ثَوْرٌ " مَعْرُوفٌ مِنْ زَمَنِ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا، فَنَزَلْت وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حُسَيْنٍ الْمَرَاغِيُّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ فِي مُخْتَصَرٍ لِأَخْبَارِ الْمَدِينَةِ: أَنَّ خَلَفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَنْقُلُونَ عَنْ سَلَفِهِمْ: أَنَّ خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ جَبَلًا صَغِيرًا إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ. يُسَمَّى " ثَوْرًا " قَالَ: وَقَدْ تَحَقَّقْته بِالْمُشَاهَدَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ الْعَالِمُ عَبْدُ السَّلَامِ الْبَصْرِيُّ: أَنَّ حَدَّ أُحُدٍ عَنْ يَسَارِهِ جَانِحًا إلَى وَرَائِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ " ثَوْرٌ " وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سُؤَالُهُ عَنْهُ لِطَوَائِفَ مِنْ الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْجِبَالِ، فَكُلٌّ أَخْبَرَ: أَنَّ ذَلِكَ الْجَبَلَ اسْمُهُ " ثَوْرٌ " وَتَوَارَدُوا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَعَلِمْنَا أَنَّ ذِكْرَ " ثَوْرٍ " فِي الْحَدِيثِ صَحِيحٌ، وَأَنَّ عَدَمَ عِلْمِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بِهِ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ، وَعَدَمِ بَحْثِهِمْ عَنْهُ. قَالَ: وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: وَحَرَمُهَا مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا، وَقِيلَ: كَمَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَرَمُهَا مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ انْتَهَى.

ص: 561

وَقَدْ وَرَدَ «أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا» . قَالَ الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ: رِوَايَةُ «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» أَرْجَحُ لِتَوَارُدِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهَا، وَرِوَايَةُ " جَبَلَيْهَا " لَا تُنَافِيهَا، فَيَكُونُ عِنْدَ كُلِّ جَبَلٍ لَابَةٌ. أَوْ " لَابَتَيْهَا " مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ، وَ " جَبَلَيْهَا " مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَعَاكَسَهُ فِي الْمَطْلَعِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ " مَأْزِمَيْهَا "، فَالْمَأْزِمُ: الْمَضِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجَبَلِ نَفْسِهِ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَأَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْجِوَارِ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لَنَا بِهِ؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ، وَإِنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَيَّ» وَعَنْهُ: الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ، فَأَمَّا وَهُوَ فِيهَا: فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ وَالْجَنَّةُ؛ لِأَنَّ فِي الْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّ التُّرْبَةَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَضَّلَ التُّرْبَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ إلَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُجَاوَرَةِ، وَجَزَمُوا بِأَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ.

ص: 562

وَغَيْرِهَا فِي مَكَّةَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ.

الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ، وَيَجُوزُ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا الْمُجَاوَرَةُ بِهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ رضي الله عنه الْجِوَارَ بِمَكَّةَ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُحْتَمَلُ الْقَوْلُ بِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ رِوَايَتَانِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْمُجَاوَرَةُ فِي مَكَان يَتَمَكَّنُ فِيهِ إيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ: أَفْضَلُ حَيْثُ كَانَ. انْتَهَى.

الثَّالِثَةُ: تَضَاعُفُ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ فَاضِلٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدْ سُئِلَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: تُكْتَبُ السَّيِّئَةُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا. إلَّا بِمَكَّةَ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّيِّئَاتِ.

الرَّابِعَةُ: لَا يَحْرُمُ صَيْدُ وَجٍّ وَشَجَرِهِ وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ وَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا «إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهِهِ حَرَمٌ مَحْرَمٌ لِلَّهِ» لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ النُّقَّادِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُ وَجٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي إبَاحَتِهِ لِلْمُحِلِّ، فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: يُبَاحُ لَهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يُبَاحُ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ: فَلَا يُبَاحُ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 563