الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ: إذَا أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ، أَوْ أَحَالَ الْفَقِيرَ بِالزَّكَاةِ، هَلْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ ".
[بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ]
ِ قَوْلُهُ (وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ: الْفُقَرَاءُ، وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَالثَّانِي: الْمَسَاكِينُ، وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ. اخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ صِفَتَانِ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ.
تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْمَسَاكِينِ " هُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ "، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهَادِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَجَمَاعَةٌ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ أَكْثَرُ الْكِفَايَةِ، وَقَالَ النَّاظِمُ: هُمْ الَّذِينَ يَجِدُونَ جُلَّ الْكِفَايَةِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ تَمَامَ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ مُرَادُهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: هُمْ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى بَعْضِ كِفَايَتِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: الْمِسْكِينُ مَنْ لَمْ يَجِدْ أَكْثَرَ كِفَايَتِهِ، فَلَعَلَّهُ: مَنْ يَجِدُ بِإِسْقَاطِ " لَمْ " أَوْ أَرَادَ نِصْفَ الْكِفَايَةِ فَقَطْ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ أَكْثَرُ كِفَايَتِهِمْ، وَهُوَ مُعْظَمُهَا، أَوْ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْهَا. كَنِصْفِهَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَالْمِسْكِينُ مَنْ وَجَدَ أَكْثَرَهَا أَوْ نِصْفَهَا، فَتَلَخَّصَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ: أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَجِدُ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ، وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكْثَرُهَا، وَكَذَا جُلُّهَا، وَقَدْ فَسَّرَ فِي الرِّعَايَةِ أَكْثَرَهَا بِمُعْظَمِهَا. لَكِنَّ أَعْظَمَهَا وَجُلَّهَا فِي النَّظَرِ أَخَصُّ مِنْ أَكْثَرِهَا، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ. بِخِلَافِ جُلِّهَا. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مُعْظَمُهَا، وَفِي عِبَارَاتِهِمْ " مَنْ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهَا وَنِصْفِهَا " فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَنْ ذَكَرَ بَعْضَهَا عَلَى نِصْفِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ، وَأَنَّهَا أَقْوَالٌ، وَأَمَّا الْفُقَرَاءُ فَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، أَوْ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ: هُمْ الَّذِينَ لَا صَنْعَةَ لَهُمْ، وَالْمَسَاكِينُ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ صَنْعَةٌ وَلَا مَغْنَمَ بِهِمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: الْفُقَرَاءُ الزَّمْنَى وَالْمَكَافِيفُ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا: فِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا حَيْثُ وُجِدَ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، أَوْ مَعَهُ وَلَكِنْ لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ فَهُوَ فَقِيرٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ، أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ وَلَا ضَرِيرٍ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ " وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ " حَصَرَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ، فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ الْأَخْذُ مِنْهَا مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَشْتَغِلُ فِيهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ. انْتَهَى، وَهُوَ الصَّوَابُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَكِنْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِبَادَةِ لَمْ يُعْطَ مِنْ الزَّكَاةِ قَوْلًا وَاحِدًا.
قُلْت: وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَوْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا قَوْلًا، وَاَلَّذِي أَرَاهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ. انْتَهَى، قُلْت: الْجَوَازُ قَطَعَ بِهِ النَّاظِمُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُعْطَى إلَّا إذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ يَلْزَمُهُ.
الثَّالِثُ: شَمَلَ قَوْلُهُ " الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ " الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى الْكَبِيرُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ إعْطَاءِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ. ذَكَرَهَا الْمَجْدُ، وَنَقَلَهَا صَالِحٌ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى صَبِيٍّ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ، وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الظِّهَارِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَحَيْثُ جَازَ الْأَخْذُ، فَإِنَّهَا تُصْرَفُ فِي أُجْرَةِ رَضَاعَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَاَلَّذِي يَقْبَلُ وَيَقْبِضُ لَهُ الزَّكَاةَ وَالْهِبَةَ وَالْكَفَّارَةَ: مَنْ يَلِي مَالَهُ، وَهُوَ وَلِيُّهُ مِنْ أَبٍ وَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ وَأَمِينِهِ وَوَكِيلِ الْوَلِيِّ الْأَمِينِ، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ: قَالَ سُفْيَانُ " لَا يَقْبِضُ لِلصَّبِيِّ إلَّا الْأَبُ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ قَاضٍ " قَالَ أَحْمَدُ " جَيِّدٌ "، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: قَبَضَتْ الْأُمُّ وَأَبُوهُ حَاضِرٌ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِلْأُمِّ قَبْضًا، وَلَا يَكُونُ إلَّا الْأَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ تَصْرِيحًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُ غَيْرِ الْوَلِيِّ مَعَ عَدَمِهِ، مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ خِلَافًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُ مَنْ يَلِيهِ، مِنْ أُمٍّ أَوْ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا، عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ. انْتَهَى، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّ هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ.
نَقَلَ هَارُونُ الْحَمَّالُ فِي الصِّغَارِ: يُعْطِي أَوْلِيَاؤُهُمْ. فَقُلْت: لَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ؟ قَالَ: يُعْطِي مَنْ يَعْنِي بِأَمْرِهِمْ. وَنَقَلَ مِنْهَا فِي الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ يَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ. قُلْت: لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ؟ قَالَ: يُعْطِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ نَصًّا ثَالِثًا بِصِحَّةِ الْقَبْضِ مُطْلَقًا. قَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يُعْطِي مِنْ الزَّكَاةِ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ؟ قَالَ: نَعَمْ يُعْطِي أَبَاهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِشَأْنِهِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ تَعَذَّرَ وَإِلَّا فَلَا.
فَائِدَةٌ: يَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ قَبْضُ الزَّكَاةِ وَالْهِبَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِهَا، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَحْمَدَ: يُعْطِي غُلَامًا يَتِيمًا مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَدْفَعُهَا إلَى الْغُلَامِ. قُلْت: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَيِّعَهُ، قَالَ: يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَارِثِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُمَيِّزُ كَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَيْسَ أَهْلًا لِقَبْضِ ذَلِكَ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ بِحَالٍ. قَالَ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. أَشْهَرُهُمَا: لَيْسَ هُوَ أَهْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَأَبْدَى فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا أَنَّ صِحَّةَ قَبْضِهِ تَقِفُ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ دُونَ الْقَبُولِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ)، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا تُقِيمُهُ يَعْنِي لَا تَكْفِيهِ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ لَهُ: يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ الْقَائِمُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَحْصُدُهُ، أَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَأْخُذُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَفِي مَعْنَاهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ مُؤْنَتِهِ.
تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ " لَوْ كَانَ كُتُبٌ وَنَحْوُهَا يَحْتَاجُهَا. هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَثْمَانِ فَكَذَلِكَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) نَقَلَهَا مُهَنَّا، وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كُتُبِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَ (الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى إذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا مِنْ الذَّهَبِ فَهُوَ غَنِيٌّ) فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ لِمَنْ مَلَكَهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَيَأْخُذُهَا مَنْ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، حَتَّى أَنَّ عَامَّةَ مُتَقَدِّمِيهِمْ لَمْ يَحْكُوا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمُغْنِي، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا بَانَ لَهُ
ضَعْفُهُ رَجَعَ عَنْهُ. أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا يَتَّجِرُونَ بِالْخَمْسِينَ، فَتَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِضَعْفِ الْخَبَرِ، وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَتَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ، وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ قَالَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْكِفَايَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِ بِخَمْسِينَ، وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ: الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، فَقَطَعُوا بِذَلِكَ، وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: هَذَا الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ. قَالَ فِي الْهَادِي: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَنَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قُلْت: نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَأَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَبِشْرُ بْنُ مُوسَى، وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنِ الْحَكَمِ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَحَنْبَلٌ، وَحَرْبٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو حَامِدِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ، وَحَمْدَانُ بْنُ الْوَرَّاقِ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَابْنَاهُ: صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَسْعُودٌ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى، وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَعَنْهُ الْخَمْسُونَ: تَمْنَعُ الْمَسْأَلَةَ لَا الْأَخْذَ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ مَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لَا يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مُؤَجَّلٌ، أَوْ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ " هَلْ يُعْتَبَرُ الذَّهَبُ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحُدَّهُ، أَوْ يُقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ، لِتَعَلُّقِهَا بِالزَّكَاةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِيمَا وَجَدْته بِخَطِّهِ عَلَى تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ.
قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: الْأَوَّلُ. وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيَأْتِي فِي الْبَابِ قَدْرُ مَا يَأْخُذُ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَغَيْرُهُمَا، وَيَأْتِي بَعْدَهُ إذَا كَانَ لَهُ عِيَالٌ.
فَائِدَةٌ: مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ، أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ السُّؤَالُ، لَا الْأَخْذُ، عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمٍ غَدَاءً وَعَشَاءً. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمٍ غَدَاءً وَعَشَاءً. ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْخَلَّالُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُعْطِيهِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ السُّؤَالِ: أُبِيحَ لَهُ السُّؤَالُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا سُؤَالُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ: كَشِسْعِ النَّعْلِ، أَوْ الْحِذَاءِ، فَهَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْمَنْعِ، أَوْ يُرَخَّصُ فِيهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الْأَوْلَى الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَهُمْ الْجُبَاةُ لَهَا، وَالْحَافِظُونَ لَهَا) . الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ: هُوَ الْجَابِي لَهَا، وَالْحَافِظُ لَهَا، وَالْكَاتِبُ، وَالْقَاسِمُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْكَيَّالُ، وَالْوَزَّانُ، وَالْعَدَّادُ، وَالسَّاعِي، وَالرَّاعِي، وَالسَّائِقُ، وَالْحَمَّالُ، وَالْجَمَّالُ، وَمَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا، غَيْرُ قَاضٍ وَوَالٍ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ الْكَتَبَةُ مِنْ الْعَامِلِينَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت. الثَّانِيَةُ: أُجْرَةُ كَيْلِ الزَّكَاةِ وَوَزْنِهَا وَمُؤْنَةِ دَفْعِهَا عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا أَمِينًا مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) . يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي
قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ، اخْتَارَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالتَّذْكِرَةِ. وَالْمُبْهِجِ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِي الْكَافِي وَقِيلَ: وَفِي الذِّمِّيِّ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَامِلًا فِي زَكَاةٍ خَاصَّةٍ عَرَفَ قَدْرَهَا، وَإِلَّا فَلَا.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: بَنَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ هُنَا عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ، فَإِنْ قُلْنَا: مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ: لَمْ يُشْتَرَطْ إسْلَامُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ زَكَاةٌ: اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ فِي الْمَنْصُوصِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: إذَا عَمِلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى الزَّكَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ: الْعَامِلُ هُوَ السُّلْطَانُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الثَّمَنَ فِي كِتَابِهِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ نَحْوَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا ذَكَرَ، وَمُرَادُ أَحْمَدَ: إذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا فَلَا اخْتِلَافَ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. انْتَهَى.
قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي رَدِّ الْآبِقِ فِي آخِرِ الْجَعَالَةِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى: فَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُشْتَرَطُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ. لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُ فِي الشُّرُوطِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَبَنَاهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ: هَلْ هُوَ أُجْرَةٌ أَوْ زَكَاةٌ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: إنْ مَنَعَ مِنْهُ الْخُمُسَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ أَخَذَ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَتَابَعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ أَمِينًا، فَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَوَجَّهَ مِنْ جَوَازِ كَوْنِهِ كَافِرًا جَوَازُ كَوْنِهِ فَاسِقًا مَعَ الْأَمَانَةِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْأَمَانَةِ الْعَدَالَةُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُوَكِّلُ إلَّا أَمِينًا، وَأَنَّ الْفِسْقَ يُنَافِي ذَلِكَ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا فَقْرُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَقْرِهِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطَانِ. ذَكَرَ الْوَجْهَ بِاشْتِرَاطِ حُرِّيَّتِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو حَكِيمٍ، وَذَكَرَ الْوَجْهَ بِاشْتِرَاطِ فَقْرِهِ ابْنُ حَامِدٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ فِي عِمَالَةِ تَفْوِيضٍ لَا تَنْفِيذٍ، وَجَوَازُ كَوْنِ الْعَبْدِ عَامِلًا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ مِنْ عُمَّالِ التَّفْوِيضِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَفِّذًا: فَقَدْ عَيَّنَ الْإِمَامُ مَا يَأْخُذُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ إذَا كَتَبَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ كَسُعَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَافِيًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ. قَالَ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ لَا يُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ. انْتَهَى، قُلْت: لَوْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ ذُكُورِيَّتِهِ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً وُلِّيَتْ عِمَالَةَ زَكَاةٍ أَلْبَتَّةَ، وَتَرْكُهُمْ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] لَا يَشْمَلُهَا.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَمَّالُ الزَّكَاةِ وَرَاعِيهَا وَنَحْوُهُمَا كَافِرًا وَعَبْدًا وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ.
الثَّالِثَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بَالِغًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ الْأَمِينِ تَخْرِيجٌ. يَعْنِي بِجَوَازِ كَوْنِهِ عَامِلًا.
الرَّابِعَةُ: لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِي تَفْرِقَةِ زَكَاتِهِ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ: يُعْطَى أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُعْطَى شَيْئًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَلَقَدْ اطَّلَعْت عَلَى نُسَخٍ كَثِيرَةٍ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ " اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ " بَلْ يُحْكَى الْوَجْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَلَعَلَّ الشَّيْخَ اطَّلَعَ عَلَى نُسْخَةٍ فِيهَا ذَلِكَ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالْأَقْوَى عِنْدِي التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ شَرَطَ لَهُ جُعْلًا عَلَى عَمَلِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الْعَمَلَ. كَمَا فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الْجَعَالَاتِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ مِنْهَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُخْتَصٌّ بِالتَّالِفِ، فَيَذْهَبُ مِنْ الْجَمِيعِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ. وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِهَا، أَوْ بَعَثَهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا، فَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِمَالَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَعَ بَقَائِهِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَا يُعَيِّنُهَا مِنْ الزَّكَاةِ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَتْ فِيهِ عِنْدَ التَّلَفِ. انْتَهَى وَهَذَا لَفْظُهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ الْفُرُوعِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ.
فَائِدَةٌ: يُخَيَّرُ الْإِمَامُ، إنْ شَاءَ أَرْسَلَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا تَسْمِيَةِ شَيْءٍ، وَإِنْ شَاءَ عَقَدَ لَهُ إجَارَةً. ثُمَّ إنْ شَاءَ جَعَلَ إلَيْهِ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَتَفْرِقَتَهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ إلَيْهِ أَخْذَهَا فَقَطْ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَفْرِيقِهَا، أَوْ أَطْلَقَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ. وَهُمْ السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ فِي عَشَائِرِهِمْ مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ، أَوْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ، أَوْ إسْلَامُ نَظِيرِهِ، أَوْ جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا، أَوْ الدَّفْعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) .
الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ أَنَّ حُكْمَهُمْ انْقَطَعَ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَقَدْ عُدِمَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُؤَلَّفَةُ، وَعَنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْكُفَّارِ مِنْهُمْ انْقَطَعَ، وَاخْتَارَ فِي الْمُبْهِجِ أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْرِكِينَ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ: حَكَوْا الْخِلَافَ فِي الِانْقِطَاعِ فِي الْكُفَّارِ، وَقَطَعُوا بِبَقَاءِ حُكْمِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَى رِوَايَةِ الِانْقِطَاعِ: يُرَدُّ سَهْمُهُمْ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، أَوْ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يُرَدُّ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ فَقَطْ، قُلْت: قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ الْمَجْدُ: يُرَدُّ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا رَوَاهُ حَنْبَلٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَيُرَدُّ سَهْمُهُمْ إلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، وَعَنْهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَمَا حَكَى الْخِيَرَةُ، وَلَعَلَّهُ " وَعَنْهُ وَفِي الْمَصَالِحِ " بِزِيَادَةِ وَاوٍ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَلْ يَحِلُّ لِلْمُؤَلَّفِ مَا يَأْخُذُهُ؟ يَتَوَجَّهُ: إنْ أُعْطِيَ الْمُسْلِمُ لِيُكَفَّ ظُلْمُهُ: لَمْ يَحِلَّ. كَقَوْلِنَا فِي الْهِدَايَةِ لِلْعَامِلِ لِيُكَفَّ ظُلْمُهُ، وَإِلَّا حَلَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ضَعْفِ إسْلَامِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ مُطَاعٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: الرِّقَابُ، وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ الرِّقَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ الرِّقَابُ عَبِيدٌ يُشْتَرَوْنَ وَيُعْتَقُونَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا غَيْرُ، فَلَا تُصْرَفُ إلَى مُكَاتَبٍ، وَلَا يُفَكُّ بِهَا أَسِيرٌ وَلَا غَيْرُهُ، سِوَى مَا ذَكَرَ
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " الرِّقَابُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ الْمَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: كَالْمُكَاتَبِينَ فَيُعْطَوْنَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: جَوَازُ أَخْذِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ حُلُولِ نَجْمٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ [وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ]، وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُ إلَّا إذَا حَلَّ نَجْمٌ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، فِي الْمُؤَجَّلِ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ دَفَعَ إلَى الْمُكَاتَبِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِهِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ تَبَرُّعًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَمَا مَعَهُ مِنْهَا لَهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: مَعَ فَقْرِهِ، وَقِيلَ: بَلْ لِلْمُعْطِي، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ [وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ] وَقِيلَ: بَلْ هُوَ لِلْمُكَاتَبِينَ. وَلَوْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ وَبِيَدِهِ وَفَاءٌ، وَلَمْ يُعْتَقْ بِمِلْكِهِ الْوَفَاءَ، فَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: هُوَ أَصَحُّ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: وَأَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ فِيمَا إذَا عَجَزَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهَا تُسْتَرَدُّ إذَا عَجَزَ، وَعَنْهُ يُرَدُّ لِلْمُكَاتَبِينَ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ فِيمَا إذَا عَجَزَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ قَبَضَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِعَنْهُ وَعَنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْمُعْطِي. حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ، وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ مِنْ سَيِّدِهِ، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.
وَإِنْ اشْتَرَى بِالزَّكَاةِ شَيْئًا ثُمَّ عَجَزَ، وَالْعَرْضُ بِيَدِهِ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ عَلَى الْأَوْلَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعُ، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ فِي الرِّقَابِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا فَضَلَ مَعَ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ، وَلَوْ أُعْتِقَ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ، فَمَا فَضَلَ مَعَهُ فَهُوَ لَهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. كَمَا لَوْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ لِلْمُعْطِي كَمَا لَوْ أَعْطَى شَيْئًا لِفَكِّ رَقَبَةٍ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْمُكَاتَبِينَ أَيْضًا.
تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي الزَّكَاةِ. أَمَّا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ: فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهَا، وَكَذَا كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: اخْتِصَاصُهُ بِالزَّكَاةِ. وَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْكِتَابَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ: هَلْ يَكُونُ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ أَوْ الْفَاضِلُ لِوَرَثَتِهِ؟ ".
الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنِهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهُوَ أَوْلَى كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ رُقَّ لِعَجْزِهِ أُخِذَتْ مِنْ سَيِّدِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: إنَّمَا يَجُوزُ بِلَا إذْنِهِ إنْ جَازَ الْعِتْقُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ وَلَا إلَى نَائِبِهِ. كَقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِهِ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ الْفَصْلِ: جَوَازُ دَفْعِ السَّيِّدِ زَكَاتَهُ إلَى مُكَاتَبِهِ، وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا فَضَلَ مَعَ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ بَعْدَ الْعِتْقِ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ تَلِفَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ أَجْزَأَتْ، وَلَمْ يَغْرَمْهَا عِتْقٌ، لَوْ رُدَّ رَقِيقًا
الْخَامِسَةُ: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الدَّفْعِ إلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الزَّكَاةِ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا لَا يَجِدُ وَفَاءً.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ شَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعُ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: مِثْلُ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ: لَوْ دُفِعَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْعِتْقِ. حَكَاهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى. وَالْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٍّ [وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ]، وَعَنْهُ لَا يُعْتِقُ مِنْ زَكَاتِهِ رَقَبَةً. لَكِنْ يُعَيِّنُ فِي ثَمَنِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُعْتِقُ رَقَبَةً كَامِلَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ لَا يُعْتِقُ مِنْهَا رَقَبَةً تَامَّةً، وَعَنْهُ وَلَا بَعْضَهَا. بَلْ يُعَيِّنُ فِي ثَمَنِهَا.
تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " يُعْتِقُهَا " أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتِقَهُ هُوَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْ زَكَاتِهِ، فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْجَوَازِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، الْوَجْهُ الثَّانِي: الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الْعِتْقَ مِنْ الزَّكَاةِ: غَيْرَ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَخَلَّفَ شَيْئًا، رُدَّ مَا رَجَعَ مِنْ وَلَائِهِ فِي عِتْقِ مِثْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَفِي الصَّدَقَاتِ أَيْضًا، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَهَلْ يَعْقِلُ عَنْهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْعَقْلِ. ثُمَّ وَجَدْته فِي الْمُغْنِي قُبَيْلَ كِتَابِ النِّكَاحِ قَدَّمَهُ وَنَصَرَهُ، وَعَنْهُ: وَلَاؤُهُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، وَمَا أَعْتَقَهُ السَّاعِي مِنْ الزَّكَاةِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ: فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا: أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ غَيْرِهِمْ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: يُعْطِي الْمُكَاتَبَ لِفَقْرِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ.
قَوْلُهُ (السَّادِسُ: الْغَارِمُونَ، وَهُمْ الْمَدِينُونَ. وَهُمْ ضَرْبَانِ. ضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) يُعْطَى مَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ لَكِنْ شَرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: كَوْنَهُ مُسْلِمًا، وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ) ، وَكَذَا مَنْ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ الْكُفَّارِ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ.
فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ كَانَ غَارِمًا، وَهُوَ قَوِيٌّ مُكْتَسِبٌ: جَازَ لَهُ الْأَخْذُ لِلْغُرْمِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَالَ: هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الْخِلَافِ فِي إجْبَارِهِ عَلَى التَّكَسُّبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْإِجْبَارُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ.
وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَ إلَى غَارِمٍ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا: لَا يَجُوزُ.
وَمِنْهَا: لَوْ تَحَمَّلَ بِسَبَبِ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَهْبٍ. جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ وَكَذَا إنْ ضَمِنَ عَنْ غَيْرِهِ مَالًا، وَهُمَا مُعْسِرَانِ: جَازَ الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَجُزْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ كَانَ الْأَصْلُ مُعْسِرًا وَالْحَمِيلُ مُوسِرًا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَجُوزُ إنْ ضَمِنَ مُعْسِرًا مُوسِرًا بِلَا أَمْرِهِ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الْأَخْذِ لِلْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ قَبْلَ حُلُولِ دَيْنِهِ، وَفِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ الْوَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْأَخْذُ لِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهَا: لَوْ وَكَّلَ الْغَرِيمُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فِي دَفْعِهَا عَنْهُ إلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَنْ دَيْنِهِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت: وَيَحْتَمِلُ ضِدَّهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَكَّلَ الْمَالِكُ. قِيلَ: فَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ فَقَدْ وَكَّلَهُ أَيْضًا، وَلَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ قَبْضِهَا، وَلَا فَرْقَ. قَالَ: فَتَتَوَجَّهُ فِيهِمَا التَّسْوِيَةُ وَتَخْرِيجُهُمَا عَلَى قَوْلِهِ لِغَرِيمِهِ " تَصَدَّقْ بِدَيْنِي عَلَيْك، أَوْ ضَارِبْ بِهِ " لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ قَبْضِهِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ يَصِحُّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يَصِحُّ [قَبْلَ] قَبْضِهِ لِمُوَكِّلِهِ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى، وَتَأْتِي هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ.
وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِ الْفَقِيرِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. كَدَفْعِهَا إلَى الْفَقِيرِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ يَقْتَضِيهِ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَهَا الْإِمَامُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا، لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي إبْقَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ.
وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ تَمْلِيكُ الْمُعْطِي. كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَ الْفُقَرَاءَ وَلَا يُعَشِّيَهُمْ، وَلَا يَقْضِيَ مِنْهَا دَيْنَ مَيِّتٍ غَرِمَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَوَازَ، وَذَكَرَهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ لَا يُشْتَرَطُ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ " وَالْغَارِمِينَ " وَلَمْ يَقُلْ
لِلْغَارِمِينَ، وَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْغَارِمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ " وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ.
قَوْلُهُ (السَّابِعُ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُمْ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ) فَلَهُمْ الْأَخْذُ مِنْهَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَصْرِفُونَ مَا يَأْخُذُونَ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَهُمْ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الدِّيوَانِ لَا يُعْطَى مِنْهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَكْفِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَكْفِيهِ فَلَهُ أَخْذُ تَمَامِ مَا يَكْفِيهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.
فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُزَكِّي أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الدَّوَابَّ وَالسِّلَاحَ وَنَحْوَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، فَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ صَرْفِهِ إلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ. كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ، وَنَقَلَ أَيْضًا يَجُوزُ، وَقَالَ: ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُعْطِي مِنْهَا فِي الْحَجِّ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: هِيَ أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ يُعْطِي الْفَقِيرَ مَا يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَالْمَيْمُونِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْحَجُّ مِنْ السَّبِيلِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: الْحَجُّ مِنْ السَّبِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ.
وَهُوَ مِنْهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّاءِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَأْخُذُ إلَّا الْفَقِيرُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الْغَنِيُّ أَيْضًا، وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي السَّبِيلِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَا يَأْخُذُ إلَّا لِحَجِّ الْفَرْضِ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْإِفَادَاتِ فِيهَا. وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى، وَعَنْهُ يَأْخُذُ لِحَجِّ النَّفْلِ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَنِهَايَتِهِ. وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْفَرْضَ الْأَكْثَرُونَ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.
فَائِدَةٌ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. نَقَلَ جَعْفَرٌ " الْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَعَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ.
قَوْلُهُ (الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ، وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ)
هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ الشِّيرَازِيَّ قَدَّمَ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ هُمْ السُّؤَالُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّفَرُ فِي الطَّاعَةِ: أُعْطِيَ بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْطَى أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ، فَلَا يُعْطَى فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ سَفَرَ نُزْهَةٍ: فَفِي جَوَازِ إعْطَائِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ الْأَخْذُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَيُعْطَى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ مِمَّنْ انْقَطَعَ بِهِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُبَاحِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ، وَلَا يُجْزِئُ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ [قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ: الْجَوَازُ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ دُونَ التَّنَزُّهِ] ، وَأَمَّا السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُعْطَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْصِيَةً، فَدَلَّ أَنَّهُ يُعْطَى فِي سَفَرٍ مَكْرُوهٍ. قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ إبَاحَةِ التَّرْخِيصِ فِيهِ. انْتَهَى. وَأَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ: فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى فِيهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ نَظِيرُ إبَاحَةِ التَّرَخُّصِ فِيهِ جَرَيَانُ خِلَافٍ هُنَا، فَإِنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَ هُنَاكَ جَوَازَ التَّرَخُّصِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَابْنُ السَّبِيلِ الْآيِبُ إلَى بَلَدِهِ، وَلَوْ مِنْ فُرْجَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ فِي وَجْهٍ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا تَابَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ. قَوْلُهُ (دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدٍ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعْطَى أَيْضًا.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ، وَلَوْ مَعَ غِنَاهُ فِي بَلَدِهِ، وَيُعْطَى أَيْضًا مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مُنْتَهَى مَقْصِدِهِ، وَلَوْ اجْتَازَ عَنْ وَطَنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَارَقَ وَطَنَهُ لِقَصْدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ظَاهِرَ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَدَرَ ابْنُ السَّبِيلِ عَلَى الِاقْتِرَاضِ، فَأَفْتَى الْمَجْدُ بِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَفْتَى الشَّارِحُ بِجَوَازِ الْأَخْذِ، وَقَالَ: لَمْ يَشْتَرِطْ أَصْحَابُنَا عَدَمَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاقْتِرَاضِ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ (وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُعْطَيَانِ كِفَايَتَهُمَا لِتَمَامِ سَنَةٍ، لَا أَكْثَرَ. عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ:
وَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْفَقِيرِ
…
أَكْثَرَ مِنْ غِنَاهُ فِي التَّقْدِيرِ
، وَعَنْهُ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ دَائِمًا بِمَتْجَرٍ أَوْ آلَةِ صَنْعَةٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ.
وَعَنْهُ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا حَتَّى تَفْرُغَ، وَلَوْ أَخَذَهَا فِي السَّنَةِ مِرَارًا، وَإِنْ كَثُرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا وَإِنْ كَثُرَ، وَالْمَذْهَبُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْفَقِيرِ لِلزَّكَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا ذَلِكَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، وَقِيلَ: مَا يَأْخُذُهُ زَكَاةٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَجَاوَزَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُجَاوِزْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْهُ لَهُ ثَمَنُ مَا يَجْنِيهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ جَاوَزَتْ أُجْرَتُهُ ذَلِكَ أُعْطِيَهُ مِنْ الْمَصَالِحِ. انْتَهَى. هَذَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ الْإِمَامُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يُشْرَطْ لَهُ جَعْلٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى عَمَلِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ، فَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَهُ: فَتَقَدَّمَ آخِرَ فَصْلِ الْعَامِلِ.
فَائِدَةٌ: يُقَدَّمُ الْعَامِلُ بِأُجْرَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ نَوَى التَّطَوُّعَ بِعَمَلِهِ فَلَهُ الْأَخْذُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ وَنَائِبَهُ فِي الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا عِنْدَ اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِ. قَوْلُهُ (وَالْمُؤَلَّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ) هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْطَى الْغَنِيُّ مَا يَرَى الْإِمَامُ. قَالَ فِي
الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالْغَازِي مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِغَزْوِهِ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَا يَشْتَرِي رَبُّ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ يَدْفَعُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو حَفْصٍ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ أَيْضًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ مِنْ زَكَاتِهِ خَيْلًا وَسِلَاحًا، وَيَجْعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْهُ الْمَنْعُ مِنْهُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الزَّكَاةِ فَرَسًا يَصِيرُ حَبِيسًا فِي الْجِهَادِ، وَلَا دَارًا، وَلَا ضَيْعَةً لِلرِّبَاطِ، أَوْ يَقِفَهَا عَلَى الْغُزَاةِ، وَلَا غَزْوَهُ عَلَى فَرَسٍ أَخْرَجَهُ مِنْ زَكَاتِهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا لِأَحَدٍ، وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مَصْرِفًا، وَلَا يُغْزَى بِهَا عَنْهُ. كَذَا لَا يَحُجُّ بِهَا، وَلَا يُحَجُّ بِهَا عَنْهُ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْإِمَامُ فَرَسًا بِزَكَاةِ رَجُلٍ: فَلَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ يَغْزُو عَلَيْهَا، كَمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهُ لِفَقْرِهِ أَوْ غُرْمِهِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ أَخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ " وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ " أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُ لَهُ وَلِعِيَالِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ سَنَةً، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يَأْخُذُ لَهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عِيَالِهِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى، إلَّا أَرْبَعَةً: الْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ، وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغَازِي) . أَمَّا الْعَامِلُ: فَلَا يُشْتَرَطُ فَقْرُهُ. بَلْ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ
الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا بِاشْتِرَاطِ فَقْرِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا شَرْطُ حُرِّيَّتِهِ وَلَا فَقْرِهِ "، وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ: فَيُعْطَى مَعَ غِنَاهُ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَأَمَّا الْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ: فَيَأْخُذُ مَعَ غِنَاهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَأْخُذُ مَعَ الْغِنَى [وَمَحَلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَدْفَعْهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا]، وَأَمَّا الْغَازِي: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ جَوَازُ أَخْذِهِ مَعَ غِنَاهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: إذَا أَوْصَى بِفَرَسٍ يَدْفَعُ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ، أَحَبُّ إلَيَّ إذَا كَانَ ثِقَةً.
تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَصْنَافِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ مَعَ غِنَاهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ أَمَّا الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ: فَوَاضِحٌ، وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ: فَلَا يُعْطَى لِفَقْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْغَارِمُ لِنَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا مَعَ فَقْرِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُعْطَى مَعَ غِنَاهُ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ بَعِيدٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ فَقِيرًا وَلَكِنَّهُ قَوِيٌّ يَكْتَسِبُ. جَازَ لَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَالَ: هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الْخِلَافِ فِي إجْبَارِهِ عَلَى التَّكَسُّبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ. انْتَهَى، قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْإِجْبَارُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجْرِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ غَرِمَ لِضَمَانٍ، أَوْ كَفَالَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ غَرِمَ لِنَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَيَأْخُذُ مَعَ غِنَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْأَصِيلُ مُعْسِرًا. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.
فَائِدَةٌ: إذَا قُلْنَا: الْغَنِيُّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَمَلَّكَهَا: لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْذِ بِالْغُرْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يَمْنَعُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مَنْ لَهُ مِائَةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا أُعْطِيَ خَمْسِينَ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ تُرِكَ لَهُ مِمَّا مَعَهُ خَمْسُونَ، وَأُعْطِيَ تَمَامَ دَيْنِهِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُعْطَى شَيْئًا حَتَّى يَصْرِفَ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ، فَيُعْطَى وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسِينَ، فَإِذَا صَرَفَهَا فِي دَيْنِهِ أُعْطِيَ مِثْلَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالْغَازِي، وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ: لَزِمَهُمْ رَدُّهُ) . إذَا فَضَلَ مَعَ الْغَازِي شَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ: لَزِمَ رَدُّهُ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ لَوْ أُبْرِئَ الْغَرِيمُ مِمَّا عَلَيْهِ، أَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرُدُّ مَا مَعَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اسْتَرَدَّ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ
فِي الرِّعَايَتَيْنِ: رَدَّهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: وَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُكَاتَبِ، فَإِذَا قُلْنَا: أَخْذُهُ هُنَاكَ مُسْتَقِرٌّ، فَكَذَا هُنَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُ إمْسَاكُهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إذَا اجْتَمَعَ الْغُرْمُ وَالْفَقْرُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: أَخَذَ بِهِمَا، فَإِنْ أُعْطِيَ لِلْفَقْرِ فَلَهُ صَرْفُهُ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ أُعْطِيَ لِلْغُرْمِ لَمْ يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ، وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِسَبَبٍ يَسْتَقِرُّ الْأَخْذُ بِهِ وَهُوَ الْفَقْرُ، وَالْمَسْكَنَةُ، وَالْعِمَالَةُ، وَالتَّأْلِيفُ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ لَا يَسْتَقِرُّ الْأَخْذُ بِهِ. لَمْ يَصْرِفْهُ إلَّا فِيمَا أَخَذَهُ لَهُ خَاصَّةً. لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ إذَا أُبْرِئَ، أَوْ لَمْ يَغْزُ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَأَمَّا إذَا فَضَلَ مَعَ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَرُدُّهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْخِلَافُ وَجْهَانِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: مَا فَضَلَ لِلْمُكَاتَبِينَ غَيْرُهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَتَقَ بِإِبْرَاءٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
وَتَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ تَبَرُّعًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ، وَبِيَدِهِ وَفَاءٌ.
فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَدَانَ مَا عَتَقَ بِهِ وَبِيَدِهِ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرُ الدَّيْنِ فَلَهُ صَرْفُهُ. لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا الْغَازِي إذَا فَضَلَ مَعَهُ فَضْلٌ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي أَيْضًا، وَالْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَابْنِ مُنَجَّى، فِي شَرْحِهِ وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ لِلْآدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ [وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ]، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرُدُّهُ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ، قَالَ الْخِرَقِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ: لَا يُسْتَرَدُّ. انْتَهَى، وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ الَّذِي فِي الْجِهَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الْقَوَاعِدِ: إذَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ لِيَحُجَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَفَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةٌ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ كَالْوَصِيَّةِ وَأَوْلَى. وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الْغَازِي: إنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: أَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُسْتَرَدُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي النَّفَقَةِ، وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَرُدُّ الْفَاضِلَ بَعْدَ وُصُولِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَعَنْهُ لَا يَرُدُّهُ، بَلْ هُوَ لَهُ، فَيَكُونُ أَخْذُهُ مُسْتَقِرًّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَعَ جَهْلِ أَرْبَابِهِ.
قَوْلُهُ (وَالْبَاقُونَ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، فَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى) لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَالْبَيِّنَةُ هُنَا ثَلَاثَةُ شُهُودٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَكْفِي اثْنَانِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَتَأْتِي بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ (أَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، أَوْ غَارِمٌ، أَوْ ابْنُ سَبِيلٍ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) . إذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، أَوْ غَارِمٌ لِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ غَارِمٌ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَالظَّاهِرُ: يُغْنِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ خَفِيَ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْبَيِّنَةَ، وَلَا يُقْبَلُ بِالْغَارِمِ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُقْبَلُ أَنَّهُ غَارِمٌ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَالْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ ادَّعَى ابْنُ السَّبِيلِ أَنَّهُ فَقِيرٌ: لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ عُرِفَ بِمَالٍ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَزْوَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُقْبَلُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ [إلَّا بِبَيِّنَةٍ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ، أَوْ الْغَارِمَ غَرِيمُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) إذَا صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ. أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ: هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِهِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ تَصْدِيقُهُ لِلتُّهْمَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَفِي تَصْدِيقِهِ غَرِيمَهُ وَالسَّيِّدَ وَجْهٌ. الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِ سَيِّدِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِذَا صَدَّقَ الْغَرِيمَ غَرِيمُهُ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ،
وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الصَّحِيحُ الْقَبُولُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْبَلُ إنْ صَدَّقَهُ غَرِيمٌ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَآهُ جَلْدًا، أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ) بِلَا نِزَاعٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، بِلَا نِزَاعٍ لَكِنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ: هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ " أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ " وَقَوْلُهُمْ " أَخْبَرَهُ وَأَعْطَاهُ " انْتَهَى وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ: لَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا قَلَّدَ وَأَعْطَى) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ، وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُقْبَلَ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ غَرِمَ أَوْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ) إذَا غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِذَا سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ. وَقَدْ حَكَى فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَجْهًا بِجَوَازِ الْأَخْذِ لِلرَّاجِعِ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَابَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْغَارِمِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
أَحَدُهُمَا: يُدْفَعُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: دُفِعَ إلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ [فِي الْغَارِمِ] وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُسَافِرَ إذَا تَابَ، وَهُوَ مِثْلُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْغَارِمِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْغَارِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْغَارِمِ: فَإِنْ تَابَ دُفِعَ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْغَارِمِ: الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْمُسَافِرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ عَدَمَ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى الْغَارِمِ إذَا تَابَ، وَجَوَازَ الدَّفْعِ لِلْمُسَافِرِ إذَا تَابَ.
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا) ؛ لِكُلِّ صِنْفٍ ثَمَنُهَا إنْ وُجِدَ، حَيْثُ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالْأَصْحَابُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا لَوْ فَرَّقَهَا السَّاعِي، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِيهِ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، اخْتَارَهَا. أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. عَلَى الصَّحِيحِ، إلَّا الْعَامِلَ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي الرِّوَايَةِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِغْرَاقُ حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ، وَكَالْعَامِلِ. مَعَ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَفِي " سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ " لَا جَمْعَ فِيهِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا: لَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ نَصِيبَ الثَّالِثِ، وَهَلْ يَضْمَنُ الثُّلُثَ، أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ؟ فَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَجْهَيْنِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ. عَلَى
مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَكَاهُمَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ، وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ: أَنَّهُ يَضْمَنُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ " إلَّا الْعَامِلَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا " هَذَا الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. اخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ إنْ قُلْنَا مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ: أَجْزَأَ عَامِلٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا: إنْ حَرُمَ نَقْلُ الزَّكَاةِ كَفَى الْمَوْجُودُ مِنْ الْأَصْنَافِ الَّذِي بِبَلَدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَتُقَيَّدُ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَكْفِي، وَعَلَيْهَا أَيْضًا: لَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ، كَتَفْضِيلِ بَعْضِ صِنْفٍ عَلَى بَعْضٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: إعْطَاءُ الْعَامِلِ الثَّمَنَ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَسْقُطُ الْعَامِلُ إنْ فَرَّقَهَا رَبُّهَا بِنَفْسِهِ. الثَّانِيَةُ: مَنْ فِيهِ سَبَبَانِ مِثْلُ إنْ كَانَ فَقِيرًا غَارِمًا أَوْ غَازِيًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: جَازَ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ يَعْنِي فِي الِاسْتِيعَابِ وَعَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيعَابُ، فَلَا يُعْلَمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا وَعَيَّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرًا فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ: كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لَوْ وَجَدَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ وَتَفْرِيقُهَا فِيهِمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ [وَقَدْ حَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وِفَاقًا] لَكِنْ
يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ وَالْأَحْوَجِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ أَحْوَجَ أُعْطِيَ الْكُلَّ، وَلَمْ يُحَابِ بِهَا قَرِيبَهُ، وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَالْقَرِيبُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ الْعَالِمُ وَالدَّيِّنُ عَلَى ضِدِّهِمَا، وَإِذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ إلَى الْعَامِلِ، وَأَحْضَرَ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لِيَدْفَعَ إلَيْهِمْ زَكَاتَهُ: دَفَعَهَا إلَيْهِمْ قَبْلَ خَلْطِهَا بِغَيْرِهَا، وَإِنْ خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا: فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا مَا هُمْ بِهِ أَخَصُّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ) يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوهُ. قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَالتَّخْرِيجِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْيَسُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى غَرِيمِهِ. لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ حِيلَةٍ، سَوَاءٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَ الْمُقْرَضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ أَرَادَ إحْيَاءَ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ حِيلَةً فَلَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَ أَيْضًا: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً، فَلَا أَرَاهُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ حِيلَةً لَمْ يَصْلُحْ، وَلَا يَجُوزُ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَعْنِي بِالْحِيلَةِ: أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ أَوْ اسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا لِلَّهِ فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: إنْ قَضَاهُ بِلَا شَرْطٍ: صَحَّ، كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِشَيْءٍ. ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ زَكَاةً
وَيُكْرَهُ حِيلَةً. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. كَذَا قَالَ: وَتَبِعَ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: الصِّحَّةُ وِفَاقًا إلَّا بِشَرْطِ تَمْلِيكٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّدِّ لَا يَمْنَعُ التَّمْلِيكَ التَّامَّ؛ لِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ مُسْتَحَقًّا. قَالَ: وَكَذَا الْكَلَامُ إنْ أَبْرَأَ الْمَدِينَ مُحْتَسِبًا مِنْ الزَّكَاةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْغَرِيمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَدَّ الزَّكَاةِ وَفَاءً فِي دَيْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ " لَا يُعْجِبُنِي إذَا كَانَ حِيلَةً " ثُمَّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ بِجِهَةِ الْغُرْمِ: لَمْ يَمْنَعْ الشَّرْطُ الْإِجْزَاءَ، وَإِنْ قَصَدَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ إحْيَاءَ مَالِهِ: لَمْ يُجْزِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ رَدَّ الْغَرِيمُ إلَيْهِ مَا قَبَضَهُ قَضَى دَيْنَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى غَرِيمِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الزَّكَاةِ. ثُمَّ قَبَضَهَا مِنْهُ وَفَاءً عَنْ دَيْنِهِ: لَا أَرَاهُ. أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ تَمِيمٍ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَمْ يُجْزِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْرَجُ عَنْهُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْجَوَازَ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ تَوْجِيهُ احْتِمَالٍ وَتَخْرِيجٍ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَمْ لَا؟ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ قَدْرُ زَكَاةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ زَكَاةَ ذَلِكَ الدَّيْنِ. حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ.
الثَّانِيَةُ: لَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ بِالزَّكَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ
الْحَوَالَةَ وَفَاءٌ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي انْتِقَالِ الْحَقِّ بِالْحَوَالَةِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ، وَإِلَّا كَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ فَأَحَالَهُ بِهِ، فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ: أَنَّهُ كَالنَّاسِي، وَتَقَدَّمَ بَعْضُ فُرُوعِ الْغَارِمِ فِي فَصْلِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ إذَا أَحَالَهُ بِدَيْنِهِ: هَلْ يَكُونُ قَبْضًا؟ . عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ ".
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُؤَلَّفُ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْعَامِلُ: فَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَكَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ هُنَاكَ، وَأَمَّا الْغَارِمُ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغَازِي: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِالْجَوَازِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِمَا سَبَقَ فَلَهُ أَخْذُهَا لِغَزْوٍ وَتَأْلِيفٍ وَعِمَالَةٍ وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَهَدِيَّةٍ مِمَّنْ أَخَذَهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ إلَى غَارِمٍ لِنَفْسِهِ كَافِرٍ، فَظَاهِرُهُ: يَجُوزُ لِذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَنْعَ فِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَلَا إلَى عَبْدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِهِ عَامِلًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا: وَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا لِكَوْنِهِ غَازِيًا أَوْ عَامِلًا أَوْ مُؤَلَّفًا أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدٍ، وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا.
وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ دَفْعٌ إلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ، وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ أَوْ أَمَانَةٌ، فَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ. وَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، فِي بَابِ الْكِتَابَةِ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ، وَمَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَنِصْفُهُ يُلَاقِي نِصْفَهُ الْمُكَاتَبَ فَيَجُوزُ، وَمَا يُلَاقِي نِصْفَ السَّيِّدِ الْآخَرِ، إنْ كَانَ فَقِيرًا: جَازَ فِي حِصَّتِهِ، وَإِنْ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ. انْتَهَى، قَالَ الْمَجْدُ: وَكَذَا إنْ كَاتَبَ بَعْضَ عَبْدِهِ، فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ يَكُونُ لِلْحِصَّةِ الْمُكَاتَبَةِ مِنْهُ بِقَدْرِهَا، وَالْبَاقِي لِحِصَّةِ السَّيِّدِ مَعَ فَقْرِهِ. انْتَهَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ دَفْعَ الزَّكَاةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ فِي فَصْلِ الْغَارِمِ، وَجَزَمَ غَيْرُ الْقَاضِي مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَأْخُذُهُ مَنْ بَعْضُهُ مُكَاتَبٌ يَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ، كَمَا لَوْ وَرِثَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ.
فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْعَبْدِ فِي عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ: فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ بِنِسْبَتِهِ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ مِنْ كِفَايَتِهِ، عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ، فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَوْ نِصْفَ كِفَايَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا فَقِيرَةٌ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: هَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ؟ .
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ وَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِجَوَازِ الْأَخْذِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا أَحْسَبُ مَا قَالَهُ إلَّا مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فِي الْوَلَدِ الصَّغِيرِ.
الثَّانِيَةُ: هَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ تَبَرَّعَ بِهَا قَرِيبُهُ أَوْ غَيْرُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَ فِيهِمَا الْجَوَازَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرِيبٍ بِغَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ: جَازَ أَخْذُ الزَّكَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. كَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ، أَوْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ عَقَارِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا الْوَالِدَانِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا الْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ) . إنْ كَانَ الْوَالِدَانِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ فِي حَالِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانُوا فِي حَالٍ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، كَوَلَدِ الْبِنْتِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ [كَمَا إذَا لَمْ يَتَّسِعْ لِلنَّفَقَةِ مَالُهُ] لَمْ يَجُزْ أَيْضًا دَفْعُهَا إلَيْهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَاضِحِ فِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ مَحْجُوبَيْنِ وَجْهَيْنِ.
فَائِدَةٌ: لَا يُعْطَى عَمُودِيٌّ نَسَبُهُ لِغُرْمٍ لِنَفْسِهِ وَلَا لِكِتَابَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلَا يُعْطَوْا لِكَوْنِهِمْ ابْنَ سَبِيلٍ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ يُعْطَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَأْخُذُ لِكَوْنِهِ عَامِلًا وَمُؤَلَّفًا وَغَازِيًا وَغَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ (وَلَا بَنِي هَاشِمٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَكَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إجْمَاعًا.
وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَأَبُو الْبَقَاءِ، وَأَبُو صَالِحٍ: إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ جَازَ. ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّهُمْ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ أَخَذُوا الزَّكَاةَ، وَرُبَّمَا مَالَ إلَيْهِ أَبُو الْبَقَاءِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي يَعْقُوبَ مِنْ أَصْحَابِنَا. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي مُنْتَخَبِ الْفُنُونِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ النَّصِيحَةِ. انْتَهَى. وَزَادَ ابْنُ رَجَبٍ عَلَى مَنْ سَمَّاهُمْ فِي الْفَائِقِ: نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْجِيلِيُّ. قُلْت: وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ جَامِعُ الِاخْتِيَارَاتِ: وَبَنُو هَاشِمٍ إذَا مُنِعُوا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ جَازَ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَيَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةِ الْهَاشِمِيِّينَ. انْتَهَى. فَتَلَخَّصَ جَوَازُ الْأَخْذِ لِبَنِي هَاشِمٍ إذَا مُنِعُوا مِنْ [خُمُسِ] الْخُمُسِ عِنْدَ الْقَاضِي يَعْقُوبَ، وَأَبِي الْبَقَاءِ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَنَصْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَبِي طَالِبٍ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ كَوْنِ ذَوِي الْقُرْبَى عَامِلِينَ فِي فَصْلِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ سِوَاهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ يُعْطَوْنَ لِلْغَزْوِ وَالْعِمَالَةِ، وَأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: يُعْطَى لِغُرْمِ نَفْسِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْجَوَازِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَظْهَرُ. قُلْت: جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ بِجَوَازِ أَخْذِ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانُوا غُزَاةً، أَوْ عُمَّالًا أَوْ مُؤَلَّفِينَ، أَوْ غَارِمِينَ لِذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا لِكَوْنِهِمْ غُزَاةً أَوْ غَارِمِينَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ لِمَصْلَحَتِنَا لَا لِحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ. كَذَا قَالَ الْمَجْدُ، وَزَادَ: أَوْ مُؤَلَّفِهِ.
فَائِدَةٌ: بَنُو هَاشِمٍ مَنْ كَانَ مِنْ سُلَالَةِ هَاشِمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَيَدْخُلُ فِيهِمْ آلُ الْعَبَّاسِ، وَآلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَآلُ أَبِي لَهَبٍ، وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ هُمْ آلُ الْعَبَّاسِ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يُدْخِلَا أَبَا لَهَبٍ مَعَ كَوْنِهِ أَخَا الْعَبَّاسِ وَأَبِي طَالِبٍ قَوْلُهُ (وَلَا لِمَوَالِيهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ إلَى الْجَوَازِ
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِي مَوَالِيهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: مَوْلَى قُرَيْشٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَوْلَى مَوْلًى؟ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اعْتِبَارًا بِالْأَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ التَّنْبِيهُ وَالشَّافِي: لَا يَجُوزُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَظَاهِرُ شَرْحِ الْمَجْدِ: الْإِطْلَاقُ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَحْرُمُ أَخْذُ الزَّكَاةِ عَلَى أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها " إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا يُخَالِفُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ
فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَزْوَاجُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْمُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِنَّ، وَكَوْنُهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ، أَصَحُّهُمَا: التَّحْرِيمُ، وَكَوْنُهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ إجْمَاعًا، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَيْضًا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فَيَكُونُ النَّذْرُ وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَحْرِيمِ أَخْذِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. قَوْلُهُ (وَفِي النَّذْرِ) . يَعْنِي: يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ النَّذْرِ. كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَطَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَحْرِيمِهِ أَيْضًا عَلَيْهِمْ. وَحَكَى فِي الْحَاوِيَيْنِ فِي جَوَازِ أَخْذِهِمْ مِنْ النُّذُورِ: وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْكَفَّارَةِ: وَجْهَانِ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَتَخَرَّجُ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.
أَحَدُهُمَا: هِيَ كَالزَّكَاةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْهَا لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ فِي الْمَنْعِ، وَهُوَ
ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلِلْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ الْأَخْذُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هِيَ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالنَّظْمِ.
تَنْبِيهٌ: رَأَيْت فِي نُسْخَتَيْنِ عَلَيْهِمَا خَطُّ الْمُصَنِّفِ " وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ، وَفِي النَّذْرِ وَجْهَانِ " بِغَيْرِ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ، وَأَيْضًا: وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي النَّذْرِ، ثُمَّ أُصْلِحَ وَعُمِلَ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ " وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرِ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ " وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِالْمَشْهُورِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي النَّذْرِ أَيْضًا فَائِدَةٌ: إذَا حَرُمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِمْ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.
قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمُنْتَخَبِ
وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ [وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالتَّعْلِيقِ. وَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا، وَأَنَصُّهُمَا. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ الْأَظْهَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ. نَقَلَهُمَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ. رَوَاهَا عَنْهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَنْعُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً، وَالْجَوَازُ إذَا لَمْ تَجِبْ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَقَبِلَهَا، لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِهَا، وَالنَّفَقَةُ لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا وَطَالَبَهُ بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ جَعْلُهَا زَكَاةً.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ دَفْعِهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إذَا كَانَ يَرِثُهُمْ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ. صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَ يُمَوِّنُهُمْ عَادَةً: لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ، وَإِلَّا جَازَ. ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ، وَلَا يَرِثُهُ الْآخَرُ، كَعَمَّةٍ وَابْنِ أَخِيهَا، وَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ، وَأَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ وَنَحْوُهُ. فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، فَعَلَيْهَا فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَكْسُهُ الْآخَرُ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَوْ وَرِثُوا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ. لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ الثَّالِثَةُ: فِي الْإِرْثِ بِالرَّدِّ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَجُوزُ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ، وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ غَنِيًّا بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ أَوْ تَبَرُّعٍ: هَلْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا فَقِيرَةٌ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ؟ ".
الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ كَوْنُ قَرِيبِ الْمُزَكِّي عَامِلًا، وَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاتِهِ بِلَا نِزَاعٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى أَقَارِبِهِ غَيْرَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ. بِخِلَافِ عَمُودِيِّ نِسْبَةٍ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ، وَجَعَلَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: الْأَقَارِبَ كَعَمُودَيْ النَّسَبِ فِي الْإِعْطَاءِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ لَا غَيْرُ عَلَى قَوْلٍ، فَقَالُوا وَقِيلَ: يُعْطَى عَمُودِيٌّ نَسَبُهُ وَبَقِيَّةُ أَقَارِبِهِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ، وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَا يَدْفَعُ إلَى أَقَارِبِهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ إذَا كَانُوا مِنْهُمْ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُعْطِي قَرَابَتَهُ لِعِمَالَةٍ، وَتَأْلِيفٍ، وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَغَزْوٍ، وَلَا يُعْطِي لِغَيْرِ ذَلِكَ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ تَبَرَّعَ بِنَفَقِهِ قَرِيبٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَضَمَّهُ إلَى عِيَالِهِ: جَازَ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ. قَوْلُهُ (أَوْ إلَى الزَّوْجِ؟) . عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. . إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَجِدْ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَهُ فِي كُتُبِهِ، بَلْ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ خِلَافُ ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا أَظْهَرُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ أَيْضًا، وَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَحْمَدُ، رِوَايَةُ الْجَوَازِ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ.
فَائِدَةٌ: لَمْ يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَوَازَ أَخْذِ
الزَّوْجِ مِنْ الزَّوْجَةِ، وَأَخْذِهَا مِنْهُ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ غَيْرِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِغَزْوٍ وَلَا لِكِتَابَةٍ، وَلَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ [وَنَحْوِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ وَلَا لِكِتَابَةٍ]، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَجُوزُ الْأَخْذُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً، كَعَمُودَيْ النَّسَبِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ لِغَيْرِهِمَا: فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ [وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدِ] . إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْعُمْدَةِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. لِمَنْعِهِمْ بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ، وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ مَوَالِيَ بَنِي الْمُطَّلِبِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ: أَنَّ حُكْمَهُمْ كَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ مَوْلَى قُرَيْشٍ، يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَوْلَى مَوْلًى؟ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ، فَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ تَابَعَ الْقَاضِيَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ: لَا يَعْرِفُ فِيهِمْ رِوَايَةً، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ فِيهِمْ مَا نَقُولُ فِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ. انْتَهَى. قُلْت: لَمْ يَطَّلِعْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالْخِصَالِ لَهُ: تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَمَوَالِيهِمْ. كَذَا قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا تُدْفَعُ إلَى هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ وَمَوَالِيهِمَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ عَلِمَ: لَمْ يُجْزِهِ إلَّا لِغَنِيٍّ إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ فَتَارَةً يَكُونُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِغِنَاهُ، وَتَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِكُفْرِهِ أَوْ لِشَرَفِهِ أَوْ كَوْنِهِ عَبْدًا: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ تُجْزِهِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَمْ تُجْزِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ بَانَ غَنِيًّا، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ طَرِيقَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: كَالْغَنِيِّ، وَالثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ قَطْعًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْتَرِدُّهَا بِزِيَادَةٍ مُطْلَقًا.
ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَغَيْرُهُمَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ ظَهَرَ قَرِيبًا لِلْمُعْطِي، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَسَوَّى فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ
بَيْنَ مَا إذَا بَانَ قَرِيبًا غَيْرَ عَمُودَيْ النَّسَبِ، وَبَيْنَ مَا إذَا بَانَ غَنِيًّا، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا بَانَ قَرِيبًا مُطْلَقًا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصْوَبُ عِنْدِي، لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ سَائِرِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَلِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ مَعْنٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فَإِنْ بَانَ نَسِيبًا فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالثَّانِي: هُوَ كَمَا لَوْ بَانَ غَنِيًّا، وَالْمَنْصُوصُ هُنَا: الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَشْيَةُ الْمُحَابَاةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَأَمَّا إذَا دَفَعَهَا إلَى غَنِيٍّ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. ثُمَّ عَلِمَ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الصَّحِيحُ، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ.
قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَرْجِعُ عَلَى الْغَنِيِّ بِهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا زَكَاةٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَا يَلْزَمُ إذَا دَفَعَ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ إلَى فَقِيرٍ، فَبَانَ غَنِيًّا؛ لِأَنَّ مَقْصِدَهُ فِي الزَّكَاةِ إبْرَاءُ الذِّمَّةِ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ، فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ، وَالسَّبَبُ الَّذِي أَخْرَجَ لِأَجْلِهِ فِي التَّطَوُّعِ الثَّوَابُ وَلَمْ يَفُتْ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ، وَسَبَقَ رِوَايَةُ مُهَنَّا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمِسْكِينِ "، وَسَبَقَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ لَا تُجْزِئُ، وَإِنْ بَانَ الْآخِذُ غَنِيًّا، فَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَفَارِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ أَهْلًا لِأَخْذِهَا، لَمْ يَضْمَنْ إذَا بَانَ غَنِيًّا. وَيَضْمَنُ فِي غَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ إذَا بَانَ غَنِيًّا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَجَزَمَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا بَانَ غَنِيًّا، وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى، وَعَنْهُ يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةَ التَّفْرِقَةِ وَتَابَعَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: رِوَايَةَ التَّفْرِقَةِ، وَقَدَّمَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ.
الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَّا لِمَنْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَوْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ مِنْ أَهْلِهَا: لَمْ تُجْزِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ. الثَّالِثَةُ: الْكَفَّارَةُ كَالزَّكَاةِ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَمَنْ مَلَكَ فِيهِمَا الرُّجُوعَ مَلَكَهُ وَارِثُهُ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَالْعِتْقُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ، إلَّا زَمَنَ الْغَلَاءِ وَالْحَاجَةِ. نَقَلَهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْعِتْقُ أَحَبُّ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ. انْتَهَيَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَوَّلَ كِتَابِ الْعِتْقِ. وَهَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ، أَمْ الصَّدَقَةُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، أَمْ مَعَ الْحَاجَةِ؟ وَعَلَى الْقَرِيبِ، أَمْ عَلَى الْقَرِيبِ مُطْلَقًا؟ فِيهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّدَقَةُ زَمَنَ الْمَجَاعَةِ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ. لَا سِيَّمَا الْجَارُ. خُصُوصًا الْقَرَابَةَ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَصِيَّتُهُ بِالصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ بِالْحَجِّ التَّطَوُّعِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ بِلَا حَاجَةٍ، فَيَبْقَى قَوْلٌ خَامِسٌ، وَفِي كِتَابِ الصَّفْوَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ: الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ الْجِهَادِ، وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ: أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ، فَحَيْثُ قُدِّمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْحَجِّ، فَعَلَى الْعِتْقِ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَحَيْثُ قُدِّمَ الْعِتْقُ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَالْحَجُّ بِطَرِيقِ أَوْلَى. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ: هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ مَنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ وَحَلَالٌ أَمْ لَا؟ .
قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ) هَكَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَمُرَادُهُمْ بِالْكِفَايَةِ: الْكِفَايَةُ الدَّائِمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةِ وَقْفٍ وَصَنْعَةٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي الصَّدَقَةَ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ بِمَتْجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَمَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: لَا يَكْفِي الِاكْتِفَاءُ بِالصَّنْعَةِ، وَقَالَهُ فِي غَلَّةِ وَقْفٍ أَيْضًا. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالصَّنْعَةِ نَظَرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَوْ عَبَسَ الزَّمَانُ فِي وَجْهِك مَرَّةً لَعَبَسَ فِي وَجْهِك أَهْلُك وَجِيرَانُك. ثُمَّ حَثَّ عَلَى إمْسَاكِ الْمَالِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " السِّرُّ الْمَصُونُ " أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدَّخِرَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ، وَأَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لَهُ مِرْفَقٌ فَيُخْرِجُ مَا فِي يَدِهِ فَيَنْقَطِعُ مِرْفَقُهُ، فَيُلَاقِي مِنْ الضَّرَرِ وَمِنْ الذُّلِّ مَا يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ، وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَنْقُصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ: أَثِمَ) ، وَكَذَا لَوْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَرِيمِهِ، أَوْ بِكَفَالَتِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْبَابُ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَالْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ) . بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ: الْجَوَازُ، لَا الِاسْتِحْبَابُ. وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) . بِلَا نِزَاعٍ. زَادَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَكَذَا مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِالضِّيقِ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ وَيَتَصَدَّقُ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرَابَتِهِ وَلِيمَةً: يَسْتَقْرِضُ وَيُهْدِي لَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيهِ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْقَرْضِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَظُنُّ وَفَاءً. وَقَالَ أَيْضًا: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْأَظْهَرِ أَنَّ أَخْذَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ أَخْذَهَا سِرًّا أَوْلَى. قَالَ: وَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، أَظُنُّ عُلَمَاءَ الصُّوفِيَّةِ.
الثَّانِيَةُ: تَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْغَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهُمْ أَخْذُهَا
الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ التَّعَفُّفُ، فَلَا يَأْخُذُ الْغَنِيُّ صَدَقَةً، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ
الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ كَبِيرَةٌ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ: الْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ، وَلِلْأَصْحَابِ خِلَافٌ فِيهِ، وَفِيهِ بُطْلَانُ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِحْبَاطَ، لِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ الْمَنُّ، إلَّا عِنْدَ مَنْ كَفَرَ إحْسَانَهُ وَأَسَاءَ إلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ.
الْخَامِسَةُ: مَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ: اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ وَلَا يَجِبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَ أَنْ يُمْضِيَ، وَعَنْهُ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَعْلَمُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَجْهًا. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، كَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَوْلِ، وَفِي تَعْيِينِهِمَا بِالنِّيَّةِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ مَتَى يَمْلِكُ الصَّدَقَةَ؟ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلْيُعَاوَدْ.