الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]
ِ فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَوْلُهُ (وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَأَهْلِ الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالْمَغْرِبِ: مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، وَأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنٌ، وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتُ عِرْقٍ) . اعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، أَوْ تِسْعَةٌ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ فَرْسَخًا، وَقِيلَ: مِائَتَا مِيلٍ إلَّا مِيلَيْنِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ، وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ كَبِيرٌ. وَالصَّوَابُ: أَنَّ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ. وَرَأَيْت مَنْ وَهَّمَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ بَيْنَهُمَا مِيلًا. وَيَلِيهِ فِي الْبُعْدِ: الْجُحْفَةُ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَقِيلَ: خَمْسُ مَرَاحِلَ أَوْ سِتَّةٌ، وَوَهَمَ مَنْ قَالَ: ثَلَاثٌ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ. وَقِيلَ: أَقْرَبُهَا ذَاتُ عِرْقٍ. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ.، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ " قَرْنٌ " عَنْ مَكَّةَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. وَ " يَلَمْلَمُ " لَيْلَتَانِ، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ: أَنَّ بَيْنَ يَلَمْلَمُ وَبَيْنَ مَكَّةَ: مَرْحَلَتَيْنِ ثَلَاثُونَ مِيلًا، وَبَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ، وَبَيْنَ مَكَّةَ: مَرْحَلَتَانِ. وَالْمَسَافَةُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَقَرْنٌ: لِأَهْلِ نَجْدٍ، وَهِيَ الْيَمَنُ، وَنَجْدُ الْحِجَازُ وَالطَّائِفُ. وَذَاتُ عِرْقٍ: لِلْمَشْرِقِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ.
الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ خَفِيَ النَّصُّ فَوَافَقَهُ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَمَنْ سَأَلَهُ لَمْ
يَعْلَمُوا بِتَوْقِيتِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ذَاتَ عِرْقٍ، فَقَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، فَأَصَابَ فَقَدْ كَانَ مُوَفَّقًا لِلصَّوَابِ. انْتَهَى. قُلْت: يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمُحَالِ: أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُوَقِّتَ لَهُمْ.
الثَّالِثَةُ: الْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ آخِرِهِ جَازَ، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَلَوْ مَرَّ أَهْلُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ عَلَى غَيْرِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُجَاوَزَتُهُ إلَّا مُحْرِمِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْجُحْفَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَجَعَلَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا مِنْ عِنْدِهِ، وَقَوَّاهُ وَمَالَ إلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ
قَوْلُهُ (وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ: فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ جَازَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَى الْبَيْتِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْبَعِيدِ أَوْلَى، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ.
قَوْلُهُ (وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ: فَمِنْ الْحِلِّ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الْحَرَمِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَكُلَّمَا تَبَاعَدَ كَانَ أَفْضَلَ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، إذَا أَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً: فَمِنْ الْمِيقَاتِ، فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ: لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا: فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. وَعَنْهُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. أَطْلَقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَزَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِيهَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِسُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عَنْ الْآفَاقِيِّ وَبِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ.
وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ: أَنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ، وَبَعْدَهَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِهَا، وَفِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَتَكْرَارُهَا.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرَادُوا الْحَجَّ: فَمِنْ مَكَّةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ. إذَا كَانَ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا تَرْجِيحَ. يَعْنِي أَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ خِلَافَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا فِي الْإِيضَاحِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيزَابِ، قُلْت: وَكَذَا قَالَ فِي الْمُبْهِجِ.
فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لَهُمْ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعَنْهُ إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ. بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّاظِمِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إنْ مَرَّ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: يُهِلُّ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْمُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا قَضَى نُسُكَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا، أَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ عَنْ إنْسَانٍ، ثُمَّ عَنْ آخَرَ: يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ،
وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، لَكِنْ بَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهُ، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ عَلَى مِيقَاتِ، فَإِذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ: أَحْرَمَ)، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ. فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ: فَمِنْ أَبْعَدِهِمَا عَنْ مَكَّةَ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ مِيقَاتَ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْمَوَاقِيتِ: إذَا حَاذَاهَا.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا: أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَرَادَ نُسُكًا أَوْ مَكَّةَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ الْحَرَمَ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ، إلَّا أَنْ يُرِدْ نُسُكًا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، لِلْخَبَرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَظَاهِرُ النَّصِّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ) مُرَادُهُ: إذَا كَانَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا حُرًّا. فَلَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرٌ، أَوْ عَبْدٌ. أَوْ صَبِيٌّ. ثُمَّ لَزِمَهُمْ، بِأَنْ أَسْلَمَ، أَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ: أَحْرَمُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ مِنْ غَيْرِ دَمٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْمُذْهَبِ: لَا دَمَ عَلَى الْكَافِرِ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَعَنْهُ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ: يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ كَالْمُسْلِمِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمَانِعِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: يَتَخَرَّجُ فِي الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ، بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ، وَهُمَا: مِثْلُهُ، وَقَالَ فِي [الرِّعَايَةِ] الْكُبْرَى، وَغَيْرُهُ مِثْلُهُ وَأَوْلَى. انْتَهَى.
قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالدَّمِ عَلَيْهِمَا دُونَ الْكَافِرِ، وَالْمَجْنُونِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِصِحَّتِهِ مِنْهُمَا مِنْ الْمِيقَاتِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ، وَمَنَعَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ التَّخْرِيجِ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْكَافِرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَبَنَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِي الْكَافِرِ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ دَمٌ إنْ لَمْ يُحْرِمُوا مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ، إذَا أَفَاقَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ: فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِ إفَاقَتِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ تَجَاوَزَ الْمُحْرِمُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الْمِيقَاتَ، بِلَا إحْرَامٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ الْوَاجِبِ فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ: يَقْضِيهِ، وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ. كَنَذْرِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ (إلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ، أَوْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ. كَالْحَطَّابِ) ، وَالْفَيْجِ، وَنَقْلِ الْمِيرَةِ، وَالصَّيْدِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا تَرَدُّدُ الْمَكِّيِّ إلَى قَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْحُدُودِ: هَلْ يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ النُّسُكُ: أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ (وَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ: رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ) يَعْنِي يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ غَيْرَهُ. بِلَا نِزَاعٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُمَا بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي وُجُوبِ رُجُوعِهِ مُحِلًّا لِيُحْرِمَ مِنْهُ مَعَ أَمْنِ عَدُوٍّ، وَفَوْتِ [وَقْتِ] حَجٍّ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِحَالٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَدُوًّا وَلَا فَوْتًا: لَزِمَهُ الرُّجُوعُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ، فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ إحْرَامِهِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَحُكِيَ وَجْهٌ: عَلَيْهِ دَمٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ يَسْقُطُ الدَّمُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي: كَالْعَالِمِ الْعَامِدِ. بِلَا نِزَاعٍ، وَالْمُكْرَهُ كَالْمُطِيعِ.
عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُكْرَهِ: قَالَ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا دَمَ عَلَى مُكْرَهٍ، أَوْ أَنَّهُ كَإِتْلَافٍ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ دَمٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ هَذَا: لَمْ يَسْقُطْ دَمُ الْمُجَاوِزِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: يَسْقُطُ بِقَضَائِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالِاخْتِيَارُ: أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ) . أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، لَكِنَّهُ لَوْ فَعَلَ غَيْرَ الِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ: مِنْ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، فَيَكُونُ مُبَاحًا، وَنَقَلَ صَالِحٌ: إنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ) . يَعْنِي أَنَّ هَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ. لَكِنْ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَسِنْدِيٌّ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، إلَّا أَنْ يُرِدْ فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ. فَلَهُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي: بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَعَنْهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ. وَقَالَ: وَقَدْ يُبْنَى الْخِلَافُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِحْرَامِ، فَإِنْ قُلْنَا: شَرْطٌ. صَحَّ كَالْوُضُوءِ، وَإِنْ قُلْنَا: رُكْنٌ. لَمْ يَصِحَّ، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ: لَا يَصِحُّ أَيْضًا. انْتَهَى. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: إنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ أَجْزَأَ عَنْهَا، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا.