الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الصِّيَامِ]
ِ فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: الصَّوْمُ وَالصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ: الْإِمْسَاكُ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. الثَّانِيَةُ: فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا، فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ إجْمَاعًا. الثَّالِثَةُ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ " شَهْرُ رَمَضَانَ " كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ " رَمَضَانَ " بِإِسْقَاطِ " شَهْرُ " مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: يُكْرَهُ إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ، ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهًا: يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ، أَوْ قَتَرُ لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ: وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَنَصَرُوهُ، وَصَنَّفُوا فِيهِ التَّصَانِيفَ، وَرَدُّوا حُجَجَ الْمُخَالِفِ وَقَالُوا: نُصُوصُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ، أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْهُ، وَقَالَ: لَا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَرَدَّ صَاحِبُ الْفُرُوعِ جَمِيعَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ قَوْلًا صَرِيحًا بِالْوُجُوبِ، وَلَا أَمْرَ بِهِ، فَلَا يَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ، وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَصْحَابُهُ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُبَاحُ صَوْمُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ: بَلْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ.
انْتَهَى، قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَحَكَى عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ أَخِيرًا إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، إنْ صَامَ صَامُوا، وَإِلَّا فَيَتَحَرَّى فِي كَثْرَةِ كَمَالِ الشُّهُورِ وَنَقْصِهَا، وَإِجْبَارِهِ بِمَنْ لَا يُكْتَفَى بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ، وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ، وَقِيلَ: إلَّا الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَتِهِ، فَإِنَّهُ يَصُومُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ إلَّا الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَتِهِ، فَإِنَّهُ يَصُومُهُ. حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ. قُلْت: الْمَذْهَبُ وُجُوبُ صَوْمِ الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَتِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله قَرِيبًا. وَعَنْهُ صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. قَالَ: وَاَلَّذِي نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ الصَّغِيرِ: كَالْأَوَّلِ، وَأَصْلُ هَذَا فِي الْكَثِيرِ. انْتَهَى، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قِيلَ: يُكْرَهُ صَوْمُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً، وَقِيلَ: النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، فَقَالَ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ، فَهَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ، أَوْ مَكْرُوهٌ، أَوْ مُحَرَّمٌ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، اخْتَارَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ. انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَجِيءُ فِي صِيَامِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلٌ سَادِسٌ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَعَمِلَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْفُنُونِ بِعَادَةٍ غَالِبَةٍ، كَمُضِيِّ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَالثَّالِثُ نَاقِصٌ، وَقَالَ: هُوَ مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَقَالَ أَيْضًا: الْبُعْدُ مَانِعٌ كَالْغَيْمِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَنْبَلِيٍّ يَصُومُ مَعَ الْغَيْمِ أَنْ يَصُومَ مَعَ الْبُعْدِ لِاحْتِمَالِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: الشُّهُورُ كُلُّهَا مَعَ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمَطْمُورِ: كَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ فِي التَّحَرُّزِ، وَطَلَبِ التَّحَقُّقِ. وَلَا أَحَدَ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ، بَلْ بِالتَّأْخِيرِ لِيَقَعَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً. كَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ صَوْمٍ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: أَوْ يَظُنُّهُ، لِقَبُولِنَا شَهَادَةَ وَاحِدٍ.
تَنْبِيهٌ: فَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا يُجْزِئُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَنْوِيهِ حُكْمًا جَازِمًا بِوُجُوبِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حُكِيَ عَنْ التَّمِيمِيِّ، فَعَلَى الْمُقَدَّمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُصَلَّى التَّرَاوِيحُ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ وَلَدُهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا الْأَقْوَى عِنْدِي. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ: الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ احْتِيَاطٌ لِسُنَّةِ قِيَامِهِ، وَلَا يَتَضَمَّنُ مَحْذُورًا، وَالصَّوْمُ نُهِيَ عَنْ تَقْدِيمِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَتُصَلَّى التَّرَاوِيحُ لَيْلَتئِذٍ فِي الْأَظْهَرِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فُعِلَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ " دَرْءِ اللَّوْمِ وَالضَّيْمِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ "، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُصَلَّى التَّرَاوِيحُ. اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ وَالتَّمِيمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ النَّاظِمُ: هُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ: مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ، وَوُقُوعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَدِ، وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَلَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي
الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا: تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كَمَا يَثْبُتُ الصَّوْمُ وَتَوَابِعُهُ، وَتَبْيِيتُ النِّيَّةِ، وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَطْلَقَهُمَا. وَعَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ يَنْوِيهِ حُكْمًا: بِوُجُوبِهِ جَازَ مَا يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَهِلَالُ رَمَضَانَ جَمِيعًا: فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: يَجِبُ أَنْ يُقَدِّرُوا رَجَبًا وَشَعْبَانَ نَاقِصَيْنِ، ثُمَّ يَصُومُونَ، وَلَا يُفْطِرُونَ حَتَّى يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ، وَيُتِمُّوا صَوْمَهُمْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَرَمَضَانَ، وَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ لَمْ يُفْطِرُوا ".
قَوْلُهُ (وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا، قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، فَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ، وَلَا يُبَاحُ بِهِ فِطْرٌ. وَعَنْهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ لِلْمَاضِيَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ آخِرَ الشَّهْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَإِلَّا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَأَمَّا إذَا رُئِيَ فِي آخِرِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ: فَهُوَ لِلْمَاضِيَةِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى، وَعَنْهُ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ آخِرَ الشَّهْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَإِلَّا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ الصَّوْمُ) . لَا خِلَافَ فِي لُزُومِ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ رَآهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَطَالِعُ مُتَّفِقَةً. لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لُزُومُ الصَّوْمِ أَيْضًا، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالرُّؤْيَةُ بِبَلَدٍ تَلْزَمُ الْمُكَلَّفِينَ كَافَّةً، وَقِيلَ: تَلْزَمُ مَنْ قَارَبَ مَطْلَعَهُمْ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ لَزِمَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَرَهُ حُكْمُ مَنْ رَآهُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: بَلْ هَذَا مَعَ تَقَارُبِ الْمَطَالِعِ وَاتِّفَاقِهَا، دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا فِيمَا فَوْقَهَا، مَعَ اخْتِلَافِهَا انْتَهَى، فَاخْتَارَ أَنَّ الْبُعْدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَفَرَّعَ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى اخْتِيَارِهِ، فَقَالَ: لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إلَى بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ السَّبْتِ فَبَعُدَ، وَتَمَّ شَهْرُهُ وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ: صَامَ مَعَهُمْ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُفْطِرُ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ أَفْطَرُوا مَعَهُ، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ السَّبْتِ وَبَعُدَ: أَفْطَرَ مَعَهُمْ. وَقَضَى يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُفْطِرْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ عَيَّدَ بِبَلَدٍ بِمُقْتَضَى الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِهِ، وَسَافَرَتْ سَفِينَةٌ أَوْ غَيْرُهَا سَرِيعًا فِي يَوْمِهِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَبَعُدَ: أَمْسَكَ مَعَهُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. لَا عَلَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاضِحٌ، وَعَلَى اخْتِيَارِهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى: اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ: اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَهُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَثْبُتُ
بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: حَتَّى مَعَ غَيْمٍ وَقَتَرٍ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ، وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا عَدْلَانِ كَبَقِيَّةِ الشُّهُودِ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ، أَوْ رَآهُ فِي الْمِصْرِ وَحْدَهُ، لَا فِي جَمَاعَةٍ: قَبُولَ قَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا اثْنَانِ، وَحَكَى هَذِهِ رِوَايَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ عَنْهُ: إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ رَآهُ فِيهِ لَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ: قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا، فَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ " لَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ " وَلَمْ يَقُلْ " وَإِلَّا اثْنَانِ "، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هُوَ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيُقْبَلُ قَوْلُ عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: أَمَّا الرُّؤْيَةُ: فَيَصُومُ النَّاسُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْعَدْلِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَا يَخْتَصُّ بِحَاكِمٍ. بَلْ يَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عَدْلٍ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَلَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَزِمَ الصَّوْمُ، فَأَخْبَرَهُ غَيْرُهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ بِدُونِ ثُبُوتٍ، وَقِيلَ: إنْ وَثِقَ إلَيْهِ لَزِمَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَهَادَةِ الْقَاذِفِ: أَنَّهُ شَهَادَةٌ لَا خَبَرٌ، فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، هَلْ هُوَ خَبَرٌ أَوْ شَهَادَةٌ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَ فِي قَبُولِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ الْوَجْهَانِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَفِي الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ. وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدِ الْفَرْعِ مَعَ إمْكَانِ شَاهِدِ الْأَصْلِ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ كَهِلَالِ شَوَّالٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَسْتُورِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ فِي الْمَسْتُورِ وَالْمُمَيِّزِ الْخِلَافُ.
فَائِدَةٌ: إذَا ثَبَتَ الصَّوْمُ بِقَوْلِ عَدْلٍ ثَبَتَتْ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ، وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ مُفَرِّقًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ: وَقَدْ يُثْبِتُ الصَّوْمَ مَا لَا يُثْبِتُ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَيُحِلُّ الدَّيْنَ، وَهُوَ شَهَادَةُ عَدْلٍ، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْحَمْلِ، فَشَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ إلَّا عَدْلَانِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إجْمَاعًا وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَبُولُهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يُحْتَمَلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَيُحْتَمَلُ مُطْلَقًا. وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَجَوَّزَ الْفِطْرَ بِقَوْلِهِمَا لِمَنْ يَعْرِفُ حَالَهُمَا، وَلَوْ رَدَّهُمَا الْحَاكِمُ لِجَهْلِهِ بِهِمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفِطْرُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ أَفْطَرُوا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُونَ مَعَ الصَّحْوِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنِ الْجَوْزِيِّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْهِلَالِ يَقِينٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الظَّنِّ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ. انْتَهَى.
قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ قَطَعَ بِالْفِطْرِ، فَقَالَ " وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَفْطَرُوا وَجْهًا وَاحِدًا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ: هُمَا رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لَا يُفْطِرُونَ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُونَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّ عَلَى هَذَا الْأَصْحَابَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ صَامَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَرَهُ مَعَ الْغَيْمِ: أَفْطَرَ، وَمَعَ الصَّحْوِ: يَصُومُ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ الْفِطْرُ بَعْدَ إكْمَالِ الثَّلَاثِينَ، صَحْوًا كَانَ أَوْ غَيْمًا، وَإِنْ صَامَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ بِحَالٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُونَ إنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إلَّا إذَا كَانَ آخِرَ الشَّهْرِ غَيْمٌ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ لَمْ يُفْطِرُوا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيلَ: يُفْطِرُونَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: إنْ صَامُوا جَزْمًا مَعَ الْغَيْمِ أَوْ الْقَتَرِ أَفْطَرُوا، وَإِلَّا فَلَا.
قُلْت: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَلَا يُعْمَلُ بِهِمَا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ، فَقَدْ يُصَامُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، حَيْثُ نَقَصْنَا رَجَبَ وَشَعْبَانَ وَكَانَا كَامِلَيْنِ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ إنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَا نَاقِصَيْنِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا.
فَائِدَةٌ: لَوْ صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ: أَفْطَرُوا قَطْعًا، وَقَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ. يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقْضُونَ يَوْمَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ: لَزِمَهُ الصَّوْمُ) وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ رَمَضَانَ، فَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ الْمُعَلَّقُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرَّمَضَانِيَّةِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ، خَلَا الصِّيَامِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ " بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ: فَعَلَى الْأُولَى: هَلْ يُفْطِرُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صِيَامِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الْعِدَّةَ فِي حَقِّهِ أَمْ لَا يُفْطِرُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَابَعَهُ
فِي الْفَائِقِ، قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ أَوْ قَبْلَهُمْ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وُقُوعُ طَلَاقِهِ وَحُلُولُ دَيْنِهِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَوَاعِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ، وَلَا يَقْطَعُ طَلَاقَهُ الْمُعَلَّقَ، وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ، وَتَقَدَّمَ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ: أَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، فَيَلْزَمُ مَنْ أَخْبَرَهُ الصَّوْمُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ: لَمْ يُفْطِرْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ: يَتَخَرَّجُ أَنْ يُفْطِرَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ الْفِطْرُ سِرًّا، وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ وَعَنْهُ يُفْطِرُ، وَقِيلَ: سِرًّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِطْرِ إجْمَاعًا قَالَ الْقَاضِي: يُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ: يَجِبُ مَنْعُ مُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ وَحَائِضٍ مِنْ الْفِطْرِ ظَاهِرًا لِئَلَّا يُتَّهَمَ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ أَعْذَارًا خَفِيَّةً يُمْنَعُ مِنْ إظْهَارِهِ، كَمَرِيضٍ لَا أَمَارَةَ لَهُ، وَمُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالنِّزَاعُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْهِلَالَ: هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا طَلَعَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هِلَالًا إلَّا بِالظُّهُورِ وَالِاشْتِهَارِ؟ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالِاعْتِبَارُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الْمُنْفَرِدُ بِمَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهِ بَلَدٌ، يَبْنِي عَلَى يَقِينِ
رُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ بَلْ الظَّاهِرُ الرُّؤْيَةُ بِمَكَانٍ آخَرَ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ رَآهُ عَدْلَانِ، وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ. أَوْ شَهِدَا فَرَدَّهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا: لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا: الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ، وَجَعْلِ مَرْتَبَةِ الْحَاكِمِ لِكُلِّ إنْسَانٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالْجَوَازِ [وَهُوَ الصَّوَابُ] .
قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ: تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ) . إنْ وَافَقَ صَوْمُ الْأَسِيرِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمَطْمُورِ وَمَنْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَلَا نِزَاعَ فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ مَا بَعْدَهُ مَا بَعْدَهُ، فَتَارَةً يُوَافِقُ رَمَضَانَ الْقَابِلَ، وَتَارَةً يُوَافِقُ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ الْقَابِلِ، فَإِنْ وَافَقَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ الْقَابِلِ: فَلَا نِزَاعَ فِي الْإِجْزَاءِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. لَكِنْ إنْ صَادَفَ صَوْمُهُ شَوَّالًا أَوْ ذَا الْحِجَّةِ صَامَ بَعْدَ الشَّهْرِ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَأَرْبَعًا إنْ قُلْنَا: لَا تُصَامُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَيَأْتِي مَا إذَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا عَنْ رَمَضَانَ. كَانَ أَحَدُهُمَا نَاقِصًا فِي " بَابِ مَا يُكْرَهُ وَيُسْتَحَبُّ "، وَإِنْ وَافَقَ رَمَضَانُ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ، فَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ اعْتَبَرْنَا نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهَا وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ الثَّانِي، وَقَضَى الْأَوَّلَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت وَتَتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ اجْتِهَادُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ صَامَ شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ: صَامَ
ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، شَهْرًا عَلَى إثْرِ شَهْرٍ كَالصَّلَاةِ إذَا فَاتَتْهُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالشَّكِّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى مَا سَبَقَ، وَسَبَقَ فِي بَابِ النِّيَّةِ: تَصِحُّ نِيَّةُ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ لِلْعَجْزِ عَنْهَا. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: لَوْ تَحَرَّى وَشَكَّ: هَلْ وَقَعَ صَوْمُهُ قَبْلَ الشَّهْرِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَجْزَأَهُ كَمَنْ تَحَرَّى فِي الْغَيْمِ وَصَلَّى، وَلَوْ صَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ فَصَامَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ لَمْ يُجْزِهِ، وَسَبَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَجْهٌ بِالْإِجْزَاءِ، فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ، فَكَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ صَامَ لَا يَدْرِي: هُوَ رَمَضَانُ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهُ يَقْضِي إذَا كَانَ لَا يَدْرِي وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ فِي بَابِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ) . احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْقَادِرِ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ) . تَقَدَّمَ حُكْمُ الْكَافِرِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ إجْمَاعًا، فَلَوْ ارْتَدَّ فِي يَوْمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ ارْتَدَّ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِقَضَائِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُوجِبَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ، وَجَبَ هُنَا، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ: فَيَأْتِي حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَلَا صَبِيٍّ) . يَعْنِي لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ: لَا يَجِبُ الصَّوْمُ حَتَّى يَبْلُغَ. وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى الْمُمَيِّزِ إنْ أَطَاقَهُ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ وَمُرَادُهُمْ: إذَا كَانَ مُمَيِّزًا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَطَاقَهُ. وَقَدْ قَالَ الْخِرَقِيُّ: يُؤْخَذُ بِهِ إذًا.
فَائِدَةٌ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقَ الْإِطَاقَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَحَدَّدَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إطَاقَتَهُ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ. قَوْلُهُ (لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إذَا أَطَاقَهُ. وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَالضَّرْبُ عِنْدَ الْإِطَاقَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ: اعْتِبَارُهُ بِالْعَشْرِ أَوْلَى، لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِالضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَهَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يُؤْخَذُ بِهِ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ. كَالصَّلَاةِ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يُسَنُّ لِوَلِيِّهِ ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ يَعْصِي بِالْفِطْرِ، وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ، وَالْقَضَاءُ كَالْبَالِغِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ: لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: لَا يَلْزَمُ
الْإِمْسَاكُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُمْسِكُ وَلَا يَقْضِي، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرُّؤْيَةِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ، فَكَذَلِكَ) يَعْنِي يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَلَا الْقَضَاءُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتًا يُمْكِنُهُ التَّلَبُّسُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْكَافِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَجْنُونِ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ رِوَايَةً فِيمَا أَظُنُّ وَاخْتَارَهَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ دُونَ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي أَحْكَامُ الْمَجْنُونِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا سَبَقَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا) أَيْ بِالسِّنِّ وَالِاحْتِلَامِ (أَتَمَّ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي) . كَنَذْرِهِ إتْمَامَ نَفْلٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ: فَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) كَالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَحَرَّرَهُ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
فَائِدَةٌ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ بِالسِّنِّ: لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ قَبْلَ زَوَالِ عُذْرِهِ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسَافِرُ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ. عَلَى
الصَّحِيحِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَأَبُو دَاوُد. كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ وَعَلِمَ قُدُومَهُ فِي غَدٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ لَهُ الْفِطْرُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ، أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَعَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ) . إجْمَاعًا، وَفِي الْإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ. عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَفُصُولِ ابْنِ عَقِيلٍ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: أَمْسَكُوا عَلَى الْأَظْهَرِ، وَنَصَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ الْحَائِضِ، وَالْمَرِيضِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ إظْهَارُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ " وَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْعُهُمْ مِنْ إظْهَارِ الْأَكْلِ فِي رَمَضَانَ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ مُفْطِرًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ
الثَّانِيَةُ: لَوْ أَفْطَرَ الْمُقِيمُ مُتَعَمِّدًا، ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، أَوْ تَعَمَّدَتْ الْمَرْأَةُ الْفِطْرَ، ثُمَّ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ: لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ فِي السَّفَرِ وَالْحَيْضِ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَنْبَلٌ، فَيُعَايَى بِهَا، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ عَدَمَ الْإِمْسَاكِ مَعَ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ خِلَافًا.
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَنْهُ فِي صَائِمٍ أَفْطَرَ عَمْدًا، أَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ حَتَّى أَصْبَحَ: لَا إمْسَاكَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِمْسَاكِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُمْسِكُ مَنْ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، وَنَقَلَ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا قَالَ الْمُسَافِرُ أُفْطِرُ غَدًا: أَنَّهُ كَقُدُومِهِ مُفْطِرًا، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ.
الثَّالِثَةُ: إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ. فَقَدِمَ مُسَافِرٌ مُفْطِرًا، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا: جَازَ أَنْ يَطَأَهَا، فَيُعَايَى بِهَا.
الرَّابِعَةُ: لَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تُمْسِكُ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَجَعَلَهَا الْقَاضِي كَعَكْسِهَا، تَغْلِيبًا لِلْوَاجِبِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا طَرَأَ الْمَانِعُ رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ إنْ طَرَأَ جُنُونٌ وَقُلْنَا: يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَنَّهُ هَلْ يَقْضِي؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِي إفَاقَتِهِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: الْإِمْسَاكُ مَعَ الْمَانِعِ، وَهُوَ أَظْهَرُ.
الْخَامِسَةُ: لَا يَلْزَمُ مَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ غَيْرِ رَمَضَانَ الْإِمْسَاكُ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ
قَوْلُهُ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ، وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ كَانَ الْكَبِيرُ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا، فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَهُمَا كِتَابٌ وَاحِدٌ. وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. لِلْعَجْزِ عَنْهُ، وَتَبِعَ الْقَاضِيَ مَنْ بَعْدَهُ، فَيُعَايَى بِهَا، وَيَأْتِي حُكْمُ الْكَفَّارَةِ إذَا عَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ أَحْكَامِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ.
وَيَأْتِي آخِرَ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ: إذَا عَجَزَ عَنْ كَفَّارَةِ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ أَطْعَمَ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ: لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَعْضُوبِ فِي الْحَجِّ إذَا حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ. الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ هُنَا: مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ عَنْهُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالصَّوْمِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَنْ مَيِّتٍ، وَهُمَا مُعْسِرَانِ: تَوَجَّهَ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ الْمَالِ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي صَوْمِ النَّذْرِ فِي حَيَاةِ النَّاذِرِ نَحْوَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَالْمَرِيضُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ وَالْمُسَافِرُ: اُسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرُ) أَمَّا الْمَرِيضُ إذَا خَافَ زِيَادَةَ مَرَضِهِ، أَوْ طُولَهُ، أَوْ كَانَ صَحِيحًا، ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ، أَوْ خَافَ مَرَضًا لِأَجْلِ الْعَطَشِ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ، وَيُكْرَهُ صَوْمُهُ وَإِتْمَامُهُ إجْمَاعًا.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ وَتَرْكُهُ يَضُرُّ بِهِ، فَلَهُ التَّدَاوِي. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ فِيمَنْ بِهِ رَمَدٌ يَخَافُ الضَّرَرَ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ لِتَضَرُّرِهِ [بِالصَّوْمِ] كَتَضَرُّرِهِ بِمُجَرَّدِ الصَّوْمِ
الثَّانِيَةُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَالْمَرِيضُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الضَّرَرَ
لَا يُفْطِرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي وَجَعِ رَأْسٍ وَحُمًّى. ثُمَّ قَالَ قُلْت: إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ. قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى؟ .
الثَّالِثَةُ: إذَا خَافَ التَّلَفَ بِصَوْمِهِ: أَجْزَأَ صَوْمُهُ وَكُرِهَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالِانْتِصَارِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ: أَنَّهُ يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ خَافَ بِالصَّوْمِ ذَهَابَ مَالِهِ: فَسَبَقَ أَنَّهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُمْ، فَهَلْ يَجُوزُ الْفِطْرُ؟ ذَكَرَ الْخَلَّالُ رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدًا، أَوْ قَصَدَ الْمُسْلِمُونَ عَدُوًّا لِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ: لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا كَانُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ بِالْقُرْبِ أَفْطَرُوا عِنْدَ الْقِتَالِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْفِطْرَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ وَفَعَلَهُ هُوَ، وَأَمَرَ بِهِ لَمَّا نَزَلَ الْعَدُوُّ دِمَشْقَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يُعَايَى بِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الْغَزْوِ، وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ فَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَعَنْهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي.
السَّادِسَةُ: لَوْ كَانَ بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ مِنْهُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ: جَامَعَ وَقَضَى وَلَا يُكَفِّرُ، نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ. فَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِدُونِ الْجِمَاعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجِمَاعُ. كَذَا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا تَضَرَّرَ بِذَلِكَ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ وَصَائِمَةٌ، فَقِيلَ: وَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى، لِتَحْرِيمِ الْحَائِضِ بِالْكِتَابِ، وَلِتَحْرِيمِهَا مُطْلَقًا. صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ [وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ]، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَهُمَا احْتِمَالَانِ بِوَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ] .
السَّابِعَةُ: لَوْ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ لِدَوَامِ شَبَقِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
الثَّامِنَةُ: حُكْمُ الْمَرَضِ الَّذِي يَنْتَفِعُ فِيهِ بِالْجِمَاعِ: حُكْمُ مَنْ يَخَافُ مِنْ تَشَقُّقِ أُنْثَيَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْمُسَافِرُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. سَوَاءٌ وَجَدَ مَشَقَّةً أَمْ لَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: الْمُسَافِرُ هُنَا: هُوَ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ صَامَ فِي السَّفَرِ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقْلُ حَنْبَلٍ: لَا يُعْجِبُنِي. وَاحْتَجَّ حَنْبَلٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَرِوَايَةُ حَنْبَلٍ تَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَفَرُّدُ حَنْبَلٍ، وَحَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى.
فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ صَامَ فِيهِ كُرِهَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَغَيْرِهِ: لَا يُكْرَهُ. بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ. قَالَ: وَلَيْسَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ: أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا. تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَرُدَّ بِصَوْمِ الْمَرِيضِ، وَبِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ) . يَعْنِي الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ. أَمَّا الْمَرِيضُ: فَلَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ: فَالْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لِلْمُسَافِرِ صَوْمُ النَّفْلِ فِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَصَامَ عَنْ غَيْرِهِ، فَهَلْ يَقَعُ بَاطِلًا، أَوْ يَقَعُ مَا نَوَاهُ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هِيَ مَسْأَلَةُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ. يَعْنِي الْآتِيَةَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ: أَيْضًا لَوْ قَلَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ إلَى نَفْلٍ، لَمْ يَصِحَّ لَهُ النَّفَلُ، وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّعْيِينِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، وَكَانَ لَمْ يَأْكُلْ: فَهَلْ يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ نَفْلًا؟ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْعَقِدُ نَفْلًا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُصُولِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى السَّفَرِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ، قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ لَهُ الْجِمَاعُ، كَمَنْ لَمْ يَنْوِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْفِطْرِ.
فَعَلَى هَذَا: لَا كَفَّارَةَ بِالْجِمَاعِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً: أَنَّهُ يُكَفِّرُ. وَجَزَمَ بِهِ عَلَى هَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ جَامَعَ كَفَّرَ. عَلَى الصَّحِيحِ عَلَيْهَا. وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ. لَكِنْ لَهُ الْجِمَاعُ بَعْدَ فِطْرِهِ بِغَيْرِهِ، كَفِطْرِهِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ جَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ".
فَائِدَةٌ: الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ شِهَابٍ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: أَصْلًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُسَافِرِ، بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى النَّفْلِ وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الْمَرِيضِ: يُفْطِرُ بِأَكْلٍ. فَقُلْت: يُجَامِعُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَأَعَدْت عَلَيْهِ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنِّي.
قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى الْحَاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ، ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ، فَلَهُ الْفِطْرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، سَوَاءٌ كَانَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَلَكِنْ لَا يُفْطِرُ قَبْلَ خُرُوجِهِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ مُطْلَقًا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ نَوَى السَّفَرَ مِنْ اللَّيْلِ. ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ: أَفْطَرَ، وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ فِي النَّهَارِ، وَسَافَرَ فِيهِ، فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُفْطِرَ فِيهِ، وَالْفَرْقُ: أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ مِنْ اللَّيْلِ تَمْنَعُ الْوُجُوبَ إذَا وُجِدَ السَّفَرُ فِي النَّهَارِ، فَيَكُونُ الصِّيَامُ قَبْلَهُ مُرَاعًى. بِخِلَافِ مَا إذَا طَرَأَتْ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِجِمَاعٍ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِهِ، فَعَلَى الْمَنْعِ: وَلَوْ وَطِئَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَجَعَلَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ كَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ جَامَعَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَعَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ لَا يُفْطِرَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، فَيُعَايَى بِهَا.
قَوْلُهُ (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا، وَقَضَتَا) . يَعْنِي مِنْ غَيْرِ إطْعَامٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِالْإِطْعَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ. الْمَيْمُونِيِّ وَصَالِحٍ، وَذَكَرَهُ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى خَوْفِهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ لَهُمَا الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، أَفْطَرَتَا، وَقَضَتَا، وَأَطْعَمَتَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) . إذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِلَا رَيْبٍ، وَأَطْلَقَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ: إنْ قَبِلَ وَلَدُ الْمُرْضِعَةِ ثَدْيَ غَيْرِهَا، وَقَدَرَتْ أَنْ تَسْتَأْجِرَ لَهُ، أَوْ لَهُ مَا يَسْتَأْجِرُ مِنْهُ، فَلْتَفْعَلْ وَلْتَصُمْ وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفِطْرُ. انْتَهَيَا. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ.
فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يُكْرَهُ لَهَا الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ النَّسْخَ: إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ، حَالَ الرَّضَاعِ: لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ، وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ، وَلِمَنْ لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ الْفِطْرُ لِلظِّئْرِ وَهِيَ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَ غَيْرِهَا إنْ خَافَتْ عَلَيْهِ،
أَوْ عَلَى نَفْسِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْفِطْرُ إذَا خَافَتْ عَلَى رَضِيعِهَا. وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ عَنْ قَوْمٍ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ: إذَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَى رَضَاعِهِ، أَوْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى رَضَاعِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَغْنِيَةً عَنْ إرْضَاعِهِ، أَوْ هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ إرْضَاعِهَا: لَمْ يَجُزْ لَهَا الْفِطْرُ.
الثَّالِثَةُ: يَجِبُ الْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ يَمُونُ الْوَلَدَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى الْأُمِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا، وَلِهَذَا وَجَبَتْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ، أَوْ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْإِرْفَاقَ لَهُمَا، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ، فَلَوْ لَمْ تُفْطِرْ الظِّئْرُ فَتَغَيَّرَ لَبَنُهَا أَوْ نَقَصَ: خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنْ قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ أَثِمَتْ، وَكَانَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهَا الْفِطْرَ بِطَلَبِ الْمُسْتَأْجِرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ: لَزِمَهَا الْفِطْرُ، فَإِنْ أَبَتْ فَلَهُ الْفَسْخُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إلْزَامُهَا بِمَا يَلْزَمُهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْصِدْ بِهِ الضَّرَرَ بِلَا طَلَبٍ قَبْلَ الْفَسْخِ. قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ.
الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ صَرْفُ الْإِطْعَامِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً. بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: إخْرَاجُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْفَوْرِ لِوُجُوبِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْيَسُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ: أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لُزُومُ إخْرَاجِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْفَوْرِ، وَهَذَا كَفَّارَةٌ. وَقَالَ الْمَجْدُ: إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ: جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ.
الْخَامِسَةُ: لَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ
كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَسْقُطُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ، بَلْ أَوْلَى لِلْعُذْرِ، وَلَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ عَنْ الْكَبِيرِ وَالْمَيْئُوسِ بِالْعَجْزِ، وَلَا إطْعَامُ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، غَيْرِ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ.
السَّادِسَةُ: لَوْ وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فِي تَهْلُكَةٍ، كَغَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: يَلْزَمُهُ إنْقَاذُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ، وَيَأْتِي، فِي الدِّيَاتِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا وَجْهَيْنِ: هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْضِعِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفِدْيَةَ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِلْخَوْفِ عَلَى جَنِينِهِمَا. وَهَلْ يُلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ افْتَقَرَ إلَى الْإِفْطَارِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَقَالَ: لَوْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ ضَعْفٌ فِي نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَفَّارَةِ: هَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقَذِ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَإِنْقَاذِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْآبِقِ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى، وَأَوْلَى أَيْضًا مِنْ الْمُرْضِعِ، وَقَالُوا: يَجِبُ الْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ يَمُونُ الْوَلَدَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الْفَجْرِ. ثُمَّ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ: لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ
خَرَّجَ مِنْ رِوَايَةِ صِحَّةِ صَوْمِهِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوَّلِهِ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا بَعْدَ نِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفَاقَ جُزْءًا مِنْهُ: صَحَّ صَوْمُهُ) . إذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ: صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِقَلِيلِ الْجُنُونِ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمَجْدُ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ إفَاقَتُهُ جَمِيعَ يَوْمِهِ، أَوْ يَكْفِي بَعْضُهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْمَجْنُونِ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لُزُومُ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَتَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ التَّخْرِيجِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. سَوَاءٌ فَاتَ الشَّهْرُ كُلُّهُ بِالْجُنُونِ أَوْ بَعْضُهُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ إنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ قَضَى، وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ لَمْ يَقْضِ لِعِظَمِ مَشَقَّتِهِ.
فَائِدَةٌ: لَوْ جُنَّ فِي صَوْمِ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: قَضَاهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ اللَّيْلِ مُعَيِّنًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ النِّيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ مِنْ قَضَائِهِ، أَوْ نَذْرِهِ، أَوْ كَفَّارَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا: أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَيْضًا، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ.
فَعَلَيْهَا: يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ لَيْلًا، وَبِنِيَّةِ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فِيهَا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْلٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاوٍ تَرْكَهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ كَنِيَّةِ النَّفْلِ؟ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ كَانَ جَاهِلًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الصَّوْمِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ: يَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجِبَ نِيَّةُ التَّعْيِينِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ اللَّيْلِ) . يَعْنِي تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ. بِلَا نِزَاعٍ، وَلَوْ أَتَى بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ: لَمْ تَبْطُلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَبْطُلُ. قُلْت: وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ.
فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ غَدٍ، وَقَدْ عَرَفَتْ الطُّهْرَ لَيْلًا، فَقِيلَ: يَصِحُّ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلصَّوْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِقِيلَ وَقِيلَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ فَرْضٍ لَيْلًا، وَقَدْ انْقَطَعَ دَمُهَا، أَوْ تَمَّتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ: صَحَّ صَوْمُهَا وَإِلَّا فَلَا.
الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي نَهَارِ يَوْمٍ لِصَوْمِ غَدٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدْ شَمَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ اللَّيْلِ " وَعَنْهُ يَصِحُّ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، فَقَالَ: مَنْ نَوَى الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِالنَّهَارِ، وَلَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ. فَلَا بَأْسَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَسَخَ النِّيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ " وَلَمْ يَنْوِهَا مِنْ اللَّيْلِ "
يَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ الْقَاضِي، وَقَوْلُهُ " عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ " يَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ ابْنِ عَقِيلٍ. عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لِرَمَضَانَ نِيَّةٌ فِي أَوَّلِهِ، وَأَقَرَّهَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا.
الثَّالِثَةُ: يُعْتَبَرُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ مُفْرَدَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّهِ. نَصَرَهَا أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، فَعَلَيْهَا: لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: لَمْ يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فَقَالَ وَقِيلَ: مَا لَمْ يَفْسَخْهَا، أَوْ يُفْطِرْ فِيهِ يَوْمًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَحْتَاجُ مَعَ التَّعْيِينِ إلَى نِيَّةِ الْوُجُوبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ قَضَاءً وَنَفْلًا، أَوْ قَضَاءً وَكَفَّارَةَ ظِهَارٍ، فَهُوَ نَفْلٌ إلْغَاءً لَهُمَا بِالتَّعَارُضِ، فَتَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ الصَّوْمِ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ: فَهُوَ فَرْضِي، وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةٍ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: نَصَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَشَيْخُنَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.
وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِصِحَّةِ النِّيَّةِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ مَعَ الْغَيْمِ، دُونَ الصَّحْوِ؛ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ.
فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ: لَمْ يُجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَفِي إجْزَائِهِ عَنْ رَمَضَانَ إنْ بَانَ مِنْهُ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ.
وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ، وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ: لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ: وَجْهَانِ. لِلشَّكِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ. قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ: صَحَّ صَوْمُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ، وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجَزْمِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَمِنْهَا: إذَا لَمْ يُرَدِّدْ النِّيَّةَ. بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ: أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، كَصَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ، وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ، فَبَانَ مِنْهُ: فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ: فِيمَنْ تَرَدَّدَ أَوْ نَوَى مُطْلَقًا، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْأَثْرَمِ: يُجْزِئُهُ مَعَ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ لِوُجُودِهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَا، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: وَمَنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، فَبَانَ مِنْهُ، فَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ. وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ اعْتَبَرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَقِيلَ فِي الْإِجْزَاءِ: وَجْهَانِ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ. انْتَهَى.
وَمِنْهَا: لَا شَكَّ مَعَ غَيْمٍ وَقَتَرٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ بَلَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، قَالَ: بَلْ هُوَ أَضْعَفُ، رَدًّا إلَى الْأَصْلِ، وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى الرَّمَضَانِيَّةَ عَنْ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ: أَجْزَأَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْوَقْتِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ: فَسَدَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا لَمْ تَفْسُدْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ أَنَّ فِعْلَهُ لِلصَّوْمِ
بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ. كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا نَقُولُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ: لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا: أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَمَعْنَاهُ لِغَيْرِهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّةٌ عِنْدَنَا، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ: أَفْطَرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: يُكَفِّرُ إنْ تَعَمَّدَهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ.
تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ " مَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ " أَيْ صَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ، لَا كَمَنْ أَكَلَ فَلَوْ كَانَ فِي نَفْلٍ ثُمَّ عَادَ وَنَوَاهُ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ. كَذَا لَوْ كَانَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ، فَقَطَعَ نِيَّتَهُ، ثُمَّ نَوَى نَفْلًا جَازَ، وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إلَى النَّفْلِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى: أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى، أَوْ قَالَ: إنْ وَجَدْت طَعَامًا أَكَلْت وَإِلَّا أَتْمَمْت: فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ. قِيلَ يَبْطُلُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ النِّيَّةَ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ، حَتَّى يَكُونَ عَازِمًا عَلَى الصَّوْمِ يَوْمَهُ كُلَّهُ. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ نِيَّةَ الْفِطْرِ، وَالنِّيَّةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.
قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ
الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَمِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، اخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ.
فَائِدَةٌ: يُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ تَعْلِيقِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يُحْكَمُ بِالصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ تَطَوُّعُ حَائِضٍ طَهُرَتْ، وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَلَمْ يَأْكُلَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ صَوْمِ الْيَوْمِ، وَتَعَذُّرِ تَكْمِيلِهِ، لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ فِي بَعْضِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ. كَمَنْ أَكَلَ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.