المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب زكاة الخارج من الأرض] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٣

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب زكاة الخارج من الأرض]

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: عَقْدُ الْخُلْطَةِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْآذِنِ لِخَلِيطِهِ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْهُ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِلَا إذْنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَوْلَا الْمَانِعُ وَقَالَ أَيْضًا: وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ فِي إذْنِ كُلِّ شَرِيكٍ لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ يُوَافِقُ مَا اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

وَيُشْبِهُ هَذَا أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى.

[بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ]

ِ قَوْلُهُ (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ: تَجِبُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ. انْتَهَى.

فَيَجِبُ عَلَى هَذَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ يُدَّخَرُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، مِمَّا يُقْتَاتُ بِهِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْبُرُّ، وَالْعَلَسُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ، وَالْأُرْزُ، وَالذُّرَةُ، وَالدُّخْنُ، وَالْفُولُ، وَالْعَدَسُ، وَالْحِمَّصُ، وَاللُّوبِيَا، وَالْجُلُبَّانُ، وَالْمَاشُ، وَالتُّرْمُسُ، وَالسِّمْسِمُ، وَالْخَشْخَاشُ وَنَحْوُهُ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا: بَذْرُ الْبُقُولِ كَبَذْرِ الْهِنْدَبَا، وَالْكَرَفْسِ وَغَيْرِهِمَا، وَيَدْخُلُ بَذْرُ الرَّيَاحِينِ بِأَسْرِهَا، وَأَبَازِيرُ الْقُدُورِ كَالْكُسْفُرَةِ، وَالْكَمُّونِ

ص: 86

وَالْكَرَاوْيَا وَالشِّمْرِ، وَالْأَنِسُونِ، وَالْقُنَّبِ وَهُوَ الشَّهْدَانِجُ وَالْخَرْدَلُ، وَيَدْخُلُ بَذْرُ الْكَتَّانِ، وَالْقُرْطُمُ، وَالْقِثَّاءُ، وَالْخِيَارُ، وَالْبِطِّيخُ، وَحَبُّ الرَّشَادِ، وَالْفُجْلُ، وَيَخْرُجُ مِنْ قَوْلِهِ " فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ " الصَّعْتَرُ، وَالْأُشْنَانُ الْوَرَقُ الْمَقْصُودُ، كَوَرَقِ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ، وَالْآسِ، وَنَحْوِهِ. وَيَأْتِي أَيْضًا قَرِيبًا مَا يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ " فِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ " مَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبُنْدُقِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ رِوَايَةً أَنَّهُ " لَا زَكَاةَ إلَّا فِي التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ " وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَنَاظِمُهَا، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ " مَا كَانَ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ، وَفِيهِ نَفْعُ الْفَقِيرِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ مِثْلَ: الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَالْبَصَلِ، وَالرَّيَاحِينِ، وَالرُّمَّانِ، فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يُبَاعَ، وَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى ثَمَنِهِ "، فَهَذَا الْقَوْلُ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا: الصَّعْتَرُ وَالْأُشْنَانُ، وَحَبُّهُ وَنَحْوُهُ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا: كُلُّ وَرَقٍ مَقْصُودٍ: كَوَرَقِ السِّدْرِ، وَالْخِطْمِيِّ، وَالْآسِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَرْسِ، وَالنِّيلِ، وَالْغُبَيْرَاءِ، وَالْعُصْفُرِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ، وَشَمِلَهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ: الْخِلَافَ فِي الْأُشْنَانِ، وَالْغُبَيْرَاءِ، وَالصَّعْتَرِ، وَالْكَتَّانِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَرِقِ الْمَقْصُودِ

ص: 87

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْحِنَّاءِ الْخِلَافُ، وَلَمْ يُوجِبْ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا فِي وَرَقِ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ الزَّكَاةَ، وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْحِنَّاءَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا زَكَاةَ فِي حَبِّ الْبُقُولِ، كَحَبِّ الرَّشَادِ، وَالْأَبَازِيرِ كَالْكُسْبَرَةِ، وَالْكَمُّونِ، وَبَذْرِ الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ. وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ: حَبُّ الْفُجْلِ، وَالْقُرْطُمِ، وَغَيْرُهُمَا، وَبَذْرُ الرَّيَاحِينِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُوتٍ، وَلَا أَدَم، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَدْخُلُ فِي هَذَا: بَذْرُ الْيَقْطِينِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْمُقْتَاتِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ وَمَا يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ (وَلَا تَجِبُ فِي سَائِرِ الثَّمَرِ) التُّفَّاحُ، وَالْإِجَّاصُ، وَالْمِشْمِشُ، وَالْخَوْخُ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالسَّفَرْجَلُ، وَالرُّمَّانُ، وَالنَّبْقُ، وَالزُّعْرُورُ، وَالْمَوْزُ، وَالتُّوتُ وَنَحْوُهُ، وَدَخَلَ فِي الْخُضَرِ: الْبِطِّيخُ، وَالْقِثَّاءُ، وَالْخِيَارُ، وَالْبَاذِنْجَانُ، وَاللِّفْتُ وَهُوَ السَّلْجَمُ وَالسِّلْقُ، وَالْكَرْنِيجُ وَهُوَ الْقُنَّبِيطُ وَالْبَصَلُ، وَالثُّومُ، وَالْكُرَّاتُ، وَالْبَتُّ، وَالْجَوْزُ، وَالْفُجْلُ وَنَحْوُهُ، وَدَخَلَ فِي الْبُقُولِ: الْهِنْدَبَا، وَالْكَرَفْسُ، وَالنَّعْنَاعُ، وَالرَّشَادُ، وَالْبَقْلَةُ الْحَمْقَاءُ، وَالْقَرَظُ، وَالْكُسْبَرَةُ الْخَضْرَاءُ، وَالْجِرْجِيرُ وَنَحْوُهُ، وَيَأْتِي حُكْمُ مَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ.

فَائِدَةٌ: لَا تَجِبُ أَيْضًا فِي الرَّيْحَانِ، وَالْمِسْكِ، وَالْوَرْدِ، وَالْبُومُ وَالْبَنَفْسَجُ، وَاللِّينُوفَرُ وَالْيَاسَمِينُ، وَالنِّرْجِسِ، وَالْمَرْدَكُوشُ، وَالْمَنْثُورُ، وَلَا فِي طَلْعِ الْفُحَّالِ، وَلَا فِي سَعَفِ النَّخْلِ وَالْخُوصِ، وَلَا فِي تِينِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا فِي الْوَرَقِ، وَلَا فِي لَبَنِ الْمَاشِيَةِ، وَصُوفِهَا، وَوَبَرِهَا، وَلَا فِي الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ، وَالْحَرِيرِ، وَدُودَةِ الْقَزِّ.

تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الزَّيْتُونُ، وَالْقُطْنُ، وَالزَّعْفَرَانُ، أَمَّا الزَّيْتُونُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ

ص: 88

وَالشَّارِحُ، وَالْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ فِيهِ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالشِّيرَازِيِّ فِي الْمُبْهِجِ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي الْخُلَاصَةِ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَالْمَجْدِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَأَمَّا الْقُطْنُ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا.

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ فِيهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْإِيضَاحِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ: فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي حَبِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ: عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ.

فَائِدَةٌ: الْكَتَّانُ كَالْقُطْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَكَذَا الْقُنَّبُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: إنْ وَجَبَتْ فِي الْقُطْنِ: فَفِيهِمَا احْتِمَالَانِ، وَأَمَّا الزَّعْفَرَانُ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ

ص: 89

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحِنَّاءِ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ الْقَاضِي: الْوَرْسُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الزَّعْفَرَانِ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيُخَرَّجُ الْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ عَلَى وَجْهَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الزَّعْفَرَانِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَيُخَرَّجُ عَلَى الزَّعْفَرَانِ الْعُصْفُرُ وَالْوَرْسُ وَالنِّيلُ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَاللِّقْوَةُ، وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ الْوُجُوبَ فِي الزَّعْفَرَانِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُصْفُرِ وَالْوَرْسِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْعُصْفُرِ وَالْوَرْسِ وَالنِّيلِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

الثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِي الْجَوْزِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تَجِبُ فِيهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، كَذَا لَا تَجِبُ فِي التِّينِ [وَالْمِشْمِشِ، وَالتُّوتِ، وَقَصَبِ السُّكَّرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْآمِدِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ] فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي التِّينِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي الْعُنَّابِ، قَالَ: فَالتِّينُ وَالشَّمْسُ وَالتُّوتُ مِثْلُهُ، وَأَطْلَقَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: فِي التِّينِ وَقَصَب السُّكْرِ وَالْجَوْزِ الْخِلَافَ.

الثَّالِثَةُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعُنَّابِ، عَلَى الصَّحِيحِ

ص: 90

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَيَأْتِي بَعْدُ الْكَلَامُ عَلَى الْعَسَلِ: هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْمَنِّ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا؟ .

قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَبْلُغَ نِصَابًا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ، وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْخُلَاصَةِ، قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: هَذَا الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ رُطَبًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي خِلَافِهِ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَصُّ عَنْهُ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُؤْخَذُ عُشْرُهُ يَابِسًا) يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ " عُشْرُهُ " يَعْنِي: عُشْرَ الرُّطَبِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ إذَا يَبِسَ بِمِقْدَارِ عُشْرِ رُطَبِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ نَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَنَّهُ قِيلَ لِأَحْمَدَ: خَرَصَ عَلَيْهِ مِائَةَ وَسْقٍ رُطَبًا، يُعْطِيهِ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ تَمْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ

ص: 91

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا عُشْرَ يَابِسِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَرَدَّ الْأَوَّلَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (إلَّا الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ، فَإِنَّ نِصَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ قِشْرِهِ: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ)، مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: أَنَّ نِصَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُرْزِ وَالْعَلَسِ: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ فِي قِشْرِهِ، إذَا كَانَ بِبَلَدٍ قَدْ خَبَرَهُ أَهْلُهُ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ مُصَفًّى النِّصْفُ، فَأَمَّا مَا يَخْرُجُ دُونَ النِّصْفِ كَغَالِبِ أُرْزِ حَرَّانَ أَوْ يَخْرُجُ فَوْقَ النِّصْفِ، كَجَيِّدِ الْأُرْزِ الشَّمَالِيِّ: فَإِنَّ نِصَابَهُ يَكُونُ بِقِشْرِهِ مَا يَكُونُ قَدْرَ الْخَارِجِ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنِصَابُهُمَا فِي قِشْرِهِمَا: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ، وَإِنْ صُفِّيَا فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِخِفَّةٍ وَثِقَلٍ، وَهُوَ وَاضِحٌ، فَلَوْ شَكَّ فِي بُلُوغِ النِّصَابِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاطَ وَيُخْرِجَ عُشْرَهُ قَبْلَ قِشْرِهِ وَبَيْنَ قِشْرِهِ وَاعْتِبَارِهِ بِنَفْسِهِ كَمَغْشُوشِ النَّقْدَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي نِصَابِ الْأُرْزِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ صَفَّى الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ، فَنِصَابُهُمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا: الْوَسْقُ وَالصَّاعُ كَيْلَانِ، لَا صَنْجَتَانِ، نُقِلَ إلَى الْوَزْنِ لِيُحْفَظَ وَيُنْقَلَ، وَكَذَا الْمُدُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكِيلَ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ، فَمِنْهُ الثَّقِيلُ كَالْأَرْزِ وَالتَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ وَالْمُتَوَسِّطُ، كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ، وَالْخَفِيفُ: كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَأَكْثَرُ التَّمْرِ أَخَفُّ مِنْ الْحِنْطَةِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُكَالُ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى هَيْئَتِهِ غَيْرُ مَكْبُوسٍ، وَنَصَّ

ص: 92

الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ: عَلَى أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْحِنْطَةِ، أَيْ بِالرَّزِينِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي وَزْنِهِ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْخَفِيفِ إذَا قَارَبَ هَذَا الْوَزْنَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، لِأَنَّهُ فِي الْكَيْلِ كَالرَّزِينِ، وَمَنْ اتَّخَذَ مَكِيلًا يَسَعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا مِنْ جَيِّدِ الْحِنْطَةِ ثُمَّ كَالَ بِهِ مَا شَاءَ عَرَفَ مَا بَلَغَ الْوُجُوبَ مِنْ غَيْرِهِ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: يُعْتَبَرُ أَبْعَدُ الْأَمْرَيْنِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ بُرًّا، وَقِيلَ: بَلْ عَدَسًا، وَقُلْت: بَلْ مَاءً. انْتَهَى، وَكَذَا قَالَ فِي الْفَائِقِ. لَكِنْ حَكَى الْقَوْلَ فِي الْعَدَسِ رِوَايَةً، وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: مِنْ بُرٍّ، أَوْ عَدَسٍ، أَوْ مَاءٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: بُرًّا

ثُمَّ مِثْلُ كَيْلِهِ مِنْ غَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلْ وَزْنُهُ، وَمَثَّلَ ابْنُ تَمِيمٍ بِالْحِنْطَةِ فَقَطْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ إلَّا فِي الْبُرِّ، ثُمَّ مِثْلُ مَكِيلِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْحُبُوبِ، وَتَقَدَّمَ: هَلْ نِصَابُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ تَقْرِيبٌ أَوْ تَحْدِيدٌ؟ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " الثَّالِثُ مِلْكُ نِصَابٍ ".

فَوَائِدُ. الْأُولَى: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ نِصَابَ الزَّيْتُونِ كَغَيْرِهِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: نِصَابُهُ سِتُّونَ صَاعًا، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَقَلَهُ صَالِحٌ عَنْ

ص: 93

أَبِيهِ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ سَهْوٌ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُذْهَبِ: لَا نَصَّ فِيهَا عَنْ أَحْمَدَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُجْعَلَ نِصَابُهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ سَهَا عَلَى شَيْخِهِ بِذِكْرِ الزَّيْتُونِ مَعَ الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ، كَمَا سَهَا عَلَى أَحْمَدَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَاضِي اعْتِبَارَ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ فِي الْقُطْنِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَلَيْسَ الزَّيْتُونُ فِي ذَلِكَ. هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ، وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ اعْتِبَارَ نِصَابِهِ بِالْقِيمَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ اعْتِبَارَهُ بِالْأَوْسُقِ كَمَا قَدَّمْنَا. انْتَهَى كَلَامِ الْمَجْدِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ: هَلْ يُعْتَبَرُ بِالزَّيْتِ أَوْ بِالزَّيْتُونِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ بِالزَّيْتِ: فَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَهُوَ غَرِيبٌ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الزَّيْتُونِ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الزَّيْتِ كَانَ أَفْضَلَ وَلَا يَتَعَيَّنُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ زَيْتُونًا حَتْمًا، كَالزَّيْتُونِ الَّذِي لَا زَيْتَ فِيهِ؛ لِوُجُوبِهَا فِيهِ، وَكَدُبْسٍ عَنْ تَمْرٍ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ زَيْتًا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، عَنْ الْأَوَّلِ: وَيُخْرِجُ عُشْرَ كَسْبِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مِنْهُ بِخِلَافِ التِّينِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَلْ يُخْرِجُ مِنْ الزَّيْتُونِ أَوْ مِنْ دُهْنِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ: لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُ غَيْرِ الدُّهْنِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَخْرَجَهُ وَالْكُسْبِ: لَمْ يَكُنْ لِلْوَجْهِ الْآخَرِ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْكُسْبَ يَصِيرُ وُقُودًا كَالتِّبْنِ، وَقَدْ يُنْبَذُ وَيُرْمَى رَغْبَةً عَنْهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

ص: 94

الثَّالِثَةُ: يُخْرِجُ زَكَاةَ السِّمْسِمِ مِنْهُ كَغَيْرِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يُجْزِئُ شَيْرَجٌ وَكُسْبٌ لِعَيْبِهِمَا لِفَسَادِهِمَا بِالِادِّخَارِ، كَإِخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ، بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَكُسْبِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يُخْرِجُ مِنْ دُهْنِ السِّمْسِمِ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُجْزِئُ شَيْرَجٌ عَنْ سِمْسِمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ كَمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي، وَأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الشَّيْرَجَ وَالْكُسْبَ أَجْزَأَ.

الرَّابِعَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّ نِصَابَ الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُكَالُ كَالْوَرْسِ وَنَحْوِهِ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: نِصَابُ ذَلِكَ أَنْ: تَبْلُغَ قِيمَتُهُ قِيمَةَ أَدْنَى نَبَاتٍ يُزَكَّى، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدُ، وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ.

زَادَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: إلَّا الْعُصْفُرَ، فَإِنَّهُ لِلْقُرْطُمِ، لِأَنَّهُ أَصْلُهُ، فَاعْتُبِرَ بِهِ، فَإِنْ بَلَغَ الْقُرْطُمُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، زُكِّيَ وَتَبِعَهُ الْعُصْفُرُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: يُزَكَّى قَلِيلُ مَا لَا يُكَالُ وَكَثِيرُهُ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالزَّعْفَرَانِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ، وَقِيلَ: نِصَابُ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ: خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ جَمْعُ مَنٍّ وَهُوَ رَطْلَانِ، وَهُوَ الْمَنُّ، وَجَمْعُهُ أَمْنَاءٌ.

قَوْلُهُ (وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) وَكَذَا زَرْعُ الْعَامِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ

ص: 95

وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: لَا يُضَمُّ صَيْفِيٌّ إلَى شَتْوِيٍّ إذَا زُرِعَ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَالنَّخْلُ التِّهَامِيُّ يَتَقَدَّمُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ، فَلَوْ طَلَعَ وَجُدَّ، ثُمَّ طَلَعَ النَّجْدِيُّ ثُمَّ لَمْ يُجَدَّ حَتَّى طَلَعَ التِّهَامِيُّ: ضُمَّ النَّجْدِيُّ إلَى التِّهَامِيِّ الْأَوَّلِ، لَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّخْلِ يَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَيَكُونُ التِّهَامِيُّ الثَّانِي ثَمَرَةَ عَامٍ ثَانٍ، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، بَلْ وَقْتُ اسْتِغْلَالِ الْمُغَلِّ عَنْ الْعَامِ عُرْفًا، وَأَكْثَرُهُ عَادَةً نَحْوُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِقَدْرِ فَصْلَيْنِ، وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا أَنَّ مَنْ اسْتَغَلَّ حِنْطَةً أَوْ رُطَبًا آخِرَ تَمُّوزَ مِنْ عَامٍ ثُمَّ عَادَ فَاسْتَغَلَّ مِثْلَهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ أَوَّلَ تَمُّوزَ، أَوْ حُزَيْرَانَ: لَمْ يُضَمَّا، مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا دُونَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا. انْتَهَى وَمَعْنَاهُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حَمْلَيْنِ: ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُضَمُّ، لِنُدْرَتِهِ، مَعَ تَنَافِي أَصْلِهِ، فَهُوَ كَثَمَرَةِ عَامٍ آخَرَ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ بَعْضَهُ فِي السَّنَةِ حَمْلًا، وَبَعْضَهُ حَمْلَيْنِ: ضَمَّ مَا يَحْمِلُ حَمْلًا إلَى أَيِّهِمَا بَلَغَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَإِلَى أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَفِي ضَمِّ حَمْلِ نَخْلٍ إلَى حَمْلِ نَخْلٍ آخَرَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ [وَصَحَّحَهُ

ص: 96

فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ] وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَعَنْهُ أَنَّ الْحُبُوبَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ رَوَاهَا صَالِحٌ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ: رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَدَمِ الضَّمِّ، وَقَالَ: يُضَمُّ، وَهُوَ أَحْوَطُ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ عَنْ مَنْعِ الضَّمِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ [وَنِهَايَتِهِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَعَنْهُ تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ، وَالْقُطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يُضَمُّ ذَلِكَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. نَقَلَهُ ابْنُ رَزِينٍ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَعَلَيْهَا تُضَمُّ الْأَبَازِيرُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَحُبُوبُ الْبُقُولِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. لِتُقَارِبَ الْمَقْصُودَ، كَذَا يُضَمُّ كُلُّ مَا تَقَارَبَ، وَمَعَ الشَّكِّ لَا يُضَمُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ يُضَمُّ مَا تَقَارَبَ فِي الْمَنْبِتِ وَالْمَحْصَدِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا: رِوَايَةً تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ جِنْسٌ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ: ضَمَّ التَّمْرِ إلَى الزَّبِيبِ، عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحُبُوبِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا يَصِحُّ لِتَصْرِيحِ أَحْمَدَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُبُوبِ، عَلَى قَوْلِهِ بِالضَّمِّ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَحَنْبَلٍ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَوَقَّفَ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ

ص: 97

فَائِدَةٌ: الْقُطْنِيَّاتُ حُبُوبٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: الْحِمَّصُ، وَالْعَدَسُ، وَالْمَاشُ، وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبِيَا، وَالدُّخْنُ، وَالْأُرْزُ، وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهَا، مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ " أَنَّهُ يُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ الْحُبُوبِ بِالشَّعِيرِ فِي صُورَتِهِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: السُّلْتُ لَوْنُهُ لَوْنُ الْحِنْطَةِ، وَطَبْعُهُ طَبْعُ الشَّعِيرِ فِي الْبُرُودَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَهَلْ يُعْمَلُ بِلَوْنِهِ أَوْ بِطَبْعِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: السُّلْتُ يُكَمَّلُ بِالشَّعِيرِ، وَقِيلَ: لَا، يَعْنِي أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَأَطْلَقَ فِي النَّظْمِ وَالْفَائِقِ فِي ضَمِّ السُّلْتِ إلَى الشَّعِيرِ وَجْهَيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَلَسَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يُضَمُّ إلَيْهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يُضَمُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ فِي ضَمِّ الْعَلَسِ إلَى الْبُرِّ وَجْهَانِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَالْحَارِسُ نَوْعٌ مِنْ الدَّخَنِ يُضَمُّ، وَقَالَ أَيْضًا: وَفِي ضَمِّ الدَّخَنِ إلَى الذُّرَةِ وَجْهَانِ.

وَيَأْتِي ضَمُّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ فِيمَا يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ، أَوْ يَأْخُذُهُ أُجْرَةً بِحَصَادِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ صَلَاحِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَجِبُ لِلزَّكَاةِ يَوْمَ الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ "

ص: 98

قَوْلُهُ (وَلَا فِيمَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ) أَيْ لَا تَجِبُ (كَالْبُطْمِ وَالرَّعْبَلِ) وَهُوَ شَعِيرُ الْجَبَلِ (وَبِزِرٍّ قُطُونًا وَنَحْوَهُ) كَالْعَفْصِ وَالْأُشْنَانِ، وَالسُّمَّاقِ وَالْكَلَأِ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ، أَوْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ فَأَخَذَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالُوا: هَذَا الصَّحِيحُ، وَرَدُّوا غَيْرَهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ وَقِيلَ: تَجِبُ فِيهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: تَجِبُ فِي ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا فِي الْعَسَلِ، فَيُكْتَفَى بِمِلْكِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ كَالْعَسَلِ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْوُجُوبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

فَائِدَةٌ. لَوْ نَبَتَ مَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّ، كَمَنْ سَقَطَ لَهُ حَبُّ حِنْطَةٍ فِي أَرْضِهِ، أَوْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ مَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ، كَالْغَيْثِ وَالسُّيُوحِ وَمَا يَشْرَبُ بِرُوقِهِ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ، كَالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ) وَكَذَا مَا سُقِيَ بِالنَّاعُورَةِ أَوْ السَّاقِيَةِ، وَمَا يَحْتَاجُ فِي تَرَقِّي الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ إلَى آلَةٍ مِنْ عِرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ: لَا يُؤَثِّرُ حَفْرُ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَّاقِي لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ

ص: 99

كُلَّ عَامٍ، وَكَذَا مَنْ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي السَّوَّاقِي؛ لِأَنَّهُ كَحَرْثِ الْأَرْضِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَا يُدِيرُ الْمَاءَ مِنْ النَّوَاعِيرِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا يَصْلُحُ مِنْ الْعَامِ إلَى الْعَامِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دُولَابٍ تُدِيرُهُ الدَّوَابُّ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ خَفِيفَةٌ، فَهِيَ كَحَرْثِ الْأَرْضِ، وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أَوْ حَفِيرَةٍ، وَسَقَى بِهِ سَيْحًا، وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ نِصْفِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَمَعَ الْمَاءَ وَسَقَى بِهِ وَجَبَ الْعُشْرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِطْلَاقُ غَيْرِ وَاحِدٍ يَقْتَضِيهِ، كَعَمَلِ الْعَيْنِ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ أَوْ الْقَنَاةُ يَكْثُرُ تَصَوُّبُ الْمَاءِ عَنْهَا، وَيُحْتَاجُ إلَى حَفْرٍ مُتَوَالٍ، فَذَلِكَ مُؤْنَةٌ، فَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ: اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ، فَإِنْ جُهِلَ الْمِقْدَارُ وَجَبَ الْعُشْرُ) . يَعْنِي: إذَا جُهِلَ مِقْدَارُ السَّقْيِ فَلَمْ يُعْلَمْ: هَلْ سَقَى سَيْحًا أَكْثَرَ، أَوْ الَّذِي بِمُؤْنَةٍ أَكْثَرَ؟ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُخْرِجُ حَتَّى يَعْلَمَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَإِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ " الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ النَّفْعُ لِلزَّرْعِ وَالنُّمُوُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

ص: 100

وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِأَكْثَرِ السَّقْيَاتِ، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ مُدَّةً، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مَنْ لَهُ بُسْتَانٌ أَوْ أَرْضٌ، يَسْقِي أَحَدَ الْبَسَاتِينَ بِكُلْفَةٍ وَالْآخَرَ بِغَيْرِهَا، أَوْ بَعْضَ الْأَرْضِ بِمُؤْنَةٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا: يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اخْتَلَفَ السَّاعِي وَرَبُّ الْأَرْضِ فِيمَا سَقَى بِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلسَّاعِي اسْتِحْلَافُهُ، لَكِنْ إنْ ظَهَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: تُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ فِيمَا يَظْهَرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ هَذَا وَجْهًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى تَجِبُ الزَّكَاةُ يَوْمَ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ لِلْآيَةِ، فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ فِي مِلْكِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ رَبُّهُ وَشَرَطَ الزَّكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ خُصُوصًا الشَّيْخَ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ: لَا يَصِحُّ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْن حَمْدَان: أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَصِحُّ لِلْعِلْمِ بِهَا، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْمُشْتَرِي وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَلْزَمَ بِهَا الْبَائِعَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَهَا قَبْلَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا) إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُمَا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَيَلْزَمُهُ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِيهِ أَوَاخِرَ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَلْيُعَاوَدْ

ص: 101

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُ بَعْضِهِمْ أَنَّ صَلَاحَ الثَّمَرَةِ هُنَا حُكْمُهُ حُكْمُ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ عَلَى مَا يَأْتِي، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: صَلَاحُ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِ إذَا انْعَقَدَ لُبُّهُ، وَصَلَاحُ الزَّيْتُونِ إذَا كَانَ لَهُ زَيْتٌ يَجْرِي فِي دُهْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا زَيْتَ فِيهِ فَبِأَنْ يَصْلُحَ لِلْكَبْسِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجِبُ إذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ، وَبَدَا اشْتِدَادُهُ، وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ بِحُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ، وَانْعَقَدَ لُبُّ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَالْجَوْزِ إنْ قُلْنَا يُزَكَّى وَجَرَى دُهْنُ الزَّيْتُونِ فِيهِ أَوْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَطَابَ أَكْلُهُ، أَوْ صَلَحَ لِلْكَبْسِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَيْتٌ، وَقِيلَ: صَلَاحُ الْحِنْطَةِ إذَا أَفْرَكَتْ، وَالْعِنَبُ إذَا انْعَقَدَ وَحَمُضَ، وَقِيلَ: وَتَمَوَّهَ وَطَابَ أَكْلُهُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِجَعْلِهَا فِي الْجَرِينِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، كَمَا سَبَقَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لِلُزُومِ الْإِخْرَاجِ إذَنْ.

فَائِدَةٌ: " الْجَرِينُ " يَكُونُ بِمِصْرَ وَالْعِرَاقِ، وَ " الْبَيْدَرُ، وَالْأَيْدَرُ " يَكُونُ بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ، وَ " الْمِرْبَدُ " يَكُونُ بِالْحِجَازِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُجْمَعُ فِيهِ الثَّمَرَةُ لِيَتَكَامَلَ جَفَافُهَا. وَ " الْجُوجَانُ " يَكُونُ بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ تَشْمِيسِهَا وَتَيْبِيسِهَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَسُمِّيَ بِلُغَةِ آخَرِينَ " السُّطَّاحَ " وَبِلُغَةِ آخَرِينَ " الطِّبَابَةَ ".

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَدْ خُرِصَتْ أَوْ لَمْ تُخْرَصْ) . إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَبْلَ الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَفِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ أَيْضًا: قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ فِي الْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ كَالْمُصَنِّفِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمَا: سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ

ص: 102

قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: سَقَطَتْ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ رِوَايَةً أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَ الْوُجُوبِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ: أَنَّهُ كَنَقْصِ نِصَابٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. انْتَهَى، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ بَقِيَ بَعْدَ التَّلَفِ نِصَابٌ: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فِيمَا إذَا لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ وَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ الْوُجُوبَ فِيمَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ، بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَظْهَرُهُمَا يُزَكِّي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ) ، وَلَوْ اُتُّهِمَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَرَهُ وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى غَلَطٍ مُمْكِنٍ مِنْ الْخَارِصِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ كَالسُّدُسِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ، وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى غَلَطًا مُحْتَمَلًا قُبِلَ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ فَحُشَ، فَقِيلَ: يُرَدُّ قَوْلُهُ، وَقِيلَ: ضَمَانًا كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً يُرَدُّ فِي الْفَاحِشِ.

ص: 103

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَوْ ادَّعَى كَذِبَ الْخَارِصِ عَمْدًا لَمْ يُقْبَلْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: مَا حَصَلَ فِي يَدِي غَيْرُ كَذَا: قُبِلَ قَوْلًا وَاحِدًا.

فَائِدَةٌ: لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي جَائِحَةٍ ظَاهِرَةٍ تَظْهَرُ عَادَةً إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي التَّلَفِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفَّى، وَالثَّمَرِ يَابِسًا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ ابْنِ بَطَّةَ: لَهُ أَنْ يُخْرِجَ رُطَبًا وَعِنَبًا. قَالَ وَسِيَاقُ كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اعْتَبَرْنَا نِصَابَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يُجْزِئُ رَطْبُهُ، وَقِيلَ: فِيمَا لَا يُثْمِرُ وَلَا يُزَبِّبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا بِمَا انْفَرَدَ بِهِ بِالتَّصْرِيحِ، وَكَذَا يُقَدَّمُ فِي مَوْضِعِ الْإِطْلَاقِ، وَيُطْلَقُ فِي مَوْضِعِ التَّقْدِيمِ، وَيُسَوَّى بَيْنَ شَيْئَيْنِ الْمَعْرُوفُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَعَكْسُهُ. قَالَ: فَلِهَذَا وَأَمْثَالِهِ حَصَلَ الْخَوْفُ وَعَدَمُ الِاعْتِمَادِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَأَخْرَجَ سُنْبُلًا رَطْبًا وَعِنَبًا: لَمْ يُجْزِهِ وَوَقَعَ نَفْلًا، وَلَوْ كَانَ الْآخِذُ السَّاعِيَ، فَإِنْ جَفَّفَهُ وَجَاءَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا أَعْطَى إنْ زَادَ أَوْ أَخَذَ إنْ نَقَصَ، وَإِنْ كَانَ بِحَالَةٍ رَدِيئَةٍ، وَإِنْ تَلِفَ رَدَّ مِثْلَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: عِنْدِي لَا يَضْمَنُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا، وَقَدَّمَ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ. قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ بِمِثْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِهِ قَبْلَ كَمَالِهِ لِضَعْفِ الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفِ الْعَطَشِ، أَوْ لِتَحْسِينِ بَقِيَّتِهِ، أَوْ كَانَ رُطَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ عِنَبًا

ص: 104

لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ. زَادَ فِي الْكَافِي: أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ رَدِيءٌ انْتَهَى. قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ إذَا جَاءَ مِنْهُ تَمْرٌ رَدِيءٌ أَخْرَجَ مِنْهُ رُطَبًا وَعِنَبًا. يَعْنِي جَازَ قَطْعُهُ، وَإِخْرَاجُ زَكَاةٍ مِنْهُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ كَانَ يَكْفِي التَّجْفِيفُ لَمْ يَجُزْ قَطْعُ الْكُلِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إطْلَاقٌ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَوَازَ إخْرَاجِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ هَذَا رُطَبًا وَعِنَبًا مُشَاعًا، أَوْ مَقْسُومًا بَعْدَ الْجِدَادِ، أَوْ قَبْلَهُ بِالْخَرْصِ، فَيُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قَسْمِهِ مَعَ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْجِدَادِ بِالْخَرْصِ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُمْ شَجَرَاتٍ مُفْرَدَةً، وَبَعْدَ الْجِدَادِ بِالْكَيْلِ. وَهَذَا الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَأَوَّلُ كَلَامِ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ تَخْيِيرُ السَّاعِي مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَاقِي كَلَامِهِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا يَابِسًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا مِنْ إخْرَاجِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخُضَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاحْتِمَالٌ فِيمَا لَا يُتْمِرُ وَلَا يَصِيرُ زَبِيبًا، وَهُوَ رِوَايَةُ مَالِكٍ. انْتَهَى.

ص: 105

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ حَدًّا يَكُونُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، عَلَى الصَّحِيحِ كَغَيْرِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ رُطَبًا وَعِنَبًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَتُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَرِوَايَتَانِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، فَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ كَالْأَجْنَبِيِّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ: يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا. [وَلَوْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَضْمَنُ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا] كَغَيْرِهِمَا إذَا أَتْلَفَهُ، فَلَوْ لَمْ يَجُدَّ التَّمْرَ أَوْ الزَّبِيبَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إذَا قَدَرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْإِرْشَادِ، وَوَجْهَانِ فِي غَيْرِهِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ عِنْدَ إعْوَازِ الْفَرْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ هَذَا الْبِنَاءَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا [وَهِيَ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ] الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ هُنَا وَمَنَعْنَا مِنْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَغَيْرِهِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ، دَفْعًا لِمَشَقَّةِ إخْرَاجِهِ رُطَبًا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَخْذِهِ قَدْ لَا يَحْضُرُهُ السَّاعِي وَالْفَقِيرُ، وَيُخْشَى فَسَادُهُ بِالتَّأْخِيرِ. وَلِذَلِكَ أَجَزْنَا لِلسَّاعِي بَيْعَهُ، وَلِلْمُخْرِجِ شِرَاءَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ.

ص: 106

الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ قَطْعُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ السَّاعِي إنْ كَانَ وَإِلَّا جَازَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَطَعَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِأَكَلِهِ خَصُوبًا، أَوْ خِلَالًا، أَوْ لِبَيْعِهِ، أَوْ تَجْفِيفِهِ عَنْ النَّخْلِ، أَوْ لِتَحْسِينِ الْبَاقِي، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ مَا: لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْفِرَارَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي تَتِمَّةِ الْقَاضِي (يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ بَيْعِهِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ شِرَاءُ زَكَاتِهِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَهْلُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْبَيْعَ. بَاطِلٌ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ رَغْبَةً أَوْ رَهْبَةً، وَعَنْهُ يُكْرَهُ شِرَاؤُهَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَنْهُ يُبَاحُ شِرَاؤُهَا كَمَا لَوْ وَرِثَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ رَجَعَتْ الزَّكَاةُ إلَى الدَّافِعِ بِإِرْثٍ أُبِيحَتْ لَهُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَّلَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ. قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَصَلَ بِفِعْلِهِ كَالْبَيْعِ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ: إنَّمَا هِيَ فِي الشِّرَاءِ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ:

ص: 107

أَنَّ الْهِبَةَ كَالْمِيرَاثِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَلَا. إذَا كَانَ شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ. وَاحْتَجَّ الْمَجْدُ لِلْقَوْلِ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ دَيْنِهِ، وَيَأْخُذُهَا بِهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ، فَيُعَوَّضُ مِنْهَا أَوْلَى، وَمِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُد فِي فَرَسِ حُمَيْدٍ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُكْرَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ، وَصَدَقَتِهِ، وَقِيلَ: مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْهُ. انْتَهَى.

قُلْت: وَظَاهِرُ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ أَخَذَهَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: كَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِعَيْنِ الزَّكَاةِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: وَمَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِهِ، أَوْ شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ، وَمِنْهَا: الصَّدَقَةُ كَالزَّكَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ سَاعِيًا إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ فَيَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ) . بَعْثُ الْإِمَامِ سَاعِيًا لِلْخَرْصِ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ مُنَجَّى: أَنَّ نَخْلَ الْبَصْرَةِ لَا يُخْرَصُ، وَقَالَ: أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِالْمَشَقَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (يَنْبَغِي) يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يُخْرَصُ غَيْرُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُخْرَصُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَلَا فَرْقَ.

ص: 108

الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْخَارِصِ مُسْلِمًا أَمِينًا خَبِيرًا. بِلَا نِزَاعٍ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَقِيلَ: عَدْلٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ حُرًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: حُرٌّ فِي الْأَشْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ.

الثَّالِثَةُ: يَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ. بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي إلَّا اثْنَانِ، كَالْقَائِفِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ. الرَّابِعَةُ: أُجْرَةُ الْخَرْصِ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا يَأْتِي فِي حَصَادٍ. الْخَامِسَةُ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْحَصَادَ وَالْجِذَاذَ لَيْلًا. السَّادِسَةُ: يَلْزَمُ خَرْصُ كُلِّ نَوْعٍ وَحْدَهُ، لِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَقْتَ الْجَفَافِ ثُمَّ يَعْرِفُ الْمَالِكُ قَدْرَ الزَّكَاةِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَا شَاءَ وَيَضْمَنُ قَدْرَهَا، وَبَيْنَ حِفْظِهَا إلَى وَقْتِ الْجَفَافِ، فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ وَتَصَرَّفَ صَحَّ تَصَرُّفُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكُرِهَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّصَرُّفُ، كَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ الْخَرْصِ، وَأَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ ضَمِنَهَا، وَعَلَيْهِمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ الْخَرْصِ، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَ زَكَاتَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ هَذَا الرُّطَبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَعَنْهُ رُطَبًا كَالْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ رُطَبًا يَوْمَ التَّلَفِ. وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ رُطَبًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: إذَا أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَجَمِيعَ الْمَالِ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ وَلَا زَبِيبٌ أَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيقٍ.

ص: 109

السَّابِعَةُ: لَوْ حَفِظَهَا إلَى وَقْتِ الْإِخْرَاجِ زَكَّى الْمَوْجُودَ فَقَطْ، سَوَاءٌ وَافَقَ قَوْلَ الْخَارِصِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ اخْتَارَ حِفْظَهَا ضَمَانًا بِأَنْ يَتَصَرَّفَ، أَوْ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ عَدَمِ تَبَيُّنِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِصَابَةُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ مَا قَالَ الْخَارِصُ، مَعَ تَفَاوُتِ قَدْرِ يَسِيرٍ يُخْطِئُ فِي مِثْلِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَغْرَمُ مَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَوْ خُرِصَتْ، وَعَنْهُ بَلَى. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْخَرْصِ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَ، أَوْ الرُّبُعَ) بِحَسَبِ اجْتِهَادِ السَّاعِي، بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، فَيَجِبُ عَلَى السَّاعِي فِعْلُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ لَا يَتْرُكُهُ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَتْرُكُ قَدْرَ أَكْلِهِمْ وَهَدِيَّتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا تَحْدِيدٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَصَحُّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنَّمَا يَتْرُكُ فِي الْخَرْصِ إذَا زَادَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى النِّصَابِ، فَلَوْ كَانَتْ نِصَابًا فَقَطْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: هَذَا الْقَدْرُ الْمَتْرُوكُ لِلْأَكْلِ لَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، عَلَى الصَّحِيحِ، مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ النِّصَابِ، فَيَكْمُلُ بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ زَكَاةَ الْبَاقِي سِوَاهُ.

الثَّانِي: لَوْ لَمْ يَأْكُلْ رَبُّ الْمَالِ الْمَتْرُوكِ لَهُ بِلَا خَرْصٍ. أَخَذَ مِنْهُ زَكَاتَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: دَلَّ النَّصُّ الَّذِي فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا لَمْ يُزَكِّهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَأَظُنُّ بَعْضَهُمْ جَزَمَ بِهِ أَوْ قَدَّمَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا لَهُ. انْتَهَى.

ص: 110

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَبْعَثْ الْإِمَامُ سَاعِيًا، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْخَرْصِ مَا يَفْعَلُهُ السَّاعِي، لِيَعْرِفَ قَدْرَ الْوَاجِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ، لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فِيهِ، وَلَوْ تَرَكَ السَّاعِي شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبِ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ إلَّا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ، فَلَا تُخْرَصُ الْحُبُوبُ إجْمَاعًا، لَكِنْ لِلْمَالِكِ الْأَكْلُ مِنْهَا هُوَ وَعِيَالُهُ، بِحَسَبِ الْعَادَةِ. كَالْفَرِيكِ وَمَا يَحْتَاجُهُ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُهْدَى. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهَا وَجْهَيْنِ: مِنْ الْأَكْلِ، وَمِنْ الزَّرْعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ خَلِيطٌ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَسْقَطَ أَحْمَدُ رحمه الله عَنْ أَرْبَابِ الزَّرْعِ الزَّكَاةَ فِي مِقْدَارِ مَا يَأْكُلُونَ كَمَا أَسْقَطَ فِي الثِّمَارِ. قَالَ: وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَجَعَلَ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءً، وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَغَيْرِهِمَا: يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا يَأْكُلُهُ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، كَالْمُشْتَرَكِ مِنْ الزَّرْعِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَالْحَبُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ، وَحَكَى رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يُزَكِّي مَا يُهْدِيهِ أَيْضًا، وَقَدَّمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُزَكِّي مَا يَهْدِيهِ مِنْ الثَّمَرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ الْأَئِمَّةُ بِخِلَافِهِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ: مَا يَأْكُلُهُ مِنْ التَّمْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَمَا يُطْعِمُهُ جَارَهُ وَصَدِيقَهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: لَا زَكَاةَ فِيمَا يَأْكُلُهُ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ، وَفِيمَا يُطْعِمُهُ رِوَايَتَانِ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: فِي جَوَازِ أَكْلِهِ مِنْ زَرْعِهِ وَجْهَيْنِ.

ص: 111

قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُؤْخَذُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْقِيمَةِ، كَالضَّأْنِ مِنْ الْمَعْزِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ) يَعْنِي لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَاخْتِلَافِهَا (أَخَذَ مِنْ الْوَسَطِ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَإِنْ شَقَّ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ مِنْ الْأَكْثَرِ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ أَخْرَجَ الْوَسَطَ عَنْ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ بِقَدْرِ قِيمَتَيْ الْوَاجِبِ مِنْهُمَا أَوْ أَخْرَجَ الرَّدِيءَ عَنْ الْجَيِّدِ بِالْقِيمَةِ: لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُجْزِئُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِئُ. قَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يُحْتَمَلُ فِي الْمَاشِيَةِ كَمَسْأَلَةِ الْأَثْمَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ.

الثَّانِي: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ جِنْسٍ عَنْ آخَرَ. لِأَنَّهُ قِيمَةٌ وَلَا مَشَقَّةَ. وَلَوْ قُلْنَا بِالضَّمِّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ إنْ قُلْنَا بِالضَّمِّ وَإِلَّا فَلَا.

ص: 112

الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ (وَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمَالِكِ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَلْزَمُهُ خَرَاجٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنْهُ يَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ. الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ (وَيَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً) وَكَذَا كُلُّ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَالْخَرَاجُ فِي رَقَبَتِهَا، وَالْعُشْرُ فِي غَلَّتِهَا. الْخَامِسَةُ: لَا زَكَاةَ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُقَابِلُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لِأَنَّهُ كَدَيْنٍ آدَمِيٍّ، وَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ، فَهُوَ كَنَفَقَةِ زَرْعِهِ. وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الرِّوَايَاتُ.

السَّادِسَةُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى غَلَّةِ الْأَرْضِ، وَفِيهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَالْخُضَرِ جَعَلَ الْخَرَاجَ فِي مُقَابَلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ. السَّابِعَةُ: لَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْهُ. لِسَبْقِ الْوُجُوبِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ ضِدُّهُ، كَالْخَرَاجِ. وَيَأْتِي فِي مُؤْنَةِ الْمَعْدِنِ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ. الثَّامِنَةُ: تَلْزَمُ الزَّكَاةُ فِي الْمُزَارَعَةِ مَنْ حَكَمَ بِأَنَّ الزَّرْعَ لَهُ، وَإِنْ صَحَّتْ فَبَلَغَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَا الْخَلْطِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

التَّاسِعَةُ: مَتَى حَصَدَ غَاصِبُ الْأَرْضِ زَرْعَهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ، وَزَكَّاهُ، وَإِنْ مَلَكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ زَكَّاهُ، وَكَذَا قِيلَ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ، فَكَانَ أَخْذُهُ إذَنْ. وَقِيلَ: يُزَكِّيهِ

ص: 113

الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَيَأْتِي قَوْلُ: إنَّ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ فَيُزَكِّيهِ.

الْعَاشِرَةُ: لَا زَكَاةَ فِي الْمُعَشَّرَاتِ بَعْدَ أَدَاءِ الْعُشْرِ، وَلَوْ بَقِيَتْ أَحْوَالًا. مَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ [وَالْمُغْنِي] وَالْكَافِي، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤُهَا. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْفَائِقُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ [وَالْمُذْهَبِ]، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: اقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْجَوَازِ. كَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يَجُوزُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ خَالَفَ وَاشْتَرَى صَحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: يُعْطِي أَنَّ عَلَى الْمَنْعِ: لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ، فِي غَيْرِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَأَمَّا نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ: فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ شِرَاءِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِمْ عُشْرَانِ كَالْمَاشِيَةِ.

فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْبَنَّا بِالْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ.

ص: 114

قَوْلُهُ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ، مِنْ أَنَّهُمْ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ عَلَى التَّفْرِيعِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وُجُوبُ نِصْفِ الْعُشْرِ عَلَى الذِّمِّيِّ غَيْرِ التَّغْلِبِيِّ، سَوَاءٌ اتَّجَرَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَّجِرْ بِهِ، مِنْ مَالِهِ وَثَمَرَتِهِ وَمَاشِيَتِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَعَنْهُ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ) يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، عَلَى هَذَا: هَلْ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ، أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ لَفْظِ الْمُقْنِعِ. انْتَهَى.

يَعْنِي أَنَّ نَقْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الشِّرَاءِ غَرِيبٌ، فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِهِمْ مِنْ الشِّرَاءِ، لَوْ خَالَفُوا وَاشْتَرَوْا: لَصَحَّ الشِّرَاءُ بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَيْهِمْ عُشْرَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَإِنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً: فَعَلَيْهِ فِيهَا عُشْرَانِ، وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَعَنْهُ عَلَيْهِمْ عُشْرٌ وَاحِدٌ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، كَمَا كَانَ قَبْلَ شِرَائِهِمْ، قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا وَجْهَ لَهُ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ شِرَاءِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ، وَعَنْهُ لَا، وَعَنَّا يَحْرُمُ، وَيَصِحُّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَارِجِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ، وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ عُشْرَانِ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَعَنْهُ عُشْرٌ وَاحِدٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ.

ص: 115

فَوَائِدُ مِنْهَا: حَيْثُ قُلْنَا عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ، وَمِنْهَا: حُكْمُ مَا مَلَكَهُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ حُكْمُ شِرَاءِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي حُكْمُ إحْيَاءِ الذِّمِّيِّ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَمِنْهَا: حَيْثُ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ أَوْ عُشْرَانِ، فَإِنَّ حُكْمَ مَصْرِفِهِ حُكْمُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَمِنْهَا: الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقَسَّمْ، وَمَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا، وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّهَا لَنَا، وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ هِيَ مَا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا. نَقَلَهُ حَرْبٌ كَالْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا، وَمَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَطُّوهُ. نَقَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ، كَالْبَصْرَةِ، وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، كَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ، كَنِصْفِ خَيْبَرَ، وَكَذَا مَا أَقَطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ السَّوَادِ إنْ كَانَ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ أَنَّ الْعُشْرِيَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ يَجْتَمِعَانِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، فَلِهَذَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ " الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا " وَقَوْلِ غَيْرِهِ " مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ خَرَاجِيَّةً أَوْ غَيْرَ خَرَاجِيَّةٍ " وَجَعَلَهَا أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي شَرْحِهِ قَوْلَيْنِ. كَانَ قَوْلُ غَيْرِ الشَّيْخِ أَظْهَرَ.

قَوْلُهُ (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ. سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ أَوْ مِنْ مِلْكِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ أَدِلَّةَ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ هَذَا وَغَيْرَهُ ظَهَرَ لَهُ ضَعْفُ الْمَسْأَلَةِ،

ص: 116

وَأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ لِأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ. قَالَ: وَسَبَقَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي التَّمْرِ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُبَاحِ: يُزَكِّيهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْعَسَلِ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ، فَدَلَّ أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ: لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ مِنْ الْمُبَاحِ [عِنْدَ أَحْمَدَ] وَقَدْ اعْتَرَفَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ الْقِيَاسُ، لَوْلَا الْأَثَرُ، فَيُقَالُ: قَدْ تَبَيَّنَ الْكَلَامُ فِي الْأَثَرِ، ثُمَّ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَعْنَى تَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ وَتُرِكَ الْقِيَاسُ. كَمَا تَعَدَّى فِي الْعَرَايَا إلَى بَقِيَّةِ الثِّمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ. انْتَهَى. فَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إيمَاءٌ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

قَوْلُهُ (وَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا: أَنَّ نِصَابَهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ كَالزَّيْتِ. قَالَ: لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِيهِ، فَاعْتُبِرَ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ كَالْوَسْقِ.

قَوْلُهُ (كُلُّ فَرَقٍ سِتُّونَ رَطْلًا) هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ. وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَالْمُبْهِجِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَطْلًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَنَفَاهُ الْمَجْدُ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلًا: أَنَّهُ مِائَةُ رَطْلٍ، قَالَ: وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَقِيلَ: نِصَابُهُ أَلْفُ رَطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي نَقَلَ أَبُو دَاوُد: مِنْ كُلِّ عَشْرٍ قِرَبٍ قِرْبَةٌ.

ص: 117

فَائِدَةٌ " الْفَرَقُ " تُفْتَحُ الرَّاءُ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَثَعْلَبٌ وَالْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ كَعْبٍ، وَهُوَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بِالسُّكُونِ فَمِكْيَالٌ ضَخْمٌ مِنْ مَكَايِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَهُ الْخَلِيلُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: يَسَعُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَطْلًا. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا قَائِلَ بِهِ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: لَا زَكَاةَ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ، كَالْمَنِّ، والترنجبين، والشيرخشك وَنَحْوِهَا، وَمِنْهُ اللَّادِنُ. هُوَ طَلٌّ وَنَدَا يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمِعْزَى، فَتَعْلَقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بِهَا فَيُؤْخَذُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لِعَدَمِ النَّصِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِيهِ كَالْعَسَلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاقْتَصَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فِيهِ وَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ، وَقِيلَ: عَدَمُهُ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَعَلَى الْوُجُوبِ: نِصَابُهُ كَنِصَابِ الْعَسَلِ. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ كَالْعَسَلِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا مِنْ الْأَثْمَانِ) فَفِيهِ الزَّكَاةُ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ: اسْتِخْرَاجُ نِصَابٍ، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ، فَيَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَخَصَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْفُرُوعِ بِالْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ قَالَ الْأَصْحَابُ: مَنْ أَخْرَجَ نِصَابَ نَقْدٍ، وَعَنْهُ أَوْ دُونَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا: عُمُومُ الرِّوَايَةِ فِي الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قَلِيلِ الْمَعْدِنِ وَكَثِيرِهِ.

ص: 118

ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِهِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَعْدِنِ نِصَابٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَمَنْ اسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ " مُرَادُهُ: إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ الذِّمِّيُّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْ مَعْدِنٍ بِدَارِنَا، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَيْهِ يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قَبْلَ بَيْعِهِ مَجَّانًا، عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ذَلِكَ كَإِحْيَائِهِ الْمَوَاتَ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ زَكَّاهُ سَيِّدُهُ، وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ انْبَنَى عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ.

فَائِدَةٌ: إذَا كَانَ الْمَعْدِنُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِقَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ، فَقِيمَتُهُ تُخَمَّسُ بَعْدَ رُبُعِ الْعُشْرِ. قَوْلُهُ (أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ) فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ، وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ شِهَابٍ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (مِنْ الْجَوْهَرِ وَالصُّفْرِ وَالزِّئْبَقِ وَالْقَارِ وَالنَّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى مَعْدِنًا) قَوْلُهُ: الْمَعْدِنُ الْمُنْطَبِعُ، وَغَيْرُ الْمُنْطَبِعِ، فَغَيْرُ الْمُنْطَبِعِ: كَالْيَاقُوتِ وَالْعَقِيقِ، وَالْبَنْغَشِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَالْفَيْرُوزَجِ، وَالْبِلَّوْرِ، وَالْمُومْيَا، وَالنُّورَةِ، وَالْمَغْرَةِ، وَالْكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ، وَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَالسَّبْجِ، وَالْكِبْرِيتِ، وَالزِّفْتِ، وَالزُّجَاجِ، وَالْيَشْمِ، وَالزَّاجِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 119

وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَمْ أَسْمَعْ فِي مَعْدِنِ الْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ فِي غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ. قُلْت: ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: الزُّجَاجُ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مَصْنُوعٌ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْ الْمَعَادِنِ: الْمِلْحَ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الرُّخَامَ وَالْبِرَامَ وَنَحْوَهُمَا مَعْدِنٌ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ فِي مَجْلِسِ ذِكْرِ الْأَرْضِ: وَقَدْ أُحْصِيَتْ الْمَعَادِنُ، فَوَجَدُوهَا سَبْعَمِائَةِ مَعْدِنٍ. قَوْلُهُ (فَفِيهِ الزَّكَاةُ فِي الْحَالِ: رُبُعُ الْعُشْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: فِي الْمَعْدِنِ الْخُمُسُ، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ.

قَوْلُهُ (مِنْ قِيمَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ شَيْخُ ابْنِ تَمِيمٍ: يُخْرِجُ مِنْ عَيْنِهِ، كَالْأَثْمَانِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ مِنْ عَيْنِهَا إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا) . لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا زَادَهُ بَعْضُ مَنْ أَجَازَ لَهُ الْمُصَنِّفُ الْإِصْلَاحَ قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّى، وَقَالَ: إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ " مِنْ قِيمَتِهِ " إمَّا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَثْمَانِ مِنْ جِنْسِهِ ظَاهِرٌ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَثْمَانَ، وَأَجْنَاسُهَا كَثِيرَةٌ، فَغُلِّبَ الْأَكْثَرُ. انْتَهَى.

قُلْت: الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْقِيمَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ.

ص: 120

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ فِي دُفْعَةٍ أَوْ دُفُعَاتٍ، مَا لَمْ يَتْرُكْ الْعَمَلَ بَيْنَهَا تَرْكَ إهْمَالٍ)، مِثَالُهُ: لَوْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ لِإِصْلَاحِ آلَةٍ، أَوْ اسْتِرَاحَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ اشْتِغَالِهِ بِتُرَابٍ خَرَجَ بَيْنَ النِّيلَيْنِ، أَوْ هَرَبِ عَبِيدِهِ، أَوْ أَجِيرِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ سَفَرٌ يَسِيرٌ. انْتَهَى، فَلَا أَثَرَ لِتَرْكِ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي حُكْمِ اسْتِمْرَارِهِ فِي الْعَمَلِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: إنْ أَهْمَلَهُ وَتَرَكَهُ، فَلِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمٌ [قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: وَجْهُ الْإِهْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَإِلَّا فَمَعْدِنٌ] .

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إذَا كَانَتْ أَثْمَانًا إلَّا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ. وَوَقْتُ وُجُوبِهَا إذَا أُحْرِزَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا بِظُهُورِهِ كَالثَّمَرَةِ بِصَلَاحِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَوَّلِينَ: اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَةِ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْسَبُ النِّصَابُ بَعْدَهَا. الثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اُحْتُسِبَ بِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اُحْتُسِبَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: اُحْتُسِبَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا يُحْتَسَبُ بِمَا عَلَى الزَّرْعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ بِهِ، كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالزِّرَاعَةِ.

ص: 121

الثَّالِثَةُ: لَا يُضَمُّ جِنْسٌ مِنْ الْمَعْدِنِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُضَمُّ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقِيلَ: يُضَمُّ إذَا كَانَتْ مُتَقَارِبَةً: كَقَارٍ، وَنِفْطٍ، وَحَدِيدٍ، وَنُحَاسٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ فِي الْمَعْدِنِ أَجْنَاسٌ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي قِيمَتِهَا، فَاشْتَبَهَتْ الْفُرُوضُ.

الرَّابِعَةُ: فِي ضَمِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ الرِّوَايَتَانِ الِاثْنَتَانِ، نَقْلًا وَمَذْهَبًا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ مَعَادِنَ مُتَفَرِّقَةٍ: ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ كَالزَّرْعِ مِنْ مَكَانَيْنِ، وَإِنْ أَخْرَجَ اثْنَانِ نِصَابًا فَقَطْ، فَإِخْرَاجُهُمَا لِلزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خُلْطَةِ غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْخِلَافِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: زَكَّاهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ،

ص: 122

وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَصَيْدِ الْبَرِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَنَصُّ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ.

فَائِدَةٌ: مَثَّلَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ: بِالْمِسْكِ وَالسَّمَكِ، فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ الْمِسْكُ بَحْرِيًّا، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّهُ يَرَى فِيهِ الزَّكَاةَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ.

يُؤَيِّدُهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ فِي الْخِلَافِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ: وَكَذَلِكَ السَّمَكُ وَالْمِسْكُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، فَقَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: فِي السَّمَكِ إذَا أَصَابَهُ صَاحِبُهُ: الزَّكَاةُ. شَبَّهَهُ بِالسَّمَكِ إذَا اصْطَادَهُ وَصَارَ فِي يَدِهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا: لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَفَصَلَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالنَّاظِمُ: بَيْنَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَحْرُ، وَبَيْنَ الْمِسْكِ. كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْ الْبَحْرِ كَذَا وَكَذَا، أَوْ أَخَذَ مِمَّا قَذَفَهُ الْبَحْرُ مِنْ عَنْبَرٍ وَعُودٍ وَسَمَكٍ، وَقِيلَ: وَمِسْكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَقَطَعَ فِي بَابِ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمِسْكِ. كَمَا تَقَدَّمَ.

قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: أَنَّ الْمِسْكَ سُرَّةُ الْغَزَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: دَمُ الْغِزْلَانِ، وَقِيلَ: مِنْ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ لَهَا أَنْيَابٌ، فَيَكُونُ مَنْ مَثَّلَ بِالْمِسْكِ مِنْ الْأَصْحَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْ هُمْ قَائِلُونَ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 123

وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا: لَا يَجِبُ فِي قَلِيلِهِ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُخْرَجَ زَكَاةٌ.

فَائِدَةٌ: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْخُمُسِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يَتَعَيَّنُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (لِأَهْلِ الْفَيْءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ زَكَاةٌ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْإِفْصَاحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: لِأَهْلِ الزَّكَاةِ أَوْ الْفَيْءِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ أَنْ يُخَمَّسَ كُلُّ أَحَدٍ وَجَدَ ذَلِكَ، مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَيَجُوزُ لِمَنْ وَجَدَهُ تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ، كَمَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ زَكَاةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعْتَبَرُ فِي إخْرَاجِهِ النِّيَّةُ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ الرِّكَازُ كُلُّهُ مِنْ الذِّمِّيِّ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا خُمُسَ عَلَيْهِ.

ص: 124

وَعَلَى الْقَوْلِ إنَّهُ زَكَاةٌ: لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، لَكِنْ إنْ وَجَدَهُ عَبْدُهُ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ كَكَسْبِهِ، وَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَيُخْرِجُهُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا، وَصَحَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ زَكَاةٌ وَوُجُوبُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي التَّلْخِيصِ. نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَمْ أَرَهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَجَعَلَا الْأَوَّلَ تَخْرِيجًا لَهُمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ عَلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ [وَالرِّعَايَتَيْنِ] . قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ، كَإِرْثِهَا أَوْ قَبْضِهَا مِنْ دَيْنٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الرِّكَاز وَالْعُشْرِ، وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. كَذَا الْحُكْمُ فِي صَرْفِ الْخُمُسِ إلَى وَاجِدِهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ زَكَاةٌ فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ. ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَجُوزُ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: خُمُسُ الرِّكَازِ فَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ، كَالْخَرَاجِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فِي الْأَقْيَسِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْفُرُوعِ.

ص: 125

وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ خُمُسِ الْفَيْءِ فِي الْغَنِيمَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْغَنِيمَةَ أَصْلًا لِلْمَنْعِ فِي الْفَيْءِ، وَذَكَرَ الْخَرَاجَ أَصْلًا لِلْجَوَازِ فِيهِ. الثَّالِثَةُ: الْمُرَادُ بِمَصْرِفِ الْفَيْءِ هُنَا: مَصْرِفُ الْفَيْءِ الْمُطْلَقِ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَصْرِفِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ) مُرَادُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَجِيرًا فِي طَلَبِ الرِّكَازِ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِ بِئْرٍ يُوجَدُ فِيهِ الرِّكَازُ، ذَكَرَهُ لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ إنْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ، أَوْ أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا) وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالْإِحْيَاءِ، أَوْ فِي شَارِعٍ أَوْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَرَابٍ، أَوْ مَسْجِدٍ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ مَالِكَهَا، أَوْ كَانَتْ مُنْتَقِلَةً إلَيْهِ بِهِبَةٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ لِوَاجِدِهِ أَيْضًا) هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. سَوَاءٌ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَشْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَجَزَمَ

ص: 126

بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لِمَالِكِهَا أَوْ لِمَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ، يَعْنِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ مَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ: فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ، إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ: فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ، إلَى أَوَّلِ مَالِكٍ، فَيَكُونُ لَهُ، سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ لَا، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، فَانٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَلِبَيْتٍ الْمَالِ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَكُونُ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوَّلَ: فَهُوَ لِوَاجِدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ: فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ.

جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ لِوَاجِدِهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ بِصِفَةٍ وَحَلَفَ فَهُوَ لَهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ فَهُوَ لَهُ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ لَهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: إنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ إرْثًا فَهُوَ مِيرَاثٌ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لِمَوْرُوثِهِمْ، فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَاحِدٌ سَقَطَ حَقُّهُ فَقَطْ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: مَتَى دَفَعَ إلَى مُدَّعِيهِ بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ: غَرِمَ وَاجِدُهُ بَدَلَهُ، إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا غَرِمَهُ الْإِمَامُ، لَكِنْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ [قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ] قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْإِمَامِ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ إذَا خَمَّسَ رِكَازًا فَادَّعَى بِبَيِّنَةٍ: هَلْ لِوَاجِدِهِ الرُّجُوعُ، كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ؟ .

ص: 127

وَمِنْهَا: مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَوْ وَجَدَ الرِّكَازَ فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، فَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، فَإِنْ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ، فَفِي دَفْعِهِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَنْهُ هُوَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَطَعَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَعَنْهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى مَا سَبَقَ، وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَ لُقَطَةً فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، فَوَاجِدُهَا أَحَقُّ بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ فِي اللُّقَطَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ هِيَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ بِدَعْوَاهُ بِلَا صِفَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمُلْكِ. حَكَاهَا الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا وَجَدَ فِي الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ رِكَازًا أَوْ لُقْطَةً، عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ: أَحَقُّ بِاللُّقَطَةِ، فَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ: أَنَّهُ وَجَدَهُ أَوَّلًا. أَوْ أَنَّهُ دَفَنَهُ، فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُكْرِي.

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِمَا مِنْ وَصْفِهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ، وَكَذَا لَوْ عَادَتْ الدَّارُ إلَى الْمُكْرِي، وَقَالَ: دَفَنَتْهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي: أَنَا وَجَدْته، عِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَهُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ شَيْءٍ أَوْ هَدْمِهِ، فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا.

ص: 128

وَقِيلَ: هُوَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هُوَ لِلْأَجِيرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: لِلْمَالِكِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لُقَطَةٌ، ثُمَّ قَالَا: وَعَنْهُ رِكَازٌ يَأْخُذُهُ وَاجِدُهُ، وَعَنْهُ رَبُّ الْأَرْضِ، وَمِنْهَا: لَوْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ، كَالطَّائِرِ وَالظَّبْيِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ كَمُكْرٍ وَمُكْتَرٍ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُمَا كَبَائِعٍ مَعَ مُشْتَرٍ. يُقَدَّمُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، إنْ كَانَ لُقَطَةً. نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْبَائِعِ بِلَا صِفَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَنَصَرَهُ فِي الْخِلَافِ، وَعَنْهُ بَلَى، لِسَبْقِ يَدِهِ، قَالَ: وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ حَرْبِيٍّ مَلَكَهُ) . يَعْنِي أَنَّهُ رِكَازٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ غَنِيمَةٌ. خَرَّجَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ مِنْ قَوْلِنَا: الرِّكَازُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِلْمَالِكِ، وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، مِمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ خَرَابَةٍ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي لَهُمْ مَنَعَةٌ، فَيَكُونُ غَنِيمَةً، ` وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُ: فِي الْمَدْفُونِ فِي دَارِ الْحَرْبِ: هُوَ كَسَائِرِ مَالِهِمْ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ.

ص: 129

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ وُجِدَ بِدَارِهِمْ لُقَطَةٌ مِنْ مَتَاعِنَا: فَكَدَارِنَا، وَمِنْ مَتَاعِهِمْ: غَنِيمَةٌ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ تُعَرَّفُ حَوْلًا بِدَارِنَا، ثُمَّ تُجْعَلُ فِي الْغَنِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ فِي اللُّقَطَةِ، فِي دَفِينٍ مَوَاتٍ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ: لُقَطَةٌ، وَإِلَّا رِكَازٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ: إذَا لَمْ تَكُنْ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ فَالْخُمُسُ، وَكَذَا جَزَمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَا لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ رِكَازٌ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِالْمَدْفُونِ حُكْمًا الْمَوْجُودَ ظَاهِرًا كَجِرَابٍ جَاهِلِيٍّ، أَوْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ.

قَوْلُهُ (وَالرِّكَازُ مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ كُفْرٍ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ أَيْضًا: فَهُوَ لُقَطَةٌ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ: فَالْمَذْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ لُقَطَةٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي إنَاءٍ نَقْدٍ، إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَتَاعَ الْعَجَمِ، فَهُوَ كَنْزٌ، وَمَا كَانَ مِثْلَ الْعِرْقِ فَمَعْدِنٌ، وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ.

ص: 130