الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبتدئا، ثم قال: وفي الأجزاء أي وفي ابتداء الأجزاء والأحزاب والأعشار وغير ذلك، ويجمع ذلك أن تقول: كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه؛ لأنه موضع ابتداء في الجملة كما يسمى في ابتداء الوضوء والأكل والشرب ومن تلا فاعل خير وتلا بمعنى قرأ كنى بذلك عن أهل الأداء ولو كان خُير بضم الخاء وكسر الياء لكان حسنا أي خير التالي وهو القارئ في ذلك والله أعلم.
107-
وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ
…
فَلَا تَقِفَنَّ -الدَّهْرَ- فِيهاَ فَتَثْقُلا
الضمير في تصلها وفيها للبسملة وأواخر جمع في موضع مفرد أي بآخر سورة أي بالكلمات الأواخر أو نقول سورة لفظ مفرد في موضع جمع؛ لأنه ليس المراد سورة واحدة بل جميع السور فكأنه قال مع أواخر السور، والدهر نصب على الظرفية وفيها بمعنى عليها كما قيل ذلك في قوله تعالى:{فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 1.
أي عليها، "ولا تقفن" نهي نصب في جوابه فتثقلا بإضمار أن بعد الفاء، ومعنى فتثقل أي يستثقل ويتبرم بك؛ لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها وما بعدها، ولك أن تقطعها من الآخر والأول وتلفظ بها وحدها، والأولى قطعها من الآخر ووصلها بالأول فهذه أربعة أوجه الأول مكروه والآخر مستحب، وما بينهما وجهان متوسطان وهما وصل البسملة بهما وقطعها عنهما، ويتعلق بالوصل والقطع أحكام ذكرناها في الكبير، قال صاحب التيسير: والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز والله أعلم.
1 سورة طه، آية:71.
سورة أم القرآن:
هي الفاتحة؛ سميت بذلك لأنها أول القرآن، وأم الشيء: أصله وأوله، ومن ذلك تسمية مكة بأم القرى، ومنه:{وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} 1. أي أصله، وهو اللوح المحفوظ؛ لأن كل كائن مكتوب فيه، وقوله في الآيات المحكمات: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} 2. أي أصل الكتاب؛ لأن تحمل المتشابهات عليها وترد إليها. وقيل: سميت أم القرآن؛ لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمه، وهي الراية. وقيل: فيه وجوه أخر، وتسمى بأسماء أخر، أشهرها سورة الحمد، وفاتحة الكتاب؛ لأن الكتاب العزيز بها يفتح كتابة وتلاوة، وهي مكية وقيل نزلت بالمدينة أيضا، وليس بعد بيان الاستعاذة والبسملة إلا ذكر ما اختلف فيه من الحروف في سورة الحمد. وكان الترتيب يقتضي أن يبدأ بأول موضع وقع فيه الخلاف منها، وهو إدغام الميم من قوله تعالى:
"الرَّحِيمِ، مَلِكِ"3.
وإظهاره إلا أنه نظر في مواضع الحلاف في الفاتحة، فبدأ منها بما لا يتكرر في غيرها وهو الخلاف في "ملك ومالك" ثم أردفه بالخلاف فيما وقع فيها وفي غيرها فذكر الصراط وميم الجمع والهاء قبلها ثم ذكر باب الإدغام الكبير، أفرده لطوله وكثرة تشعبه بباب يجمع مسائله وأطرافه، ولأجل {الرَّحِيمِ، مَالِكِ" فعله، والله أعلم.
108-
وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [رَ] اوِيهِ [نَـ]ـاَصِرٌ
…
وَعَنْدَ سِرَاطِ وَالسِّرَاطَ لِ قُنْبُلا
هذا من جملة المواضع التي استغنى فيها باللفظ عن القيد فلم يحتج إلى أن يقول: ومالك بالمد أو مد أو نحو ذلك؛ لأن الشعر لا يتزن على القراءة الأخرى فصار اللفظ كأنه مقيد، فكأنه قال بالمد كما قال في موضع آخر: وفي حاذرون المد أي قرأ مالك بالمد الكسائي وعاصم وقراءة الباقين بالقصر؛ لأنه ضد المد والمد هنا هو إثبات الألف والقصر حذفها، وكان التقييد ممكنا له لو قال: ومالك ممدودا نصير رواته والقراءتان صحيحتان ثابتتان وكلا اللفظين من مالك وملك صفة لله تعالى.
وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الكلام في الترجيح بين هاتين القراءتين حتى إن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، وصحة اتصاف الرب سبحانه وتعالى بهما فهما صفتان لله تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط ولا ينبغي أن يتجاوز ذلك.
وممن اختار قراءة "مالك" بالألف عيسى بن عمر وأبو حاتم وأبو بكر بن مجاهد وصاحبه أبو طاهر بن أبي هاشم وهي قراءة قتادة والأعمش وأبي المنذر وخلف ويعقوب، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبي هريرة ومعاوية، ثم عن الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود وسعيد بن جبير وأبي رجاء والنخعي وأبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وغيرهم.
واختلف فيه عن علي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين.
وأما قراءة ملك بغير ألف فرويت أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ بها جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم أبو الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، ومروان بن الحكم، ومجاهد، ويحيى بن، وثاب، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وابن جريج، والجحدري، وابن جندب، وابن محيصن، وخمسة من الأئمة السبعة، وهي اختيار أبي عبيد، وأبي بكر بن السراج النحوي، ومكي المقري، وقد بينت كلامهم في ذلك في الشرح الكبير، وأنا أستحب القراءة بهما؛ هذه تارة، وهذه تارة، حتى إني في الصلاة أقرأ بهذه في ركعة، وهذه في ركعة، ونسأل الله تعالى اتباع كل ما صح نقله والعمل به، ثم قال: وعند سراط
…
والسراط أي مجردا عن لام التعريف ومتصلا بها، ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو:{إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} 2، {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} 3.
وقد تكون معرفة بالإضافة نحو:
1 سورة الشورى، آية:52.
2 سورة يس، آية:61.
3 سورة مريم، آية:43.
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1، {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي} 2، {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 3، {صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} 4.
فلهذا لم أقل إرادة المنكر والمعرف ومثله، وكسر بيوت والبيوت، ونقل قران والقران بخلاف قوله: في لؤلؤ في العرف والنكر شعبة، فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا وهو نكرة ولو اقتصر على لفظ النكرة في الكل لحصل الغرض فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال: ووالاه في بئر وفي بئس ورشهم، والحكم عام في كل ما في القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء والفاء واللام، وفي وبئس بالواو وفي فبئس بالفاء وفي لبئس باللام وإنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام وتعدد المضاف إليه ولو أنه قال سراط بسين قنبل كيف أقبلا وبالصاد باقيهم وزايا أشمها البيت لتم له المقصود والله أعلم.
ثم هذا أيضا مما استغني فيه باللفظ عن القيد فكأنه قال بالسين، واعتمد على صورة الكتابة فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد، "وقنبلا" منصوب؛ لأنه مفعول به لقوله:"لِ" وهذه اللام المنفردة هي فعل أمر من قوله ولي هذا هذا يليه إذا جاء بعده، أي: اتبعْ قنبلا عند هاتين اللفظتين فاقرأ قراءته فيهما بالسين في جميع القرآن وقد بين ذلك بقوله رحمه الله:
109-
بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً أشِمَّهَا
…
لََى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلَاّدِ الَاوَّلا
أي بحيث أتى المذكور، وهذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى:{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} 5.
والباء في "بحيث" زائدة ولو لم يقل بحيث أتى لاقتصر الحكم على ما في الفاتحة وهكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورة كقوله: وخفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ، وفي "شركاي" الخلف فإن كان الخلاف مطردا في موضعين قال: معا، وإن كان في أكثر قال: جميعا أو كلا أو حيث جاء ونحو ذلك، ولم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة كالتوراة وكأين في آل عمران وقراءة الباقين بالصاد وهي أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها وأفصحها لغة وعلم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله والصاد زايا أشمها كأنه قال: والباقون بالصاد وأشمها زايا خلف، ويجوز في قوله: الصاد النصب والرفع والنصب هو المختار لأجل الأمر وغلط من قال هنا الرفع أجود، وأصل كلمة السراط السين والصاد بدل منها لأجل قوة الطاء ومن أشمها زايا بالغ في المناسبة بينهما وبين الطاء، وروي عن بعضهم إبدالها زايًا خالصة والمعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي.
والإشمام في عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة، أحدها خلط حرف بحرف كما في الصراط وما يأتي في أصدق ومصيطر، والثاني خلط حركة بأخرى كما يأتي في قيل وغيض وأشباههما، والثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان والتحريك كما يأتي في:
1 سورة الفاتحة، آية:7.
2 سورة الشورى، آية 53.
3 سورة الأعراف، أية 16.
4 سورة الأنعام، آية:153.
5 سورة البقرة، آية:191.
على ظاهر عبارة صاحب التيسير، والرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف، وهو الذي يأتي في باب الوقف وفي باب وقف حمزة وهشام وآخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك ونوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء الله، وقوله: لدى خلف أي عنده ومعنى عنده أي في مذهبه وقراءته، ووصل همزة القطع من قوله: وأشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم وأصله من قولهم أشممته الطيب أي أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة، والأول مفعول "واشمم"، ونقل الحركة من همزة أول إلى لام التعريف فتحركت، فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد؛ لالتقاء الساكنين تقديرا، وإن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة، وسيأتي تحقيق هذين الوجهين في مسألة:"عادا الأولى" والمراد بالأول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} 2؛ أي أشمه وحده خلاد دون ما بقي في الفاتحة وفي جميع القرآن، وهذه إحدى الروايات عنه وقلَّ من ذكرها.
وروي أنه يوافق خلفا في حرفي الفاتحة معا دون سائر القرآن.
وروي أنه يشم ما كان بالألف واللام فقط في الفاتحة وغيرها. والرواية الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء في الفاتحة وغيرها.
قال أبو الطيب بن غلبون: المشهور عن خلاد بالصاد في جميع القرآن قال: وهذه الرواية هي المعول عليها وبها أخذ في فاتحة الكتاب وغيرها.
وفي الشرح الكبير تعليل هذه الروايات وبسط القول في ذلك والله أعلم.
110-
عَلَيْهِمْ إِلَيْهِمْ حَمْزَةٌ وَلَدَيْهِموُ
…
جَمِيعاً بِضَمِّ الْهاءِ وَقْفاً وَمَوْصِلا
أي قرأ حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بضم الهاء وحذف واو العطف من إليهم ضرورة وسيأتي له نظائر فموضع عليهم وإليهم ولديهم نصب على المفعولية ويجوز الرفع على الابتداء وخبره حمزة أي يقرؤهن بالضم، أو قراءة حمزة والأولى أن يلفظ بالثلاثة في البيت مكسورات الهاء ليتبين قراءة الباقين؛ لأن الكسر ليس ضدا للضم فلا تتبين قراءتهم من قوله بضم الهاء ولو قال: بضم الكسر لبان ذلك، ولعله أراده وسبق لسانه حالة الإملاء إلى قوله: بضم الهاء، وسيأتي في قوله: كسر الهاء بالضم شمللا، وقف للكل بالكسر مكملا ما يوضح أن الخلاف في هذا الباب دائر بين كسر الهاء وضمها، ومن عادته المحافظة على قيوده وإن كان موضع الخلاف مشهورًا أو لا يحتمل غيره كقوله: وها هو وها هي أسكن، ثم قال: والضم غيرهم وكسر مع كونه صرح بلفظي هو وهي وهذه الكلمات الثلاث ليس منها في الفاتحة إلا "عليهم"، وأدرج معها "إليهم" و"لديهم"؛ لاشتراكهن في الحكم، وهذا يفعله كثيرا حيث يسمح النظم به كقوله: وقيل وغيض وجئ وحيل وسيق وسيء وسيت ويتركه حيث يتعذر عليه فيذكر كل واحد في سورته كقوله: في الأحزاب بما يعلمون اثنان عن
1 سورة يوسف، آية:11.
ولد العلا. ثم قال: في سورة الفتح: "بما يعملون حج"، وقال في البقرة:"وفتحك سين السلم"، ثم ذكر في الأنفال الذي في سورة القتال فكل واحد من الجمع والتفريق يقع مع اتحاد القارئ واختلافه، وقوله: جميعا أي حيث وقعت هذه الثلاث في جميع القرآن ووقفا وموصلا حالان من حمزة أي ذا وقف ووصل أي في حالتي وقفه ووصله فالموصل والوصل مثل المرجع والرجع.
وأعلم أن الضم في الهاء هو الأصل مطلقا للمفرد والمثنى والمجموع نحو: "منه وعنه ومنهما وعنهما ومنهم وعنهم ومنهن وعنهن"، وفتحت: في "منها وعنها" لأجل الألف وكسرت إذا وقع قبلها كسر أو ياء ساكنة نحو بهم وفيهم فمن قرأ بالضم فهو الأصل، وإن كان الكسر أحسن في اللغة كما قلنا في الصراط وإنما اختص حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بالضم؛ لأن الياء فيها بدل عن الألف ولو نطق بالألف لم يكن إلا الضم في الهاء فلحظ الأصل في ذلك وإنما اختص جمع المذكر دون المؤنث والمفرد والمثنى فلم يضم عليهن ولا عليه ولا عليهما؛ لأن الميم في عليهم يضم عند ساكن في قراءته ومطلقا في قراءة من يصلها بواو فكان الضم في الهاء إتباعا وتقديرا وليس في عليه وعليهما وعليهن ذلك ولم يلحظ يعقوب الحضرمي هذا الفرق فضم هاء التثنية وجمع المؤنث ونحو فيهم وسيؤتيهم وقد ضم حمزة فيما يأتي:
{لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} 1.
وضم حفص {عَلَيْهُ اللَّهَ} 2 في الفتح، {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} 3. والضم الأصل في الكل والله أعلم.
111-
وَصِلْ ضَمَّ مِيمِ الْجَمْعِ قَبْلَ مُحَرَّكٍ
…
"دِ"رَاكاً وَقاَلُونٌ بِتَخْيِيرِهِ جَلا
نبه على أن أصل ميم الجمع أن تكون مضمومة، والمراد بوصل ضمها إشباعه فيتولد منه واو، وذلك كقولهم في أنتمْ ومنهمْ: أنتمو ومنهمو فيكون زيادة الجمع على حد زيادة التثنية هذه بواو وهذه بألف "فأنتمو وأنتما" كالزيدون والزيدان وقاما وقاموا وكلاهما لغة فصيحة، وقد كثر مجيئها في الشعر وغيره، قال لبيد:
وهمو فوارسها وهمْ حكامها
فجمع بين اللغتين، وكذا فعل الكميت في قوله:
هززتكمو لو أن فيكمْ مهزَّة
وقال الفرزدق:
من معشر حبهم دين وبغضهمو
…
كفر
…
....
وقوله: قبل محرك احتراز مما بعده ساكن، وسيأتي حكمه؛ لأن الزيادة قبل الساكن مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين، وبقي عليه شرط آخر وهو أن لا يتصل بميم الجمع ضمير فإنه إن اتصل بها ضمير وصلت لجميع القراء وهي اللغة الفصيحة حينئذ وعليها جاء الرسم نحو:
1 سورة طه، آية:10.
2 آية: 10.
3 سورة الكهف، آية:63.
{فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ} ، {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} ، {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} ، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} ، {حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ، {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} ، {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} .
وقوله: دراكا أي متابعة وهو مصدر في موضع الحال أي صلة تابعا لما نقل، يقال دارك الرجل صوبه أي تابعه والدال رمز ابن كثير وصرف اسم قالون هنا وترك صرفه فيما تقدم فيكون صرفه أو ترك صرفه للضرورة، وجلا أي كشف؛ وذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير، وقراءة الجماعة على صحة القراءتين وثبوتهما أي يروى عن قالون الوجهان؛ الوصل وتركه، وهذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه، ويروى عن قالون مثل ورش، وعن ابن كثير مثل الجماعة:
112-
وَمِنْ قَبْلِ هَمْزِ الْقَطْعِ صِلْهَا لِوَرْشِهِمْ
…
وَأَسْكَنَهاَ الْبَاقُونَ بَعْدُ لِتَكْمُلا
كان يلزمه أن يذكر مع ورش ابن كثير وقالون؛ لئلا يظن أن هذا الموضع مختص بورش كما قال في باب الإمالة: رمى صحبة ولو قال: ومن قبل همز القطع وافق1 ورشهم لحصل الغرض.
ومعنى البيت: أن ورشا يقرأ مثل قراءة ابن كثير إذا كان بعد الميم همزة قطع، وهي التي تثبت في الوصل نحو:{عَلَيْهِمْ} ، {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ} ، {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} ، {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا} .
لكن ورشا يكون أطول مدًّا من ابن كثير على أصله وإنما خص ورش الصلة بما كان قبل همزة لحبه المد وإيثاره له ولهذا مد ما بعد الهمزة في وجه كما سيأتي، وأراد أيضا الجمع بين اللغتين، كما قال امرؤ القيس:
أمرخ خيامهمو أم عشر
…
أم القلب في إثرهم منحدر
وخص ذلك؛ ليستعين بالمد على النطق بالهمز، قال أبو علي: كأنه أحب الأخذ باللغتين وكان المد قبل الهمزة مستحبًّا، واعتل له المهدوي وغيره بما يلزمه من نقل الحركة على أصله، ولو نقل إليها لتحركت بالضم والفتح والكسر، فآثر أن يحركها بحركتها الأصلية ولا تعتورها الحركات العارضة والهاء في صلها وأسكنها تعود على ميم الجمع، وإنما بين قراءة الباقين أنها بالإسكان؛ لئلا يظن أنها بترك الصلة ولا يلزم من ترك الصلة الإسكان؛ إذ ربما تبقى الميم مضمومة من غير صلة كما يفعل في هاء الكناية وهو المعبر عنه ثم بالقصر وسيأتي، ولم يقرأ بذلك في الميم؛ لقوتها واستغنائها عن الحركة، ولما كانت الهاء خفية ضعيفة قويت بالحركة تارة وبها وبالصلة أخرى، وقوله: بعد متعلق بالباقون أي الذين بقوا في ذكرى بعد ذكر من وصل ولا يجوز تعلقه بأسكنها؛ لأن من المسكنين من سبق الواصلين في الزمان كابن عامر إلا على تأويل ترتيب الذكر فيرجع إلى المعنى الأول ويجوز أن يتعلق بمحذوف ولتكملا أيضا متعلق به أي أعلمتك بقراءة الباقين بعد ما ذكرت قراءة الواصلين؛ لتكمل وجوه القراءة في ميم الجمع وإن علقنا بعد بالباقون كان لتكملا متعلقا بأسكنها، واللام للعاقبة؛ لأنهم لم يسكنوها لهذه العلة وإنما كانت العاقبة ذلك، ويجوز على هذا أن يتعلق اللام بصلها والواو في وأسكنها للحال أي صلها لورش في الحال التي أسكنها فيها الباقون؛ لتكمل وجوهها، وإسكان ميم الجمع هو اللغة الفصيحة الفاشية، وقد وافق من وصلها على ترك الصلة في الوقت، وكذا في هاء الكناية ولم ينبه الناظم على ذلك في البابين والله أعلم.
1 فيه نظر؛ إذ لم يعلم منه أوافق الأقرب على التخيير أم الأبعد على الصلة اهـ ضباع.
113-
وَمِنْ دُونِ وَصْلٍ وضُمَّهَا قَبْلَ سَاكِنٍ
…
لِكُلٍ وَبَعْدَ الْهَاءِ كَسْرُ فَتَى العَلَا
ذكر في هذا البيت حكم ميم الجمع إذا لقيها ساكن ولا يقع ذلك الساكن في القرآن إلا بعد همزة الوصل فقال ضمها من غير صلة لكل القراء ووجه الضم تحريكها لالتقاء الساكنين واختير ذلك؛ لأنه حركتها الأصلية فهي أولى من حركة عارضة ولم تمكن الصلة؛ لأن إثباتها يؤدي إلى حذفها لأجل ما بعدها من الساكن وضمها فعل أمر، وفي نسخة ضمها على أنه مبتدأ خبره ما قبله أو ما بعده ومثله:
{مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} 1 - {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 2.
وكان يمكن إثبات الصلة في: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ} 3؛ لأن الساكن بعدها مدغم فيبقى من باب إدغام أبي عمرو: {قَالَ رَبِّ} 4.
وقد فعل ذلك البزي في: "عنهو تلهى"، "فظلتمو تفكهون"، إلا أن الفرق أن إدغام أبي عمرو والبزي طارئ على حرف المد فلم يحذف له، وكذا إدغام "دابة" و"الصاخة" و"خاصة" فلم يحذف حرف المد خوفا من الإجحاف باجتماع إدغام طارئ وحذف، وأما إدغام اللام في الذين ونحوه فلأصل لازم وليس بطارئ على حرف المد فإنه كذلك أبدا كان قبله حرف مد أو لم يكن فحذف حرف المد للساكنين طردا للقاعدة فلم يقرأ "منهمو الذين" كما لم يثبت حرف المد في مثل:{قَالُوا اطَّيّرْنَا} 5، {ادْخُلا النَّارَ} 6، {وَفِي النَّارِ} 7.
ثم قال: وبعد الهاء كسر فتى العلا؛ أي: إن وقع قبل الميم التي قبل الساكن هاء كسر أبو عمرو الميم إتباعا للهاء؛ لأن الهاء مكسورة وبقي الباقون على ضم الميم ثم ذكر شرط كسر الهاء فقال:
114-
مَعَ الْكَسْرِ قَبْلَ الْهَا أَوِ الْيَاءِ سَاكِناً
…
وَفي الْوَصْلِ كَسْرُ الْهَاءِ بالضَّمَّ "شَـ"ـمْلَلا
أي: إذا كان قبل الهاء كسر أو ياء ساكنة وقصر لفظ الهاء ضرورة وساكنا حال من الياء والياء كغيرها من الحروف يجوز تأنيثها وتذكيرها، ومعنى شملل أسرع وفاعله ضمير عائد على كسر الهاء أي أتى بالضم في عجل جعل الكسر آتيا بالضم تجوزا واتساعا وإن كانا لا يجتمعان، ووجهه توافق معنى القراءتين وصحتهما وحلول كل واحد منهما في محل الآخر، والشين رمز حمزة والكسائي قرءا بضم الهاء والميم على الأصل في الميم والإتباع في الهاء وأبو عمرو كسر الهاء؛ لما قبلها، والميمَ؛ للإتباع، والباقون ضموا الميم على الأصل لما احتاجوا إلى تحريكها لأجل الساكن بعدها، وكسروا الهاء لمجاورة ما أوجب ذلك من الكسر أو الياء الساكنة كما أجمعوا على "بهم وفيهم"
1 سورة آل عمران، آية:110.
2 سورة آل عمران أيضًا، آية:129.
3 سورة التوبة، آية:61.
4 سورة مريم، آية:3.
5 سورة النمل، آية:47.
6 سورة التحريم آية: 10.
7 سورة غافر، آية:49.