الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} 1.
وفي مواعظ الحسن البصري رحمه الله: أيها الناس إن هذا الموت قد فضح الدنيا فلم يبق لذي لب فرحا، وما أحسن قول بعضهم:
يا غفلة شاملة للقوم
…
كأنما يرونها في النوم
ميت غد يحمل ميت اليوم
وقوله: "ألا": استفتاح كلام، و"هاج" بمعنى هيج الغافل هذا الحكم أي حركه فلم يدع له قرارا ولا هناء بعيش أيقظنا الله تعالى بفضله من هذه الغفلة:
290-
وَقَلْبُهُمَا مِيماً لَدَى الْيَا وَأَخْفِيا
…
عَلَى غُنَّةٍ عِنْدَ الْبَوَاقِي لِيَكْمُلَا
أي الموضع الذي تقلبان فيه ميما هو عند الباء يعني إذا التقت النون الساكنة مع الباء في كلمة نحو: "أنبئهم، أو في كلمتين نحو: "أن بورك". وإذا التقى التنوين مع الباء، ولا يكون ذلك إلا في كلمتين نحو:
{سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، قلبا ميما؛ ليخف النطق بهما؛ لأن الميم من مخرج الباء وفيها غنة كغنة النون فتوسطت بينهما، ولم يقع في القرآن ولا فيما دون من كلام العرب ميم ساكنة قبل ياء في كلمة واحدة فلم يخف إلباس في مثل عنبر ومنبر وعند باقي الحروف غير هذه الثلاثة عشر وغير الألف أخفي التنوين والنون مع بقاء غنتهما؛ لأنها لم يستحكم فيها البعد ولا القرب منهما فلما توسطت أعطيت حكما وسطا بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء، وسواء في ذلك ما كان في كلمة وما كان في كلمتين نحو:"أنتم، أنذر الناس، أنشأكم، أنفسكم، إن تتوبا، من جاء بالحسنة، إن كنتم، أن قالوا بخلق جديد، غفور شكور، على كل شيء قدير، أزواجا ثلاثة".
وقوله: ليكملا؛ أي: ليكملا بوجوههما وهي لام العاقبة أي لتؤل عاقبتهما إلى كمال أحكامهما؛ لأن هذه الوجوه هي التي لهما في اللغة وهي الإدغام في حروف "يرملون" الستة، والإظهار في حروف الحلق الستة أيضا، والقلب عند الباء والإخفاء في البواقي، ثم الإدغام بغنة وبغير غنة، فكمل ذكرها في النظم من هذه الوجوه والله أعلم.
1 سورة ص، آية 67 و68.
باب: الفتح والإمالة وبين اللفظين
الفتح هنا ضد الإمالة؛ وهو منقسم إلى فتح شديد، وفتح متوسط؛ فالشديد هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذي بعده ألف، ويسمى التفخيم، والقراء يعدلون عنه، ولا يستعملونه، وأكثر ما يوجد في ألفاظ أهل خراسان، ومن قرب منهم،؛ لأن طباعهم في العجمة جرت عليه، فاستعملوه كذلك في اللغة العربية، وهو
في القراءة مكروه معيب، هذا قول أبي عمرو الداني في كتاب "الموضح" قال: والفتح المتوسط هو ما بين الفتح الشديد والإمالة المتوسطة، وهذا الذي يستعمله أصحاب الفتح من القراء، قال: والإمالة أيضا على ضربين: إمالة متوسطة، وإمالة شديدة، والقراء يستعملونهما معًا؛ فالإمالة المتوسطة حقها أن يؤتى بالحرف بين الفتح المتوسط وبين الإمالة الشديدة، والإمالة الشديدة حقها أن تقرب الفتحة من الكسرة، والألف من الياء، من غير قلب خالص، ولا إشباع مبالغ، قال: والإمالة والفتح لغتان مشهورتان فاشيتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فالفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة عامة أهل نجد، من تميم وقيس وأسد قال: وعلماؤنا مختلفون في أي هذه الأوجه الثلاثة أوجه وأولى، وأختار الإمالة الوسطى التي بين بين؛ لأن الغرض من الإمالة حاصل بها، وهو الإعلام بأن أصل الألف الياء أو التنبيه على انقلابها إلى الياء في موضع، أو مشاكلتها للكسر المجاور لها أو الياء، ثم أسند حديثا عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اقرءوا القرآن بألحان العرب" وفي رواية: "بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين".
قال: فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة، ومن لحون العرب وأصواتها، وهي مذاهبها وطباعها. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكع حدثنا الأعمش عن إبراهيم، قال: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء، قال: يعني بالألف والياء التفخيم والإمالة.
قلت: وصنف كل واحد من أبي الطيب ابن غلبون، وأبي عمرو الداني في هذا الباب مجلدة، قصراها على حكم الإمالة وما يتعلق بها، وكتاب الداني متأخر عن كتاب ابن غلبون، فلذلك فوائده أكثر، وذكر الشيخ رحمه الله في هذا الباب معظم ما تقع فيه الإمالة في القرآن من أصول مطردة، وحروف منفردة وأخر من ذلك قليلا فذكره في مواضعه من السور، تبعا لصاحب التيسير.
كـ: "التوراة"، و"ناداه" في آل عمران، و"ناه"، و"استهواه"، و"رأى" في الأنعام، و"را"، و"طا"، و"ها"، و"يا" من فواتح السور، و"أدري"، في أول سورة يونس، "وبشراى" في يوسف وغيره، ذكر ذلك في الباب أو بعضه، ويجوز في قوله وبين اللفظين: فتح النون من بين على الظرفية، أي والحالة هي بين اللفظين، أي بين لفظي الفتح والإمالة، ويجوز كسر النون عطفا على الفتح والإمالة، ولفظ بين تارة يجري بوجوه الإعراب، كقوله:{هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} 1، وتارة ينصب على الظرف والإعراب يجري على ما هي تابعة له، وقرئ بالوجهين قوله سبحانه:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 2 بالرفع والنصب عاما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى والله أعلم.
1 سورة الكهف، آية:77.
2 سورة الأنعام، آية:94.
291-
وَحَمْزَةُ مِنْهُمْ وَالكِسَائِيُّ بَعْدَهُ
…
أَمَالَا ذَوَاتِ الْياَءِ حَيْثُ تأَصَّلا
منهم أي: من القراء كقولهم: أنت منهم الفارس الشجاع أي من بينهم والكسائي بعده؛ لأنه أخذ عنه أمالا ذوات الياء يعني الألفات التي انقلبت عن الياء احترازا عن ذوات الواو وهي الألفات التي انقلبت عن الواو، فاجتزأ بالصفة لشهرتها عن الموصوف والإمالة تقع في الألف والهاء والراء وهذا الباب جميعه في إمالة الألف والذي بعده في إمالة الهاء والثالث في إمالة الراء على ما سيأتي بيانه ثم الألف تكون أصلية ومنقلبة وتارة زائدة، واعلم أن كل ألف منقلبة عن ياء فجائز إمالتها وهي أن تكون عينا أو لاما فالعين نحو باع وسار؛ لأنهما من البيع والسير وهذا النوع جائز الإمالة لغة مطلقا وقراءة في بعض المواضع الآتية نحو:
"جاء"، و"شاء"، واللام نحو "هدى" و"رمى"1.
فهذا هو الذي يمال مطلقا عند القراء لمن مذهبه الإمالة، وأطلق الناظم ذوات الياء، وهو لفظ يقع على الضربين ومراده الضرب الثاني، ولم يبين في نظمه الحرف الذي تقع فيه الإمالة، ولو أنه قال:
أمال الكسائي بعد حمزة إن تطـ
…
ـرفت ألفاتٌ حيث ياء تأصلا
لذكر الحرف الممال وشرطيه وهما كونه عن ياء وكونه طرفا أي تكون لام الفعل وإنما خص لقراء الإمالة بذلك؛ لأنه طرف والأطراف محل التغيير غالبا والإمالة تغيير؛ فإنها إزالة الألف عن استقامتها وتحريف لها عن مخرجها إلى نحو مخرج الياء ولفظها، وأخذ لها هذا الاسم من أمالت الرمح ونحوه إذا عوجته عن استقامته أي أما لا ألفات الياء إن تطرفت احترازا من المتوسطة فقوله تعالى:{وَسَارَ بِأَهْلِهِ} 2 يمال وكذا: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ} 3؛ لتوسط الألف فيها والألف في أثاب عن واو في الأصل، وإنما يجوز إمالتها لغة؛ لأن الفعل قد زادت حروفه فرجع إلى ذوات الياء على ما سيأتي في شرح قوله وكل ثلاثي يزيد فإنه ممال وقوله حيث تأصلا قال الشيخ: أي حيث كان الياء أصلا وهو أحد أسباب الإمالة وأكثر أنواعها استعمالا وإنما أميلت الألف؛ لتدل على الأصل.
قلت: فكأن قوله حيث تأصلا خرج مخرج التعليل؛ فإن "حيث" من ظروف المكان، وإذ من ظروف الزمان تأتي كل واحدة منهما وفيها معنى التعليل نحو قولك: حيث جاء زيد فلا بد من إكرامه، وإذ خرج فلا بد من التزامه أي لأجل أن الياء أصلها أميلت ولم يخرج ذلك مخرج الاشتراط فإن هذا شرط مستغنى عنه بقوله: ذوات الياء كما قال صاحب التيسير: كان حمزة والكسائي يميلان كل ما كان من الأسماء والأفعال من ذوات الياء، ولم يرد على ذلك لكنه ما أراد بذوات الياء إلا كل ألف تنقلب ياء في تثنية أو جمع أو عند رد الفعل إلى المتكلم أو غيره فيدخل في ذلك ما الياء فيه أصل وما ليست بأصل، ولهذا مثل:
"موسى" و"عيسى" و"إحدى" و"يتامى".
1 سورة طه، الأنفال:17.
2 القصص آية: 27.
3 سورة المائدة، آية:85.
ونحوه ما ألفه للتأنيث ثم قال: وكذلك: "الهدى" و"العمى".
ونحوه مما الألف فيه منقلبة عن ياء فجمع بين النوعين فعبر عنهما بذوات الياء فيجوز أن يكون الناظم سلك هذا المسلك وقسم ذوات الياء إلى ما الألف فيه أصل وإلى ما الألف فيه للتأنيث وسيأتي كل ذلك ويجوز أن يكون المراد تأكيد ما تقدم أي أن الإمالة لا تقع في قراءتهما إلا حيث كانت الياء التي انقلبت عنها الألف أصلا وهذا وإن كان معلوما من قوله: ذوات الياء فإن ذلك لا يقال إلا لما كانت الياء فيه أصلا فإنه غير معلوم من اللفظ بل من قاعدة علم التصريف فنص عليه لفظا وغرضه إعلام أن الإمالة لهما لا تقع في الألفات الزوائد كألف نائم ولاعب، وإنما تقع في ألف منقلبة عن ياء هي لام الكلمة، ويجوز أن يكون المعنى حيث تأصلا الياء أي تمكنت تمكنا تاما بحيث رسمت الكلمة بها لا بالواو، فأميلت الألف موافقة للرسم فهذه ثلاثة أوجه في معنى هذا الكلام إن كان فاعل تأصلا ضميرا عائدا على الياء والألف فيه للإطلاق، ويجوز أن تكون الألف للتثنية وهي ضمير عائد على حمزة والكسائي، وله وجهان من المعاني: أحدهما في المواضع التي تأصلاها أي أنهما أصلا لها أصلا فكل ما دخل في ذلك الأصل والضابط أمالاه ثم بين الأصل والضابط بالبيت الآتي.
والثاني أن المعنى حيث تأصلا هما؛ أي: كانا أصلا في باب الإمالة؛ لاستيعابهما منهما ما لم يستوعب غيرهما فكل من أمال شيئا فهو تابع لهما أو لأحدهما في الغالب أي فعمما جميع ذوات الياء؛ لأنهما ليس من مذهبهما تخصيص أفراد من الكلم بالإمالة بخلاف ما فعل غيرهما كما ستراه ثم لا فرق في إمالة هذه الألف المنقلبة عن الياء لهما بين ما هي مرسومة في المصحف بالياء وما هي مرسومة بالألف فإن من ذوات الياء ما رسم في المصحف بالألف كما ترسم ذوات الواو نحو: "طغا" و"تولاه" و"أقصا المدينة" و"الأقصا" و"العليا" و"الدنيا"
…
وغير ذلك. وأما الحياة فلم تمل، وإن كانت ألفها منقلبة عن ياء عند قوم؛ لأن ألفها رسمت واوا في المصحف، ولأن الخلاف قد وقع في أصل ألفها فوقع الشك في سبب لإمالة فتركت وعدل إلى الفتح فإنه الأصل، وكل ما أميل ففتحه جائز، وليس كل ما فتح إمالته جائزة، ثم من ضرورة إمالة الألف حيث تمال أن ينحى بالحرف الذي قبلها نحو الكسرة ثم إن حمزة والكسائي يميلان الألف الموصوفة بالأوصاف المذكورة حيث وجدت إلا في مواضع خالف فيها بعضهم أصله وفي مواضع زاد معهم غيرهم ثم بين ذات الياء فقال:
292-
وَتَثْنِيَةُ الأسْماءِ تَكْشِفَها وَإِنْ
…
رَدَدْتَ إِلَيْكَ الْفِعْلَ صَادَفْتَ مَنْهلا
الهاء في تكشفها لذوات الياء؛ أو الألف الممالة المفهومة من سياق الكلام أي تكشف لك أصلها إن كانت في اسم تثنية نحو: "قال لفتاه"؛ لأن هذا لو ثنى لانقلبت الألف ياء نحو:
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} 1 وكذا {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى} 2، لو ثنيته لقلت: عميان وهذا بخلاف: "الصفا" و {شَفَا جُرُفٍ} 3، و {سَنَا بَرْقِهِ} ، و {عَصَاهُ} ، و {عَصَايَ} ، و {أَبَا أَحَدٍ} .
فإن الألف في ذلك كله أصلها الواو، ويثني جميع ذلك بها، وأما الألف في الأفعال فيكشفها أن تنسب الفعل إلى نفسك وإلى مخاطبك فإن انقلبت فيه ياء أملتها نحو:"رمى" و"سعى"؛ لأنك تقول: رميت وسعيت بخلاف: دعا وعفا وخلا وبدا وعلا ونجا، فإنك تقول فيهما: دعوت وعفوت
…
إلى آخرها، ويكشفها لك أيضا لفظ المضارع نحو يدعو ويعفو، ولحوق ضمير التثنية نحو: دعوا وعفوا، والاشتقاق يكشف الأمرين نحو الرمي والسعي والعفو والعلو، فإن قلت: من جملة الأسماء الممالة ما لا تظهر التثنية ياءه التي انقلبت الألف عنها نحو الحوايا جمع حاوية فالألف عن ياء كائنة في المفرد وفي تثنية المفرد ولكن اللفظ الممال في القرآن لا يثنى فلم يكشف هذا اللفظ تثنية فكيف قال: وتثنية الأسماء تكشفها؟ قلت: ذكر ذلك كالعلامة؛ والعلامة قد لا تعم ولكنها تضبط الأكثر والحد يشمل الجميع، وهو قوله: ذوات الياء والألف من آخر الحوايا من ذوت الياء وأصلها حواوي على حد ضوارب؛ لأنه جمع حاوية وهي المباعر، على أنك لو قدرت من هذا فعلا، ورددته إلى نفسك لظهرت الياء نحو حويت، وصاحب التيسير ذكر هذا الحرف مع يتامى وأيامى فجعل الجميع في باب فعالى الذي يأتي ذكره، وقوله: صادفت منهلا أي موردا للإمالة، وهذه استعارة حسنة؛ لأن طالب العلم يوصف بالعطش فحسن أن يعبر عن بغيته ومطلوبه بالمورد، كما يعبر عن كثرة تحصيله بالري فيقال هو ريان من العلم ثم مثل ذوات اليا من الأسماء والأفعال فقال:
293-
هَدى وَاشْتَرَاهُ وَالهَوى وَهُدَاهُمُ
…
وَفِي أَلِفِ التَّأْنِيثِ فِي الكُلِّ مَيَّلا
لأنك تقول: هديت واشتريت وهويان وهديان فمثل بفعلين واسمين، ثم ذكر أن حمزة والكسائي ميلا أيضا ألف التأنيث في كل موضع وقعت فيه فقوله: وفي ألف متعلق بميلا أي أوقعا الإمالة فيها فهو من باب قوله: ذي الرمة يجرح في عراقيبها نصلي، وقوله: في الكل بدل من ألف التأنيث أي: وفي كل ما فيه ألف التأنيث أوقعا الإمالة، وخالف حمزة أصله في الرؤيا على ما يأتي، وليست ألف التأنيث منقلبة عن ياء وإلا لاستغني عنها بما تقدم وإنما هي مشبهة بالمنقلبة عن الياء لأجل أنها تصير ياء في التثنية والجمع تقول حبليان وحبليات.
فإن قلت: ظهرت فائدة قوله: فيما قبل حيث تأصلا فإن ألف التأنيث ليست أصلا فاحترز عنها.
قلت: ولماذا يحترز عنها وهي ممالة لهما كما أن الأصلية ممالة لهما فلا وجه للاحتراز إن كانت ألف التأنيث داخلة في مطلق قوله: ذوات الياء وهو ممنوع، وإذا لم تكن داخلة فلا احتراز، ولم يبق فيه إلا التأكيد أو المعاني التي تقدم ذكرها، ثم ذكر الأمثلة التي توجد فيها ألف التأنيث المقصورة وهي الممالة فقال:
1 سورة يوسف، آية:36.
2 سورة فصلت، آية:17.
3 سورة التوبة، آية:109.
294-
وَكَيْفَ جَرَتْ فَعْلى فَفيهَا وُجُودُهَا
…
وَإِنْ ضُمَّ أَوْ يُفْتَحْ فُعَالى فَحَصِّلا
أي وجود ألف التأنيث في موزون فعلى كيف جرت بفتح الفاء أو بكسرها أو بضمها نحو "السلوى"" و"التقوى" و"الموتى" و"مرضى" و"إحدى" و"سيما" و"ذكرى" و"الدنيا" و"القربى" و"الأنثى" وكذلك في "فعالى" بضم الفاء وفتحها نحو كسالى ويتامى والتحق بهذا الباب موسى وعيسى ويحيى وهو مذهب القراء اعتمادا على أنها فعلى فعلى وفعلى والفاء في فحصلا ليس برمز لأن مراده بهذا البيت بيان محل ألف التأنيث ولأنه سيقول بعد هذا وعسى أيضا أمالا والضمير لحمزة والكسائي ولو كان فحصلا رمز اللزوم بعد ذلك إذا ذكر مسألة أن يرمز لها أو يصرح باسم القارئ ولا يأتي بضمير من تقدم إلا إذا كان الباب كله واحدا على أنه يشكل على هذا أنه سيذكر اختصاص الكسائي بإمالة مواضع ثم قال بعدها وأما ضحاها والضحى والربى مع القوى فأمالاها ويذكر أيضا ما تفرد به حفص عن الكسائي ثم قال: ومما أمالاه، وجوابه أنه صرح باسم الكسائي وحفص فلا إلباس، وأما بعد الرمز فلم يفعل مثل ذلك لما فيه من الإلباس وأراد فحصلا بالنون الخفيفة، ثم أبدل منها ألفا في الوقف ثم ذكر أنهما أمالا أشياء أخر لم تدخل في الضابط المتقدم من ذوات اليء الأصلية ولا في ضابط ألف التأنيث ولكنها من المرسومات بالياء فقال:
295-
وَفِي اسْمٍ فِي الِاستِفْهَامِ أَنَّى وَفِي مَتى
…
مَعاً وَعَسى أَيْضاً أَمَالَا وَقُلْ بَلى
أي وأوقع الإمالة في اسم استعمل في الاستفهام وهو أنى وإن كان قد استعمل غير استفهام وهو إذا وقع شرطا نحو: أنى تقم أقم معك إلا أنه في القرآن للاستفهام، ولهذا قال صاحب التيسير: أمالا "أنَّى" التي بمعنى كيف، نحو قوله تعالى:{أَنَّى شِئْتُمْ} 1، {أَنَّى لَكِ هَذَا} 2.
قلت: وغرضهم من هذا القيد أن يفصلوها من أنا المركبة من أن واسمها نحو: {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} 3.
وهو احتراز بعيد؛ فإن أحدا لا يتوهم الإمالة في مثل ذلك، ثم قال: وفي "متى" أي وأوقعا الإمالة أيضا في "متى"، ومعا حال من حمزة والكسائي أي أوقعا معا الإمالة في ذلك أو حال من أتى ومتى، بمعنى أنهما اصطحبا في الإمالة والاستفهام.
وقال الشيخ: مراده أن ألف التأنيث أيضا في اسم استعمل في الاستفهام، وهو أنى ومتى فأما أنى فكان ابن مجاهد يختار أن يكون فعلى فقال الداني وزنها فعلى وهو كقولهم قوم تلى أي صرعى وليلة غمى إذا كان على السماء غيم وألف متى مجهول فأشبهت ألف التأنيث في ذلك فأميلت، ونص النحاة على أنه لو سمي بها وبيلى لثنيا بالياء وهذا صحيح، ولكن من أين يلزم إذا كانت ألفها مجهولة أن تكون للتأنيث، وإنما وزنها فعل، والألف لام الكلمة على أن الحروف وما تضمن معناها من الأسماء لا يتصرف فيها بوزن ولا ينظر في ألفاتها فـ"متى" كإلى وبلى في ذلك.
1 سورة البقرة، آية:223.
2 سورة آل عمران، آية:27.
3 سورة النمل، آية:51.
ثم قال: وأمالا عسى وبلى أما عسى ففعل تقول فيه: عسيت فالألف منقلبة عن ياء فهو داخل في ما تقدم فلم يكن له حاجة إلى إفراده بالذكر، ولكنه تبع صاحب التيسير في ذلك فإنه قال بعد أنى: وكذلك متى وبلى وعسى حيث وقع ولعله إنما أفرده بالذكر؛ لأنه لا يتصرف، وقيل إن بعض النحاة زعم أنها حرف كما أطلق الزجاجي على كان وأخواتها أنها حروف بمعنى أنها أدوات للمعاني التي اكتسبتها الجمل معها، ولما كفت بلى في الجواب ضارعت بذلك الاسم والفعل فأميلت ألفها وقيل إن ألف بلى أيضا بل للتأنيث وهو حرف لحقه ألف التأنيث كما لحقت تاء التأنيث ثم ورب، وأصلها بل فيجوز على هذا أن يقال ألف أنى كذلك وأصلها أن، ثم خرج هذان الحرفان عن معناهما المعروف بلحوق ألف التأنيث لهما إلى معنى آخر فصار أنى على وزن شتى ورسمت أنى ومتى وبلى بالياء وكذا عسى وعيسى ويحيى وموسى وإلحاق الألف في شيء من ذلك بألف التأنيث بعيد بل هي قسم برأسها، فكأنه قال أمالا ذوات الياء الأصلية وغير الأصلية مما رسمت ألفه ياء وغير الأصلية على ضربين ألف تأنيث وملحق بها، ولو قال عوض هذا البيت:
وموسى عسى عيسى ويحيى وفي متى
…
وأنى للاستفهام تأتى وفي بلا
لكان أحسن وأجمع للغرض، وتبعناه في ذكر عسى، وإن كانت داخلة في قسم الياء الأصلية وخلصنا من جزرفة العبارة في قوله: وفي اسم في الاستفهام أنى، والضمير في "تأتى" للإمالة وما أبعد دعوى أن الألف في موسى وعيسى ويحيى للتأنيث فموسى وعيسى معربان ويحيى إن كان عربيا فوزنه يفعل والكلام في النبي المسمى بيحيى عليه السلام، وأما نحو قوله تعالى:{لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 1، وقوله:{وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} 2، فوزنه يفعل والله أعلم.
296-
وَمَا رَسَمُوا باليَاءِ غَيْرَ لَدى وَمَا
…
زَكى وَإِلى مِنْ بَعْدُ حَتَّى وَقُلْ عَلَى
أي وأمالا كل ما رسم في المصحف بالياء من الألفات وإن لم تكن الياء أصلية إتباعا للرسم، ولأنها قد تعود إلى الياء في صورة وذلك ضحى في الأعراف وطه:"وضحاها"، "ودحيها" في والنازعات، وفي والشمس وضحيها:"وتلاها"، "وطحاها"، "والضحى"، "وسجى". فهذا جميع ما رسم من ذوات الواو بالياء على ما ذكره في قصيدته الرائية لكن:"تلاها""وطحاها""وسجى"، لم يملها إلا الكسائي وحده كما يأتي، وإمالتهما "ضحى" في الأعراف وطه تبنى على خلاف يأتي في آخر الباب وأما:
1 سورة طه، آية:74.
2 سورة الأنفال، آية:42.
"ويلتى" و"حسرتى" و"أسفى".
فألفاتها مع كونها مرسومة بالياء منقلبة عن ياء بالإضافة فقويت الإمالة فيها وهذا البيت لا يظهر له فائدة إلا في هذه الألفاظ الثلاثة فإن الياء التي انقلبت عنها الألف ليست بأصل في الكلمة فلم تدخل في قوله: "حيث تأصلا" ويظهر أيضا فائدته في إمالة "ضحى" في الأعراف على قول من يقول إنه إذا وقف عليه كان الوقف على ألفه الأصلية وأما باقي الكلمات التي ذكرت أنها رسمت بالياء وهي من ذوات الواو فكانت تعرف من ذكره إمالة رءوس الآى وأما نحو: "أدنى" و"أزكى" و"يدعى" و"تتلى".
فتعلم إمالته من البيت الآتي؛ فإنه من الثلاثي الزائد، ثم ذكر أنه استثنى مما رسم بالياء وليست الياء أصله خمس كلمات: فلم تمل وهي اسم وفعل وثلاثة أحرف فالاسم "لدى" لم يمل أنه رسم بالألف في يوسف وبالياء في غافر، وألفه مجهولة فلم يمل؛ ليجري مجرى واحدا والفعل:{مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} 1.
هو من ذوات الواو فلم يمل تنبيها على ذلك، والحروف إلى وحتى وعلى لم تمل؛ لأن
فلا حظ لها في الإمالة بطريق الأصالة إنما هي للأفعال والأسماء فلم يؤثر فيها رسمها بالياء وكل ما أميل من الحروف بلى ويا في الندا ولا في أمالا لإغنائها عن الجمل فأشبهت الفعل والاسم وقول الناظم من بعد حتى الدال من بعد مجرورة وبعضهم اختار ضمها وقدر حذف واو العطف من قوله حتى، ومعنى الوجهين ظاهر، وإذا كسرنا الدال كان التقدير من بعد استثناء حتى، وكذا معنى قولي أنا فيما تقدم: أمال الكسائي بعد حمزة أي بعد إمالة حمزة:
297-
وَكُلُّ ثُلَاثِيٍّ يِزِيدُ فَإِنَّهُ
…
مُمَالٌ كَزَكَّاهَا وَأنْجَى مَعَ ابْتَلى
أي كل لفظ ثلاثي ألفه عن واو إذا زيد في حروفه الأصول حرف فأكثر فصار كلمة أخرى أميل؛ لأن واوه تصير ياء إذا اعتبرتها بالعلامات المقدم ذكرها، وذلك كالزيادة في الفعل بحروف المضارعة وآلة التعدية وغيرها نحو:"ترضى"2، "وتدعى"3 "وتتلى"4 "ويدعى"5، "وتبلى"6، "ويزكى"7، "وتزكى"8، "وزكاها"9، "ونجانا الله منها"10، {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} 11، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} 12، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ} 13.
1 سورة النور، آية:21.
2 سورة طه، آية:130.
3 سورة سبأ، آية، 43.
4 سورة آل عمران، آية:101.
5 سورة الجاثية، آية:28.
6 سورة الطارق، آية:9.
7 سورة عبس، آية:3.
8 سورة الأعلى، آية:14.
9 سورة الشمس، آية:9.
10 سورة الأعراف، آية:89.
11سورة العنكبوت، آية:24.
12 سورة البقرة، آية:124.
13 سورة الأعراف، آية:143.
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 1، {فَتَعَالَى اللَّهُ} 2، {مَنِ اسْتَعْلَى} 3.
ومن ذلك أفعل في الأسماء نحو: "أدنى، وأرى، وأزكى، وأعلى"؛ لأن لفظ الماضي من ذلك كله تظهر فيه الياء إذا رددت الفعل إلى نفسك نحو: زكيت ورضيت وابتليت وأعليت، وأما فيما لم يسم فاعله نحو "تدعى" فلظهور الياء في دعيت ويدعيان، فقد بان أن الثلاثي المزيد يكون اسما نحو أدنى وفعلا ماضيا نحو أنجى وابتلى ومضارعا مبنيا للفاعل نحو يرضى وللمفعول نحو يدعى.
ولو قال الناظم رحمه الله تعالى:
وكل ثلاثيٍّ مزيد أمله مثـ
…
ـل يرضى وتدعى ثم أدنى مع ابتلى
لجمع أنواع ذلك، وقد نص صاحب التيسير وغيره على أن ذلك يمال، وجعل سببه الزيادة فقال: الإمالة شائعة في "تدعى" و"تتلى" و"اعتدى" و"استعلى" و"أنجى" و"نجى" وشبهه؛ لانتقاله بالزيادة إلى ذوات الياء، قلت: الزيادة في أوله إذا كانت مفتوحة ظهرت الواو نحو يدعو ويتلو، فإذا ضمت قلبت الواو ألفا؛ لانفتاح ما قبلها فمن أين تجيء الياء؟ وأين الزيادة التي اقتضت ذلك؟ لا جائز أن تكون حرف المضارعة فإنها موجودة في حالة الضم وجودها في حالة الفتح، والضم والفتح حركتان متقابلتان فليس إمالة هذا لأجل الزيادة وإنما لأجل أن الياء ظهرت في الماضي في قولك: دعى، قلبت الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها والمضارع فرع عن الماضي فلهذا اعتقد في ألف تدعى أنها ياء وأميلت مع أن رسم المصحف الكريم فيها بالياء، وقوله تعالى:{فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا} 4 وارد على ما ذكره في هذا البيت فإنه ثلاثي زاد ولا يمال؛ لأن ألفه ليست طرفا وهو لم يشترط الطرف فلهذا ورد والله أعلم.
298-
وَلَكِنَّ أَحْيَا عَنْهُمَا بَعْدَ وَاوِهِ
…
وَفِيمَا سَوَاهُ لِلكِسَائِي مُيِّلا
أي إذا جاء أحيا أو يحيي بعد الواو فإنهما أمالاه، قال في التيسير: واتفقا يعني الكسائي مع حمزة على الإمالة في قوله: "ويحيى"، "ولا يحيى"، {أَمَاتَ وَأَحْيَا} 5 إذا كان منسوقا بالواو وتفرد الكسائي دون حمزة بإمالة:"أحياكم" و"فأحيا به" و"أحياها" حيث وقع، إذا نسق ذلك بالفاء أو لم ينسق لا غير، وإنما ذكر هذا البيت؛ ليبين ما انفرد به الكسائي، ولهذا أتى بحرف "لكن"
1 سورة البقرة، آية:194.
2 سورة المؤمنون، آية:116.
3 سورة طه، آية:64.
4 سورة المائدة، آية:85.
5 سورة النجم، آية:44.
التي للاستدراك وإلا فما اجتمعا عليه من ذلك داخل في ذوات الياء فكأنه قال أمالا الجميع لكن كذا وكذا تفرد به الكسائي ثم استوفى جميع ما انفرد به الكسائي من ذلك وغيره فقال:
299-
وَرُءْيَايَ وَالرءُيَا وَمَرْضَاتِ كَيْفَمَا
…
أَتَى وَخَطَايَا مِثْلُهُ مُتَقَبَّلا
رؤيا: فعلى مستثناة مما فيه ألف التأنيث ومرضاة مفعلة من الرضوان ترجع ألفها إلى الياء في التثنية والجمع فهي كمغزى ومدعى؛ لأن ألفها ترجع إلى الياء في الماضي نحو رضيت، وذكر مكي في الثلاثي الزائد مرضاة وكمشكاة؛ لأن ضابطه ما كانت ألف الإمالة فيه رابعة فصاعدا، فمرضاة مستثناة من ذلك لحمزة بخلاف مزجاة فإنها ممالة لهما وقوله كيف ما أتى يعنى نحو مرضاة الله ومرضاتي بخلاف الرؤيا فإنه لم يملها كيف ما أتت؛ لأن رؤياك لم يملها إلا الدوري عنه كما يأتي فلهذا قال ورؤياي والرؤيا أي هاتان اللفظتان مع ما بعدهما ممال للكسائي وخطايا مثله أي مثل مرضاة يميلها كيف ما أتت نحو:
"خطايانا، خطاياكم، وخطاياهم".
والإمالة في ألفها الأخيرة لأجل الياء قبلها، ولأنها من ياء؛ لأنها جمع خطية بغير همز عند الفراء كهدية وهدايا وعند غيره أصلها خطايىء بياء بعدها همزة فمنهم من يقول همزت الياء كما تهمز في صحائف فاجتمع همزتان، فأبدلت الثانية ياء فاجتمع بعد ألف الجمع همزة عارضة في الجمع وياء فوجب قلب الهمزة ياء والياء ألفا على قياس قولهم مطايا ومنهم من يقول قدمت الهمزة وأخرت الياء ثم فعل ذلك "وأما الحوايا" فأمالها حمزة والكسائي وألفها عن ياء وهو على وزن خطايا، ومتقبلا حال من خطايا أو من ضمير مرضاة ويجوز أن يكون تمييزا على أن يكون متقبلا بمعنى قبولا مثل قولهم على التمرة مثلها زيدا ولا مانع من حيث اصطلاحه من أن يكون متقبلا رمزا وكذا ما بعده من قوله ليس أمرك مشكلا ويجتلا والذي أذعت به إلى آخره ويكون ما في كل بيت لمن رمز له.
فإن قلت هو في باب إمالة حمزة والكسائي فجميعه لا يخلو عنهما أو عن أحدهما ولهذا يذكر ما انفرد به الكسائي ثم يذكر ما اتفقا عليه فيقول مع "القوى" فأمالاها ولو كان ما اعترض به رمزا لما صح له هذا الضمير إذ تقدم جماعة، فلا يتعين من يعود إليه الضمير وكذا يذكر ما تفرد به الدوري ثم يقول ومما أمالاه وذلك مما يدل على أن قوله:"قد انجلا" ليس برمز.
قلت: كل هذا صحيح معلوم أنه ليس برمز في نفس الأمر ولكن من حيث اصطلاحه يوهم ذلك والله أعلم.
300-
وَمَحْيَاهُمُوا أَيْضًا وَحَقَّ تُقَاتِهِ
…
وَفِي قَدْ هَدَانِي لَيْسَ أمْرُكَ مُشْكِلا
أراد: {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ} 1، في الجاثية:{حَقَّ تُقَاتِهِ} 2 في آل عمران، ووافق حمزة الكسائي على إمالة الأول فيها وهو قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} 3.
1 سورة الجاثية، آية:21.
2 سورة آل عمران، آية:102.
3 سورة آل عمران، آية:28.
لأنه رسم بالياء في الأول وفي الثاني بالألف فاتبع الرسم فيهما وكلاهما من ذوات الياء والأصل تقية.
{وَقَدْ هَدَانِ} 1.
في أول الأنعام وصوابه في البيت بغير ياء؛ لأن قراءة الكسائي كذلك والبيت متزن بالقبض وقيده بقد احترازًا من الذي في آخر السورة: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي} 2، وفي الزمر:{لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} 3؛ فإن ذلك ممال لحمزة والكسائي معًا على أصلهما والياء فيهما ثابتة بإجماعهم.
301-
وَفِي الْكَهْفِ أَنْسَاني وَمَنْ قَبْلُ جَاءَ مَنْ
…
عَصَاني وَأَوْصَاني بِمَرْيَمَ يُجْتَلا
أراد: {وَمَا أَنْسَانِيهُ} ، ومن قبل الكهف جاء في إبراهيم:
{وَمَنْ عَصَانِي} 4، {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ} 5.
في مريم ويجتلا ليس برمز:
302-
وَفِيهَا وَفِي طس آتَانِيَ الَّذِي
…
اذَعْتُ بِهِ حَتَّى تَضَوَّعَ مَنْدَلا
أي وفي مريم والنمل لفظ: "آتاني، يريد"، {آتَانِيَ الْكِتَابَ} 6، {آتَانِيَ اللَّهُ} 7؛ بخلاف الذي في هود فإنه ممال لهما، وقوله: أذعت به أي أفشيته من قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} 8؛ أي أفشوه، والمراد أني جهدت بالنص على إمالته ولم أسر ذلك، ولكن في اللفظ إشكال؛ لأنه إن كان فعل هذا قبل هذا الكلام فأين ذكره، وإن كان ما فعله إلا بهذا الكلام لم تصح هذه العبارة؛ لأن حق ما يوصل به الذي يكون معلوما للمخاطب، وهذا لم يعلمه بعد إلا من هذا العبارة فإن جاز ذلك فينبغي أن يجوز أن يقال: جاءني الذي أكرمته ويكون إكرامك له لم يعرف إلا من هذه اللفظ، وهذا لا يجوز فالوجه في هذا أن يقال "الذي" مفعول فعل مقدر وتضرع محذوف إحدى تائيه، وهو مضارع لا ماضٍ وتقدير الكلام خذ هذا الذي أعت به؛ لكي تتضوع أنت أي تفوح رائحة عملك مشبها مندلا، والمندل نوع من الطيب، وموضع في بلاد الهند ينسب إليه العطر، وقيل المندل: العود الهندي.
1 آية: 80.
2 سورة الأنعام، آية:161.
3 سورة الزمر، آية:57.
4 سورة إبراهيم، آية:36.
5 سورة مريم آية: 31.
6 سورة مريم، آية:30.
7 سورة النمل، آية:36.
8 سورة النساء، آية:83.
303-
وَحَرْفُ تَلَاهَا مَعْ طَحَاهَا وَفِي سَجى
…
وَحَرْفُ دَحَاهَا وَهَي بِالْوَاوِ تُبْتَلا
"تلاها، وطحاها" في سورة الشمس، "وسجى" في "والضحى"، و"دحاها" في والنازعات، وأشار بقوله: وهي بالواو إلى علة استثناء حمزة لها وهي كون ألفها عن واو وما تقدم كانت ألفه عن ياء ومعنى تبتلا تختبر وإنما حسن إمالتها للكسائي كونها رءوس آي، فأميلت تبعا لذوات الياء فهو من باب إمالة لإمالة، ولأنها رسمت في المصحف بالياء كأخواتها من ذوات الياء، فلما ألحقت بها كتابة طلبا للمشاكلة ألحقت بها إمالة لذلك والله أعلم.
304-
وَأَمَّا ضُحَاهَا وَالضُّحى وَالرِّبا مَعَ الْـ
…
ـقُوى فَأَمَالاهَا وَبِالْوَاوِ تَخْتَلا
تختلا أي تجتنى، وتحصل من قولهم: اختليت الخال وهو الحشيش إذا جززته وقطعته. أمال حمزة والكسائي هذه الأربعة وإن كانت من ذوات الواو؛ لأن أوائلها إما مضموم أو مكسور فالكسر في واحد وهو الربا والضم في الثلاثة البواقي وهي رءوس آي، ومن العرب من يثنى ما كان بهذه الصفة بالياء وإن كان من ذوات الواو فيقول: ربيان وضحيان فرار من الواو إلى الياء؛ لأنها أخف حيث ثقلت الحركتان بخلاف المفتوح الأول. قال مكي: مذهب الكوفيين أن يثنوا ما كان من ذوات الواو مضموم الأول أو مكسوره بالياء، فأمالا على أصل مذهبهما؛ لأنهما كوفيان ولم يعتبر الأصل، وإنما أفرده الناظم بالذكر وإن كان داخلا تحت قوله: ومما أمالاه أواخر آي ما كما يأتي؛ لأن منه ما ليس برأس آية وهو الربا، وليبين أن الجميع من ذوات الواو والقوى جمع قوة وهو رأس آية في "والنجم"1، ولم يبق عليه إلا ذكر العلا ولكنه لما كان جمع عليا، وقد قلبت الواو في عليا ياء صار كأنه من ذوات الياء والله أعلم.
وأما "الزنا" بالزاي والنون فمن ذوات الياء، فلم يحتج إلى ذكره؛ لأنه ممال لهما على أصلهما.
305-
وَرُؤيَاكَ مَعْ مَثْوَايَ عَنْهُ لِحَفْصِهِمْ
…
وَمَحْيَايَ مِشْكَاةٍ هُدَايَ قَدِ انجَلا
جميع ما في هذا البيت تفرد بإمالته الدوري عن الكسائي دون أبي الحارث، وحفص هو اسم أبي عمرو الدوري، والهاء في عنه تعود إلى الكسائي وأراد ورؤياك المضاف إلى الكاف وهي في أول يوسف دون المضاف إلى الياء والمعرف باللام فهما للكسائي بكماله كما تقدم، وذكر مكي وغيره أن أبا الحارث وافق الدوري في إمالة الرؤيا حيث وقعت، فلم يستثن المضاف إلى الكاف وأما مثواي ففي يوسف:{إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} 2، فالذي تفرد به الدوري هو المضاف إلى الياء، دون قوله تعالى:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} 3، {وَمَثْوَاكُم} 4، و"مثواهم".
1 الآية: 5.
2 الآية: 23.
3 سورة يوسف، آية:21.
4 سورة الأنعام، آية:128.
فأمال الثلاثة حمزة والكسائي على أصلهما في إمالة ذوات الياء:
"ومحياي".
المضاف إلى الياء في آخر الأنعام دون: "ومحياهم"، فذاك للكسائي بكماله كما سبق: و"مشكاة" في النور، ووجه إمالتها الكسرة بعد الألف الميم أيضا كما تميل العرب شملال وأما "هدى" ففي سورة البقرة وطه، أراد المضاف إلى الياء دون المضاف إلى غيرها نحو:"فبهداهم"، و"هداها"، و"الهدى".
ونحوه فذلك ممال لحمزة والكسائي.
306-
وَممَّا أَمَالَاهُ أَوَاخِرُ آيٍ مَّا
…
بـ: طَهَ وَآيِ الْنَّجْمِ كَيْ تَتَعَدَّلا
أي أواخر آي القرآن الذي تراه بسورة طه مما أماله حمزة والكسائي على الأصول المتقدمة، وآي جمع آية كتمر وتمرة، وما بمعنى الذي وبـ "طه" صلتها كما تقول: عرفت ما بالدار أي الذي فيها، أراد الألِفَات التي هي أواخر الآيات مما جميعه لام الكلمة سواء فيها المنقلب عن الياء والمنقلب عن الواو إلا ما سبق استثناؤه من أن حمزة لا يمليه، فأما الألف المبدلة من التنوين في الوقف نحو "همسا" و"ضنكا" و"نسفا" و"علما" و"عزما" فلا تمال لأنها لا تصير ياء في موضع بخلاف لمنقلبة عن الواو فإن الفعل المبني للمفعول تنقلب فيه ألفات الواو ياء فألف التنوين كألف التثنية لا إمالة فيها نحو:{فَخَانَتَاهُمَا} ، {إِلَاّ أَنْ يَخَافَا} ، {اثْنَتَا عَشْرَةَ} .
وأما المنون من المقصور نحو: "هدى"، و"سوى"، و"سدى".
ففي الألف الموقوف عليها خلاف يأتي ذكره في آخر الباب ثم قال: وآي النجم أي أواخر سورة "والنجم"، ثم بين حكمة ذلك فقال: كي تتعدلا يعني رءوس الآي، فتصير على منهاج واحد، وهذه حكمة ترك الإمالة أنسب لها منها؛ لأن الفتح يناسب في كل المواضع الممالة وغيرها، فإن في أواخر الآى من السور المذكورة ما لا يمال وليس فيها ما لا يفتح.
فإن قلت: أراد بالتعديل إلحاق ذوات الواو بذوات الياء في الإمالة لم يتم له هذا؛ لأن حمزة استثنى أربعة مواضع من رءوس الآى فلم يملها فلم يكن في إمالة الباقي تعدل ولو لم يمل الجميع حصل التعدل على أني أقول: لم يكن له حاجة إلى ذكر إمالة أواخر الآي؛ لأن جميع ذلك قد علم مما تقدم من القواعد من ذوات الياء أصلا ورسما، وقد نص على ذوات الواو منها فلم يبق منها شيء، ولهذا لم يتعرض كثير من المصنفين لذكر هذه السور ولا ذكرها صاحب التيسير.
فإن قلت: فيها نحو: "وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحى"1، فمن أين تعلم إمالته؟
قلت: من قوله: وما رسموا بالياء، وقد نبهنا عليه ثَمَّ وكذلك العلى ثم ذكر باقي السور فقال:
307-
وَفِي الشَّمْسِ وَالأَعْلى وَفِي اللَّيْلِ والضُّحى
…
وَفِي اقْرَأْ وَفِي وَالنَّازِعَاتِ تَمَيَّلا
308-
وَمِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ الْقِيَامَةِ ثُمَّ فِي الْـ
…
ـمَعَارِجَ يا مِنْهَالُ أَفْلَحْتَ مُنْهِلا
الضمير في تميلا للمذكور ومراده تميل أواخر أي هذه السور أيضا، والضمير في ومن تحتها للنازعات أراد سورة عبس والجار والمجرور صفة موصوف محذوف كقوله تعالى:{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} ، أي وفي سورة من تحت النازعات ثم في القيامة ثم في المعارج أي وفي سورة سأل سائل، ألا ترى كيف ذكر ما قبلها وما بعدها بحرف في فجملة هذه السور إحدى عشر منها أربع شملت الإمالة أواخر آياتها كلها لقبولها لذلك وهي:"والنجم إذا هوى"، "سبح اسم ربك الأعلى"، "والشمس وضحاها"، "والليل إذا يغشى".
وسبع سور دخلت الإمالة في بعض آياتها وهي التي تقبل الإمالة وهي: طه والمعارج والقيامة والنازعات وعبس والضحى واقرأ باسم ربك، ثم الإمالة في الجميع ليس بعدها ضمير مؤنث إلا في سورتين:"والشمس"، و"النازعات"، أما "والشمس" فاستوعب ضمير المؤنث أواخر آيها وأما "النازعات" ففيها الأمران مرتين ولم يأت آيات في آخرهن ألف مقصورة نسقا إلا في هذه السور، والمنهال الكثير الإنهال والإنهال إيراد الإبل المنهل ومنهلا أي موردا أو معطيا إذ يقال: أنهلت الرجل إذا أعطيته، وانتصب على الحال فكأنه نادى نفسه أو جميع من يعلم العلم وحروف القرآن ورواياته الثابتة من ذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه". والله أعلم.
309-
رَمى "صُحْبَةٌ" أَعْمَى فِي الِاسْراءِ ثَانِيًا
…
سِوًى وَسُدًى فِي الوَقْفِ عَنْهُمْ تَسَبُّلا
جميع ما في هذا البيت إمالة صحبة وهو من ذوات الياء، وسدى من أسديت الشيء إذا أهملته ولا يمال "سوى وسدى".
1 سورة طه، آية:59.
في الوصل؛؛ لأنهما منونان وتبنى إمالتهما في الوقف على خلاف يأتي، والأرجح الإمالة على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى وأراد:"وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى"1، "فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى"2، "مَكَانًا سُوَىً"3، "أَنْ يُتْرَكَ سُدىً"4.
وهذه الأربعة معلوم إمالتها لحمزة والكسائي من القواعد المقدمة، وإنما ذكرها بعد ذلك لموافقة أبي بكر عن عاصم لهما فيها وكان يمكنه أن يقول: رمى شعبة وإنما عدل عنه خوفا من وهم أن ذلك مختص بشعبة وهذه عادته في مثل ذلك على ما سيتضح فيما بعد.
قال الشيخ: "وقوله: تسبلا" أي تحبس يشير إلى ثبوته.
قلت: أظن معناه أبيحت إمالته عنهم من سبلت الماء فتسبل؛ لأن غيرهم لم يسبل إمالته وهو خبر أعمى فما بعده أي إضجاع ذلك نقل عنهم والإضجاع من أسماء الإمالة، وإنما قدرت المحذوف بها لتذكير الضمير فيه، وفي الإسراء في موضع الحال عاملها المضاف المحذوف أي إمالة أعمى في حال كونه في الإسراء ثانيا.
"وسوى وسدى" عنهم تسبل ورمى صحبة أي أماله صحبة والله أعلم.
310-
وَرَاءُ تَراءَى "فـ"ـَازَ فِي شُعَرَائِهِ
…
حُـ"ـكْمُ "صُحْبَةٍ" أَوّلا
وَأَعْمى فِي الِاسْرا "
الهاء في شعرائه تعود على الراء أو لفظ تراءا؛ لأن كل واحد منهما في السورة المذكورة فهو كقولك غلام زيد في داره ولفظ تراءا وزنه تفاعل، ففيه ألفان بينهما همزة الأولى زائدة والثانية لام الكلمة منقلبة عن ياء فإذا وقف عليها أميلت الثانية لحمزة والكسائي على أصلهما في إمالة ما كان من الألفات من ذوات الياء طرفا غير أن حمزة يجعل الهمزة بين بين على أصله وأضاف إلى ذلك أن إمالة الألف الأولى لمجاورة الثانية فهو من باب إمالة الإمالة ولهذا لم يمل الراء من قوله تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} 5 لما لم تكن فيها إمالة تسوغ ذلك، وليست الألف أصلية منقلبة عن ياء بل هي زائدة؛ لأنها ألف تفاعل، ولم يجاورها كسر فلا إمالة فيها ولا نظر إلى كونها بعد راء والعرب تستحسن إمالة الألف قبل الراء وبعدها نحو:"ترى" و"النار" ما لا تستحسنه في غير ذلك ولهذا أمالهما أبو عمرو؛ لأن الألف في كل ذلك إما منقلبة عن ياء أو هي ألف تأنيث أو مجاورة لكسر نحو: "ترى، وبشرى، وأبصارهم".
والراء المفتوحة تمنع الإمالة إلا أن يوجد أحد أسباب الإمالة ثم من ضرورة إمالة الألفين في تراءا
1 سورة الأنفال، الآية:17.
2 سورة الإسراء، الآية:72.
3 سورة طه، الآية:58.
4 سورة القيامة، الآية:36.
5 سورة الأنفال، الآية:48.
إمالة الراء والهمزة قبلها، فبقيت الهمزة المسهلة بين ألفين ممالتين وهي في نفسها ممالة فتجاورت أربعة أحرف ممالة في الوقف فإذا وصلت سقطت الألف الثانية؛ لوجود الساكن بعدها فبطلت الإمالة في الهمزة وبقيت إمالة الألف الأولى والراء قبلها لحمزة وحده، فعبر الناظم عن ذلك بإمالة الراء؛ لأن من ضرورتها إمالة الألف بعدها وهي عبارة صاحب التيسير ولم يذكر ذلك في باب الإمالة بل في سورة الشعراء فقرا حمزة:"فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ"1 بإمالة فتحة الراء، وإذا وقف أتبعها الهمزة فأمالها مع جعلها بين بين على أصله فتصير بين ألفين ممالتين الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء والثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة ألا ترى كيف عبر عن إمالة الألفين بإمالة ما قبلهما مجازا وجعلهما أصلين في ذلك والحق عكس ذلك وهو أن ما قبل الألفين أميلا لإمالة الألفين تبعا لهما والتعبير بذلك في الراء أقرب منه في الهمزة؛ لأن الراء في الجملة قد أميلت حيث لا ألف مجاورة لها كما يأتي في باب ترقيق الراءات في:"رءا القمر" في الوصل وبه قرأ حمزة أمال الراء والألف بعدها وقد تجوز الناظم أيضا بهذه العبارة فيه هنا عن إمالة الألف الذي بعد الراء بإمالة الراء فقال: وراء تراءا، فاز أي إضجاعها أو فاء بالإمالة وعبر في سورة الأنعام في نحو:
"رءا كوكبا"، "ورأى القمر".
عن إمالة الألف بإمالة الهمزة، فقال: وفي همزه حسن، وقال وقل في الهمز خلف مع أن الهمز لو تجرد عن الألف لم تقع فيه إمالة أبدا وإنما أماله من أمال في الوصل في:"رءا القمر"؛ نظرا إلى الأصل ولم يعتد بعارض حذف الألف للساكن، وسيأتي الكلام في نحو هذا في آخر هذا الباب ولما لم يكن هذا المذهب في قراءة حمزة في:"رءا القمر"؛ بل اقتصر على إمالة الراء فعل مثل ذلك في: "تراءا الجمعان" في الوصل فأمال الراء دون الهمزة وأما: "أعمى" الأول في سورة الإسراء فأماله أبو عمرو موافقا لصحبة وخالفهم في الثاني كما سبق إما جمعا بين اللغتين
1 سورة الشعراء، الآية:61.
وإما لفرق ذكروه وهو: أن الثاني عنده أفعل التفضيل فكأن ألفه لم يقع طرفا؛ لافتقاره إلى من المقدرة وصاغ ذلك؛ لأنه من العمى المجازي وهو عمي القلب دون الحقيقي الذي هو عمى العين، فلهذا بنى أفعل منه أي من كان جاهلا للحق في الدنيا فهو في الآخرة أجهل وأضل ومن أمالهما أو فتحهما سوى بينهما وإن اختلفا في المعنى؛ لأن الألف فيهما عن ياء ولهم أن يقولوا ليس الثاني أفعل تفضيل بل هو اسم فاعل من العمى كالأول؛ أي من كان أعمى في الدنيا عن الحق فهو أعمى أيضا في الآخرة، وعند هذا يجوز أن يكون من العمى المجازي كالأول، ويجوز أن يكون حقيقة كما في قوله تعالى في طه:{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} 1، فهذا دليل على أنه عمى العين؛ إذ كان بصيرا بها قبل ذلك ولم يكن المذكور بصيرا بقلبه وقال سبحانه في آخر سورة الإسراء:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} 2.
فقول الناظم "أولا" ليس برمز وإنما هو بيان لموضع أعمى فهو من تتمة بيان الحرف المختلف فيه وهو حال من أعمى؛ أي وإمالة أعمى أولا في الإسراء حكم صحبة، فهو من القبيل الذي جاء الرمز فيه متوسطا في أثناء التقييد كما نبهنا عليه في شرح الخطبة مثل قوله: دار واقصر مع مضعفة، وقد فصل الناظم بمسألة تراءا بين لفظي أعمى في الإسراء ولو اتصلا لكان أولى، فيقول:
واعمى في الاسرا أوَّلا حكم صحبة
…
وراء تراءا بالإمالة فصِّلا
فيجئ الرمز لأعمى بعد كمال قيده بقوله: أولا، ولولا أن همزة تراءا لا تمال إلا في الوقف لقلت وراء تراءا فاز والهمز شمللا والله أعلم.
311-
وَمَا بَعْدَ رَاءٍ "شَـ"ـاعَ "حُـ"ـكْمًا وَحَفْصُهُمْ
…
يُوَالِي بِمَجْرَاهَا وَفي هُودَ أُنْزِلا
حكما تمييز، ي ما وقع من الألفات بعد راء فقل شاع حكمه في الإمالة؛ وذلك لما ذكرته من مجاورتها للراء، قال الكسائي: للعرب في كسر الراء رأي ليس لها في غيره، وروي عن أبي عمرو أنه قال: أدركت أصحاب ابن مجاهد وهم لا يكسرون شيئا من القرآن إلا نحو:
"وما أدراك"، و"أفترى"، "وترى".
أي أمال ذلك حمزة والكسائي وأبو عمرو ومثاله: "ذكرى"، و"اشترى"، و"النصارى"، و"القمر".
وتابعهم حفص في إمالة: {مَجْرَاهَا} .
1 سورة طه، الآيتان: 124 و125.
2 الآية: 97.
في سورة هود ولم يمل غيره وهو وحمزة والكسائي يقرءونها بفتح الميم كما يأتي في السورة وغيرهم بالضم وأما إمالة ألف مرساها فلحمزة والكسائي على أصلهما؛ لأنها عن ياء ولم تجاور راء، وقوله: يوالي أي يتابع، ووجه الكلام وحفص يواليهم، فنقل الضمير من يوالي إلى حفص، فقال: وحفصهم يوالي، والكل صواب، وجعل في هذا البيت الإمالة؛ لما بعد الراء وهو الألف على ما ذكرنا أن هذا هو الحق في التعبير عن ذلك وإمالة الراء قبل الألف تبع لها وما ذكره في إمالة:"تراءا" مجاز والله أعلم.
312-
نَأَى "شَـ"ـرْعُ يُـ"مْنٍ" بِاخْتِلَافٍ وَشُعْبَةٌ
…
في الِاسْرَا وَهُمْ وَالنُّونُ "ضَـ"ـوْءُ "سَـ"ـنًا "تـ"ـلا
أي إمالة ألف "نأى" شرع يمن؛ لأنها عن ياء، والمشهور عن السوسي الفتح، ووافقهم شعبة على إمالتها في سورة الإسراء دون فصلت، فلهذا قال: وهم، أي وهم وشعبة أمالوا التي في سبحان وإنما احتاج إلى قوله: وهم؛ لما ذكرناه في قوله: رمى صحبة، ولم يقل شعبة ثم قال: والنون يعني إمالة النون من نأى أمالها خلف والكسائي لأجل إمالة ما بعدها وهو سبب من أسباب الإمالة وأسباب الإمالة التي يذكرها أهل العربية هي انقلاب الألف عن الياء أو عن كسرة أو مجاورتها لواحدة منها أو لإمالة ولم يأت ذلك للقراء في غير هذا الحرف فلم يقرأ: "هدى"، ولا "رمى"، ولا "نهار".
ولا نحو ذلك في هذه الطرق المشهورة وقوله: والنون مبتدأ وضوء سنا خبره أي وإمالة النون ضوء أي ذات ضوء أي لها وجه ظاهر مضيء وأضافه إلى السنا ومعناه الضوء؛ لاختلاف اللفظين نحو:
كجلمود صخر خطه السيل من علِ
وتلا: خبر بعد خبر ومعناه تبع أي أميل تبعا لما بعده لا بطريق الأصالة، ويجوز نصب ضوء سنا بقوله: تلا ويكون تلا وحده خبر المبتدأ، والثناء على هذا؛ لإمالة ما بعد النون والله أعلم.
313-
إِنَاهُ "لَـ"ـهُ "شَـ"ـافٍ وَقُلْ أَوْ كِلَاهُمَا
…
"شَـ"ـفَا وَلِكَسْرٍ أَوْ لِيَاءٍ تَميَّلا
أي لإمالته دليل شاف، وهو أن ألفه منقلبة عن ياء من أنى يأنى بمعنى آن يئين آي حان يحين، ومنه قول الشاعر فجمع بين اللغتين:
ألما يئن لي أن تقضَّى عمايتي
…
وأُعرِض عن ليلى بلى قد أنا ليا
وقال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} 1.
وأصل "أنا": "أني" تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فقال أنا الطعام يأني إناء إذا بلغ حال النضج، فمعنى قوله تعالى:{غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي غير متحينين وقت نضجه وإدراكه فأمال ألف إناه هشام مع حمزة والكسائي، وأما كلاهما في سبحان فوجه إمالة ألفه كسرة الكاف إن قلنا إن الألف منقلبة عن واو ولا يضرنا حجز اللام بينهما كما أمالت العرب عماد وإن قلنا ألفه عن ياء فظاهر فلهذا قال: ولكسر أولياء تميلا، وقياس هذا أن تمال كلتا إذا وقف عليها من قوله:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} 2، ولأنها على وزن فعلى عند قوم قال الداني في كتاب الإمالة يجوز إمالتها مشبعة وغير مشبعة في مذهب من تقدم وعامة القراء وأهل الأداء على القول الأول يعني عدم الإمالة والله أعلم.
وذكر مكي أيضا فيها الوجهين وإنما احتاج الناظم إلى ذكر الإمالة في كلمة كلاهما خوفا من عدم دخولها في قاعدة ذوات الياء على قولنا إنها من ذوات الواو ولم ترسم بالياء فنص عليها لذلك وإلا فلم يوافق حمزة والكسائي على إمالتها غيرهما ولم يذكر من قوله رمى صحبة إلى هاهنا إلا المواضع التي وافقهما على الإمالة فيها غيرهما مما لو تركه لا ندرج فيما سبق وأما راء: "تراءا".
فلا اندراج لها فيما تقدم فنص عليها لحمزة وحده والله أعلم.
314-
وَذُوا الرَّاءِ وَرْشٌ بَيْنَ بَيْنَ وَفي أَرَا
…
كَهُمْ وَذَوَاتِ اليَا لَهُ الخُلْفُ جُمِّلا
شرَعَ يبين مذهب ورش عن نافع وجميع إمالته في القرآن بين بين إلا الهاء من: "طه"؛ فإنها إمالة محضة على ما سيأتي في أول سورة يونس وصفة إمالة بين بين أن يكون بين لفظي الفتح والإمالة المحضة كما تقول في همزة بين بين إنها بين لفظي الهمز وحرف المد فلا هي همزة ولا حرف مد، فكذا هنا لا هي فتح ولا إمالة وأكثر الناس ممن سمعنا قراءتهم أو بلغنا عنهم يلفظون بها على لفظ الإمالة المحضة ويجعلون الفرق بين المحضة وبين بين رفع الصوت بالمحضة وخفضه بين بين وهذا خطأ ظاهر فلا أثر لرفع الصوت وخفضه في ذلك ما دامت الحقيقة واحدة وإنما الغرض تمييز حقيقة المحضة من حقيقة بين بين وهو ما ذكرناه فلفظ الصوت بين بين يظهر على صورة اللفظ بترقيق الراءات وقد أطلق العلماء على ترقيق الراءات لفظ بين بين فدل على ما ذكرناه، وإن كان الأمر في اتضاحه لا يحتاج إلى شاهد.
قال صاحب التيسير: اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين.
1 سورة الحديد، الآية:16.
2 سورة الكهف، الآية:33.
وقال في باب الإمالة: وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين فعبر في البابين بعبارة واحدة فدل على اتحاد الحقيقة فيهما وكذا ذكر في كتاب الإمالة هو وأبو الطيب ابن غلبون قبله.
ومعنى قوله وذو الراء ورش أي يقرؤه ورش بين بين.
ومعنى قولهم بين بين وبين اللفظين واحد.
واللفظان هما الفتح والإمالة؛ أي بين هذا وبين هذا، وهو معنى قول مكي: هو صوت بين صوتين، وحكى ابن مهران عن خلف قال: سمعت الفراء النحوي "يحيى ابن زياد" يقول: أفرط عاصم في الفتح، وأفرط حمزة في الكسر. قال: وأحَبُّ إليَّ أن تكون القراءة بين ذلك.
قال خلف: فقلت له: ومن يطيق هذا؟ قال: كذلك ينبغي أن تكون القراءة بين الفتح والكسر مثل قراءة أبي عمرو رحمه الله وإنما يترك ذلك من يتركه لما لا يقدر عليه؛ لأنه أمر صعب شديد.
قلت: صدق ولصعوبته غلب على ألسنة الناس جعله كالإمالة المحضة، وفرقوا بينهما برفع الصوت وخفضه وهو خطأ، وأسهل ما يظهر فيه إمالة بين بين: الراء فهو في نحو: "ذكرى" أشد بيانا فافهم ذلك وابْنِ عليه.
وعني الناظم بقوله: وذو الراء ما كانت الألف الممالة المتطرفة فيه بعد الراء نحو:
"قد نرى" و"القرى". وهو الذي وافق أبو عمرو وحمزة والكسائي في إمالته في قوله: وما بعد راءٍ شاع حكما، ولا يدخل في ذلك ما بعد راء:
"تراءا الجمعان"1؛ فإنها ليست بمتطرفة ولكنها واردة على إطلاقه؛ فإنه لم يقيدها بالألف المتطرفة كما لم يقيد ألفات ذوات الياء في أول الباب، وأما قوله تعالى:{وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} 2 فعن ورش فيه وجهان: الفتح وبين بين، والفتح رواية المصريين؛ لبعد الألف عن الطرف؛ لكثرة الحروف المتصلة بها بعدها والوجهان جاريان له في ذوات الياء والصحيح وجه بين بين وعليه الأكثر. قال في التيسير: وهو الذي لا يوجد نص بخلافه عنه، وقال في موضع آخر: وهو الصحيح الذي يؤخذ به رواية وتلاوة.
وليس يريد الناظم بقوله: "ذوات الياء" تخصيص الحكم بالألفات المنقلبات عن الياء؛ فإن إمالة ورش أعم
1 سورة الشعراء، الآية:61.
2 سورة الأنفال، الآية:43.
من ذلك فالأولى حمله على ذلك، وعلى المرسوم بالياء مطلقا مما أماله حمزة والكسائي أو تفرد به الكسائي أو الدوري عنه أو زاد مع حمزة والكسائي في إمالته غيرهما نحو:"رمى"، و"أعمى"، و"نأى"، و"إناه".
ودخل في ذلك ما فيه ألف التأنيث من فعلى وفعالى كيف تحركت الفاء وكذلك: "ألَّ"، و"متى"، و"عسى"، و"بلى".
وكل ثلاثي زائد:
كـ "أزكى"، و"تدعى"، وكذا "خطايا"، "ومزجاة"، "وتقاة"، "وحق تقاته"، "والرءيا"، "كيف آسى"، و"مثواي"، و"محياي"، و"هداي".
وقد نص على ذلك كله أبو عمرو الداني في كتاب الإمالة مفرقا في أبوابه، وكشفت الأبواب التي فيه ذوات الواو مما جازت إمالته لحمزة والكسائي أو الكسائي وحده، فوجدته لم يذكر لورش بين بين، في:
"مشكاة، ولا "مرضاة" ولا "كلاهما" وأما "تلاها" و"دحاها" و"طحاها" فساقها في باب فعل المعتل اللام نحو: "أتى" و"سعى" و"قضى" و"سجى"، وقال في آخره: وقرأ نافع الباب كله على نحو ما تقدم من الاختلاف عنه في ذوات الياء، وأقرأني ابن غلبون لورش بفتح جميع ذلك إلا ما وقع منه رأس آية في سورة، أواخر آيها على ياء وليس بعد الياء كناية مؤنث فإنه بين اللفظين.
قلت: فخرج من مذهب ابن غلبون أن ورشا يميل: "سجى" في سورة والضحى؛ لأنه رأس آية وليس في آخرها هاء ولا يميل: "دحاها" و"تلاها" و"طحاها" ويميل الجميع على الرواية الأولى وسنوضح ذلك أيضا في البيت الآتي، وأما ما كسر أوله أو ضم من ذوات الواو وهو الذي اتفق حمزة والكسائي على إمالته وهو:"ضحاها" و"الضحى" و"الربا" و"القوى" ففيه نظر؛ فإن الداني جمع في باب واحد من كتاب الإمالة ذكر الأسماء المقصورة في القرآن سواء انفتح أولها نحو: "الهوى" و"فتاها". أو انكسر نحو:
"الربا، والزنا"، أو انضم نحو:"الهدى، والضحى، والقوى".
وقال في آخره: وقرأ نافع جميع ذلك على ما تقدم من الاختلاف عنه في باب فعل.
واقرأني ابن غلبون لورش ما كان من ذلك فيه راء أو وقع رأس آية ولم يتصل بها ضمير مؤنث بين اللفظين وما عدا ذلك بإخلاص الفتح.
قلت: فحصل لنا من ظاهر مجموع ذلك أن رءوس الآي مما لا هاء فيه تمال بلا خلاف، "كالضحى" و"القوى"، وما فيه الهاء من رءوس الآى كالذي لا هاء فيه من غير رءوس الآى ففيه الوجهان: كـ "ضحاها" و"تلاها""وجلاها" و"بناها"، واستخراج ذلك من كتاب التيسير مشكل؛ فإنه ذكر ذوات الياء ثم قال: وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلا ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء؛ فإنه أخلص الفتح فيه على خلاف بين أهل الأداء في ذلك.
هذا ما لم يكن في ذلك راء يعني فإنه يميله بلا خلاف بين بين نحو: "ذكراها"، كما يميل:"ذكرى" في غير رءوس الآي، وهو داخل في قوله: وذو الراء ورش بين بين، ثم ذكر صاحب التيسير ما تفرد الكسائي بإمالته وفيه أربع كلمات من ذوات الواو:"سجى" و"دحاها" و"تلاها" و"طحاها""وفيه""مرضاة"، وذكر في الفصل بعينه ما اتفقا عليه من إمالة:"الضحى" و"الربا"، و"كلاهما". ثم قال: وقد تقدم مذهب ورش في ذوات الياء، وهذه العبارة تحتمل معنيين؛ أحدهما: أن يريد أنه فعل في هذا الفصل ما فعله في ذوات الياء فيلزم من ذلك أنه يميل: "مرضاة" و"كلاهما" كما يميل: "الربا" و"الضحى" و"سجى" و"دحاها"، ولم أره في كتاب الإمالة ذكر لورش إمالة فيهما. والثاني: أن يريد أنه أمال من هذا الفصل ما كان من ذوات الياء كما تقدم فيلزم من ذلك أن لا يميل ذوات الواو في رءوس الآي ولا الربا، وقد ذكرنا عبارته من كتاب الإمالة وهي تقتضي إمالة ذلك، ثم ذكر صاحب التيسير ما انفرد الدوري بإمالته، ثم قال: وفتح الباقون ذلك كله إلا قوله عز وجل:
"رءياك"؛ فإن أبا عمرو وورشًا يقرآنه بين بين على أصلهما ولم يستثن: "مثواي" ولا "محياي" و"هداي"، وهي ممالة لورش بين بين؛ لأنها من ذوات الياء، فأعمل على ما ذكره في كتاب الإمالة؛ فإنه بين فيه مذهب ورش في كل فصل وباب وحرف، وأما:"الدنيا" و"العليا" فممالان؛ إذ إنهما من باب فعلى إلا أنهما من ذوات الواو ولم يرسما بالياء فلا يمكن إدخالهما في قوله: وذوات اليا؛ فإنهما ليسا من ذوات الياء أصلا ولا رسما، وإنما هما منها إلحاقا؛ فإن ألفهما ألف تأنيث ترجع ياء في التثنية والجمع والله أعلم.
فهذا البيت والذي بعده من مشكلات هذه القصيدة، واستخراج مذهب ورش منهما صعب لا سيما إذا أريد ضبط مواضع الوفاق والخلاف، وقد تحيلنا في إدخال كثير مما أماله في قوله: ذوات اليا باعتبار الأصل والرسم والإلحاق، وأما كل ما أماله من ذوات الواو فهو رأس آية، سيأتي بيانه وشرحه في البيت الآتي إلا لفظ "الربا"؛ فإنه ليس برأس آية وفي إمالته نظر عن ورش على ما دل عليه كلام الداني في كتاب الإمالة، ولكنه نص في كتاب إيجاز البيان على أن جميع ما كان من ذوات الواو في الأسماء والأفعال نحو:"الصفا"، و"الربا"، و"عصاي"، و"سنا برقه"، و"شفا جرف"، و"مرضاة الله"، و"خلا"، و"عفا"، و"دعا"، و"بدا"، و"دنا"، و"علا"، و"ما زكى"؛ فورش يخلص الفتح في جميعه إلا ما وقع آخر آية نحو:"الضحى"، و"سجى"، وكذا:"وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحى"1 عند الوقف والله أعلم.
315-
وَلكِنْ رُءُوسُ الآيِ قَدْ قَلَّ فَتْحُهَا
…
لَهُ غَيْرَ مَا هَا فِيهِ فَاحْضُرْ مُكَمَّلا
يعني: أن رءوس الآي لا يجري فيها الخلاف المذكور بل قراءته لها على وجه واحد وهو بين اللفظين، وعبر عن ذلك بقوله: قد قل فتحها؛ يعني: أنه قلله بشيء من الإمالة، وقد عبر عن إمالة بين بين بالتقليل في مواضع كقوله: وورش جميع الباب كان مقللا، و: التقليل جادل فيصلا، و: قلل في جود، و: عن عثمان في الكل قللا، وأراد برءوس الآي جميع ما في السور المذكورة الإحدى عشرة سواء كان من ذوات الواو أو من ذوات الياء، وقد نص الداني على ذلك في كتاب إيجاز البيان، وإنما لم يجيء وجه الفتح فيها إرادة أن تتفق ألفاظها ولا يختلف ما يقبل الإمالة منها، وذلك أن منها ما فيه راء نحو:
1 سورة طه، الآية:59.
"الثرى" و"الكبرى"، وذاك ممال لورش بلا خلاف، فأجرى الباقي مجراه؛ ليأتي الجميع على نمط واحد، ثم استثنى من ذلك ما فيه هاء أي غير ما فيه لفظ هاء نحو:"ذكراها" و"بناها" و"طحاها"، وهذا التقدير أولى من أن يقول: تقديره غير ما هاء فيه أي ما فيه هاء بالمد؛ لما يلزم في ذلك من قصر الممدود والابتداء بالنكرة من غير ضرورة إلى ذلك، ولأنه يوهم أيضا استثناء ما فيه مطلق الهاء فيدخل في ذلك هاء المذكر نحو:"تقواهم" و"ذكراهم". وإنما المراد هاء ضمير المؤنث.
قال الشيخ: وهو ينقسم على ثلاثة أقسام: ما لا خلاف عنه في إمالته نحو: "ذكراها". وذلك داخل في قوله: وذو الراء ورش بين بين.
وما لا خلاف عنه في فتحه نحو: "ضحاها". وشبهه من ذوات الواو.
وما فيه الوجهان: وهو: ما كان من ذوات الياء.
قلت: وتبع الشيخ غيره في ذلك وعندي أنه سوى بين جميع ما فيه الهاء سواء كانت ألفه عن ياء أو واو، فيكون في الجميع وجهان، وقد تقدم ما دل على ذلك من كلام الداني في كتاب الإمالة، وقال أيضا في الكتاب المذكور: اختلف الرواة وأهل الأداء عن ورش في الفواصل إذا كن على كناية المؤنث نحو آي: "والشمس وضحاها"، وبعض آي:"والنازعات"، فأقرأني ذلك أبو الحسن عن قراءته بإخلاص الفتح، وكذلك رواه عن ورش أحمد بن صالح، وأقرأنيه أبو القاسم وأبو الفتح عن قراءتهما بإمالة بين بين، وذلك قياس رواية أبي الأزهر وأبي يعقوب وداود عن ورش. قلت: وجه المغايرة بين ما فيه ضمير المؤنث وغيره من رءوس الآى أن الألف في: "ضحاها"، ونحوه ليست طرفا للكلمة يحصل بإمالتها مشاكلة رءوس الآي بل المشاكلة حاصلة بضمير المؤنث فلم
تكن حاجة إلى إمالة الألف قبله فصارت الكلمة كغيرها مما ليس برأس آية فجرى فيها الخلاف ومن سوى في الإمالة بين: "ضحاها" و"الضحى" قصد قوة المشاكلة بالإمالة وضمير المؤنث، فتقع المشاكلة طرفا ووسطا، وقوله: فاحضر مكملا أي لا تغب عنه، فالمذكور مكمل البيان، فيكون مكملا مفعولا به أي احضر كلاما مكملا أو يكون التقدير احضر رجلا مكملا في هذا العلم يفهمك إياه؛ أي لا تقتد ولا تقلد إلا مكمل الأوصاف كمالا شرعيا معتادا، فالكمال المطلق إنما هو لله عز وجل ويجوز أن يكون مكملا نعت مصدر محذوف أو حالا أي احضر حضورا مكملا أي لا تكن حاضرا ببدنك غائبا بذهنك وخاطرك، أو احضر في حال كونك مكملا أي بجملتك من القلب والقالب والله أعلم.
وإنما قال ذلك على أي معنى قصده من هذه المعاني لصعوبة ضبط مذهب ورش هنا فأشار إلى تفهمه والبحث عنه وإلقاء السمع لما يقوله الخبير به، وقد تخلص من مجموع ما تقدم أن ورشا يميل بين اللفظين كل ألف بعد راء، ورءوس الآي غير المؤنثة بلا خلاف وفي المؤنثة الخالية من الراء وفي كلمة:"أراكهم". في ذوات الياء انقلابا أو رسما أو إلحاقا خلاف ولا يميل: "مرضاة" ولا "كلا" ولا "كمشكاة" ولا "الربا". من مجموع ما تقدم إمالته وباقي ما تقدم لورش على التفصيل المذكور ووقع لي في ضبط ذلك بيتان فقلت:
وذو الراء ورش بين بين وفي رُءُو
…
س الَاي سوى اللاتي تحصلا
بها وأراكهم وذي اليا خلافهم
…
كلا والربا مرضاة مشكاة أهملا
فذكر أولا ما يميله بلا خلاف ثم ما فيه وجهان ثم ما امتنعت إمالته والله أعلم.
316-
وَكَيْفَ أَتَتْ فَعْلَى وَآخِرُ آيِ مَا
…
تَقَدَّمَ لِلبَصْرِي سِوى رَاهُمَا اعْتَلا
أي وأميل لأبي عمرو بين بين فعلى كيف أتت بفتح الفاء، نحو:"تقوى" و"شتى" و"يحيي" أو بكسرها نحو: "إحدى" و"عيسى" أو بضمها نحو: "الحسنى" و"موسى"، وكذا أواخر الآي من السور المقدم ذكرها، وعطف ذلك على قراءة ورش، فعلم أنها بين اللفظين فلا يزال في ذلك إلى أن يذكر الإمالة لحمزة مثل ما أنه قال: وإدغام باء الجزم وعطف عليها مسائل أخر، ولم يذكر الإدغام، فحملت عليه إلى أن قال: ويس أظهر وعطف المسائل إلى آخر الباب وحمل الجميع على الإظهار وقوله: سوى راهما اعتلا أي سوى ما وقع من بابي فعلى ورءوس الآي بالراء قبل الألف نحو:
"ذكرى"، "وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ"1، "هُدىً وَبُشْرَى"2، "رسلنا تترى"3، {وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} 4 و {مَآرِبُ أُخْرَى} 5، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} 6.
فإنه يميله إمالة محضة على ما تقدم له من ذلك في قوله وما بعد راء شاع حكما فالضمير في راهما يعود على فعلى وعلى آخر آي ما تقدم وقصر لفظ الراء ضرورة كما قصر الياء من قوله وذوات الياله الخلف وفي جملا ضمير يعود على الخلف ويجوز أن تكون الألف فيه للتنبيه لأن معنى الخلف وجهان فكأنه قال وجهان جملا كما قال ذلك في باب المد والقصر وقوله اعتلا الضمير فيه عائد على الراء أي اعتلا في الإمالة أو يعود على الإضجاع أي اعتلت الإمالة فيه فكانت محضة، وقد اختلف في سبعة مواضع من تلك السور أهي رأس آية أم لا، فيبنى مذهب أبي عمرو وورش على ذلك الأول في طه:{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} 7، عدها الشامي وحده.
والثاني فيها أيضا: "هذا إلهكم وإله موسى"، عدها المدني الأول والكوفي.
والثالث فيها أيضا: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} 8، لم يعدها الكوفي.
والرابع في والنجم: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى} 9، عدها الشامي.
والخامس في والنازعات: "فأما من طغى"، لم يعدها المدني.
والسادس في والليل: "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى"، لم يعدها بعض أهل العدد وهو غلط.
والسابع في اقرأ: "أرأيت الذي ينهى". تركها الشامي.
وليس قوله:
1 سورة الشعراء، آية:209.
2 سورة البقرة، آية:97.
3 سورة المؤمنون، آية:44.
4 سورة طه، آية:6.
5 سورة طه، آية:18.
6 سورة طه، آية:61.
7 سورة طه، آية:88.
8 سورة البقرة، آية:28.
9 سورة النجم، آية:290.
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} في سورة والليل برأس آية، وقوله تعالى:{فَأَوْلَى لَهُمْ} ، {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، قيل هو أفعل وقيل هو فعلى، وقوله تعالى:{يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً} ، هو مفعل وليس فعلى. قال مكي: واختلف عنه في: "يحيى"؛ فمذهب الشيخ أنه بين اللفظين وغيره يقول بالفتح؛ لأنه يفعل.
قلت: يعني "يحيى" اسم النبي عليه السلام، وأما نحو:{وَيَحْيَى مَنْ حَيّ} ، فهو يفعل بلا خلاف كـ "يسعى" و"يخشى" ويصلى" فاعلم ذلك.
316-
وَيَا وَيْلَتَى أَنَّى وَيَا حَسْرَتى "طَ"ـوَوْا
…
وعَنْ غَيْرِهِ قِسْهَا وَيَا أَسَفَى العُلا
يعني أن الدوري عن أبي عمرو أمال هذه الكلم الأربع بين بين وهذا الحكم منقول في التيسير وغيره عن أبي عمرو البصري نفسه لكنه قال من طريق أهل العراق وتلك طريق الدوري قال ومن طريق أهل الرقة بالفتح يعني طريق السوسي وروي عنه فتحها وروي فتح: {يَا أَسَفَى} . وإمالة الثلاثة الباقية، وهذه طريق أبي الحسن ابن غلبون، ووالده أبي الطيب فلهذا اختزل الناظم:{يَا أَسَفَى} عن أخواتها، وألحقها بها، أرادوا: يا أسفى كذلك، وكأنه أشار بقوله: طووا إلى ذلك أي طووه ولم يظهروه إظهار غيره فوقع فيه اختلاف كثير، ثم قال: وعن غير الدوري قسها على أصولهم فتميل لحمزة والكسائي؛ لأن الجميع من ذوات الياء رسما، وقد تقدم الكلام في:{أَنَّى} .
والألف في: "ويلتى" و"حسرتى" و"أسفى" منقلبة عن ياء، والأصل إضافة هذه الكلمات إلى ياء المتكلم وتميل لورش بين اللفظين على أصله في ذوات
الياء بخلاف عنه وافتح للباقين، وإن كان ظاهر ما في التيسير أن ورشا لا يميلها؛ لأنه ذكر مذهب أبي عمرو، ثم قال: وأمال ذلك حمزة والكسائي على أصلهما، وقرأه الباقون بإخلاص الفتح في جميع ما تقدم. وقوله: العلا صفة لهذه الكلمات أي هي العلا، ولو قال:"ويا أسفى على" لكان أحسن؛ لأنه لفظ القرآن.
فإن قلت: إنما عدل عنه؛ لئلا يلتبس ويوهم أن "على" من جملة الكلمات الممالة وأن التقدير: ويا أسفا وعلى، قلت: زال هذا الإلباس بنصه فيما سبق على أن على لا تمال سلمنا الإلباس لكنا نقول: الإلباس أيضا واقع في قوله: العلا؛ فإنه من ألفاظ القرآن أيضا، فيقال لعله أراد والعلا، ولفظ العلا لا يختص الدوري بإمالته بين اللفظين بل ذلك لأبي عمرو بكماله ولورش؛ لأنهما رأس آية ثم إنه يلتبس أيضا من وجه آخر؛ لأنه يوهم أنه رمز لنافع في ويا أسفى وتكون الواو في يا أسفى للفصل والله أعلم.
317-
وَكَيْفَ الثُّلَاثِي غَيْرَ زَاغَتْ بِمَاضِيٍ
…
أَمِلْ خَابَ خَافُوا طَابَ ضَاقَتْ فَتُجْمِلا
أي: وكيف أتى اللفظ الذي على ثلاثة أحرف من هذه الأفعال العشرة التي يأتي ذكرها بشرط أن تكون أفعالا ماضية فأملها لحمزة، وكلها معتلة العين، والإمالة واقعة في وسطها بخلاف ما تقدم كله؛ فإن الإمالة كانت واقعة في الطرف وكلها من ذوات الياء إلا واحد وهو خاف أصله خوف فأميل لأجل الكسرة التي كانت في الواو، ولأن الخاء قد تنكسر في نحو: خفت إذا رددت للفعل إلى نفسك أو إلى مخاطبك كما تكسر أوائل أخواتها لذلك، ولأن الألف قد تنقلب ياء إذا بني الفعل لما لم يسم فاعله نحو: خيف زيد، و:{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} .
وزيد في المال، ورين على قلبه، ذكر في هذا البيت أربعة من العشرة وهي: خاب وخاف وطاب وضاق ومثل بالفعل المجرد في خاب وطاب والمتصل بالضمير في خافوا وبالملحق به تاء التأنيث في ضاقت واستثنى من هذا لفظا واحدا في موضعين وهو زاغت في الأحزاب وص، ومعنى قوله: وكيف الثلاثي أي سواء اتصل به ضمير أو لحقته تاء تأنيث أو تجرد عن ذلك أي أمله على أي حالة جاء بعد أن يكون ثلاثيا نحو: {وَخَافَ وَعِيدِ} و {خَافُوا عَلَيْهِمْ} {خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} .
واحترز بالثلاثي عن الرباعي فإنه لا يميله وهو: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} لا غير، والمراد بالثلاثي هنا أن يكون الفعل على ثلاثة أحرف أصول والرباعي ما زاد على الثلاثة همزة في أوله دون ما زاد في آخره ضمير أو علامة تأنيث فلهذا أمال نحو:{خَافَتْ} "ولم يمل"{أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ، وإن كانت عدة الحروف في كل كلمة أربعة، فإن الهمزة مقومة للفظ الفعل بخلاف التاء والواو في:{خَافَتْ} و {خَافُوا} .
واحترز بقوله بماضي عن غير الفعل الماضي، فلا يميل:
{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} ولا {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ} ولا {تَخَافُ} ولا "ما تشاؤون".
ونحوه ولا يتصور الألف في مضارع باقي الأفعال العشرة بل تنقلب فيها ياء نحو يخيب يطيب واستثنى من الماضي أيضا زاغت كما مضى جمعا بين اللغتين إلا أنه في التيسير قال زاغ في النجم، وزاغوا في الصف لا غير وكذا قال مكي وقال الداني في كتاب الإمالة أما زاغ فجملته ثلاثة مواضع في الأحزاب:
{وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} .
وفي النجم والصف فأما في ص:
{أَمْ زَاغَتْ} وفي الصف {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} .
فلا خلاف في فتحهما واستثنى ابن شريح في الجميع ما اتصل بتاء تأنيث ولم يستثن ابن الفحام ذلك وطاب في القرآن موضع واحد:
{مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، "وإنما لم يمل""أجاءها".
وأزاغ تخفيفا لأن في إمالة ذلك ثقلا من جهة انحدار اللفظ بعد همزة ثم صعوده إلى مثلها وإلى حرف استعلاء فهو مشبه بنزول واد والصعود منه فاختير اتصال اللفظ على سنن واحد كما يختار السنن كذلك وإنما لم يمل:
{يَخَافُ} و {يَشَاءُ} .
لأن الألف في المضارع من هذين الفعلين مفتوح الأصل إذ التقدير.
"يخيف ويشيأ".
ولا ينكسر أوله إذا رد الفعل إلى المتكلم والمخاطب ولا تنقلب ألفه ياء إذا بنى لما لم يسم فاعله بخلاف الماضي في هذه الوجوه كلها فلهذا أمال الماضي دون المضارع.
وقوله بماضي كسر الياء ونونها وهذا هو الأصل ولكنه متروك لا يأتي إلا في ضرورة الشعر قال جرير:
فيوما يجازين الهوى غير ماضي
ووجه الكلام ماض بحذف الياء وإبقاء التنوين على كسر الضاد في الرفع والجر.
والفاء في فتجملا رمز لحمزة ونصب الفعل بإضمار أن بعدها في جواب الأمر في قوله أمل وهو من أجمل إذا فعل الجميل ثم ذكر باقي الأفعال العشرة فقال:
318-
وَحَاقَ وَزَاغُوا جَاءَ شَاءَ وَزَارَ [فُـ]ـزْ
…
وَجَاءَ ابْنُ ذَكْوَانٍ وَفِي شَاءَ مَيَّلَا
فهذه خمسة أفعال وتقدم أربعة والعاشر يأتي في البيت الآتي والفاء في فز: رمز حمزة أيضا ثم ذكر أن ابن ذكوان وافق حمزة في إمالة ألف جاء وشاء وزاد على ما يأتي في البيت الآتي ووجهه خلو هذه الأفعال الثلاثة من حروف الاستعلاء قبلها وبعدها بخلاف الستة الباقية فإن ثلاثة منها حرف الاستعلاء في أوائلها وهي: خاب، خاف، طاب، واثنان حرف الاستعلاء في آخرهما، وهما، حاق وزاغ، وواحد حرف الاستعلاء في أوله وآخره وهو ضاق، وحروف الاستعلاء تمنع الإمالة إذا وليت الألف قبلها أو بعدها في الأسماء فتجنبها ابن ذكوان أيضا في الأفعال.
1 الآية: 17.
2 الآية: 5.
وقوله: جاء مبتدأ وابن ذكوان خبره أي وجاء ممال ابن ذكوان على حذف مضاف وفي شاء ميلا أي وأوقع الإمالة في شاء، ولو قال: وجاء وفي شاء ابن ذكوان ميلا لكان جاء مفعول ميل، ومن لا يعرف مقاصد هذا الكتاب يعرب جاء ابن ذكوان فعلا وفاعلا ثم ذكر الفعل الثالث الذي أماله فقال:
319-
فَزَادَهُمُ الأُولَى وَفِي الْغَيْرِ خُلْفُهُ
…
وَقُلْ [صُحْبَةٌ] بَلْ رَانَ وَاصْحَبْ مُعَدَّلا
يعني أول ما في القرآن من كلمة زاد وهي قوله تعالى في أول البقرة: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} ، هذه يميلها ابن ذكوان بلا خلاف، وفي غير هذا الموضع له في إمالة لفظ: زاد كيف أتى خلاف، ولا يقع في القرآن إلا متصلا بالضمير إلا أنه على وجوه نحو:{فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} ، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} .
وقول الناظم: فزادهم إما أن يكون معطوفا على ما قبله وحذف حرف العطف؛ فإن حذفه لضرورة الشعر جائز إذا دل عليه دليل وإما أنه مبتدأ وخبره محذوف أي فزادهم الأولى كذلك أي أماله ابن ذكوان وأما الفعل العاشر فقوله سبحانه: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ، وافق حمزة الكسائي على إمالته، وأبو بكر عن عاصم، ولم يملها ابن ذكوان؛ لأن الراء غير المكسورة إذا وليت الألف كان لها حكم حروف الاستعلاء، وقوله: واصحب معدلا مثل قوله فيما سبق: فاحضر مكملا على قولنا: أن المعنى رجلا مكملا كأنه لمح من لفظ صحبة ما يختار في نفس الصحبة فحث عليه رحمه الله.
320-
وَفِي أَلِفَاتٍ قَبْلَ رَا طَرَفٍ أَتَتْ
…
بِكَسْر أَمِلْ "تُـ"ـدْعى "حَـ"ـمِيداً وَتُقْبَلا
وهذا نوع آخر من الممالات وهي كل ألف متوسطة قبل راء مكسورة تلك الراء طرف الكلمة احترازا من نحو: {نَمَارِقُ} ، {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} ؛ لأن الراء فيهما عين الكلمة أما في:"نمارق" فظاهر، وأما في:"فلا تمار"؛ فلأن لام الفعل ياء وحذفت للجزم، واشترط صاحب التيسير ومكي وابن شريح في الراء أن تكون لام الفعل وهو منتقض بالحواريين؛ فإن الراء فيهما لام الكلمة، ولا تمال الألف قبلها فإن ياء النسبة حلت محل الطرف، فأزالت الراء عن الطرف بخلاف الضمائر المتصلة في نحو:"أبصارهم"؛ فإنها منفصلة تقديرا باعتبار مدلولها فلم تخرج الراء عن كونها طرف كلمة أيضا، وأما الياء في حواري فأزالت الراء عين الطرف ولهذا انتقل الإعراب إلى ياء النسبة وحرف الإعراب من كل معرب آخره والمسوغ للإمالة في هذه الألف كسرة الراء بعدها.
وقوله: وفي ألفات مفعول أمل أي أوقع الإمالة فيها، وقوله: تدعى مجزوم تقديرا؛ لأنه جواب الأمر وإنما أجراه مجرى الصحيح فلم يحذف ألفه كما قرئ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} .
بإثبات الياء كما يأتي ونصب: وتقبلا؛ لأنه فعل مضارع بعد الواو في جواب الأمر كما تقول: زرني وأكرمك، وليس بمعطوف على تدعى بل على مصدره وسيأتي نظير هذا في قوله تعالى:{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ} بالنصب في سورة الشورى، وقد استعمل الناظم هذه العبارة أيضا في سورة الرحمن عز وجل: فقال: "يطمث" في الأولى ضم تهدى وتقبلا، وقال الشيخ وغيره: أراد: وتقبلن أي ولتقبلن ثم حذف اللام وأبدل من النون ألفا:
321-
كَأَبْصَارِهِمْ وَالدَّارِ ثُمَّ الحِمَارِ مَعْ
…
حِمَارِكَ وَالكُفَّارِ وَاقْتَسْ لِتَنْضُلا
مثل هذا النوع بأمثلة متعددة خاليا من الضمير ومتصلا به غائبا ومخاطبا، وهو يأتي في القرآن على عشرة أوزان ذكر الناظم منها أربعة: أفعال وفعل وفِعال وفُعَّال وبقي ستة: فَعَّال نحو كفار وسحار، وفَعَال نحو نهار وبوار، وفِعَّال نحو دينار أصله دنار فأبدلت النون الأولى ياء، وفعلال وهو قنطار، ومفعال وهو مقدار، وإفعال وهو إبكار، واقتس: أي قس على ما ذكرته ما لم أذكره فهو مثل قرأ واقترأ، وقوله: لتنضلا أي لتغلب يقال: ناضلهم فنضلهم إذا رماهم فغلبهم في الرمي، ويلزم أن يكون من هذا الباب:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} 1، وهو الذي انفرد الدوري بإمالته كما يأتي فإن الراء طرف والياء ضمير كالضمير في:{أَبْصَارُهُمْ} و {حِمَارِكَ} .
322-
وَمَعْ كَافِرِينَ الكافِرِينَ بِيَائِهِ
…
وَهَارٍ "رَ"وَى "مُـ"ـرْوٍ بِخُلْفٍ "صَـ"ـدٍ "حَـ"ـلا
أي وأمالا الكافرين مع كافرين يعني معرفا ومنكرا وبيائه في موضع الحال أي أمالا هذا اللفظ في هذه الحالة وهي كونه بالياء التي هي علامة النصب والجر، احترز بذلك ن المرفوع نحو كافرون والكافرون فإن ذلك لا يمال؛ لأن الراء غير مكسورة ولا يميلان أيضا ما هو على وزن كافرين بالياء نحو صابرين، وقادرين، وبخارجين، والغارمين، وأما "هار" من قوله تعالى:{عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} ، فأصله هاور أو هاير من هار يهور ويهير ثم قدمت اللام إلى موضع العين، وأخرت العين إلى موضع اللام، وفعل فيه ما فعل بقاضٍ فالراء على ما استقر عليه الأمر آخرا ليست بطرف، وبالنظر إلى الأصل هي طرف ولكن على هذا التقرير لا تكون الألف تلي الراء التي هي طرف بل بينهما حرف مقدر فصار مثل كافرين بين الألف والراء حرف محقق، وقوله مرو هو اسم فاعل من أروى غيره وهو فاعل روى
1 سورة الصف، آية:14.
أي نقل رجل عالم معلم، وصد نعته ومعناه العطشان أي هو مرو لغيره بالعلم صد إلى تعلم ما لم يعلم كقوله صلى الله عليه وسلم:"منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا"، أو يكون صد مفعولا ولم ينصبه ضرورة أي أمال "هار" الكسائي بكماله، وابن ذكوان بخلاف عنه، وأبو بكر وأبو عمرو، فإن قلت يظهر من نظم هذا البيت أن الذين أمالوا "هارٍ" أمالوا "كافرين"؛ لأنه قال: ومع كافرين، ولا مانع من أن تكون الواو في "ومع" فاصلة بعد واوٍ واقتس، وإذا كان الأمر كذلك، ولم يذكر بعده من أماله فيظهر أن قوله:"وهار" عطف عليه والرمز بعده لهما فيكون كقوله في آل عمران: {سَنَكْتُبُ} ياء ضم البيت ذكر فيه ثلاث قراءات في ثلاث كلمات ثم رمز لهن رمزًا واحدًا قلت: لا مانع من توهم ذلك ويقويه أن كافرين وهار كلاهما ليس داخلا في الضابط المقدم لأبي عمرو والدوري على ما شرحناه فإنه فصل بين الألف والراء الفاء في كافرين وفي "هارٍ" حرف مقدر إما واو وإما ياء، وعلى الوجه الآخر لا تكون الراء طرفا، وإذا خرجا من ذلك الباب قوي الوهم في أن من أمال أحدهما أمال الآخر، ولو كان أسقط الواو من "ومع"، وقال مع الكافرين كافرين لزال الوهم أي أمالا هذا مع الكافرين، ولو قال: كذا كافرين الكافرين لحصل الغرض والله أعلم.
323-
"بَـ"ـدَارِ وَجَبَّارِينَ وَالجَارِ "تَـ"ـمَّمُوا
…
وَوَرْشٌ جَمِيعَ البَابِ كَانَ مُقَلِّلا
بدار رمز قالون؛ لأنه من جملة من أمال هارٍ ومعناه بادر، مثل قولهم: نزال أي: انزل أي بادر إلى أخذه ومعرفته وأمال الدوري وحده جبارين في المائدة والشعراء والجار في موضعين في النساء والشعراء فتمموا الباب بإمالة هذين له وورش قلل جميع هذا الباب أي أماله بين اللفظين من قوله: وفي ألفات قبل را طرف إلى هنا والله أعلم.
324-
وَهذَانِ عَنْهُ بِاخْتِلَافٍ وَمَعَهُ في الـ
…
ـبَوَارِ وَفي القَهَّارِ حَمْزَةُ قَلَّلا
يعني جبارين والجار عن ورش خلاف في تقليلهما، ووافق حمزة ورشا في تقليل "البوار" و"القهار" فقط والله أعلم.
325-
وَإِضْجَاعُ ذِي رَاءَيْنِ "حَـ"ـجَّ "رُ"وَاتُه
…
كَالأَبْرَارِ وَالتَّقْلِيلُ "جَـ"ـادَلَ "فَـ"ـيْصَلا
الإضجاع الإمالة وحج رواته رمز، ومعناه غلبوا في الحجة أي إضجاع ذي راءين مما ذكرناه أي تكون الألف قبل راء مكسورة طرف ومثاله:
{مِنَ الْأَشْرَارِ} ، و:{دَارُ الْقَرَارِ} ، و:{كِتَابَ الْأَبْرَارِ} فقوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ} لا يمال؛ لأن الراء مفتوحة كما لا يمال "خلق الليل والنهار"، وفيصلا حال من الضمير في جادل العائد على التقليل؛ لأن التقليل متوسط بين الفتح والإمالة أي أمال ذلك أبو عمرو والكسائي بكماله وقرأه ورش وحمزة بين اللفظين والله أعلم.
326-
وَإِضْجَاعُ أَنْصَارِي "تَـ"ـمِيمٌ وَسَارِعُوا
…
نُسَارِعُ وَالبَارِي وَبَارِئِكُمْ "تَـ"ـلا
يريد قوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} في آل عمران والصف: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} ، {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} ، و {الْبَارِئُ} في الحشر، و {بَارِئِكُمْ} في موضعين في البقرة. انفرد بإمالة ما في هذا البيت والذي بعده الدوري عن الكسائي، والتاء في تميم وتلا رمز كل واحد منهما رمز لما سبقه من الألفاظ وكذا آخر البيت الآتي، وأشار بقوله: تميم إلى أن الإمالة هي لغة تميم على ما سبق نقله في أول الباب، وهو على حذف مضاف أي الإضجاع لغة تميم ولو قال: واضجع {أَنْصَارِي} تميم لكان حسنا ولم يحتج إلى حذف مضاف، والضمير في تلا فاعل يعود إلى المقصود بقوله: تميم، وهو القارئ كما قال في البيت الآتي عنه، ويجوز أن يريد تبع هذا المذكور ما قبله في الإمالة، ووجه إمالة الألف في هذه المواضع ما بعدها من الكسر على الراء مع أن الراء ظرف في أنصاري، ولو لم يذكر ههنا مع ما اختص بالدوري لكانت واجبة الإمالة في مذهب أبي عمرو أيضا على القاعدة السابقة.
327-
وَآذَانِهِمْ طُغْيَانِهِمْ وَيُسَارِعُو
…
نَ آذَانِنَا عَنْهُ الجَوَارِي "تَـ"ـمَثَّلا
وجميع ما في هذا البيت انفرد بإمالته الدوري عن الكسائي، والضمير في عنه له، والتاء في تمثلا رمزه لأجل لفظ الجواري، وقيل الرمز هو قوله تميم وما ذكرناه واضح وإنما أميلت هذه الألفاظ الخمسة للكسر المجاور للألف بعدها مع كون الكسرة على راء في "يسارعون" و"الجوار" ومع زيادة "في طغيانهم" وهي مجاورة الياء للألف من قبلها "وآذانهم" في القرآن في سبعة مواضع في البقرة والأنعام و"سبحان" والكهف في موضعين وفصلت ونوح، و"طغيانهم" في خمس سور في البقرة والأنعام والأعراف ويونس والمؤمنون ولا يمال طغيانا كبيرًا إلا في رواية شاذة عن الكسائي ويسارعون في سبعة مواضع في آل عمران موضعان وفي المائدة ثلاثة وفي الأنبياء المؤمنون و"آذاننا" في فصلت فقط والجوار في ثلاث سور في:"حم عسق"، والرحمن وكورت وصواب قراءته في النظم بغير ياء؛ لأن قراءة من أمالها كذلك في:"حم عسق"، وأجمعوا على حذفها في الرحمن و"كورت" للساكن بعدها ثم ذكر ما اختلف فيه عن الدوري فقال:
328-
يُوَارِي أُوَارِي فِي العُقُودِ بِخُلْفِهِ
…
ضِعَافًا وَحَرْفَا النَّمْلِ آتِيكَ "قَـ"ـوَّلا
العقود هي: سورة المائدة يريد قوله تعالى: {كَيْفَ يُوَارِي} 1، {فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} 2.
ولم يذكر صاحب التيسير فيهما إمالة، وقال في كتاب الإمالة: اجتمعت القراءة على إخلاص الفتح فيهما،
"1و 2" آية: 31.
إلا ما حدثنا به عبد العزيز بن جعفر بن محمد هو ابن أبي غسان الفارسي قال: حدثنا أبو طاهر بن أبي هاشم قال: قرأت على أبي عثمان الضرير عن أبي عمرو عن الكسائي:
"يواري""فأواري".
بالإمالة قال: وقرأت على أبي بكر بالفتح ولم ترو الإمالة عن غيره: قال أبو عمرو: وقياس ذلك الموضع الذي في الأعراف وهو قوله: {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} 1، ولم يذكره ثم ذكر ضعافا من قوله تعالى في النساء:{ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} . فوجه إمالة ألفها كسرة الضاد ولا اعتبار بالحاجز كما تميل العرب عمادا وفي النمل: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} في موضعين أميلت ألف آتيك لكسرة التاء بعدها، واستضعف إمالتها قوم من جهة أن أصلها همزة؛ لأنه مضارع أتى ويمكن منع هذا ويقال هو اسم الفاعل منه كقوله تعالى:{وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ} ؛ أي أنا محضره لك فقوله: ضعافا مبتدأ، وحرفا النمل عطف عليه، وآتيك عطف بيان له، ووجه الكلام أن يقول: آتيك آتيك مرتين، وإنما استغني بأحدهما عن الآخر، وقولا خبر المتبدأ، وما عطف عليه، ونزل حرفي النمل منزلة حرف واحد؛ لأنهما كلمة واحدة تكررت وهي آتيك، وكأنه قال: ضعافا، وآتيك قولا فالألف في قولا للتثنية أي قيلا بالإمالة والقاف رمز خلاد ثم قال:
329-
بِخُلْفٍ "ضَـ"ـمَمْنَاهُ مَشَارِبُ "لا"مِعٌ
…
وَآنِيَةٍ فِي هَلْ أَتَاكَ "لِـ"أَعْدِلا
أي الخلف عن خلاد في إمالتها والضاد في ضممناه رمز خلف أمالهما من غير خلاف ثم قال مشارب لامع وهما مبتدأ وخبر أي ظاهر واضح كالشيء اللامع أراد أن هشاما أمال: {مَشَارِبُ} في سورة يس لكسرة الراء بعدها وألف: {آنِيَةٍ} في سورة الغاشية لكسرة النون بعدها وللياء التي بعد الكسرة، ووزنها فاعلة وهي قوله تعالى:{تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي حارة وأما:
1 الآية: 26.
{آنِيَةٍ} التي في سورة هل أتى قوله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} فوزنها أفعلة؛ لأنها جمع إناء ولم يمل ألفها أحد ولعل سببه أن ألفها بدل عن همزة فنظر إلى الأصل فلم تمل فقوله في هل أتيك أي في سورة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} احترازا من التي في: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} ، واللام في لأعدلا رمز لهشام أي لقارئ زائد العدل أي أماله من هذه صفته والألف للإطلاق والله أعلم.
330-
وَفِي الْكَافِرُونَ عَابِدُونَ وَعَابِدٌ
…
وَخَلَفُهُمْ في النَّاسِ في الْجَرِّ "حُـ"ـصِّلا
أي في سورة الكافرون أمال هشام: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ} ، في موضعين {وَلا أَنَا عَابِدٌ} ؛ لكسرة الباء بعد الألف واحترز بذلك من قوله تعالى:{وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} .
ثم قال: وخلفهم أي خلف الناقلين من أهل الأداء في إمالة لفظ الناس إذا كان مجرورا نحو جميع الذي في سورة الناس، فروي عن أبي عمرو الوجهان، واختار الداني الإمالة في كتاب الإمالة، ووجهها كسرة السين بعد الألف وقيل إن ذلك لغة أهل الحجاز، قال الشيخ: وكان شيخنا يعني الشاطبي رحمه الله يقرئ بالإمالة يعني لأبي عمرو من طريق الدوري، وبالفتح من طريق السوسي، وهو مسطور في كتب الأئمة كذلك. قلت: وكذلك أقرأنا شيخنا أبو الحسن ولم يذكر أبو الحسن ابن غلبون غيره ويتجه في هذا البيت من الإشكال ما اتجه فيما مضى في قوله: ومعْ كافرين الكافرين بيائه
…
من أنه يحتمل أن تكون الواو في قوله وفي الكافرون فاصلة وإذا كان كذلك فلم يذكر لقارئها رمزا فيكون حصلا رمزا لها وللناس، وتكون الواو في وخلفهم عاطفة، ولو قال: وفي الكافرون عابدون وعابد له خلفهم في الناس لخلص من ذلك الإيهام، ولا يحتاج إلى واو فاصلة في خلفهم؛ لأن هذا من باب قوله: سوى أحرف لا ريبة في اتصالها كما قال بعد هذا: حمارك والمحراب إلى آخره، ولم يأت بواو فاصلة، فإن قلت فقد سنح إشكال آخر وهو أنه يحتمل أن يكون بعض ما في البيت الآتي لأبي عمرو إذا لم يأت بواو والباقي من عند الواو لابن ذكوان فمن أين يتمحض الجميع لابن ذكوان؟ قلت: من جهة استفتاحه ذلك بقوله: حمارك وهو مما قد علم أن أبا عمرو يميله دل
ذلك على أنه إنما ساقه مع ما عطف عليه لغير أبي عمرو فينتظر من يرمز له وليس إلا قوله مثلا والله أعلم.
331-
حِمَارِكَ وَالمِحْرَابِ إِكْرَاهِهِنَّ وَالـ
…
ـحِمَارِ وَفي الإِكْرَامِ عِمْرَانَ مُثِّلا
أي أمال ابن ذكوان جميع ما في هذا البيت: {حِمَارِكَ} في البقرة و {الْحِمَارِ} في الجمعة، والمحراب، وعمران حيث وقعا، و"إكراههن" في النور، "والإكرام" في موضعين في سورة الرحمن عز وجل، ووجهه كسرة أوائل الجميع وما بعد الألف غير عمران والمحراب المنصوب، ووافق في حمارك والحمار مذهب أبي عمرو والدوري عن الكسائي في ذلك، فإن قلت: فما له لم يذكرهما معه عندما ذكر حمارك والحمار كما أعاد ذكر حمزة والكسائي مع من وافقهما في إمالة "رمى" و"نأى" و"إناه"؟، قلت:؛ لأنه نص على احمار وحمارك في إمالة أبي عمرو والدوري في قوله: كأبصارهم والدار ثم الحمار مع حمارك فلم يضره بعد ذلك أن يذكر مذهب ابن ذكوان وحده، ومثل ذلك قوله فيما مضى: وجاء ابن ذكوان وفي شاء ميلا وإن كان حمزة يقرأ كذلك؛ لأنه قد تقدم ذكره له معينا بخلاف "رمى" و"نأى" و"إناه" فإنه لم يتقدم النص عليها معينة، وإنما اندرجت في قاعدة ذوات الياء فلو لم يعد ذكر حمزة والكسائي، لظن أن ذلك مستنثى من الأصل المقدم كما تفرد الكسائي بإمالة مواضع من ذلك والله أعلم.
332-
وَكُلٌّ بِخُلْفٍ لاِبْنِ ذَكْوَانَ غَيْرَ مَا
…
يُجَرُّ مِنَ الْمِحْرَابِ فَاعْلَمْ لِتَعْمَلا
أي كل هذه الألفاظ الستة في إمالتها لابن ذكوان خلاف إلا المحراب المجرور فلم يختلف عنه إمالته، وهو موضعان في آل عمران ومريم فتفردا ابن ذكوان بإمالة هذه الكلم الأربع "المحراب" و"إكراههن" والإكرام وعمران، وباقي القراء على فتحها إلا ورشا فإنه يقرؤها بين اللفظين إلا عمران وهو المعبر عنه بترقيق الراء على ما يأتي في بابه ويتضح لك الفرق بين الإمالة وبين اللفظين بقراءة ورش وابن ذكوان في هذه الكلمات وهو عين ما نبهنا عليه في شرح قوله: وذو الراء ورش بين بين، وأكثر الناس يجهلون ذلك والله أعلم.
333-
وَلَا يَمْنَعُ الإِسْكَانُ فِي الوَقْفِ عَارِضًا
…
إِمَالَةَ مَا لِلكَسْرِ فِي الْوَصْلِ مُيِّلا
في الوقف معمول عارضا ولو جعلناه معمول الإسكان لقلت فائدته؛ فإن إسكان الوقف لا يكون إلا عارضا ومعنى البيت كل ألف أميلت في الوصل لأجل كسرة بعدها نحو "النار" و"الناس" فتلك الكسرة تزول في الوقف وتوقف بالسكون فهذا السكون في الوقف لا يمنع إمالة الألف؛ لأنه عارض ولأن الإمالة سبقت الوقف ولم يذكر في التيسير غير هذا الوجه، وذهب قوم إلى منع الإمالة لزوال الكسر الموجب لها فإن رمت الحركة فالإمالة لا غير والله أعلم.
334-
وَقَبْلَ سُكُونٍ قِفْ بِمَا فِي أُصُولِهِمْ
…
وَذُو الرَّاءِ فِيهِ الخُلْفُ في الْوَصْلِ "يُـ"ـجُتَلا
أي كل ألف قبل ساكن لو لم يكن بعدها ساكن لجازت إمالتها ففي الوصل لا يمكن إمالتها؛ لذهابها، فإن وقف عليها كانت على ما تقرر من أصول القراء تمال لمن يميل، وتفتح لمن لم يمل، وتقرأ بين اللفظين لمن
مذهبه ذلك لكن الألف التي قبلها راء اختلف عن السوسي في إمالتها في الوصل ولا يظهر إلا كسر الراء ولم يذكر صاحب التيسير للسوسي إلا الإمالة وابن شريح وغيره من المصنفين لم يذكروا وجه الإمالة أصلا وشرط ما يميله السوسي من هذا الباب: أن لا يكون الساكن تنوينا فإن كان تنوينا لم يملْ بلا خلاف نحو "قرى" و"مفترى"، ثم مثل النوعين وهما ذو الراء وما ليس فيه راء والألف ظرف الكلمة فقال:
335-
كَمُوسَى الهُدى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ والْقُرَى الـ
…
ـتِي مَعَ ذِكْرَى الدَّارِ فَافْهَمْ مُحَصِّلا
إذا وقفت على موسى من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} أملت ألف موسى لحمزة والكسائي وجعلتها بين بين لأبي عمرو وورش وفتحت للباقين وكذا في: {عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} فهذا مثال ما ليس فيه راء ومنه: "إنا لما طغى الماء" نص مكي وغيره على أن الوقف على طغى بالإمالة لحمزة والكسائي ومثال ما فيه الراء:
{الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} .
في سبأ: {ذِكْرَى الدَّارِ} في ص فإذا وقفت على القرى وذكرى أملت لأبي عمرو وحمزة والكسائي ولورش بين اللفظين وههنا أمر لم أر أحدا نبه عليه، وهو أن:{ذِكْرَى الدَّارِ} ، وإن امتنعت إمالة ألفها وصلا فلا يمتنع ترقيق رائها في مذهب ورش على أصله لوجود مقتضى ذلك وهو الكسر قبلها ولا يمنع ذلك حجز الساكن بينهما فيتخذ لفظ الترقيق وإمالته بين بين في هذا فكأنه أمال الألف وصلا وما ذكره الشيخ في شرح قوله وحيران بالتفخيم بعض تقبلا من قوله الترقيق في:{ذِكْرَى} ؛ من أجل الياء لا من أجل الكسر أراد بالترقيق الإمالة فهو من أسمائها والله أعلم.
والسوسي في أحد الوجهين يكسر الراء في الوصل ومثله: {حَتَّى نَرَى اللَّهَ} و {يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} بخلاف قوله {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ لأن ألف يرى قد ذهبت للجازم فإذا وقفت عليها قلت أو لم ير ثم ذكر ما حذفت فيه الألف لأجل التنوين لأنه ساكن فقال:
336-
وَقَدْ فَخَّمُوا التَّنْوِينَ وَقْفًا وَرَقَّقُوا
…
وَتَفْخِيمُهُمْ في النَّصْبِ أَجْمَعُ أَشْمُلا
هذا فرع من فروع المسألة المتقدمة داخل تحت قوله وقبل سكون قف بما في أصولهم وأفردها بالذكر لما فيها من الخلاف والأصح والأقوى أن حكمها حكم ما تقدم تمال لمن مذهبه الإمالة، وهو الذي لم يذكر صاحب التيسير غيره، وجعل للمنون ولما سبق ذكره حكما واحدا، فقال: كلما امتنعت الإمالة فيه في حال الوصل من أجل ساكن لقيه تنوين أو غيره نحو: "هدى" و"مصفى" و"مصلى" و"مسمى" و"ضحى" و"غزى" و"مولى" و"ربا" و"مفترى" و"الأقصا الذي" و"طغا الماء" و"النصارى المسيح" و"جنا الجنتين".... وشبهه، فالإمالة فيه سائغة في الوقف؛ لعدم ذلك الساكن، وذكر مكي في المنون وجهين أحدهما هذا وهو الذي اختاره، وقرأه على شيخه أبي الطيب ابن غلبون قال: ونص على: "مصلى" و"غزى" أن الوقف عليهما بالإمالة لحمزة والكسائي وكلاهما في موضع نصب، والوجه الثاني الفرق بين المنصوب وغيره فلا يمال المنصوب ويمال المرفوع والمجرور قال الشيخ: وقال قوم: يفتح ذلك كله فقد صار في المسألة ثلاثة أوجه وهي مبنية على أن الألف في الوقف على جميع الأسماء المقصورة المنونة هي الأصلية رجعت لما سقط الموجب لحذفها وهو التنوين أو يقال: هي مبدلة من التنوين إذا كانت منصوبة المحل، وهي الأصلية في الرفع والجر؛ لأنه قد ألف من اللغة الفصيحة التي نزل بها القرآن أن تبدل من التنوين ألفا في جميع الأحوال؛ لأن التنوين إنما يبدل ألفا في النصب؛ لانفتاح ما قبله، والانفتاح موجود في الأحوال كلها في الأسماء المعتلة المقصورة بخلاف الصحيحة، وهذه الأوجه الثلاثة معروفة عند النحويين فإن قلنا الوقف إنما هو على الألف المبدلة في جميع الأحوال أو في حال النصب فلا إمالة؛ لأن ألف التنوين لا حظ لها في الإمالة كما لو وقف على:"أمتا" و"همسا" و"علما".
وقد سبق بيان ذلك فقد صار المنصوب مفخما على قلين وممالا على قول فلهذا قال: "وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا" وليس ذلك منه اختيارا لهذا القول وإنما أشار إلى أن الوجهين اتفقا عليه، والأجود وجه الإمالة مطلقا والرسم دال عليه والنقل أيضا ومن وجهة المعنى: أن الوقف لا تنوين فيه وإنما كانت الألف الأصلية تحذف للتنوين في الوصل، فالنطق بالكلمة على أصلها إلى أن يلقاها ما يغيرها وأيضا فإن المبدل من التنوين إنما هو الألف والأصلية أيضا ألف فلا حاجة إلى حذف ما هو أصل وجلب ما هو مثله في موضعه، فترك اعتقاد الحذف فيه أولى، وقول الناظم: وقد فخموا التنوين فيه تجوز فإن التنوين لا يوصف بتفخيم ولا إمالة لعدم قبوله لهما فهو على حذف مضاف تقديره ذا التنوين، ولا تقول: التقدير ألف التنوين لما فيه من الإلباس بألف نحو: "أمتا" و"همسا".
مما لا يمال وسمى في هذا الموضع الفتح تفخيما والإمالة ترقيقا كما سمى ترقيق الراء إمالة على ما سيأتي، وأشملا جمع شمل ونصبه على التمييز أي اجتمع شمل الأصحاب على الوجهين فيه بخلاف المرفوع والمجرور فإن كل واحد منهما مفخم على قول واحد وهو أضعف الأقوال وممال على قولين فهما في الترقيق أجمع أشملا لاقي التفخيم ثم مثل ذلك فقال:
337-
مُسَمَّى وَمَوْلًى رَفْعُهُ مَعْ جَرِّهِ
…
وَمَنْصُوبُهُ غُزَّى وَتَتْرًى تَزَيَّلا
أي لفظ "مسمى، ومولى" وقع كل واحد منهما في القرآن مرفوعا ومجرورا كقوله تعالى:
{وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} ، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ، وقال تعالى:{يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى} ، "وأما""غزى" و"تترى".
فلم يقعا في القرآن إلا منصوبين في قوله تعالى في آل عمران: {أَوْ كَانُوا غُزّىً} ، ونصبه على أنه خبر كان وهو جمع غاز، ووزنه فعل مثل كافر وكفر، وأما:"تترى"، ففي سورة قد أفلح1 منصوب على الحال وإنما ينفع التمثيل به على قراءة أبي عمرو فهو الذي نونه وأما حمزة والكسائي فلا ينونانه فهو لهما ممال بلا خلاف في الوقف والوصل وكذا ورش يميله بين اللفظين وصلا؛ ووقفا لأنه غير منون في قراءته أيضا فلم يمنع فتح من نون إمالة من لم ينون وهذا مما يقوى ما ذكرناه من ترقيق ورش راء:{ذِكْرَى الدَّارِ} في الوصل فلا يمنع ترك الإمالة لزوال محلها ترقيق الراء لوجود مقتضيه والله أعلم.
وقوله: "تزيلا" أي تميز المذكور. وهو التنوين أي ظهرت أنواعه وتميز بعضها من بعض بالأمثلة المذكورة، ومنه قوله تعالى:{لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} 2، {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} ، والهاء في رفعه مع جره ومنصوبه راجعة إلى التنوين أيضا، والكل على تقدير ذي التنوين وهو المنون، وقال الشيخ: تميز المنصوب من غيره بالمثال فإن قلت الألف الممالة في: {غُزّىً} .
1 في قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} : الآية: 44.
2 سورة الفتح، آية:25.