المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: مذاهبهم في ياءات الإضافة - شرح الشاطبية إبراز المعاني من حرز الأماني

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌خطبة الكتاب

- ‌فصل في ذكر القراء السبعة:

- ‌مقدمة القصيدة

- ‌مدخل

- ‌بعض ما جاء في ذكر القرآن العزيز وفصل قراءته

- ‌بيان القراء السبعة ورواتهم وأخبارهم:

- ‌بيان الرموز التي يشير بها الناظم إلى القراء السبعة ورواتهم:

- ‌باب: الاستعاذة

- ‌باب: البسملة

- ‌سورة أم القرآن:

- ‌باب الإدغام الكبير:

- ‌باب: إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين

- ‌باب: هاء الكناية

- ‌باب المد والقصر:

- ‌باب الهمزتين من كلمة:

- ‌بب: الهمزتين من كلمتين

- ‌باب الهمز المفرد:

- ‌باب: نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها

- ‌باب: وقف حمزة وهشام على الهمز

- ‌باب: الإظهار والإدغام

- ‌مدخل

- ‌ذكر ذال إذ

- ‌ذكر دال قد

- ‌ذكر تاء التأنيث

- ‌ذكر لام وهل وبل

- ‌باب: حروف قربت مخارجها

- ‌باب: أحكام النون الساكنة والتنوين

- ‌باب: الفتح والإمالة وبين اللفظين

- ‌باب: مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث في الوقف

- ‌باب: الراءات

- ‌باب: اللامات أي تغليظها:

- ‌باب: الوقف على أواخر الكلم

- ‌باب: الوقف على مرسوم الخط

- ‌باب: مذاهبهم في ياءات الإضافة

- ‌باب: مذاهبهم في الزوائد

- ‌باب: فرش الحروف

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء:

- ‌سورة المائدة:

- ‌سورة الأنعام:

- ‌سورة الأعراف:

- ‌سورة الأنفال:

- ‌سورة التوبة:

- ‌سورة يونس:

- ‌سورة هود:

- ‌سور يوسف

- ‌سورة الرعد:

- ‌سورة إبراهيم:

- ‌سورة الحجر:

- ‌سورة النحل:

- ‌سورة الإسراء:

- ‌سورة الكهف:

- ‌سورة مريم:

- ‌سورة طه:

- ‌سورة الأنبياء:

- ‌سورة الحج:

- ‌سورة المؤمنون:

- ‌سورة النور:

- ‌سورة الفرقان:

- ‌سورة الشعراء:

- ‌سورة النمل:

- ‌سورة القصص:

- ‌سورة العنكبوت:

- ‌من سورة الروم إلى سورة سبأ

- ‌سورة سبأ وفاطر:

- ‌سورة يس:

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص:

- ‌سورة غافر:

- ‌سورة فصلت:

- ‌سورة الشورى والزخرف والدخان:

- ‌سورة الشريعة والأحقاف

- ‌من سورة محمد صلى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن عز وجل:

- ‌سورة الرحمن عز وجل:

- ‌سورة الواقعة والحديد:

- ‌من سورة المجادلة إلى سورة ن:

- ‌من سورة "ن" إلى سورة القيامة:

- ‌من سورة القيامة إلى سورة النبأ:

- ‌من سورة النبأ إلى سورة العلق:

- ‌من سورة العلق إلى آخر القرآن:

- ‌باب: التكبير

- ‌باب: مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها

- ‌الفهرس:

- ‌مقدمات

- ‌تصدير

- ‌ترجمة الإمام الشاطبي:

- ‌الشيخ شهاب الدين أبو شامة:

- ‌الدرة الأولى: فيما يتعلق بطالب العلم في نفسه ومع شيخه

- ‌الدرة الثانية: في حد القراءات والمقرئ والقارئ

- ‌الدرة الثالثة: شروط المقرئ وما يجب عليه

- ‌الدرة الرابعة: فيما ينبغي للمقرئ أن يفعله

- ‌الدرة الخامسة: في قدر ما يسمع وما ينتهي إليه سماعه

- ‌الدرة السادسة: فيما يقرأ به

- ‌الدرة السابعة: في الإقراء والقراءة في الطريق

- ‌الدرة الثامنة: في حكم الأجرة على الإقرار وقبول هدية القارئ

- ‌الدرة التاسعة: تدوين القراءات

الفصل: ‌باب: مذاهبهم في ياءات الإضافة

‌باب: مذاهبهم في ياءات الإضافة

ياء الإضافة هي: ياء المتكلم، بها تكون متصلة بالاسم والفعل والحرف، نحو:

"عذابي" و"ليبلوني"، و"إني"، و"ولي". فهي مجرورة المحل، وتارة منصوبة المحل، وقد أطلق الناظم وغيره من مصنفي كتب القراءات هذه التسمية عليها، وإن كانت منصوبة المحل غير مضاف إليها نحو:"إني"، و"آتاني" و"يحزنني" و"ذروني".

تجوُّزًا، وقد جاءت في المصحف على ضربين: محذوفة وثابتة، فالمحذوفة يأتي الكلام فيها في الباب الآتي، والثابتة فيها لغتان: الفتح والإسكان، فوجه الفتح: أنها ضمير على حرف واحد، قابل لحركة الفتح، واقع في موضع النصب والجر، فحرك، كالكاف والهاء، وقولنا: قابل لحركة الفتح؛ لأن الياء المكسور ما قبلها لا تحرك بغير الفتح إلا في ضرورة شعر، وقولنا: واقع في موضع النصب والجر، احترازًا من باب افعلي، في خطاب المرأة، ووجه الإسكان التخفيف؛ لأن حرف العلة تثقل عليه الحركة، وإن كانت فتحة، ولأن المد يخاف الحركة، فيصير الحرف بالمد كأنه محرك، وكلاهما لغة فصيحة، وقد جمعهما امرؤ القيس في بيت واحد، فقال:

ففاضت دموع العين مني صبابة

على النحر حتى بَلَّ دمعي محملي

فقال: مني، بالإسكان، ودمعي بالفتح، وعند هذا نقول: كل ضمير مفرد متصل: منصوب أو مجرور لا ينفك من أن يكون ياء المتكلم أو كاف الخطاب أو هاء الغائب، فالياء تسكن؛ لما فيها من المد، ولأنها حرف علة تثقل عليه الحركة، وإن كانت فتحة بدليل إجماعهم على إسكان الياء من معدي كرب، ولزموا الفتح في نحو القاضي لأجل الإعراب، والكاف حرف صحيح محرك، والهاء مع كونها حرفا صحيحا فيها ضعف، فقويت بالصلة إما بواو، أو ياء، على حسب ما قبلها من الحركة، على ما سبق في بابها، ثم ياء الإضافة الثابتة في المصحف منها ما أجمع القراء على تسكينه، وهو كثير، نحو:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} ، {وَمَنْ عَصَانِي} ، {الَّذِي خَلَقَنِي} ، {يُطْعِمُنِي} ، {يُمِيتُنِي} ، {إِنِّي جَاعِلٌ} ، {فَقُلْ لِي عَمَلِي} ، {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} .

ص: 282

ومنها ما أجمع على فتحه، وهو:{بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} ، {أَرُونِيَ الَّذِينَ} ، {نِعْمَتِيَ الَّتِي} ونحوه، مما بعده لام التعريف، أو شبهها، غير ما يأتي الخلاف فيه، ومنه ما وقع فيه قبل ياء الإضافة ألف، نحو:{هُدَايَ} ، و {عَصَايَ} ، و"بشراي"، واختلف في:"مَحْيَاي" على ما يأتي، وإن وقع قبلها ياء ساكنة أدغمت فيها، وفتحت نحو:"لدي"، و"عَلَيَّ"، و"إِلَيَّ"، و"بِيَدَيَّ"، واختلف في "بِمُصْرِخِيّ"، و"يَا بُنَيَّ" في الفتح والكسر، ومنهم من أسكن:"يَا بُنَيَّ""كما يأتي".

وقد صنف الإمام أبو بكر بن مجاهد رحمه الله كتابا مستقلا في الياءات: إثباتا، وفتحا وإسكانا، وذكر المتفق عليه والمختلف فيه، على ترتيب القرآن، سورة سورة، وسيأتي في آخر كل سورة ذكر ما فيها من ياءات الإضافة.

وههنا بيان أحكامها، فابتدأ الناظم ببيان حقيقتها فقال:

386-

وَلَيْسَتْ بِلَامِ الفِعْلِ يَاءُ إِضَافَةٍ

وَمَا هِيَ مِنْ نَفْسِ الأُصُولِ فَتُشْكِلا

أي تكون آخر كلمة ولكن ليست من حروف تلك الكلمة بل زائدة عليها، وشرح هذا الكلام أن تقول الكلمة إن كانت مما يوزن ووقع في آخرها ياء فزنها بالفاء والعين واللام فإن صادفت اللام مكان الباء فتعلم أنها لام الفعل مثاله:{أَمَّنْ يَأْتِي آمِنًا} ، {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ} ، {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ} ، {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} ، {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقّ} ، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ} .

فحكم مثل هذه الياء في المضارع السكون في الرفع والفتح في النصب والحذف في الجذم وفي الماضي الفتح نحو: {أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ} {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ} .

ومثاله في الأسماء نحو: "الدَّاعِيَ"، و"الْمُهْتَدِي"، و"الزَّانِي"، و"النَّوَاصِي".

فهذا وشبهه يقع الاختلاف فيه في الياء بالحذف والإثبات منا ما اتفق على إثباته "كالزاني" و"النواصي"، ومنها ما اختلف فيه "كالداعي" و"التلاق" على ما سيأتي بيانه في بابه وإن كانت الكلمة مما لا يوزن وذلك في الأسماء المبهمة نحو الذي والتي واللاتي، وفي الضمائر هي فالياء فيها ليست بياء إضافة؛ لأنها من

ص: 283

نفس أصول الكلمة ليست زائدة عليها وإن كان يجوز في ياء الذي وأخواته الحذف والتشديد ويجوز في ياء هي في الشعر الإسكان والتشديد فاحترز بقوله: وما هي من نفس الأصول من مثل ذلك، ولم يكتف بقوله: وليست بلام الفعل؛ لما ذكرت من الفرق بين الكلمات الموزونة وغيرها، وقوله: وما هي من نفس الأصول يشمل الجميع، ولكن أراد التنبيه على مثل هذه الفوائد وإذا تقرر أنها ليست من نفس الأصول لم تبق مشكلة، فلهذا قال: فتشكلا، ونصبه على الجواب بالفاء بعد النفي، وكان ينبغي أن يأتي بما يحترز به أيضا عن ياء ضمير المؤنث في نحو:{اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} ، {وَهُزِّي إِلَيْكِ} .

وعن الياء في جميع السلامة نحو: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ} ، و {عَابِرِي سَبِيلٍ} ، {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} ، {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ} ، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} ، {مُهْلِكِي الْقُرَى} .

فهذا كله ليس من باب ياءات الإضافة وكان يكفيه في تعريفها أن يقول: هي ياء المتكلم أي ضميره المعبر عنه به في موضع النصب والجر متصلا ثم عرفها بالعلامة فقال:

387-

وَلكِنَّهَا كالهَاءِ وَالكَافِ كُلُّ مَا

تَلِيهِ يُرى لِلهَاءِ وَالكَافِ مَدْخَلا

أي أنها كهاء الضمير وكافه كل لفظ تليه ياء الإضافة أي كل موضع تدخل فيه فإنه يصح دخول الهاء والكاف فيه مكانها فتقول في: "ضَيْفِي"، و"يَحْزُنُنِي"، و"إِنِّي"، "ولى ضيفه"، و"يَحْزُنُه"، و"إِنَّهُ"، و"لَهُ"، و"ضيفك"، و"يَحْزُنْكَ"، و"إِنَّكَ"، و"لك"، و"لكن".

ههنا إشكال وهو: أن من المواضع مالا يصح دخول الكاف فيه نحو: "فَاذْكُرُونِي"، و"حَشَرْتَنِي".

فلا يبقى قوله: "كل ما" على عمومه، ولو قال: كل ما تليه يرى للها أو الكاف لزال هذا الإشكال بحرف أو وقصر الهاء، وقوله:"كل ما" مبتدأ وحق كلمة "ما" بعدها أن تكتب مفصولة منها؛ لأنها مضاف إليها وهي نكرة موصوفة أي كل شيء يليه ولا تكاد تراها في النسخ إلا متصلة بكل ومنهم من ينصب كل ما يعتقد أنه مثل قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} ، وذلك خطأ، ويرى خبر المبتدأ أي كل شيء يليه الياء يرى ذلك الشيء مدخلا للهاء والكاف أي موضع دخول لهما وقوله: تليه يجوز أن يكون من ولى هذا هذا أي تبعه وأتى بعده أي كل موضع اتصل به ياء الإضافة يرى موضعا لاتصال الهاء والكاف به مكان الياء، ويجوز أن تكون تليه من الولاية التي بمعنى الإمرة

ص: 284

أي كل موضع وليته الياء أي حكمت عليه بحلولها فيه فذلك الموضع يصح أن يكون مدخلا للضميرين الهاء والكاف ضميري الغائب والمخاطب، فيحكما حكمها فيه والله أعلم.

ووقع لي بيتان في تعريفها حدا وتمثيلا باتصالها بالاسم والفعل والحرف وتمثيل ما احترز عنه مما تقدم ذكره فقلت:

هي الياء في أني على متكلم

تدل وضيفي فاذكروني مثلا

وليست كـ "يائي" وهي أوحي واسجدي

وياء التي والمهتدي حاضري انجلا

فالحد أن تقول: هي الياء التي تدل على المتكلم وعند ذلك تتصل بالحروف الجارة والناصبة نحو: "لي" و"إني" وبالأسماء نحو ضيفي ودوني وتحتي وعندي وبالإفعال الماضية والمضارعة ومثال الأمر:

"حشرتني" و"يحزنني""فاذكروني".

والبيت الثاني فيه أمثلة ما الياء فيه أصل لا عبارة عن متكلم والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى:

388-

وَفي مِائَتَيْ ياَءٍ وَعَشْر مُنِيفَةٍ

وَثِنْتَيْنِ خُلْفُ القَوْمِ أَحْكِيهِ مُجْمَلا

منيفة أي زائدة: يقال أناف على كذا: أي أشرف عليه، وأنافت الدراهم على مائة إذا زادت عليها وناف الشيء في نفسه ينوف: أي طال وارتفع ذكره أي جملة ياءات الإضافة هي العدة وهي: مائتان واثنتا عشرة ياء وعدها صاحب التيسير مائتين وأربع عشرة ياء فزاد ثنتين وهما: {آتَانِيَ اللَّهُ} في سورة النمل1، وقوله في الزمر:{فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ} ، وذكرهما الناظم في باب الزوائد؛ لأن الياء حذفت منهما في الرسم وهذا حقيقة باب الزوائد ثم إن صاحب التيسير لما ذكر:{آتَانِيَ اللَّهُ} في سورتها، عدها مع الزوائد ولم يعدها مع ياءات الإضافة وعد:{فَبَشِّرْ عِبَادِ} في سورتها مع ياءات الإضافة ولا شك أنهما أخذا من كل باب من هذين البابين حكمه فإن الخلاف فيهما في فتح الياء وإسكانها وفي إثباتها وحذفها وأما:

{يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} .

1 آية: 36.

2 آية: 17.

ص: 285

في الزخرف1 فذكرها الشيخ الشاطبي رحمه الله في باب ياءات الإضافة وبين حكمها؛ لأن المصاحف لم تجتمع على حذف يائها كما يأتي بيانه بخلاف ياء: "آتَانِي" في النمل، و"عِبَادِي" في الزمر.

فإن المصاحف اجتمعت على حذف الياء منهما وذكر صاحب التيسير حكم الياء التي في الزخرف في باب الزوائد ولذلك عدها إحدى وستين ياء وأدرجها في باب ياءات الإضافة في العدد ولم ينص على حكمها فإنه عد الياءات التي ليس بعدها همز ثلاثين كما عدها الشاطبي، ولا يتم هذا العدد إلا بالتي بالزخرف وذكرها صاحب التيسير في سورتها مع ياءات الإضافة فقد عدها في البابين، وعذره في ذلك أنها حذفت في بعض الرسوم كما يأتي ذكره، وقوله: أحكيه مجملا يعني خلف القراء فيها بالفتح والإسكان، ولم يذكر في هذا الباب حذفا وإثباتا إلا في التي في الزخرف فإنه ذكر فيها الأمرين؛ فإن من أثبتها اختلفوا في فتحها وإسكانها وكذا فعل في باب الزوائد في اللتين في النمل والزمر، وقوله: مجملا حال من الهاء في أحكيه أو نعت مصدر محذوف أي ذكرا مجملا فهو مصدر قرن بغير فعله؛ لأنه بمعناه مثل قعدت جلوسا؛ لأن معنى أحكيه وأذكره واحد أي أذكره على الإجمال بضابط يشملها من غير بيان مواضع الخلاف كلها تنصيصا على أعيانها في سورها، وستأتي معينة في آخر كل سورة وإنما أحكامها تؤخذ من هذا الباب، وقيل هو من إجمال العدد وهو ما كان منه متفرقا ويجوز أن يكون من أجمل إذا أتى بالجميل من قولهم أحسن فلان وأجمل أي أذكره ذكرا جميلا سهلا، ويروى مجملا بكر الميم وهو حال من الفاعل بالمعاني السابقة.

389-

فَتِسْعُونَ مَعْ هَمْزٍ بِفَتْحٍ وَتِسَعُها

"سَمَا" فَتْحُهَا إَلَاّ مَوَاضِعَ هُمَّلا

أي فمن جملة المائتين والاثنتي عشرة ياء المذكورة تسع وتسعون ياء بعدها همزة مفتوحة نحو: {إِنِّي أَعْلَمُ} ، {نِّي أَرَى} فتحها كلها مدلول سما وهم: نافع وابن كثير وأبو عمرو إلا مواضع خرجت عن هذا الأصل ففتحها بعضهم أو زاد معهم غيرهم جمعا بين اللغتين أو اختلف عن بعضهم في شيء من ذلك، ومعنى هملا متروكة وهو جمع هامل يقال بعير هامل من إبل هوامل وهمل وهمل وقد همل هذا إذا ترك بلا راعٍ، والشيء الهمل هو السدى المتروك، وقد رتب الناظم ذكر الياءات المختلف فيه ترتيبا حسنا وهو ترتيب صاحب التيسير وحاصل المختلف فيه منها ستة أنواع؛ فإن الياء لا تخلو إما أن يكون بعدها همزة أو لا، فالتي بعدها همزة لا تخلو من أن تكون همزة قطع أو همزة وصل، فهمزة القطع لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وإن كانت همزة وصل فلا تخلو من أن يكون معها لام التعريف أو لا، فهذه ستة أنواع خمسة منها لما بعده همز، وواحد مع غير همز، فابتدأ بذكر ما بعده همزة قطع على الترتيب المذكور وبدأ بما بعده همزة مفتوحة؛ لكثرة ذلك، ولأن الفاتحين له من القراء ثلاثة عبر عنهم بسما وربما زادوا في بعض المواضع كما يأتي بيانه ثم ذكر ما بعده همزة مكسورة؛ لأنه دون ذلك في العدة وعلى فتحه من جملة مدلول سما اثنان

1 آية: 68.

ص: 286

ثم ذكر ما بعده همزة مضمومة لقلته وعلى فتحه واحد من مدلول سما ثم ذكر ما بعده همزة وصل وقدم ما معه لام التعريف؛ لكثرته ثم ذكر النوع الآخر ثم ذكر ما لا همز بعده وهو آخر الأنواع الستة.

واعلم أن الغالب على ياء الإضافة في القرآن الإسكان وأكثر ما فتح منها ما بعده همزة قطع، وسببه الخلاص بالفتح من المد وقد ذكر ابن مجاهد في كتابه: قال الفراء: وقد زعم الكسائي أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، قال الفراء: ولم أر ذلك عند العرب، رأيتهم يرسلون الياء فيقولون: عندي أبواك، ولا يقولون: عنديَ أبواك إلا أن يتركوا الهمزة، فيحولوا الفتحة في الياء، قال ابن مجاهد: فأما قولهم: لِيَ ألفان وبِيَ أخواي كفيلان، فإنهم ينصبون في هذين؛ لقلتهما. قلت: يعني قلة حروف الكلمتين "لي" و"بي" فحيث تقل الحروف يحسن الفتح ما لا يحل في كثرتها، وقد أفادنا ما حكاه عن الفراء أن معظم العرب على الإسكان، وأن من فتح منهم فأكثر فتحه فيما بعده همزة قطع، وأما ما بعده همزة وصل فلا؛ لأنه يلزم من إسكان الياء المد في القطع دون الوصل، ومذهب أكثر القراء عكس ذلك وهو اختيار الفتح قبل لام التعريف؛ لتظهر الياء ولا تحذف لالتقاء الساكنين، وفيما بعده همزة وصل بغير لام التعريف من الخلاف نحو مما بعده همزة قطع ولعل سببه أن همزة لام التعريف مفتوحة فكأن فتحتها نقلت إلى الياء وهمزة الوصل في غيرها مكسورة أو مضمومة، وقد أشار أبو عبيد إلى قريب من هذا الفرق في سورة الصف والخلاف في هذا الباب جميعه في الفتح والإسكان، وليس أحدهما ضدا للآخر، فكان الواجب عليه في اصطلاحه أن ينص في كل ما يذكره على القراءتين معا، لكن كان يطول عليه فاكتفى بدلالة النظم في جميع الباب على ذلك فإنه تارة ينص على الفتح وتارة على الإسكان ففهم من ذلك الأمران والله أعلم.

390-

فَأَرْنِي وَتَفْتِنِّي اتَّبِعْنِي سُكُونُهَا

لِكُلٍ وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ وَلَقَدْ جَلا

يعني أن هذه الياءات الأربع وإن كان بعدها همزات مفتوحة فقد أجمعوا على إسكانها وليست من جملة التسع والتسعين التي ذكرها وأراد: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} وأتى به على قراءة ابن كثير والسوسي، و {لا تَفْتِنِّي أَلا} ، {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ} و {إلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ} .

وفائدة ذكره لهذه المواضع الأربعة من بين المجمع عليه أن لا يلتبس المختلف فيه بها؛ لأنها داخلة في الضابط المذكور وهو ما بعده همزة مفتوحة، فلولا تنصيصه عليها بالإسكان للكل لظن أنها من جملة العدة، فتفتح لمن يفتح تلك العدة، فعلم من ذكره لهذا المواضع أن المختلف فيه غيرها مما بعده همزة مفتوحة، وكذا يفعل فيما بعده مكسورة ومضمومة فلهذا قال: ولقد جلا أي كشف مواضع الخلاف وبينها، وفاعل جلا ضمير يرجع إلى الناظم أو إلى المذكور، وقيل يعود الضمير على السكون أي كشف فصاحة هذه اللغة وهي الإسكان بسبب الاتفاق عليه في هذه المواضع، وكذا فيما بعده همزة مكسورة أو مضمومة كما يأتي وقد ذكرنا فيم مضى أن أكثر الياءات في غير كلمات الخلاف مسكنة والمجمع على فتحه من ذلك ما قبله ساكن مدغم أو ألف نحو:

ص: 287

"لَدَيَّ"، و"هُدَايَ"؛ للضرورة أو كان بعده لام التعريف نحو:{بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} ؛ حرصا على بيان الياء، وقيل حسن الإسكان في:{أَرِنِي} أن بعده: {لَنْ تَرَانِي} ، و {سَوْفَ تَرَانِي} .

ساكن الياء وفي: "تَفْتِنِّي" أن قبله "إيذن لي" ساكن الياء وأنه محل الوقف. وفي: {اتَّبَعَنِي} أن قبله: {جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ} ساكن الياء. وفي: {تَرْحَمْنِي} أن قبله {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} ساكن الياء. والله أعلم.

391-

ذَرُونِي وَادْعُونِي اذْكُرُونِيَ فَتْحُهَا

"دَ"وَاءٌ وَأَوْزِعْنِي مَعاً "جَـ"ـادَ "هُـ"ـطَّلا

أراد: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} ، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} فتح هذه المواضع من مدلول سما ابن كثير وحده:{أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ} في النمل والأحقاف1، وهو معنى قوله: معا، وتقدير الكلام: وفتح ياءي كلمتي: أوزعني معا، وقد تقدم بيان اصطلاحه في ذلك في قوله: وأرجئ معا، وفتح ياءي أوزعني في الموضعين: ورش والبزي والضمير في جاد يرجع إلى الفتح وهطلا جمع هاطل، والهطل تتابع المطر ويقال: جاد المطر إذا غزر، وهطلا: حال أي ذا هطل أي سحائب هطل، قال الجوهري: سحائب هطل: جمع هاطل ويجوز أن يكون جاد من الجودة أي جاد في نفسه أو يكون من جاد بماله إذا سمح به ونصب هطلا على ما ذكرناه وقيل هطلا تمييز على حد تفقأ زيد شحما أي جاد هطله والله أعلم.

392-

لِيَبْلُوَنِي مَعْهُ سَبِيلِي لِنَافِعٍ

وَعَنْهُ وَلِلْبصْرِي ثَمَانٍ تُنُخِّلا

معه أي مع ليبلوني، سبيلي فتحهما لنافع أراد:"لِيَبْلُوَنِيَ أَأَشْكُرُ"، "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو".

1 سورة النمل، آية: 19 والأحقاف، آية:15.

ص: 288

وعنه: يعني عن نافع، ولأبي عمرو فتح ثمانِ ياءات تنخل: أي اختير فتحها، ولو قال تنخلا: أي اختارا فتحها وتكون الألف ضمير التثنية كان أبين وأحسن، ثم بين مواضعها فقال:

393-

بِيُوسُفَ إِنيِّ الأَوَّلَانِ وَليِ بِهَا

وَضَيْفِي وَيَسِّرْ لِي وَدُونِي تَمَثَّلا

أراد: "إِنِّي أَرَانِيَ أَعْصِرُ خَمْرًا"، "إِنِّي أَرَانِيَ أَحْمِلُ" احترز بقوله: الأولون عن ثلاث ياءات أخر في يوسف بلفظ إني وبعدها همزة مفتوحة وهي:

"إِنِّيَ أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ"، "إِنِّيَ أَنَا أَخُوكَ"، "إِنِّيَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ".

فهذه الثلاث يفتحها سما على أصلهم ووجه الكلام ياء كلمتي إني الأولان أو إني إني الأولان ولكنه حذف أحدهما؛ لدلالة المراد من هذا الكلام على المحذوف، وكذا قوله: وأوزعني معا أي أوزعني أوزعني معا، وقوله: ولي بها أي بسورة يوسف أيضا أراد: "حَتَّى يَأْذَنَ لِيَ أَبِي"، و"ضَيْفِيَ أَلَيْسَ مِنْكُمْ" في هود1، و"يَسِّرْ لِيَ أَمْرِي" في طه2، "مِنْ دُونِيَ أَوْلِيَاءَ".

في آخر الكهف3 وقوله: تمثلا أي تشخّص ذلك وبان، فهذه ست ياءات، ثم ذكر الياءين الباقتين فقال:

394-

وَيَاءَانِ في اجْعَلْ لِي وَأَرْبَعٌ "ا"ذْ حَمَتْ

"هُـ"ـدَاهَا وَلكِنِّي بِهَا اثْناَنِ وُكِّلا

أراد: {اجْعَلْ لِي آيَةً} .

في آل عمران ومريم4 فهذه آخر الياءات الثمانية لنافع وأبي عمرو فتحها ثم ذكر أربعا فتحها لهما، وللبزي فقال: وأربع أي وفتحت أربع؛ إذ حمت تلك الأربع هداها أي ذوي هداها أي المهتدي لفتحها وهم قراؤها حمتهم من أن يطعن عليهم في فتحهم لها لحسن الفتح فيها ثم أخذ يبينها فقال: ولكني والواو من نفس التلاوة وليست عطفا أراد قوله تعالى: {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ} .

في هود والأحقاف5 وهو معنى قوله: بها اثنان والهاء في بها عائدة على: ولكني أي وكل بهذا اللفظ موضعان ثم ذكر ما بقي فقال:

395-

وتَحْتِي وَقُلْ في هُودَ إِنِّي أَرَاكُمُو

وَقُلْ فَطَرَنْ في هُودَ "هَـ"ـادِيهِ "أَ"وْصَلا

1 آية: 78.

2 آية: 36.

3 آية: 102.

4 آل عمران آية: 41 ومريم آية: 10.

5 هود، آية: 29، والأحقاف، آية:33.

ص: 289

أراد: "مِنْ تَحْتِيَ أَفَلا تُبْصِرُونَ" في الزخرف1، {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} 2. وفتح البزي ونافع:

"فطرنيَ أفلا تعقلون". وحذف الناظم الياء من فطرني وأسكن النون ضرورة؛ لأنه لا يستقيم الوزن في بحر الطويل بلفظ: فطرني لما فيه من توالي أربع حركات ويستقيم فيه اجتماع ثلاث حركات، ومعنى قوله: هاديه أوصلا أي أوصل فتحه وهاديه ناقله.

396-

وَيَحْزُنُنِي "حِرْمِيُّـ"ـهُمْ تَعِدَانِنِي

حَشَرْتَنِيَ اعْمى تَأْمُرُونِي وَصَّلا

وجميع ما في هذا البيت وصل الحرميان فتحه وليست الألف في وصلا للتثنية وإنما في وصل ضمير مستكن يرجع إلى لفظ حرمي؛ لأنه مفرد وإن كان مدلوله اثنين، ويجوز أن تكون الألف ضمير التثنية اعتبارا للمدلول أراد:{لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} {حَشَرْتَنِي أَعْمَى} 5 في طه، {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} 6 في الزمر، فهذه أربع آيات لفظ بإثنتين منها ساكنتين وبإثنتين مفتوحتين على ما اتفق نظمه على أن فتحته ياء:{حَشَرْتَنِي} يحتمل أن تكون حركة ياء الإضافة ووصل همزة أعمى ضرورة ويحتمل أن تكون حركة الهمزة نقلت إليها وهو أولى، فهذا آخر ما أهمل فتحه بعض مدلول سما ثم ذكر ما زاد معهم على فتحة غيرهم فقال:

397-

أَرَهْطِي "سَمَا مَـ"ـوْلًى وَمَالِي "سَمَا لِـ"وىً

لَعَلِّي "سَمَا كُـ"ـفْؤًا مَعِي "نَفَرُ" العُلا

يريد قوله تعالى: "أَرَهْطِيَ أَعَزُّ عَلَيْكُمْ".

1 آية: 51.

2 سورة هود، آية:84.

3 آية: 13.

4 الأحقاف، آية:17.

5 آية: 125.

6 آية: 64.

ص: 290

زاد على فتحه ابن ذكوان:

"مَا لِيَ أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ".

زاد على فتحه هشام لعلي زاد على فتحه ابن عامر بكماله وهو في ستة مواضع في القرآن:

"لَعَلِّي أَرْجِعُ" في يوسف1.

"لَعَلِّي آتِيكُمْ" في طه والقصص2.

لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا"3 في قد أفلح.

"لَعَلِّي أَطَّلِعُ" في القصص4.

"لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ" في غافر5.

ونصب: مولى ولوا وكفؤا على التمييز أو على الحال، والمولى: الناصر ولوى مقصور لواء، ويكنى به عن الشهرة وسموه موافق لذلك أي ارتفع لواؤه؛ هذا إن نصبناه على التمييز، وإن كان حالا فالتقدير: ذا لواء والكفؤ: المماثل، وأما "معي" في قوله تعالى:{مَعِيَ أَبَدًا} في براءة6، {مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا} في تبارك7، فزاد على فتحه ابن عامر أيضا وحفص وهو المذكور في أول البيت الآتي، ومعي مبتدأ ونفر العلا خبره أي ذو نفر العلا أي نفر الأدلة العلا أو يكون نفر العلا مبتدأ ثانيا وخبره أول البيت الآتي وهو قوله:

398-

"عِـ"مَادٌ وَتَحْتَ النَّمْلِ عِنْدِيَ "حُـ"سْنُهُ

"إِ"لَى "دُ"رِّهِ بِالخُلْفِ وَافَقَ مُوهَلا

1 آية: 46.

2 طه، آية: 10، والقصص آية:29.

3 آية: 100.

4 آية: 38.

5 آية: 37.

6 آية: 83.

7 آية: 28.

ص: 291

أي هم عماد له في فتحه فالجملة خبر معي، وقوله: عندي مبتدأ، وتحت النمل خبر أراد قوله تعالى في القصص:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} ، {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} 1.

وهذا الموضع هو الذي اختلف فيه عن بعض مدلول سما وهو ابن كثير، ولولا الخلف لما كان له حاجة لذكره؛ فإنه داخل في عموم ما تقدم لهم، وقوله: حسنه: مبتدأ أيضا؛ أي: حسن الفتح إلى دره وافق موهلا، وقوله: وافق هو خبر المبتدأ، وموهلا حال أي مجعولا أهلا للموافقة للصواب من قولهم: أهلك الله لكذا أي: جعلك أهلا له أو هو مفعول به أي وافق قارئا هذه صفته أو ذا أهل يشير إلى أن له أدلة وبراهين. وهذا آخر الكلام فيما بعده همزة مفتوحة.

ثم ذكر النوع الثاني وهو ما بعده همزة مكسورة فقال:

399-

وثِنْتَانِ مَعْ خَمْسِينَ مَعْ كَسْرِ هَمْزَةٍ

بِفتْحِ "أُ"ولِي "حُـ"كْمٍ سِوى مَا تَعَزَّلا

أي استقرت بفتح أولى حكم أي بفتح جماعة أصحاب حكم وعدل وذلك نحو: {فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ} ، {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ} ، {رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ} .

سوى ما تعزلا: أي ما انعزل عن هذا الأصل ففتحه بعض مدلول قوله: أولى حكم، أو زاد معهم غيرهم، ومن المواضع ما لم تزد فيه العدة، ولم تنقص، وخرج عن الأصل السابق، وهو موضعان: أحدهما خلف فيه قارئ عن قارئ وهو: "رُسُلِي" في سورة المجادلة2؛ فتحه ابن عامر وأسكنه أبو عمرو وهو مذكور في البيت الآتي، والثاني:"رَبِّي" في حم السجدة3؛ فتحه نافع وأبو عمرو على أصلهما لكن عن قالون فيه وجهان، وقد ذكر الخلاف فيه في سورته فهو نظير ما تقدم فيما بعده همزة مفتوحة من قوله:"عِنْدِي" في القصص4، وتعزل واعتزل واحد. قال الأحوص:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل

حذر العدا وبه الفؤاد موكل

1 آية: 78.

2 آية: 21.

3 آية: 66.

4 آية: 78.

ص: 292

400-

بَنَاتِي وَأَنْصَارِي عِبَادِي وَلَعْنَتِي

وَمَا بَعْدَهُ بِالفَتْحِ إِنْ شَاءَ أُهْمِلا

جميع ما في هذا البيت فتحه نافع وحده، فأهمل، فلم يجر عليه الحكم المتقدم، وهو فتحه لمدلول قوله: أولى حكم بل فتح لبعضهم وأراد: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ} ، {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى} في آل عمران والصف1، {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ} في الشعراء2، فحذف الباء ضرورة، وليس في القرآن لفظ "عبادي" بعده همزة مكسورة غير هذا فلا تلتبس هذه العبارة:{لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} ، والذي بعده إن شاء هو قوله تعالى:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ} حيث جاء، وهو في الكهف والقصص والصافات3، وإنما عبر عنه الناظم بهذه العبارة؛ لأن مثله لا يستقيم في وزن الشعر؛ لكثرة حركاته المتوالية، وليس في القرآن ياء إضافة بعدها إن شاء غير هذه اللفظة فتعينت، وعبر عنها في آخر الكهف بقوله: وما قبل إن شاء، وفي آخر القصص والصافات بقوله: وذو الثنيا أي الاستثناء والله أعلم.

401-

وَفِي إِخْوَتِي وَرْشٌ يَدِي "عَـ"نْ "أُ"ولِي "حِـ"ـمًى

وَفِي رُسُلِي "أَ"صْلٌ "كَـ"ـسَا وَافِيَ الْمُلا

أراد: {وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي} فتحها ورش وحده وأما: {يَدِيَ إِلَيْكَ} في المائدة4، فزاد حفص في أصحاب الفتح، وهم نافع وأبو عمرو وأما:{رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} ، ففتحها نافع وابن عامر، والملا: جمع ملاءة، وهي الملحفة البيضاء أراد أنها كسوة سابغة وافية، وانتصاب وافي الملا على أنه مفعول ثانٍ لكسا أي كسا الفتح كسوة وافية، ويجوز أن يكون حالا أي هذا الأصل، الكاسي: حاله أنه وافي الملا أي سابغ الكسوة جيدها والله أعلم.

1 آل عمران، آية: 52 والصف، آية:14.

2 آية: 52.

3 الكهف، آية: 69 والقصص، آية: 27 والصافات، آية:102.

4 آية: 128.

ص: 293

‌سورة آل عمران

{هَلُمَّ إِلَيْنَا} 1 على أن أصله ها لم، ثم حذفت ألفها، فكذا:"ها أنتم".

560-

وَيَقْصُرُ فِي التنْبِيهِ ذُو الْقَصْرِ مَذْهَبًا

وَذُو الْبَدَلِ الوَجْهانِ عَنْهُ مُسَهِّلا

ذكر في هذا البيت تفريع ما يقتضيه الخلاف في البيت السابق على التقديرين: من أن الهاء للتنبيه أو بدل من همزة، ونبه بقوله: ويقصر على أن كلامه في من في قراءته ألف، فخرج من ذلك قنبل وورش؛ إذ لا ألف في قراءتهما والقصر والمد لا يكونان إلا في حرف من حروف المد فقال: إذا حكمنا بأن الهاء للتنبيه صار المد في ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل مثل: "وما لنا أن لا".

وذلك أن ها كلمة وأنتم كلمة أخرى فيقصر من مذهبه القصر ويمد من مذهبه المد فخرج من هذا أن للبزي والسوسي القصر ولقالون والدوري خلاف تقدم، لكن على رواية المد لهما يتجه ههنا خلاف آخر مأخوذ من قوله: وإن حرف مد قبل همز مغير البيت قد تقدم شرحه، والباقون على المد فقوله: وذو البدل يعني من ذكرنا أن الهاء في مذهبه بدل من الهمزة عنه وجهان في حال تسهيله فلا يكون ذلك إلا في مذهب الدوري وقالون على رواية أما السوسي فإنه من ذوي القصر مذهبا، وأما ورش فلا ألف في قراءته فلا مد، وعلى الوجه الآخر الذي أبدل فيه الهمزة ألفا: مده بمقدار نطقه بألف نحو قال وباع لا زيادة عليه بقي من ذوي البدل هشام فله المد قولا واحدا؛ لأنه ليس بمسهل وكل هذا تفريع على أن "ها" للتنبيه لأصحاب البدل وغيرهم أما إذا قلنا إن الهاء بدل من الهمزة فالكل مستوون في المد بمقدار ألف كما يقرءون: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} 2.

وكما يقولون: قال وباع؛ لأنها ألف بين همزتين فليس هذا من المد المنفصل ولا المتصل، وقول الناظم وذو البدل وإن كان يعني به بدل الهاء من الهمز فلم يقل ذلك ليبني الخلاف على البدل؛ ذ لا مناسبة في ذلك، وإنما ذكره تعريفا لمن عنه الوجهان لا شرطا، فقال من ذكرنا: إن الهاء مبدلة من همزة في مذهبه إذا فرعنا على أنها أيضا في حقه للتنبيه هل يكون له مد نظر، إن كان مسهلا فوجهان؛ لأن الألف حرف مد قبل همز مغير وإن كان محققا مد بلا خلاف وهو هشام، هذا قياس مذهبهم وما يقتضيه النظم والمعنى فلا تختلف القراءة بالمد والقصر إلا على قولنا إن ها للتنبيه فما فرع الناظم إلا على هذا القول، ولم يفرع على قول البدل لوجهين؛ أحدهما: أن كون ها للتنبيه هو الأصح على ما اخترناه في شرح البيت السابق، الثاني: أنه ترك التفريع على ذلك لظهوره؛ لأنه لا يقتضي تفاوتا في المد للجميع؛ لأن التقدير تقدير: أنهم أدخلوا ألفا بين همزتين بعضهم جرى على أصله وبعضهم خالف في ذلك أصله وإدخال ألف بين همزتين لا يختلف في النطق

1 سورة الأحزاب، آية:18.

2 سورة يس، آية:10.

ص: 293

402-

وَأُمِّي وَأَجْرِي سُكِّنَا "دِ"ينُ "صُحْبَةٍ"

دُعَاءِي وَآباءِي لِكُوفٍ تَجَمَّلا

أراد: {وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} ، و {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا} حيث جاء زاد على فتحهما ابن عامر وحفص، ونصب قوله: دين صحبة على أنه مصدر مؤكد مثل: {صِبْغَةَ اللَّهِ} و {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} .

والدين: العادة أي هي عادة صحبة إسكان ياءات الإضافة أي مذهبهم وطريقتهم وما يتدينون به في قراءة القرآن، وقيل نصبه على الحال من الإسكان المفهوم من قوله: سكنا أي أوقع الإسكان فيهما في حال كونه دين صحبة، وعبر في هذا الباب تارة بالفتح وتارة بالإسكان على قدر ما سهل عليه في النظم كما فعل في باب حروف قربت مخارجها عبر تارة بالإدغام وتارة بالإظهار، فمن أول الباب إلى هنا كان كلامه في الفتح، وفي هذا البيت وما بعده إلى انقضاء الكلام فيما بعده همزة مكسورة كلامه في الإسكان، وما بعد ذلك يأتي أيضا تارة فتحا وتارة سكونا، وتعبيره في هذا الباب بالإسكان أولى من تعبيره بالفتح؛ لأنه إذا قال فلان أسكن تأخذ لغيره بضد الإسكان وهو التحريك المطلق، والتحريك المطلق هو الفتح على ما تقرر في شرح الخطبة، وأما إذا قال: افتح فليس ضده أسكن إنما ضده عند الناظم اكسر، ولو قال: موضع الفتح حرك بفتح لصحت العبارة كما أن عادته أن يقول في الضم والكسر والفتح وحرك عين الرعب ضما ومحرك؛ ليقطع بكسر اللام، وليحكم بكسر، ونصبه بحركة؛ فإن ضد ذلك كله الإسكان لأجل لفظ التحريك وأما:{دُعَائي إِلَّا} في نوح1، {مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ} في يوسف2 فأسكنهما الكوفيون فزاد على فتحهما ابن كثير وابن عامر، وقوله: لكوف متعلق بتجملا وهو خبر دعائي وآبائي والألف ضمير التثنية أي حسنا في نظرهم بالإسكان فأسكنوهما فقوله: تجملا بالجيم، ويأتي في سورة النساء بالحاء على ما نبينه إن شاء الله تعالى.

403-

وَحُزْنِي وَتَوْفِيقِي "ظِـ"ـلَالٌ وَكُلُّهُمْ

يُصَدِّقْنِيَ انْظِرْنِي وَأَخَّرْتَنِي إِلى

{وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} و {مَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} : أسكنهما الكوفيون وابن كثير، فيكون قد زاد على فتحهما ابن عامر، وظلال جمع ظل أي هما ذوا ظلال لمن استظل بهما وهو المتصف بهما، وفقنا الله تعالى للحزن على ما فرطنا فيه من أعمارنا أي حزنه على ما سلف وتوفيق الله إياه لطاعته ظلال واقية من النار، ثم قال: وكلهم؛ أي: وكل القراء أسكنوا ستة ألفاظ ذكر في هذا البيت منها ثلاثة والباقي في البيت الآتي، وليست من جملة العدة السابقة والسبب في ذكره المتفق على

1 آية: 6.

2 آية: 38.

ص: 294

إسكانه هنا: هو ما ذكرناه عند ذكر ما اتفق على إسكانه فيما بعده همزة مفتوحة غير أنه في ذلك النوع بدأ بذكر المتفق على إسكانه وهنا ختم به هذا النوع وأراد: {يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ} في القصص1، {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ} في الأعراف والحجر وص2، {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} في آخر المنافقين3، وأما قوله تعالى في سبحان:{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} 4 فمذكور في باب ياءات الزوائد وحكم ياءات الزوائد أن من أثبتها لا يفتحها إلا في المواضع المستثناة وهي ثلاثة في النمل والزمر والزخرف ففيهما اختلاف وسيأتي ذكر الذي في الزخرف آخر هذا الباب والذي في النمل والزمر في باب الزوائد.

فإن قلت: كيف يلفظ في البيت بقوله: "يصدقني"، "أنظرني"؟

قلت: يحتمل وجهين، وكلاهما لا يخلو من ضرورة: أحدهما بضم القاف على قراءة عاصم وحمزة فيلزم من ذلك وصل همزة القطع في: "أَنْظِرْنِي"، وحذف الياء؛ لالتقاء الساكنين والثاني بإسكان القاف على قراءة الجماعة فيلزم من ذلك فتح الياء وهي لم يفتحها أحد من القراء مع وصل همزة القطع ويجوز أن يعتذر عن هذا بأن يقال: لم يصل همزة القطع على هذا الوجه بل نقل حركة الهمزة إلى الياء كما تقول العرب: أبتغي أمره فالياء على هذا كأنها ساكنة في التقدير؛ لأن الفاء جاء من عارض نقل حركة الهمزة وليس الفتح من باب فتح ياء الإضافة.

فإن قلتَ: فحذف الهمزة من: "أَنْظِرْنِي" لا يقرأ به أحد.

قلتُ: حذف الهمزة لا بد منه في الوجهين المذكورين فما فيه إثبات الياء أولى مما فيه حذفها إلا أنه يعارض هذا أن فتح الياء قراءة وحذفها معلوم يوهم أنه؛ لالتقاء الساكنين فالوجهان متقاربان؛ لتعارض الكلام

1 آية: 34.

2 الأعراف، آية: 14، والحجر، آية: 36، ص آية:79.

3 آية: 10.

4 آية: 62.

ص: 295

فيهما ويحتمل وجهًا ثالثًا بإسكان القاف وحذف الياء مع بقاء كسرة النون وتبقى همزة: "أَنْظِرْنِي" ثابتة مفتوحة بحالها، ويكون هذا أولى بالجواز من قوله قبل ذلك وقل:"فطرن" في هود فإنه حذف الياء من: "فَطَرَنِي" وأسكن النون فحذف الياء مع بقاء كسرة النون أولى.

404-

وَذُرِّيَّتِي يَدْعُونَنِي وَخِطَابُهُ

وَعَشْرٌ يَلِيهَا الهَمْزُ بِالضَّمِّ مُشْكَلا

أراد: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ} ، {مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} في يوسف1، وأراد بقوله: وخطابه أن يأتي هذا اللفظ بالتاء وهو موضعان في غافر: {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} ، و {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} فهذه أربع ياءات، وتقدم خمس فالمجموع تسع مجمع على إسكانها في ستة ألفاظ تكرر واحد مرتين، وهو:"تَدْعُونَنِي". بالخطاب وتكرر آخر ثلاثا وهو: "أَنْظِرْنِي".

ثم ذكر النوع الثالث فقال: وعشر أي وعشر ياءات تليها الهمزة المضمومة ومشكلا حال من الهمز يقال: شكلت الكتاب وأشكلته وقد تقدم ذكره في آخر باب الهمزتين من كلمتين والعشر قوله: {إِنِّي أُعِيذُهَا} ، {إِنِّي أُرِيدُ} في المائدة والقصص، {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ} ، {إِنِّي أُمِرْتُ} في الأنعام والزمر2، {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ} ، {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ} ، {أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} ، {إِنِّي أُلْقِيَ} ؛ فتحها جميعا نافع وحده وأسكنها الباقون وأجمعوا على إسكان ياءين وقد ذكر ذلك في قوله:

1 آية: 33.

2 الآيتان: 41 و43.

ص: 296

405-

فَعَنْ نَافِعٍ فَافْتَحْ وَأَسْكِنْ لِكُلِّهِمْ

بِعَهْدِي وَآتُونِي لتَفْتَحَ مُقْفَلا

يريد قوله تعالى: {بِعَهْدِي أُوفِ} ، {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ} .

وإنما ذكرهما للمعنى الذي ذكرناه في المفتوحة والمكسورة ولم يتعرض صاحب التيسير لذكر المجمع عليه من ذلك لا في التي قبل الهمزة المفتوحة ولا المكسورة ولا المضمومة، وكأنه اتكل على بيان المختلف فيه في آخر كل سورة، وحسنت المقابلة في قوله: لتفتح مقفلا بعد قوله: وأسكن، أي: لتفتح بابا من العلم كان مقفلا قبل ذكره والله أعلم.

406-

وَفِي اللَاّمِ لِلتَّعْرِيفِ أَرْبَعُ عَشْرَةٍ

فَإِسْكَانُهَا "فَـ"ـاشٍ وَعَهْدِي "فِـ"ـي "عُـ"لا

هذا النوع الرابع وهو ما بعده همزة وصل بعدها لام التعريف ومجموع الهمزة واللام عند قوم هو المعرف وتقدير قوله: وفي اللام أي وفي قبل اللام، فحذف المضاف للعلم به، ولو قال: وفي قبل اللام لكان على حذف الموصول تقديره وفي الذي قبل اللام وكل ذلك قد جاءت له نظائر في اللغة، ونون قوله: أربع عشرة ضرورة، كما قال العرجي:

فجاءت تقول الناس في تسع عشرة

وجوز الفراء الإضافة مع التنوين في الشعر قال في كتاب "المعاني" أنشدني أبو ثروان:

كلف من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجته

قلت: فعلى هذا يجوز في بيت الشاطبي أربع عشرة برفع أربع وجر عشرة مع التنوين، فأسكن الأربع عشرة جميعها حمزة ووافقه غيره في بعضها، وقوله فاشٍ: أي منتشر شائع خلافا لما نقل عن الكسائي عن العرب من ترك ذلك وقد تقدم ذكره ووافق حفص حمزة على إسكان: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} .

407-

وَقُلْ لِعِبَادِي "كَـ"ـانَ "شَـ"رْعاً وَفِي النِّدَا

"حِـ"ـمًى "شَـ"ـاعَ آيَاتِي "كَـ"ـمَا "فَـ"ـاحَ مَنْزِلا

أراد: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} وافق على إسكانها ابن عامر والكسائي، ووافق على إسكان عبادي إذا جاء بعد حرف النداء أبو عمرو والكسائي وذلك في موضعين: في العنكبوت: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} ، وفي الزمر:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} 1، وهو ملبس بالتي في أول الزمر:{يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} 2.

1 العنكبوت، آية: 56 والزمر آية: 53.

2 آية: 10.

ص: 297

وإنما لم يأت فيها خلاف؛ لأن الياء محذوفة منها في الرسم باتفاق، وإذا لم تكن ياء فلا فتح وأما:"آيَاتِي" ففي الأعراف: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ} 1، وافق ابن عامر على إسكانها، وتقدير معنى البيت: كان إسكانه شرعا وهو في الندا حمى شاع، وفاح: أي تضوع وظهرت رائحته ومنزلا تمييز ثم عد هذه الأربع عشرة ياء فقال:

408-

فَخَمْسَ عِبَادِي اعْدُدْ وَعَهْدِي أَرَادَنِي

وَرَبِّي الَّذِي آتَانِ آياتِي الحُلا

409-

وَأَهْلَكَنِي مِنْهَا وَفِي: ص مَسَّنِي

مَعَ الأَنَبِيَا رَبِّي فِي الَاعْرَافِ كمَّلا

تقدم ذكر عهدي وآياتي وثلاثة من لفظ عبادي وبقي اثنان: {عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} {عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وأما {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ} ، فيأتي في باب الزوائد وأنث لفظ الخمس بحذف الهاء منه على تأويل إرادة الكلمات، وقوله: أرادني، أراد:{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرّ} ، {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي} ، {آتَانِيَ الْكِتَابَ} .

في مريم2 وأما: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} .

فيأتي ذكره في باب الزوائد، والحلا جمع حلية وهي صفة للكلمات المذكورة وحذف الياء من آتاني ضرورة، ويجوز إثبات الياء وفتحها نقلا لحركة همزة آياتي إليها على حد قوله:{حَشَرْتَنِي أَعْمَى} .

ولو حذف الياء ثم وأثبت الهمزة لكان سائغا كما فعل هنا في: "آتان"، "آياتي".

فالحاصل: أن كل واحد من الموضعين يجوز فيه ما نظمه في الآخر ومنها: {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} ، {مَسَّنِيَ الضُّرّ} في الأنبياء3، {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} في ص3، {حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} في الأعراف4، فهذه أربع عشرة ياء، وعدها صاحب التيسير ست عشرة فزاد ما في النمل والزمر:

1 آية: 146.

2 آية: 30.

3 آية 83.

4 آية: 41.

ص: 298

{آتَانِيَ اللَّهُ} ، "فبشر عبادي الذين".

وإنما بين سورتي "مسني" دون سور باقي الياءات؛ لأن في الأعراف: {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} مجمعا على فتحه، وإنما عد الشاطبي ياءات هذا النوع دون الأنواع التي سبقت؛ لئلا تشتبه بغيرها نحو:{شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ} ، {نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ} ، {بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} ؛ لأنه لم يذكر المجمع عليه من هذا القسم؛ لكثرته فرأى عده أيسر عليه، والمجمع عليه من هذا القسم مفتوح، والمجمع عليه من ما مضى مسكّن، ثم ذكر النوع الخامس فقال:

410-

وَسَبْعٌ بِهَمْزِ الوَصْلِ فَرْدًا وَفَتْحُهُمْ

أَخِي مَعَ إِنِّي "حَـ"ـقَّهُ لَيْتَنِي "حَـ"ـلا

أي وسبع ياءات إضافة بعدها همزة الوصل دون لام التعريف، فلهذا قال: فردا وهو حال من الهمز، ثم أخذ يذكرها واحدة بعد واحدة ولم يعمها بحكم لأحد كما فعل في الأنواع السابقة؛ لأن كل واحدة منها تختص برمز إلا واحدة وافقت أخرى في الرمز بهذا البيت فجمعهما، وبدأ بهما فقال:"أخي" مع إني أراد: {أَخِي، اشْدُدْ} في طه، فهمز الوصل بعدها في قراءة من فتحها وغيره، وهي همزة قطع في قراءة ابن عامر كما يأتي وفي الأعراف:{إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ} ، فتحهما ابن كثير وأبو عمرو وانفرد أبو عمرو بفتح:{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ} ، وهو يفتح الجميع وابن كثير يفتح ما عدا:{يَا لَيْتَنِي} في رواية البزي، ونافع يفتح ما عدا هذا البيت ثم تممها فقال:

411-

وَنَفْسِي "سَمَا" ذِكْرِي "سَمَا" قَوْمِي "ا"لرِّضَا

"حَـ"ـمِيدُ "هُـ"دًى بَعْدِي "سَمَا صَـ"فْوُهُ وِلا

1 النمل آية: 36 والزمر آية: 17.

ص: 299

أراد في طه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي، اذْهَبْ} ، {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي، اذْهَبَا} 1، فتحهما مدلول سما، وكرر لهما الرمز من غير حاجة إلى تكريره سوى ضرورة النظم، وخرج منهم قنبل في فتح:{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا} في الفرقان2 وزاد مع سما أبو بكر ففتحوا: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} ، والولاء بكسر الواو والمد: المتابعة ونصبه على التمييز: أي سمت متابعة صفوة.

412-

وَمَعَ غَيْرِ هَمْزٍ فِي ثَلَاثيِنَ خُلْفُهُمْ

وَمَحْياَيَ "جِـ"ـي بالْخُلْفِ وَالْفَتْحُ "خُـ"ـوِّلا

وهذا النوع السادس الذي ليس بعده همز أصلا لا همز قطع ولا همز وصل، ثم شرع يذكرها واحدة بعد واحدة فبدأ بقوله تعالى:"وَمَحْيَايَ" في آخر الأنعام فالواو من جملة التلاوة لا عاطفة، فذكر أن قالون أسكنها، ولورش فيها خلاف، وفتحها الباقون وهو لأقيس في العربية فلذا قال: خولا أي ملك وإنما ضعف الإسكان لما فيه من الجمع بين الساكنين ولا يليق بفصاحة القرآن إلا ذلك، ألا ترى كيف أجمعوا على الفتح:"مَثْوَايَ"، و"هُدَايَ"، وكلاهما مثل:"مَحْيَايَ".

وشنع بعض أهل العربية على نافع رحمه الله متعجبا منه: كيف أسكن: "مَحْيَايَ"، وفتح بعدها:"مَمَاتِي"، وكان الوجه عكس ذلك أو فتحهما معا، والظن به أنه فتحهما معا، وهو أحد الوجهين عن ورش عنه، وهي الرواية الصحيحة فقد أسندها أبو بكر بن مجاهد في كتاب الياءات عن أحمد بن صالح عن ورش عن نافع: الياء في: "مَحْيَايَ وَمَمَاتِي" مفتوحتان، وفي أخرى عن ورش قال: كان نافع يقرأ أولا محياي ساكنة الياء، ثم رجع إلى تحريكها بالنصب. قلتُ: فهذه الرواية تقضي على جميع الروايات؛ فإنها أخبرت بالأمرين، ومعها زيادة علم بالرجوع عن الإسكان إلى التحريك فلا تعارضها رواية الإسكان؛ فإن الأولى معترف بها، ومخبر بالرجوع عنها، وكيف وإن رواية إسماعيل بن جعفر وهو أجل رواة نافع: موافقة لما هو المختار، قال ابن مجاهد: أخبرني محمد

1 الآيتان: 41 و42.

2 آية: 30.

ص: 300

ابن الجهم عن الهاشم عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة ونافع أنهم ينصبون الياء في: {مَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} .

قلتُ: وهذه الآية مشتملة على أربع ياءات: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} .

فالأولتان ساكنتان بلا خلاف في هذه الطرق المشهورة، فكأن نافعا أسكن اثنتين وفتح اثنتين، ولا ينبغي لذي لب إذا نقل له عن إمام روايتان أحداها أصوب وجها من الأخرى أن يعتقد في ذلك الإمام إلا أنه رجع عن الضعيف إلى الأقوى، ولا يغتر بما ذكره الداني في كتاب الإيجاز من اختياره الإسكان، وذكر وجهه من جهة العربية؛ فإن غاية ما استشهد به قول بعض العرب التقت حلقتا البطان وله ثلثا المال بإثبات الألف فيهما، وهذا ضعيف شاذ لم يقرأ بمثله؛ ألا ترى أن الإجماع على أن الألف محذوفة من نحو هذا مثل:{ادْخُلا النَّارَ} ، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} .

وأما استشهاده بقراءة أبي عمرو: "والَّلاى" بإسكان الياء فسيأتي الكلام عليه في سورة الأحزاب وحكمه حكم: "مَحْيَاي".

وقول الناظم: جئ بالخلف أي ائت به، وانظر في اختلاف الروايات يَبِنْ لك الصواب إن شاء الله تعالى.

413-

وَ"عَمَّ عُلا" وَجْهِي وَبَيْتِي بِنُوحِ "عَـ"ـنْ

"لِـ"ـوًى وَسِوَاهُ "عُـ"ـدْ "أَ"صْلًا "لِـ"ـيُحْفَلا

يريد: {وَجْهِيَ لِلَّهِ} في آل عمران1، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} 2 في الأنعام، {بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} 3 وسواه يعني سوى الذي في نوح وهو:

1 آية: 20.

2 آية: 79.

3 آية: 125.

ص: 301

{بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} في البقرة والحج1، وتقدير البيت: وعم فتح وجهي علا، وفتح بيتي وارد لواء؛ أي: عن ذي لواء وشهرة قصروه ضرورة كما قال:

لو كنت من هاشم أو من بني أسد

أو عبد شمس أو أصحاب اللوى الصيدِ

يريد بأصحاب اللواء بني عبد الدار بن قصي. وقوله: عد أصلا أي عده أصلا لفتح الذي بنوح؛ ليتضح عذر من عمم الفتح للجميع يقال: حفلته أي جلوته، وحفلت كذا أي باليت به، وفلان محافل على حسبه إذا صانه.

414-

وَمَعْ شُرَكَاءِي مِنْ وَرَاءِي "دَ"وَّنُوا

وَليِ دِينِ "عَـ"ـنْ "هَـ"ـادٍ بِخُلْفٍ "لَـ"ـهُ "ا"لحَلا

يريد: {أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا} ، {مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ} ، {وَلِيَ دِينِ} آخر سورة الكافرين، له أي للخلف، والحلا جمع حلية.

415-

مَمَاتِي "أَ"تَى أَرْضِي صِرَاطِي ابْنُ عَامِرٍ

وَفِي النَّمْلِ مَالِي "دُ"مْ "لِـ"ـمَنْ "رَ"ـاقَ "نَـ"ـوْفَلا

لو أتى بهذا البيت بعد محياي كان أولى؛ لأنه يتصل الكلام في: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} ، وأراد {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} ، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} ، {مَا لِيَ لَا أَرَى} .

وراق الشيء صفا، والنوفل: السيد المعطي وهذا الكلام مليح: أي دم نوفلا لمن راق، وصفا باطنه وظاهره.

416-

وَلِي نَعْجَةُ مَا كَانَ لِي اثْنَيْنِ مَعْ مَعِي

ثَمَانٍ "عُـ"ـلًا وَالظُّلَّةُ الثَّانِ "عَـ"ـنْ "جِـ"ـلا

أي وفتح هذه المواضع علا واثنين حال من قوله ما كان لي يريد: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ} في إبراهيم2، {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ} في ص3، ومعي في ثمانية مواضع:

{مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ} في الأعراف4.

1 البقرة: 125 والحج، آية:26.

2 آية: 22.

3 آية: 69.

4 آية: 105.

ص: 302

{مَعِيَ عَدُوًّا} في التوبة1.

{مَعِيَ صَبْرًا} ثلاثة في الكهف2.

{ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} في الأنبياء3.

{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} في الشعراء4.

{مَعِيَ رِدْءًا} في القصص5.

فَتَحَ الجميعَ حفصٌ وتابعه ورش على الثاني في سورة الظلة، وهي سورة الشعراء؛ لأن فيها:{عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} يريد قوله تعالى في قصة نوح: {وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 6؛ أي وحرف الظلة الثاني فتحه، عن جلا أي كشف وجلوت الشيء: كشفته.

417-

وَمَعْ تُؤْمِنُوا لِي يُؤْمِنُوا بِي "جَـ"ـاوَيَا

عِبَادِيَ "صِـ"ـفْ وَالحَذْفُ "عَـ"ـنْ "شَـ"ـاكِرٍ "دَ"لا

يريد: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي} في الدخان7، {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} في البقرة8 فتحهما ورش، {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} في الزخرف9، فتحها أبو بكر وحذفها عن شاكر دلا أي أخرج دلوه ملأى يشير إلى قوة مذهبهم

1 آية: 83.

2 الكهف آيات: 67 و72 و75.

3 آية: 24.

4 آية: 62.

5 آية: 34.

6 آية: 118.

7 آية: 21.

8 آية: 68.

9 آية: 68.

ص: 303