الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجب الظهر ليس له سنام1
يروى الظهر بالحركات الثلاث وأشار بما في عجز هذا البيت إلى حديث خرجه أبو داود في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم".
قال الخطابي: معناه المنقطع الأبتر الذي لا نظام له، قلت: وروي هذا الحديث مرسلا وروي: "أقطع" موضع: "أجذم" وروي: "لم يبدأ فيه بذكر الله
…
".
فتكون البسملة على هذا إذا اقتصر عليها مخرجة من عهدة العمل بهذا الحديث ولو أن الناظم رحمه الله قال: وثنيت أن الحمد وثلثت: صلى الله لكان أولى تقديما لذكر الله تعالى على ذكر رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ووجه ما ذكر أنه أراد أن يختم خطبته بالحمدلة فإن ذكر الله تعالى قد سبق بالبسملة فهو كقوله سبحانه في آخر سورة والصافات:
1 وقبله قوله:
وتمسك بعده بذئاب عيس
بعض ما جاء في ذكر القرآن العزيز وفصل قراءته
…
بعض ما جاء في ذكر القرآن العزيز وفضل قراءته:
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1 والله أعلم.
5-
وَبَعْدُ فَحَبْلُ اللهِ فِينَا كِتَابُهُ
…
فَجَاهِدْ بِهِ حِبْلَ الْعِدَا مُتَحَبِّلَا
أي وبعد هذه الخطبة أذكر بعض ما جاء في فضائل القرآن العزيز وفضل قرائه "وحبل الله: مبتدأ، وفينا: متعلق به من حيث المعنى على ما نفسر به الحبل أو يكون صلة لموصول محذوف أي الذي فينا وكتابه خبر فحبل، ويجوز أن يكون فينا هو الخبر وكتابه خبر مبتدأ محذوف أي هو كتابه والفاء في فحبل رابطة للكلام بما قبله ومانعة من توهم إضافة بعد إلى حبل والعرب تستعير لفظ الحبل في العهد والوصلة والمودة وانقطاعه في نقيض ذلك، فلذلك استعير للقرآن العزيز لأنه؛ وصلة بين الله تعالى وبين خلقه من تمسك به وصل إلى دار كرامته، وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره في تفسير قوله عز وجل:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} 2.
أنه القرآن، وفي كتاب الترمذي من حديث الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه في حديث طويل في وصف القرآن قال:"هو حبل الله المتين".
وفي كتاب أبي بكر بن أبي شيبة في ثواب القرآن عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض".
1 وقبله قوله:
وتمسك بعده بذئاب عيس
2 سورة الصافات، آخر آية.
3 سورة آل عمران، آية:103.
وفيه عن ابن شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به".
وقوله: {فَجَاهِدْ بِهِ} أي بالقرآن العزيز كما قال تعالى: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} 1.
أي بحججه وأدلته وبراهينه والحبل بكسر الحاء الداهية ومتحبلا حال من فاعل فجاهد يقال تحبل الصيد إذا أخذه بالحبالة وهي الشبكة واستعمل التجانس في هذا البيت والذي بعده وهو مما يعد من الفصاحة في الشعر وغيره:
6-
وَأَخْلِقْ بهِ إذْ لَيْسَ يَخْلُقُ جِدَّةً
…
جَدِيداً مُوَاليهِ عَلَى الْجِدِّ مُقْبِلَا
أخلق به تعجب أي ما أخلقه بالمجاهدة به أي ما أحقه بذلك يقال هو خليق بكذا أي حقيق به وإذ هنا تعليل مثلها في قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} 2.
ويقال: أخلق الثوب خلق إذا بلى وجدّة تمييز وهي ضد البلى يستعار ذلك للقرآن العزيز لما جاء في الحديث عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا: "إن هذا القرآن حبل الله لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد". أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب المدخل أي لا يحدث له البلى ناشئا عن كثرة ترداده وتكراره ومرور الزمان عليه وجديدا فعيل من الجد بفتح الجيم وهو العظمة والعزة والشرف وانتصابه على الحال من ضمير يخلق العائد على القرآن العزيز أو على المدح ومواليه بمعنى مصافيه وملازمه العامل بما فيه وهو مبتدأ وعلى الجد خبره فهي جملة مستأنفة أي حصل على الجد واستقر عليه والجد بكسر الجيم ضد الهزل ومقبلا حال من الضمير المقدر في الخبر الراجع على مواليه أي استقر على الجد في حال إقباله عليه واحتفاله به عملا وعلما يشير إلى ما كان الأولون عليه من الاهتمام به، ويجوز أن يكون مواليه فاعل جديدا فيكون بمعنى جديدا له وإن كان حالا من القرآن العزيز لفظا نحو رأيت زيدا كريما غلامه وعلى هذا يكون في على الجد ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون حالا ومقبلا حال بعد حال:
والثاني: أن يكون معمول مقبلا قدم عليه:
والثالث: أن يكون معمول مواليه أي للذي والاه على الجد حصل له العز والشرف وعند هذا يجوز أن يكون الجد ههنا من الجد في الأمر وهو الاجتهاد فيه وهو يئول إلى ضد الهزل، والله أعلم:
7-
وَقَارِئُهُ الْمَرْضِيُّ قَرَّ مِثَالُهُ
…
كاَلاتْرُجّ حَالَيْهِ مُرِيحًا وَمُوكَلَا
نظم في هذا البيت ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 سورة الفرقان، آية:52.
2 سورة الزخرف، آية:39.
"مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب"
…
الحديث.
فقوله: "وقارئه" مبتدأ والمرضي صفته وأراد به تفسير المؤمن المذكور في هذا الحديث لأنه ليس المراد به أصل الإيمان بل أصله ووصفه، وفي كتاب الترمذي من حديث صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ما آمن بالقرآن من استحل محارمه".
والجملة من قوله: "قر مثاله" هي خبر المبتدأ وقر بمعنى استقر أي استقر مثاله مشابها للأترج ويجوز أن يكون المرضي خبر المبتدأ أي لا يعد قارئا للقرآن إلا من كان مرضي الطريقة ثم استأنف جملة فعلية فقال قر مثاله كالأترج ويجوز أن يكون قر وحده هو خبر المبتدأ وفيه ضمير عائد على القارئ: أي قرت عينه أو استقر أمره بنيل درجات الأبرار ثم استأنف جملة اسمية بقوله: مثاله كالأترج فقوله: كالأترج خبر مثاله وعلى هذا يجوز أن يكون قر دعاء كما تقول زيد العاقل أقر الله عينه، والأترج بتشديد الجيم والأترنج بالنون لغتان، وكلاهما مستقيم في وزن البيت وإنما اختار لغة التشديد للفظ الحديث وحاليه بدل اشتمال من الأترج، ومريحا وموكلا حالان من الأترج يقال أراح الطيب: إذا أعطى الرائحة وآكل الزرع وغيره: إذا أطعم والله أعلم.
8-
هُوَ الْمُرْتَضَى أَمًّا إِذَا كَانَ أُمَّهً
…
وَيَمَّمَهُ ظِلُّ الرَّزَانَةِ قَنْقَلَا
فسر بهذا البيت ما عناه بقوله المرضي فقوله: هو ضمير القارئ المرضي أو ضمير القارئ مع الإعراض عن وصفه بالمرضي؛ لأنه أغنى عنه قوله: المرتضى أما
…
إلى آخر البيت، ويجوز أن يكون هو المرتضى خبر قوله: وقارئه المرضي وما بينهما من قوله قر مثاله خر البيت اعتراض وإما تمييز ومعناه القصد أي هو المرتضى قصده تيمنا به وانتفاعا بعلمه وكان بمعنى صار ويقال للرجل الجامع للخير أمة كأنه قام مقام جماعات؛ لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من المصالح ومنه قوله تعالى:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} 1.
وقوله: ويممه أي قصده والرزانة الوقار وقد رزن الرجل بالضم فهو رزين أي وقور ثابت، واستعار للرزانة ظلا إشارة إلى شمول الوقار له واستراحته في ظله وأمنه من تخليط الناقص من عقله وجعل الرزانة هي التي تقصده كأنها تفتخر به وتتزين بأن تظله لكثرة خلال الخير فيه مبالغة في مدحه، وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم:"من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت".
وعن عبد الملك بن عمير قال: كان يقال: إن أبقى الناس عقولا قراء القرآن وقنقلا حال من ظل الرزانة: أي مشبها قنقلا وكذا يقدر في ما جاء مثله مما هو منصوب على الحال وليس بمشتق كقوله: وانقاد معناه يعملا والقنقل: المكيال الضخم وكان لكسرى تاج يسمى القنقل والقنقل أيضا: الكثيب من الرمل،
1 سورة النحل، آية:120.
يشير إلى عظم الرزانة وتوفرها إن قصد الكثيب أو المكيال وإن قصد التاج قدرت الحال بمتوجا ومن كلامهم جلس فلان وعليه السكينة والوقار، فإن قلت: علام عطف قوله: ويممه؟ قلت: يحتمل وجهين أحدهما أن يكون عطفا على معنى المرتضى: أي هو الذي ارتضى أمة ويممه الوقار فهو من باب قوله تعالى:
{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} 1.
أي إن الذين تصدقوا وأقرضوا ويكون مضمون البيت ثناء عليه بأنه مرتضى كامل العقل، والوجه الثاني أن يكون معطوفا على كان أمة أي إذا اتصف بهاتين الصفتين أي أن قارئ القرآن إنما يرتضى للاقتداء به ويقصد للانتفاع به بشرطين وهما أن يكون جامعا للخير وافر العقل والله أعلم.
9-
هُوَ الْحُرُّ إِنْ كانَ الْحَرِيّ حَوَارِياً
…
لَهُ بِتَحَرّيهِ إلَى أَنْ تَنَبَّلَا
هو ضمير القارئ المرتضى قصده الذي هو أمة وافر العقل، أو يكون ضمير القارئ مع الإعراض عن تلك الأوصاف؛ لأنه يغني عنها اشتراطها بقوله: إن كان الحري أي إن كان الحري بها ولهذا قال بعضهم: إن إن بمعنى إذ ولو أراد الناظم ذلك لقال إذ وكان تعليلا والوزن موافق له فل حاجة إلى ارتكاب ما لم يثبت لغة وإن ثبت فهو لغة بعيدة ضعيفة، فإن قلنا: هو ضمير القارئ بصفاته فكل بيت كأنه تأكيد لما قبله، وإن قلنا: هو ضمير القارئ مطلقا كان كل بيت مستقلا بالغرض من وصفه بما يستحق به الإمامة والحرية، على أني أقول قوله بتحريه صلة الحري وليس المراد الحري بها بل الحري بالتحري وقوله: حواريا له معترض بينهما والحر الخالص من الرق أي لم تسترقه دنياه ولم يستعبده هواه؛ لأنه لما تحقق بتدبر القرآن وفهم معانيه صغرت في عينه الدنيا وأهلها كقوله تعالى:
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} ، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} 2، {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} 3، {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 4.
إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى وما أحسن ما قاله الشاطبي رحمه الله من قصيدة له:
لمن يترك القراء وردٌ فراته
…
ورودا من الدنيا أجاج المشارب
ولو سمع القراء حين اقترائهم
…
لفي آل عمران كنوز المطالب
بها ينظر الدنيا بعين احتقارها
…
فقيه المعاني غير عاني الذوائب
يعني قوله تعالى:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} إلى قوله {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} 5
1 سورة الحديد، آية:18.
2 سورة الحديد، آية:20.
3 سورة العنكبوت، آية:64.
4 سورة طه، آية:31.
5 سورة آل عمران، آبة:14.
وما أحلى قوله: "فقيه المعاني" يعني من أعطاه الله فهما وفقها في معاني القرآن العزيز فهذا هو الذي يحتقر الدنيا عند تلاوته لهذه الآية ونظائرها لا الفقيه الذي هو أسير الذوائب المتقيد بلباسه وخدمة أهل الدنيا ففقيه المعاني محرر عن رق الأشياء، ويحتمل قوله: هو الحر معاني أخر ذكرناها في الكبير، والحري بمعنى الحقيق، والحواري: الناصر الخالص في ولائه والياء مشددة خففها ضرورة، والتحري القصد مع فكر وتدبر واجتهاد أي يطلب هو الأحرى، والهاء في له للقرآن العزيز وفي تحريه للقارئ أو للقرآن، وحواريا خبر لكان بعد خبر أو حال من ضمير الحري العائد على القارئ، ويجوز أن يكون بتحريه متعلقا بحواريا أي ناصرا له بالتحري أو تكون الباء للمصاحبة أي مصاحبا للتحري فيه هذا كله على أن يكون التقدير إن كان الحري بالأوصاف السابقة والأولى ألا يتعلق قوله بتحريه بالحري كما سبق، وقوله: إلى أن تنبلا متعلق بالتحري أو بحواريا ومعنى تنبل: مات أو أخذ الأنبل فالأنبل أي انتفى ذلك من المعاني التي تحتملها ألفاظ القرآن.
10-
وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ
…
وَأَغْنى غَنَاءً وَاهِباً مُتَفَضِّلَا
هذا حث على التمسك بالقرآن العزيز وتحريه والعمل بما فيه ليكون القرآن العزيز شافعا له كافيه كل ما يحذر واهبا له متفضلا عليه بما يلقاه من ثواب قراءته واعمل به، وفي الصحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم:"اقرءوا القرآن فإنه يجيء يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرءوا البقرة وآل عمران؛ فإنهما الزهراون تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان تحاجان عن صاحبهما".
وفي كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: "إن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ".
قال: هذا حديث حسن وأوثق من قولهم شيء وثيق أي محكم متين، وقد وثق بالضم وثاقة وإنما وصفه بذلك؛ لأن شفاعته مانعة له من وقوعه في العذاب وشفاعة غيره مخرجة له منه، بعد وقوعه فيه والغناء بالفتح والمد الكفاية وفعله أفعل كقوله تعالى:
{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} 1.
فقوله: "وأغنى غنا" أي وأكفى كفاية أي كفاية القرآن العزيز أتم من كفاية غيره فأغنى في هذا البيت ليس فعلا ماضيا ولكنه أفعل التفضيل وبناؤه من غير الثلاثي المجرد شاذ، والقياس أن يقال: أشد غناء أو أتم غناء أو نحو ذلك، ويجوز أن يقال: هو من غني، إذا استغنى، أو من غني بالمكان: إذا أقام به فمعناه على الأول أنه غني من كفاية ما يحذر حامله مليء بها واسع جوده، وعلى الثاني أنه دائم الكفاية مقيم عليها لا يسأم منها ولا يمل، ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل غناء على الوجهين أي وأغنى ذي غناء؛ لأن المراد أن القرآن أثرى ذوي الكفايات وأدومهم عليها، ولك أن تقدر مثل ذلك في الوجه الذي بدأنا به أي والقرآن أكفى ذوي الكفايات
1 سورة الحاقة، آية:28.
وتلخيص اللفظ على الأوجه الثلاثة أن نقول التقدير وأغنى مغنٍ والمغني الكافي ولا يتغير معناه عن ذلك في الوجوه كلها وإنما المعاني الثلاثة في لفظ أغنى ولولا تقدير المضاف المحذوف للزم نصب غناء؛ لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما أفعل بعضه والقرآن ليس بعض الكفاية فيجب النصب كقولك هو أفره عبدا بالنصب إذا كانت الرفاهية في العبد وهو ليس بعبد وواهيا ومتفضلا حالان من الضمير في أغنى العائد على كتاب الله تعالى، وقيل النصب على التمييز كقولك هو أغناهم أبا وقيل إن قلنا إن أغنى بمعنى أثرى فالنصب على التمييز وإن قلنا بالوجهين الآخرين فالنصب على الحال، وقد بينا فساد هذين القولين1 في الكتاب الكبير والله أعلم.
11-
وَخَيْرُ جَلِيسٍ لَا يُمَلُّ حَدِيثُهُ
…
وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً
"وخير" مثل قوله: وأغنى كلاهما معطوف على أوثق، ولا يمل حديثه صفة خير أو جليس أو هو خبر بعد خبر؛ لأن كل قول مكرر مملول إلا القرآن العزيز؛ فإنه كلما كرر حلا واقتبس من فوائده ما لا يدخل تحت الحصر وأجر على تلاوته بكل حرف عشر حسنات فهو خير جليس وكيف يمل حديثه وهو أحسن الحديث كما قال سبحانه:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} 2.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل صاحب القرآن مثل جراب مملوء مسكًا يفوح به كل مكان".
فأي جليس أفضل منه؟ والترداد بفتح التاء: مصدر ردده ترديدا وتردادا والهاء المتصلة به تعود على القارئ أو على القرآن العزيز؛ لأن المصدر يجوز إضافته إلى افاعل وإلى المفعول فهو كما سبق في قوله بتحريه والضمير المستكن في يزداد يحتمل الأمرين، والهاء في فيه عائدة على الترداد وفيه بمعنى به أي يزداد القرآن بالترداد تجملا لما يظهر من تلاوته ونوره وحلاوته وفصاحته أو يزداد القارئ بالترداد تجملا لما يقتبس من فوائده وآدابه وجزيل ثوابه، ويجوز أن يكون الضمير في يزداد للترداد وفي فيه للقارئ وتكون فيه على ظاهرها لا بمعنى به وتجمل الترداد يئول إلى جمال حاصل في القارئ وزينة له والله أعلم.
12-
وَحَيْثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فيِ ظُلُمَاتِهِ
…
مِنَ اْلقَبرِ يَلْقَاهُ سَناً مُتَهَلِّلاً
كنى عن القارئ بالفتى وصفًا له بالفتوة وهي خلق جميل يجمع أنواعا من مكارم الأخلاق ويرتاع: أي يفزع والهاء في ظلماته للفتى: أي في ظلماته الناشئة من القبر ووحشته وإنما أضافها إليه لملابستها له،
1 لا يظهر وجه فساد القولين، غير أن يقال: إذا جعل واهبا ومنفضلا تمييزان، يصير معناه أغنى ذوي غناء هبة وتفضلا فيكون نسبة أغنى في الحقيقة إلى الهبة والتفضل، وهذا ليس بلائح الوجه إلا على طريقة المجاز، هذا غاية ما يمكن في توجيه الفساد، وفيه ما فيه.
2 سورة الحاقة، آية:28.
3 سورة الزمر، آية:23.
وكونه فيها، فقوله من القبر على هذا في موضع الحال من الظلمات أي صادرة من القبر، ويجوز أن يكون كنى بالظلمات عن أعماله السيئة فيكون من القبر على هذا متصلا بيلقاه أي يلقاه القرآن من القبر أي يأتيه من تلك الجهة، ويجوز أن يكون التقدير يرتاع من القبر كائنا في ظلماته، ويجوز أن يكون قوله في ظلماته من القبر واردا على طريقة القلب لأمن الإلباس أي يرتاع في القبر من ظلماته والهاء في يلقاه للفتى أو للقرآن العزيز؛ لأن كل واحد منهما يلقى الآخر، والسنا بالقصر الضوء، والسناء بالمد الرفعة والمتهلل الباش المسرور وكلاهما حال من القرآن أي يلقى القرآن الفتى في حال إضاءته وبشاشته أي ذا سنا أي مستنيرا، ويجوز أن يكون متهللا صفة لسنا، وفي جامع الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
"ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا هو قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم": "هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر".
وفي كتاب ابن أبي شيبة وأول كتاب الوقف والابتدا لابن الأنباري آثار في فضل قارئ القرآن العامل به ذكرنا بعضها في الكتاب الكبير والله أعلم.
13-
هُنَالِكَ يَهْنِيهِ مَقِيلاً وَرَوْضَةً
…
وَمِنْ أَجْلِهِ فِي ذِرْوَةِ الْعِزِّ يُجتلَى
هنالك من تتمة قوله يلقاه أي يلقاه في ذلك المكان ثم استأنف قوله: يهنيه أو يكون يهنيه حالا، ويجوز أن يكون هنالك ظرفا ليهنيه وهنالك يستعمل ظرف زمان وظرف مكان وكلاهما محمل هنا والظرف هو هنا والكاف خطاب واللام زائدة للدلالة على البعد والعرب تنزل الميت أبعد منزلة وذلك لبعد الملتقى كقول الشاعر:
من كان بينك في التراب وبينه
…
شبران فهو بغاية البعد
والهاء في يهنيه للقارئ وضمير الفاعل مستتر عائد على القرآن أو على القبر فإن عاد على القرآن كان مقيلا مفعولا ثانيا ليهنيه من قولهم: هنأت الرجل أهنؤه وأهنئه إذا أعطيته ثم ترك الهمز ضرورة على لغة كسر النون ولو استعمل لغة الفتح لقال يهناه، وإن عاد الضمير على القبر كان مقيلا تمييزا من قولهم هنأ لي الطعام أي لذ لي طعمه وطاب، وروضة عطف على مقيلا بالاعتبارين، والمقيل موضع القائلة وهي الاستراحة في وسط النهار، ولا يشترط فيها نوم أي يصير له القبر كالمقيل وكالروضة بثواب قراءة القرآن والعمل به عبر بذلك عن الراحة الحاصلة له حينئذ، وفي الحديث:"القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار".
والهاء في: ومن أجله للقرآن ومرفوع يجتلى للقارئ ويتعلق بيجتلى ما قبله من المجرورات وذروة كل شيء أعلاه تضم ذاله وتكسر ويجتلى معناه ينظر إليه بارزا من قولهم اجتليت العروس وعبر بذلك عن عظم أمره فهو سالم من كل آفة والله أعلم.
14-
يُنَاشِدُه في إرْضَائِهِ لحبِيبِهِ
…
وَأَجْدِرْ بِهِ سُؤْلاً إلَيْهِ مُوَصَّلَا
يناشد أي يسأل ربه وقيل معناه يكثر المسألة ملجًّا فيها وعدى بفي؛ لأن في المناشدة معنى الرغبة وفاعل يناشد ضمير عائد على القرآن العزيز وهو جملة واقعة خبرا لقوله: وإن كتاب الله أوثق شافع، بعد أخبار سلفت أي هو أوثق شافع وخير جليس ويلقى قارئه حيث يرتاع ويناشد في إرضائه والهاء في لحبيبه تعود على القرآن العزيز وحبيبه قارئه العامل بما فيه والهاء في إرضائه يعود إلى الله تعالى، وقد تقدم ذكره في قوله وإن كتاب الله كقولك: غلام زيد يطلب منه كذا أي من زيد أي يناشد الله تعالى في أن يرضي حبيبه أي يعطيه من الأجر والثواب ما تقر به عينه فالإرضاء مضاف إلى الفاعل وعدي الإرضاء بلام الجر؛ لأنه مصدر نحو عجبت من ضرب لزيد، ويجوز أن يكون التقدير يناشد لحبيبه في إرضائه: أي يسأل الله تعالى في أن يرضى حبيبه ففي الكلام تقديم وتأخير فتكون الهاء في إرضائه للحبيب والإرضاء حينئذ مضاف للمفعول وقيل الهاء في إرضائه للقرآن العزيز: أي يسأل ربه أن يعطي القارئ ما يرضى به القرآن وتكون اللام في لحبيبه بمعنى لأجل حبيبه.
وفي كتاب الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله فيلبس تاج الكرامة فيقول: يا رب زده حلة الكرامة ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة".
قال: هذا حديث حسن، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه غير مرفوع، وفي ذا المعنى أحاديث كثيرة ذكرناها في الشرح الكبير، وقوله: وأجدر به تعجب كأخلق به أي ما أجدره بذلك وأحقه به والسؤل المسئول وهو المطلوب ونصبه على التمييز وموصلا نعته وإليه متعلق بموصلا والهاء عائدة على القرآن العزيز أو على القارئ والضمير في له للإرضاء أي ما أحق سؤله أن يوصل إليه وقيل يجوز أن يكون الهاء في إليه للرضى الدال عليه الإرضاء أو للإلحاح الدال عليه يناشد، وموصلا حال من القرآن العزيز وقيل غير ذلك على ما بينا وجه فساده في الشرح الكبير والله أعلم.
15-
فَيَا أَيُّهَا الْقَارِى بِهِ مُتَمَسِّكاً
…
مُجِلاًّ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مُبَجِّلا
نادى قارئ القرآن المتصف بالصفات المذكورة في هذا البيت وبشره بما ذكره في البيت الآتي وبعده1 والقارئ مهموز وإنما أبدل الهمزة ياء ضرورة والهاء في به للقرآن وهو متعلق بمتمسكا مقدم عليه أي متمسكا به يعني عاملا بما فيه ملتجئا إليه في نوازله كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} 2.
1 أي الآتي بعده وبعده فحذف الأول للقرينة اهـ من هامش الأصل.
2 سورة الأعراف، آية:170.
وفي الحديث الصحيح: "كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به"، وفي رواية:"من استمسك وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل".
وفي به وجوه أخر بعيدة ذكرناها في الكبير، وإجلال القرآن العزيز تعظيمه وتبجيله توقيره وهما متقاربان في المعنى ونصب متمسكا وما بعده على الحال من ضمير القارئ؛ لأن المعنى يا أيها الذي قرأ القرآن ومن إجلال القرآن حسن الاستماع له والإنصات لتلاوته وتوقير حملته وصيانة القارئ نفسه مما يشين دينه جعلنا الله كذلك والله أعلم.
16-
هَنِيئاً مَرِيئاً وَالِدَاكَ عَلَيْهِما
…
مَلَابِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ
الهنيء: الذي لا آفة فيه، الطيب المستلذ، الخالي من المنغصات، الحاصل من غير تعب، والمريء: المأمون الغائلة المحمود العاقبة، المستساغ في الحلق، وهما من أوصاف الطعام والشراب في الأصل، ثم تجوز بهما في التهنئة بكل أمر سار، وهما هنا منصوبان على الحال أي ثبت لك ثواب تمسكك بالقرآن العزيز وإجلالك له هنيئا مريئا، ويجوز أن ينصبا بفعل مضمر أي صادفت أمرا هنيئا مريئا، وأن يكونا نعتي مصدر محذوف أي كاللبس وجمعه لاختلاف الملبوس، أو تكون جمع ملبس بكسر الميم وفتح الباء وهو الشيء الذي يلبس ويسمى أيضا لباسا ومثله ميزر وإزار وملحف ولحاف وملابس فاعل عليهما وعليهما خبر والداك أو يكون ملابس مبتدأ ثانيًا خبره عليهما المقدم عليه والجملة خبر والداك وأنوار جمع نور والنور الضياء وأضاف الملابس إلى الأنوار؛ لملابستها إياها والتاج الإكليل والحلي جمع حلية وهي الهيئة من التحلي الذي هو لبس الحلي، ويجوز أن تكون الحلي جمع حلة وأراد الحلل لكنه أبدل من ثاني حرفي التضعيف حرف علة نحو أمليت وهذا وإن لم يكن مسموعا فهو جائز في الضرورة نص عليه الرماني في آخر شرح الأصول والمنظوم في هذا البيت حدي أخرجه أبو داود وغيره من حديث سهل بن معاذ الجهني عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا".
فقوله: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه" نظمه في البيت السابق وقوله: "فما ظنكم بالذي عمل بهذا" منظوم في البيت الآتي والباقي منظوم في هذا البيت، وفي مسند بقي بن مخلد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يكسى والداه حلة لا تقوم لها الدنيا وما فيها".
ففي هذا ذكر الحلة وفي الذي قبله ذكر التاج فصح تفسيرنا لقوله: الحلي بالحلل ويكون نظم ما تفرق في الحديثين، وقوله في الحديث:"تاجا وحلة" أي كل واحد منها والله أعلم.
17-
فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ
…
أُولئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفَوَةُ المَلَا
هذا استفهام تفخيم للأمر وتعظيم لشأنه كقوله تعالى: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 1.
وقوله: فما ظنكم مبتدأ وخبر وفيه معنى الأمر؛ أي ظنوا ما شئتم من الجزاء لهذا الولد الذي يكرم والداه من أجله، والخطاب للسامعين مطلقا، فيكون التفاتا من خطاب القارئ إليهم، ويجوز أن يكون خطابا إليهم مع القراء؛ لأن قوله:"فيا أيها القارئ" للجنس؛ أي فما ظنكم بأنفسكم، "والنجل" النسل كالولد يقع على المفرد والجمع فحمل على اللفظ قوله: عند جزائه، ثم حمل على المعنى قوله: أولئك ومفعولا الظن محذوفان؛ أي ما تظنونه واقعا بالنجل، وقوله:"عند جزائه" ظرف للمحذوف ولا يجوز أن يكون ظرفا للظن وقوله: أولئك أهل الله إشارة إلى حديث آخر أخرجه أبو عبيد والبزار وابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله أهلين من الناس قيل من هم يا رسول الله قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".
والإشارة بالأهلية إلى قرب المنزلة من رحمته وكرامته والأهل اسم جمع كالرهط والركب وقد جمع في الحديث جمع السلامة ومثله في القرآن العزيز: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} إلى: {أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} 2.
فيجوز أن يكون في بيت الشاطبي -رحمه الله تعالى- أيضا مجموعا وسقطت النون للإضافة والواو لالتقاء الساكنين واللفظ بالمفرد والجمع في مثل هذا واحد وإنما يفترقان في الخط، فتزاد واو في الجمع والمصنف لم يكتب ما نظمه؛ لأنه كان ضريرا وإنما أملاه ولا يظهر في اللفظ جمع فكتبه السامع مفردا ويطرد ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخرها هذا الحديث: أهل الله وخاصته يجوز أن يكون جمعا وهو الأظهر اعتبارا بما في أول الحديث، ويجوز أن يكون استعمله جمعا ومفردا في حديث واحد كما قال سبحانه:{أَهْلَ الْبَيْتِ} 3، {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} 4، {إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ} 5.
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "هؤلاء أهل بيتي".
والصفوة: الخالص من كل شيء بكسر الصاد وفتحها وروي ضمها. وأشار بالصفوة إلى الخاصة المذكورة في الحديث. وأدخل واو العطف في قوله: "والصفوة" ليأتي على صورة لفظ الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم:
1 سورة الصافات، آية:87.
2 سورة الفتح، آية 11 و12.
3 سورة الأحزاب، آية:33.
4 سورة الفتح، آية:26.
5 سورة المطففين، آية:31.
"أهل الله وخاصته".
والملأ: الأشراف والرؤساء وهو موافق لما روي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل"، وفي رواية:"قراء القرآن وقوام الليل"، ومن حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم رفعوه:"حملة القرآن عرفاء أهل الجنة". أخرجهما الحافظ أبو العلا الهمذاني والملأ مهموز أبدل من همزة ألفا للوقف والله أعلم.
18-
أُولُو الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى
…
حُلَاهُم بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَّلَا
"أولو" مثل ذوو: بمعنى أصحاب وهو خبر بعد أخبار لقوله: أولئك أي هم المتصفون بهذه الصفات الجليلة من البر وما بعده وحلاهم مبتدأ ومعناه صفاتهم جمع حلية وهي الصفة وخبره الجملة التي بعده وبها متعلق بجاء، ويجوز أن تكون حلاهم صفة البر والإحسان والصبر والتقى فيكون مجرور المحل، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذه حلاهم ثم قال: بها جاء القرآن والقرآن بلا همز وبالهمز لغتان وهما للقراء قراءتان ومفصلا حال من القرآن ومعناه مبينا ومنه قوله تعالى:
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} 1.
ويجوز أن يكون مفصلا من باب تفصيل القلائد بالفرائد كقول امرئ القيس2:
فأدبرن كالجزع المفصل بينه
وقوله:
تعرُّضَ أثناءِ الوشاح المفصل3
وقيل هذا المعنى أيضا في تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} 3.
أي فصلت بدلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص فكذا أراد الناظم أن القرآن مشتمل على ذكر الأبرار وأخبار الكفار فصفات الأبرار فيه كالفرائد التي تفصل بها العقود وهي الجواهر التي تزينها وتعظم وقعها وهذا بالنسبة إلى المذكور وأما النسبة إلى الذاكر فكلتاهما سواء؛ لأن كلا كلام الله عز وجل: والله وأعلم.
19-
عَلَيْكَ بِهَا مَا عِشْتَ فِيهَا مُنَافِساً
…
وَبِعْ نَفْسَكَ الدُّنْيَا بِأَنْفَاسِهَا الْعُلَا
"عليك بها" إغراء وحث: أي الزم هذه الصفات، والصق بها وبادر إليها مدة حياتك منافسا فيها غيرك
1 سورة فصلت آية: 3.
2 آخره:
بجيد معم في العشيرة مخول
3 أوله:
إذا ما الثريا في السماء تعرضت
4 سورة هود، آية:1.