الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشيخنا أبو الحسن زاد في شرحه بآخره أن أصلا منصوب على المصدر كقولك: ما فعلته أصلا، قال: و"أو" بمعنى بل أو بمعنى الواو، فكأنه جعل المجموع علة واحدة والظاهر خلافه.
ثم الصواب أن يقال لا مدخل لهذه الكلمة في هذا الباب بنفي ولا إثبات؛ فإن الياء كما زعم الناظم ساكنة، وباب الإدغام الكبير مختص بإدغام المتحرك، وإنما موضع ذكر هذه قوله: وما أول المثلين فيه مسكن فلا بد من إدغامه
…
وعند ذلك يجب إدغامه لسكون الأول وقبله حرف مد فالتقاء الساكنين فيه على حدهما.
على أني أقول1 سبب الإظهار عدم التقاء المثلين بسبب أن أبا عمرو رحمه الله كان يقرأ هذه الكلمة بتليين الهمزة بين بين وعبروا عنه بياء مختلسة الكسرة والهمزة المسهلة كالمحققة، قال أبو بكر بن مهران: ولا تدغم {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} "؛ لأنها ليست بياء خالصة فيدغمها في مثلها إنما هي همزة ملينة ولو كانت ياء خالصة لأدغم.
قلت: ومن عبر من الرواة عن قراءة أبي عمرو بإسكان الياء خفي عنه أمر التسهيل فلم يضبطه والله أعلم، وقد نظمت هذا التعليل الصحيح فقلت:
وقبل يئسن الياء في اللاء همزة
…
مليَّنة حقا فأظهر مسهلا
1 فيه نظر؛ لأن كلام الناظم مفرع على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة؛ ليدخل في المثلين لا على وجه تسهيلها بين بين. وحينئذ فلا حاجة إلى تغيير البيت بما قاله اهـ ضباع.
باب: إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين
هذا أيضًا من جملة الإدغام الكبير، فإنه على ضربين: إدغام المثلين وإدغام المتقاربين كل واحد منهما في كلمة وفي كلمتين، فإدغام المثلين مضى في الباب السابق فلا يحتاج فيه إلى أكثر من أن تسكن الحرف وتدغمه في مثله، وهذا الباب مقصور على إدغام حرف في حرف يقاربه في المخرج، ويحتاج فيه مع تسكينه إلى قبله إلى لفظ الحرف المدغم فيه، فترفع لسانك بلفظ الثاني منهما مشددا ولا تبقي للأول أثرا، إلا أن يكون حرف إطباق أو ذا غنة، فتبقي أثر الإطباق والغنة على تفصيل في ذلك معروف والتقارب كالمثلين تقريبا فساغ الإدغام فيهما؛ وليس ذلك في كل متقاربين، فقد تعرض موانع من الإدغام ومقتضيات الإدغام أبعد منهما، فاعتمد على ما يذكره.
132-
وَإِنْ كِلْمَةٌ حَرْفَانِ فِيهَا تَقَارَبَا
…
فإِدْغَامُهُ لِلْقَافِ في الْكافِ مُجْتَلا
كلمة فاعل فعل مضمر: أي وإن وجدت كلمة وكان ينبغي أن يكون بعدها ما يفسر هذا المضمر كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 2، فالوجه أن يقول: وإن كلمة وجد فيها حرفان تقاربا فيكون حرفان فاعل فعل مضمر، أو نقول: حرفان مبتدأ وتقاربا خبره، ولك أن تجعل حرفان بدلا من كلمة بدل بعض من كل فيكون تقاربا نعت حرفان وهو تفسير للمضمر المقدر؛ أي: وإن تقارب حرفان في كلمة والهاء في فإدغامه تعود على أبي عمرو وهو مبتدأ
1 فيه نظر؛ لأن كلام الناظم مفرع على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة؛ ليدخل في المثلين لا على وجه تسهيلها بين بين. وحينئذ فلا حاجة إلى تغيير البيت بما قاله اهـ ضباع.
2 سورة التوبة، آية:6.
ومجتلى خبره: أي إدغام أبي عمرو للقاف في الكاف مكشوف منظور إليه: أي أنه مشهور ظاهر ويجوز أن يكون الخبر قوله للقاف: في الكاف كما تقول إكرامي لزيد أي أخصه بذلك دون غيره فكذا ههنا أي إدغام أبي عمرو في الحرفين المتقاربين في كلمة كائن للقاف في الكاف لا غير، ومجتلى على هذا في موضع نصب على الحال.
ومعنى البيت أنه لم يدغم من كل حرفين متقاربين التقيا في كلمة واحدة سوى القاف في الكاف بشطرين يأتي ذكرهما في البيت الآتي، فنحو: متجاورات ويتدبرون والمتطهرين ويتذكرون والمتصدقين لا يدغمه وإن كانت التاء تدغم في الجيم والدال والطاء والذال والصاد على ما سيأتي في هذا الباب وغيره، ثم ذكر الشرطين فقال:
133-
وَهذَا إِذَا مَا قَبْلَهُ مُتَحَرِّكٌ
…
مُبِينٌ وَبَعْدَ الْكافِ مِيمٌ تَخَلَّلا
ما زائدة مثلها في قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} 1.
أي وهذا الإدغام كائن إذا استقر قبل القاف حرف متحرك ووقع بعد الكاف ميم وإنما اشترطا؛ ليكونا على منهاج ما أدغم من المثلين في كلمة وهو: "مناسككم"، "وما سلككم"، وقوله:"مبين" أي بين ولم يحترز به من شيء وإنما هو صفة مؤكدة، ومعنى تخلل من قولهم: تخلل المطر إذا خص ولم يكن عاما أي تخلل أبو عمرو بإدغامه ذلك ولم يعم جميع ما التقت فيه القاف بالكاف، وقيل: الضمير في تخلل للميم من تخللت القوم إذا دخلت بين خللهم وخلالهم أي تخلل الميم الحروف التي قبله وبعده والله أعلم.
134-
كَيَرْزُقْكُّمُ وَاثقَكُّمُو وَخَلَقكُّمُو
…
وَمِيثَاقَكُمْ أظْهِرْ وَنَرْزُقُكَ انْجلا
مثل في النصف الأول من البيت ما وجد فيه الشرطان من التحريك والميم فأتى بثلاثة أمثلة فالكلمة الأولى يمكن أن تقرأ في البيت مدغمة وغير مدغمة وما بعدها لا يتزن الشعر إلا بقراءتهما مدغمتين ويلزم الإدغام في الثلاثة صلة الميم بواو، ثم قال: وميثاقكم أظهر
…
لأجل فقْد أحد الشرطين وهو تحريك ما قبل القاف ونرزقك أيضا أظهره؛ لفقد الشرط الثاني وهو عدم وجود الميم في آخره، ومعنى انجلى انكشف أي ظهر الأمر بتمثيل المدغم وغير المدغم وميثاقكم في البيت بفتح القاف؛ لأنه مفعول أظهر، وقد جاء في القرآن منصوبا في البقرة ومرفوعا في الحديد على قراءة أبي عمرو فلم يمكن أن تجعله حكاية؛ إذ يعم المحكي في الموضعين، وقد روي إدغام ما قبله ساكن، وروي ترك الإدغام في المتحرك أيضا، وأما قوله في سورة المرسلات:{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} فمجمع على إدغامه.
135-
وَإِدْغَامُ ذِي التَّحْرِيمِ طَلَّقَكُنَّ قُلْ
…
أَحَقُّ وَبِالتَّأْنِيثِ وَالْجَمْعِ أُثْقِلا
أي وقل إدغام طلقكن أحق مما تقدم ذكره من يرزقكم ونحوه: أي أولى بالإدغام منه؛ لأن الإدغام أريد به التخفيف وكلما كانت الكلمة أثقل كان أشد مناسبة للإدغام مما هو دونها في الثقل، وقد وجد فيه أحد الشرطين
1 سورة التوبة، آية:122.
وهو تحريك ما قبل القاف وفقد الشرط الثاني وهو الميم، ولكن قام مقامها ما هو أثقل منها وهو النون؛ لأنها متحركة ومشددة ودالة على التأنيث والميم ساكنة خفيفة دالة على التذكير، فهذا وجه الأحقية بذلك، والناظم جعله قد ثقل بالتأنيث والجمع، أما التأنيث فهو ما أشرنا إليه وهو أحد أسباب الترجيح الثلاثة، وأما الجمع فمشترك فإن الميم أيضا دالة على الجمع فإن أردت نظم المرجحات الثلاثة فقل:
وطلقكن ادغم أحق فَنُونُه
…
محركة جمع المؤنث ثقلا
أي هو أحق: يعني الإدغام ومحركة وما بعدها أخبار لقوله: فنونه والنون تؤنث وتذكر فلهذا أنث محركة وذكر ثقلا، وكان ابن مجاهد وعامة أصحابه يظهرونه لما يلزم في الإدغام من توالي ثلاثة أحرف مشددة اللام والكاف والنون.
واختلف الرواة عن أبي عمرو في إدغامه، واختلف المشايخ في الاختيار من ذلك؛ فمنهم من أظهره للاستثقال المذكور ومنهم من دغمه، وقال: هو أحق لما تقدم ذكره، وقول الناظم: ذي التحريم أي صاحب التحريم أي الحرف الذي في سورة التحريم، وقوله:{طَلَّقَكُنّ} بيان له.
136-
وَمَهْماَ يَكُونَا كِلْمَتَيْنِ فَمُدْغِمٌ
…
أَوَائِلِ كِلْمِ البَيْتِ بَعْدُ عَلَى الوِلَا
أي ومهما يكن المتقاربان ذوي كلمتين: أي إذا التقيا في كلمتين على حد التقاء المثلين فيما تقدم فأبو عمرو مدغم من ذلك الحروف التي هي أوائل كلم البيت الآتي عقيب هذا البيت فهذا معنى قوله: بعد على الولا أي بعد هذا البيت وهو الذي يليه، والولاء المتابعة، وهو ممدود وقف عليه، وأبدل همزه فانقصر وأراد خذ كلم هذا البيت الآتي على الولاء أي استوعبها يتلو بعضها بعضا، والكلم جمع كلمة كلاهما بفتح الكاف، فكسر اللام ويجوز فيهما إسكان اللام ونقل حركتها إلى الكاف فتكسر فعلى هذا استعملهما في هذا البيت وغيره والكلمة في عرف القراء الحروف المتصلة ما لم يحسن قطع شيء منها مما قبلها فنحو:"خلقكم، وطلقكن" كلمة وهي كلمات عند أهل النحو وبما ومنه كل واحدة عندهم كلمتان وهي في العرف كلمة.
والغرض من هذا أن تعلم أن كلمات البيت الآتي التي تأخذ حروفها الأوائل ست عشرة كلمة فخذ منها ستة عشر حرفا ثم ذكرها فقال:
137-
"شِـ"ـفَا "لَـ"ـمْ "تُـ"ـضِقْ "نَـ"ـفْسًا "بِـ"ـهَا "رُ"مْ "دَ"وَا "ضَـ"ـنٍ
"ثَـ"ـوَى "كَـ"ـانَ "ذَ"ا "حُـ"سْنٍ "سَـ"ـأى "مِـ"ـنْهُ "قَـ"ـدْ "جَـ"ـلَا
اعلم1 أنه أتى في مثل هذا البيت الذي يذكر فيه كلما لأجل حروف أوائلها تضمنها معاني قصدها من غزل ومواعظ؛ لئلا يبقى كلاما منتظما صورة لا معنى تحته وقد ضمن هذا البيت التغزل بامرأة من نساء الآخرة وسماها شفا، وقد سمت العرب بذلك النساء، وكثر في أمهات القرشيين وهو ممدود وقصره ضرورة، ولم ينونه؛ لأنه جعله علما على مؤنث، وقوله: لم تضق نفسا أي أنها حسنة الخلق ونصب نفسا على التمييز، ورم أي اطلب بها أي بوصلها وقربها دواء ضن وقصر دواء ضرورة أي دواء رجل ضن على أنه اسم منقوص، ولو قال
1 "قوله: اعلم
…
إلخ" كذا بالنسخ التي بأيدينا، ولعل الصواب أن مثل هذا البيت يذكر فيه إلخ فيكون بذكر خبر أن اهـ ضباع.
ضنا بالفتح على أنه مقصور لكان معناه أيضا حسنا، والضنا بالقصر المرض يقال منه ضنى بالكسر ضنا شديدا فهو رجل ضنا وضن مثل حرا وحر قاله الجوهري، ومعنى ثوى أقام، وسأى على وزن رأى مقلوب ساء على وزن جاء، وهو بمعناه، ومثله له نأى وناء أي ساءت حاله من أجل الضنا أو كانت مساءته ناشئة من الضنا وقوله: قد جلا أي كشف الضنا أمره فالضمير في ثوى ومنه وجلا للضنا الدال عليه لفظ ضن وفي كان وسأى لضن، وهذه جمل أتى بها من غير حرف عطف استئنافا لا أخبارا بعد أخبار كقوله تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ} 1، {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} 2.
وقيل: المعنى سأى من يرى ذلك منه أو ساءه الضنا على أن من زائدة، وسيذكر كل حرف من هذه الستة عشر فيما ذا يدغم ولكن لم يلتزم ترتيب ما في هذا البيت بل أتى به على ترتيب صاحب التيسير، ولم يمكنه جمع الحروف على ذلك الترتيب في بيت له معنى مستقيم، فخالف الترتيب في جميع حروفها ثم شرط في إدغام هذه الحروف الستة عشر أن تكون سالمة من أربعة أوصاف فقال:
138-
إِذَا لَمْ يُنَوَّنْ أَوْ يَكُنْ تَا مُخَاطَبٍ
…
وَمَا لَيْسَ مَجْزُومًا وَلَا مُتَثَقِّلا
أي إذا لم يكن الحرف المدغم موصوفا بإحدى هذه الصفات الأربع فالمنون وتاء المخاطب والمثقل مضى الكلام عليها في باب المثلين، وإذا امتنع إدغام ذلك هناك فهنا أولى. فمثال المنون:{فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} 3، {شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ} 4، {رَجُلٌ رَشِيدٌ} 5، {نَذِيرٌ لَكُمْ} 6، ومثال الخطاب:{كُنْتَ ثَاوِيًا} 7، {فَلَبِثْتَ سِنِينَ} 8، {دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} 9، {خَلَقْتَ طِينًا} 10 ومثال المثقل {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} 11، {لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} 12، {لا يَضِلُّ رَبِّي} 13، {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} 14.
ولم يقع في القرآن تاء متكلم عند مقارب لها فلهذا لم يذكرها في المستثنى.
وأما المجزوم فنحو: {لَمْ يُؤْتَ سَعَةً} 15.
لم يدغم بلا خلاف وإن كان المجزوم في باب المثلين فيه وجهان؛ لأن اجتماع المثلين أثقل من اجتماع المتقاربين، وسيأتي خلاف في قراءة قوله تعالى:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} 16، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى} 17؛ لأن الطاء والدال أقرب إلى التاء من السين ويأتي خلاف في:
1 سورة الرعد، آية:2.
2 سورة الرحمن، آية: 1-4.
3 سورة الزمر، آية:6.
4 سورة الحشر، آية:14.
5 سورة هود، آية:78.
6 سورة سبأ، آية:46.
7 سورة القصص، آية:45.
8 سورة طه، آية:40.
9 سورة الكهف، آية:39.
10 سورة الإسراء، آية:63.
11 سورة البقرة، آية:200.
12 سورة المؤمنون، آية:70.
13 سورة طه، آية:52.
14 سورة الأعراف، آية:134.
15 سورة البقرة، آية:247.
16 سورة النساء، آية:102.
17 سورة الإسراء، آية:26.
ولم يذكر الناظم تمثيلا لما استثنى من المتقاربين كما ذكر في المثلين وكان ذكر المتقاربين أولى لعسر أمثلته وقد نظمت فيه بيتا فقلت:
نذير لكم مثل به كنت ثاويا
…
ولم1 يؤت قبل السين هم بها انجلا
أراد يؤت سعة من المال ولم يمكن نظمه؛ لكثرة حركاته فقال: قبل السين.
139-
فَزُحْزِحَ عَنِ النَّارِ الَّذِي حَاهُ مُدْغَمٌ
…
وَفي الْكاَفِ قَافٌ وَهْوَ في الْقَافِ أُدْجِلَا
شرع من هنا يبين المواضع التي أدغمت فيها تلك الحروف الستة عشر فبدأ بالحاء أي أدغمت في العين في قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} 3.
فقط لطول الكلمة وتكرر الحاء فيها، وهذا هو المشهور، ورواية الجمهور، وروي ترك إدغامه، وروي إدغامها في العين حيث التقيا مطلقا نحو:{ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} 4، "والمسيح عيسى"، {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا} 6.
وقوله: فزحزح عن النار بالفاء أراد فمنها أي من الكلمات المدغمات زحزح الذي أدغم حاؤه وقصر الحاء ضرورة، ثم ذكر أن القاف والكاف يدغم كل واحد منهما في الآخر بشرط أن يتحرك ما قبل كل واحد منهما، وقد بين ذلك في البيت الآتي، ولم يذكر في الكلمة الواحدة إلا إدغام القاف في الكاف فقط؛ لأن عكسه لم يوجد في القرآن، ثم مثل ذلك فقال:
140-
خَلَقْ كُلَّ شَيْءٍ، لَكْ قُصُوراً وأَظْهِرَا
…
إِذَا سَكَنَ الْحَرْفُ الَّذِي قَبْلُ أُقْبِلا
نطق بالحرفين مدغمين في هذين المثالين ثم قال: وأظهرا يعني القاف والكاف إذا سكن الحرف الذي قبلهما نحو: {وَفَوْقَ كُلّ} 7، {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} 8.
ويقال أقبلته الشيء: إذا جعلته يلى قبالته، يقال: أقبلنا الرماح نحو القوم، وأقبلنا الإبل أفواه الوادي فهذه ثلاثة أحرف من الستة عشر الحاء والقاف والكاف، ثم ذكر الجيم فقال:
141-
وَفي ذِي المَعَارِجْ تَعْرُجُ الجِيمُ مُدْغَمٌ
…
وَمِنْ قَبْلُ أَخْرَجْ شَطْأَهُ قَدْ تَثَقَّلَا
أي أدغم حرف الجيم في حرفين: التاء في:
1 سورة مريم، آية:27.
2 لو قال: وقبل سعة لم يؤت هم بها انجلا، لكان أوضح اهـ من هامش الأصل.
3 سورة آل عمران، آية:185.
4 سورة المائدة، آية:3.
5 سورة النساء، آية:17.
6 سورة البقرة، آية:229.
7 سورة يوسف، آية:76.
8 سورة الجمعة، آية:11.
{ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ} 1 والشين في: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} 2.
وهو قبل ذي المعارج في تأليف القرآن وليس لهما نظير وحكى الإظهار فيهما وقوله: قد تثقلا؛ أي: أدغم، ثم ذكر الشين والضاد فقال:
142-
وَعِنْدَ سَبِيلاً شِينُ ذِي الْعَرْشِ مُدْغَمٌ
…
وَضَادُ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ مُدْغَمًا تَلَا
أراد قوله تعالى في سبحان: {إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} 3.
ولا يجوز عند النحويين إدغام الشين والضاد إلا في مثلهما ولم يلتق منهما مثلان في القرآن، ويجوز في قوله: وضاد الرفع على الابتداء وتلا خبره أي تبع ما قبله في حال كونه مدغما، ويجوز نصبه على أنه مفعول تلا، وفاعله ضمير يعود على أبي عمرو أي تلاه أبو عمرو أي قرأه مدغما.
143-
وَفي زُوِّجَتْ سِينُ النُّفُوسِ وَمُدْغَمٌ
…
لَهُ الرَّأْسُ شَيْبًا بِاخْتِلَافٍ تَوَصَّلَا
أي وأدغمت سين النفوس في زاي زوجت من قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} 4 وموضع قوله: {الرَّأْسُ شَيْبًا} 5 رفع بالابتداء، وقوله: ومدغم له
…
خبر مقدم عليه، والضمير في له لأبي عمرو، ويقال: توصل إليه أي تلطف في الوصول إليه أي وصل الخلاف إلى هذا الحرف ففي هذا البيت إدغام السين في حرفين ثم قال:
144-
وَلِلدَّالِ كَلْمٌ "تُـ"رْبُ "سَـ"ـهْلٍ "ذَ"كَا "شَـ"ـذاً
…
"ضَـ"ـفَا "ثُـ"ـمَّ "زُ"هْدٌ "صِـ"ـدْقُهُ "ظَ"ـاهِرٌ "جَـ"ـلا
أي وللدال كلم تدغم عندها وهي ما وافق أوائلها أوائل هذه الكلمات العشر في هذا البيت من قوله: ترب سهل
…
إلى قوله: جلا.
وضمن في هذا البيت الثناء على أبي محمد سهل بن عبد الله التستري أحد أولياء الله المشهورين، قال القشيري في رسالته: هو أحد أئمة القوم، ولم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع وكان صاحب كرامات، لقي ذا النون المصري بمكة سنة حج. توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقيل ثلاث وسبعين. والترب: التراب، وذكا من قولهم: ذكت النار تذكو ذكا مقصور؛ أي: اشتعلت والشذا حدة الرائحة أي فاحت رائحة ترابه يشير بذلك إلى الثناء عليه وما ظهر من كرامته وأعماله الصالحة، وشذا منصوب على التمييز أي ذكا شذاه وضفا: طال يشير إلى كثرة ذلك وثم بفتح الثاء بمعنى هناك: أي دفن في ذلك التراب زهد ظاهر الصدق لم
1 سورة المعارج، آية:3.
2 سورة الفتح، آية:29.
3 سورة الإسراء آية: 42.
4 سورة، التكوير، آية:7.
5 سورة مريم، آية:4.
يكن عن رياء ولا تصنع، وجلا: بمعنى كشف أي أوضح الزهد أمر سهل رحمة الله عليه وأبان أنه من خيار عباد الله.
وقال الشيخ: أراد جلاء بالمد وهو منصوب على التمييز: أي صدق ذلك الزهد ظاهر أي بين مكشوف جلاء.
مثال إدغام الدال في الحروف العشرة: {فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ} 1، {عَدَدَ سِنِينَ} 2، {وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ} 3، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} 4، {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ} 5، {يُرِيدُ ثَوَابَ} 6، {تُرِيدُ زِينَةَ} 7، {نَفْقِدُ صُوَاعَ} 8، {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} 9، {دَاوُدُ جَالُوتَ} 10 وفي {دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً} 11 خلاف12.
ثم ذكر حكم الدال بعد الساكن فقال:
145-
وَلَمْ تُدَّغَمْ مَفْتُوحَةً بَعْدَ سَاكِنٍ
…
بِحَرْفٍ بِغَيْرِ التَّاءِ فَاعْلَمْهُ وَاعْمَلا
تدْغم وتدَّغم لغتان بفتح الدال المشددة وإسكانها: أي إذا انفتحت الدال وقبلها ساكن لم تدغم في غير التاء فالباء في بحرف وفي بغير التاء بمعنى في وبغير التاء بدل من قوله: بحرف على إعادة العامل والألف في واعملا بدل من نون التأكيد، فمثال الدال المفتوحة مع غير الاء:{لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} 13، {بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} 14، {آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} 15، {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} 16، {بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} 17، {بَعْدَ ظُلْمِهِ} 18، {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} 19.
فهذا كله لا يدغم. ومثالها مع التاء: {كَادَ يَزِيغُ} 20، {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} 21.
ولا ثالث لهما فهذان يدغمان؛ لأن التاء من مخرج الدال فكأنهما مثلان فإن كسرت الدال أو ضمت بعد ساكن أدغمت نحو:
1 سورة البقرة، آية:17.
2 سورة المؤمنون، آية:112.
3 سورة المائدة، آية:2.
4 سورة الأحقاف، آية:10.
5 سورة فصلت، آية:50.
6 سورة النساء، آية:134.
7 سورة الكهف، آية:28.
8 سورة يوسف، آية:72.
9 سورة المائدة، آية:29.
10 سورة البقرة، آية:251.
11 سورة فصلت، آية:28.
12 والصحيح أن هذا الخلاف دائر بين الإدغام المحض الذي هو مذهب المتقدمين والإخفاء الذي ذهب إليه أكثر المتأخرين. اهـ ضباغ.
13 سورة ص، آية:30.
14 سورة القلم، آية:11.
15 سورة سبأ، آية:12.
16 سورة النساء، آية:163.
17 سورة هود، آية:10.
18 سورة الشورى، آية:41.
19 سورة النحل، آية:94.
20 سورة التوبة، آية:117.
21 سورة النحل، آية:94.
22 سورة التوبة، آية:127.
23 سورة البقرة، آية:251.
146-
وفِى عَشْرِهَا وَالطَّاءِ تُدْغَمُ تَاؤُهَا
…
وَفي أَحْرُفٍ وَجْهَانِ عَنْهُ تَهَلَّلا
أي والتاء تدغم في حروف الدال العشرة، وفي الطاء إلا أن من جملة حروف الدال العشرة التاء، فيكون إدغام التاء فيها من باب المثلين، وإنما لم يستننها لحصول الغرض مع الاختصار من غير إلباس، فإذا أسقطت التاء من العدد عددت الطاء عوضها فيكمل للتاء أيضا عشرة أحرف ولم يلق الدال طاء في القرآن فلهذا لم يذكر الطاء في حروفها، وكذا لم يلق التاء دالا في القرآن إلا والتاء ساكنة نحو:{أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} 1.
وذلك واجب الإدغام كما سيأتي فلهذا أيضا لم يذكر الدال في حروف التاء والهاء في عشرها للدال وفي تائها يجوز أن يكون للدال ويجوز أن يكون للعشر وأن يكون للحروف السابقة الستة عشر، وفي شرح الشيخ لك أن تعيد الضمير في عشرها على الأحرف السابقة التي للدال وهو مشكل فإنه من إضافة الشيء إلى نفسه وذلك غير جائز فمثال إدغام التاء في الطاء:{الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} 2، ومع السين:{بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} 3، ومع الذال:{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} 4، ومع الشين:{بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} 5، ومع الضاد:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} 6، ولا ثاني له، ومع الثاء:{وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ} 7، ومع الزاي:{إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} 8، ومع الصاد:{وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا} 9، ومع الظاء:{الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي} 10.
في النساء والنحل ليس غيره ومع الجيم:
{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} 11.
ولم يذكر في التاء ما ذكره للدال من كونها لم تدغم مفتوحة بعد ساكن؛ لأن التاء لم تقع كذلك إلا وهي حرف خطاب وهو قد علم استثناؤه نحو: {دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} 12، {أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} 13.
إلا في مواضع وقعت فيها مفتوحة بعد ألف فهي على قسمين منها ما نقل فيها الخلاف، وهي الأربعة المذكورة في البيت الآتي، وهي المشار إليها بقوله: وفي أحرف وجهان عنه تهللا، والألف في تهللا ضمير الوجهين أي استنارا، وظهرا، ونقلا عن أبي عمرو، ومنها موضع واحد لا خلاف في إدغامه، وهو قوله:
1 سورة يونس، آية:89.
2 سورة النحل، آية:32.
3 سورة الفرقان، آية:11.
4 سورة الذاريات، آية:1.
5 سورة النور، آية:4.
6 سورة العاديات، آية:1.
7 سورة آل عمران، آية:79.
8 سورة الزمر، آية:73.
9 سورة النبأ، آية:38.
10 سورة النساء، آية:97.
11 سورة الملك، آية:93.
12 سورة الكهف، آية:39.
13 سورة طه، آية:36.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} 1؛ لأن الطاء من مخرج التاء فهو كاستثناء التاء مع الدال لأن الثلاثة من مخرج واحد ولو اتفق أن وقعت الطاء بعد الدال المفتوحة بعد ساكن لكان هذا حكمها، وأما:{بَيَّتَ طَائِفَةٌ} 2، فأكثر المصنفين في الإدغام لا يذكرونه في الإدغام الكبير بل يذكرونه في سورته، وسببه أن أبا عمرو كان يدغمه، وإن لم يقرأ بالإدغام الكبير، وهو معنى قولهم: إنه كان يدغمه في الأحوال كلها، وبعضهم يقول في الحالين أي سواء قرأ بالإدغام أو بالإظهار فهذا الموضع لا بد من إدغامه عنده.
ثم اختلفوا هل هو من قبيل الإدغام الكبير أو الصغير، وهو مبني على أن التاء في قراءته مفتوحة أو ساكنة، والظاهر أنها مفتوحة كقراءة الجماعة، فيكون من باب الإدغام الكبير، وقد بينا وجه الخلاف في ذلك في الشرح الكبير.
147-
فَمَعْ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ الزَّكَاةَ قُلْ
…
وَقُلْ آتِ ذَا الْـ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ عَلا
أي قل: هي الزكاة مع حملوا التوراة، ولو قال: الزكاة ثم قل آت لكان أولى؛ لأنه أبين لموضع الإدغام وتخلص من تكرار قل أراد قوله تعالى في البقرة: {وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} 3.وفي سورة الجمعة: {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} 4.
وأراد بقوله: "آت ذا الـ" قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى} 5.
في سورة سبحان وفي سورة الروم: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} 6.
وبين الذال ولام التعريف من القربي ألفان: أحدهما ألف ذا والأخرى همزة الوصل في القربى وهي تسقط في الدرج وسقطت ألف ذا لأجل لام التعريف بعدها؛ لكونها ساكنة فلهذا كتبتها أناذل بإسقاط الألفين على صورة اللفظ ويقع في النسخ بالألفين على الأصل وقطع لام التعريف مما دخلت عليه جائز في الشعر كقوله: دع ذا وقدم ذا وألحقنا بذل، وقصد الناظم بذلك زيادة البيان وإلا فكان يمكنه أن يقو وقل آت ذا والهمزة في:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} تبدل ألفا في قراءة المدغم فجاءت التاء في هذه المواضع الأربعة بعد ألف، فوجه الخلاف في التوراة والزكاة كونها مفتوحة بعد ساكن فخفت فلم تدغم، ووجه الخلاف في آت ولتأت ما تقدم في:
1 سورة هود، آية:114.
2 سورة النساء، آية:81.
3 سورة البقرة، آية:83.
4 سورة الجمعة، آية:5.
5 سورة الإسراء، آية:38.
6 سورة الروم، آية:75.
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ} 1.
لأنها كلها من المجزوم ولا خلاف في إظهار: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} 2. وهو مثلهما، وليس قوله: علا رمزا؛ لأن الباب كله لأبي عمرو، وقد تقدم قوله وفي أحرف وجهان عنه:
148-
وَفي جِئْتِ شَيْئًا أَظْهَرُوا لِخِطَابِهِ
…
وَنُقْصَانِهِ وَالْكَسْرُ الإِدْغَامَ سَهَّلا
يريد قوله في سورة مريم عليها السلام: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} 3.
بكسر التاء؛ فهذا الذي اختلف فيه فأما مفتوح التاء فلا خلاف في إظهاره وهو موضعان في الكهف:
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} 4، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} 5؛ لأن تاء الخطاب لم تدغم في المثلين ففي المتقاربين أولى أن لا تدغم فعلل وجه الإظهار بالخطاب يعني بالخطاب الموجود فيه تاء الخطاب وأما مجرد الخطاب فغير مانع من الإدغام بدليل إدغام:
{لَكَ كَيْدًا} 6، و:{إِنَّكِ كُنْتِ} 7.
ونحوه وعلل أيضا بالنقصان، وهو حذف عين الفعل؛ لسكون ما قبل تاء الخطاب، وهذا مطرد في كل فعل معتل الوسط نحو: قمت وبعت وسرت، ووجه الإدغام ثقل الكسرة في التاء، وهي ضمير تأنيث فهو الذي سهل الإدغام بخلاف ما في الكهف، وبخلاف ثقل الضم في:{كُنْتُ تُرَابًا} 8.
149-
وَفي خَمْسَةٍ وَهْيَ الأَوائِلُ ثَاؤُهَا
…
وَفي الصَّادِ ثُمَّ السِّينِ ذَالٌ تَدَخَّلا
الهاء في: "ثاؤها" كما تقدم في: "تاؤها" تعود على الحروف السابقة أو على الدال أو على عشرها: أي أدغمت الثاء المثلثة في خمسة أحرف وهي الخمسة الأوائل من حروف الدال، يريد أوائل كلمات:"ترب سهل ذكا شذا ضفا".
مثال ذلك: {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} 9، {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ} 10، {وَالْحَرْثِ ذَلِكَ} 11 و {حَيْثُ شِئْتُمْ} 12، {حَدِيثُ ضَيْفِ} 13 وليس غيره.
1 سورة آل عمران، آية 85.
2 سورة البقرة، آية:247.
3 آية: 27.
4 آية: 71.
5 آية: 74.
6 سورة يوسف، آية:5.
7 سورة يوسف، آية:29.
8 سورة النبأ، آية:40.
9 سورة الحجرات، آية:65.
10 سورة النمل، آية:16.
11 سورة آل عمران، آية:14.
12 سورة البقرة، آية:58.
13 سورة الذاريات، آية:24.
ثم ذكر أن الذال المعجمة أدغمت في السين والصاد المهملتين وذلك في: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} 1.
في الكهف في موضعين وفي الجن موضع: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} 2.
والتدخل بمعنى الدخول، يقال: تدخل الشيء إذا دخل قليلا قليلا، ومثله: تحصل من حصل، وتعلم من علم.
150-
وَفي الَّلامِ رَاءٌ وَهْيَ في الرَّا وَأُظْهِرَا
…
إِذا انْفَتَحَا بَعدَ المُسَكَّنِ مُنْرَلا
أي إذا أدغمت اللام في الراء والراء في اللام ونحو: {كَمَثَلِ رِيحٍ} 3، {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} 4.
وفي إدغام الراء ضعف عند نحاة البصرة، وإذا انفتحا بعد مسكن أظهرا نحو:{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} 5، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي} 6.
ومنزلا حال من ضمير المسكن المقدر فيه وأنت ضمير اللام في قوله: "وهي"، ثم ذكر ضمير اللام والراء معا في قوله: وأظهرا إذا انفتحا جمعا بين اللغتين، وقصر الراء ضرورة:
151-
سِوَى "قالَ" ثُمَّ النُّونُ تُدْغَمُ فِيهِمَا
…
عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ سِوَى نَحْنُ مُسْجَلا
يعني سوى كلمة: "قال" فإنها أدغمت في كل راء بعدها وإن كانت اللام مفتوحة وقبلها حرف ساكن وهو الألف نحو: {قَالَ رَبِّي} 7، {قَالَ رَجُلانِ} 8، {وَقَالَ رَبُّكُمُ} 9؛ لأن ذلك كثير الدور في القرآن فخفف بالإدغام بخلاف:{فَيَقُولَ رَبِّ} 10، {رَسُولَ رَبِّهِمْ} 11 ونحوه.
ثم ذكر أن النون تدغم فيهما أي في الراء واللام بشرط أن يتحرك ما قبلهما وهو معنى قوله على إثر تحريك أي تكون النون بعد محرك مثل:
1 سورة الكهف، آية:61.
2 سورة الجن، آية:3.
3 سورة آل عمران، آية:117.
4 سورة هود، آية:78.
5 سورة الحاقة، آية:10.
6 سورة المطففين، آية:18.
7 سورة الشعراء، آية:188.
8 سورة المائدة، آية:23.
9 سورة غافر، آية:60.
10 سورة المنافقون، آية:10.
11 سورة الحاقة، آية:10.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} 1، {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} 2، {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} 3، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ} 4.
فإن وقع قبل النون ساكن لم تدغم مطلقا سواء كان ذلك الساكن ألفا، أو غيرها وسواء كانت النون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو:
{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} 5، {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} 6، {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ} 7.
ولهذا قال مسجلا أي يشترط التحريك قبلها مطلقا في جميع أحوال النون وليس الأمر فيها كما سبق في اللام والراء من أنه لم يستثن من ذلك إلا المفتوح بعد ساكن.
ثم قال الشيخ الشاطبي رحمه الله سوى نحن أي استثنى مما قبل النون فيه ساكن كلمة نحن فأدغمت في اللام بعدها حيث أتت نحو:
{وَنَحْنُ لَهُ} 8، {وَمَا نَحْنُ لَكَ} 9.
وهو عشرة مواضع ومسجلا حال من فاعل تدغم العائد على النون أو هو نعت مصدر محذوف أي إدغاما مطلقا ويجوز أن يكون حالا من نحن أي في جميع القرآن والأول أولى والله أعلم.
152-
وَتُسْكُنُ عَنْهُ الْمِيمُ مِنْ قَبْلِ بَائِهَا
…
عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ فَتَخْفَى تَنَزُّلا
عنه يعني عن أبي عمرو والهاء في بائها تعود على الحروف السابقة أو على الميم وتخفي عطف على تسكن غير أن تاء تخفي مفتوحة وتاء تسكن مضمومة وتنزلا تمييز، وقوله: على إثر تحريك أي تكون الميم بعد محرك نحو: {آدَمَ بِالْحَقِّ} 10، {أَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} 11، {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} 12، {حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} 13.
والمصنفون في التعبير عن هذا مختلفون فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقي لكل واحد منهما غنة، كما يبقى الإطباق في الحرف المطبق إذا أدغم، ومنهم من يعبر عنه بالإخفاء؛ لوجود الغنة وهي صفة لازمة للميم الساكنة فلم يكن إدغامًا محضا فإن سكن ما قبل الميم أظهرت نحو:
{إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} 14، {الْيَوْمَ بِجَالُوتَ} 15، {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ} 16 وقيل في ذلك خلاف.
153-
وَفي مَنْ يَشَاءُ با يُعَذِّبُ حَيْثُمَا
…
أَتَى مُدْغَمٌ فَادْرِ الأُصُولَ لِتَأْصُلَا
أي وإدغام الباء من كلمة:
1 سورة الأعراف، آية:167.
2 سورة الإسراء، آية:100.
3 سورة الإسراء أيضا، آية:90.
4 سورة التوبة، آية:113.
5 سورة النحل، آية:50.
6 سورة إبراهيم، آية:1.
7 سورة البقرة، آية:247.
8 سورة البقرة، آية:138.
9 سورة الأعراف، آية:132.
10 سورة المائدة، آية:27.
11 سورة الأنعام، آية:53.
12 سورة العلق، آية:4.
13 سورة غافر، آية:48.
14 سورة البقرة، آية:132.
15 سورة البقرة أيضا، آية:249.
16 سورة التوبة، آية:75.
{يُعَذِّبُ} 1 في: {مَنْ يَشَاءُ} 2 حيث أتى في القرآن: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 3.
بضم الباء وهو خمسة مواضع سوى الذي في البقرة فإنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير، ولهذا وافقه عليه جماعة على ما سنذكره، فقوله:"با" مبتدأ وقصره ضرورة، ومدغم خبره، وما عدا كلمة يعذب لا يدغم باؤها في الميم نحو "ضرب مثل".
لأنه اقترن بكلمة يعذب ما يجب إدغامه في أصله وهو "يرحم من": {وَيَغْفِرُ لِمَنْ} 5. إما قبلها أو بعدها فطرد الإدغام فيه موافقة لما جاورها فهذا آخر ذكر إدغام الحروف الستة عشر ولهذا ختم ذلك بقوله فادر الأصول أي قف على أصول الإدغام وحصلها لتأصلا أي لتشرف، يقال: رجل أصيل الرأي أي محكم الرأي، وقد أصلَ أصالةً.
ثم لما فرغ من تفصيل الحروف المدغمة في باب المتقاربين ذكر بعد ذلك ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربيا كل قاعدة في بيت، فقال في القاعدة الأولى:
154-
وَلَا يَمْنَعُ الإِدْغامُ إِذْ هُوَ عَارِضٌ
…
إِمَالَةَ كَالأَبْرَارِ وَالنَّارِ أُثْقِلا
أثقلا: أي ثقيلا وهو حال من الإدغام يريد بالثقل التشديد الحاصل بالإدغام ولم يرد أنه أثقل لفظا من الإظهار؛ لأنه ما أدغم إلا طلبا للخفة، وإذ هو عارض ظرف خرج مخرج التعليل، وقد سبق تحقيق القول فيه في شرح قوله: إذ م نسوه فيمحلا، وإمالة مفعول يمنع، وسقط التنوين منه؛ لإضافته إلى كالأبرار، وهو مشكل فإنه ليس في القرآن كالأبرار بالكاف، فالوجه أن يقال: هو مضاف إلى الكاف وحدها وهي هنا اسم بمعنى مثل كقول الراجز:
يضحكن عن كالبرد المثهم
أي إمالة مثل الأبرار، ويجوز أن تكون الكاف ضمير المخاطب والأبرار مفعول إمالة أي إمالتك الأبرار فهو مثل قوله: وإضجاعك التوراة
…
والناظم رحمه الله كان ضريرا فأملى هذا اللفظ فسبق إلى ذهن الكاتب السامع منه أنها كاف التشبيه فكتبها متصلة بالأبرار والله أعلم أي لا يمنع الإدغام في حال ثقله إمالة الألف في نحو: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا} 6، {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} 7.
لزوال الكسر الموجب للإمالة بالإدغام، وعلة ذلك أن الإدغام عارض، فكأن الكسرة موجودة، وهو كالوقف الذي تحذف الحركة فيه أيضا فهي وإن حذفت مرادة منوية، وهذه مسألة من مسائل الإمالة فبابها أليق
1 و2 و3 سورة المائدة، آية:40.
4 سورة آل عمران، آية:181.
5 سورة آل عمران، آية:181.
6 سورة آل عمران، آية:192.
7 سورة المطففين، آية:18.
من باب الإدغام. وقد ذكر في باب الإمالة أن عروض الوقف لا يمنع الإمالة فالإدغام معه كذلك، وكان يغنيه عن البيتين هنا، وثم أن يقول:
ولا يمنع الإدغام والوقف ساكنا
…
إمالة ما للكسر في الوصل ميلا
فيستغنى عن بيتين مفرقين في بابين بهذا البيت الواحد في باب الإمالة.
ثم ذكر القاعدة الثانية فقال:
155-
وَأَشْمِمْ وَرُمْ فِي غَيْرِ بَاءٍ وَمِيمِهَا
…
مَعَ الْبَاءِ أَوْ مِيمٍ وَكُنْ مُتَأَمِّلا
يعني بالإشمام والروم ما يأتي تحقيقه في باب الوقف على أواخر الكلم أي لك أن تشم وتروم في جميع الحروف المدغمة في المثلين والمتقاربين سوى أربع صور:
- وهي أن يلتقي الباء مع مثلها نحو: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} 1.
- أو مع الميم نحو {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 2.
- أو يلتقي الميم مع مثلها نحو: {يَعْلَمُ مَا} 3.
- أو مع الباء نحو {أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا} 4.
فهذا معنى قوله: مع الباء أو ميم أي كل واحد من الباء والميم مع الباء أو ميم والهاء في ميمها تعود إلى الباء؛ لأنها مصاحبتها، ومن مخرجها أو تعود على الحروف السابقة.
والإشمام يقع في الحروف المضمومة، والروم يدخل في المضمومة والمكسورة ولا يقعان في المفتوحة، ويمتنع الإدغام الصحيح مع الروم ون الإشمام، فالروم هنا عبارة عن الإخفاء والنطق ببعض الحركة فيكون مذهبا آخر غير الإدغام وغير الإظهار، وهذان المذهبان المحكيان عن أبي عمرو من الإشمام والروم في الحروف المدغمة سيأتيان لجميع القراء في مسألة:{لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} 5.
ووجه دخولهما في الحروف المدغمة وهما من أحكام الوقف أن الحرف المدغم يسكن للإدغام فشابه إسكانه إسكانه للوقف فجرت أحكام الوقف فيه، واستثناء هذه الصور الأربع، إنما يتجه بعض الاتجاه على مذهب الإشمام للعلة التي ذكرها صاحب التيسير، وهو قوله: لأن الإشارة تتعذر في ذلك من أجل انطباق الشفتين أي تتعسر؛ لأن الإشارة بالشفة والباء والميم من حروف الشفة، والإشارة غير النطق بالحرف فيتعذر فعلهما معا في الإدغام؛ لأنه وصل، ولا يتعذران في الوقف؛ لأن الإشمام فيه هو ضم الشفتين بعد سكون الحرف فلا يقعان معا، ومنهم من استثنى الفاء أيضا، ومنهم من لم يستثن شيئا من ذلك، أما الروم فلا يتعذر؛ لأنه نطق ببعض حركة الحرف فهي تابعة لمخرجه فكما ينطق بالباء والميم بكل حركتهما كذلك ينطق بهما بعض حركتهما، وأظن الناظم رحمه الله أشار إلى هذه الأشياء ونحوها بقوله: وكن متأملا أي تأمل ما قد أطلقه المصنفون في التعبير عن ذلك بفهمك
1 سورة يوسف، آية:140.
2 سورة العنكبوت، آية:21.
3 سورة الأنعام، آية:60.
4 سورة المائدة، آية:61.
5 سورة يوسف، آية:11.
وتدبره بعقلك وعلمك ونزل كل شيء في منزلته ولا تزله عن مرتبته، وقد نقلت في الشرح الكبير، من كلام المصنفين في ذلك عبارات كثيرة مختلفة ولله الحمد.
ثم ذكر القاعدة الثالثة فقال:
156-
وَإِدْغَامُ حَرْفٍ قَبْلَهُ صَحَّ سَاكِنٌ
…
عَسِيرٌ وَبِالإِخْفَاءِ طَبَّقَ مَفْصِلا
أي إدغام الحرف الذي قبله حرف صحيح ساكن عسير: أي يعسر النطق به وتعسر الدلالة على صحته؛ لأنه يؤدي إلى الجمع بين الساكنين؛ لأن الحرف المدغم لا بد من تسكينه وقوله: عسير خبر المبتدأ الذي هو إدغام حرف، وقوله: قبله صح ساكن جملة في موضع الصفة لحرف.
واحترز بقوله: صح ساكن عما قبله ساكن ليس بحرف صحيح بل هو حرف مد؛ فإن الإدغام يصح معه نحو: {فِيهِ هُدىً} 1، {وَقَالَ لَهُمْ} 2، و {يَقُولُ رَبَّنَا} ، وكذا إذا انفتح ما قبل الواو والياء نحو:{قَوْمُ مُوسَى} 3.
كيف فعل فإن في ذلك من المد ما يفصل بين الساكنين، وأما ما قبله ساكن صحيح فلا يتأتى إدغامه إلا بتحريك ما قبله وإن خفيت الحركة فإن لم يحرك انحذف الحرف الذي تسكنه للإدغام، وأنت تظن أنه مدغم، ودليل ذلك أن العرب إذا أدغمت نحو ذلك في الكلمة الواحدة حركت الساكن نحو: استعد واستعف، ولذلك لما أجمع على إدغام الميم في مثلها في:{فَنِعِمَّا هِيَ} 4 كسرت العين وهي ساكنة في غير هذا الموضع نحو: {نِعْمَ الْعَبْدُ} 5.
فإذا ثبت أن ذلك ممتنع الإدغام لم يبق فيه إلا الإظهار أو الروم السابق ذكره، وهو النطق ببعض الحركة ويعبر عنه بالاختلاس وبالإخفاء فهذه العبارات كلها صحيحة، والتعبير عنه بالإدغام تجوز، قال الجوهري في:{شَهْرُ رَمَضَانَ} 6 إنما هو بحركة مختلسة ولا يجوز أن تكون الراء الأولى ساكنة؛ لأن الهاء قبلها ساكنة فيؤدي إلى الجمع بين الساكنين في الوصل من غير أن يكون قبلها حرف لين، وهذا غير موجود في شيء من لغات العرب وكذا:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} 7 و: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} 8 و: {يَخِصِّمُونَ} 9.
1 سورة البقرة، آية:2.
2 سورة البقرة أيضا، آية:248.
3 سورة الأعراف، آية:148.
4 سورة البقرة، آية:271.
5 سورة ص، آية:30.
6 سورة البقرة، آية:185.
7 سورة الحجر، آية:9.
8 سورة يونس، آية:35.
9 سورة يس، آية:49.