المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: هاء الكناية - شرح الشاطبية إبراز المعاني من حرز الأماني

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌خطبة الكتاب

- ‌فصل في ذكر القراء السبعة:

- ‌مقدمة القصيدة

- ‌مدخل

- ‌بعض ما جاء في ذكر القرآن العزيز وفصل قراءته

- ‌بيان القراء السبعة ورواتهم وأخبارهم:

- ‌بيان الرموز التي يشير بها الناظم إلى القراء السبعة ورواتهم:

- ‌باب: الاستعاذة

- ‌باب: البسملة

- ‌سورة أم القرآن:

- ‌باب الإدغام الكبير:

- ‌باب: إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين

- ‌باب: هاء الكناية

- ‌باب المد والقصر:

- ‌باب الهمزتين من كلمة:

- ‌بب: الهمزتين من كلمتين

- ‌باب الهمز المفرد:

- ‌باب: نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها

- ‌باب: وقف حمزة وهشام على الهمز

- ‌باب: الإظهار والإدغام

- ‌مدخل

- ‌ذكر ذال إذ

- ‌ذكر دال قد

- ‌ذكر تاء التأنيث

- ‌ذكر لام وهل وبل

- ‌باب: حروف قربت مخارجها

- ‌باب: أحكام النون الساكنة والتنوين

- ‌باب: الفتح والإمالة وبين اللفظين

- ‌باب: مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث في الوقف

- ‌باب: الراءات

- ‌باب: اللامات أي تغليظها:

- ‌باب: الوقف على أواخر الكلم

- ‌باب: الوقف على مرسوم الخط

- ‌باب: مذاهبهم في ياءات الإضافة

- ‌باب: مذاهبهم في الزوائد

- ‌باب: فرش الحروف

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء:

- ‌سورة المائدة:

- ‌سورة الأنعام:

- ‌سورة الأعراف:

- ‌سورة الأنفال:

- ‌سورة التوبة:

- ‌سورة يونس:

- ‌سورة هود:

- ‌سور يوسف

- ‌سورة الرعد:

- ‌سورة إبراهيم:

- ‌سورة الحجر:

- ‌سورة النحل:

- ‌سورة الإسراء:

- ‌سورة الكهف:

- ‌سورة مريم:

- ‌سورة طه:

- ‌سورة الأنبياء:

- ‌سورة الحج:

- ‌سورة المؤمنون:

- ‌سورة النور:

- ‌سورة الفرقان:

- ‌سورة الشعراء:

- ‌سورة النمل:

- ‌سورة القصص:

- ‌سورة العنكبوت:

- ‌من سورة الروم إلى سورة سبأ

- ‌سورة سبأ وفاطر:

- ‌سورة يس:

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة ص:

- ‌سورة غافر:

- ‌سورة فصلت:

- ‌سورة الشورى والزخرف والدخان:

- ‌سورة الشريعة والأحقاف

- ‌من سورة محمد صلى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن عز وجل:

- ‌سورة الرحمن عز وجل:

- ‌سورة الواقعة والحديد:

- ‌من سورة المجادلة إلى سورة ن:

- ‌من سورة "ن" إلى سورة القيامة:

- ‌من سورة القيامة إلى سورة النبأ:

- ‌من سورة النبأ إلى سورة العلق:

- ‌من سورة العلق إلى آخر القرآن:

- ‌باب: التكبير

- ‌باب: مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها

- ‌الفهرس:

- ‌مقدمات

- ‌تصدير

- ‌ترجمة الإمام الشاطبي:

- ‌الشيخ شهاب الدين أبو شامة:

- ‌الدرة الأولى: فيما يتعلق بطالب العلم في نفسه ومع شيخه

- ‌الدرة الثانية: في حد القراءات والمقرئ والقارئ

- ‌الدرة الثالثة: شروط المقرئ وما يجب عليه

- ‌الدرة الرابعة: فيما ينبغي للمقرئ أن يفعله

- ‌الدرة الخامسة: في قدر ما يسمع وما ينتهي إليه سماعه

- ‌الدرة السادسة: فيما يقرأ به

- ‌الدرة السابعة: في الإقراء والقراءة في الطريق

- ‌الدرة الثامنة: في حكم الأجرة على الإقرار وقبول هدية القارئ

- ‌الدرة التاسعة: تدوين القراءات

الفصل: ‌باب: هاء الكناية

وأشباه ذلك قال: ولا معتبر بقول القراء: إن هذا ونحوه مدغم؛ لأنهم لا يحصلون هذا الباب والضمير في طبق للقارئ أي إذا أخفاه القارئ أصاب وإن رام إدغامه امتنع عليه، ويجوز أن يكون الضمير للتعبير وإن لم يجر له ذكر؛ لأنه مفهوم من سياق الكلام أي العبارة عنه بالإخفاء هي العبارة الصحيحة أو طبق من عبر عنه بالإخفاء مفصلا، وقيل الضمير في طبق للحرف وليس بشيء، ومعنى مفصلا أصاب وهو من قولهم طبق السيف إذا أصاب المفصل وكذا طبق الجزار المفصل ويقال للرجل إذا أصاب الحجة أنه يطبق المفصل ثم مثل ما قبله ساكن فقال:

157-

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ

وَفي المَهْدِ ثُمَّ الخُلْدِ وَالْعِلْمِ فَاشْمُلا

ذكر أمثلة من المثلين والمتقاربين فذكر من المثلين:

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} {مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ} 2 ومن المتقاربين {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} 3 و {فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} {دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً} 5.

وقوله: فاشملا أراد فاشملن ثم أبدل من النون الخفيفة المؤكدة ألفا يقال شملهم الأمر إذا عمهم بكسر الميم في الماضي وفتحها في المضارع، وفيه لغة أخرى وهي فتحها في الماضي وضمها في المضارع أي فاشمل الجميع من البابين بالحفظ والفهم أي اجمعه فالأمر من ذلك بفتح الميم على اللغة الفصيحة وبضمها على اللغة الأخرى، وقال ابن دريد: شمل الرجل وانشمل: أسرع؛ أي: أسرع في حفظ ذلك وفهمه وتعليمه ولا تتباطئ في ذلك ولا تتخلف عنه والله أعلم.

1 سورة الأعراف، آية:199.

2 سورة الرعد، آية:37.

3 سورة الشورى، آية:41.

4 سورة مريم، آية:29.

5 سورة فصلت، آية:28.

ص: 102

‌باب: هاء الكناية

هذا الباب غير متعلق بسورة الفاتحة، بل هو وما بعده من الأبواب إلى آخر الأصول مما يتعلق بسورة البقرة فما بعدها، وقد تقدمت ترجمة سورة الفاتحة وذكر ما فيها من الحروف فرشا وأصولا، فكان القياس بعد الفراغ من الإدغام أن يقول سورة البقرة، ثم يبوب لما فيها من الأصول، ثم يذكر الفرش وكذا فعل صاحب التيسير.

فإن قلت: لم قدم حروف الفرش في الفاتحة على الأصول وعكس ذلك في البقرة:

قلت: لتقدم حروف الفرش في نظم آياتها، وهو "مالك، والصراط، ثم عليهم" وقد سبق الاعتذار عن تأخر باب الإدغام عن ذلك.

وأما في البقرة فأول ما تجد فيها من الحروف قوله تعالى: {فِيهِ هُدىً} 1.

ويتعلق به أمران: أحدهما الإدغام وقد سبق. والثاني صلة هاء الكناية، فيتعين الابتداء ببابها، وبعده باب المد والقصر؛ لأجل قوله تعالى:

6 سورة البقرة، آية:2.

ص: 102

{بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} 1.

وأبواب الهمزة؛ لأجل قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ} ، {أَأَنْذَرْتَهُمْ} .

وباب نقل الحركة وترقيق الراء؛ لقوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} 2.

وباب الإظهار والإدغام الصغير؛ لقوله: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} ، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} ، {غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ} 3.

ولو كان وصل ذلك بباب الإدغام الكبير لكان حسنا. وقد فعل ذلك جماعة من المصنفين.

وباب الإمالة؛ لقوله: {هدى} ، {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} .

وباب اللامات؛ لقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} .

وأما باب الوقف على أواخر الكلم فظاهر، وكان حقه أن يتقدم على هذه الأبواب؛ لأنه محتاج إليه في كلمات الفاتحة وغيرها، وأتبع ذلك بالوقف على مرسوم الخط إتباعا للوقف بالوقف. فقد اتضح أن المقتضي لذكر هذه الأبواب مقدم على كلمة:{وَمَا يَخْدَعُونَ} 4.

وتلك أول كلمات الفرش، فلزم من ذلك ذكر تلك الأبواب قبلها، وألحق بها ياءات الإضافة والزوائد؛ لأنها أيضا موجودة في سورة البقرة وإن تقدم عليها بعض كلمات الفرش إلحاقا لأبواب الأصول بعضها ببعض.

ثم اعلم أن ما أضيف من هذه الأبواب إلى المصادر التي هي أفعال القراء فهو الجاري على حقيقة الكلام، نحو: باب الاستعاذة والبسملة والإدغام والمد والقصر، ونقل الحركة والوقف والإمالة، وما أضيف إلى محل هذه الأفعال فهو على حذف مضاف، نحو: باب هاء الكناية وباب الهمزتين والهمز المفرد: أي باب أحكام ذلك كما صرح بذلك في أول باب أحكام النون الساكنة والتنوين، أو يقدر المحذوف في كل باب بما يناسبه: أي باب صلة الهاء، وباب تسهيل الهمز، ونحو ذلك. وهاء الكناية في عرف القراء عبارة عن هاء الضمير التي يكنى بها عن الواحد المذكر الغائب وحقها الضم، إلا أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة فحينئذ تكسر، ويجوز الضم كما قرئ به في:{لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} {وَمَا أَنْسَانِيهُ} {عَلَيْهُ اللَّهَ} 7.

1 سورة البقرة، آية:4.

2 نفس السورة، آية:4.

3 نفس السورة، آية:7.

4 نفس السورة، آية:9.

5 سورة طه، آية:10.

6 سورة الكهف، آية:63.

7 سورة الفتح، آية:10.

ص: 103

في سورة الفتح: والخلاف بين القراء في هاء الكناية في صلتها بواو إن كانت مضمومة وبياء إن كانت مكسورة، وفي تحريكها بذلك من غير صلة ويسمى قصرا، وفي إسكانها في مواضع مخصوصة، وسيأتي جميع ذلك إن شاء الله تعالى:

158-

وَلَمْ يَصِلُوا هَا مُضْمَرٍ قَبْلَ سَاكِنٍ

وَمَا قَبْلَهُ التَّحْرِيكُ لِلْكُلِّ وُصِّلَا

قصر لفظ ها ضرورة أي هاء الضمير إذا لقيها ساكن لم توصل لجميع القراء؛ لأن الصلة تؤدي إلى الجمع بين ساكنين بل تبقى الهاء على حركتها ضمة كانت أو كسرة ومثاله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ} {وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} 2.

وكذا إذا كانت الصلة ألفا وذلك في ضمير المؤنث المجمع على صلته بها مطلقا فإن صلتها تحذف للساكن بعدها نحو: {مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} 4.

فقوله: ولم يصلوا "ها" مضمر عام يشمل ضمير المذكر والمؤنث وإن كان خلاف القراء واقعا في المذكر فحسب، فأمكن حمل اللفظ فيه على عمومه.

ولا يرد على هذا الإطلاق إلا موضع واحد في قراءة البزي فإنه يقرأ في سورة عبس: "عنهو تلهى" بالصلة وتشديد التاء بعدها فقد وصل قبل ساكن في قراءته، وأما قنبل فوصل قبل متحرك وهذا كما أنه يصل ميم الجميع في قوله تعالى:"ولقد كنتمو تمنون""ظلتمو تفكهون"6.

على رواية تشديد التاء بعدها، ووجهه أن الجمع بين الساكنين في مثل هذا جائز فصيح من حيث اللغة؛ لأن الأول حرف مد والثاني مدغم، فهو من باب "دابة"، "والضالين".

فإن قلت: فلم لا يوصل نحو: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ} 7 فهو كذلك.

قلت: لأن الإدغام في "الذين" متأصل لازم بخلاف تلك المواضع، وقد سبق هذا الفرق في ترك صلة ميم الجمع قبل الساكن.

ثم قال: وما قبله التحريك أي والذي تحرك ما قبله من هاءات المضمر المذكر التي ليس بعدها ساكن فكل القراء يصلها بواو إن كانت مضمومة وبياء إن كانت مكسورة والضمير في وصل يرجع إلى "ما"؛ لأنها بمعنى الذي، وشدد وصل للتكثير؛ لكثرة المواضع نحو كسر وقطع، ومثال ذلك:

1 سورة النساء، آية:83.

2 سورة الليل، آية:21.

3 سورة البينة، آية:8.

4 سورة مريم، آية:23.

5 سورة آل عمران، آية:143.

6 سورة الواقعة، آية:65.

7 سرة النساء، آية:83.

ص: 104

{أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} 2.

ووجه أصل الصلة أن الهاء حرف خفي فقوي بالصلة بحرف من جنس حركته إلا أن هذه الصلة تفعل في الهاء التي تكون من نفس الكلمة نحو: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا} {فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} {وَلَمَّا تَوَجَّهَ} .

لأن صلة مثل ذلك قد توهم تثنية وجمعا بخلاف هاء الضمير ولأن هاء الضمير اسم على حرف واحد فناسب أن تقوى وما أجروه مجرى هاء الضمير الهاء في اسم الإشارة إلى المؤنث نحو:

{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} 5.

فهي موصولة للكل لتحرك ما قبلها وتحذف عند الساكن نحو:

{هَذِهِ النَّارُ} 6.

ثم إن الصلة تسقط في الوقف كما ذكرنا في صلة ميم الجمع إلا الألف في ضمير المؤنث، وذلك لأن الصلة زيادة في الآخر لتتميم وتكميل فشابهت التنوين فحذفت كما تحذف مع الضم والكسر وتثبت مع الفتح كما تبدل من التنوين ألفا في الوصل.

159-

وَمَا قَبْلَهُ التَّسْكِينُ لاِبُنِ كَثِيرِهِمْ

وَفِيهِ مُهَاناً مَعْهُ حَفْصٌ أَخُو وِلَا

أي وصل ما قبله ساكن لابن كثيرهم وحده نحو: "فيه-وعليه-وإليه-ومنه-واجتباه-وعقلوه" فإن لقي الهاء ساكنا لم يصل على ما سبق تقريره نحو:

{إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} {فَأَرَاهُ الْآيَةَ} {يَعْلَمْهُ اللَّهُ} 9.

وقراءة الباقين بترك الصلة في كل ما قبله ساكن وعلم ذلك من الضد؛ لأن ضد الصلة تركها.

ووافق ابن كثير هشام على صلة "أرجئه" بواو على ما سنذكره ووافقه حفص على صلة: {فِيهِ مُهَانًا} 10.

في سورة الفرقان بياء فهذا معنى قوله: وفيه مهانا معه حفص

أي مع ابن كثير والولاء بكسر الواو والمد بمعنى المتابعة مصدر والاه ولاء مثل راماه رماء وهذه اللفظة قد كثر ورودها في قافية هذه القصيدة وهذا معناها حيث جاءت، ولوقوفه عليها سقط همزها ومدها على ما سبق تقريره في أجذم العلا فقوله: وفيه مهانا

مبتدأ وما بعده الخبر والعائد إلى المتبدأ محذوف للعلم به أي وهذه الكلمة حفص أخو متابعة لابن كثير فيها فقوله: حفص مبتدأ ثانٍ وخبره "أخو وِلا" أي: ذو متابعة لابن كثير في مذهبه؛ لأن الموافقة كالمتابعة،

1 سورة عبس، آية:21.

2 سورة الجاثية، آية:23.

3 سورة هود، آية:91.

4 سورة المؤمنون، آية:12.

5 سورة هود، آية:64.

6 سورة الطور، آية:19.

7 سورة غافر، آية:3.

8 سورة النازعات، آية:20.

9 سورة البقرة، آية:97.

10 سورة الفرقان، آية:69.

ص: 105

أو هو صاحب متابعة السنة في قراءته وكل من أكثر من شيء ولازمه جاز أن يدعى أخاه كقوله:

قل لابن قيس أخي الرقيات1

فإن قلت: هل يجوز أن تعود الهاء في معه إلى لفظ: "فيه مهانا" كما يقال: زيد معه المال.

قلت: هو جائز من حيث اللفظ، ولكنه ممتنع من جهة أنه يوهم أن حفصا وحده يصله دون ابن كثير، وإن رجع الضمير في معه إلى ابن كثير زال هذا الوهم، فمن قرأ بالصلة فعلى الأصل، والأكثر على ترك الصلة تخفيفا، وهشام وحفص جمعا بين اللغتين، وقيل: قصدا بالصلة تطويل اللفظ تشنيعا على "ملإ فرعون، ما أمروا به" وإسماعا للخلق ما أوعد به العاصي.

160-

وَسَكِّنْ يُؤَدِّهْ مَعْ نُوَلِّهْ وَنُصْلِهْ

وَنُؤْتِهِ مِنْهَا "فَ"اعَتَبِرْ "صَ"افِياً "حَ"لَا

شرع يذكر ما وقع فيه الخلاف بين القراء في إسكان هاء الكناية منه وهو عشرة ألفاظ جاءت في خمسة عشر موضعا وهي: "نوله"، "ونصله"، "ويأته"، "ويرضه"، "وألقه"، "ويتقه" فهذه ستة لم يكرر شيء منها "ويؤده"، "وأرجه"، "ويره" كل واحد جاء مرتين فهي ستة أيضا "ونؤته" في ثلاثة مواضع وعدها أبو بكر بن مجاهد ستة عشر موضعا فزاد:{لَمْ يَرَهُ} 2، في سورة البلد وكلها هاءات كناية اتصلن بأفعال حذفت أواخرها للجزم بالشرط أو جوابه أو للأمر، ولم يذكرها صاحب التيسير إلا مفرقة في أماكنها في القرآن وكلها غير أرجئه كان واجب الصلة للكل؛ لتحرك ما قبل الهاء ولكن عرض فيه أمر آخر اقتضى جواز الإسكان فيه وجواز القصر على ما سيأتي فصار فيها ثلاثة أوجه، ولقد لفظ الناظم رحمه الله بالكلمات المذكورة في هذا البيت على الوجوه الثلاثة فسكن يؤده ونوله ووصل نصله وقصر:{نُؤْتِهِ مِنْهَا} 3.

وهذا من عجيب ما اتفق أي أن حمزة وأبا بكر عن عاصم وأبا عمرو سكنوا هاء الكناية في هذه الكلمات الأربع من بين العشر المذكورة وهي في سبعة مواضع:

{يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} 4. موضعان في آل عمران، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ} 5 في سورة النساء، {نُؤْتِهِ مِنْها} موضع في {حم، عسق} 6 وموضعان في آل عمران.

فإن قلت: من أين يعلم أنه أراد تكرير يؤده ونؤته وعادته في مثل ذلك أن يقول معا أو جميعا أو حيث أتى أو نحو ذلك:

1 تمامه: ما أحسن العِرف في المصيبات والعرف: بكسر العين اهـ من هامش الأصل.

2 سورة البلد، آية:7.

3 سورة آل عمران، آية:145.

4 سورة آل عمران، آية:175.

5 سورة النساء، آية:115.

6 سورة الشورى، آية:1.

ص: 106

قلت: إطلاقه وعدم تقييده دل على ذلك؛ لأنه ليس بعضه أولى به من بعض فإن ما يذكره في أبواب الأصول لنسبته إلى المواضع كلها سواء، ولهذا قال:"أرجئه" ولم يبين أنه في سورتين، وإنما يحتاج إلى قوله: معا وجميعا في فرش الحروف؛ لئلا يظن أن ذلك مختص بما في تلك السورة دون غيرها، هذا هو الغالب من أمره، وقد جاء في بعض المواضع مقيدا في الأصول كقوله:"تسؤ، ونشأ" ست وعشر، "يشأ، ونبى" بأربع "وأرجى" معا "وأقرأ" ثلاثا، ولم يستوعب التقييد في هذه المواضع المستثناة فقال بعد ذلك:"ومؤصدة"، ولم يقل معا فأطلق على الأصل، وجاء الإطلاق في الفرش في مواضع مع عموم الحكم كالتوراة، وكائن: على ما يأتي، وإسكان هاء الكناية لغة محكية سواء اتصلت بمجزوم أو غيره كقوله: وأنشده ابن مجاهد:

وأشرب الماء مائي نحوه عطش

إلا لأن عيونه سيل واديها

ولم يسكنها القراء إلا في المجزوم كالكلمات المذكورة ووجه الإسكان تشبيه هاء الضمير بألف وواوه ويائه فأسكنت أو اسنثقلت صلتها فأسكنت كما فعل في ميم الجميع أو وصلت بنية الوقف وهذه الوجوه الثلاثة تعم المجزوم وغيره.

وفي المجزوم وجهان آخران:

أحدهما أنها سكنت تنبيها على الحرف المحذوف قبلها للجزم.

والثاني أنها سكنت لحلولها محله، ونبه بقوله صافيا حلا على صحة هذه القراءة وحسن وجهها في العربية وإن كانت قد جاءت على خلاف المعهود في هاءات الكناية من التحريك والصلة وصافيا نعت المفعول المحذوف أي لفظا صافيا حلوا أو يكون حالا من فاعل فاعتبر: أي اعتبر المذكور في حال صفاء ذهنك وباطنك من النفرة منه وحلاوة عبارتك في ذكر دليله أو يكون حالا من مفعول فاعتبر المحذوف إن قدرته معرفة أي فاعتبر المذكور في حا صفائه وحلاوته فيعود المعنى إلى ما ذكرناه في الوجه الأول أو أراد فاعتبر نظما صافيا حلوا.

ووجهه ما ذكرناه من أنه لفظ في هذا البيت بوجوه الاختلاف الثلاثة في هذه الكلمات ونحوه والله أعلم وأحكم.

161-

وَعَنْهُمْ وَعَنْ حَفْصٍ فَأَلْقِهْ وَيَتَّقِهْ

[حَ] مى [صَ] فْوَهُ [قَ] وْمٌ بِخُلْفٍ وَأَنْهَلَا

أي وعن من تقدم ذكرهم وعن حفص إسكان قوله تعالى:

{فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} 1.

في سورة النمل، والتقدير: وسكن فألقه عنهم وعن حفص فيكون عطفا على قوله وسكن يؤده وقد تقدم في شرح الخطبة أن ضمير من تقدم رمزه نازل منزلة المسمى بصريح لفظه لا منزلة الرمز فلهذا جمع بين الضمير في وعنهم وبين قوله وعن حفص فصار على إسكان فألقه عاصم بكماله وأبو عمرو وحمزة وقوله ويتقه مبتدأ وليس عطفا على فألقه والواو من نفس التلاوة أراد قوله تعالى في سورة النور:

1 سورة النمل، آية:28.

ص: 107

{وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} 1.

وخبر المبتدأ حمى صفوه إلى آخر البيت، وتقدير الكلام فيه وإسكان ويتقه على حذف مضاف أي أسكن هاءه أبو بكر وأبو عمرو وخلاد عن حمزة بخلاف عنه، فنقص من الرمز المذكور في البيت السابق راوٍ وهو خلف، وزاد في فألقه راوٍ وهو حفص.

ومعنى حمى صفوه: أي صفو إسكانه قوم بخلف: أي حماه جماعة بحجج مختلفة وهي خمسة أوجه سبق ذكرها، ومعنى أنهل سقاه: النهل وهو الشرب الأول، وحسن استعارة النهل بعد ذكر الصفو أشار بذلك إلى أنهم قاموا في نصرة الإسكان بما انشرحت له الصدور، فهذا معنى ظاهر هذا الكلام، والمراد بباطنه رمز القراء، وقوله: بخلف ليس رمزا، وكذلك كل ما جاء منه نحو بخلفه بخلفهما بخلفهم؛ لأن المراد منه أن القارئ المذكور قبلها اختلفت الرواية عنه فكأنه من تتمة ذكره، وأفرد الضمير في أنهل ردا على لفظ قوم، ويجوز أن يكون الضمير فيه ليتقه، أي روى هذا الحرف القوم الذين حموه لما استنبطوا من المعاني والفوائد أو يعود على الصفو وهو أليق أي حموه مما يكدره؛ حفظا له بحاجتهم إليه فأنهلهم ورواهم، ثم بين قراءة حفص لهذه الكلمة فقال:

162-

وَقُلْ بسُكُونِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ حَفْصُهُمْ

وَيَأْتِهْ لَدَى طه بِالِاِسْكَانِ [يُـ]ـجْتَلا

أي قراءة حفصهم، فحذف المضاف؛ يعني أن حفصا يسكن القاف ويحرك الهاء بالكسر من غير صلة، وهذا معنى القصر وهو ترك الصلة؛ لأنها مد، وأسكن القاف؛ لأنها صارت آخر الفعل بعد حذف الياء للجزم، وقيل: أجرى "يتقه" مجرى "كتف" فأسن الوسط تخفيفا، وأنشد:

فبات منتصبا وما تكردسا

فلما سكنت القاف ذهبت صلة الهاء؛ لأن أصل حفص أن لا يصل الهاء التي قبلها ساكن إلا في قوله تعالى: {فِيهِ مُهَانًا} ، وبقيت كسرة الهاء أمارة على عروض الإسكان في القاف والأصل كسرها، ولولا هذا المعنى لوجب ضم الهاء؛ لأن الساكن قبلها غير ياء فهو مثل: منه وعنه، وقيل: كانت الهاء ساكنة في قراءة حفص، كما أسكنها في "فألقه" فلما أسكن القاف كسر الهاء لالتقاء الساكنين، وهذا ضعيف؛ إذ لا مقتضى لإسكان القاف على تقدير سكون الهاء، ولأن كسر القاف وسكون الهاء أخف من العكس فلا معنى للعدول عنه:

وأما قوله: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا} 2 في سورة طه؛ فلم يذكر الإسكان فيه إلا عن السوسي تبعا لصاحب التيسير، وذكره الأهوازي عن ابن عامر وعاصم وأبي عمرو وحمزة رحمهم الله تعالى، ومعنى يجتلا ينظر إليه بارزا غير مستتر من قولهم: اجتليت العروس يشير إلى أن الإسكان محكي مسطور في الكتب فلا ينفى لعدم ذكر بعض المصنفين له كابن الفحام في تجريده وغيره، وقوله: لدى طه أي عندها، وفي أثناء آياتها وسمى سورة هذا الحرف زيادة في البيان لا للتمييز إذ ليس غيره.

1 سورة النور، آية:52.

2 سورة طه، آية:75.

ص: 108

163-

وَفي الْكُلِّ قَصْرُ الْهَاءِ "كـ"ـانَ "لِـ"سَانَهُ

بخُلْفٍ وَفي طه بِوَجْهَيْنِ "بُـ"ـجِّلا

يعني بالكل جميع الألفاظ المجزومة من قوله: وسكن يؤده إلى يتقه، وقصر الهاء عبارة عن ترك الصلة ويسمى أيضا الاختلاس، وقوله: بأن لسانه رمز لقالون وهشام، ومعناه في الظاهر: اتضحت لغته وظهر نقله؛ لأن قصر الهاء لغة فصيحة سواء اتصلت بمجزوم أو غيره، أنشد الداني للأعشى جمعا بين اللغتين القصر والصلة قوله:

وما له من مجد تليد وما له

من الريح حظ لا الجنوب ولا الصَّبَا

ووجه لغة القصر في المجزوم النظر إلى الحرف المحذوف قبل الهاء للجزم؛ لأن حذفه عارض ولو كان موجودًا لم توصل الهاء لوجود الساكن قبلها على ما تقرر، فهذا توجيه حسن؛ لما جاءت القراءة به من القصر في المجزوم، ولم تأت في غيره؛ لفقد هذه العلة فيه، وقوله: بخلف يعني عن هشام؛ لأنه الذي يليه ولو كان الخلاف عنه وعن قالون لقال بخلفهما، ولو كان عن ثلاثة لقال: بخلفهم، وكل هذا قد استعمله في نظمه كما سيأتي.

والخلف الذي عن هشام وجهان: أحدهما القصر وقد ذكره، والثاني الصلة كسائر القراء، ولا يجوز أن يكون الإسكان؛ لأنه قد ذكر الإسكان عن الذين قرءوا به، ولم يذكر هشاما معهم.

وأما حرف طه فوصله هشام كسائر القراء غير السوسي.

ولقالون وجهان: القصر والصلة، ولا يكون الإسكان؛ لما ذكرنا، ووجه الصلة تحرك الحرف الذي قبل الهاء ولا نظر إلى الحرف المحذوف، وقوله: بوجهين متعلق بمحذوف أي يقرأ حرفه بوجهين بجلا أي وقرأ كلاهما يشير إلى أن القصر أفشى من الإسكان في لغة العرب كما تقدم بيانه، ولأنه ضمير على حرف واحد صحيح فكان محركا كالتاء والكاف، ووجه أسكانها تشبيهها بالألف والواو.

وفي ياء الإضافة وجهان: الفتح والإسكان وسيأتيان، ويجوز أن يكون التقدير والحرف الذي في طه بجل بوجهين.

164-

وَإِسْكَانُ يَرْضَهُ "يُـ"ـمْنُهُ "لُـ"ـبْسُ "طَ"ـيِّبٍ

بِخُلْفِهِمِاَ وَالْقَصُرُ "فَـ"ـاذْكُرْهُ "نَـ"ـوْفَلا

أراد قوله تعالى في سورة الزمر: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} 1.

أسكنه السوسي بلا خلاف وهشام والدوري عن أبي عمرو وبخلفهما وأخبر بظاهر لفظه عن الإسكان بأن يمنه لبس طيب تقريرا له وإزالة للنفرة عنه، ويجوز في قوله: والقصر وجهان الرفع على الابتداء وخبره ما بعده أو محذوف أي والقصر كذلك يمنه ليس طيب، أو والقصر مقروء به فهو قريب من قوله تعالى:

1 سور الزمر، آية:7.

ص: 109

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 2.

والنصب بفعل مضمر فسره ما بعده والفاء في فاذكره زائدة كقوله:

وإذا هلكْت فعند ذلك فاجزعي3

والخلف الذي للدوري هو الإسكان والصلة، والذي لهشام الإسكان والقصر وعلم ذلك من جهة أنه ذكر هشاما مع أصحاب القصر في أول البيت الآتي، ولم يذكر الدوري معهم، فكان مع المسكوت عنهم وهم أصحاب الصلة ونوفلا حال، والنوفل الكثير العطاء.

165-

"لَـ"ـهُ "ا"لرُّحّبُ وَالزِّلْزَالُ خَيْراً يَرَهْ بِهَا

وَشَرًّا يَرَهْ حَرْفَيْهِ سَكِّنْ "لِـ"ـيَسْهُلا

الرحب: السعة أشار إلى شهرته وصحته أي يجد المتصدي لنصرة القصر رحبا وسعة ومجالا من نقل ذلك لغة وقوة تعليلية، فالذين قصروا "يرضه" حمزة وعاصم وهشام -بخلافٍ عنه- ونافع، ثم قال: والزلزال أي وسورة الزلزال يعني: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} 4.

وهو مبتدأ وسكن خبره والعائد إلى المبتدأ الضمير في بها وأنثه؛ لأنه ضمير السورة: {خَيْرًا يَرَهُ} 5 و {شَرًّا يَرَهُ} 6. مفعول سكن وحرفيه صفة لهما يفيد التأكيد.

وإنما أكثر من هذا البيان ولم يكتف بقوله "يره" كما نص على ألقه ويتقه ويؤده وغير ذلك حذرا من التي في سورة البلد قوله: {لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} 7.

فتلك لم يذكر في التيسير فيها خلافا، وذكره في غيره، والهاء في حرفيه تعود على لفظ الزلزال، ويجوز أن يكون بدلا من "خيرا يره" و"شرا يره" بدل البعض من الكل، ويعني بحرفيه هاءي الكناية في هذا اللفظ، وكأن الوجه على هذا أن يقول حرفيهما وإنما وحد ردا على "يره"؛ لأنه لفظ واحد تكرر والألف في ليسهلا للتثنية أي ليسهل الحرفان بالإسكان ويجوز أن يكون خبر الزلزال قوله خيرا يره بها وشرا يره، ثم قال سكن حرفي هذا اللفظ كما تقول الدار بها زيد وعمرو أكرمهما، وقيل أشار بقوله ليسهلا إلى ثقل الصلة هنا من جهة أن بعد كل هاء منهما واو، فيلتقي واوان في قوله يرهو ومن يعمل يرهو والعاديات؛ لأن هذه الصلة إنما اعتبارها

1 سورة النور، آية:80.

2 سورة المائدة، آية:38.

3 أوله: لا تجزعي إن منفسا أهلكته اهـ.

4 سورة الزلزلة، آية:1.

5 و6 سورة الزلزال، آية:8.

7 سورة البلد، آية:7.

ص: 110

في الوصل: وأما الوقف فبالإسكان لا صلة فيه لجميع القراء في جميع الهاءات، وقد تقدم ذكره.

فإن قلت: هذه المواضع التي نص لبعض القراء على إسكانها من أين تعلم قراءة الباقين.

قلت: قد سبق الإعلام بها في قوله: وما قبله التحريك للكل وصلًا، وهذه المواضع المسكنة كلها قبل هاءاتها متحركات فكأنه قال القراء كلهم على صلة الهاء إذا تحرك ما قبلها، واستثنى هؤلاء هذه المواضع فأسكنوها والله أعلم.

166-

وَعى "نَفَرٌ" أَرْجِئْهُ بِالْهَمْزِ سَاكِناً

وَفي الْهَاءِ ضَمٌّ "لَـ"ـفَّ "دَ"عْوَاهُ "حَـ"ـرْمَلا

أرجئه موضعان في الأعراف والشعراء، ومعنى وعى حفظ: أي حفظ مدلول نفر وهم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أرجئه بهمزة ساكنة وحفظ الباقون بلا همز وهما لغتان فصيحتان قرئ بهما قوله تعالى:

"وآخرون مرجئون""وترجئ من تشاء"2.

ونفر همزوا الجميع يقال أرجأت الأمر إذا أخرته وبعض العرب يقول: أرجيت كما يقول أخطيت وتوضيت فلا يهمز حكاه الجوهري وقوله: بالهمز يؤخذ منه أن قراءة الباقين بلا همز ولم تكن له حاجة إلى قوله: ساكنا فإنه قد لفظ به كذلك.

فإن قلت: فيه زيادة بيان.

قلت: صدقت ولكنه يلبس الضد؛ إذ يلزم من ذلك أن يكون الضد فتح الهمز كقوله: "ويطهرن" في الطاء السكون "والأيكة" اللام ساكن "منسأته" سكون همزته ماضٍ، فإنه ضد السكون فيها فتح الطاء واللام والهمزة، وعذره في ذلك أن الهمز هو صاحب الضد فضده لا همز كما ذكر ذلك في "الصابئين" و"الأيكة"، ولم يقدح في ذلك وصفه الهمز بالسكون وهذا كما أن الحركة ضدها السكون ولا يقدح في ذلك ذكره الكسر والضم والفتح معها على ما مهدناه في شرح الخطبة وساكنا حال من الهمز، ولو قال مكانه فيهما لكان جيدًا، وارتفع الإيهام المذكور أي في الموضعين.

ثم ذكر أن جميع من همز أرجئه ضم الهاء إلا ابن ذكوان فإنه كسرها، واستبعدت قراءته وتكلم فيها من جهة أن الهاء إنما تكسر بعد كسر أو ياء ساكنة وحقها الضم في غير ذلك فأرجئه مثل منه وزنه وأهبه، وقد اعتذر له بأن الهمز لم يعتد به حاجزًا؛ لقبوله الإبدال فكأن الهاء وَلِيَتِ الجيم المكسورة أو كأنها بعد ياء ساكنة في التقدير لو أبدلت الهمزة ياء، ويضعف هذا الاعتذار وجوه.

الأول: أن الهمز معتدٌّ به حاجزًا بإجماع في "أنبئهم ونبئهم" والحكم واحد في ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكسر والضم.

الثاني: أنه كان يلزمه صلة الهاء؛ إذ هي في حكمه كأنها قد ولِيَت الجيم.

الثالث: أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء؛ نظرا إلى أن أصلها همزة فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة، وسيأتي تحقيق ذلك في باب وقف حمزة فضم الهاء مع الهمز هو الوجه

1 سورة التوبة، آية:106.

2 سورة الأحزاب، آية:51.

ص: 111

فلهذا قال فيه: لف دعواه حرملا، والهاء في دعواه للضم، والحرمل: نبت معروف له في الأدوية مدخل، أشار بذلك إلى ظهور وجه الضم مع الهمز، أي في طي الدعوى به ما يبين حسنه وجودة القراءة به، وذكر ابن جني في كتابه المحتسب قال: وروي عن ابن عامر "أنبئهم" بهمزة وكسر الهاء، قال ابن مجاهد: وهذا لا يجوز، قال ابن جنى طريقه أن هذه الهمزة ساكنة والساكن ليس بحاجز حصين عندهم فكأن لا همز هناك أصلا، ثم قرر ذلك بنحو مما تقدم والله أعلم قال:

167-

وَأَسْكِنْ "نَـ"ـصِيراً "فَـ"ـازَ وَاكْسِرْ لِغَيْرِهِمْ

وَصِلْهَا "جـ"ـوَاداً "دُ"ونَ "رَ"يْبٍ "لِـ"ـتُوصَلا

نصيرا حال من فاعل أسكن: أي ناصرا فائزا بظهور الحجة، وقد تقدم وجه الإسكان، وقرأ به هنا عاصم وحمزة ولا همز في قراءتهما، فصار "أرجه" كـ "ألقه"، وهما يسكنانهما وأبو عمرو وافقهما على ألقه ولم يمكنه الإسكان في "أرجه"؛ لأنه يهمز ففي الإسكان جمع بين ساكنين، ثم قال: واكسر لغيرهم أي لغير الذين ضموا والذين سكنوا، وهم نافع والكسائي وابن ذكوان، وقد مضى الكلام في قراءة ابن ذكوان ونافع والكسائي كسرا الهاء؛ لكسرة الجيم قبلها؛ إذ ليسا من أصحاب الهمز.

ثم ذكر الذين وصلوا الهاء وهم أربعة: اثنان من أصحاب الضم والهمز، وهما ابن كثير وهشام، واثنان من أصحاب الكسر بلا همز، وهما الكسائي وورش، وصلاها بياء على أصلهما في صلة ما قبله متحرك وابن كثير وصلها بواو على أصله في صلة ما قبله ساكن وهشام وافقه وخالف أصله في ترك صلة ما قبله ساكن فقد وافق ابن كثير على مذهبه في الصلة راويان كل واحد منهما في حرف واحد أحدهما في صلة الضم بواو وهو هشام في هذا الحرف، والآخر في صلة الكسر بياء وهو حفص في:{فِيهِ مُهَانًا} 1.

وقد تقدم وأبو عمرو ضم من غير صلة على أصله، وقالون قصر الهاء، فكسرها من غير صلة على أصله في المواضع المجزومة كلها.

فالحاصل أن في كلمة أرجه ست قراءات؛ ثلاث لأصحاب الهمز لابن كثير وهشام وجه ولأبي عمرو وجه ولابن ذكوان وجه، وثلاث لمن لم يهمز لعاصم وحمزة وجه، وللكسائي وورش وجه ولقالون وجه، وقد جمعت هذه القراءات الست في بيت واحد في النصف الأول قراءات الهمز الثلاث وفي النصف لآخر قراءات من لم يهمز الثلاث فقلت:

وأرجئه مل والضم خر صله دع لنا

وأرجه ف نل صل جي رضي قصره بلا

فابتدأت بقراءة ابن ذكوان ولم أخف تصحيفها بغيرها؛ إذ لا يمكن في موضعها من جهة الوزن شيء من القراءات الست إلا قراءة أبي عمرو وهي مبينة بعدها، وقراءة قالون على زحاف في البيت، وقراءة قالون سنبين في آخر البيت مع أن صورة الكتابة مختلفة فتعين ما ابتدأ به لابن ذكوان والله أعلم.

1 سورة الفرقان، آية:69.

ص: 112