الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: إن أحال دين الميت على رجل جاز قال: (ثم أُتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا نعم) عليه دين زاد في الرواية السابقة ثلاثة دنانير (قال: صلوا) ولأبي ذر: فصلوا (على صاحبكم. قال أبو قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري (عليّ دينه) ولابن ماجة: أنا أتكفل به (يا رسول
الله فصلّى عليه) صلوات الله وسلامه عليه واقتصر في هذه الطريق على اثنين من الأموات الثلاثة المذكورة في الرواية السابقة.
ووجه المطابقة هنا أنه لو كان لأبي قتادة أن يرجع لما صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يوفي أبو قتادة الدين لاحتمال أن يرجع فيكون قد صلّى على مديان دينه باقٍ عليه فدلّ على أنه ليس له أن يرجع.
2296 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِي حَثْيَةً، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا". [الحديث 2296 - أطرافه في: 2598، 2683، 3137، 3164، 4383].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصارى رضي الله عنهم أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قد جاء مال البحرين) موضع بين البصرة وعمان أي لو تحقق المجيء (قد أعطيتك هكذا وهكذا) زاد في غير رواية أبي الوقت وهكذا زاد في الشهادات فبسط يديه ثلاث مرات فيه اقتران الماضي الوافع جوابًا "للو" بقد. قال ابن هشام وهو غريب كقول جرير:
لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة
…
تدع الصوادي لا يجدن غليلا
يقال: نقع الماء العطش سكنه والذي وقع هنا يؤيده كحديث ابن عباس عند البخاري في باب: رجم الحبلى من الزنا الذي فيه ذكر البيعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا ففيه كالذي قبله ورود جواب لو وشرطها جميعًا مقترنين بقد، وفلان المشار إليه بالبيعة هو طلحة بن عبيد كما في فوائد البغوي (فلم يجيء مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر) الصديق رضي الله عنه رجلاً (فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة) أي وعد (أو دين فليأتنا) قال جابر: (فأتيته فقلت) له: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا فحثا لي) أبو بكر رضي الله عنه (حثية) بفتح الحاء المهملة وبالثاء المثلثة فيهما. قال ابن قتيبة: هي الحفنة. وقد ابن فارس ملء الكفّين (فعددتها فإذا هي خمسمائة وقال: خذ مثليها) أي مثلي خمسمائة فالجملة ألف وخمسمائة وذلك لأن جابرًا لما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا ثلاث مرات حثا له أبو بكر حثية
فجاءت خمسمائة فقال خذ مثليها لتصير ثلاث مرات كما وعده صلى الله عليه وسلم وكان من خلقه الوفاء بالوعد، فنفذه أبو بكر بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
ومطابقته للترجمة من جهة أن أبا بكر رضي الله عنه لما قام مقام النبي صلى الله عليه وسلم تكفل بما كان عليه من واجب أو تطوع، فلما التزم لزمه أن يوفي جميع ما عليه من دين أو عدّة.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس والمغازي والشهادات ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.
4 - باب جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقْدِهِ
(باب جوار أبي بكر) الصديق رضي الله عنه أي أمانه قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} [التوبة: 6] أي أمنه وجيم جوار بالكسر ويجوز الضم (في عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي في زمنه (وعقده) أي وعقد أبي بكر.
2297 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ". وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَاّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ. فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ. فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ. ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا
لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَاّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَىَّ ذِمَّتِي؛ فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ - وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ. فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده لشهرته به وأبوه عبد الله المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد أنه قال: (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم (فأخبرني) الفاء عاطفة على محذوف تقديره أخبرني فلان بكذا فأخبرني (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل) بكسر القاف أي لم أعرف (أبوي) أبا بكر وأم رومان، وزاد أبو ذر عن الكشميهني هنا قط بتشديد الطاء المضمومة للنفي في الماضي
(إلا وهما يدينان الدين) بكسر الدال المهملة والنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الإسلام.
(وقال أبو صالح) سليمان بن صالح المروزي، وفي نسخة بالفرع وأصله سلموية بفتح المهملة واللام وضم الميم وسكون الواو وفتح التحتية آخره تاء تأنيث. قال الحافظ ابن حجر: وهذا التعليق قد سقط مني رواية أبي ذر: وساق الحديث عن عقيل وحده (حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد (عن الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبوي قطّ إلا وهما بدينان الدين ولم يمر علينا يومًا إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية) تفسير لقوله طرفي النهار وهو منصوب على الظرف، (فلما ابتلي المسلمون) بأذى المشركين وأذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة (خرج أبو بكر) رضي الله عنه حال كونه (مهاجرًا قبل الحبشة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهة الحبشة ليلحق بمن سبقه من المسلمين فسار (حتى إذا بلغ برك الغماد) بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف والغماد بكسر الغين المعجمة وتخفيف الميم، ولأبي ذر: برك بكسر الموحدة. قال في المطالع: وبكسر الموحدة وقع للأصيلي وِالمستملي والحموي قال: وهو موضع بأقاصي هجر، وقيل اسم موضع باليمن، وقيل وراء مكة بخمس ليال (لقيه ابن الدغنة) بفتح الدال المهملة وكسر الغين المعجمة وفتح النون المخففة ولأبي ذر:
الدغنة بضم الدال والغين وتشديد النون كذا في الفرع وأصله لأبي ذر، وعند المروزي الدغنة بفتح الدال والغين والنون المخففة. قال الأصيلي: وكذا رواه لنا المروزي، وقيل إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب فيه الكسر وهو اسم أمه واسمه الحرث بن يزيد كما عند البلاذري. وحكى السهيلي مالك وعند الكرماني أن ابن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع وهو وهم من الكرماني لأن ربيعة المذكور آخر يقال له ابن الدغنة أيضًا لكنه سلمي والذي هنا من القارة فافترقا (وهو سيد القارة) بالقاف وتخفيف الراء قبيلة مشهورة من بني الهون بضم الهاء وسكون الواو ويوصفون بجودة الرمي، واسم ابن الدغنة قال مغلطاي اسمه مالك، وعند البلاذري في حديث الهجرة أنه الحرث بن يزيد. قال الحافظ ابن حجر: وهو أولى ووهم من زعم أنه ربيعة بن رفيع (فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر) رضي الله عنه: (أخرجني قومي) أي تسببوا في إخراجي (فأنا أريد أن أسيح) بفتح الهمزة وسين مهملة مكسورة وبعد التحتية حاء مهملة أي أسير (في الأرض).
فإن قلت: حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعًا بعينه ومعلوم أنه قصد التوجّه إلى أرض الحبشة. أجيب: بأنه عمي عن ابن الدغنة جهة مقصده لكونه كان كافرًا، ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها حتى يسير في الأرض وحده زمانًا فيكون سائحًا.
(فأعبد) بالفاء، ولأبي ذر: وأعبد (ربي: قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخُرج) بفتح أوّل الأوّل وضم أوّل الثاني مبنيًّا للفاعل والثاني للمفعول (فإنك تكسب المعدوم) بفتح المثناة الفوقية أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك. قيل: والصواب المعدم بدون الواو أي الفقير لأن المعدوم لا يكسب. وأجيب: بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لأنه كالمعدم الميت الذي لا تصرف له. وقال الزركشي: وتكسب العديم أي الفقير فعيل بمعنى فاعل وهذا أحسن من الرواية السابقة أول الكتاب في حديث خديجة تكسب المعدوم انتهى.
ولم أقف على شيء من النسخ كما ادّعاه ولعله وقف عليها في نسخة كذلك. (وتصل الرحم) أي القرابة (وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام الذي لا يستقل بأمره أو الثقل بكسر المثلثة وسكون القاف (وتقري الضيف) بفتح المثناة الفوقية من الثلاثي أي تهيئ له طعامه ونزله (وتعين على نوائب الحق) أي حوادثه وإنما قال نوائب الحق لأنها تكون في الحق والباطل، وهذا كقول خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبرها بأول مجيء الملك له (وأنا لك
جار) أي مجير لك مؤمنك ممن أخافك منهم. (فارجع فاعبد ربك ببلادك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر) استشكل بأن القياس أن يقال رجع أبو بكر معه عكس المذكور كما لا يخفى.
وأجيب: بأنه من باب إطلاق الرجوع وإرادة لازمه الذي هو المجيء أو هو من قبيل المشاكلة لأن أبا بكر كان راجعًا أو أطلق الرجوع باعتبار ما كان قبله بمكة، وفي باب الهجرة فرجع أي أبو بكر وارتحل معه ابن الدغنة وهو الأصل، والمراد في الروايتين كما قال ابن حجر مطلق الصاحبة.
(فطاف) أي ابن الدغنة (في أشراف كفار قريش) أي ساداتهم (فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله) بفتح أوّله وضم ثالثه مبنيًّا للفاعل ولأبي ذر لا يخرج بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (ولا يخُرج) بضم أو وفتح ثالثه ولأبي ذر بفتح أوله وضم ثالثه (أتخرجون رجلاً) بضم التاء وكسر الراء والهمزة للاستفهام الإنكاري (يكسب المعدوم) بفتح الياء وضمها كما في الفرع وأصله والجملة في محل نصب صفة لرجلاً وما بعده عطف عليه (ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش) بالذال المعجمة بعد الفاء أي أمضوا (جوار ابن الدغنة) ورضوا به (وآمنوا) بمدّ الهمزة وفتح الميم المخففة أي جعلوا (أبا بكر) في أمن ضد الخوف (وقالوا لابن الدغنة: مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره) دخلت الفاء على شيء محذوف. قال الكرماني تقديره ليعبد ربه فليعبد ربه قال العيني: لا معنى لما ذكره لأنه لا يفيد زيادة شيء بل تصلح الفاء أن تكون جزاء شرط تقديره مر أبا بكر إذا قيل ما يشترط عليه فليعبد ربه في داره (فليصلّ) بالفاء، وفي نسخة بالفرع وأصله: وليصل (وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك) إشارة إلى ما ذكر من الصلاة والقراءة (ولا يستعلن) لا يجهر (به فإنا قد خشينا أن يفتن) بفتح التحتية وكسر الفوقية أي يخرج (أبناءنا ونساءنا) من دينهم إلى دينه (قال ذلك) الذي شرطه كفار قريش (ابن الدغنة لأبي بكر فطفق) بكسر الفاء أي جعل وفي الهجرة فلبث (أبو بكر) رضي الله عنه (يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ثم بدا) أي ظهر (لأبي بكر) رضي الله عنه رأي في أمره بخلاف ما كان يفعله (فابتنى مسجدًا بفناء داره) بكسر الفاء ممدودًا ما امتد من جوانبها وهو أول مسجد بني في الإسلام (وبرز) ظهر أبو بكر (فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف) بالمثناة الفوقية بعد التحتية وللكشميهني فينقصف بالنون الساكنة بدل الفوقية وتخفيف الصاد (عليه نساء المشركين وأبناؤهم) أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر وأطلق يتقصف مبالغة (يعجبون) زاد الكشميهني منه (وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً) بتشديد الكاف أي كثير البكاء (لا يملك دمعه) وفي الهجرة لا يملك عينيه أي لا يملك إسكانهما عن البكاء من رقة قلبه (حين يقرأ القرآن فأفزع) بالفاء الساكنة وبعدها زاي أي أخاف (ذلك أشراف قريش من المشركين) لما يعلمون من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا دين الإسلام (فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا) بالراء الساكنة، وللكشميهني: أجرنا بالزاي بدل الراء (أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن) بفتح أوله وكسر ثالثه (أبناءنا ونساءنا) ولأبي ذر: أن يفتن بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول أبناؤنا ونساؤنا بالرفع نائبًا عن الفاعل (فائته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبي) امتنع (إلا أن يعلن ذلك) المذكور من الصلاة والقراءة أي يجهر (فسله) بسكون اللام من غير همز فعل أمر (أن يردّ إليك ذمتك) عهدك له (فإنّا كرهنا أن نخفرك) بضم النون وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء وفتح الراء أي ننقض عهدك (ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان) أي لا نسكت على الإنكار عليه خوف نسائنا وأبنائنا.
(قالت عائشة) رضي الله عنها (فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال) له (قد علمت الذي