الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي) ولأبي ذر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم قال):
(بينا) ولأبي ذر: بينما بالميم (رجل) لم يسم (بطريق) وفي رواية الدارقطني في الموطآت من طريق ابن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة (اشتد) ولأبي ذر فاشتد بزيادة الفاء (عليه العطش) والفاء في موضع إذا (فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج) منها (فإذا كلب يلهث) بالمثلثة أي يرتفع نفسه بين أضلاعه أو يخرج لسانه من العطش حال كونه (يأكل الثرى) بالمثلثة المفتوحة الأرض الندية (من العطش) ويجوز أن يكون قوله يأكل الثرى خبرًا ثانيًا (فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب على المفعول به (من العطش مثل الذي كان بلغ منى) برفع مثل فاعل بلغ (فنزل البئر فملأ
خفّه ماء) ولابن حبان خفّيه بالتثنية (فسقى الكلب) بعد أن خرج من البئر حتى روي (فشكر الله له) أثنى عليه أو قبل عمله (فغفر له) الفاء للسببية أي بسبب قبول عمله غفر الله له (قالوا) أي الصحابة ومنهم سراقة بن مالك بن جعشم كما عند أحمد وغيره (يا رسول الله) الأمر كما قلت (وإن لنا في) سقي (البهائم لأجرًا؟ فقال) عليه الصلاة والسلام (في) إرواء (كل ذات كبد رطبة) برطوبة الحياة من جميع الحيوانات المحترمة (أجر) أي أجر حاصل في الإرواء المذكور فأجر مبتدأ قدم خبره.
وفي الحديث جواز حفر الآبار في الصحراء لانتفاع عطشان وغيره بها.
فإن قلت: كيف ساغ مع مظنة الاستضرار بها بساقط بليل أو وقوع بهيمة أو نحوها فيها؟ أجيب: بأنه لما كانت المنفعة أكثر ومتحققة والاستضرار نادرًا ومظنونًا غلب الانتفاع وسقط الضمان فكانت جبارًا فلو تحققت المضرة لم يجز وضمن الحافر.
وهذا الحديث قد سبق في باب سقي الماء من كتاب الشرب.
24 - باب إِمَاطَةِ الأَذَى
وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» .
(باب إماطة الأذى) أي إزالته عن المسلمين (وقال همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبّه أَخو وهب مما وصله المؤلّف في باب من أخذ بالركاب من الجهاد (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (يميط الأذى) هو على حدّ قوله تسمع بالمعيدي أي أن تسمع وأن يميط الأذى فأن مصدرية أي إماطة الرجل الأذى كتنحية حجر أو شوك (عن الطريق صدقة) على أخيه المسلم لأنه لما تسبب في سلامته عند المرور بالطريق من ذلك الأذى فكأنه تصدّق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة.
25 - باب الْغُرْفَةِ وَالْعُلِّيَّةِ الْمُشْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمُشْرِفَةِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا
(باب) جواز سكنى (الغربة) بضم الغين المعجمة وسكون الراء وفتح الفاء المكان المرتفع في البيت (و) سكنى (العلية) بضم العين المهملة وكسرها وتشديد اللام المكسورة والمثناة التحتية. قال الكرماني: وهي مثل الغرفة، وقال الجوهري: الغرفة العلية فهو من العطف التفسيري (المشرفة) على المنازل (وغير المشرفة) بالشين المعجمة الساكنة والفاء وتخفيف الراء فيهما صفتان للسابق (في السطوح وغيرها) ما لم يطلع منها على حرمة أحد وقد تحصل مما ذكره أربعة:
عليّة مشرفة على مكان على سطح.
مشرفة على مكان على غير سطح.
غير مشرفة على مكان على سطح.
غير مشرفة على مكان غير سطح.
2467 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: «أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ» .
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما) أنه (قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم) بضم الهمزة والطاء (من آطام المدينة) بمد الهمزة جمع أطم وهو بناء مرتفع كالعلية المشرفة، وقيل الآطام حصون على المدينة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام:
(هل ترون ما أرى) بفتح الهمزة وزاد أبو ذر عن المستملي إني أرى (مواقع الفتن) بنصب مواقع على المفعولية وعلى رواية غير المستملي بحذف إني أرى يكون بدلاً من ما أرى (خلال بيوتكم) بكسر الخاء المعجمة أي وسطها وخلال نصب مفعول ثانٍ. قال شارح المشكاة: والأقرب إلى الذوق أن
يكون حالاً (كمواقع القطر) أي المطر وهو كناية عن كثرة وقوع الفتن بالمدينة والرؤية هنا بمعنى النظر أي كشف لي فأبصرتها عيانًا.
وقد سبق هذا الحديث في أواخر الحج ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في كتاب الفتن.
2468 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "أَلَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ، فَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإِدَاوَةِ، فَتَبَرَّزَ، حَتَّى جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَانِ قَالَ لَهُمَا:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} فَقَالَ: وَاعَجَبِي لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ -وَهْيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ- وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَهُ. وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ،
فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي. فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي. فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِي فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ أَىْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَتَهْلِكِينَ؟ لَا تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَىْءٍ وَلَا تَهْجُرِيهِ. وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ. وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يُرِيدُ عَائِشَةَ). وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ النِّعَالَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أَنَائِمٌ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هُوَ، أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَطْوَلُ، طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. قَالَ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ. كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فَجَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا. فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ تَبْكِي. قُلْتُ مَا يُبْكِيكِ، أَوَ لَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ؟ أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: لَا أَدْرِي، هُوَ ذَا فِي الْمَشْرُبَةِ. فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلاً. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ -فَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ -فَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي قَالَ: أَذِنَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَىَّ فَقَالَ: لَا. ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ
…
فَذَكَرَهُ. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (يُرِيدُ عَائِشَةَ)، فَتَبَسَّمَ أُخْرَى. فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ. ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ. وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، مِنْ شِدَّةِ مَوْجَدَتِهِ
عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ. فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ فَقَالَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، وَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ. قَالَتْ: قَدْ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِكَ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَظِيمًا} " قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَىَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ. فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله المخزومى مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور) بالمثلثة وضم العين وفتح الموحدة في العبد الأول المدني مولى بني نوفل (عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله) عز وجل (لهما {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما})[التحريم: 4](فحججت معه) ولابن مردويه في رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس أردت أن أسأل عمر فكنت أهابه حتى حججنا معه فلما قضينا حجنا (فعدل) عن الطريق المسلوكة إلى طريق لا تسلك غالبًا ليقضي حاجته (وعدلت معه بالإداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة (فتبرز) أي خرج إلى الفضاء لقضاء حاجته (حتى) ولأبي ذر: ثم (جاء) من البراز (فسكبت على يديه) ماء (من الإداوة فتوضأ فقلت) له عقب وضوئه (يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال لهما) ولأبي ذر قال الله عز وجل لهما: ({إن تتوبا إلى الله}) أي من التعاون والتظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) ولأبي ذر: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. فقال أي عمر: (واعجبي لك يا ابْنَ عباس) بكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي: واعجبًا بالتنوين نحو: يا رجلاً وفي نسخة مقابلة على اليونينية أيضًا بالألف في آخره من غير تنوين نحو: وازيدا.
قال الكرماني: يندب على التعجب وهو إما تعجب من ابن عباس كيف خفي عليه هذا الأمر مع شهرته بينهم بعلم التفسير وإما من جهة حرصه على سؤاله عما لا يتنبه له إلا الحريص على العلم من تفسير ما أبهم في القرآن.
وقال ابن مالك في التوضيح: "وا" في قوله واعجبًا اسم فعل إذا نوّن عجبًا بمعنى أعجب
ومثله وي وجيء بقوله عجبًا توكيدًا وإذا لم ينوّن فالأصل فيه واعجبي فأبدلت المثناة التحتية ألفًا وفيه
استعمال "وا" في غير الندبة كما هو رأي المبرد، وقال الزمخشري قاله تعجبًا كأنه كره ما سأله عنه
(عائشة وحفصة) هما المرأتان اللتان قال الله تعالى لهما: {إن تتوبا إلى الله} .
(ثم استقبل عمر) رضي الله عنه (الحديث) حال كونه (يسوقه فقال: إني كنت وجار لي من الأنصار) هو عتبان بن مالك بن عمرو العجلاني الخزرجي كما عن ابن بشكوال، والصحيح أنه أوس بن خولي بن عبد الله بن الحرث الأنصاري كما سماه ابن سعد من وجه آخر عن الزهري عن عروة عن عائشة في حديث ولفظه: فكان عمر مواخيًا أوس بن خولي لا يسمع شيئًا إلا حدّثه ولا يسمع عمر شيئًا إلا حدّثه فهذا هو المعتمد، ولا يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم آخى بين عتبان وعمر أن يتجاوزا. فالأخذ بالنص مقدّم على الأخذ بالاستنباط وقوله وجار بالرفع عطفًا على الضمير المرفوع المتصل الذي في كنت بدون فاصل على مذهب الكوفيين وهو قليل.
وفي رواية في باب التناوب في كتاب العلم كنت أنا وجار لي وهذا مذهب البصريين لأن عندهم لا يصح العطف بدون إظهار أنا حتى لا يلزم عطف الاسم على الفعل والكوفيون لا يشترطون ذلك وجوّز الزركشي والبرماوي النصب، وقال الكرماني إنه الصحيح عطفًا على الضمير في قوله "إني".
قال في المصبيح: لكن الشأن في الرواية وأيضًا فالظاهر أن قوله (في بني أمية بن زيد) بضم الهمزة خبر كان وجملة كان ومعموليها خبر إن فإذا جعلت جارًا معطوفًا على اسم إن لم يصح كون الجملة المذكورة خبرًا لها إلا بتكلف حذف لا داعي له انتهى.
وقوله في بني أمية في موضع جر صفة لسابقه أي وجار لي من الأنصار
كائنين في بني أمية بن زيد (وهي) أي أمكنتهم (من عوالي المدينة) القرى التي بقربها وأدناها منها على أربعة أميال وأقصاها من جهة نجد ثمانية (وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل هو يومًا و) أنا (أنزل يومًا) والفاء تفسيرية للتناوب المذكور (فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر) أي الوحي إذ اللام للأمر المعهود بينهم أو الأوامر الشرعية (وغيره) من الحوادث الكائنة عنده صلى الله عليه وسلم (وإذا نزل) أي جاري (فعل مثله) أي مثل الذي أفعله معه من الأخبار بأمر الوحي وغيره (وكنا معشر قريش نغلب النساء) أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا (فلما قدمنا على الأنصار) أي المدينة (إذا هم) أي فاجأناهم (قوم) ولأبي ذر عن الكشميهني: إذ هم بسكون الذال قوم (تغلبهم نساؤهم) فليس لهم شدة وطأة عليهن (فطفق نساؤنا) أي أخذن (يأخذن من أدب نساء الأنصار) بالدال المهملة أي من سيرتهن وطريقتهن كذا وجدته في جميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة، وقال الحافظ ابن حجر: إنه بالراء قال وهو العقل (فصحت على امرأتي) أي رفعت صوتي عليها (فراجعتني) ردّت عليّ الجواب (فأنكرت أن تراجعني) أي تراددني في القول (فقالت: ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه) بسكون العين (وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل) بجر الليل بحتى، وفي رواية عبيد بن حنين
عند المؤلّف في تفسير سورة التحريم وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، (فأفزعني) كلامها ولأبي ذر عن الكشميهني: فأفزعتني أي المرأة (فقلت: خابت) بتاء التأنيث الساكنة ولغير الكشميهني: خاب (من فعلت منهن) ذلك (بعظيم) أي بأمر عظيم وفي نسخة لعظيم بلام مفتوحة بدل الموحدة، وللكشميهني جاءت من المجيء من فعل منهن بعظيم (ثم جمعت عليّ ثيابي) أي لبستها جميعًا (فدخلت على حفصة) يعني ابنته (فقلت أي) أي يا (حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل)؟ بالجر (فقالت: نعم) إنّا لنراجعه (فقلت: خابت وخسرت) أي من غاضبته (أفتامن) التي تغاضبه منكنّ (أن يغضب الله) عليها (لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكين) بكسر اللام وفي آخره نون. قال أبو علي الصدفي: والصواب أفتأمنين وفي آخره فتهلكي أي بحذف النون كذا قال وليس بخطأ لإمكان توجيهه، وقال البرماوي كالكرماني: القياس فيه حذف النون فتأويله فأنت تهلكين، وقال في المصابيح بكسر اللام وفتح الكاف وفاعله ضمير الأوّل (لا تستكثري على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لا تطلبي منه الكثير (ولا تراجعيه في شيء) أي، لا ترادديه في الكلام (ولا تهجريه) ولو هجرك (واسأليني) بسكون السين وبعدها همزة مفتوحة ولأبي ذر: وسليني بفتح السين وإسقاط الهمزة (ما بدا لك) أي ظهر لك من الضرورات (ولا يغرّنك) بنون التوكيد الثقيلة (أن كانت) بفتح الهمزة وتخفيف النون أي بأن كانت (جارتك) أي ضرتك والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي ولكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيًّا (هي أوضأ) بفتح الهمزة وسكون الواو وبعد الضاد المعجمة المفتوحة همزة من الوضاءة أي ولا يغرنك كون ضرّتك أجمل وأنظف (منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولغير أبي ذر أوضأ وأحب بالنصب فيهما خبر كان ومعطوفًا عليه (يريد) عمر رضي الله عنه بجارتها الموصوفة بالوضاءة (عائشة) رضي الله عنها، والمعنى، تغترّي بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الإدلال مثل الذي لها.
(وكنّا تحدّثنا) وفي نسخة عليها علامة السقوط في اليونينية حدّثنا بإسقاط المثناة الفوقية وضم الحاء وكسر الدال المهملة المشددة (أن غسان)
بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون رهطًا من قحطان نزلوا حين تفرقوا من مأرب بماء يقال له غسان فسموا بذلك وسكنوا بطرف الشام (تنعل) بضم المثناة الفوقية وبعد النون الساكنة عين مهملة مكسورة الدواب (النعال) بكسر النون وفيه حذف أحد المفعولين للعلم به وللحموي والمستملي: تنتعل بمثناتين فوقيتين مفتوحتين بينهما نون ساكنة وفي باب موعظة الرجل ابنته من النكاح تنعل الخيل (لغزونا) معشر المسلمين (فنزل صاحبي) الأنصاري المسمى عتبان بن مالك على النبي صلى الله عليه وسلم (يوم نوبته) فسمع اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زوجاته (فرجع) إلى العوالي (عشاء) نصب على الظرفية أي في عشاء فجاء إليّ (فضرب بابي ضربًا شديدًا وقال: أنائم هو) بهمزة الاستفهام على سبيل الاستخبار ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: أثم هو بفتح المثلثة أي في البيت وذلك لبطء إجابتهم له فظن أنه خرج من البيت قال عمر رضي الله
عنه: (ففزعت) بكسر الزاي أي خفت لأجل الضرب الشديد (فخرجت إليه وقال: حدث أمر عظيم: قلت: ما هو أجاءت غسان) وفي رواية عبيد بن حنين جاء الغساني واسمه كما في تاريخ ابن أبي خيثمة والمعجم الأوسط للطبراني جبلة بن الأيهم. (قال: لا بل أعظم منه وأطول طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه) وعند ابن سعد من حديث عائشة فقال الأنصاري: أعظم من ذلك ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد طلّق نساءه فوقع طلق مقرونًا بالظن، وفي جميع الطرق عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور طلق بالجزم فيحتمل أن يكون الجزم وقع من إشاعة بعض أهل النفاق فتناقله الناس وأصله ما وقع من اعتزاله صلى الله عليه وسلم بذلك ولم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلقهن (قال): أي عمر (قد خابت حفصة وخسرت) خصّها بالذكر لمكانتها منه لكونها ابنته ولكونه كان قريب العهد بتحذيرها من وقوع ذلك (كنت أظن أن هذا يوشك) بكسر الشين (أن يكون) أي يقرب كونه لأن المراجعة قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة (فجمعت عليَ ثيابي) أي لبستها (فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتح الموحدة غرفة (له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي قلت: ما يبكيك أو لم أكن حذّرتك)؟ أي من أن تغاضبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تراجعيه أو تهجريه زاد في رواية سماك بن الوليد عند مسلم لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا لطلّقك فبكت أشد البكاء، وذلك لما اجتمع عندها من الحزن على فراق النبي صلى الله عليه وسلم ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها وقد قال لها فيما أخرجه ابن مردويه والله إن كان طلّقك لا أكلمك أبدًا ثم استفهمها عما سمعه فقال:(أطلقكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري هو ذا في المشربة فخرجت) من بيت حفصة (فجئت المنبر فإذا حوله رهط) لم يسموا (يبكي بعضهم فجلست معهم قليلاً ثم غلبنى ما أجد) أي من شغل قلبه بما بلغه من تطليقه عليه الصلاة والسلام نساءه ومن جملتهن بنته وفي ذلك من المشقّة ما لا يخفى (فجئت المشربة التي هو) صلى الله عليه وسلم (فيها) وفي نسخة التي فيه وفي الفرع علامة السقوط على قوله هو فيها ثم كتب بالهامش الذي فيه بالتذكير وإسقاط هو وصحح على ذلك (فقلت لغلام له أسود) اسمه رباح بفتح الراء والموحدة المخففة وبعد الألف حاء مهملة وسقط لفظ له في رواية أبي ذر (استأذن عمر فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج فقال: ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت) قال عمر رضي الله عنه: (فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله) ولأبي ذر فجئت فقلت للغلام أي استأذن لعمر فذكر مثله (فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله
فلما وليت) حال كوني (منصرفًا فإذا الغلام) فاجأني (يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في الدخول (فدخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (فإذا هو مضطجع على رمال حصير) بكسر الراء والإضافة ما رمل أي نسج من حصير وغيره (ليس بينه) عليه الصلاة والسلام (وبينه) أي الحصير (فراش قد أثر الرمال بجنبه) الشريف وهو (متكيء على وسادة من أدم) بفتحتين جلد مدبوغ (حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم: طلقت) أي أطلقت (نساءك)؟ فهمزة الاستفهام مقدّرة (فرفع) عليه الصلاة والسلام (بصره) الشريف (إليّ فقال):
(لا ثم قلت وأنا قائم أستانس) أي أتبصر هل يعود صلى الله عليه وسلم إلى الرضا أو هل أقول قولاً أطيب به قلبه وأسكن غضبه (يا رسول الله لو رأيتني) بفتح التاء (وكنا معشر قريش) بسكون العين (نغلب النساء فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره) أي السابق من القصة (فتبسم النبي) ولغير أبي ذر وكريمة فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ثم قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب) بالرفع فيهما لأبي ذر ولغيره أوضأ وأحب بنصبهما خبر كان ومعطوفًا عليه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فتبسم) عليه الصلاة والسلام (أخرى، فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصري) أي نظرت (في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر غير أهبة ثلاثة) بفتح الهمزة والهاء جمع إهاب الجلد قبل أن يدبغ أو مطلقًا، ولأبي ذر عن الكشميهني: ثلاث بغير هاء (فقلت: ادع الله) ليوسع (فليوسع على أمتك) فالفاء عطف على محذوف فكرر لفظ الأمر الذي هو بمعنى الدعاء للتأكيد قاله الكرماني (فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان) عليه الصلاة والسلام (متكئًا) فجلس (فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب) بفتح الهمزة والواو للإنكار التوبيخي أي أأنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا (أولئك) فارس والروم (قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لي) أي عن جراءتي بهذا القول في حضرتك أو عن اعتقادي من التجملات المدنيوية مرغوب فيها قال عمر رضي الله عنه.
(فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة) وهو أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت حفصة بذلك فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم "اكتمى عليّ وقد حومت مارية على نفسي"
فأفشت حفصة إلى عائشة فغضبت عائشة حتى حلف النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقربها شهرًا وهو معنى قوله (وكان قد قال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنا بداخل عليهن) أي نسائه (شهرًا من شدة موجدته) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم وفتحها في الفرع كأصله مصدر ميمي أي غضبه (عليهن حين عاتبه الله) وللكشميهني حتى عاتبه الله أي بقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} [التحريم: 1].
والذي في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخًا عليها فلتقل له أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير فقال: "لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا" فقد اختل فى الذي حرمه على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه، والأول رواه جماعة يأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة التحريم.
وعند ابن مردويه عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك فحلف لها لا يقربها وقال: "هي حرام" فيحتمل أن تكون الآية نزلت في الشيئين معًا.
ووقع عند ابن مردويه في رواية يزيد بن رومان عن عائشة ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل