المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب رؤية الهلال - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٥

[الطيبي]

الفصل: ‌(1) باب رؤية الهلال

(1) باب رؤية الهلال

الفصل الأول

1969 -

عن ابن عمرَ، قال، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:((لا تصوموا حتى ترُوا الهلالَ، ولا تُفْطِروا حتى تروه، فإنْ غُمَّ عليكُم فاقدرُوا له)). وفي رواية قال: ((الشهرُ تسعٌ وعِشرونَ ليلةً، فلا تصوموا حتى تروه، فإِن غُمَّ عليكم فأكمِلوا العِدَّةَ ثلاثين)). متفق عليه.

1970 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيَتِهِ وأفطروا لرؤيِته، فإِنْ غُمَّ عليكم فأكمِلوا عدَّةَ شعبانَ ثلاثينَ)). متفق عليه.

ــ

باب رؤية الهلال

الفصل الأول

الحديث الول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((لا تصوموا)) ((قض)): هو نهي عن الصوم علي أنه قصد صوم رمضان إلا [بثبت]، وهو أن يرى هو، أو من يثق عليه. والمنفرد بالرؤية إذا لم يحكم بشهادته يجب عليه عندنا أن يصوم رمضان، ويسر بإفطار عيده.

قوله: ((فإن غم عليكم)) أي غُطِيَّ الهلال بغيم من غممت الشيءَ إذا غطيته. وفيه ضمير الهلال. ويجوز أن يسند إلي الجار والمجرور بمعنى إن كنتم مغموماً عليكم، وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه. ((فاقدرُوا)) أي قدروا عدد الشهر الذي كنتم فيه ثلاثين يوماً، إذ الأصل بقاء الشهر ودوام خفاء الهلال ما أمكن. ((حس)): قال ابن شريح: ((فاقدروا)) خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وقوله:((فأكملوا العدة)) خطاب للعامة.

الحديث الثاني عن أبيِ هريرة رضي الله عنه: قوله: ((صوموا لرؤيته)) اللام فيه للوقت كما في قوله تعالي: {أَقِمِ الصَّلَاة لِدلُوكِ الشَّمْس} أي وقت دُلوكها، يبينه حديث أبي البختري في الفصل الثالث مُدة للرؤية. قال القاضي عياض: أطال مدته إلي الرؤية. وقولك: جئته لثلاث خلون من شهر كذا. ويحتمل أن يكون بمعنى ((بعد)). قال المالكي: اللام تجيء بمعنى ((بعد))، قال المالكي: اللام في قوله تعالي: {أَقِمِ الصَّلَاة لِدلُوكِ الشَّمسِ} بمعنى ((بعد)) أي بعد زوالها، كقول الشاعر:

ص: 1579

1971 -

وعن ابن عمرَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنا أُمَّيةٌ، لا نكتبُ ولا نحسُبُ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) وعقَدَ الإبهامَ في الثالثةِ. ثمَّ قال: ((الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا)) يعني تمامَ الثلاثين، يعني مرَّةً تسعاً وعشرين، ومرةَّ ثلاثين. متفق عليه.

1972 -

وعن أبي بكرة، قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((شهرا عيدٍ لا يَنْقُصانِ: رمضانُ وذو الحجَّةِ)). متفق عليه

ــ

رأينا أخاه فلما تفرقنا كإني

ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً

والضمير راجع إلي الهلال وإن لم يجر له ذكر؛ لدلالة السياق عليه كقوله تعالي: {وَلأبوَيِه لِكلِّ واحدٍ منهُمَا السُّدسُ} أي لأبوي الميت.

الحديث الثالث عن ابت عمر رضي الله عنهما: قوله: ((إِنَّا أُمَّة أُميِّةٌ)) ((إنا)) كناية عن جيل العرب، وقوله:((لا نكتب ولا نحسب)) بيان لقوله: ((أمية)) وهذا البيان، ثم الإشارة باليد، ثم القول باللسان، ينبهك علي أن الاستقصاء في معرفة الشهر ليس إلي الكتاب والحساب، كما عليه أهل النجامة. ((مظ)): إنما قيل له: أمى علي معنى أنه باق علي الحال التي ولدته أمه، لم يتعلم قاءة ولا كتاباً.

قوله: ((يعني تمام ثلاثين)) هو من كلام الراوي، وهو مقابل لقوله:((وعقد الإبهام في الثالثة)) يريد أنه صلى الله عليه وسلمعقد الإبهام في المرة الأولي، وأرسلها في المرة الثانية. ولما أراد الراوي مزيد التوضيح والبيان، قال: يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في الإيضاح والتكرير فيه بأقصى الإمكان برسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحديث الرابع عن أبي بكرة: قوله: ((شهرا عيد لا ينقصان)) ((تو)): قيل فيه وجوه: فمنهم من قال: لا ينقصان معاً في سنة واحدة، حملوه علي غالب المر. ومنهم من قال: إِنه أراد به تفضيل العمل في العشر من ذي الحجة، وأنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان.

ومن قائل ثالث: أنهما لا يكونان ناقصين في الحكم وإن وجدا ناقصين في عدد الحساب، وهذا الوجه أقوم الوجوه وأشبهها بالصواب. وذكر في النهاية الوجوه، ثم قال: يعني لا ينقصان في الحكم وإن نقصا في العدد، أي لا يعرض في قلوبكم شك إذا صمتم تسعة وعشرين يوماً، أو وقع في يوم الحج خطأ لم يكن في نسككم نقص.

وأقول: ظاهر سياق الحديث في بيان اختصاص الشهرين بمزية ليست في سائرها، وليس

ص: 1580

1973 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسلُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتقدَّمَنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومينِ، إلا أنْ يكونَ رجلٌ كانَ يصومُ صوماً؛ فَلْيصُم ذلكَ اليومَ)) متفق عليه.

الفصل الثاني

1974 -

عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذا انتصفَ شعبان؛ فلا تصومُوا)). رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدرامي. [1974]

ــ

المراد أن ثواب الطاعة في سائرهما قد ينقص دونهما. فينبغي أن يحمل علي الحكم، ورفع الجناح والحرج. عما عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم؛ لاختصاصهما بالعيدين، وجواز احتمال الخطأ فيهما، ومن ثم لم يقل: شهر رمضان وذي الحجة، والله أعلم.

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: ((لا يتقدمن)) ((مظ)): يكره صوم آخر شعبان يوماً أو يومين، وعلته أن الرجل ينبغي له أن يستريح من الصوم ليحصل له قوة ونشاط، كيلا يثقل عليه دخول رمضان. وقيل: علتها اختلاط صوم النفل بالفرض؛ فإنه يورث الشك بين الناس، فيقولون: لعله رأي هلال رمضان حتى يصوم فيوافقه بعض الناس علي ظن أنه رأي الهلال. هذا النهي في النفل. وأما القضاء والنذر ففيه ضرورة؛ لأنهما فرض، وتأخيره غير مرضيز وأما الورد: فتركه أيضاً شديد عند من ألفه.

وأقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم، وقيده بالرؤية، فهو كالعلة للحكم، فمن تقدمه بصوم ييوم أو يومين، فقد حاول الطعن في العلة، وتقدم بين يدي الله ورسوله في الحكم، وإليه الإشارة بقوله:((من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم)) ومن أتى بالقضاء والنذر والورد أمن من ذلك، وقد نهي الله تعالي عن التقدم علي ما يحكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: حكمه في قوله تعالي: {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} .

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) ((قض)): المقصود من النهي استجمام من لم يقو علي تتابع الصيام الكثير، فاستحب الإفطار فيها كما استحب إفطار عرفة للحاج ليقوى علي الدعاء، وأما من لم يضعف به، فلا يتوجه النهي إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين صوم الشهرين معاً.

ص: 1581

1975 -

وعنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أحصُوا هلالَ شعبانَ لرمضانَ)). رواه الترمذي. [1975]

1976 -

وعن أمِّ سلمةَ، قالت: ما رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يصومُ شهرينِ متتابعينِ إِلا شعبانَ ورمضانَ. رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [1976]

1977 -

وعن عمَّارِ بن ياسرٍ [رضي الله عنهما]، قال: من صامَ اليومَ الذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسمِ صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [1977]

1978 -

وعن ابن عبَّاسٍ، قال: جاءَ أعرابيٌّ إِلي النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيتُ الهلالَ- يعني هلالَ رمضانَ- فقال: ((أتشهدُ أن لا إله إلا الله؟)) قال: نعم، قال ((أتشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله؟)) قال: نعمز قال: ((يا بلال! أذِّنْ في النَّاسِ أن يَصُوموا غداً)). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدرامي. [1978]

1979 -

وعن ابن عمرَ، قال: تراءى النَّاسُ الهلالَ فأخبرتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إني رأيتُه، فصامَ وأمرَ الناسَ بصيامِه. رواه أبو داود، والدرامي. [1979]

ــ

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أحصوا)) أي عُدُوا، والإحصاء أبلغ في الضبط كما مر؛ لما فيه من إفراغ الجهد في العد، ومن ثم كنى عنه بالطاقة في قوله:((استقيموا ولن تحصوا)).

الحديث الثالث والرابع عن عمار قوله: ((اليوم الذي يشك فيه)) وإنما أتى بالموصول ولم يقل: ((يوم الشك)) مبالغة، وإن صوم يوم يشك فيه أدنى شك، سبب لعصيان من كنيته أبو القاسم الذي يقسم بين عباد الله حكم الله بحسب قدرهم واقتدارهم، فكيف بمن صام يوما الشك فيه قائم ثابت؟ ونحوه قوله تعالي:{وَلا ترْكَنوا إلي الذيِن ظَلَمُوا فَتمسَّكُم النَّارُ} أي إلي الذين أونس منهم أدنى الظلم، فكيف بالظالم المستمر عليه؟.

الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((أن يصوموا غداً)) ((أن)) مصدية، والجار محذوف، أي أذن فيهم بصوم الغد. ((مظ)): في الحديث دليل علي أن الرجل إذا الرجل إذا لم يعرف منه فسق تقبل شهادته، وعلي أن شهادة الواحد مقبولة في هلال رمضان.

الحديث السادس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((تراءى)) ((مظ)): الترائى أن يرى

ص: 1582

الفصل الثالث

1980 -

عن عائشةَ، قالت: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتحفظُ من شعبانَ مالا يتحفَّظُ من غيرِه. ثمَّ يصومُ لرؤيةِ رمضانَ، فإن غُمَّ عليه عَدَّ ثلاثينَ يوماً ثم صامَ. رواه أبو داود. [1980]

1981 -

وعن أبي البَختَريِّ. قال: خرجْنَا للعُمْرِة فلما نزلْنَا ببطن نخلة، تراءينا الهلال. فقال بعضُ القوم: هو ابنُ ثلاثٍ. وقال بعضُ القوِم: هو ابنُ ثلاثٍ، وقالَ بعض القوم: هو ابن ليلتين. فقال: أيَّ ليلةٍ رأيتُموه؟ قلنا: ليلةَ كذا وكذاز فقال: إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مدَّه للرؤية فهو لليلةِ رأيتُموه.

وفي روايةٍ عنه. قال: أهلَلْنا رمضانَ ونحن بذاتِ عِرْقٍ، فأرسلْنا رجلا إِلي ابنِ عبَّاسٍ يسأله، فقال ابنُ عبَّاسٍ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الله تعالي قد أمَدَّهُ لرؤيته، فإنْ أُغميَ عليكم فأكملوا العِدَّةَ. رواه مسلم.

ــ

بعض القوم بعضاً، والمراد منه هاهنا أنه اجتمع الناس لطلب الهلال، لقوله بعد ذلك:((فأخبرت رسول الله إني رأيته)).

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((يتحفظ)) أي يتكلف في عد أيامه، ويحصيها، ولا يهملها.

الحديث الثاني عن البختري اسمه سعيد بن فيروز: قوله: ((مده للرؤية)) أي ضرب مدة رمضان زمان رؤية الهلال. وقوله: ((أمده)) قال القاضي عياض: معناه أطال مدته إلي الرؤية.

ص: 1583