الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها قصران في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى له بها ثلاثة قصور في الجنة)). فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والله يارسول الله! إذا لنكثرن قصورنا. فقال رسول صلى الله عليه وسلم:((الله أوسع من ذلك)) رواه الدارمي. [2185].
2186 -
وعن الحسن، مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ في ليلة مائة آية لم يحاجه القرآن تلك الليلة ومن قرأ في ليلة مائتى آية كتب له قنوت ليلة، ومن قرأ في ليلة خمسمائة إلي الألف أصبح وله قنطار من الاجر)) قالوا: وما القنطار؟ قال: ((اثنا عشر ألفاً)). رواه الدارمى. [2186]
(1) باب [آداب التلاوة ودروس القرآن]
الفصل الأول
2187 -
عن أبي موسى الاشعرى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لنر أشذ تفصيأ من الإبل في عقلها)). متفق عليه.
ــ
ولذلك أجاب بقوله: ((أوسع من ذلك)) أي قدرة الله ورحمته وفضله أوسع، فلا تتعجب0
الحديث الثانى والعشرون عن الحسن: قوله: ((لم يحاجه القرآن)). فيه أن قراءته لازمة لكل إنسان وواجبة عليه، فإذا لم يقرأه يخاصمه الله تعالي ويغلبه بالحجة، فإسناد المحاجة إلي القرآن مجاز. قوله:((قنوت ليلة)) أي قيامها. قوله: ((وله قنطار)) أي له ثواب بعدد القنطار أو بوزنه. ((نه)): في الحديث: ((أن القنطار ألف ومائتا أوقية، والآوقية خير مما بين السماء والأرض)).
باب آداب التلاوة ودروس القرآن
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي موسى رضي الله عنه: قوله: ((تعاهدوا القرآن)) تعاهد الشىء وتعهده محافظته وتجديد العهد به، أي واظبوا علي تلاوته، وداوموا علي تكراره ودرسه كيلا ينسى
2188 -
وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت اَية كيت وكيت؛ بل نسى، واستذكروا القراَن فإنه أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم)). متفق عليه، وزاد مسلم:((بعقلها)).
ــ
قوله ((أشد تفصياً)) التفصى من الشىء التخلص منه، تقول: تفصيت من الديون اذا خرجت منها، شبه القرآن وكونه محفوظا علي ظهر القلب بالإبل الأبدة النافرة، وقد عقل عليها، وشد بذراعيها بالحبل المتين، وذلك ان القرآن ليس من كلام البشر بل هو كلام خالق القوى والقدر، وليس بينه وبين، البشر مناسبة قريبة؛ لانه حادث وهو قديم والله سبحانه بلطفه العميم، وكلامه القديم من عليهم ومنحهم هذه النعمة العظيمة قينبغى له أن يتعاهده بالحفظ والمواظبة عليه ما أمكنه.
((قوله قى عقلها)) ((تو)): هي جمع عقال مثل كتاب وكتب، يقال: عقلت البعير أعقله عقلأ، وهو أن يثنى وظيفه مع ذراعه فيشدهما جمينا في وسط الذراع، وذلك الحبل هو العقال. ويجوز تخفيف الحرف الوسط في الجمع مثل كتب وكتب، والرواية فيه من غير تخفيف.
الحديث الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله ((بئس ما لآحدهم)) ((ما)) نكرة موصوفة، و ((أن يقول)) مخصوص بالذم (كقوله تعالي {بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا} أي بئس شيئاً كائنا للرجل. قوله:((نسيت آية كيت وكيت)) وذلك ان هذا القول يدل علي أنه لم يتعاهد القرآن ولم يلازم عليه، وقوله:((بل ننسي)) إشارة إلي عدم تقصيره في المحافظة. لكن الله تعالي نساه لمصالح، قال:{ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها} . ((خط)): قوله: ((بل نسى)) يحتمل أن يكون ذلك خاصاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون معنى قوله:((نسى)) أي نسخت تلاوته، نهاهم عن هذا القول لئلا يتوهم السضياع علي محكم القرآن، قأعلمهم بأن ذلك من قبل الله لما رأي فيه من الحكمة يعنى نسخ التلاوة0 قوله:((واستذكروا)) السين للمبالغة أي اطلبوا من انفسكم المذاكرة به، والمحافظة عل قراءته. وهو عطف من حيث المعني علي قوله:((بئس ما لأحدهم ان يقول)) أي لا تقصروا في معاهدة القرآن واستذكروه.
وقوله: بالإ نساء الذي اضراب عن القول بنسبة النسيان إلي النفس المسبب عن عدم التعاهد إلي القول بالإنساء الذي هو من فعل الله من غير تقصير منه، أي لا تقولوا ذلك القول، بل قولواما قيل في عهد الرسول فلو كما يشهد له ما روى عن عائشة: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ بالليل، ققال ((يرحمه الله! قد أذكرنى كذا وكذا آية كنت أنسيتها)) قال أبو عبيد: أما الحريص علي حفظ القرآن الدائب في تلاوته، لكن النسيان يغلبه، فلا يدخل في هذا الحكم بدليل هذا
2189 -
وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعلقة، إذ عاهد عليها امسكها، وإذ أطلقها ذهبت)) متفق عليه.
2190 -
وعن جندب بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فاذا اختلفتم فقوموا عنه)) متفق عليه.
2191 -
وعن قتادة، قال: سئل أنس: كيف كانت قراءة النبي صى الله عليه وسلم؟ فقال: ((كانت مداً مداً، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بيسم الله، ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم. رواه البخاري.
2192 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اذن الله لشىء ما أذن لنبى يتغئى بالقرآن)) متفق عليه.
ــ
الحديث. وقيل: معنى ((نسي)) عوقب بالنسيان علي ذنب أو سوء تعهد بالقرآن. أقول: هو من قوله تعالي {أتتك اَياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}
الحديث الثالث والرابع عن جندب: قوله: ((ما ائتلفت عليه قلوبكم)) يعني اقرأوه علي نشاط منكم وخواطركم مجموعة، فإذا حصل لكم ملالة وتفرق القلوب فاتركوه، فإنه أعظم من ان يقرأه أحد من غير حضور القلب. يقال: قام بالأمر إذا جد فيه ودام عليه، وقام عن الآمر إذا تركه وتجاوز عنه.
الحديث الخامس عن قتادة: قوله: ((كانت مدا)) ((تو)) أي ذات مد، وفي كتاب البخاري ((كان يمده مدا)) وفي رواية ((كانت مداً)) أي كان يمده مدا، وفي المصابيح ((كانت مداً)) ولم نطلع عليه رواية، وفي أكثر النسخ قيد مداء علي زنة قعلاء، والظاهر أنه قول علي التخمين. ((مظ)): يعنى كانت قراءته مداء أي قراءته كثيرة المد، وهي تإنيث أمد، وحروف المد ثلاثة الالف والواو والياء، فإذا كانت بعدها همزة يمد ذلك الحرف، وفي قدره اختلفوا، فبعضهم يمد يقدر ألف وبعضهم يمد بقدر ألفين إلي خمس ألفات، ويعنى بقدر الألف قدر مد صوتك إذا قلت باء أو تاء. وإن كان بعدها تشديد تمد بقدر أربع ألفات بالاتفاق مثا داَبة، وإن كان بعدها ساكن تمد بقدر ألفين، نحو صاد ويعلمون، ونستعين، عند الوقف، وإذا كان بعد حروف المد غير ماذكر لم تمد حروف المد إلا بقدر خروجها من الفم، نحو إياك وكذا تعملون ونستعين عند الوصل. وما نحن فيه من هذا القبيل، بسم الله الرحمن الرحيم لم يكن الإ بقدر خروج المد من الفم الإ الرحيم عند الوقف فيمد ألفين.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما أذن الله لشيء)) ((نه)): أي ما
2193 -
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبى حسن الصوت بالقراَن، يجهر به)) متفق عليه.
ــ
استمع الله لشيء كاستماعه لنبى يستغنى بالقراَن، أي يتلوه ويجهر به. ((حس)): يقال: أذنت لشيء اَذن أذناً- بفتح الالف والذال – إذا استمعت له. أقول: والمراد بـ ((شيء)) المسموع لقوله تعالي: {فاستمع لما يوحى} ، وقوله:{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له} فلا بد من تقدير مضاف عند قوله: ((لنبى)) أي لصوت نبى، والنبي جنس شائع في كل نبى، فالمراد بالقراَن القراءة.
((مح)): قالوا: لا يجوز أن يحمل الاستمتاع علي الإصغاء، فإنه يستحيل علي الله تعالي، بل هو كناية عن تقريبه وإجزال ثوابه؛ لأن سماع الله لا يختلف.
قوله: ((يتغنى بالقراَن)) معناه عند الشافعى وأصحابه، وأكثر العلماء: تحسين الصوت به، وعند سفيان بن عيينه: يستغنى به الناس. وقيل: عن غيره من الأحاديث والكتب. قال القاضى عياض: يقال: تغنيت وتغإنيت بمعنى استغنيت. وقال الشافعى وموافقوه: معناه تحزين القراءة وترقيقها، واستدلوا بالحديث الَاخر ((زينوا القراَن بأصواتكم)) قال الأزهرى: معنى ((يتغنى به)) يجهر به. وأنكر أبو جعفر الطبرى تفسير من قال: يستغنى به، وخطأه من حيث اللغة، والمعنى، والصحيح: أنه من تحسين الصوت، وتؤيده الرواية الَاخرى ((يتغنى بالقراَن يجهر به)).
أقول: يريد أن قوله: ((يجهر به)) جملة مبينة لقوله: ((يتغنى بالقراَن)) فلن يكون المبين علي خلاف البيان، كذلك ((يتغنى بالقراَن)) في الرواية الاولي بيان لقوله:((ما أذن لنبى)) أي لصوته، فكيف يحمل علي غير حسن الصوت؟ علي أن الاستماع ينبو عن الاستغناء، وينصره الحديث الَاتى:((ما أذن لنبى حسن الصوت بالقراَن يجهر به)).
((حس)): في الحديث دليل علي أن المسموع من قراءة القارئ هو القراَن، وليس بحكاية القراَن. قال الشافعى رضي الله عنه: لو كان معنى ((يتغنى بالقراَن)) علي الاستغناء لكان يتغانى، وتحسين الصوت هو يتغنى. قال: ولا بأس في القراَن بالألحان، وتحسين الصوت بأي وجه كان. ((مح)): يستحب تحسين الصوت بالقراءة، وتزيينها بالألحان ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفاً، أو أخفي حرفاً فهو حرام. ذكره في الأذكار.
2194 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقراَن)) رواه البخاري ..
2195 -
وعن عبدالله بن مسعود، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو علي المنبر: ((اقرأ علي)). قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إنى أحب أسمعه من غيرى)). فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلي هذه الأية {فكيف إذا جئنا من كل أمه بشهيد وجئنا بك عى هؤلاء شهيداً} ، قال:((حسبك الَان))، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه.
ــ
الحديث السابع والثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ليس منا لم يتغن بالقراَن)) ((يتغنى)) ها هنا يحتمل أن يكون بمعنى الاستغناء، وأن يكون بمعنى التغنى، ما لم يكن بياناً للسابق ومبيناً للاحق، كما في الحديث السابق. ((ومن)) في ((منا)) اتصالية كما في قوله صلى الله عليه وسلم:((ما أنا من دد ولا الدد منى)) أي ما انا متصل باللهو، ولا اللهو متصل بلا، والشيخ التوربشتى رجح جانب الاستغناء، وقال: المعنى ليس من أهل سنتنا، وممن يتبعنا في أمرنا، وهو وعيد، ولا خلاف بين الأمة أن القراَن مثاب علي قراءته، ومأجور من غير تحسين صوته، فكيف يحمل علي كونه مستحقاً للوعيد، وهو مثاب مأجور؟
وأقول: يمكن أن يحمل علي معنى التغني، أي ليس منا معشر الأنبياء ممن يحسن صوته بالقراءة، ويستمع الله منه، بل يكون من جملة من هو نازل عن مرتبتهم، فيثاب علي قراءته كسائر المسلمين، لا علي تحسين صوته كالأنبياء ومن تابعهم فيه.
الحديث التاسع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قوله: {فكيف إذا جئنا} الَاية، ((مظ)): يعنى فكيف حال الناس في يوم تحضر أمه كل نبى، ويكون بينهم شهيداً بما فعلوا من قبولهم النبي أو ردهم إياه، وكذلك نفعل بك يا محمد وبأمتك. أقول: ينافي هذا القول قوله تعالي: {لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} أي حفيظاً لكم ومزكياً لكم، فالشهادة لهم لا عليهم، فكيف يفسر هذا بما يناقضه، بل المعنى بـ ((هؤلاء)) أشخاص معينون من الكفرة. الكشاف: المعنى كيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل أمه بشهيد يشهد عليهم بما فعلوا، وهو نبيهم. وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فلفرط رأفته، ومزيد شفقته حيث عز عليه عنتهمظن فعوى عليهم وبكى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} .
2196 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: ((إن الله أمرنى أن اقرأ عليك القراَن)) .. قال: الله سمانى لك؟ قال: ((نعم)). قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال ((نعم)) فذرفت عيناه. وفي رواية: ((إن الله أمرنى أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا})) قال: وسمانى؟ قال: ((نعم)). فبكى. متفق عليه
ــ
((مح)): في الحديث فوائد: منها استحباب استماع القراءة والإصغاء لها، والبكاء عندها، والتدبر فيها، واستحباب طلب القراءة من الغير ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه تواضع لأهل العلم والفضل، ورفع منزلتهم.
قوله: ((تذرفان)) ((نه): يقال: ذرفت العين إذا جرى دمعها.
الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((الله سمانى)) أي أن الله بتحقيق الهمزتين، وحذف الأولي، أو الله بالمد بغير حذف، والهمزة للتعجب إما هضما لنفسه أي أنى لي هذه المنزلة، أو استلذاذاً لذلك، قال: بلي سرنى أن خطرت ببالك. وقوله: ((وقد ذكرت عنده)) تقرير للتعجب بعد تقرير، أي وقد ذكرنى، و ((عند)) ها هنا كناية عن الذات وعظمته، كقوله تعالي:{من خاف مقان ربه} أي عظمته وجلالته.
في الحديث فوائد جمه: منها استحباب القراءة علي الحداق وأهل العلم به والفضل، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، ومنها المنقبة الشريفة لأبي، ولا نعلم أن أحداً شاركه فيها، ومنها منقبة اَخرى له بذكر الله تعالي إياه ونصه عليه، ومنها البكاء للسرور والفرح بما يبشر الإنسان به، وبما يعطاه من معالي الأمور. وأما تخصيص قراءة {لك يكن} فلأنها وجيزه جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين، ومهمات في الوعد، والوعيد، والإخلاص وتطهير القلوب. وكان أبي مقدماً علي قراء الصحابة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((أقرأكم أبي)).
((تو)) إنما خص به أبي لماقيض له من الأمانة في هذا الشأن، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه ليأخذ عنه رسم التلاوة كما أخذه نبى الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، ثم يأخذه علي هذا النمط الَاخر عن الأول، والخلف عن السلف، وقد أخذ عن أبي رضي الله عنه بشر كثير من التابعين، وهلم جرا.
2197 -
وعن ابن عمر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقراَن إلي أرض العدو. متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ((لا تسافروا بالقراَن، فإنى لا اَمن أن يناله العدو)).
الفصل الثانى
2198 -
عن أبي سعيد الخدرى، قال: جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين، وإن بعضهم ليستتر ببعض من العرى وقارئ يقرأ علينا، إذ جاء رسول
ــ
الحديث الحادى والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أن يسافر بالقراَن)) الباء في ((بالقراَن)) زائدة، و ((القراَن)) أقيم مقام الفاعل، وليست كما في قوله:((لا تسافروا بالقراَن)) فإنها حال، كما في قولك:((دخلت عليه بثياب السفر)) وعلل النهي بالخوف علي إصابة العدو وإياه فيحقره ويستخف به، وذلك خلاف ما هو من شأنه من التعظيم، فالقراَن يراد به المصحف. ((شف)): كان جميع القراَن محفوظاً عند جميع الصحابة، فلو مشى من عنده بعض القراَن به إلي أرض العو ومات، لضاع ذلك القدر الذي كان عنده. أقول: ذهب في هذا إلي الكناية؛ لأن المصحف لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: لم لا يجوز أن يراد بـ ((القراَن)) بعض مانسخ وكتب في عهده صلى الله عليه وسلم، أو يكون إخباراً عن الغيب.
((حس)): حمل المصحف إالي دار الكفر مكروه، كما جاء في الحديث، ولو كتب إليهم كتاباً فيه اَية من القراَن لا بأس به، كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلي هرقل {يا أهل الكتاب تعالوا} الَاية، ويكره تنفيش الجدر والثياب بالقراَن، وذكر الله تعالي، ورخص قوم في تحريق ما يجتمع عنده من الرسائل، وسئل مالك عن تفضيض المصاحف؟ فأخرج مصحفاً، وقال: حدثنى أبي عن جدى: أنهم جمعوا القراَن علة عهد عثمان رضي الله عنه، وفضضوا المصاحف علي هذا أو نحوه.
الفصل الثانى
الحديث الأول عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((إذ جاء رسول الله)) إذ للمفاجأة. ((مظ)): يعنى كنا غافلين عن مجيئه، فنظرنا فإذا هو قائم فوق رؤسنا يستمع إلي كتاب الله، أي يصغى إليه. ((قوله)):((فقال: الحمد لله الذي جعل من أمتى)) لما رأي صلى الله عليه وسلم من حالهم وفقرهم وعريهم، ثم تلاوتهم كتاب الله، وإصغائهم إليه بشراشرهم*، شكر صنعيتهم، وذكر ما قال الله تعالي
الله صلى الله عليه وسلم، فقام علينا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت القارئ، فسلم، ثم قال:((ما كنتم تصنعون؟)) قلنا: كنا نستمع إلي كتاب الله. فقال: ((الحمد لله الذي جعل من أمتى من أمرت أن أصبر نفسى معهم)) قال: فجلس وسطنا ليعدل بنفسه فينا، ثم قال بيده هكذا، فتحلقوا وبرزت وجوههم له، فقال:((أبشروا يامعشر صعاليك المهاجرين! بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك خمسمائة سنة)). رواه أبو داود. [2198].
2199 -
وعن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القراَن بأصواتكم)) رواه أحمد، وأبوداود، وابن ماجه والدارمى. [2199].
ــ
في حقهم، وما أمره أن يصبر معهم في قوله:{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه} وحمد علي ذلك. نظلت الَاية في فقراء المهاجرين حين قال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء الفقراء من عندك حتى نجالسك ونؤمن بك فمال إلي ما قالوا، فنزلت {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى} وهذه الَاية.
وقوله: ((ليعدل بنفسه)) ((تو)): أي ليجعل نفسه عديلا ممن جلس إليهم، ويسوى بينه وبين اؤلئك الزمرة في المجلس رغبة فيما كانوا فيه، وتوا1عاً لربه سبحانه وتعالي.
قوله: ((ثم قال بيده هكذا)) يعنى لما جلس بينهم لم تكن وجوه القوم بارزة له، ثم أشار بيده إلي أن يجلسوا حلقه لتظهر وجوههم له، ويراهم كلهم، امتثالا لقوله تعالي:{ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} وإن كانت كناية عن الإزدراء بهم، وأن ينبو عن رثاثه زيهم طموحاً إلي زى الأغنياء وحسن سادتهم، لكن لا ينافي إرادة الحقيقة، وأن ينظر إليهم بعينه جميعاً بين مدلولي المفهوم والمنطوق. ((تو)): الصعلوك الذي لا مال له، وصعاليك العرب دونها*، وصعاليك المهاجرين فقراؤهم.
قوله: ((بنصف يوم)) ((مظ)): وذلك لأن الأغنياء وقفوا في العرصات للحساب، وسئلوا من أين حصلوا المال، وفي أي شيء صرفوه، ولم يكن مال حتى يتوقفوا. وعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقراء، الصابرين والصالحين منهم، وبالأغنياء، الشاكرين المؤدين حقوق أموالهم.
الحديث الثانى عن البراء: قوله: ((زينوا القراَن بأصواتكم)) ((قض)): قيل: إنه من المقلوب،
2200 -
وعن سعد بن عبادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من امرئ يقرأ القراَن ثم ينساه إلا لقى الله يوم القيامه أجزم)) رواه أبو داود، والدارمى. [2200].
ــ
ويدل عليه أنه روى أيضاً عن البراء عكس ذلك. ونظيره في كلام العرب قولهم: عرضت الناقة علي الحوض، والمعروض هو الحوض علي الناقة، وقولهم: إذا طلعت الشعرى، واستوى العود علي الحرباء، فإن الحرباء تستوى علي العود. ويجوز أ، يجرى علي ظاهره، فيقال: المراد تزيينه بالترتيل، والجهر به، وتحسين الصوت، فإنه إذا سمه من صيت حسن الصوت يقرأ بصوت طيب ولحن حزين، يكون أوقع في القلب وأشد تأثيراً، وأرق لسامعيه، وسماه تزييناً، لانه تزيين اللفظ والمعنى.
((تو)): هذا إذا لم يخرجه التغنى عن التجويد، ولم يصرفه عن مراعاة النظم في الكلمات والحروف، فإذا انتهي إلي ذلك عاد الاستحباب فيه كراهة، وأما الذي أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقى، فيأخذون في كلام الله مأخذهم في التنشيد والغزل، فإنه من أشد البد وأسوأ الأحداث، فيوجب علي السامع النكير، وعلي التالي التعزيز.
((مح)): في الروضة: أما تحسين الصوت بقراءة القراَن فمسنون، وأما القراءة بالألحان، فقال الشافعى في المختصر: لا بأس بها، وفي رواية أنه مكروه. قال جمهور الأصحاب: ليست علي القولين، بل المكروه أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات، حتى يتولد من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضع الإدغام، فإن لم ينته إلي هذا الحد فلا كراهة. قال الشيخ محى الدين: الصحيح أنه إذا أفرط علي الوجه المذكور فهو حرام، صرح به صاحب الحاوى، فقال: هو حرام يفسق به القارئ ويأثم المستمع؛ لانه عدل به عن نهجه القويم، وهذا مراد الشافعى بالكراهة.
الحديث الثالث عن سعد: قوله: ((أجذم)) ((نه)): أي مقطوع اليد، من الجذم وهو القطع. وفي الغريبين احتج أبو عبيد في هذا القول بقول علي رضي الله هنه:((من نكث بيعته لقى الله تعالي وهو أجذم ليس له يد)). وقال القتيبى: الأجذمها هنا الذي ذهبت أعضاؤه كلها، وليست يد الناسى للقراَن اولي بالعقوبة من سائر أعضائه، يقال: رجل أجذم، إذا تهافتت اعضاؤه من الجذام. قال ابن الأنبارى: القول ما قال أبو عبيد، فإن العقاب لو كان يقع بالجارحه التي باشرت المعصية لما عوقب الزانى بالنار في الَاخر، وبارجم والجلد في الدنيا. وقيل: معناه أنه أجذم الحجه، لا لسان له يتكلم، ولا حجة في يده. واليد يراد به الحجة، ألا ترى أن الصحيح اليد يقول لصاحبة: قطعت يدى، أي أذهبت حجتى. وقال الخطأبي: معناه ما ذكره
2201 -
وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لم يفقه من قرأ القراَن في أقل من ثلاث)) رواه الترمذى، وأبوداود، والدارمى [2201].
2202 -
وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجاهر بالقراَن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقراَن كالمسر بالصدقة)) رواه الترمذى، وأبوداود، والنسائى. وقال الترمذى: هذا الحديث حسن غريب
ــ
ابن الأعرأبي، أي خالي اليد عن الخير، وكنى باليد عما تحويه اليد وأقول: ويطابقه قوله تعالي: {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً- إلي قوله – وكذلك اليوم تنسى} .
الحديث الرابع عن عبد الله: قوله: ((لم يفقه)) أي لم يفهم ظاهر معانى القراَن في أقل من هذه المدة، وأما إذا أعمل الفكر وأراد التدبر فيه، فلم يف عمره في أسرار أقل اَية بل كلمة منه، ويفهم من هذا نفي التفهم لا نفي الثواب، ثم يتفاوت هذا بتفاوت الأشخاص وأفهامهم.
((مح)): قد كان للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه. فمنهم من يختم كل شهرين ختمه، واَخرون في شهر وعشر، وفي أسبوع إلي أربع وكثيرون في ثلاث وكثيرون في يوم وليلة، وختم ثمانى ختمات أربعاً بالنهار وأربعاً بالليل السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي رحمه الله. وأما الذين ختموا القراَن في ركعة فلا يحصون كثرة، فمنهم عثمان، وتميم الدارى، وسعيد جبير رضي الله عنهم.
والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له تدقيق فكر اللطائف والمعارف فليقتصر علي قدر يحصل له معه كمال فهم مايقرأ، ومن أشتغل بنشر العلم أو فصل الحكومات من مهمات المسلمين فليقتصر علي قدر لا يمنه من ذلك ولا يختل بما هو مترصد له، ومن لم يكن من هؤلاء فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلي حد الملال أو الهذرمة. ذكر كله في الاذكار.
الحديث الخامس عن عقبة: قوله: ((الجاهر بالقراَن كاجاهر بالصدقة)) شبه القراَن جهراً وسراً بالصدقة جهراً وسراً. ووجه الشبه ماذكره الشيخ محيى الدين النواوى حيث قال: جاءت اَثار بفضيلة رفع الصوت بالقراَن واَثار بفضيلة الإسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف، فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذى غيره من مصل أو نائم أو غيرهما. ودليل فضيلة الجهر أن العمل فيه أكثر؛ ولأنه
2203 -
وعن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اَمن بالقراَن من استحل محارمه)) رواه الترمذى: وقال: هذا حديث ليس إسناده بالقوى. [2203].
2204 -
وعن الليث بن سعد، عن أبن أبي مليكة، عن يعلي بن مملك، أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً. رواه الترمذى، وأبوداود، والنسائى.
2205 -
وعن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته، يقول:{الحمد لله رب العالمين} ثم يقف، ثم يقول {الرحمن الرحيم} ثم يقف. رواه الترمذى، وقال: ليس إسناده بمتصل، لأن الليث روى هذا الحديث عن ابن مليكة، عن يعلي بن مملك، عن أم سلمة وحديثة الليث أصح. [2205].
ــ
يتعدى نفعه إلي غيره؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلي الفكر، ويصرف سمعه إليه؛ ولانه يطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل، وينشطه، فمتى حضره شيء من هذه النيات، فالجهر أفضل.
الحديث السادس عن صهيب: قوله: ((مل اَمن بالقراَن من استحل ما حرم الله تعالي في القراَن فقد كفر مطلقاً. فخص ذكر القراَن لعظمته وجلاله.
الحديث السابع عن يعلي: قوله: ((فإذا هي نعت)) أي تصف. ويحتمل وجهين، أحدهما أن تقول: كانت قراءته كيت وكيت، وثإنيهما: أن تقرأ مرتلة مبينة، كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه قولهم: وجهها يصف الجمال. ومنه قوله تعالي: {وتصف ألسنتهم الكذب} .
الحديث الثامن عن أم سلمة رضي الله عنها: قوله: يقول: {الحمد لله رب العالمين} ثم يقف، بيان لقوله:((يقطع قراءته)). ((نه)): هذه الرواية ليست بسديده في الألسنة، ولا بمرضية في اللهجة العربية، بل هي صيغه لا يكاد يرتضيها أهل البلاغة، وأصحاب اللسان، فإن الوقف الحسن ما اتفق عند الفصل، والوقف التام من أول الفاتحة عند قوله:((مالك يوم الدين))
الفصل الثالث
2206 -
عن جابر، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القراَن، وفينا الأعرأبي والأعجمى. قال: اقرأوا فكل حسن؛ وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعلجونه ولا يتأجلونه)) رواه أبوداود، والبيهقى في ((شعب الإيمان)). [2206].
ــ
وكان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس لهجة، واتمهم بلاغة. وقد استدرك الراوى ذلك بقوله:((والأول أصح)). والمظهر اختار هذا القول علي ماذكره أولا، إنما كان صلى الله عليه وسلم يقف علي الَاية ليتبين للمستمعين روؤس الَاية، ولو لم يكن لهذه العلة لما وقف علي {رب العالمين} ولا علي {الرحمن الرحيم} ؛ لأن الوقف عليهما قطع للصفة عن الموصوفظن وهذا غير صواب.
قال صاحب الكواشى: كيف الوقف علي {الرحمن الرحيم} ؟! قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقفه، ولأن ما بعده فيه معنى القوة والجبروت، وفيها بعد عن الرحمة. أقول: أراد أن معنى {مالك يوم الدين} يلتقى ومعنى قوله تعالي {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} . واعلم أن قوله: {رب العالمين} يشير إلي أنه تعالي مالك لذوى العلم من الملائكة، والثقلين، مدبر أمورهم ومصالحهك في الدنيا، وقوله:{مالك يوم الدين} يشير أنه متصرف فيهم في الَاخره يثيبهم ويعاقبهم علي أعمالهم، وقوله:{الرحمن الرحيم} متوسط بينهما، ولذلك قيل: رحمن الدنيا ورحيم الَاخرة، فكما جاز ذلك الوقف يجوز هذا. والنقل اولي أن يتبع. وأما قول الراوى:((والأول أصح)) فلا يوجب أن يضرب عن الثانى صفحاً. وقد قال تعالي: {كتاب فصلت اَياته} ، الكشاف: فصله سوراً، وسورة اَيات.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((وفينا الأعرأبي والأعجمى)) يحتمل وجهين: أحدهما: أن كلهم منحصرون في هذين الصنفين، وثإنيهما: أن فينا معشر العرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما بيننا تلك الطائفتان، وهذا الوجه أظهر؛ لأنه فرق بين الأعرأبي، والعربى، بمثل ما في خطبته: مهاجر ليس بأعرأبي، جعل المهاجر ضد الأعرأبي، والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها الإ لحاجة. والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه، سواء أقام بالبادية او الدن.
قوله: ((فكل حسن)) أي فكل قراءة مما يقرأ أحدكم من العرب، والأعراب، والعجم حسن إذا آثرتم ثواب الَاجلة علي العاجلة، ولا عليكم أن تقيموا ألسنتكم إقامة السهم قبل أن يراش.
2207 -
وعن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل العشق*، ولحون أهل الكتابين، وسيجىء بعدي قومٌ يرجعون بالقرآن ترجع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان))، ورزينٌ في ((كتابه)). [2207]
2208 -
وعن البراء بن عازب [رضي الله عنه]، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حَسِّنُوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيدُ القرآن حُسنًا)) رواه الدارمي. [2208]
ــ
وسيجىء أقوام يقيمونه إلي آخره. وفيه رفع الحرج، وبناء الأمر علي المساهلة في الظاهر، وتحري الحسنة والإخلاص في العمل، والتفكر في معإني القرأن، والوص في عجائب أمره.
ذكر الشيخ أبو حامد في الإحياء أن أكثر الناس منعوا من فهم معإني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان علي قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن، منها: أن يكون الهم منصرفًا إلي تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها. وهذا يتولي حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن معإني كلام الله، فلا يزال يحملهم علي ترديد الحروف، ويخيل إليهم أنه لم يخرج الحرف من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورًا علي مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعإني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس.
الحديث الثاني عن حذيفة: قوله: ((يلحون العرب)) قال صاحب جامع الأصول: اللحون والألحان جمع لحن، وهو التطريب، وترجيع الصوت، وتحسين قراءة القرآن، أو الشعر، أو الغناء. ويشبه أن يكون هذا الذي يفعله قراء زماننا بين يدي الوعاظ وفي المجالس، من اللحون الأعجمية التي يقرأون بها مما نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله:((يرجعون)) الترجيع في القراءة ترديد الحروف كقراءة النصاري. ((الحناجر)) جمع الحنجرة، وهي رأس الفلصمة حيث تراه ثابتًا من خارج الحلق، و ((التجاوز)) يحتمل الصعود والحدور، والمعنى علي الصعود: لا يرفعها الله ولا يقبلها، فكأنها لم تتجاوز حلوقهم، وعلي الحدور: أن قراءتهم لا يصل أثرها إلي قلوبهم، فلا يتفكرون فيه، ولا يعملون بمقتضاه، فلا يثابون علي قراءته، ولا يحصل لهم غير بلوغ الصوت إلي الحناجر. ويؤيد المعنى الثاني قوله:((مفتونة قلوبهم)) أي مبتلي بحب الدنيا، وتحسين الناس لهم. وهي صفة أخرى بعد صفة القوم.
الحديث الثالث عن البراء: قوله: ((حسنوا القرآن بأصواتكم)) معناه ما سبق من أن المراد
2209 -
وعن طاوسٍ، مرسلا، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن صوتا للقرآن؟ وأحسن قراءة؟ قال: ((من إذا سمعته يقرأ أريت أنه يخشى الله)) قال طاوس: وكان طلق كذلك. رواه الدرامي [2209].
2210 -
وعن عبيدة المليكي، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن! لا تتوسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته، من آناء الليل والنهار، وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولاتعجلوا ثوابه، فإن له ثوابا)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) [2210].
ــ
بالتزيين الترتيل، والجهر به، وتحسين الصوت. وهذا الحديث لا يحتمل القلب، كما احتمله الحديث السابق، لتعليله بقوله:((فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا)).
الحديث الرابع عن طاوس: قوله: ((أريت أنه يخشى الله)) أن من حسبته وظنته أنه يخشى الله، وتظهر أمارات الخشية منه، ويتأثر به قلبك. ولا يكون القارىء حينئذ إلا عالما بزواجره، وقوارعه، ومواعيده، فيخشى عذاب الله، ويرجو رحمته. وكأن الجواب من الأسلوب الحكيم حيث اشتغل في الجواب عن الصوت الحسن بما يظهر الخشية في القاريء والمستمع.
الحديث الخامس عن عبيدة: قوله: ((لا تتوسدوا القرآن)) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون كناية رمزية عن التكاسل، أي لا تجعلوه وسادة تنامون عليه، بل قوموا به واتلوه آناء الليل وأطراف النهار. هذا معنى قوله:((واتلوه حتى تلاوته)). وثإنيهما: أن يكون كناية تلويحية عن التغافل، فإن من جعل القرآن وسادة يلزم منه النوم، فتلزم منه الغفلة، يعني لا تغفلوا عن تدبر معإنيه، وكشف أسراراه، ولا تتوانوا في العمل بمقتضاه، والإخلاص فيه. وهذا معنى قوله:((واتلوه حتى تلاوته)). وقول الله تعالي {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلإنية يرجون تجارة لن تبور} جامع للمعنيين، فإن قوله:(أقاموا، وأنفقوا) ماضيان عطفا علي ((يتلون)) وهو مضارع، دلالة علي الدوام والاستمرار في التلاوة المثمرة، لتجدد العمل المرجو منه التجارة المربحة.
قوله: ((وأفشوه)) أي سمعوا الناس قراءته، وعلموهم، وأكثروا من كتابته، وتفسيره،