المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) باب [اختلاف القراءات وجمع القرآن] - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٥

[الطيبي]

الفصل: ‌(2) باب [اختلاف القراءات وجمع القرآن]

(2) باب [اختلاف القراءات وجمع القرآن]

الفصل الأول

2211 -

عن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه]، قال: سمعت هشام بن حكيم ابن حزام يقرأ سورة (الفرقان) علي غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرإنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة (الفرقان) علي غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أرسله، اقرأ)) فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هكذا أنزلت)) ثم قال لي ((اقرأ)) فقرأت. فقال: ((هكذا أنزلت، إن

ــ

وتدرسيه. وقوله: ((تغنوه)) يحتمل الاستغناء والتغني بالجهر، والترتيل. ((ولا تعجلوا)) أي لا تستعجلوا الحظوظ الدنوية به، فإن ثوابه في الآخرة مما لا يقادر قدره، ولا يكننه كنهه، ومن ثم أعاد الثواب منكرا مفخما.

باب

الفصل الأول

الحديث الأول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قوله: ((فكدت أن أعجل عليه)) أي أن أخاصمه، وأظهر بوادر غضبي عليه. قوله:((لببته)) - بالتشديد - ((نه)): يقال: لببت الرجل ولببته، إذا جعلت في عنقه ثوبا، وجررته به. ((مح)): في هذا بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن، والذب عنه، والمحافظة علي لفظه كما سمعوه من غير عدول إلي ما تجوزه العربية. وقال: قال العلماء: سبب إنزاله عى سبعة أحرف: التخفيف والتسهيل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((هون علي أمتى)) كما صرح به في آخر الحديث ((فاقرأوا ما تيسر منه)).

واختلفوا في المراد بسبعة أحرف. وأصحها وأقربها إلي معنى الحديث قول من قال: هي كيفية النظق بكلماتها من إدغام وإظهار، وتفحيم وترقيق، وإمالة ومد، وهمز وتليين؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر الله تعالي عليهم ليقرأ كل بما يوافق لغته، ويسهل علي لسانه.

قال أبو الفتوح العجلي في تفسيره: فإن قيل: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنزل القرآن علي سبعة أحرف))، فكيف وجه الزيادة علي السبع؟

ص: 1693

هذا القرآن أنزل علي سبعة أحرفٍ، فاقرأوا ما تيسَّرَ منه)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

2212 -

وعن ابن مسعود [رضي الله عنه] قال: سمعت رجلا قرأ، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، فقال:((كلاكما محسن، فلا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)) رواه البخاري.

ــ

فالجواب: أن الأئمة قالوا في معنى الخبر: إن الاختلاف في القراءات وإن كثرت وتعددت، الكلمة في نفسها، كقوله تعالي:{ننشزها} و {ننشرها} وبالزيادة والنقصان كقوله تعالي: {قالوا اتخد الله} ، {وقالوا اتخد الله} بزيادة الواو ونقصها، والوجوه الستة الباقية تكون بأن تثبت الكلمة نفسها جنسها، وتتغير من قبل لواحقها، كالجمع والتوحيد في قوله تعالي:{كطي السجل للكتاب} ، {والكتب}. والثاني: كالتذكير والتإنيث في قوله: {لتحصنكم من بأسكم} و {ليحصنكم} . والثالث: الاختلاف التصريفي، كقوله:{ولا كذابا} ، {ولا كذبا} بالتخفيف والتثقيل، {ومن يقنط} *، و {ومن يقنط} بفتح النون وكسرها. والرابع: الاختلاف الإعرابي: كقوله تعالي: {ذو العرش المجيد} برفع الدال وجرها، والخامس: اختلاف الأدوات، كقوله تعالي:((ولكن الشياطين)) بتشديد النون وتخفيفها والسادس: اختلاف اللغات، كالتفخيم والإمالة.

الحديث الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((كلاكما محسن)) فإن قلت: كيف يستقيم هذا القول مع إظهار الكراهية؟ قلت: معنى الإحسان راجع إلي ذلك الرجل لقراءته، وإلي ابن مسعود لسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تحريه في الاحتياط، والكراهية راجعة إلي جداله مع ذلك الرجل كما فعل عمر بهشام؛ لأن ذلك مسبوق بالاختلاف، وكان الواجب عليه أن يقره علي قراءته، ثم يسأله عن وجهها.

((مظ)): الاختلاف في القرآن غير جائز؛ لأن كل لفظ منه إذا جاز قراءته علي وجهين أو أكثر، فلو أنكر أحد واحدًا من ذينك الوجهين أو الوجوه، فقد أنكر القرآن ولا يجوز في القرآن القول بالرأي؛ لأن القرآن سنة متبعة، بل عليهما أن يسألا عن ذلك ممن هو أعلم.

ص: 1694

2213 -

وعن أبي بن كعب، قال: كنتُ في المسجد، فدخل رجلٌ يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة، دخلنا جميعًا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسن شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد

ــ

الحديث الثالث عن أبي بن كعب رضي الله عنه: قوله: ((ودخل آخر)) عطف علي مقدر، أي قلت: إن هذا دخل في المسجد فقرأ قراءة انكرتها، ودخل آخر. قوله:((فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذا كنت)) ((مظ)): يعني وقع في خاطري من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في تحسينه لشأنهما تكذيبًا أكثر من تكذيبي إياه قبل الإسلام. ((مح)): معناه وسوس لي الشيطان تكذيبًا أشد مما كنت عليه في الجاهلية؛ لأنه كان في الجاهلية غافلا، أو متشككا. ((تو)): إنما استعظم الحالة التي ابتلي بها فوق ما استعظم حالته الأولي؛ لأن الشك الذي يداخله في أمر الدين، ورد علي مورد اليقين، والمعرفة بعد النكره أطم وأعظم.

وقيل: فاعل ((سقط)) محوف، أي فوقع في نفسي من التكذيب ما لم أقدر علي وصفه، ولم أعهد بمثله، ولا إذا كنت في الجاهلية. أقول: قد أحسن هذا القائل وأصاب في هذا التقدير، ويشهد له قوله:((فلما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني)) أي من التكذيب، فـ ((من)) علي هذا بيإنية، و ((الواو)) في ((ولا إذ كنت)) تستدعي معطوفا عليه، و ((لا)) المؤكدة توجب أن يكون المعطوف عليه منفيا، وهو هذا المحذوف. وها أسد في العربية من جعل ((ولا إذ كنت)) صفة لمصدر محذوف، كما سبق؛ لأن واو العطف مانعة. ولو ذهب إلي الحال لجاز علي التعسف. وفي استعمال السقوط والقذف في المعإني، وأنهما مستعملان في الأجسام، إشعار بشدة الخطب، وفخامة الأمر، فاستعارة ((سقط)) لفخامة في الحديث، كاستعارة القذف للإزالة، والمغ للمحق، في قوله تعالي:{بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه} .

قوله: ((ففضت عرقا)) ((مظ)): ((عرقًا وفرقًا)) منصوبان علي التمييز، والتظاهر أن يكون ((فرقًا)) مفعولا له، أو حالا؛ لأنه لا يجوز أن يقال: نظر في فرقي. كان أبي من أفاضل الصحابة، ومن الموقنين، وكان طريان ذلك التكذيب بسبب الاختلاف نزعة من الشيطان، فلما أصاب بركة يده وضربه صلى الله عليه وسلم علي صدره، زالت تلك الهاجسة إلي الخارج مع العرق، فرجع الشك المسبوق بعلم اليقين إلي عين اليقين، فنظر إلي الله خوفا، خجلا مما غشيه من الشيطان.

ص: 1695

غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقاً، وكأنما أنظر إلي الله فرقاً، فقال لي:((يا أبي! أرسل إلي: أن اقرأ القرآن علي حرف. فرددت إليه: أن هون علي أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه علي حرفين، فرددت إليه: أن هون علي أمتي، فرد إلي الثالثة: اقرأه علي سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألينها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام) رواه مسلم.

ــ

قوله: ((أن هون علي أمتي)) ((أن)) يجوز أن تكون مفسرة لما في ((رددت)) من معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية وإن كان مدخوله أمراً. وجوز ذلك صاحب الكشاف نقلا عن سيبويه. والرد هاهنا ليس ضد القبول، وإنما هو سجع ورد للجواب، ولذلك سمي إجابة الله تعالي أيضاً رداً. فإن قلت: قوله: ((فرد إلي الثانية)) يستدعي الردة الأولي، وليس في الكلام ما يشعر به؟ قلت: قوله: ((أرسل إلي)) سمي رداً: إما مشاكلة، أو مسبوقاً بطلب من الرسول كيفية القراءة.

قوله: ((تسألينها)) صفة مؤكدة لمسألة، كقوله تعالي:{ولا طائر يطير} أي مسألة ينبغي لك أن تسألها، وأنك لا تخيب فيها. قوله:((وأخرت الثالثة)) قيل: لما انقسم من يحتاج إلي مغفرته تعالي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلي مفرط ومفرط، استغفر صلى الله عليه وسلم مرة للمقتصد المفرط في الطاعة، وأخرى للظالم المفرط في المعصية، وأخر الثالثة لاحتياج جميع الأولين والآخرين يومئذ إليها.

وأقول: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل الثلاث مقصورة علي واحدة، لكن جعل تعدادها بحسب الزمان، مرتين في الدنيا، ومرة في الآخرة، يوم يقول الأنبياء كلهم:((نفسي نفسي))، وهو يقول:((أمتي أمتي)) فقوله: ((يرغب إلي الخلق)) صفة لـ ((يوم)) أي أخرت قولي: ((اللهم اغفر لأمتي)) لأجل يوم هذا وصفه، وينصر هذا التأويل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، فإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي إلي يوم القيامة)) انظر إلي هذه الرأفة، والمرحمة، والحدب لأمته صلى الله عليه وسلم. وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم طلب من الله تعالي لأمته السهولة واليسر في القراءة ثلاث مرات، فأسعفه الله تعالي وأنجح مطلوبه، ولم يكتف بذلك بل أمره بأن يزيد علي المسألة بما يسهل عليهم في الآخرة ليجمع لهم التيسير والتسهيل في الدارين. فالله أرأف بهم وأرحم لهم.

ص: 1696

2214 -

وعن ابن عباس [رضي الله عنهما]. قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((أقرإني جبريل علي حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني، حتى انتهي إلي سبعة أحرف)). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر تكون واحداً لا تختلف في حلال ولا حرام. متفق عليه.

الفصل الثاني

2215 -

عن أبي بن كعب [رضي الله عنه] قال: لقي رسول الله جبريل، فقال:((يا جبريل! إني بعثت إلي أمة أميين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط. قال: يا محمد! إن القرآن أنزل علي سبعة أحرف)). رواه الترمذي. وفي رواية لأحمد، وأبي داود: قال: ((ليس منها إلا شاف كاف)). وفي رواية للنسائي، قال: ((إن جبريل وميكائيل أتيإني، فقعد جبريل عن يميني

ــ

الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((فلم أزل أستزيده)) ((مح)): أي لم أزل أطلب منه أن يطلب من الله الزيادة في الأحرف للتوسعة والتخفيف، ويسأل جبريل ربه تعالي فيزيده.

قوله: ((إنما هي في الأمر تكون واحداً)) معناه أن ذلك الاختلاف يرجع إلي معنى واحد وإن اختلف اللفظ من هيئته إلي سبعة أنحاء. وأما إذا اختلف اللفظ بحسب الاختلاف في الأداء إلي أن يصير المنفي مثبتاً، والمثبت منفياً، والحرام حلالاً، والحلال حراماً، مثلا، فلا يجوز ذلك، لقوله تعالي:{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أُبي رضي الله عنه: قوله: ((قال: يا محمد! إن القرآن أنزل علي سبعة أحرف)) يعني ذكرت أن أمتك أميون، عاجزون غير قادرين علي أن يتفقوا علي قراءة واحدة، فإن الله تعالي سهل عليهم، ويسر لهم، فأنزل القرآن علي سبع لغات، فيقرأ كل بما يسهل عليه. قوله:((وليس منها إلا شاف كاف)) أي ليس حرف من تلك الأحرف في أداء المقصود من فهم المعنى إلا شاف للعليل، ومن إظهار البلاغة والفصاحة إلا كاف للإعجاز. ((حس)): يريد - والله أعلم - أن كل حرف من هذه الأحرف السبعة شاف لصدور المؤمنين لاتفاقها في

ص: 1697

وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن علي حرف، قال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف)).

2166 _

* وعن عمران بن حصين [رضي الله عنهما]، أنه مر علي قاص يقرأ، ثم يسأل. فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجىء أقوام يقرأون القرآن يسألون به الناس)) رواه أحمد، والترمذي.

الفصل الثالث

2177 -

عن بريدة [رضي الله عنه]، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن يتأكل به الناس، جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)).

ــ

المعنى، وكونها من عند الله تعالي، وهو كاف في الحجة علي صدق النبي صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه، وعجز الخلق عن الإتيان بمثله.

الحديث الثاني عن عمران بن حصين: قوله ((علي قاص)) أي يقص الأخبار ويكدي، فاسترجع عمران، وقال:((إنا لله وإنا إليه راجعون)) لما ابتلي بهذه المصيبة، ولأنها من أمارات القيامة. قوله:((فيسأل الله به)) يحتمل وجهين: أحدهما: أنه كلما قرأ آية رحمة ذكرت فيها الجنة يسأل الله، وآية عذاب فيها ذكر النار يتعوذ منها إلي غير ذلك. وثإنيهما: أن يدعو بعد الفراغ من القراءة بالأدعية المأثورة.

((مح)): يستحب الدعاء بعد قراءة القرآن استحباباً متأكداً تأكيداً شديداً، فينبغي أن يلح في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمة، والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك بل كله في أمور الآخرة، وأمور المسلمين، وصلاح سلطانهم، وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات، وتعاونهم علي البر والتقوى، وقيامهم بالحق، واجتماعهم عليه، وظهورهم علي أعداء الدين.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن بريدة: قوله: ((يتأكل به الناس)) يتأكل بمعنى يستأكل، كقوله تعالي:{فمن تعجل في يومين} أي استعجل، و ((الباء)) في ((به)) للآلة، كما في قولك: كتبت بالقلم، أي من تعجل القرآن ذريعة ووسيلة إلي حطام الدنيا، جاء يوم القيامة في أسوأ حالة

ص: 1698

2118 -

وعن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) رواه أبو داود.

2219 -

وعن علقمة، قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة (يوسف)، فقال رجل: ما هكذا أنزلت. فقال عبد الله: والله لقرأتها علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((أحسنت)). فبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح الخمر. فقال: أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب؟! فضربه الحد. متفق عليه.

2220 -

وعن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر [رضي الله عنه] مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتإني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب

ــ

وأقبح صورة، حيث عكس وجعل الأشياء وأعزها وصلة إلي أذل الأشياء وأحطها. وهو أبلغ مما روي عنه صلى الله عليه وسلم ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مذعة لحم)) [لأنه أخبر عن وجهه بأنه عظم حرق ثم أكده بقوله:((وليس عليه مزعة لحم))].

ومنه قول الشيخ الشاطبي:

تخيرهم نقادهم كل بارع

وليس علي قرآنه متأكلا

سمعت شيخي عبد الرحمن الأفضلي رحمه الله يقول: من استجر الجيفة ببعض الملاهي والمعارف أهون ممن استجرها بالمصحف، وفي الإحياء: من طلب بالعلم المال كان كمن مسح أسفل مداسه ونعله بمحاسنه لينظفه.

الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((حتى ينزل عليه بسم الله)) هذا الحديث وما يسرد في آخر الباب دليلان ظاهران علي أن البسملة آية من كل سورة، أنزلت مكررة للفصل.

الحديث الثالث عن علقمة: قوله: ((فقال: أحسنت)) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: ((أحسنت)) وفي ظاهر قوله: ((يكذب بالكتاب)) أن من أنكر شيئاً من القراء المشهورة، فقد كذب بالكتاب، والمكذب كافر، لكن قالو: ليس بكافر؛ لأن إنكار القراءة إنكار في أداء الكلمة، لا في جوهرها، ولذلك أجرى عليه حد الشارب، لاحد المرتد، فنسبة التكذيب إليه تغليظ.

الحديث الرابع عن زيد بن ثابت: قوله: ((مقتل أهل اليمامة)) ((مقتل)) ظرف زمان، أي أيام قتل أهل اليمامة، واليمامة بلاد الجو، وكان يقال لها: زرقاء، يضرب بها المثل في قوة البصر، فيقال: أبصر من زرقاء اليمامة، ثم إن أبا بكر بعث خالد بن الوليد مع جيش من

ص: 1699

كثير من القرآن، وإني أرى تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأي عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قال: قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبو بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة (التوبة) مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم

ــ

المسلمين، فاقتتل المسلمون وبنو حنيفة قتالا ما رأي المسلمون قتلة مثلها، وقتل المسلمين ألف ومأتان، وخرج من بقى، وكان عدة من قتل من القراء يومئذ سبعمائة، ثم إن براء بن مالك ثار، فحمل علي أصحاب مسيلمة، فانكشفوا وتبعهم المسلمون، وقتلوا مسيلمة وأصحابه.

قوله: ((قد استحر)) ((نه)): أي كثر واشتد، وهو استفعل من الحر الشدة. قوله:((إني أخشى إن استحر القتل بالقراء)) ((إن استحر)) مفعول ((أخشى)) و ((الفاء)) في ((فيذهب)) للتعقيب. ويجوز أن يكون مفعول ((أخشى)) محذوفاً، و ((إن)) بالكسر، والجملة الشرطية بيان للمحذوف. والخشية إنما تكون مما لم يوجد من المكروه، فعلي هذا المراد من ((استحر)) الزيادة علي ما كان. قوله:((هذا والله خير)) رد لقوله: ((كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإشعار بأن من البدع ما هو حسن وخير.

قوله: ((إنك رجل شاب)) وفي التقييد بـ ((شاب)) إشارة إلي حدة نظره، وبعده عن النسان، وضبطه وإتقانه، و ((لا نتهمك)) إلي عدم ضعفه، ونسيانه، وكذبه، وأنه صدوق، وذلك صريح بكمال ورعه، وتمام معرفته، وغزارة علومه، وشدة تحقيقه، وتقعده في هذا الشأن وتمكنه منه.

قوله: ((اجمعه من العسب)) حال من فاعل ((تتبعت) أو من مفعوله. ((العسب)) جمع عسيب، وهو سعف النخل. و ((اللخاف)) جمع لخفة، وهي الحجارة البيض الرقاق، والمراد بصدور الرجال الذين جمعوا القرآن، وحفظوه في صدورهم كاملاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبي زيد. وفي رواية أبي الدرداء بدل أبي فيكون ما في العسب واللخاف وغيرهما تقريراً علي تقرير. فإن قلت: كيف التوفيق بين قولك هذا وبين

ص: 1700

رسول من أنفسكم} حتى خاتمة (براءة)، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر. رواه البخاري.

2221 -

وعن أنس بن مالك: أن حذيفة بن اليمان قدم علي عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلي حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف، ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلي عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاث: إذا اختلفتم في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلي حفصة، وأرسل إلي كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن

ــ

قوله: ((لم أجدها مع أحد غير أبي خزيمة))؟ قلت: الحفاظ حفظوها ثم نسوها، فلما سمعوها استذكروا كما قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة ابن ثابت.

قال السخاوي في شرح الرائية: فإن قيل: فما قصد عثمان بإرساله إلي حفصة، وإحضاره الصحف، وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظه في زعمكم؟ قلت: الغرض بذلك سد باب المقالة وأن يزعم زاعم أن في المصحف قرآنا لم يكتب، ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهدة بصحة جميع ما كتبوه.

الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إذا اختلفتم- إلي قوله- فاكتبوه بلسان قريش)) فإن قلت كيف الجمع بين هذا وبين قوله: ((أنزل القرآن علي سبعة أحرف)) أي لغات؟ قلت: الكتابة والمثبت في المصحف بلغة قريش لا يقدح في القراءة بتلك اللغات. وقوله: ((إنما نزل بلسانهم)) يريد به: أن أول ما نزل بلغة قريش، وهو الأصل ثم خفف ورخص أن يقرأ بسائر اللغات. قول ((أن يحرق)) بالحاء المهملة. وفي- شرح السنة- بالخاء المعجمة، وحققه بما في شرح السنة عن الوليد ابن مسلم سألت مالكا عن تفضيض المصحف، فأخرج إلينا مصحفا، فقال: حدثني أبي عن جدي: أنهم جمعوا القرآن علي عهد عثمان رضي الله عنه وأنهم فضضوا المصاحف علي هذا ونحوه.

ص: 1701

يحرق. قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة ابن زيد بن ثابت: أنه سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من (الأحزاب) حين نسخنا المصحف، قد كنت اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها، فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ، فألحقناها في سورتها في المصحف. رواه البخاري.

2222 -

وعن ابن عباس، قال: قلت لعثمان: ما حملكم علي أن عمدتم إلي (الأنفال)، وهي من المثإني، وإلي (براءة)، وهي من المثين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا سطر {بسم الله الرحمن الرحيم} ، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم علي ذلك؟ قال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان، وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول:((ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)) فإذا نزلت عليه الآية فيقول: ((ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)). وكانت (الأنفال) من أوائل ما نزلت بالمدينة، وكانت (براءة) من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب سطر {بسم الله الرحمن الرحيم} ووضعتها في السبع الطوال. رواه الترمذي، وأبو داود. [2222]

ــ

((حس)): في الحديث البيان الواضح أن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزل الله تعالي علي رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير أن زادوا فيه أو أنقصوا منه شيئا باتفاق من جميعهم، وكتبوه كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن قدموا شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن علي الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل صلوات الله عليه إياه علي ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية في السورة التي يذكر فيها كذا، روى معنى هذا عن عثمان رضي الله عنه.

الحديث السادس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((وهي من المثإني)) أي من السبع

ص: 1702