المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب ليلة القدر - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٥

[الطيبي]

الفصل: ‌(8) باب ليلة القدر

بطعامٍ، فقال لها:((كُلي)) فقالتْ: إني صائمةٌ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الصَّائمَ إذا أُكِلَ عندَه، صلَّتْ عليه الملائكةُ حتى يفرْغوا)) رواه أحمد، والترمذي، وابنُ ماجه، والدارمي.

الفصل الثالث

2082 -

عن بُريدةَ، قال: دخلَ بلالٌ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوَ يتغدَّى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الغداءَ يابلالُ!)) قال: إني صائمٌ يا رسول الله! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((نأكُلُ رِزقنا، وفَضْلُ رزقِ بلالٍ في الجنَّةِ؛ أشعرتَ يا بلالُ أنَّ الصَّائمَ تسبِّحُ عظامُه، وتستغفِرُ له الملائكةُ ما أُكِلَ عندَه؟)) رواه البيهقي في ((شعبِ الإيمان)).

(8) باب ليلة القدر

الفصل الأول

2083 -

عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تحرَّوا ليلةَ القدْرِ في الوِتْرِ من العَشْرِ الأواخرِ منْ رمضانَ)) رواه البخاري.

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول عن بريدة: قوله: ((الغداء)) منصوب بفعل مضمر، أي احضر الغداء، أو هلم إليه، أو ائت. والغداء الطعام بعينه، والظاهر أن يقال: رزق بلال في الجنة، فقال: فضل رزقه، إشعارًا بأن رزقه الذي هو بدل هذا الرزق زيادة علي هذا، وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا ليس للوجوب.

باب ليلة القدر

((مح)): قال العلماء: سميت ليلة القدر؛ لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار، والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة؛ لقوله تعالي:{فيها يفرق كل أمر حكيم} وقوله تعالي: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر} ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالي به، وتقديره له. وقيل: سميت بها لعظم قدرها وشرفها، وأجمع من يعتد به علي وجودها ودوامها إلي آخر الدهر؛ للأحاديث الصحيحة المشهورة.

ص: 1620

2084 -

وعن ابنِ عمر، قال: إِنَّ رجالاً من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم أًروا ليلة القَدْرِ في المنامِ في السبع الأواخر، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:((أرَى رؤياكم، قد تواطأت في السبع الأواخرِ، فمن كان مُتحرِّيها فلْيَتَحرَّها في السبع الأواخر)) متفق عليه.

ــ

قال القاض عياض: واختلفوا في محلها، فقال جماعة: هي منتقلة، تكون في سنة في ليلة، وفي سنة أخرى في ليلة أخرى. وهذا الجمع بين الأحاديث المختلفة أوقاتها وهو قول مالك، والثورى، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم، قالوا: إنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وقيل: إنها معينة لا تنتقل أبدًا، وقيل: هي في السنة كلها، وهو قول ابن مسعود، وأبي خيفة، وقيل: هي في شهر رمضان كله، وهو قول ابن عمر وجماعة من أصحابه، وقيل: تختص بأوتار العشر.

((تو)): إنما جاء ((القدر)) بتسكين الدال، وإن كان الشائع في القدر - الذي هو قرينة القضاء - فتح الدال؛ ليعلم أنه لم يرد به ذلك، فإن القضاء سبق الزمان، وإنما أريد به تفصيل ما قد جرى به القضاء، وتبيينه وتجديده في المدة التي بعدها إلي مثلها من القابل ليحصل ما يلقى إليهم فيها مقدارًا بمقدار.

الفصل الأول

الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((تحروا)) ((نه)): أي تعمدوا طلبها فيها، والتحرى القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم علي تخصيص الشيء بالفعل والقول.

الحديث الثانى عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أروا)) أصله أريوا من الرؤيا، أي خيل لهم في المنام. قوله:((تواطت)) ((مح)): هكذا هو في النسخ بطاء ثم تاء، وهو مهموز، وكان ينبغي أن يكتب بألف بين الطاء والتاء، ولابد من قراءته مهموزًا، قال الله تعالي {ليواطئوا عدة ما حرم الله}. ((تو)): المواطأة: الموافقة، وأصله أن يطأ الرجل برجله موطئ صاحبه، وقد رواه بعضهم بالهمزة، وهو الأصل. ((والسبع الأواخر)) يحتمل أن يراد بها السبع التي تلي آخر الشهر، وأن يراد بها السبع بعد العشرين وحمله علي هذا أمثل لتناوله إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين. وقوله ((فليتحرها في السبع الأواخر)) لاينافي قوله:((فالتمسوها في العشر الأواخر))؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحدث بميقاتها مجزومًا، فذهب كل واحد من الصحابة بما سمعه، أو رآه هو.

وقال الشافعى: والذي عندى - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب علي نحو ما يسأل عنه، يقال له تلتمسها في ليلة كذا، فيقول: التمسوها في ليلة كذا، فعلي هذا نوع اختيار كل فريق من أهل العلم، والذاهبون إلي سبع وعشرين، هم الأكثرون. ويحتمل أن فريقًا منهم علم بالتوقيف، ولم يؤذن له في الكشف عنه؛ لما كان في حكمة الله البالغة في تعميتها علي العموم؛ لئلا يتكلوا، وليزدادوا جدًا واجتهادًا في طلبها، ولهذا السر أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنسى.

ص: 1621

2085 -

وعن ابن عبَّاسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((التمسوها في العشرِ الأواخرِ منْ رمضان، ليلَةَ القدرِ: في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى)) رواه البخاري.

2086 -

وعن أبي سعيد الخدري: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكفَ العشرَ الأوَّلَ من رمضان، ثمَّ اعتكفَ العشرَ الأوسطَ في قبَّةٍ تُرْكيَّةٍ، ثمَّ أطلعَ رأسهُ نقال: ((إني أعتكفُ العشر الأوَّل ألتمس هذه الليلةَ، ثمَّ أعتكفُ العشر الأوسطَ، ثمَّ أتيت فقيل لي: ((إنها في العشرِ الأواخرِ، فمن كان اعتكفَ معى فليعتكفِ العشر الأواخر، فقد أريتُ هذه

الليلةَ، ثم أُنْسيتُها، وقد رأيْتُني أسجدُ في ماء وطينٍ من صبيحتها، فالتمسُوها في العشر الأواخرِ والتمسُوها في كلّ وترٍ)). قال: فمَطَرتِ السماءُ تلْكَ الليلةَ، وكان المسجدُ علي عَريشٍ، فوَكفَ المسجدُ، فبصُرَتْ عينايَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعلي جبهتهِ

ــ

الحديث الثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((التمسوها)) الضمير المنصوب مبهم، يفسره قوله:{ليلة القدر} كقوله تعالي: {فسواهن سبع سموات} وليس في نسخ المصابيح هذا الضمير. وقوله: ((في تاسعة تبقى)) إلي آخره بدل من قوله: ((في العشر الأواخر)) و ((تبقى)) صفة لما قبله من العدد.

الحديث الرابع عن أبي سعيد: قوله: ((قبة تركية)) ((مح)): أي قبة صغيرة من لبود. قوله: ((إنى أعتكف العشر الأول)) والظاهر أن يقال: اعتكف، وهو علي حكاية الحال الماضية تصويرًا لها، وأنه صلى الله عليه وسلم ما قصر في تحريها والتماسها، وإنما أمر بالاعتكاف لمن كان معه في العشر الأول والأوسط، لئلا يضيع سعيهم في الاعتكاف، والتحرى، والأمر بالاعتكاف للدوام والثبات فيه. [((نه))]: في بعض النسخ لمسلم ((فليثبت)) من الثبوت، وفي بعضها ((فليلبث)) من اللبث، وفي أكثرها ((فليبت في معتكفه)) من المبيت وكله صحيح.

قوله: [((نه))]((العريش)) والعرش كل ما يستظل به، ((وكف المسجد)) أي قطر ماء المطر، من سقفه. قوله:((فبصرت عينأي)) هو مثل قولك: أخذت بيدى، ونظرة بعينى. وإنما يقال في أمر يعز الوصول إليه إظهارًا للتعجب من حصول تلك الحالة الغريبة. ومن ثم أوقع ((رسول الله)) مفعولاً، ((وعلي جبهته)) حالاً منه، وكان من الظاهر أن يقال: رأيت علي جبهة رسول الله

ص: 1622

أثرُ الماءِ والطينِ من صبيحةِ إحدى وعشرين. متفق عليه في المعنى. واللَّفظُ لمسلم إلي قوله: ((فقيل لي: إنها في العشر الأواخر)) والباقي للبخاري.

2087 -

وفي رواية عبد الله بن إنيس قال: ((ليلة ثلاث وعشرين)) رواه مسلم.

2088 -

وعن زرِّ بنِ حُبَيْشٍ قال: سألتُ أُبيَّ بن كعبٍ فقلت: إنَّ أخاكَ ابن مسعود يقول: من يَقُم الحولَ يُصِبْ ليلة القدر. فقال: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناسُ أما إِنَّه قد عَلِمَ أنها في رمضانَ، وأنها في العشرِ الأواخر، وأنها ليلةُ سبعٍ

ــ

صلى الله عليه وسلم أثر الماء والطين. فإن قلت: لم خولف بين الأوصاف، فوصف العشر الأول والأوسط بالمفرد، والآخر بالجمع؟ قلت:((تصور في كل ليل من الليالي العشر الأخير كليلة القدر فجمعه، ولا كذلك في العشرين،. ((مح)): ((ثم اعتكف في العشر الأوسط)) كذا في جميع نسخ مسلم، والمشهور في الاستعمال تإنيث العشر، وتذكيره أيضًا لغة صحيحة باعتبار الأيام، أو باعتبار الوقت والزمان، ويكفي في صحتها ثبوت استعمالها في هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم.

((حس)): وفيه دليل علي وجوب السجود علي الجبهة، ولولا ذلك لصانها عن الطين. وفيه أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قد يكون تأويله أن يرى مثله في اليقظة. ((مح)): قال البخاري: كان الحميدى يحتج بهذا الحديث علي أن السنة للمصلي أن لايمسح جبهته في الصلاة، وكذا قال العلماء: هذا محمول علي أنه كان شيئًا يسيرًا لايمنع مباشرة بشرة الجبهة للأرض، فإنه لو كان كثيرًا لم تصح صلاته.

قوله: ((في حديث عبد الله بن إنيس)) ولو قال: في روايته لكان أولي؛ لأنه ليس بحديث آخر، بل رواية أخرى فيه، والاختلاف في زيادة ليلة واختلاف العدد بأنة ثلاث وعشرون، أو إحدى وعشرون.

الحديث الخامس عن زر بن حبيش: قوله: ((سألت أبي بن كعب فقلت)) أي أردت أن أسأله فقلت، كقوله تعالي:{إذا قرأت القرآن فاستعذ} قوله: ((ثم حلف لا يستثنى)) قيل: هو قول الرجل ((إن شاء الله)) يقال: حلف فلان يمينًا ليس فيها ثنا، ولاثنى ولا ثنية، ولا استثناء، كلها واحد، وأصلها من الثنى، وهو الكف والرد، وذلك أن الحالف إذا قال: والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله غيره، فقد رد انعقاد ذلك اليمين.

فإن قلت: فقد جزم أبي علي اختصاصها بليلة مخصوصة، وحمل كلام ابن مسعود علي العموم مع إرادة الخصوص، فهل هو إخبار عن الشيء علي خلاف ما هو به، فإن بين العموم

ص: 1623

وعشرين، ثمَّ حلفَ لايستثنى أنها ليلةُ سبعٍ وعشرينَ. فَقُلْتُ: بأيّ شيءٍ تقولُ ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامةِ - أو بالآيةِ - التي أخبرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنهاَ تطْلُعُ يومئذٍ لاشُعاع لها. رواه مسلم.

2089 -

وعن عائشة، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ مالا يجتهد في غيره. رواه مسلم.

2090 -

وعنها، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ العشرُ شدَّ مئزَرَهُ، وأحيا ليله، وأيقظ أهله. متفق عليه.

ــ

والخصوص تنافيًا؟ قلت: لا، إذا ذهب إلي التعريض، كما قال إبرا هيم عليه السلام في سارة ((أختى)) تعريضًا بأنها أخته في الدين.

قوله: ((لا شعاع لها)) ((مح)): الشعاع هو ما ترى من ضوء الشمس عند ذرورها مثل الحبال والقضبان، مقبلة إليك إذا نظرت إليها. قيل: معنى ((لا شعاع لها)) أن الملائكة لكثرة اختلافها في ليلتها، ونزولها إلي الأرض وصعودها، تستر بأجنحتها، وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس.

الحديث السادس والسابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((شد مئزره)) ((مح)): قيل: معنى شد المئزر الاجتهاد في العبادات زيادة علي عادته صلى الله عليه وسلم في غيره، ومعناه التشمر في العبادة، يقال: شددت في هذا الأمر مئزرى، أي تشمرت له وتفرغت. وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وترك النكاح، ودواعيه، وأسبابه. ((نه)): أو هو كناية عن التشمر للعبادة، والاعتزال عن النساء معًا.

أقول: قد تقرر عند علماء البيان أن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة، كما إذا قلت: فلان طويل النجاد، وأردت طول نجاده مع طول قامته، لذلك صلى الله عليه وسلم لا يستبعد أن يكون قد شد مئزره ظاهرًا، وتفرغ للعبادة، واشتغل بها عن غيرها، وإليه يرمز قول الشاعر:

دببت للمجد والساعون قد بلغوا جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا

قوله: ((أحى ليلته)) [((نه))]: أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وأما قول أصحابنا: يكره قيام الليل كله، فمعناه الدوام عليه، ولم يقولوا بكراهة ليلة، أو ليلتين، والعشر. واتفقوا علي استحباب إحياء ليلتى العيد وغير ذلك.

وأقول: وفي إحياء الليل وجهان: أحدهما راجع إلي نفس العابد، فإن العابد إذا اشتغل بالعبادة عن النوم الذي هو بمنزلة الموت، فكأنما أحى نفسه، كما قال الله تعالي: {الله يتوفي

ص: 1624

الفصل الثاني

2091 -

عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمتُ أي ليلة القدر، ما أقولُ فيها. قال:((قولي: اللهمَّ إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عنى)) رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذى وصححه. [2091]

2092 -

وعن أبي بكرةَ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((التمسوها _ يعنى ليلة القدر - في تسع يَبْقَيْنَ، أو في سبع يَبْقَيْنَ، أو في خمس يَبْقَيْنَ، أو ثلاثٍ، أو آخر ليلة)) رواه الترمذى. [2092]

2093 -

وعن ابن عمر، قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال:((هي في كل رمضانَ)) رواه أبو داود وقال: رواه سفيان وشعبةُ، عن أبي إسحاق موقوفًا علي ابن عمر. [2093]

ــ

الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}، وثإنيهما: أنه راجع إلي نفس الليل، فإن ليلة لما صار بمنزلة نهاره في القيام فيه، كأنه أحياه، وزينه بالطاعة والعبادة، ومنه قوله تعالي:{فانظر إلي آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها} فمن اجتهد فيه، وأحياه كله وفر نصيبه منها، ومن قام في بعضه أخذ نصيبه بقدر ما قام فيها، وإليه لمح سعيد بن المسيب بقوله:((من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها)).

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((أي ليلة)) مبتدأ و ((ليلة القدر)) خبره، والجملة سدت مسد المفعولين لـ ((علمت)) تعليقًا: و ((ما أقول فيها)) جواب الشرط، وكان الواجب أن يأتى بالفاء للاستفهام، ولعله سقط من الناسخ. وفيه دليل علي أن طلب العفو رأس كل خير، وفتح باب كل فلاح ونجاة؛ لأنه يستعد به للزلفي إلي الجناب الأقدس.

الحديث الثانى عن أبي بكرة: قوله: ((أواخر ليلة)) يحتمل التسع، أو السلخ، رجحنا الأول بقرينة الأوتار.

الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((هي في كل رمضان)) يحتمل وجهين، أحدهما: أنها واقعة في كل رمضان من الأعوام، فيختص به، فلا يتعدَّى إلي سائر الشهور.

ص: 1625

2094 -

وعن عبد الله بن إنيس، قال: قلت: يا رسول الله إنَّ لي باديةً أكونُ فيها، وأنا أُصلي فيها بحمدِ اللهِ، فمرنى بليلةٍ أنزلها إلي هذا المسجد. فقال:((انزلْ ليلة ثلاثٍ وعشرين)). قيل لابنه: كيف كان أبوك يصنعُ؟ قال: كان يدخلُ المسجدَ إذا صلي العصرَ، فلا يخرجُ منهُ لحاجةٍ حتى يُصلي الصبحَ، فإذا صلي الصبحَ وجدَ دابَّته علي باب المسجدِ، فجلسَ عليها ولحقَ بباديته. رواه أبو داود. [2094]

الفصل الثالث

2095 -

عن عُبادةَ بنِ الصُّامِتِ، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليُخبرنا بليلةِ القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال:((خرجتُ لأخبرَكم بليلة القدر، فتلاحى فلانٌ وفلانٌ فرُفِعَتْ، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعةِ، والسابعةِ والخامسةِ)) رواه البخاري.

ــ

وتإنيهما: أنها واقعة في كل أيام رمضان، فلا يختص بالبعض الذي هو العشر الآخر؛ لأن البعض في مقابلة الكل، فلا ينافي وقوعها في سائر الشهور، اللهم إلا أن يختص بدليل خارجي. ويتفرع علي الوجه الثانى ما إذا علق الطلاق بدخول ليلة القدر في الليلة الثانية من شهر رمضان فما دونها، إلي السلخ، فلا يقع الطلاق إلا في السنة القابلة في ذلك الوقت الذي علق الطلاق فيه، بخلاف غرة الليلة الأولي، فإن الطلاق يقع في السلخ.

الحديث الرابع عن عبد الله بن إنيس: قوله: ((أنزلها إلي هذا المسجد)) أي أنزل فيها قاصدًا إلي هذا المسجد، أو منتهيًا إليه. قوله:((فلا يخرج منه لحاجة)) كذا في سنن أبي داود، وجامع الأصول. وفي شرح السنة والمصابيح ((فلم يخرج إلا في حاجة)) والتفكير في ((حاجة)) للتنويع، فعلي الأول معناه لا يخرج لحاجة منافية للاعتكاف، كما سيجىء في باب الاعتكاف في حديث عائشة رضي الله عنها. وعلي الثانى: فلا يخرج الا في حاجة يضطر إليها المعتكف.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عبادة: قوله: ((فتلاحى رجلان)) ((نه)): نهيت عن ملاحاة الرجال، أي مقاولتهم ومخاصمتهم، ولاحيته ملاحاةً إذا نازعته. قوله:((فرفعت)) قيل: رفعت معرفة ليلة القدر لتلاحى الناس.

أقول: لعل مقدر المضاف ذهب إلي أن رفع ليلة القدر مسبوق بوقوعها، وحصولها، فإذا حصلت لم يكن لرفعها معنى. ويمكن أن يقال: إن المراد برفعها أنها شرعت أن تقع، فلما

ص: 1626