الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
2107 -
عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه كان إذا اعتكفَ طُرح له فِراشُه، أو يوضعُ لو سريرهُ وراء أسطوانةِ التوبة. رواه ابن ماجه. [2107]
2108 -
وعن ابن عباسٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف: ((هوَ يعتكفُ الذنوب ويُجرى له منَ الحسنات كعاملِ الحسناتِ كُلِّها)) رواه ابنُ ماجه. [2108]
كتاب فضائل القرآن
الفصل الأول
2109 -
عن عثمان [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من
ــ
بالجامع، وذهب أكثر أهل العلم إلي جوار الاعتكاف في جميع المساجد، قال الله تعالي:{وأنتم عاكفون في المساجد} ولم يفصل. وبه قال الشافعى، وأبو حنيفة، وأصحابه رضي الله عنهم. وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال:((لا يجوز إلا في المسجد الجامع))، قال مالك، والشافعي: إذا كان اعتكافه أكثر من ستة أيام يجب أن يعتكف في المسجد الجامع؛ لأنه إذا اعتكف في غيره يجب عليه الخروج لصلاة الجمعة، وفيه قطع لاعتكافه، فإن كان أقل من ذلك، أو كان المعتكف ممن لا جمعة عليه، اعتكف في أي مسجد شاء.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أسطوانة التوبة)) لعل إضافتها إليها: أن بعضًا من الصحابة تيب عليه عندها.
الحديث الثانى عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((في المعتكف)) أي في حقه. و ((الذنوب)) نصب علي نزع الخافض، أي يحتبس عن الذنوب، والتعريف في الحسنات للعهد أي الحسنات التي يمتنع عنها بالاعتكاف، كعيادة المريض، وتشييع الجنازة، والصلاة عليها، وزيارة الإخوان، وغيرهما.
كتاب فضائل القرآن
الفضائل جمع فضيلة، وهي ما يزيد به الرجل علي غيره، وأكثر ما يستعمل في الخصائل المحمودة، كما أن الفضول أكثر استعماله في المذموم.
الفصل الأول
الحديث الأول عن عثمان رضي الله عنه: قوله: ((خيركم من تعلم القرآن)) ((مظ)): يعنى إذا
تعلَّم القرآنَ وعلَّمه)) رواه البخاري.
2110 -
وعن عُقبةَ بن عامرٍ، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ في الصُّفَّة، فقال:((أيُّكم يُحبُّ أن يغدُوَ كلَّ يومٍ إلي بُطحانَ أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوينِ في غير إثمٍ ولا قطعِ رحمٍ؟)) فقلنا: يا رسول الله! كلُّنا يُحب ذلك. فقال: ((أفلا يغدو أحدُكم إلي المسجدِ فيُعلِّم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خسرٌ له من ناقةِ أو ناقتينِ، وثلاثٌ خسرٌ له من ثلاثٍ، وأربعٌ خيرٌ له من أربعٍ، ومن أعدادهنَّ من الإبل)) رواه مسلم.
2111 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيُحب أحدُكم إذا رجع إلي أهله أنْ يجدَ فيه ثلاث خلفاتٍ عظامٍ سمانِ؟)) قُلنا: نعم. قال: ((فثلاث آيات يقرأُ بهنَّ أحدُكم في صلاتِه خيرٌ له من ثلاثِ خلفاتٍ عظامٍ سمانٍ)) رواه مسلم.
ــ
كان خير الكلام كلام الله، فكذلك خير الناس بعد النبيين من يتعلم القرآن، ويعلمه. وأقول: لابد من تقييد التعلم والتعليم بالإخلاص، ومن أخلصهما وتخلق بهما، دخل في زمرة النبيين، والصديقين، وكان مفضلاً علي غيره ممن لم يتخلق به.
الحديث الثانى عن عقبة: قوله: ((بطحان)) - بضم الباء وسكون الطاء - اسم واد بالمدينة، سمى بذلك لسعته وانبساطه، من البطح، وهو البسط. و ((العقيق)) يريد به العتيق الأصغر، وهو واد علي ثلاثة أميال، وقيل: علي ميلين من المدينة، عليه أموال أهلها. وإنما خصَّهما بالذكر؛ لأنهما أقرب المواضع التي يقام فيها أسواق الإبل إلي المدينة. و ((الكوماء)) الناقة العظيمة السنام المشرفة. وإنما ضرب المثل بها؛ لأنها من خيار مال العرب.
قوله: ((في غير إثم)) أي في غير ما يوجب إثمًا، كسرقة، وغصب. سمى موجب الإثم إثمًا مجازًا. قوله:((فيعلم)) صحح في جامع الأصول - بفتح الياء وسكون العين - أي فيعلم آيتين أو يقرأ، فـ ((أو)) لشك الراوى. قوله:((خير له)) خير له مبتدأ خبر محذوف، أي هما خير له.
قوله: ((ومن أعدادهن من الإبل)) ((قض)): متعلق بمحذوف تقديره: وأكثر من أربع آيات خير من أعدادهن من الإبل، فخمس آيات خير من خمس من الإبل، وكذلك الست والسبع إلي ما فوق من الأعداد. ((شف)): ويحتمل أن يكون المعنى الآيتان خير من ناقتين، ومن أعداد النوق من الإبل، أي الآيات تفضل علي مثل عددها من النوق، ومثل عددها من الإبل.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ثلاث خلفات)) ((مح)): الخلفات - بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام - الحوامل من الإبل إلي أن يمضى عليها نصف أمدها، ثم هي عشار. والواحدة خلفة. أقول:((الفاء)) في ((فثلاث آيات)) جزاء شرط محذوف، فالمعنى: إذا
2112 -
وعن عائشةَ، قالتْ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الماهرُ بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأُ القرآن ويتَتَعْمَعُ فيه، وهوَ عليه شاقٌ، له أجراْن)) متفق عليه.
2113 -
وعن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لاحَسَدَ إلَاّ علي اثنين: رجُلٍ آتاهُ الله القرآن، فهو يقومُ به آناء الليل وآناءَ النَّهار؛ ورجلٍ آتاهُ الله مالاً، فهو ينفقُ منه آناء الليل وآناءَ النهار)) متفق عليه.
2114 -
وعن أبي موسى الأشعريِّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنِ الذي يقرأ القرآن مثل الأترجَّةِ، ريحُها طيبٌ، وطعمُها طيبٌ؛ ومثلُ المؤمنِ الذي لا
ــ
تقرر ما زعمتم أنكم تحبون ما ذكرت لكم، فقد صح أن تفضلوا عليها ما أذكره لكم من قراءة ثلاث آيات؛ لأن هذا من الباقيات الصالحات، وتلك من الزائلات الفإنيات.
فإن قلت: كان من حق الظاهر أن يعرف ((خلفات)) وصفتيها؛ ليعود إلي تلك المذكورات؟ قلت: لا يستبعد أن يخالف بين التنكيرين، فإن التنكير في الأولي للشيوع وبيان الأجناس، وفي الثانى للتفخيم والتعظيم. ولو ذهب إلي التعريف لم يحسن حسنه.
الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((الماهر بالقرآن)) ((مح)): الماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف في القراءة ولا تشق عليه لجودة حفظه، وإتقانه. و ((السفرة)) جمع سافر، ككاتب وكتبة، وهم الرسل؛ لأنهم يسفرون إلي الناس برسالات الله. وقيل: السفرة الكتبة. و ((البررة)) المطيعون من البر، وهو الطاعة.
قال القاضى عياض: يحتمل أن يكون مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله. ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم، وسالك مسلكهم من كون أنهم يحفظونه، ويؤدونه إلي المؤمنين، ويكشفون لهم ما يلتبس عليهم. وأما الذي يتتعتع فيه، أي يتردد في قراءته، ويتلبد فيها لسانه لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة، وأجر بالتعب. قال: وليس معناه أن من يتتعتع به أجره أكثر من أجر الماهر. فكيف بذاك، وهو مع السفرة الكرام البررة، أم كيف يلتحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالي وحفظه، وإتقانه، وكثرة تلاوته، ودراسته، كاعتنائه حتى مهر فيه.
الحديث الخامس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((لا حسد إلا علي اثنين)) قد مضى شرحه مستقصى في الفصل الأول من باب العلم في حديث ابن مسعود. ((مح)): ((آناء الليل)) ساعاتها، واحدها آنا، وأنا، وآنى، وآنو، أربع لغات.
الحديث السادس عن أبي موسى: قوله: ((مثل الأترجة)) ((مظ)): فالمؤمن الذي يقرأ القرآن
يقرأُ القرآن مثلُ التمرة، لا ريحَ لها وطعمها حلوٌ؛ ومثلُ المنافق الذي لا يقرأُ القرآنَ كمثلِ الحنظلة، ليس لها ريحٌ وطعمُها مُرٌ ومثلُ المنافقِ الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيْحانةِ، ريحُها طيبٌ وطعمُها مُرٌّ)) متفق عليه. وفي رواية:((المؤمنُ الذي يقرأ القرآنَ ويعملُ به كالأترُجَّةِ، والمؤمنُ الذي لا يقرأ القرآنَ ويعمَلُ به كالتَّمرةِ)).
ــ
هكذا من حيث الإيمان في قلبه ثابت طيب الباطن، ومن حيث إنه يقرأ القرآن، ويستريحُ الناس بصوته، ويثابون بالاستماع إليه، ويتعلمون منه مثل الأترجة يستريح الناس برائحتها.
((تو)): الأترجة أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان، وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها، والخواص الموجودة فيها، فمن ذلك: كبر جرمها، وحسن منظرها، وطيب مطعمها، ولين ملمسها، تأخذ الأبصار صبغة ولونًا، فاقع لونها تسر الناظرين، تشوق إليها النفس قبل التناول، يفيد أكلها بعد الالتذاذ بذوائقها، طيب نكهة، ودباغ معدة، وقوة هضم، اشتركت الحواس الأربع دون الاحتظاء بها: البصر، والذوق، والشم، واللمس. ثم إنها في أجزائها تنقسم علي طبائع، فقشرها حار يابس، ولحمها حار رطب، وحماضها بارد يابس، وبذرها حار مجفف. وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية، وأية ثمرة تبلغ هذا المبلغ في كمال الخلقة، وشمول المنفعة؟ ثم إنه صلى الله عليه وسلم ضرب المثل بما ينبته الأرض، ويخرجه الشجر، للمشابهة التي بينها وبين الأعمال، فإنها من ثمرات النفوس، فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن، وما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق، تنبيهًا علي علو شأن المؤمن، وارتفاع عمله، ودوام ذلك، وتوقيفًا علي ضعة شأن المنافق، وإحباط عمله، وقلة جدواه.
وأقول - والله الموفق للصواب -: اعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل علي معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد. ثم إن كلام الله المجيد له تأثيره، في باطن العبد وظاهره، وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير، وهو المؤمن القارىء. ومنهم من لا نصيب له البتة، وهو المنافق الحقيقى. ومن تأثر ظاهره دون باطنه، وهو المرائى. أو بالعكس، وهو المؤمن الذي لم يقرأه. وإبراز هذه المعانى وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث. ولم يجد ما يوافقها ويلائمها، أقرب ولا أحسن، ولا أجمع من ذلك؛ لأن المشبهات والمشبه بها واردة علي التقسيم الحاصر؛ لأن الناس إما مؤمن، أو غير مؤمن. والثانى: إما منافق صرف، أو ملحق به. والأول إما مواظب علي القراءة، أو غير مواظب
2115 -
وعن عمر بن الخطاب، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضعُ به آخرين)) رواه مسلم.
2116 -
وعن أبي سعيد الخُدري، أنَّ أسيْدَ بن حُضّيرٍ، قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسُه مربوطة عنده، إذ جالت الفرَس، فسكت فسكنت: فقرأ فجالتْ، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالتِ الفرسُ، فانصرفَ، وكان ابنُه يحيى قريبًا
ــ
عليها. فعلي هذا قس الأثمار المشبه بها. ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين: طعم وريح، وليس بمفرق، كما في قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا لدى وكرها العناب والحشف البالي
ثم إن إثبات القراءة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((يقرأ القرآن)) علي صيغة المضارع، ونفيه في قوله:((لا يقرأ)) ليس المراد منها حصولها مرة ونفيها بالكلية، بل المراد منها الاستمرار والدوام عليها، فإن القراءة دأبه وعادته، أو ليس ذلك من هجيراه، كقولك: فلان يقرى الضيف ويحمى الحريم. والله أعلم.
الحديث السابع عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا)) أي من قرأه، وعمل بمقتضاه مخلصًا، لقوله تعالي:{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} ومن قرأه مرائيًا يضعه أسفل السافلين، لقوله تعالي:{والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} .
الحديث الثامن عن أبي سعيد: قوله: ((جالت الفرس)) ((نه)): جال يجول جولة إذا دار. قوله: ((اقرأ يا ابن حضير)) ((مح)): ((اقرأ)) معناه كان ينبغى أن تستمر علي القراءة، وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة، وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائها.
أقول: يريد أن ((اقرأ)) لفظة أمر طلب للقراءة في الحال، ومعناه تخصيص وطلب للاستزادة في الزمان الماضي، هذا كما إذا حكى صاحبك عندك ما جرى في الزمان الماضى مما يجب أن يفعله، أي هلا زدت، كأنه صلى الله عليه وسلم استحضر تلك الحالة العجيبة الشأن، فيأمره تحريضًا عليه. وكأن هذا من توارد الخواطر ووقوع الحافر علي الحافر، والدليل علي أن المراد من الأمر الاستزادة وطلب دوام القراءة، والنهي عن قطعها، قوله في الجواب:((أشفقت يا رسول الله)) أي خفت إن دمت عليها أن يطأ الفرس ولدى يحيى.
منها، فأشْفقَ أن تُصيبَه، ولما أخرَّه رفعَ رأسه إلي السماء، فإذا مثلُ الظُّلة، فيها أمثالُ المصابيحِ، فلمَّا أصبحَ حدَّث النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:((اقرأ يابن حُضيرٍ! اقرأ يابن حُضَيرٍ!)) قال: فأشفقتُ يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكانَ منها قريبًا، فانصرفت إليهِ، ورفعت رأسي إلي السَّماء، فإذا مثل الظُّلةِ، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أَراها. قال:((وتدري ما ذاكَ؟)) قال: لا. قال: ((تلكَ الملائكةُ دَنَتْ لصوتِكَ، ولو قرأت لأصبحت ينظرُ الناس إليها لا تتوارى منهم)) متفق عليه، واللفظ للبخاريِّ، وفي مسلم: عرَجَتْ في الجوِّ، بدل: فخرجتُ علي صيغة المتكلم.
2117 -
وعن البراء، قال: كان رجلٌ يقرأُ سورة الكهف، وإلي جانِبِه حصانٌ مربوطٌ بشطنين، فتغشَّتهُ سحَابةٌ، فجَعَلتْ تدنو وتدنو، وجعلَ فرسُهُ ينفِر، فلما أصبحَ أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال:((تلكَ السكينةُ تنزلت بالقرآنِ)) متفق عليه.
2118 -
وعن أبي سعيد بن المعَلي، قال: كنتُ أُصلي في المسجد فدعإني النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم أُجبهُ [حتى صليتُ] ثم أتيته فقلتُ: يا رسول الله! إنى كنتُ أُصلي. قال: ((ألم يقل اللهُ: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} ثم قال: ((ألا أعلمُكَ أعظمَ سورةٍ في القرآن قبل أن تخرُجَ من المسجد؟)) فأخذ بيدي، فلما أردْنا أن نخرُجَ قلتُ: يا رسول الله! قلتَ لأعَلِّمنَّكَ أعظمَ سورةٍ من القرآن قال: {الحمد لله ربِّ
ــ
الحديث التاسع عن البراء: قوله: ((حصان مربوط بشطنين)) ((تو)): الحصان - بكسر الحاء - الكريم من فحولة الخيل، يقال فرس حصان بين التحصين والتحصن، وسمى به؛ لأنه ضن بمائه فلم ينز إلا علي كريمة، ثم كثر ذلك حتى سموا كل ذكر من الخيل حصانًا. والشطن - بفتح الطاء - الحبل. وقيل: هو الحبل الطويل، وإنما ذكر الربط بشطنين، تنبيهًا علي جموحه واستصعابه.
قوله: ((تلك السكينة)) في الغريبين: هي السكون والطمإنينة. قال بعضهم: هي الرحمة، وقيل: الوقار، وما يسكن به الإنسان. وقوله:((بالقرآن)) أي بسببه، ولأجله. ((تو)): وإظهار أمثال هذه الآيات علي العباد من باب التأييد الإلهي يؤيد بها المؤمن، فيزداد يقينًا ويطمئن قلبه إذا كوشف بها.
الحديث العاشر عن أبي سعيد بن المعلي: قوله: ((أعظم سورة)) ((تو)): السورة كل منزلة من
العالمين} هي السبعُ المثانى، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه)) رواه البخاري.
ــ
البناء، ومنها سورة القرآن؛ لأنها منزلة بعد المنزلة مقطوعة عن الأخرى، أو لأنها من سور المدينة تشبيهًا بها؛ لكونها محيطة بها إحاطة السور بالمدينة، وإنما قال:((أعظم سورة)) اعتبارًا بعظم قدرها، وتفردها بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها من السور، ولاشتمالها علي فوائد ومعان كثيرة مع وجارة ألفاظها. ولذلك سميت أم القرآن لاشتمالها علي المعانى التي في القرآن من الثناء علي الله بما هو أهله، من التعبد بالأمر، والنهي، والوعد، والوعيد.
وقد اختلفوا في تفسير ((المثانى))، فمن قائل: إنه من التثنية، ومن قائل: إنه من المثنا جمع مثناة، أو مثنية صفة للآية، فعلي الأول معناها أنها تثنى علي مرور الأوقات أي تكرر، فلا تنقطع، وتدرس فلا تندرس، وقيل: لما يثنى ويتجدد من فوائد حالاً فحالاً، ولا يبعد أن يحمل علي هذا قوله صلى الله عليه وسلم:((وما من آية إلا ولها ظهر وبطن)) وعلي الثانى أنها لاشتمالها علي ما هو ثناء علي الله تعالي، فكأنها تثنى علي الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلي، أو لأنها أبدًا تدعو بوصفها المعجز إلي غرابة المنظم، وغرارة المعنى إلي الثناء عليها، ثم علي من يتعلمها، ويعمل بها. فإن قيل: في الحديث ((السبع المثانى)) وفي الكتاب ((سبعًا من المثانى)). قلنا: لا اختلاف في الصيغتين إذا جعلنا ((من)) للبيان.
فإن قيل: كيف صح عطف ((القرآن)) علي ((السبع المثانى))، وعطف الشيء علي نفسه مما لا يجوز؟ قلنا: ليس بذلك، وإنما هو من باب ذكر الشىء بوصفين: أحدهما معطوف علي الآخر، والتقدير: آتيناك ما يقال له: السبع المثانى والقرآن العظيم، أي الجامع لهذين النعتين، والسبع بيان لعدد آياتها. وأقول: لا يبعد أن يكون التعريف في السبع للعهد، والمشار إليه ما في القرآن، كقوله تعالي:{أرسلنا إلي فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول} وتنكير ((سبعًا)) في التنزيل للتعظيم والتفخيم، ويشهد له ما يتبعه من قوله:{لا تمدن عينيك إلي ما منَّعْنا به أزواجًا منهم} أي ولقد آتيناك هذا العظيم الشأن الذي لا يوازيه شىء، فلا تطمح عينك إلي هذا الدنىء الحقير. وأما عطف ((القرآن)) علي ((السبع المثانى)) المراد منه الفاتحة، فمن باب عطف العام علي الخاص، تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات، وإليه أومأ صلى الله عليه وسلم بقوله:((ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن)) حيت نكر السورة، وأفردها؛ ليدل علي أنك إذا تقصيت سورة سورة في القرآن، وجدتها أعظم منها. ونظيره في النسق ((لكن)) من عطف الخاص علي العام قوله تعالي:{من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} .
قوله: ((قال: الحمد لله)) ((قض)): هو خبر مبتدأ محذوف، أي هي السورة التي مستهلها
2119 -
وعن أبي هريرة، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إنَّ الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة)) رواه مسلم.
2120 -
وعن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران،
ــ
((الحمد لله)). ((تو)): الحمد أعلي مقامات العبودية. وإلي هذا المعني أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: ((بيدي لواء الحمد يوم القيامة)) وإنما يؤتى لواء محمد، لأنه أحمد الحامدين، ولا منزلة فوق ذلك. ومنه اشتق اسمه، وبه فتح كتابه، وبه ختم حاله، ووصف به مقامه، وهو المقام الذي لا يقومه أحد غيره. ((حس)): وفي الحديث دليل علي أن إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة* لا تبطلها، كما أنك تخاطبه بقولك:((السلام عليك أيها النبي))، ومثله يبطل الصلاة مع غيره.
الحديث الحادى عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر))
((قض)): أي كالمقابر خالية عن الذكر، والطاعة. واجعلوا لها نصيباً من القراءة والصلاة. فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه البقرة، أي يئس من إغواء أهله وتسويلهم، لما يرى من جدهم في الدين، ورسخوهم في الإسلام. قال صلى الله عليه وسلم:((من قرأ البقرة وآل عمران جد فينا)) وذلك لما في حفظهما والمواظبة علي تلاوتهما من الكلفة والمشقة، واشتمالهما علي الحكم، وبيان الشرائع، والقصص، والمواعظ، والوقائع الغربية، والمعجزات العجيبة، وذكر خالصة أوليائه والمصطفين من عباده، وتفضيح الشيطان ولعنه، وكشف ما توسل به إلي تسويل آدم وذريته.
أقول: قوله: ((إن الشيطان ينفر)) استئناف كالتعليل للنهي، كقوله تعالي:{ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} فلابد من بيان وجه المناسبة بين التعليل والمعلل.
وذلك أن معنى التشبيه، لا تكونوا كالموتى في القبور، عارين عن القراءة والذكر، غير منفرين للشيطان. ونحوه في النهي قوله تعالي:{ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} نهاهم عن أن تموتوا علي غير الإسلام، والمراد الأمر علي ثباتهم في الإسلام، حيث إذا أدركهم الموت كانوا مسلمين، فكذا ها هنا المراد أمرهم علي قراءة القرآن، والعمل به، والتحري في استنباط معإنيه، والكشف عن حقائقه بحيث يصير ذا جد وحظ وافر من ذلك مراغمة للشيطان. وقوله:((لا تجعلوا بيوتكم مقابر)) كناية تلويحية عن هذه المعإني. ((حس)): في الحديث دليل علي أنه يجوز أن يقال: سورة البقرة، وكرهه بعضهم. وقال: ينبغي أن يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة، وأمثالها.
فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)) رواه مسلم.
ــ
الحديث الثانى عشر عن أبي أمامة: قوله: ((اقرءوا الزهراوين)) الزهراء تإنيث الأزهر، وهو المضئ، ويقال للنيرين: الأزهران، مثل حراسة السورة إياه، وخلاصة بركتهما عن حر الموقف، وكرب يوم القيامة بإظلال أحد هذه الأشياء الثلاثة. والغمامة السحابة. والغيابة كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة وغيرها، ويقال: غيأي القوم فوق رأس فلان بالسيف، كأنهم أظلوه، كذا في الغريبين. والفرقان القطعتان، والفرق، والفريق، والفرقة القطعة. والصواف الباسطات أجنحتها متصلاً بعضها ببعض جمع صافة.
((حس)): (أو)) في الحديث للتنويع لا لشك الراوي، لاتساق الروايات كلها علي هذا الوجه. قالوا: الأول لمن يقرأهما، ولا يفهم معناهما. والثانى لمن وفق للجمع بين تلاوة اللفظ ورواية المعني. والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستعدين، وبيان حقائقها لهم، لا جرم تتمثل له يوم القيامة مساعيه طيوراً صواف، يحرسونه ويحاجون عنه- انتهي كلامه.
وإذا تحقق التفاوت في المشبهات يلزم التفاوت في المشبه بها، فالتظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة. فإن الأول عام في كل أحد، والثاني مختص بمثل الملوك، والثالث مختص بمن دعا بقوله:{رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} . ثم في هذا التشبيه من الغرابة أن شبههما أولاً بالنيرين في الإشراق وسطوع النور، وثإنياً بالغمامة والغياية، وبما ينبئ عما يخالف النور من الظل السواد كما في الحديث الذي يلي هذا الحديث ((أو ظلتان سوداوان)) فآذن بهما أن تينك المظلتين علي غير ما عليه المظلة المتعارفة في الدنيا، فإنها وإن كانت لدفع كرب الحر عن صاحبها ولتكرمته، ولكن لم تخل عن نوع كدورة وشائبة نصب وتلك- رزقنا الله منها- مبرأة عن ذلك، لكونهما كالنيرين في النور والإشراق، مسلوبتي الحرارة والكرب. وآذن بالتشبيه الثالث: أنهما مع كونهما مشرقتين مشبهتين بمظلة نبي الله، ثم بولغ فيه فزيد ((تحاجان)) لينبه به علي أن ذينك الفرقين من الطير علي غير ما عليه طير نبي الله، من كونهما حاميتين صاحبهما عما بسوؤه، شبههما أولاً بالنيرين لينبه علي أن مكانهما مما عداهما مكان القمرين بين سائر النجوم فيما ينشعب منهما لذوي الأبصار. ثم أوقع قوله:((البقرة وآل عمران)) بدلاً منهما مبالغة في الكشف والبيان، كما تقول: هل أدلك علي الأكرم الأفضل فلان، وهو أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلك علي فلان الأكرم
2121 -
وعن النواس بن سمعان، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به. تقدمه سورة البقرة وآل عمران، كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما)) رواه مسلم.
ــ
الأفضل، لأنك ثنيت ذكره مجملاً أولاً ومفصلاً ثإنياً، وأوقعت البقرة وآلا عمران تفسيراً وإيضاحاً لـ ((الزهراوين))، فجعلتهما علمين في الإشراق والإضاءة، ثم إن هذا البيان أخرج ((الزهراوين)) من الاستعارة إلي التشبيه، كقوله تعالي:{حتى يبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} وهو مع كونه تشبيهاً أبلغ من الاستعارة، لا دعاء أنه مفسر مبين للمبهم.
قوله: ((اقرءوا سورة البقرة)) تخصيص بعد تخصيص، عم أولاً بقوله:((اقرءوا القرآن)) وعلق به الشفاعة، وخص منه ثإنياً الزهراوان، ونيط بهما معني التخليص من كرب حر القيامة، والمحاجة عن أصحابهما. وأفراد ثالثاً ((البقرة)) وضم إليها المعإني الثلاث دلالة علي أن لكل منها خاصية لا يقف عليها إلا صاحب الشرع.
قوله: ((البطلة)) ((قض)): أي السحرة، عبر عن السحرة بالبطلة، لأن ما يأتونه باطل، سماهم باسم فعلهم. وإنما لم يقدروا علي حفظها ولم يستطيعوا قراءتهما، لزيغهم عن الحق وإتباعهم للوساوس، وانهماكهم في الباطل. وأقول: يحتمل أن يراد بـ ((البطلة)) المؤاخذون من سحرة البيان، حيث تحدي فيها بقوله:{فأتوا بسورة من مثله} فأفحموا وعجزوا. وهو من قوله: صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان سحراً)). وقيل: أرد بـ ((البطلة)) أصحاب البطلة، أي لا يستطيع قراءة ألفاظها، وتدبر معإنيها، والعمل بأوامرها ونواهيها، أصحاب البطالة والكسالة.
الحديث الثالث عشر عن النواس: قوله: ((يعملون به)) ((مظ)): هذا إعلام بأن من قرأ القرآن، ولم يعمل به، ولم يحرم حرامه، ولا يحلل حلاله، ولا يعتقد عظمته لم يكن القرآن شفيعاً له يوم القيامة. قوله:((يقدمه)) الضمير راجع إلي ((القرآن)). قيل: يقدم ثواب القرآن ثوابهما.
وقيل: يصور القرآن صورة بحيث يجئ يوم القيامة ويراه الناس كما يجعل الله لأعمال العباد خيرها وشرها صورة ووزناً يوضع في الميزان، فليقبل المؤمن هذا وأمثاله، ويعتقده بإيمانه، لأنه ليس للعقل إلي مثل هذا سبيل، وفي تقدم هاتين السورتين علي القرآن دليل علي أنهما أعظم من غيرهما، لأهما أطول، والأحكام فيهما أكثر.
قوله: ((بينهما شرق)) ((نه)): أي ضوء، وهو الشمس، والشق أيضاً. وفي الفائق: هو من
2122 -
وعن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله تعالي معك أعظم؟)) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله تعالي معك أعظم؟)) قلت: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم). قال: فضرب في صدري وقال: ((ليهنك العلم يا أبا المنذر)) رواه مسلم.
ــ
قولهم: شاة شرفاء، أي بينهما فرجة وفصل، لتمييزهما بالتسمية ((تو)): إنما وصفهما بالسواد، لكثافتهما وارتكام البعض منهما علي بعض، وذلك أجدي ما يكون من الظلال في الأمر المطلوب عنهما، ثم بين صلى الله عليه وسلم بقوله:((بينهما شرق)) إنهما مع ارتكامهما وكثافتهما لا يستران الضوء، ولا يمحوانه. فعلي هذا الأشبه أن لا يراد بالشرق الشق، ولأنه استغني بقوله:((ظلتان)) عن بيان البينونة. ((مح)): شرق- بفتح الراء وإسكانها- عن الأكثرين، والأشهر في الرواية واللغة والإسكان.
الحديث الرابع عشر عن أبي بن كعب: قوله: ((أتدري أي آية)) ((تو)) اسم معرب يستفهم به، وهو لازم الإضافة. وذلك أن تلحق به تاء التإنيث في إضافته إلي المؤنث، ولك أن تتركها. وقوله:((معك)) وقع موقع البيان لما كان يحفظه من كتاب الله، لأن ((مع)) كلمة تدل علي المصاحبة. وأما جوابه أولاً بقوله:((الله ورسوله أعلم))، وثإنياً بما أتي به، فهو أن سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصحابي في باب العلم إما أن يكون للحث علي الاستماع لما يريد أن يلقي عليه، أو الكشف عن مقدار فهمه، ومبلغ علمه. فلما راعي الأدب بقوله:((الله ورسوله أعلم)) ورآه لا يكتفي بذلك وأعاد السؤال، علم أنه يريد بذلك استخراج ما عنده من مكنون العلم، فأجاب عنه.
أقول: يمكن أن يقال: إنه ما علم أولاً، وأحال علمه إلي الله وإلي رسوله، فشرح الله صدره بقذف النور وأعلمه، فأجاب بما أجاب، ألا تري كيف هناه صلى الله عليه وسلم بقوله:((ليهنك)).
((قض)): إنما كان آية الكرسي أعظم آية، لأنها مشتملة علي أمهات المسائل الإلهية، فإنها دالة علي أنه تعالي واحد في الإلهية، متصف بالحياة، قائم بنفسه، مقوم لغيره، منزه عن التحيز والحلول، مبرأ عن التغير والفتور، لا يناسب الأشباح، ولا يعتريه ما يعترى الأرواح، مالك الملك والملكوت، مبدع الأصول والفروع، ذو البطش الشديد الذي لا يشفع عنده إلا من أذن له، العالم وحده بالأشياء كلها جليها وخفيها، كليها وجزئيها، واسع الملك والقدرة، ولا يئوده شاق، ولا يشغله شأن، متعال عما يدركه وهم، عظيم لا يحيط به فهم. ذكره في تفسيره. ومن أراد المزيد عليه فعليه بفتوح الغيب.
2123 -
وعن أبي هريرة، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتإني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعلي عيالٌ، ولي حاجةٌ شديدةٌ، قال: فخليت عنه فأصبحت،
ــ
قوله: ((ليهنك العلم)) ((نه)): يقال: هنإني الطعام يهنؤني، وهنأت الطعام، أي تهنأت به، وهو كل أمر يأتيك من غير تعب، والمعني ليكن العلم هنيئاً لك. هذا دعاء له بتيسير العلم له، ورسوخه فيه، وإخبار بأنه عالم.
وأقول: ظاهرة أمر للعلم بأن يكون هنيئاً له، ومعناه الدعاء، وحقيقته إخبار علي سبيل الكناية بأنه راسخ في العلم ومجيد فيه، لأنه طبق المفصل، وأصاب المحز. وأما ضربه في صدره، فتنبيه علي انشراحه وامتلائه علماً وحكمة، وتعدية الضرب بـ ((في)) وهو متعد كقوله تعالي:{وأصلح لي في ذريتي} أي أوقع الصلاح فيهم، واجعلهم مكاناً للصلاح.
((مح)): فيه منقبة عظيمة لأبي، ودليل علي كثرة علمه، وفيه تبجيل للعالم، وتكرمة بالتكنية، وجواز مدح الإنسان في وجهه ّاذا كان فيه مصلحة، ولم يخف عليه الإعجاب ونحوه، لرسوخه في التقوى. وقال القاضي عياض: فيه حجة القول بجواز تفضيل بعض القرآن علي بعض خلافاً لمن منعه، وقال: تفضيل البعض علي البعض يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام الله تعالي نقص. وأجيب: بأن ((أعزم)) بمعني عظيم، و ((أفضل)) بمعني فاضل، لقوله تعالي:{هو أعلم بكم} {وهو أهون عليه} أي عالم وهين، إذ لا مشارك له تعالي في علمه، ولا تفاوت في نسب المقدورات إلي قدرته. وقال إسحاق راهويه وغيره: المعني راجع إلي الثواب والأجر، أي أعظم ثواباً وأجراً، وهو المختار.
وأقول: لا ريب أن القرآن من كونه كلام الله تعالي، سواء في الفضل والشرف، لكن يتفاوت بحسب المذكور، فإن فضل سورة الإخلاص مثلاً علي السورة التي يذكر فيها ((تبت)) مما لا يخفي علي كل أحد مع أن الأسلوب من باب: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاه وقد مر بيانه مراراً.
الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((زكاة رمضان)) الإضافة لأدنى ملابسة، لأنها شرعت لجبر ما عسى أن يقع في صومه تفريط. ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى ((من)) كقولك: خاتم فضة، ليتميز عن مطلق الزكاة. قوله:((فجعل يحثو)) أي فطفق ينثر الطعام في الوعاء أي في ذيله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟)) قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته، فخليت سبيله. قال:((أما إنه قد كذبك، وسيعود))، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنه سيعود))، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله. فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك؟)) قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة، وعيالا فرحمته، فخليت سبيله. فقال:((أما إنه قد كذبك، وسيعود)) فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها: إذا أويت إلي فراشك فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ما فعل أسيرك؟)) قلت: زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها. قال: ((أما إنه صدقك، وهو كذوب. وتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال؟)) قلت: لا، قال:((ذاك شيطان)) رواه البخاري.
ــ
قول: ((لأرفعنك)) هو من رفع الخصم إلي الحاكم، أي لأذهبن بك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم عليك بقطه اليد، لأنك سارق. وقوله:((ولي حاجة شديدة)) بعد قوله: ((إني محتاج)) إشارة إلي انه في نفسه فقير، وقد اضطر الآن إلي ما فعل، لأجل العيال. قوله:((إنك تزعم لا تعود)) صفة لـ ((لثلاث مرات)) علي أن كل مرة موصوفة بهذا القول الباطل.
قول: ((ينفعك الله)) مطلق لم يعلم منه أن النفع ما هو، فهو محمول علي المقيد في حديث علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من قرأها-يعني آية الكرسي-حين يأخذ مضجعه، آمنه الله تعالي علي داره، ودار جاره، وأهل دويرات حوله)) رواه البيهقي في شعب الإيمان.
قوله: ((وهو كذوب)) تتميم في غاية الحسن، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال:((صدقك)) وأثبت الصدق له، وأوهم المدح، استدركه بصيغة تفيد المبالغة، أي صدقك في هذ القول مع أن عادته الكذب المبالغ في بابه، وفي المثل: إن الكذوب قد يصدق. وفي عكسه قوله تعالي: {والله يعلم إنك لرسوله} تتميم لقوله تعالي: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} بعد قولهم:
2124 -
وعن ابن عباس، قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: ((هذا بابٌ من السماء فتح اليوم، لم يفتح
ــ
{نشهد إنك لرسول الله} . قوله: ((ذاك الشيطان)) وكان من الظاهر أن يقال شيطاناً بالنصب، لأن السؤال في قوله:((من يخاطب)) عن المفعول، فعدل إلي الجملة الاسمية، وشخصه باسم الإشارة لمزيد التعيين، وداوم الاحتراز عن كيده ومكره.
فإن قلت: لم تنكر الشيطان هنا بعد سبق ذكره منكراً في قوله: ((لا يقربك شيطان))؟ قلت: ليؤذن بأن الثانى غير الأول، وأن الأول مطلق شائع في جنسه، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس، أي شيطان من الشياطين، فلو عرف لأوهم خلاف المقصود، لأنه إما أن يشار إلي السابق أو إلي المعروف المشهور بين الناس، وكلاهما غير مراد.
((تو)): هذا الحديث وما في معناه من باب التأييد الذي أيد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من إخباره عن الغيب. وكذا تمكن أبي هريرة من أخذ الشيطان ورده خاسئاً. والثانى أبلغ في حق من كوشف به من الأول، لأن أبا هريرة إنما كوشف بما كوشف به، فنال ما نال منه ببركة متابعته صلى الله عليه وسلم، ولا خفاء أن إكرام التابع تكرمة للمتبوع أعز وأعلي من إكرام المتبوع نفسه. ونظيره قول الذي عنده علم الكتاب بين يدي نبي الله سليمان عليه السلام:{أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} فإنه ما تمكن بما تمكن منه إلا ببركة سليمان وفضله، ول أتي به سليمان نفسه، لم يكن بهذه المثابة، فعلي هذا إصابة عمر رضي الله عنه لافي اجتهاده في المسائل الثلاث في الحجاب، وقتل الأقارب في وقعة بدر، وفي إتخاذ مقام إبراهيم مصلي. ((مظ)): في الحديث دليل علي جواز جمع جماعة زكاة فطرهم، ثم توكيلهم أحداً ليفرقها، وعلي جواز تعلم العلم ممن لم يعمل بما يقول بشرط أن يعلم المتعلم كون ما يتعلمه حسناً في الشرع، وأما إذا لم يعلم حسنه وقبحه فلا يجوز أن يتعلم إلا ممن هو صاحب ديانة.
الحديث السادس عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((بينما جبريل)) أي بين أوقات وحالات كان هو عنده. إذ ((سمع نقيضاً)) أي صوتا مثل صوت الباب. ((تو)): انتقاض الشيء صوت المحامل والرحال وما أشبه ذلك، وحقيقة الانتقاض ليست الصوت، وإنما هي انتقاض الشيء في نفسه، حتى يكون منه الصوت. وقوله:((سمع)) مسند إلي جبريل عليه السلام، ويحتمل الإسناد إلي النبي صلى الله عليه وسلم علي بعد فيها، لما يدل علي نسق الكلام، وكذا عن القاضي قال: الضمائر الثلاثة في ((سمع ورفع وقال)) راجعة إلي جبريل، لأنه أكثر اطلاعاً علي أحوال السماء، وأحق بالإخبار عنها، واختار المظهر أن يكون الضمير في ((سمع ورفع)) راجعاً إلي النبي صلى الله عليه وسلم وفي ((فقال)) إلي جبريل ولعل المختار هذا، لأن حضور جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم لإخبار عن
قطُّ إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملكٌ نزل إلي الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)) رواه مسلم.
ــ
أمر غريب، وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع رأسه ليستعمله أحسن مما استغربه جبريل ثم أخبر عنه.
قوله: ((بنورين)) ((قض)): سماهما نورين، لأن كلا منهما يكون لصاحبه نور يسعى أماه، ولأنه يرشده ويهديه بالتأمل فيه إلي الطريق القويم، والمنهج المستقيم.
قوله: ((لن تقرأ بحرف)) ((تو)): الباء في قوله: ((بحرف)) زائدة، كقولك: أخذت بزمام الناقة، وأخذت زمامها. ويجوز أن يكون لانزلاق القراءة به، وأراد بالحرف- والله أعلم- الطرف منها، فإن حرف الشيء طرفه، وكني به عن كل جملة مستقلة بنفسها، أي أعطيت ما اشتملت عليه تلك الجملة من المسألة كقوله:{اهدنا الصراط المستقيم} وكقوله: ((غفرانك)) وكقوله: {ربنا لاتؤاخذنا} وكقوله: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} ونظائره. ويكون التأويل فيما شذ من هذا القبيل من حمد وثناء أن يعطي ثوابه.
وأقول: يمكن أن يقال: إن ((قرأ)) ها هنا مضمن معني تحري واستعان، أي من اجتهد في الطلب، واستعان بهما في القراءة أعطي ما تحرى بهما. وقوله:((إلا أعطيه)) حال، والمستفتي من قدر، أي مستعيناً بهما علي قضاء ما يسنح من الحوائج كما يفعله الناس إلا أعطي، أو يقدر صفة، أي لم يقرأ حرفاً منها مشتملاً علي دعاء وسؤال إلا أعطيه. أما الحمد والثناء والتمجيد فيعطي ثوابها، وأما الدعاء والسؤال، فيسعف بمطلوبه، ويستجاب له، فيوافق هذا التأويل حديث أبي هريرة ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل)).
وتحرير معنى الدعاء في الفاتحة، هو أن المطلوب فيها الهداية المشتملة علي النعمة المطلقة، فيتناول نعمة الدارين، ظاهرها وباطنها، جليلها ودقيقها، حتى لا يشذ منها شيء. وعلي التوقي من غضب الله وسخطه مطلقاً، دنيا وعقبى، ومن جميع الأخلاق الذميمة، والضلالات المتنوعة، وما يعرجه عن الطريق المستقيم. وعلي هذا خاتمة سورة البقرة فإن قوله:{آمن الرسول - إلي قول - قالوا سمعنا} اشتمل علي معني التصديق والاعتقاد. ومنه إلي قوله: {ربنا لا تؤاخذنا} علي بيان الانقياد بالسمع والطاعة لما أمر الله تعالي به، ونهي
2125 -
وعن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه)) متفق عليه.
2126 -
وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من [فتنة] الدجال)) رواه مسلم.
2127 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟)) قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: (((قل هو الله أحد) يعدل ثلث القرآن)) رواه مسلم.
ــ
عنه. ومنه إلي آخره علي الدعاء الجامع لفلاح الدارين والفوز بالحسنيين. ((قض)): ولعل ابن عباس رضي الله عنهما ترك الإسناد لوضوحه. ولا يبعد أن يقال: قد اتفق له وقت، فانكشف له الحال، وتمثل له جبريل والملك النازل، كما تمثل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاهدهما وسمع مقالتهما مع الرسول صلى الله عليه وسلم. والله أعلم بحقائق ذلك.
الحديث السابع عشر عن أبي مسعود: قوله: ((الآيتان من آخر سورة البقرة)) ((مظ)): الآيتان ((آمن الرسول)) إلي آخر السورة، ومعنى ((كفتاه)) دفعتا عن قارئيهما شر الإنس والجن. ((مح)): معناه كفتاه عن قراءة سورة الكهف، وآية الكرسى، وهو من كفي يكفي كفاية. أقول: ولعل المراد من سورة الكهف. ما ورد فيها ((من حفظ عشر آيات منها))، ومن آية الكرسى ما ورد فيها من قوله:((من قرأها حين يأخذ مضجعه آمنه الله علي داره)) الحديث.
الحديث الثامن عشر عن أبي الدرداء: قوله: ((عصم من الدجال)) التعريف فيه للعهد، وهو الذي يخرج في آخر الزمان يدعي الألوهية إما نفسه، أو يراد به من شابهه من فعله، ويجوز أن يكون للجنس، لأن الدجال من يكثر من الكذب والتلبيس، ومنه الحديث ((يكون في آخر الزمان دجالون)) أي كذابون مموهون. ((مح)): قيل: سبب ذلك لما فيها من العجائب والآيات، فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال. أقول: ويمكن ان يقال: إن أولئك الفتية كما عصموا من ذلك الجبار، كذلك يعصم الله القارئ من الجبارين. اللهم اعصمنا منهم وبدد شملهم.
الحديث التاسع عشر عن أبي الدرداء رضي الله عنه: قوله: ((قل هو الله أحد يعدل ثلث القرآن)) ((مح)): قال القاضي المازرى: قيل: معنها أن القرآن علي ثلاثة أنحاء: قصص وأحكام، وصفات الله تعالي، ((وقل هو الله أحد)) متمحضة للصفات، فهي ثلثه. وقيل: معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف. أقول: فعلي هذا لا يلزم من تكريرها علي الأول استيعاب القرآن وختمه، ويلزم علي الثانى.
2128 -
ورواه البخاري عن أبي سعيد.
2129 -
وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً علي سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((سلوه لأي شيء يصنع ذلك)) فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أخبروه أن الله يحبه)) متفق عليه.
ــ
الحديث العشرون عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فيختم بقل هو الله أحد)) أي فيختم قراءته بها، يعني كان من عادته أن يقرأها بعد الفاتحة. قوله:((إن الله يحبه)) ((مح)): قال المازري: محبة الله تعالي لعباده إرادة ثوابهم، وتنعيمهم. وقيل: نفس الإثابة والتنعيم، لا الإرادة وأما محبة العباد له سبحانه وتعالي فلا يبعد فيها الميل منهم إليه سبحانه وتعالي، وهو مقدس عن الميل. وقيل: محبتهم له: استقامتهم علي طاعته، فإن الاستقامة تمرة المحبة. وحقيقة المحبة ميلهم إليه، لاستحقاقه سبحانه وتعالي المحبة من جميع وجوهها.
وأقول: تحريره أن حقيقة الحبة ميل النفس إلي مايلائمها من الاذات. وهي في حق الله تعالي محال. فيحمل إما علي إرادة الإثابة، أو علي الإثابة نفسها. وأما محبة العباد له تعالي فيحتمل أن يراد بها الميل إلي الله سبحانه وصفاته لاستحقاقه سبحانه إياها من جميع وجوهها، وأن يراد بها نفس الاستقامة علي طاعة الله تعالي، فيرجع حاصل هذا الوجه إلي الأول، لأن الاستقامة ثمرة المحبة، و {قل هو الله أحد} في معني لا إله إلا الله مع تعليله علي وجهين، أحدهما: أنه وحده، هو الصمد المرجوع إليه في حوائج العباد، والمخلوقات، ولا صمد سواه، ولو تصور سواه صمد لفسد نظام العالم. ومن ثم كرر ((الله)) وأوقع ((الصمد)) المعرفة خبراً له، وقطعه جملة مستأنفة علي بيان الموجب. وثإنيهما: أن الله هو الأحد في الألوهية إذ لو تصور غيره لكان إما أن يكون فوقه فيها، وهو محال، وإليه الإشارة بقوله:{لم يلد} أو مساوياً له، وهو محال أيضاً وإليه رمز بقوله:{ولم يكن له كفوا أحد} . ويجوز أن تكون الجمل المنفية تعليلاً للجملة الثانية المثبتة كأنه لما قيل: هو الصمد، المعبود، الخالق، الرازق، والمثيب، المعاقب، ولا صمد سواه. فقيل: لم كان ذلك؟ أجيب لأنه ليس فوقه أحد يمنعه من ذلك، ولا مساو يعاونه فيه، ولا دونه يستقل به، قال تعالي:{ما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير} والله أعلم.
2130 -
وعن أنس، قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أحب هذه السورة: (قل هو الله أحد) قال: ((إن حبك إياها أدخلك الجنة)) رواه الترمذي، وروي البخاري معناه.
2131 -
وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط (قل أعوذ برب الفلق)، و (قل أعوذ برب الناس))) رواه مسلم.
ــ
الحديث الحادي والعشرون عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إن حبك إياها أدخلك الجنة)) فإن قلت: ما التوفيق بين هذا الجواب وبين الجواب في الحديث السابق: أخبروه أن الله تعالي يحبه؟ قلت: هذا الجواب ثمرة ذلك الجواب، لأن الله تعالي إذا أحبه أدخله الجنة، وهذا من وجيز الكلام وبليغه، فإن اقتصر في الأول علي السبب عن المسبب، وفي الثانى عكس.
الحديث الثانى والعشرون عن عقبة بن عامر: قوله: ((ألم تر)) هي كلمة تعجب وتعجيب. ولذلك بين معني التعجب بقوله: ((لم ير مثلهن)). ((مظ)): يعني لم تكن آيات سورة كلهن تعويذاً للقارئ من شر الأشرار غير هاتين السورتين. وأقول: ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان، وعين الإنسان. فلما نزلت المعوذتان، أخذ بهما وترك ما سواهما، ولما سحر استشفي بهما. وإنما كان كذلك، لأنهما من الجوامع في هذا الباب. فتأمل في أولهما، كيف خص وصف المستعاذ به بـ ((رب الفلق)) أي بفالق الإصباح، لأن هذا الوقت وقت فيضان الأنوار، ونزول الخيرات والبركات، وخص المستعاذ منه بـ ((ما خلق))، فابتدأ بالعام من قوله:{من شر ما خلق} أي من شر خلقه، وشر ما يفعله المكلفون من المعاصى، ومضارة بعضهم بعضاً من ظلم وبغي، وقتل وضرب، وشتم وغيره، وما يفعله غير المكلفين من الحيوان، كالسباع والحشرات، من الأكل والنهش، واللدغ، والعض، وما وضعه الله في غير الحيوان من انواع الضرر كالإحراق في النار، والقتل في السم، ثم ثنى بالعطف عليه ما هو شره أخفي من الزمان، ما هو نقيض انفلاق الصبح من دخول الظلام واعتكاره المعني بقوله:{ومن شر غاسق إذا وقب} ، لأن انبثاث الشر فيه أكثر، والتحرز منه أصعب ومنه قولهم: الليل أخفي للويل. وخص ما يكن في الزمان بما غائلته خفية من النفاثات والحاسد. الكشاف: وقد خص شر هؤلاء من كل شر، لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم كأنما يغتال به، وقيد الحاسد بـ {إذا حسد} ، لأن الحاسد إذا أطهر حسده، وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود كان شره أتم، وضره أكمل.
2132 – * وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلي فراشه كل ليله، جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما (قل هو الله أحد)، (قل أعوذ برب الفلق)، و (قل أعوذ برب الناس)، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما علي رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. متفق عليه.
ــ
ثم تفكر في ثإنيتهما، كيف وصف المستعاذ به بالرب، ثم بالملك، ثم بالإله، وأضافها إلي الناس، وكرره، وخص المستعاذ منه بالوسواس المعنى به الموسوس من الجنه والناس. الكشاف: إن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس. وكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلي الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلاههم ومعبودهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخددومهم وولي أمرهم. بين بـ {ملك الناس} ثم زيد بيانا بـ {إله الناس}؛ لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، وقد يقال: ملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.
وأقول هذه الممبالغة في جانب المستعاذ به. والترقى في الصفات تقتضى المبالغة في المستعاذ منه، ولعمرى! إن هذه الوسوسة إما أن تكون في صدور المستعيذ وهي رأس كل شر ومنشأ كل ضلالة وكفر وبدعة، أو في صدور من يناديه ويضاده، وهي معدن كل مضرة، ومنبع كل نكال، وعقوبة، فيدخل فيه نفسة كل نافث، وحسد كل حاسد. ((مح)): وفي الحديث دليل واضح علي كون المعوذتين من القراَن، ورد علي من نسب إلي ابن مسعود خلافه. وعلي أن لفظة ((قل)) من القراَن ثابتة من أول السورتين بعد البسملة. وقد اجتمعت الأمة علي هذا.
الحديث الثالث والعشرون من عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ثم نفث فيهما فقرأ فيهما)) ((مظ)): الفاء للتعقيب، وظاهر هذا الحديث يدل علي أنه صلى الله عليه وسلم نفث في كفيه أولاً ثم قرأ، وهذه لم يقل بها أحد، وليس فيها فائدة، ولعل هذا سهو من الكاتب، أو من راوى الراوى؛ لأن النفث ينبغى أن يكون بعد التلاوة، لتوصل بركة القراَن واسم الله إلي بشرة القارئ، أو المقرؤ له. ومعنى النفث إخراج الريح من الفم مع شيء من الريق.
أقول: من ذهب إلي تخطئة الرواة الثقات العدول، ومن اتفقت الأمة علي صحة روايته، وضبطه وإتقانه بما سنح له الرأي الذي أوهن من بيت العنكبوت، فقد خطأ نفسه، وخاض فيما لا يعنيه، هل قاس هذا الفاعل علي ما في قوله تعالي:{فإذا قرأت القراَن}
وسنذكر حديث ابن مسعود: لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم في ((باب المعراج)) إن شاء الله تعالي
الفصل الثانى
2133 -
عن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة تحت العرش
ــ
{فأستعذ} وقوله: {فتوبوا بارئكم فاقتلوا أنفسكم} علي أن التوبة عين القتل، ونظائره في كلام الله العزيز غير عزيز. المعنى جمع كفيه ثم عزم علي النفث فيهما فقرأ فيهما، أو لعل السر في تقديم النفث علي القراءة، مخالفة السحرة البطلة، علي أن أسرار الكلام النبوى جلت عن أن تكون مشروع كل وارد. وبعض من لا بد له في علم المعانى لما أراد التقصى عن الشبهه، تشبث بأنه جاء في صحيح البخاري بالواو وهو يقتضى الجمعية لا الترتيب، وهو زور وبهتان، حيث لم أجد فيه، وفي كتاب الحميدى وجامع الأصول إلا بالفاء.
قوله: ((بدأ بهما)) إلي اَخره بيان لجملة قوله: ((يمسح بهما ما استطاع من جسده)) أو بدل منه، كقول الشاعر:
أقول له: ارحل لا تقيمن عندنا
فإن ((لا تقيمن)) بدل من ((ارحل))، وكقول الَاخر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
…
تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
لكن قوله: ((ما استطاع من جسده)) وقوله: ((يبدأ)) يقتضيان أن يقدر: يبدأ بهما علي رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده ثم ينتهي إلي ما أدبر من جسده.
الفصل الثانى
الحديث الأول عن عبدالرحمن: قوله: ((ثلاثة تحت العرش)) ((قض)): ((تحت العرش)) عبارة عن اختصاص هذه الاشياء الثلاثة من الله بمكان، وقرب منه، واعتبار عنده، بحيث لا يضيع أجر من حافظ عليها، ولا يهمل مجازاة من يضيعها، وأعرض عنها، كما هو الحال المقربين عند السلطان الواقفين تحت عرشه، فإن التوصل بهم، والإعراض عنهم، وشكرهم، وشكايتهم يكون لها تأثير عظيم لديه.
ووجه اختصاص هذه الثلاثة بالذكر: أن كل ما يحاوله الإنسان إما أن يكون أمراً دائراً بينه وبين الله تعالي، لا يتعلق بغيره، وإما أن يكون دائراً بينه وبين عامة الناس، وإما أن يكون
يوم القيامة: القراَن يحلج العباد، له ظهر وبطن، والامانة، والرحم تنادى: ألا من وصلنى وصله الله، ومن قطعنى قطعه الله)). رواه في ((شرح السنة)). [2133]
ــ
دائراً بينه وبين اقاربه واهل بيته. والقراَن وصلة بين العبد وبين ربه، فمن راعى أحكامه، واتبع ظواهره وبواطنه، فقد أدى حقوق الربوية، وأتى بما هو وظائف العبودية. و ((الأمانة)) تعم الناس كلهم، فإن دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم وسائر حقوقهم أمانات فيما بينهم، فمن قام بحقها فقد أقام العدل، وجانب الظلم رأساً، ومن واصل الرحم، وراقب الأقارب، ودفع عنهم المخاوف، وأحسن إليهم في أمرى الدنيا والَاخره ما أستطاع، فقد أدى حقه، وخرج عن عهدته. ولما كان القراَن منها أعظم قدراً وأرفع مناراً، وكان العمل به والقيام بحقه يشتمل علي القيام بالأمرين الَاخرين، قدم قدم ذكره وأخبر عنه بأنه ((يحاج العباد))، أي يخاصمهم فيما ضيعوه، وأعرضهم عن حقوقه وأحكامه، ولم يلتفوا إلي مواعظه وأمثاله، سواء سواء ما ظهر منها معناها، فأستغنى عن التأويل، أو أخفي واحتاج إلي مزيد كلفة إبراز ماهو المقصود منه. وأخر الرحم؛ لأنه أخصها، وأفرده بالذكر وإن اشتملت محافظة الامرين الأولين علي محافظته؛ لأنه أحق حقوق العباد أن يحفظ، ولانه أراد أ، يبين صلى الله عليه وسلم أن صلته الرحم وقطيعته بهذه المثابة العظيمة من الوعد والوعيد.
((شف)): والضمير في ((تنادى)) عائد إلي الرحم، ويمكن عوده إلي كل واحد من الأمانة، والرحم. وأقول: ذهب الشيخ التوربشتى وتبعه الأشراف إلي أن قوله: ((يحاج العباد، له ظهر وبطن)) جملة مفصلة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، ينبه السامع علي جلالة شأن القراَن، وامتيازه عما سواه. وفيه بحث؛ لأن المعترضة كلام لا محل له من الإعراب، واقع بين أثناء كلام أو بين كلامين متصلين معنى، مؤكد لما أعترض فيه، وهذه مرفوعة المحل، خبرا للقراَن علي نحو ((والرحم تنادى)). ولا فرق بينهما فيه، نعم من حق الظاهر أن يقال: ثلاثة تحت العرش يوم القيامة: القراَن، والأمانة، والرحم، فالقراَن يحاج، والأمانة كذا، والرحم تنادى، فأختصر، ولم يذكر للثانى ما هو له من البيان اعتماداً علي الأول، أو علي الثانى أي الأمانه تحاج، أو تنادى.
ثم قوله: ((العباد)) يحتمل أن يكون مفعولا به لـ ((يحاج)) فيكون المعنى ماذكره القاضى ثإنياً من قوله: أي يخاصمهم فيما ضيعوه، وأعرضوا عن حدوده، وهو من كلام الشيخ التوربشتى. وأن يكون نصباً علي نزع الخافض، أي يحاج عن العباد، كما في حديث أبي أمامة، ((أو فرقان من طير صواف، يحاجان عن أصحابهما)) وهذا التأويل أنسب، وأقرب إلي معنى نداء الرحم:
2134 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القراَن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند اَخر اَيه تقرؤها)). رواه أحمد، والترمزى، وأبو داود، والنسائى. [2134]
ــ
ألا من وصلنى، وعليه كلام القاضى أولا. ((تحت العرش)) عبارة عن اختصاص هذه الثلاثة من الله بمكان بحيث لا يضيع أجر من حافظ عليها إلي أخره، فالثالث أعنى ((والرحم تنادى)) قرينة لحذف ما للثانى من قوله:((والأمانة تنادى ألا من حفظنى حفظه الله، ومن ضيعنى ضيعه الله)) ولتأويل معنى الأول بما يناسبه من قوله: ((القراَن ينادى)) بما لا يضيع أجر من حافظ عليها، ولا يهمل مجازاة من ضيعها.
ثم قوله: ((له ظهر وبطن)) جملة اسمية، واقعة حالا من ضمير القراَن في الخبر بلا واو، أي القراَن يحاج العباد مستقصياً فيها، نحو: كلمته فوه إلي فيَّ، أي مسافها. والمعنى ما اختاره الشيخ التوربشتى حيث قال: ظهره ما استوى المكلفون فيه من الإيمان به، والعمل بمقتضاه، وبطنه ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد علي حسب مراتبهم في الأفهام، والعقول، وتباين منازلهم في المعارف والعلوم، وفيه تنبيه علي أن كلا منهم إنما يطالب بقدر ما انتهي إليه من علم الكتاب وفهمه. والله أعلم.
الحديث الثانى عن عبد الله بن عمرو: قوله: ((لصاحب القراَن)) ((تو)): الصحبة للشيء الملازمة له إنساناً كان أو حيواناً، مكاناً كان أو زماناً، ويكون بالبدن، وهو الأصل والاكثر، ويكون بالعناية والهمة، وصاحب القراَن هو الملازم له بالهمة والعناية، ويكون ذلك تارة بالحفظ والتلاوة، وتارة بالتدبر له والعمل به. وإن ذهبنا إلي الأول، فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض، والمنزلة التي في الحديث هي ما يناله العبد من الكرامة علي حسب منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير، وذلك لما عرفنا من أصل الدين: أن العامل بكتاب الله المتدبر له أفضل من الحافظ والتالي له إذا لم ينل شأوه في العمل والتدبر، وقد كان في الصحابة من هو أحفظ لكتاب الله من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأكثر تلاوة منه، وكان هو أفضلهم علي الأطلاق لسبقه عليهم في العلم بالله، وبكتابه، وتدبره له، وعمله به. وإن ذهبنا إلي الثانى- وهو أحق الوجهين وأتمهما- فالمراد من الدرجات التي يستحقها بالَايات سائرها، وحينئذ تقدر التلاوة في القيامة علي مقدار العمل، فلا يسطيع أحد أن يتلو به إلا وقد قام بما يجب عليه فيها، واستكمال ذلك إنما يكون للنبى صلى الله عليه وسلم، ثم للأمة بعده علي مراتبهم ومنازلهم في الدين، كل منهم يقرأ علي مقدار ملازمته إياه تدبراً وعملاً.
2135 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القراَن كالبيت الخراب)). رواه الترمذى، والدرامى. وقال الترمذى: هذا حديث صحيح.
ــ
((خط)): قد جاء في الأثر أن عدد أي القراَن علي قدر عدد درج الجنه، فيقال للقارئ: ارق في الدرج علي قدر ما كنت تقرأ من أي القراَن، فمن استوفي قراءة جميع أي القراَن استولي علي أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءاً منها كان رقيه في الدرج علي قدر ذلك، فيكون منتهي الثواب عند منتهي القراءة.
أقول: لعل الشيخ التوربشتى عنى برده القول الأول ضعف هذا القول، وظاهر كلام القاضي اختياره، والذي يذهب إليه أن سياق هذا الحديث تحريض لصاحب القرآن علي التحرى في القراءة، والإمعان في النظر قبه، والملازمة له، والعمل بمقتضاه، وكل هذه الفوائد يعطيها معنى الصاحب استعارة؛ لآن أصل المصاحبة بالبدن، وقد علم أن الصاحب من يرافقك بالبدن ويوافقك بما يهمك، ويعاونك فيما ينفعك، ويدافع عنك ما يضرك، فإذن هو جامع لمعنى القراءة، والتدبر والعمل، ققوله:((اقرأ وارق)) أمر له في الآخرة بالقراءة التي توصله إلي مصاعد ودرجات0
ثم قوله: ((فإن منزلتك)) تعليل للأمر المرتب عليه الترقى، يعنى قراءتك هذه ياصاحب القرآن ترقيك إلي منزلة قمنزلة علي قدر قراءتك، فإذا. قطعتها انقطعت، وإذا وصلتها اتصلت، وزادت إلي ما لا نهاية له. ولأن الشبهة. في قوله:((ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)) تستدعى تشبيه الاتصال بالاتصال، وكما أن قراءته في حالة الاختتام استدعت الافتتاح الذي لا انقطاع له علي ما ورد في حديث ((الحال المرتحل))، كذلك لا إنقطاع لهذه القراءة، ولا للرقى، ولا للمنازل، فهو كما قال تعالي:{إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب} . وهذه القراءة لهم كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم عن سائر مستلذاتهم، بل هو المستلذ الاعظم ودونه كل مستلذ0 ترتيل القرآن قراءته علي ترتيل وتؤدة، بتبيين الحروف وإشباع الحركات حتى يجىء المتلو منه شبيهاً بالثغر المرتل، وهو المفلج المشبه بنور الاقحوان.
الحديث الثالث عن ابن عباس رضي ايه عنهما: قوله: ((ليس في جوفه شىء من القرآن)). المراد بالجوف هنا القلب، إطلاقا لاسم المحل علي الحال، قال الله تعالي:{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ، وفائدة ذكر تصحيح التشبيه بالبيت مثل جوف الإنسان الخالي مما لابد له منه، من التصديق والاعتقاد الحق والتفكر في آلاء الله، ومحبة الله وصفاته، بالبيت الخالي عما يعمره من الآثاث، والتجمع، وما قوامه به.
2136 -
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الرب تبارك وتعالي: من شغله القراَن عن ذكرى ومسالتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين. وفضل كلام الله علي سائر الكلام كفضل الله علي خلقه)). رواه الترمذى، والدارمى، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب. . [2136]
2137 -
وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنه، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {الم} حرف. الف حرف، ولام حرف، وميم حرف)). رواه الترمذى، والدارمى. وقال: الترمذى: بهذا حديث حسن، غريب إسناداً0 [2137]
2138 -
وعن الحارث الأعور، قال: مررت في المسجد، فإذا الناس يخوضون
ــ
الحديث الرابع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((عن ذكرى ومسالتي)) أي عن الذكر والمسالة اللذين ليسا في القرآن، كالدعوات، والدليل عليه التذييل بقوله:((وفضل كلام الله)) إلي آخره0 ((مظ)): يعنى لا يظن القارئ أنه إذا لم يطلب من الله حوائجه لا يعطيه اكمل الإعطاء، فانه من كان في كان الله له. عن الشيخ العارف أبي عبد الله بن خفيف قدس الله سره: شغل القرآن للقيام بموجباته من إقامة قرائضه، والاجتناب عن محارمه، فان الرجل إذا اطاع الله فقد ذكره وإن قل صلاته وصومه، وإن عصاه نسيه، وإن كثر صلاته وصومه0
الحديث الخامس عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((وميم حرف)) يعنى مسمى ميم - وهو مه - حرف لما تقرر أن لفظة ((ميم)) اسم لهذا المسمى. فحمل الحرف في الحديث علي المذكورات مجازاً؛ لأن المراد منه في مثل ((ضرب)) في {يضرب الله مثلاً} . كل واحد من (ضه، وره، وبه). فعلي هذا إن اريد بـ ((اَلم))) مفتتح سورة الفيل يكون عدد الحسنات ثلالين، وإن أريد به مفتتح سورة البقرة وشبهها يبلغ العدد تسعين. والله أعلم.
الحديث السادس عن الحارث الأعور رضي الله عنه: قوله: ((مررت في المسجد)) ((في
في الأحاديث، فدخلت علي عليّ رضي الله عنه، قأخبرتهُ، فقال: أوقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال. أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إنها ستكون فتنة)). قلت:
ــ ظرف، والمرور به محذوف، يدل عليه قوله ((فإذا الناس يخوضون)). ((غب)): الخوض هوالشروع في الماء والمرور فيه، ويستعار في الامور، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشارع الشروع فيه نحو قوله تعالي:{ذرهم في خوضهم يلعبون} . قوله: ((ما المخرج منها)) ((تو)) المخرج - بفتح الميم - موضع الخروج، وهو ايضاًمصدر، تقول: خرجت خروجاً ومخرجاً، المعنى ما السبب الموصل عند وقوع تلك الفتنة الي التقصى عنها، والتخلص منها.
قوله: ((هو الفصل ليس بالهزل)) من قوله تعالي: {إنه لقول فصل وما هو بالهزل} . ((قض)): ((هو الفصل)) أي الفاصل بين الحق والباطل، وصف بالمصدر مبالغة كرجل عدل. ((ليس بالهزل)) أي جد كله ليس فيه ما يخلو عن إتقان وتخقيق، أو يعرى عن أمر خطير وقائدة عظمة، فيتساهل فيه. وقوله:((كتاب الله)) علي حذف المضاف، أي التمسك بالكتاب، ليطابق السؤال.
وأقول: والأحسن ما ذهب إليه الشيخ التوربشتى من تقدير المضاف في السؤال حيث قال: ما السبب الموصل؛ لأن كتاب الله مفسر في الحديث بالحبل المتين، والسبب في أصل اللغة هو الحبل، فيصح حمله عليه.
و ((من)) في قوله: ((من جبار)) بيإنية، حال من الضمير المستتر في ((تركه))، ((قض)): بين ليدل علي أن الحامل له علي الترك، والإعراض عنه إنما هو التجبر والحماقة، والجبار لا يطلق في صفة العبد إلا في معرض الذم، لانه لا يليق به. و ((القصم)) كسر الشىء وإبانته، و ((قصمه الله)) و ((أضله الله)) يحتمل الخبر والدعاء. ((حبل الله المتين)) أي الوصلة التي يوثق عليها. فيتمسك بها من أراد الترقى والعروج إلي معارج القدس وجوار الحق. ((وهو الذكر)) أي المذكور ((الحكيم)) اي المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، او المشتمل علي الحقائق، و ((الحكيم)) بمعنى ذو الحكمة. ((لا تزيع به الاهواء)) أي لا تميل عن الحق باتباعه او مادامت تتبعه. ((ولا تلتبس به الألسنة)) أي لا يختلط به غيره بحيث يشتبه الامر ويلتبس الحق بالباطل، فانه يقال يكفيك حفظه، قال تعالي {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. ((ولا يشبع منه العلماء)) أي ات يحيط علمهم بكنهه: فيقفوا عن طلبه وقوف من شبع مطعوم، فإن الناظر فيه لا ينتهي إلي حد إلا وهو بعد طالب لحقائقه، باحث عن دقائقه. ((ولا يخلق عن كثرة الرد))
ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر مابعدكم، وحكم مابينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى
ــ أي لا يزول رونقه، ولذة قراءته واستماعه عن كثرة ترداده علي السنة التالين، وتكراره علي آذان المستمعين، علي خلاف ما هو كلام المخلوقين.
((مظ)) في قوله: ((من تركه من جبار)) إشارة إلي أن من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن ما يجب به العمل، أو ترك قراءتها من الكبر يكون كافراً، ومن تركه من العجز والضعف والكسل مع اعتقاد تعظيمهم فلا إثم عليه. و ((الباء)) في قوله ((لا تزيغ به سببيه، أي لا يميل بسببه اهل الاهواء، يعنى لا يصير بالقرآن أحد مبتدعاً، وضالا، بل يصير مهتدياً، راشداً. ويحتمل أن يكون للتعدية، أي لا يزيغه أهل الاهواء، يعنى لا يقدر أهل الأهواء علي تبديله وتغييره. وذلك إشارة إلي تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. وقيل: معنى ((لا تلتبس به الالسنة)) لا يتعسر علي ألسنة اهل اللغات المختلفة، بل يتيسر ويسهل عليهم تلاوته.
وأقول: همزة الإنكار والواو العاطفة قى قوله: ((أو قد قعلوا)) يستدعيان فعلا منكرا معطوفاً عليه، أي ارتكبوا هذه الشنعاء، وخاضوا في الأباطيل؟ والضمير في قوله:((إنها)) للقصة و ((ستكون)) بيان لها.
وقوله: ((نبأ ما قبلكم)):خص النبأ بالاخبار الماضية. والخبر بالأحوال الآتية، والحكم بالحال حصرًا للأزمنة كلها، وأضاف كلا من الالفاظ إلي ما يناسبه، فإن النبأ فيه معنى الإخبار الذي ينبه السامع علي أمر خطير ذهل عنه السامع قال تعالي:{وجئتك من سبإ بنبإ يقين} فإذن ناسب أن يضاف إلي الأخبار الماضية.
((غب)): النبأ خبر ذو قائدة عظيمة يحصل به علم، أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الاصل نبأ، حتى يتضمن هذه الاشياء. وأما الاحوال الآتية من المغيبات، نحو هذا الحديث وأمارات الساعة، والاخبار عن الحشر والنشر وغيرها، فهي مناسبة للخبر؛ لانه يقال: أخبر عن الغيوب، ولا يقال: أنبأ، والحال يناسبها الحكم والقضاء، عرف الخبر في قوله:((وهو الفصل)) فيفيد أنه مقصور علي أن يفصل الحق عن الباطل. ((فهو جد كله)) فيكون قوله: ((وليس بالهزل)) تاكيداً لهذا المعنى، كما أن قوله تعالي {لا ريب فيه} تأكيد لقوله تعالي:{ذلك الكتاب} . فاذا كان شأنه ذلك، فمن ارتاب فيه، وتركه مستبداً برأيه غير منقاد للحق، كان معانداً جباراً. ومن تركه ولم يستبد برأيه، وابتغى الهدى في غيره كان ضالاً، فإذن يلزم أن يتحد الشرط والجزاء، يعنى من ضل عنه وطلب الهدى في غيره يورطه الله تعالي في ضلال
الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل المتين، وهو الذكر الحكيم، وهوةالصراط المستقيم؛ هو الذي لا تزيغ به الاهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع من العلماء،
ــ ليس وراءه ضلال؛ لقوله تعالي: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} ، وقوله تعالي:{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)} وقولهم: من أدرك الضمان فقد أدرك المرعى، والضمان مرعى
و ((الذكر)) إن فسر بالمذكور، فالمناسب أن يؤول ((الحكيم)) بالمحكم، أي هذا الكتاب المذكور محكم آياته، ورصين ألفاظه، مصبوب في قالبى البلاغة والفصاحة، أعجز الخلق عن الإتيان بمثله. وإن فسر بالشرف والكرم، فالموافق أن يأول «الحكيم بذى الحكمة؛ لآن كون الكلام شريفاً إنما يكون باعتبار ما يتضمن فيه من الحكمة، والنكت، والمعإني الدقيقة، واللطائف الرشيقة. ثم جعله نفس الصراط المستقيم؛ لظهور بياناته الشافية لطريق الإسلام، فكأنه نفس الصراط. وقوله:((لاتزيع به الآهواء)) تقرير لهذا المعنى، وهو من باب قوله .. ولا ترى الضب بها ينحجر، أي لا زيغ ولا أهواء هناك، فلا يحرمان حول حماه فالباء في ((به)) بمعنى ((في)) كما في ((بها)) في المثال.
فإن قلت: كم من زائغ ابتغى ما تشابه منه، فضل وأضل0 قلت: هذا الزائغ اتبع هواه في المتشابه ولم يقصد به الا فتنة الناس، ولو قصد الحق، ورد المتشابه إلي المحكم ما ضل ولاأضل، كما قال تعالي:{لا ريب فيه} وكم من مرتاب، ومعناه انه لوضوح بياناته، وسطوع براهينه، لا ينبغى أن يحوم الريب حوله، والمرتاب لقصور فهمه وقصر باعه يرتاب، فلما وصف معإنيه بما وصف من أنه لا تشوبه الاهواء والزيغ، وصف ألفاظه بقوله:((لا تلتبس به الألسنه)) من أن يدخل فيه ما ليس منه، أو يغير شىء من ألفاظه برصانته، وقوته. وروى أن اعرابياً سمع قارئاً يقرأ:{فإن زللتم من بعد جائتكم البينات فأعلموا أن الله غفور رحيم} بدل {عزيز حكيم} ، فأنكر وقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم، لا يذكرالغفران عند الزلل؛ لانه اغراء عليه. فكما وصف معإنيه بقوله:((لا تزيغ به الاهواء)) وألفاظه بقوله: ((ولا تلتبس به الألسنة)) وصفهما بذلك في قوله: ((ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد)) فإن الشبع والطعم من الامور الباطنه، والثواب وخلافه من الظاهرة، والعريف في ((العلماء)) للعهد، والإشارة إلي قوله تعالي:{وكونوا ربإنيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} .
ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا ينقضى عجائبه؛ هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا {إنا سمعنا قراَنا عجباً يهدى إلي الرشد فاًمنا به} . من قال به صدق، ومن عمل به اجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلي صراط مستقيم)). رواه
ــ
وقوله: ((ولا ينقضى عجائبه)) كالعطف التفسيرى للقريتنين، وبيان عدم الشبع في المعنى، وبيان عدم الخلاقة في اللفظ؛ لأن معنى العجب هو ما لم يعهد مثله، ولم يعرف سببه، فيعتد به، ويوثق منظره، ويشتاق إليه، وبه فسر قوله تعالي:{إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدى إلي الرشد} . وقوله: ((لم تنته الجن)) أي لم يتوقفوا ولم يمكثوا حتى قالوا: ((إنا سمعنا قرآنا عجباً)) علي سبيل البداهة، ((وإذا)) يختص بالاستقبال، وإذا دخل علي الماضى أفاد استحضار الحال الماضية في مشاهدة السامع، قال تعالي:{وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض} ((الكشاف)): فإن قلت: كيف قيل: ((إذا ضربوا)) مع ((قالوا))؟ قلت: هو علي حكاية الحال الماضية كقوله: حين يضربون في الأرض، وقوله:((من قال به صدق)) فيه وجهان: أحدهما: أن ((قال)) متضمن معنى أخبر، والَاخر: أنه مثل قوله: ((سبحان من لبس العز، وقال به)) أي أحبه واختصه لنفسه، كما يقال: فلان قول بفلان، أي بمحبته واختصاصه، فعلي هذا معنى صدق العمل بمقتضاه، والتحرى لرضي اللهن فحينئذ ينطبق عليه قوله:((من عمل به أجر)).
وقوله: ((هدى)) روى مجهولاً، ولابد فيه ضمير راجع إلي ((من)) فيصير الهادى مهتدياً، فمعناه: من دعا الناس إلي القرآن، وفق للهداية، ولو روى معروفاً كان المعنى من دعا الناس إلي القرآن، هداهم إلي صراط مستقيم. فإن قلت: قوله: ((وهو حبل الله المتين)) تشبيه، نحو هو أسد أي كأسد، لذكر المشبه والمشبه به، أم أستعارة؟ قلت: لو أقتر علي ((وهو حبل)) كان تشبيهاً كما في حديث بن أرقم ((كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض))، فلما أضيف إلي الله رجع إلي الاستعارة؛ لأن نفس القرآن حينئذ ليست مشبهة بالحبل، وهو غير مذكور، فيكون أستعارة مصرحة تحقيقية، فإن المشبة المتروك أمر عقلي صرف، ثم إن قوله:((المتين)) إن روى مرفوعاً صفة لـ ((الحبل)) يكون ترشيحاً للأستعارة؛ لأنه صفه ملائمة للمشبه به، وإنروى مجروراً صفة صفة للمضاف إليه يكون كناية إيمإنية لما يلزم من تخصيص وصف الله حينئذ بالمتين دون سائر الأسماء متانة حبل الله تعالي.
وأما قوله: ((وهو الصراط المستقيم)) أي هو مثل الصراط المستقيم في أن يوصل سالكه إلي
الترمذى، والدرامى، وقال الترمذى،: هذا حديث إسناده مجهول، وفي الحارث مقال. [2138]
2139 -
وعن مُعاذ الجهنى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألبس والداه تاجاً يوم القيامة، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم؛ فما ظنكم بالذي عمل بهذا؟!)). رواه أحمد، وأبوداود. [2139]
ــ
المقصد، فتشبيه بحذف أداته، ووجهه، وقوله:((هو الذكر)) ليس بتشبيه فضلا عن أن يكون أستعارة، لكن وصفه بالحكيم إن أريد به ذو الحكمة، فهو حقيقة، وإن أريد به المحكم الرصين، فهو استعارة، وإن وصف بصفة متكلم يكون الإسناد مجازياً، نحو قولك: نهاره صائم وليله قائم. قوله: ((وفي الحارث مقال)) أي مكان قول يعنى طعن فيه. قال الشيخ محيى الدين في شرح مسلم: إن الشعبى روى عن الحارث الأعور، وشهد كاذب.
الحديث السادس: عن معاذ رضي الله عنه: قوله: ((تاجاً)) تخصيص ذكر التاج كناية عن الملك والسيادة، كما يقال: قعد فلان علي السرير كناية عنه، وإنما قال:((أحسن)) ولم يقل: أنور وأشرف؛ لأن تشبيه التاج مع ما فيه من الجواهر النفيسة الثمينة بالشمس ليس لمجرد الإشراق والضوء، بل مع الزينة والحسن. وأيضاً فيه تتميم صيانة من الأحرراق وكلال النظر بسبب أشعتها، كما أن قوله:((لو كانت فيكم)) تتميم للمبالغة، فإن الشمس مع ضوئها وحسنها لو كانت في داخل البيت، كان اًنس وأتم وأكمل مما كانت خارجة عنه، وحسنه وإشراقه فيه، وهذا التشبيه مما يزيد حسناً ومبالغة بالشرط، قال بديع الزمان:
يكاد يحكيك صوب الغيث منسكباً
…
لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا
الدهر لو لم يخن، والشمس لو نطقت
…
والليث لو لم يصد، والبحر لو عذباً
قوله: ((فما ظنكم)) ((ما)) استفهامية مؤكدة لمعنى استقصار الظان في كنه معرفة ما يعطى للقارئ العامل به من الكرامة والملك، الذي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر، والظاهر أن المشار إليه بـ ((هذا)) في قوله:((بالذي عمل بهذا)) هو قوله: ((مافيه))، في قوله:((عمل بما فيه))، لكن المشار إليه المذكور في قوله: قرأ وعمل بما فيه))؛ لأن المراد فما ظنكم بمن قرأ وعمل بما فيه.
2140 -
وعن عقبة بن عامر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لو جعل القرآن في هذا إهاب ثم ألقى في النار ما احترق)). رواه الدرامى. [2140]
ــ
الحديث السابع عن عقبة بن عامر: قوله: ((لو جعل القرآن في إهاب)) ((نه)): قيل: كان ذلك معجزة للقرآن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تكون الأيات في عصر الأنبياء، وقيل: معناه من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الاًخرة، فجعل جسم حافظ القرآن كالإهاب له، وذكر في شرح السنة بعد القول الثانى: هذا كما روى عن أبي أمامة ((احفظوا القرآن، فإن الله تعالي لا يعذب بالنار قلباً وعى القرآن))، وزاد علي القولين: قال أحمد بن حنبل: معناه لو كان القراَن في إهاب يعنى في جلد في قلب رجل، لرجى لمن القراَن محفوظ في قلبه أن لا تمسه النار. ((تو)): وإنما ضرب ضرب المثل بالإهاب، وهو الجلد الذي لم يدبغ؛ لأن الفساد إليه أسرع ونفخ النار فيه أنفذ؛ ليبسه وجفافه، بخلاف المدبوغ للينه، المعنى: لو قدر أن يكون القراَن في إهاب ما مسته النار لبركة مجاورته للقراَن، فكيف بالمؤمن الذي تولي حفظه، والمواظبة عليه؟ والمراد بالنار نار الله الموقدة، المميزة بين الحق والباطل.
وقال القاضى: هذا هو الأولي، ويحتمل أن يكون جنس النار. وأقول: لعل الجنس أقرب، وضرب المثل بالإهاب بالتحقير أحرى. ورواية ((مسته)) كما في أكثر النسخ أولي من ((احترق))، وتحريره أن التمثيل وارد علي المبالغة والفرض والتقدير ((فلو)) كما في قوله تعالي:{قل لو كان البحر مداداً} الَاية، أي ينبغى ويحق أن القراَن لو كان في مثل هذا الشيء الحقير الذي يؤبه به ويلقى في النار ما مسته، فكيف بالمؤمن الذي هو أكرم خلق الله وافضلهم، وقد وعاه في صدره، وتفكر في معإنيه، وواظب علي قراءته، وعمل بما فيه بجوارحه، كيف يمسه فضلا عن أن يحرقه؟ وفي معنى الحقارة والمحاورة وصيرورته موقى محترماً؟، قال الشاعر:
من عاشر الشرفاء شرف قدره
…
ومعاشر السفهاء غير مشرف
فانظر إلي الجلد الحقير مقبلا
…
بالثغر لما صار جار المصحف
وبهذا التأويل وقع التناسب بين هذا الحديث وبين السابق، وحسن التشبيهان في المبالغة عن نيل الكرامة فإذن الفوز بها، وفي التوقى عن الخزى والنكال، قال تعالي:{إنك من تدخل النار فقد أخزيته} فإذن المعننى: أن من قرأ وعمل ألبس والداه تاجاً فكيف بالقارئ العامل؟ ولو جعل القراَن في إهاب وألقى في النار ما مسته النار، فكيف بالتالي العامل؟ ((وثم)) في قوله:((ثم ألقى)) ليس للتراخى في الزمان بل للتراخى في الرتبة بين الجعل في الإهاب والإلقاء في النار
2141 -
وعن علي (رضي الله عنه). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القراَن فاستظهره، فأحل حلاله، وحرم حرامه؛ أدخله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلهم وجبت له النار)). رواه أحمد، والترمذى، وابن ماجه، والدرامى. وقال الترمذى: هذا الحديث غريب، وحفص بن سليمان الراوى ليس هو بالقوى، يضعف في الحديث.
2142 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: ((كيف تقرأ في الصلاة؟)) فقرأ أم القراَن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسى بيده، ما أنزلت
ــ
وإنهما أمران منافيان لرتبة القراَن، وإن الثانى أعظم من الأول، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه أن سياق الكلام وارد علي التحقير والتعظيم.
الحديث الثامن عن علي رضي الله عنه: قوله: ((فاستظهره)) ((نه)): أي حفظه، يقال: قرأت القراَن عن ظهر قلبى، أي قرأته من حفظى. ((مظ)):((استظهر)) إذا حفظ القراَن، واستظهر إذا طلب المظاهرة، وهي المعاونة، واستظهر إذا احتاط في الأمر وبالغ في حفظه، وإصلاحه. وهذه المعانى الثلاثة جائزة في هذا الحديث، يعنى من حفظ القراَن، وطلب القوة والمعاونة في الدين منه، واحتاط في حفظ حرمته واتباع أوامره ونواهيه. وأقول: بل المعانى الثلاثة كلها واجبة الرعاية في الحديث لشهادة الفاءين، فالأولي جعلت القراءة سبباً للاستظهار فلا تكون القراءة كذلك، حتى يلازم ويواظب عليها، والثانية جعلت الاستظهار المسبب عن القراءة سبباً لمقتضى العمل بتحليله وتحريمه، ودعوة الناس إليه، وذلك من مراتب الأنبياء، ومن ثم قرن الشفاعة، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بجزاء الشرط، وفي قوله:((قد وجبت له النار)) تتميم ومبالغة لمعنى قبول الشفاعة، ورد لمذهب المعتزلة في أن الشفاعة في رفعة المنزلة لا في وضع الوزر، والوجوب ها هنا علي سبيل المواعدة.
الحديث التاسع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله ((فقرأ أم القراَن)) فإن قل: كيق طابق هذا جواباً عن السؤال بقوله: ((كيف تقرأ))؟ لأنه سؤال عن حالة القراءة لانفسها قلت: يحتمل أن يقدر: فقرأ أم القراَن مرتلا ومرسلا ومجوداً:: ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم يسأل عن حال ما يقرأه في الصلاة، أهي سورة جامعة حاوية لمعانى القراَن أم لا، فلذلك جاء بأم القراَن وخصها بالذكر، أي هي جامعة لمعانى القراَن وأصل لها، ومن ثم قرره بقوله:((ما أنزلت في التوراة)) إلي أخره وأبرزه في معرض القسمية.
في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القراَن مثلها، وانها سبع من المثانى والقراَن العظيم الذي أعطيته)). رواه الترمذى، وروى الدرامى من قوله:((ما أنزلت)) ولم يذكر أبي بن كعب. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. [2142]
2143 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا القراَن فاقرءوه، فإن مثل القراَن لمن تعلم فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكا، تفوح ريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ علي مسك)). رواه الترمذى، والنسائى، وابن ماجه. [2143]
2144 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ {حم} المؤمن إلي {إليه المصير}، واَية الكرسى حين يصبح حفظ بهما حتى يمسى. ومن قرأ بهما حين يمسى حفظ بهما حتى يصبح)). رواه الترمذى، والدرامى، وقال الترمذى: هذا حديث غريب. [2144]
ــ
الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مثل القراَن)) مبتدأ والمضاف محذوف، واللام في ((لمن تعلمه)) متعلق بالمحذوف، والخبر قوله:((كمثل)) علي تقدير المضاف ايضاً، أي ضرب المثل لأجل من تعلمه كضرب المثل بالجراب. والفاء في ((فاقرءوه)) كـ ((ثم)) في قوله:((استغفروا ربكم ثم توبوا)) أي تعلموا القراَن، وداوموا علي تلاوته، والعمل بمقتضاه، يدل عليه التعليل بقوله:((فإن مثل القراَن)) إلي اَخره. وإيقاع قوله: ((فرقد)) أي نام وغفل مقابلا لقوله: ((فقرأ وقام به)) فالتشبيهان يحتمل أن يكونا مفرقين، شبه قراءة القارئ وتعليمه الناس وإسماعهم قراءته بفتح رأس الجراب، وشبه إستفادة الناس من التعليم، واستلذاتهم بسماعه، والعمل بمقتضاه باستنشاق الخياشيم عرف المسك وانتفاعهم به، وشبه الإمساكل عن القراءة والتعليم وبخله عنها بإيكاء الجراب، وشبه عدم الأستفادة والاستلذاذ بعدم التضوع. ويجوز أن يكونا مركبين تمثيليين لجواز انتزاع الوجه عن عدة أمور متوهمة، وخص الجراب هنا بالذكر دون الإهاب احتراماً كما في حديث عقبة؛ لأنه من أوعية المسك. ((نه)): أوكيت السقاء إيكاء، وهو الخيط الذي تشد به الأوعية.
2145 -
وعن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل منه اَيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا تقرأان في دار ثلاث ليال فيقر بها الشيطان)). رواه الترمذى، والدرامى، وقال الترمذى: هذا حديث غريب. [2145]
2146 -
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ ثلاث اَيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال)). رواه الترمذى، وقال: هذا حديث حسن صحيح. [2146]
ــ
الحديث الحادى عشر والثانى عشر عن نعمان بن بشير: قوله: ((أنزل منه اَيتين)) ((تو)): في أكثر نسخ المصابيح بل سائرها إلا أصلح ((أنزل فيه اَيتين)) والرواية: ((أنزل منه)) أي أنزل من جملة الكتاب المذكور اَيتين ختم بهما سورة البقرة. فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: ((أنه كتب كتاباً قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام)) وبين ما رواه عبدالله بن عمر ((وكتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة))؟ فالوجه فيه أن نقول: أختلاف الزمإنين في إثبات الأمرين لا يقتضى التناقض بينهما؛ لأن من الجائز أن لا يكون مظهر الكوائن في اللوح دفعة واحدة، بل يثبتها الله شيئاً فشيئاً. ويكون المراد من الكتاب في هذا الحديث نوعاً مكتوباً في اللوح من الأنواع المكتوبة فيه، فيكون أمر المقادير علي ما ذكر، وأمر النوع الذي أنزل منه اَيتين علي ما ذكرنا. وفائدة التوقيت تعريفه صلى الله عليه وسلم إيانا فضل الَايتين، فإن سبق الشيء بالذكر علي سائر أجناسه وأنواعه يدل علي فضيلة مختصة به.
فإن قيل: أو ليس الكتاب الذي كتبه في المقادير اَتيا علي ذكر من هو كائن إلي يوم القيامة من ملك وجن وإنس، فكيف يتصور معه سابقة ذكر؟ قلنا: إنما كان ذلك لبيان علم الله بالمخلوقات الي أراد خلقها ونفوذ قضائه فيها، ولم يكن هناك ملك ولا جن ولا إنس حتى يذكر منهم أحد علي وجه الشرف والفضل، فإن هذا النوع من الذكر إنما يوجد مع وجود سامع من الخلق ولم يكن هناك سامع.
أقول: لعل الخلاصة أن الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام، ومن جملتها كتابة القراَن، ثم خلق الله خلقاً من الملائكة وغيرهم، فأظهر كتابة القراَن عليهم قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، وخص من ذلك هاتان الَايتان، وأنزلهما مختوماً بهما أولي الزهراوين، ونظير الكتابة بمعنى الإظهار علي الملائكة قراءة طه و ((يس) علي الملائكة قبل خلق السماوات والأرض بألف عام، تنبيهاً علي جلالتهما وشرفهما.
2147 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل شيء قلباً، وقلب القراَن (يسَ)، ومن قرأ (يسَ) كتب الله له بقراءتها قراءة القراَن عشر مرات)). رواه الترمذى، والدرامى، وقال الترمذى: هذا الحديث غريب. [2147]
2148 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالي قرأ (طه) و (يسَ) قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام، فلما سمعت الملائكة القراَن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا)). رواه الدارمى. [2148]
ــ
ويجوز ألا يراد بالزمإنين التحديد، بل نفس السبق، والمبالغة فيه للشرف. والله أعلم بحقيقة الحال. والفاء في قوله:((فيقرأ بها)) للتعقيب، أي لا توجد ولا تحصل قراءتهما فيعقبهما قربان الشيطان، فالنفي مسلط علي المجموع.
الحديث الثالث والرابع عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إن لكل شيء قلباً)) قلب الشيء زبدته وخلاصته. ((تو)): عن أبي عبيدة قوله: ((قلب القراَن يسَ)) أي لبه، وذلك لاحتواء تلك السورة مع قصر نظمها وصغر حجمها علي الَايات الساطعة، والبراهين القاطعة، والعلوم المكنونة، والمعانى الدقيقة، والمواعيد الرغيبة، والزواجر البالغة، والإشارات الباهرة، والشواهد البليغة، وغير ذلك مما لو تدبره المؤمن العليم لصدر عنه بالرأي. وأقول: قد فصلنا هذا المجمل في باب ما يقول عند من حضره الموت وبيناه بما ألهمنا به. قوله: ((وهذا الحديث غريب)) ((تو)): هذا الحديث مخرج في كتاب أبي عيسى وفي إسناده [عن إبراهيم] عن هارون بن محمد بن مقاتل بن حيان، وهارون هذا لا يعرفه أهل الصنعة في رجال الحديث، فهو نكرة لا يكاد يعرف.
الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((قرأ طه ويس)) سبق معنى القراءة في حديث نعمان بن بشير، واختصاص السورتين بالذكر لتصدرهما بذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار ما منَّ عليه، وبيان ما أرسل به وأنزل عليه.
قوله: ((فلما سمعت الملائكة القراَن)) أي القراءة ويجوز أن يكون أسماً أي هذا الجنس من القراَن، وسماهما قراَناً تفخيماً لشأنهما. و ((طوبى)) مصدر علي وزن فعلي من الطيب كبشرى وزلفي، ومعنى قولهم:((طوبى لك وطوباك)) - علي لإضافة- أصبت خيراً علي الدعاء، وفي محلها وجهان: النصب والرفع، كقولك طيباً لك وطيب لك، وسلاماً لك وسلام لك.
2149 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ (حم) الدخان في ليلة، أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك)). رواه الترمذى، وقال: هذا حديث غريب، وعمر بن أبي خثعم الراوى يضعف، وقال محمد- يعنى البخاري-: هو منكر الحديث. [2149]
2150 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلي الله وعليه وسلم: ((من قرأ (حم) الدخان في ليلة الجمعة غفر له)). رواه الترمذى، وقال: هذا حديث غريب، وهشام أبو المقدام الراوى يضعف. [2150]
2151 -
وعن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، يقول:((إن فيهن اَيةً خير من ألف اَية)). رواه الترمذى وأبو داود. [2151]
2152 -
ورواه الدرامى عن خالد بن معدان مرسلا.
وقال الترمذى: هذا حديث غريب. [2152]
2153 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن سورة في القراَن، ثلاثون اَية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي:{تبارك الذي بيده الملك} رواه أحمد، والترمذى، وأبوداود، والنسائى، وابن ماجه. [2153]
ــ
الحديث السادس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله ((في ليلة)) أي في ليلة من الليالي، ولو قيل: في الليل معرفاً؛ لأوهم أن هذا الثواب مرتب علي القراءة الواقعة في جنس الليل.
الحديث السابع والثامن عشر عن العرباض بن سارية: قوله: ((كان يقرأ المسبحات)) هي كل سورة افتتحت بسبحان، وسبح، ويسبح، ونظيره قوله:((فيهن اَية)) مجملا. إخفاء ليلة القدر في رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة، محافظة علي الكل لئلا تشذ تلك الَاية.
الحديث التاسع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((في القراَن)) نصب صفة لاسم ((إن)) و ((ثلاثون)) رفع خبر له. وقوله: ((شفعت)) خبر بعد خبر، أو استئناف. وفي هذا الإبهام والتطويل فيه، ثم البيان بقوله: ((وهي: {تبارك الذي} نوع تفخيم، وتعظيم لشأنها،
2154 -
وعن ابن عباس، قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه علي قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة {تبارك الذي بيده الملك} حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب الله)). رواه الترمذى، وقال: هذا حديث غريب. [2154]
2155 -
وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ:{اَلم تنزيل} و {تبارك الذي بيده الملك} . رواه أحمد والترمذى، والدرامى. وقال الترمذى: هذا حديث صحيح. وكذا في ((شرح السنة)). وفي ((المصابيح)): غريب.
ــ
إذ لو قيل: إن سورة تبارك شفعت، لم تكن بهذه المنزلة، والتنكير في ((رجل)) للإفراد شخصاً، أي شفعت لرجل من الرجال. ولو ذهب أن ((شفعت)) بمعنى تشفع، كما في قوله تعالي:{ونادى أصحاب الجنة} ، و {إنا فتحنا لك فتحاً} لكان إخباراً عن الغيب وإن رجلا ما يقرأها فتشفع له، فيكون تحريضاً لكل أحد أن يواظب علي قراءتها. وإثبات الشفاعة للقراَن إما علي الحقيقة في علم الله، أو علي سبيل الأستعارة.
الحديث العشرون عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ضرب خباءه)) ((نه)): هو أحد بيوت العرب من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، ويكون علي عمودين أو ثلاثة، والجمع أخبئة، قوله:((وفيه أنسان)) التنكير فيه كما في ((رجل)) في الحديث السابق، فيحتمل أن يكون هو إياه، فحينئذ إن تقدم هذا الحديث علي السابق، يكون السابق إخباراً عن الماضى، وإن تأخر يكون إخباراً عن الغيب. وقوله:((هي المنجية)) يحتمل أن تكون مؤكدة لقوله: ((هي المانعة))، وأن تكون مفسرة، ومن ثم عقب بقوله:((تنجيه من عذاب الله)) ثم الجملتان مبينتان لمعنى الشفاعة في الحديث السابق، وتعريف الخبر فيهما لفائدة الحصر، أي إن هذه السورة هي المنجية لا غير، أو هي كاملة في الإنجاء، فعلي هذا التعريف للجنس.
الحديث الحادى والعشرون عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((كان لا ينام حتى يقرأ)) ((حتى)) غاية ((لاينام)) ويحتمل أن يكون المعنى إذا دخل وقت النوم لا ينام حتى يقرأ، وأن يكون ((لا ينام)) مطلقاً حتى يقرأ، المعنى لم يكن من عادته النوم قبل القراءة، فتقع القراءة قبل دخول وقت النوم أي وقت كان، ولو قيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلاأهما بالليل لم يفد هذه الفائدة: قوله: ((في المصابيح: غريب)) هذا ينافي قول الترمذى: ((هذا حديث صحيح)) وقد سبق بيان: أن الصحيح قد يكون غريباً.
2156 -
وعن أبن عباس، وأنس بن مالك رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت} تعدل نصف القراَن، و {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القراَن، و {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القراَن)). رواه الترمذى. [2156]
2157 -
وعن معقل بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقرأ ثلاث اَيات من اَخر سورة ((الحشر)) وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسى، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً. ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة)). رواه الترمذى، والدرامى. وقال الترمذى: هذا حديث غريب. [2157]
ــ
الحديث الثانى والعشرون عن أبن عباس وأنس رضي الله عنهما: قوله: (({إذا زلزلت} تعدل نصف القراَن)) ((تو)): يحتمل أن يكون: المقصود الأعظم بالذات من القراَن بيان المبدأ، والمعاد، و ((إذا زلزلت)) مقصورة علي ذكر المعاد، مستقلة ببيان أحواله، فتعادل نصفه، وجاء في حديث اَخر:((إنها ربع القراَن)) وتقريره أن يقال: القراَن يشتمل علي تقرير التوحيد، والنبوات، وبيان أحكام المعاش، وأحوال المعاد، وهذه السورة مشتملة علي القسم الأخير من الأربع. و {قل با أيها الكافرون} محتوية علي القسم الأول منها؛ لأن البراءة من الشرك إثبات للتوحيد، فيكون كل واحدة منها كأنها ربع القراَن، وهذا تلخيص كلام الشيخ التوربشتى رحمه الله.
فإن قلت: هلا حملوا المعادلة علي التسوية في الثواب علي المقدار المنصوص عليه قلت: منعهم من ذلك لزوم فضل ((إذا زلزلت)) علي سورة الإخلاص، والقول الجامع فيه ما ذكره الشيخ التوربشتى رحمه الله من قوله: نحن وإن سلكنا هذا المسلك بمبلغ علمنا نعتقد ونعترف أن بيان ذلك علي الحقيقة إنما يتلقى من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه هو الذي ينتهي إاليه في معرفة حقائق الأشياء، والكشف علي خفيات العلوم. فأما القول الذي نحن بصدده، ونحوم حوله علي مقدار فهمنا، وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الأحتمال.
الحديث الثالث والعشرون عن معقل بن يسار: قوله: ((فقرأ ثلاث اَيات)) هذه الفاء مقابلة لما في قوله تعالي: {فإذا قرأت القراَن فأستعذ} ؛ لأن الَايه توجب تقديم القراءة علي الأستعاذة ظاهراً، والحديث بخلافه، فاقتضى ذلك أن يقال: وإذا أردت القراءة، فأستعذ، ولا يحسن هذا
2158 -
وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((من قرأ كل يوم مائتى مرة {قل هو الله أحد} محى عنه ذنوب خمسين سنة؛ الإ أن يكون عليه دين)). رواه الترمذى، والدرامى وفي روايته:((خمسين مرة))، ولم يذكر:((إلا أن يكون عليه دين)). [2158]
2159 -
وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((من أراد أن ينام علي فراشه، فنام علي يمينه، ثم قرأ مائة مرة {قل هو الله أحد}، إذا كان يوم القيامة يقول له الرب: ياعبدي! ادخل علي يمينك الجنة)). رواه الترمذى، وقال: هذا حديث حسن غريب. [2159]
2160 -
وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} ، فقال ((وجبت)). قلت: وما وجبت؟ قال: ((الجنة)). رواه مالك، والترمذى، والنسائى. [2160]
2161 -
وعن فروة بن نوفل، عن أبيه: أنه قال: يارسول الله! علمنى شيءياً أقوله إذا أويت إلي فراشى. فقال: ((اقرأ {قل يا أيها الكافرون}، فإنها براءة من الشرك)). رواه الترمذى، وأبوداود، والدرامى. [2161]
ــ
التأويل في الحديث والَايات الثلاث من قوله: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة} .
الحديث الرابع والعشرون عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إلا أن يكون عليه دين)) جعل الدين من حنس الذنوب تهويلا له، ثم استثنى منها.
الحديث الخامس والعشرون عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فنام)) الفاء للتعقيب. وجزاء الشرط، الشرط مع جزائه في قوله:((إذا كان يوم القيامة)) ولم يعمل الشرط الثانى في جزائه أعنى ((يقول))؛ لأن الشرط ماض فلم تعمل فيه ((إذا)). فلا تعمل في الجزاء، كما قول الشاعر:
إذا أتاه خليل يوم مسألة
…
يقول: لا غائب مالي ولا حرام
قوله: ((علي يمسنك)) حال من فاعل ((ادخل)) فطابق هذا قوله: ((فنام علي يمينه)). ((مظ)) يعنى إذا أطعت رسولي، واضطجعت علي يمينك في فراشك، وقرأت السورة التي فيها صفاتى، فأنت اليوم من أصحاب اليمين، فاذهب من جانب يمينك إلي الجنة.
2162 -
وعن عقبة بن عامر، قال: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والابواء، إذ غشيتنا ريح وظلمتة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يتعوذ بـ {أعوذ برب الفلق} ، و {أعوذ برب الناس} ، ويقول:((ياعقبةّ! تعوذبهما، فما تعوذ متعوذ بمثلهما)) رواه أبوداود. [2162]
2163 -
وعن عبدالله بن خبيب، قال: خرجنا في ليله مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركناه، فقال:((قل)). قلت: ما أقول؟ قال: (({قل هو الله أحد} والمعوذتين، حين تصبح وحين تمسى ثلاث مرات تكفيك من كل شيء)) رواه الترمذى، وأبوداود، والنسائى. [2163]
2164 -
وعن عقبة بن عامر، قال: قلت: يا رسول الله! أقرأ سورة (هود) أو سورة (يوسف)؟ قال: ((لن تقرأ شيءياً أبلغ عند الله من {قل أعوذ برب الفلق} . رواه أحمد، والنسائى، والدرامى. [2164]
ــ
الحديث السادس إلي الثامن والعشرين عن عقبة: قوله: ((بين الجحفة والأبواء)) ((تو)): الجحفة محل أحل الشام، والأبواء قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة ثلاثون أو عشرون ميلا، سميت بذلك لتبوء السيول بها.
الحديث التاسع والعشرون عن عبدالله بن خبيب: قوله: ((والمعوذتين)) نصب عطفاً علي {قل هو الله أحد} علي تقدير اقرأ. والقول في قول النبي ((قل)) وفي قول الصحأبي ما أقول علي تأويل القراءة، ومن هذا يعرف أن ((قل هو الله أحد)) علم لهذه السورة، وكذا المعوذتان للسورتين الأخيرتين. قوله:((تكفيك من كل شيء)) أي تدفع عنك كل شيء سوء. ويحتمل أن يكون معناه تغنيك عما سواها، وينصر المعنى الثانى الحديث الَاتى.
الحديث الثلاثون عن عقبة: قوله: ((لن تقرأ شيئاً أبلغ)) بيان لتقييد السؤال المطلق، أي أأقرأ سورة هود، وسورة يوسف لدفع السوء عنى؟، فقال: لن تقرأ شيئاً أبلغ لدفع السوء من هاتين السورتين، ويؤيده قوله في حديث عقبة أيضاً:((تعوذ بهما تعوذ متعوذ بمثلهم)).
الفصل الثالث
2165 -
عن أبي هريرة [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القراَن، واتبعوا غرائبه، وغرائبه فرائضه وحدوده)). [2165]
2166 -
وعن عائشة [رضي الله عنها]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قراءة القراَن في الصلاة أفضل من قراءة القراَن في غير صلاة، وقراءة القراَن في غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير، والتسبيح أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصوم، والصوم جنة من النار)). [2166]
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أعربوا القراَن)) ((نه)): يقال: أعرب عنه لسانه وعرب، إذا بين ما في ضميره، وإنما سمى الإعراب إعراباً لتبيينه وإيضاحه، المعنى بينوا مافي القراَن من غرائب اللغة، وبدائع الإعراب. وقوله:((وابعوا غرائبه)) لم يرد به غرائب اللغة لئلا يلزم التكرار، ولهذا فسره بقوله:((وغرائبه فرائضه وحدوده)) وهي تحتمل وجهين، أحدهما: فرائض المواريث، وحدود الأحكام، وثإنيهما: أن يراد بالفرائض مايجب علي المكلف اتباعه، وبالحدود مايطلع به علي الأسرار الخفية والرموز الدقيقة. وهذا التأويل قريب من معنى ما ورد ((أنزل القراَن علي سبعة أحرف، لكل اَيه منها ظهر وبطن، ولكل حد مطلع))، فقوله:((أعربوا)) إشارة إلي ما ظهر منه، و ((فرائضه وحدوده)) إلي مابطن منه. ولما كان الغرض الأصلي هذا الثانى، قال:((واتبعوا)) أي شمروا عن ساق الجد في تفتيش مايعنيكم، وجدوا في تنقير مايهمكم من الأسرار، ولا توانوا فيه.
الحديث الثانى عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((والصوم جنة)) ((تو)): ذكر خاصية المفضول وترك خواص الفواضل تنبيهاً علي أنها تناهت عن الوصف. فإن قلت: دل هذا الحديث علي أن الصوم دون الصلاة والصدقة، ودل قوله صلى الله عليه وسلم:((كل عمل ابن اَدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف الإ الصوم)) الحديث علي أن الصوم أفضل. قلت: إذا نظر إلي نفس العبادة، كانت الصلاة أفضل من الصدقة، وهي من الصوم؛ فإن موارد التنزيل وشواهد الأحاديث النبوية جارية علي تقديم الأفضل، فإذا نظرت إلي كل منها وما يدلي إليه من الخاصية التي لم يشاركه غيره فيها كان الصوم أفضل.
2167 -
وعن عثمان بن عبدالله بن أوس الثقفي، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قراءة القراَن في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضعف علي ذلك إلي ألفي درجة)). [2167]
2168 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء)). قيل: يارسول الله! وما جلاؤها؟ قال: ((كثرة ذكر الموت، وتلاوة القراَن)) روى البيهقى الأحاديث الأربعة في ((شعب الإيمان)). [2168]
2169 -
وعن، أيفع بن عبد الكلاعى، قال: قال رجل: يارسول الله! أي سورة القراَن أعظم؟ قال: {قل هو الله أحد} . قال: فأي اَية في القراَن أعظم؟ قال: ((اَية الكرسى {الله لا إله هو الحى القيوم} . قال: فأي اَية يانبى الله!
ــ
الحديث الثالث عن عثمان بن عبدالله: قوله: ((ألف درجة)) خبر لقوله: ((قراءة الرجل)) علي تقدير المضاف، أي ذات ألف درجة ليصح الحمل، كما في قوله تعالي:{هم درجات عند الله} أي ذو درجات. وإنما فضلت القراءة في المصحف، لحفظ النظر في المصحف، وحمله، ومسه، وتمكنه من التفكر فيه، واستنباط معإنيه. وقوله:((إلي ألفي درجة)) حال، أي ينتهي إلي ألفي درجة.
الحديث الرابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((كما يصدأ الحديد)) صداء الحديد وسخه، شبه القلوب الطاهرة من اوضار الذنوب بالمراَة المجلوة، ومايكتسبها من الَاثار بالصداء في تكدير الصفاء، قال تعالي:{كلا بل ران علي قلوبهم ماكانوا يكسبون} أما جلاؤه بذكر الموت، فإن ذكره هادم للذات التي حملت الشخص علي ارتكاب الفواحش، والمعاصى، وتصفيتها بتلاوة القراَن؛ لأن القلب الخالي عن القراءة كالبيت الضيق الخرب المظلم، ونور القراَن يشرحه ويوسعه وينوره، قال الله تعالي:{فمن يرد أن يهديه بشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً}
الحديث الخامس عن أيفع بن عبد الكلاعى: أيفع بفتح الهمزة وسكون الياء تحتها نقطتان
تحب أن تصيبك وأمتك؟ قال: ((خاتمة سورة (البقرة) فإنها من خزائن رحمة الله تعالي من تحت عرشه، أعطاها هذه الأمة، لم تترك خيراً من خير الدنيا والأخرة إلا أشتملت عليه)). رواه الدرامى.
2170 -
وعن عبدالملك بن عمير مرسلا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء)) رواه الدارمى، والبيهقى في ((شعب الإيمان)). [2170].
2171 -
وعن عثمان بن عفان [رضي الله عنه]، قال: من قرأ اَخر (اَل عمران) في ليلة كتب له قيام ليلة. [2171].
2172 -
وعن مكحول، قال: من قرأ سورة {اَل عمران} يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلي الليل. رواهما الدارمى. [2172].
2173 -
وعن جبير بن نفير [رضي الله عنه] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله ختم سورة (البقرة) باَيتين، أعطيتما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهن وعلموهن نسائكم، فإنها صلاة وقربان ودعاء)). رواه الدارمى مرسلا. [2173].
ــ
وفتح الفاء. قوله: ((تحب أن تصيبك)) أي فائدتها، يدل علي هذا التقدير قوله:((لم تترك خيراً من خير الدنيا والَاخرة الإ اشتملت عليه)) أما خير الَاخرة فإن قوله: {اَمن الرسول - إلي قوله – لا نفرق بين أحد من رسله} إشارة إلي الإيمان والتصديق، وقوله:{سمعنا وأطعنا} إلي الإسلام والانقياد والأعمال الظاهرة، وقوله:{وإليك المصير} إشارة إلي جزاء العمل في الَاخرة، وقوله:{لا يكلف الله نفساً - إلي قوله – وانصرنا علي القوم الكافرين} إشارة إلي المنافع الدنيوية.
الحديث السادس عن عبد الملك بن عمير: قوله: ((مرسلا)) لأن عبدالملك كان من مشاهير التابعين وثقاتهم، وكان علي قضاء الكوفة بعد الشعبى. قوله:{شفاء من كل داء} يشتمل عليداء الجهل، والكفر، والمعاصى، والأمراض الظاهرة، ولعمرى! إنها كذلك لمن تفكر وتأمل وجرب.
الحديث السابع إلي التاسع عن جبير بن نفير: قوله: ((فإنها صلاة)) ضمير المؤنث راجع إلي معنى الجماعة من الحروف في قوله: ((باَيتين)) وعلي هذا قوله: ((فتعلموهن)) نحو قوله
2174 -
وعن كعب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((اقرأوا سورة (هود) يوم الجمعة)). رواه الدارمى مرسلا.
2175 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من قرأ سورة (الكهف) في يوم الجمعة أضاء له النور مابين الجمعتين)). رواه البيهقى في ((الدعوات الكبير)).
2176 -
وعن خالد بن معدان قال: اقرءوا المنجية وهي {الم تنزيل} ، فإنه بلغنى أن رجلا كان يقرؤها، مايقرأ شيئاً غيرها، وكان كثير الخطايا، فنشرت جناحها عليه، قالت: رب اغفر له فإنه كان يكثر قراءتى، فشفعها الرب تعالي فيه، وقال: اكتبوا له بكل خطئة حسنة، وارفعوا له درجة)) وقال أيضاً: ((إنها تجادل عن صاحبها
ــ
قال الله تعالي: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} والصلاة لا تحمل علي الأركان المخصوصة لانها غيرها، ولا علي الدعاء؛ لئلا يلزم التكرار، بل علي الاستغار لقوله:((غفرانك)) وقوله: {واغفر لنا} فإنهم حملوا صلاة الملائكة في قوله تعالي: {إن الله وملائكته يصلون علي النبي} علي الأستغفار. وأما كونها قرباناً، فإما إلي الله تعالي، وهو الإشارة بقوله:{وإليك المصير} وإما إلي الرسول صلى الله عليه وسلم. وعطف قوله: {والمؤمنون} علي {الرسول} ، ثم جمعه في قوله:{كل اَمن بالله} أي كل من الرسول والمؤمنين اَمن بالله وملائكته، والتنوين في ((كل)) عوض من الرسول والمؤمنين.
الحديث العاشر والحادى عشر عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((أضاء له)) يجوز أن يكون لازاماً، وقوله:((ما بين الجمعتين)) ظرف، فيكون إشراق ضوء النور فيما بين الجمعتين بمنزلة إشراق النور نفسه مبالغة. ويجوز أن يكون متعدياً، والظرف مفعول به وعلي الوجهين فسر قوله تعالي:{فلما أضاءت ما حوله} .
الحديث الثانى عشر عن خالد بن معدان: قوله: ((قال: اقرءوا)) يشعر بأن الحديث موقوف عليه، فقوله:((اقرءوا)) يحتمل أن يكون من كلام الرسول، وقوله:((فإنه بلغنى أن رجلا كان يقرؤها)) إخبار منه صلى الله عليه وسلم، كما أخبر في قوله:((إن سورة في القراَن ثلاثون اَية شفعت لرجل))،
في القبر، تقول: اللهم إن كنت من كتابك فشفعنى فيه، وإن لم أكن من كتابك فامحنى عنه، وإنها تكون كالطير تجعل جناحها عليه فتشفع له، فتمنعه من عذاب القبر)). وقال في (تبارك) مثله. وكان خالد لا يبيت حتى يقرأهمها. [2176].
وقال طاووس: فضلتا علي كل سورة في القراَن بستين حسنة. رواه الدارمى.
2177 -
وعن عطاء بن أبي رباح. قال: بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ (يسَ) في صدر النهار قضيت حوائجه)). رواه الدارمى مرسلا. [2177].
2178 -
وعن معقل بن يسار المزنى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((من قرأ (يسَ) ابتغاء وجه اللي تعالي غفر له ماتقدم من ذنبه، فاقرءوها عند موتاكم)). رواه البيهقى في ((شعب الإيمان)). [2178].
2179 -
وعن عبدالله بن مسعود، أنه قال: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القراَن سورة (البقرة)، وإن لكل شيء لباباً وإن لباب القراَن المفصل. رواه الدارمى. [2179].
ــ
وأن يكون من كلام الراوى. وقوله: ((مايقرأ شيءياً غيرها)) معناه أنه لم يجعل لنفسه ورداً غيره. وقوله: ((اكتبوا له بكل خطئة حسنة)) نحو قوله تعالي: {فؤلئك يبدل الله سياَتهم حسنات} . وقوله: ((إن كنت من كتابك)) إلي اَخره بيان للمجادلة، وهو كما يقول الأب لابنه الذي لم يراع حقه: إن كنت لك أباً فراع حقى، وإن لم أكن لك أباً فكيف تراعى حقى، وهذه المجادلة ونشر الجناح علي قارئها، كالمحاجة، والتظليل المذكور في الزهراوين، كأنهما طيران صواف يحاجان عن أصحابهما، وهي من الكناية الزبدية التي ماَل معناها أن قراءة هذه السورة وبركتها وتنجى صاحبها من كرب القيامة والقبر، وإلي هذا المعنى أشار في صدر الحديث ((اقرأوا المنجية)).
الحديث الثالث عشر والرابع عشر عن معقل بن يسار: قوله: ((فاقرءوها عند موتاكم)) الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا كان قراءة (يسَ) بالإخلاص تكحو الذنوب السالفة فاقرءوا علي من شارف الموت حتى يسمعها أو يجربها علي قلبه فيغفر له ما أسلفه.
الحديث الخامس عشر عن عبد الله بن مسعود: قوله: ((إن لكل شيء سناماً)) أي رفعة وعلواً،
2180 -
وعن علي [رضي الله عنه]، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لكل شيء عروس، وعروس القراَن (الرحمن))) [2180].
2181 -
وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ سورة (الواقعة) في كل ليلة لم تصبه فاقة ابداً)). وكان ابن مسعود يأمر بناته يقرأن بها في كل ليلة. [2181].
رواهما البيهقى في ((شعب الإيمان)).
2182 -
وعن علي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة {سبح اسم ربك الأعلي} رواه أحمد.
2183 -
وعن عبدالله بن عمرو، قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أقرأنى
ــ
استعير من سنام الجمل، ثم كثر أستعماله فيها حتى صار مثلا، ومنه سميت البقرة سنام القراَن، ولباب كل شيء خلاصته، وزبدته مأخوذ من الزبد.
الحديث السادس عشر عن علي رضي الله عنه: قوله: ((لكل شيء عروس)) ((نه)): أعرس الرجل يعرس فهو معرس إذا دخل بإمرأته عند بنائها، ويقال للرجل: عروس، كما يقال للمرأه، وهو أسم لهمها عند دخول أحدهما بالأخر. ((كل شيء)) ها هنا مثل ما في قوله تعالي حكاية سليمان:{وأوتينا من كل شيء} أي من كل مايليق بحالنا، وما يصح أن ينسب إلينا من النبؤة، والعلم، والملك، وفي حق بلقيس {وأوتيت من كل شيء} أي من كل مايستقيم أن ينسب إليها، فالمعنى أن كل شيء يستقيم أتضاف إليه العروس. والعروس ها هنا يحتمل وجهين: أحدهما ازينة كما أريد بقوله: ((لكل شيء قلب ولب)) ومنه قوله تعالي: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت} شبهها بالعروس إذا تزينت بالحلي والثياب الفاخرة، وثإنيهما: الزلفي إلي المحبوب والوصول إلي المطلوب، وذلك أنه كلما كرر قوله:{فبأي اَلَاء ربكما تكذبان} كأنه يجلو نعمة السابغة علي الثقلين، ويزينها ويمن عليهم بها.
الحديث السابع والثامن والتاسع عشر عن عبدالله بن عمرو: قوله: ((من ذوات الر)) أي من
يا رسول الله! فقال: ((اقرأ ثلاثاً من ذوات (الر))). فقال: كبرت سنى، وأشتد قلبى، وغلظ لسانى. قال:((فاقرأ ثلاثاً من ذوات (حم))). فقال مثل مقالته، قال الرجل: يارسول الله! أقرئنى سورة جامعة، فأقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم {إذا زلزلت} حتى فرغ منها. فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليه أبداً، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أفلح الرويجل)) مرتين. رواه أحمد، وأبوداود. [2183].
2184 -
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف اَية في كل يوم؟)) قالوا: ومن يستطيع أن يقرأ ألف اَية في كل يوم؟ قال: ((أما يستطيع أحدكم أن يقرأ {ألهاكم التكاثر}؟)). رواه البيهقى في ((شعب الإيمان)). [2184].
2185 -
وعن سعيد بن المسيب، مرسلا، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات بنى له قصر في الجنة، ومن قرأ عشرين مرة بنى له
ــ
السور التي صدرت بهذه الفواتح. قوله: ((فأقرأه (إذا زلزلت))) إجابة عن سؤاله، يدل علي أنها من الجوامع التي حوت معانى جمة، وما ذلك إلا قوله:((فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره)) إلي اَخرها علي ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر، قال:((لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الَاية الجامعة الفاذة {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره})). وبيان ذلك أنها وردت لبيان الاستقصاء في عرض الأعمال والجزاء عليها، كقوله تعالي:{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين} .
ولعل طلب الرجل القراءة بقوله: ((أقرأنى)) كان طلباً لما يحصل به الفلاح إذا عمل به وقام عليه، وكان موجزاً جامعاً، ومن ثم قال:((لا أزيد عليه ابداً)) فلما طبق المفصل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلح الرويجل)) علي تصغير التعظيم لبعد غوره وقوة إدراكه، وينصر هذا التأويل ما روى الإمام أحمد عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ الَاية، فقال:((حسبى لا أبالي أن لا أسمع غيرها)) والرويجل تصغير شاذ؛ لأن القياس رجيل.
الحديث العشرون والحادى والعشرون عن سعيد بن المسيب: قوله: ((إذاً تكثرون)) ((إذاً)) جواب وجزاء، وفيه معنى التعجب، أي إذا كان جزاء قراءة عشر مرات قصراً فلا حد له حينئذ