الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2096 -
وعن أنسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كانَ ليلةُ القدر نزلَ جبريل [عليه السلام] في كبَكَبَةٍ من الملائكةِ، يُصلون علي كل عبدٍ قائمٍ أو قاعدٍ يذكر الله عز وجل، فإذا كان يومُ عيدهم - يعني يوم فطرهم - باهي بهم ملائكته، فقال يا ملائكتي! ما جزاءُ أجيرٍ وفي عمله. قالوا: ربنَّا جزاؤه أن يُوفي أجرهُ. قال: ملائكتي! عبيدي وإمائي قضوا فريضتي عليهم، ثمَّ خرجوا يعجُّون إلي الدُّعاء، وعزَّتي وجلالي وكرمي وعلوِّي وارتفاع مكإني لأجيبنَّهم. فيقول: ارجعوا فقد غفرتُ لكم، وبدَّلتُ سيئاتِكم حسناتٍ. قال: فيرجعون مغفورًا لهم)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [2096]
(9) باب الاعتكاف
الفصل الأول
2097 -
عن عائشة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكفُ العشر الأواخرَ من رمضانَ حتى
ــ
تلاحيا ارتفعت، فنزل الشروع منزلة الوقوع، ومن ثم عقبة بقوله:((فالتمسوها في التاسعة)) أي التمسوا وقوعها لامعرفتها.
الحديث الثانى عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((في كبكبة)) ((نه)): هي - بالضم والفتح - الجماعة المتضامة من الناس وغيرهم. قوله: ((باهي بهم)) ((نه)): المباهاة المفاخرة، وقد باها به يباهي مباهاة.
أقول: هذه المباهاة مثل المخاصمة في قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالي: ((فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قال: في الكفارات)) إلي آخره، وهي غبطة الملائكة فيما يختص به الإنسان مما ليس لهم فيه حظ، وهي ها هنا الصوم، وقيام الليل، وإحياؤه والذكر فيه، وغيرها من الطاعات والعبادات، وإليه ينظر قوله صلى الله عليه وسلم:((يدع شهوته وطعامه من أجلي)) ومن ثم فسر يوم العيد بـ ((يوم الفطر)) وأضافه إليه، والعج رفع الصوت بالدعاء. قوله:((وارتفاع مكانى)) كناية عن علو شأنه، وعظمة سلطانه، وإلا فالله تعالي منزه عن المكان، وما ينسب إليه من العلو والسفل.
باب الاعتكاف
((مح)): الاعتكاف لغة: الحبس، والمكث، واللزوم، وفي الشرع: المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة. ومذهب الشافعى وأصحابه: أن الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف، ويصح الاعتكاف ساعة واحدة، وهو يحصل بمكث يزيد علي طمإنينة الركوع. ولنا
توفَّاه اللهُ، ثم اعتكف أزواجُهُ من بعدِه. متفق عليه.
2098 -
وعن ابن عبَّاس، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود النَّاس بالخير، وكانَ أجوَدَ ما يكونُ في رمضانَ، وكان جبريل يلقاه كلَّ ليلةٍ في رمضانَ، يعرِضُ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم القرآنَ، فإذا لقيه جبريلُ كانَ أجودَ بالخيرِ من الرَّيحِ الُمرسلَةِ. متفق عليه.
ــ
وجه: أنه يصح اعتكافه المار في المسجد، والمشهور الأول، فينبغى لكل حابس في المسجد لانتظار الصلاة، أو لشغل آخر من آخرة أو دنيا: أن ينوى الاعتكاف، فإذا خرج ثم دخل يجدد النية، ولو تكلم بكلام دنيا، أو عمل صنعة لم يبطل الاعتكاف؛ لأن الاعتكاف ليس إلا لبثًا في المسجد مع النية.
الفصل الأول
الحديث الأول والثانى عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((أجود الناس بالخير)) ((تو)): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح بالموجود، لكونه مطبوعًا علي الجود مستغنيًا عن الفإنيات بالباقيات الصالحات، إذا بدا له عرض من أعراض الدنيا لم يعره مؤخر عينيه وإن عز وكثر ببذل المعروف قبل أن يسأل. وكان إذا أحسن عاد، وإن وجد جاد، وإن لم يجد وعد ولم يخلف الميعاد. وكان يظهر منه أكثر آثار ذلك في رمضان أكثر مما يظهر منه في غيره؛ لمعان، أحدها: أنه موسم الخيرات، وثإنيها: أن الله تعالي يتفضل علي عباده في ذلك الشهر ما لا يتفضل عليهم في غيره، وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله تعالي في عباده، وثالثها: أنه كان يصادف البشرى من الله بملاقاة أمين الوحى، وبتتابع إمداد الكرامة عليه في سواد الليل وبياض النهار، فيجد في مقام البسط حلاوة الوجد، وبشاشة الوجدان، فينعم علي عباد الله بما يمكنه مما أنعم الله عليه، ويحسن إليهم كما أحسن الله إليه شكرًا لله علي ما آتاه.
قوله: ((وكان أجود من الريح المرسلة)) قيل: يحتمل أنه أراد بها التي أرسلت بالبشرى بين يدى رحمة الله تعالي، وذلك لشمول روحها وعموم نفعها. قال الله تعالي:{والمرسلات عرفَا} وأحد الوجوه في الآية: أنه أراد بها الرياح المرسلات للإحسان والمعروف. ويكون انتصاب ((عرفَا)) بالمفعول له. فلهذه المعانى المذكورة في المرسلة، شبه نشر جوده بالخير في العباد بنشر الريح القطر في البلاد، وشتان ما بين الأثرين؛ فإن أحدهما يحيى القلب بعد موته، والآخر يحيى الأرض بعد موتها. وإنما لم يقتصر في تأويل الخير علي ما يبذله من مال، ويوصله من احتاج؛ لما عرفنا من تنوع أغراض المعترين إليه، واختلاف حاجات السائلين عنه،
2099 -
وعن أبي هريرةَ، قال: كانَ يُعرض علي النبي صلى الله عليه وسلم القرآنُ كلَّ عام مرَّةً، فعُرِضَ عليه مرَّتينِ في العام الذي قُبضَ، وكانَ يعتكِفُ كلَّ عامٍ عشرًا، فاعتكفَ عشرينَ في العامِ الذي قُبضَ. رواه البخاري.
ــ
وكان صلى الله عليه وسلم يجود علي كل واحد منهم بما يسد خلته، وينقع غلته، ويشفي علته، وذلك المراد من قوله:((أجود بالخير من الريح المرسلة)).
((مظ)): ((ما)) في ((ما يكون)) مصدرية، وهو جمع؛ لأن أفعل التفضيل إنما يضاف إلي جمع. والتقدير: وكان أجود أكوانه في رمضان. وأقول: لا نزاع في أن ((ما)) مصدرية، والوقت مقدر، كما في مقدم الحاج، والتقدير: كان أجود أوقاته وقت كونه في رمضان، فإسناد الجود إلي أوقاته صلى الله عليه وسلم كإسناد الصوم إلي النهار، والقيام إلي الليل في قولك: نهاره صائم وليله قائم. وفيه من المبالغة ما لا يخفي.
وقوله: ((كان جبريل)) إلي آخره استئناف وتخصيص بعد تخصيص علي سبيل الترقى. فضل أولاً جوده مطلقًا علي جود الناس كلهم، ثم فضل ثإنيا جود كونه في رمضان علي جوده في سائر أوقاته، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل علي جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبهه بالريح، ووصفها بالمرسلة، ولا ارتياب أن مرسلها هو الله تعالي، وهو من صفات جوده علي الخلق طرًا، {وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدى رحمته} وأكرم بجود مشبه بجود الله تعالي. فإن قلت: أي مناسبة لهذا الحديث بباب الاعتكاف؟ قلت: من حيث إتيان أفضل ملائكة إلي أفضل خليقة بأفضل كلام من أفضل متكلم في أفضل أوقات، فالمناسب أن يكون في أفضل بقاع.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((كان يعرض علي النبي صلى الله عليه وسلم)((مظ)): يعنى يأتيه جبريل عليه السلام، ويقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن عليه من أوله إلي آخره؛ لتجديد اللفظ، وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها؛ وليكون سنة في حق الأمة لتجدد التلامذة علي الشيوخ قراءتهم.
أقول: لا يساعد هذا التأويل تعدية ((يعرض)) بـ ((علي))؛ لأن المعروض عليه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الذي يساعد عليه ما روى في شرح الله عن أبي عبد الرحمن السلمى: قرأ زيد بن ثابت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين. اللهم إلا أن يحمل علي باب القلب، كنحو قولهم: عرضت الناقة علي الحوض، أي الحوض علي الناقة، ويؤيده ما وواه أيضًا: أن زيد بن تابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جبريل عليه السلام. وروى أيضًا: أن قراءة زيد هي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جبريل عليه السلام مرتين في العام الذي قبض فيه. والله أعلم.
2100 -
وعن عائشةَ، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف أدْنى إلي رأسَه وهوَ في المسجدِ، فأرجلُه، وكانَ لا يدخل البيت إلَاّ لحاجةِ الإنسانِ. متفق عليه.
2101 -
وعن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنُت نَذَرْتُ في الجاهلية أن أعتكفَ ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: ((فأوف بنذرِكَ)) متفق عليه.
الفصل الثاني
2102 -
عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكفُ في العشرِ الأواخر من رمضانَ، فلم يعتكف عامًا. فلمَّا كان العامُ المقبِلُ اعتكفَ عشرينَ رواه الترمذي.
ــ
الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله ((أدنى إلي رأسه)) ((خط)): فيه من الفقه أن المعتكف ممنوع من الخروج إلا لغائط أو بول، وفيه أن ترجيل الشعر أي استعمال المشط فيه مباح للمعتكف، وفي معناه حلق الرأس، وتقليم الأظفار، وتنظيف البدن من الدرن. وفيه: أن من حلف لا يدخل بيتًا فأدخل رأسه فيه وسائر بدنه خارج، لا يحنث. وفيه أن بدن الحائض طاهر غير نجس.
أقول: أضافت الحاجة إلي الإنسان لتنبه علي أن الخروج لا يضر إلي مما يضطر إليه الإنسان من الأكل والشرب، ودفع الأخبثين. وأما إذا خرج إلي ما له بد منه بطل اعتكافه إن نوى أيامًا متتابعة، ويلزمه الاستئناف، وإن لم ينو التتابع لم يستأنف، وحمل له ثواب الوقت الذي اعتكف فيه.
الحديث الخامس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((كنت نذرت في الجاهلية)) [((مظ))]: فيه من الفقه: أن نذر الجاهلية إذا كان علي وفاق حكم الإسلام كان معمولاً به، ويجب عليه الوفاء به بعد الإسلام. وفيه دليل علي أن من حلف في كفره فأسلم ثم حنث يلزمه الكفارة، وهو مذهب الشافعى رضي الله عنه، وكذلك ظهاره صحيح موجب للكفارة. وفي الحديث دليل علي أن الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف، وعلي أنه لو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام، لا يخرج عن النذر بالاعتكاف في موضع آخر.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((اعتكف عشرين)) ((خط)): في الحديث من الفقه: أن النوافل المؤقتة تقضى إذا فاتت، كما تقضى الفرائض. وفيه مستدل لمن جوز الاعتكاف يغير صوم، وهو قول الشافعى رضي الله عنه، وذلك؛ لأن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر؛ لأن الوقت مستحق له لا للاعتكاف.
2103 -
ورواه أبو داود، وابنُ ماجه عنْ أبي بنِ كعب. [2103]
2104 -
وعن عائشةَ، قالتْ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ أنْ يعتكف صلي الفجر ثمَّ دخل في مُعتكفِه. رواه أبو داود، وابنُ ماجه. [2104]
2105 -
وعنها، قالتْ: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعودُ المريضَ وهوَ معتكفٌ، فيمُر كما هوَ فلا يُعرِّجُ يسألُ عنه. رواه أبو داود، وابن ماجه.
2106 -
وعنها، قالتْ: السُّنَّةُ علي المعتكفِ أن لا يعودَ مريضًا، ولا يشهَدَ جنازةً، ولا يمس المرأةَ، ولا يُباشرها، ولا يخرجَ لحاجةٍ، إلَاّ لما لابدَّ منه، ولا اعتكافَ إلَاّ بصومٍ، ولا اعتكافَ إلَاّ في مسجدٍ جامعٍ. رواه أبو داود. [2106]
ــ
الحديث الثانى عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((صلي الفجر ثم دخل في معتكفه)) ((مح)): احتج به من يقول: يبدأ بالاعتكاف من أول النهار، وبه قال الأوزاعى، والثورى، والليث في أحد قوليه. وقال مالك، وأبي حنيفة، والشافعى، وأحمد: يدخل فيه قبل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهر أو عشر. وتأولوا الحديث علي: أنه دخل المعتكف، وانقطع فيه، وتخلي بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أنه وقت ابتداء الاعتكاف؛ بل كان من قبل المغرب معتكفًا لابثًا في المسجد، فلما صلي الصبح انفرد.
((تو)): المراد من المعتكف في هذا الحديث الموضع الذي كان يخلو فيه بنفسه من المسجد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان ينفرد لنفسه موضعًا يستتر فيه عن أعين الناس، وفي معناه ورد الحديث الصحيح ((اتخذ حجرة من حصير)).
الحديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فيمر كما هو)) الكاف صفة مصدر محذوف، و ((ما)) موصولة، ولفظ ((هو)) مبتدأ والخبر محذوف، والجملة صلة، أي يمروا مرورًا مثل الهيئة التي هو عليها، فلا يميل إلي الجوانب، ولا يقف. فيكون قوله:((ولا يعرج)) بيانًا للمجمل؛ لأن التعريج الإقامة، والميل علي الطريق إلي جانب، وقوله ((يسأل عنه)) بيان لقوله:((يعود المريض)) علي سبيل الاستئناف.
((مظ)): وفيه: أن من خرج لقضاء حاجة، واتفق له عيادة المريض، والصلاة علي الميت، فلم ينحرف عن الطريق، ولم يقف فيه وقوفًا أكثر من قدر الصلاة علي الميت مثلا، لم يبطل اعتكافه وإلا بطل عند الأئمة الأربعة. وقال الحسن، والنخعى: يجوز الخروج للمعتكف لصلاة الجمعة وعيادة المريض وصلاة الجنازة.
الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عتها: قوله: ((السنة علي المعتكف)) السنة الدين
ــ
والشرع. ((خط)): إن أرادت عائشة رضي الله عنها بذلك إضافة هذه الأمور إلي النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً، فهي نصوص لا يجوز خلافها، وإن أرادت به الفتيا علي ما عقلت من السنة، فقد خالفها بعض الصحابة في بعض هذه الأمور، والصحابة إذا اختلفوا في مسألة كان سبيلها النظر، علي أن أبا داود قد ذكر علي أتر هذا الحديث: أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه أنها قالت: ((السنة كذا)) فدل ذلك علي احتمال أن يكون ما قالته فتوى منها، وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويشبه أن تكون أرادت بقولها:((لا يعود مريضًا)) أي لا يخرج من معتكفه قاصدًا عيادته، وأنه لا يضيق عليه أن يمر به فيسأله غير معرج، كما ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي قبل هذا.
قوله: ((ولا يمس المرأة)) ((حس)): أي لا يجامعها، ولا خلاف في أنه لو جامع يبطل اعتكافه، أما لو قبل، أو باشر فيما دون الفرج فقد اختلفوا فيه، نذهب قوم إلي أنه لا يبطل وإن أنزل، كما لا يفسد به الحج، وهو أظهر قولي الشافعى، ذكر الإمام الرافعى رحمه الله في الشرح الكبير: لو لمس أي المعتكف، أو قبل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج متعمدًا، فهل يفسد اعتكافه؟ فيه طريقان: أظهرهما: أن المسألة علي القولين، أحدهما - ويروى عن الإملاء - أنها تفسده، والثانى - ويروى عن الأم أنها لا تفسد؟ لأنها مباشرة لا تبطل الحج، فلا يبطل الاعتكاف، كالقبلة بغير شهوة. والطريق الثانى: القطع بأنها لا تفسد، حكاه الشيخ أبو محمد أو المسعودى. ثم قال الإمام: لو احتصرت الخلاف في المسألة، قلت: فيها ثلاتة أقوال، أحدها: أنه لا يفسد الاعتكاف أنزل أم لم ينزل، والثانى: تفسده أنزل أم لم ينزل، وبه قال مالك، والثالث، وبه قال أبو حنيفة، والمزنى، وأصحاب أحمد: أن ما أنزل منها أفسد الاعتكاف، وما لا فلا. والمفهوم من كلام الأصحاب بعد الفحص: أن هذا القول أرجح، وإليه ميل أبي إسحاق المروزى، وإن استبعده صاحب المهذب ومن تابعه.
أقول: أما الاستدلال بنص القرآن، فإن قوله تعالي:{لا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} نهي، عطف علي الأمر من قوله:{فالآن باشروهن} ولا يستراب أن المراد منه الجماع لما سبق من قوله: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نسائكم} ثم قوله: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} فقوله: {لا تباشروهن} رخصة فيها بعد ما كانت منهية، فيجب الحمل علي الجماع فقط ليتجاوب النظم، فينبغى أن يحمل أظهر قولي الشافعى علي هذا.
قوله: ((لا اعتكاف إلا بصوم)) أي لا اعتكاف كاملاً، أو فاضلاً، وإلا فالاعتكاف يصح بدون الصوم كما مر. قوله:((ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع)) ((حس)): فيه دليل أن الاعتكاف يختص