الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعد:
لا جرم أن الصراع الأبدي القائم بين معسكري الإيمان والكفر لم يكن صراعاً قط بين: أسماء بلا مسميات، ولا بين أشكال بلا مضامين، ولا بين انتساب مزور للمنتسب إليه
…
وإنما حقيقة الصراع الأبدي الرهيب قائمة وسط: حقائق، ومسميات، ومضامين. فالصراع مشتعل بين: حقيقتي التوحيد والشرك؛ وملتهب بين: مضموني الإيمان والكفر؛ ومتأجج بين مسمى الحق والباطل.
وبجلاء هذه الحقيقة الغائبة التائهة نلمس ونتيقن: علة استباحة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ومقدساتهم وسط جماهيره الغفيرة - والتي يُستعصى حصرها على العادّين - دون تحريك ساكن، أو تسكين متحرك، اللهم إلا الشجب والإدانة! تلك الألفاظ الرنانة التي تعرت عن معانيها
ولوازمها، والتي حرم عليها مجاوزة محلها من صفحات الجرائد والمجلات، وتمتمات رجال الإذاعة والتلفاز!
قال صلى الله عليه وسلم: "وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها"(1).
فأول هذه الأمة لما قاموا بحقائق التوحيد ومقتضياته: علماً، وعملاً، واعتقاداً، وسلوكاً؛ أظلتهم الرحمة، وغشيتهم العافية، وضمن لهم مولاهم تبارك وتعالى: النصر، والعلو، والتمكين، ولو اجتمع عليهم من بأقطار المعمورة حتى يسبي بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً.
وآخر هذه الأمة لما غفل كثير من المنتسبين إليها عن: معنى التوحيد وأركانه وشروطه، وضاع فرقانه بينهم، واختلطت أعلامه بأعلام ضده ونقيضه من الشرك والإلحاد، ومن ثم عاد مختزلاً بينهم: تارة في النطق فقط، وتارة في الاعتقاد دون العمل، وتارة في الانتساب المزيف، وتارة في إرث موروث بلا بينة ولا برهان، وتارة في شهادات الميلاد وبطاقات الرشد وجوازات المرور
…
وترتب على تلك الغفلة:
* تسلط الأعداء ومعاينة البلاء حتى صار أمرنا كالغنم المائجة على وجهها هربا من ذئاب رعاتها وأعدائها، لا تدري لماذا الفرار ولا أين القرار.
* ضياع الأمانة الملقاة على عاتق الأمة.
* قلب الموازين والقيم.
* تأمين الخائن والزنديق.
* تخوين المؤمن الأمين.
* ترئيس العتاة المتكبرين.
* العمل على استئصال الموحدين المخلصين.
* السعي على ظهور وعلو المفسدين الضالين.
* رفع رايات الإلحاد والعلمانية.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 161، 191) والإمام مسلم في صحيحه - كتاب الإمارة برقم: 46، والنسائي في البيعة وابن ماجه في الفتن.
* إخماد راية التوحيد والإيمان.
* موالاة المشركين والكافرين.
* البراءة من حزب الله الموحدين.
* تنحية شرائع الرحمن.
* تحكيم شرائع الشيطان.
* الدعوة إلى التوحيد الصافي أصبحت جريمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام.
* الدعوة إلى الإلحاد والتشكيك في أصول الاعتقاد غدت مستندات الحياة الآمنة الرغدة الهنيئة
…
إن في الأفق ملامحاً أكيدة، وقرائن عديدة، وخطوطاً عريضة: منذرة ومحذرة بقرب وقوع المعركة الفاصلة بين: المسلمين الموحدين، وبين قوى الكفر قاطبة على اختلاف مللهم ونحلهم وعقائدهم. إن كفار اليوم قد صفوا كافة حساباتهم بينهم، وغضوا الطرف جانباً عنها، ريثما يتم التخلص من المسلمين والقضاء على دينهم.
إن كفار اليوم قد أعدوا العدة وشحذوا الهمم، وامتطوا الجياد، وسلوا السيوف، وصفوا الصفوف
…
وما زال كثير من الدعاة والمربين والمصلحين مصرين: على وضع الغمامة على أعينهم، وعلى جعل أصابعهم في آذانهم، خشية تشخيص الداء القتال الذي يفتك بجسد الأمة، ويوهن صلبها، ويسلمها صيداً ثميناً لأعدائها، ينهشون لحمها، ويقطعون أوصالها، ويرتوون من دمائها، ويجتمعون على موائد المكر والفتك بدينها.
وبعد هذه المقدمة أضع نصب أعين الدعاة والمربين والمصلحين: حقيقة راسخة ناطقة بأنه لا عود لهذا الدين مسيطراً ومهيمناً ومتحدياً، إلا بتجريد التوحيد والتربية عليه، والقضاء على الشرك بكافة صورة وألوانه.
* إن التوحيد هو الحبل الوحيد الممدود بين الأمة وربها.
* إن التوحيد هو المستمسك الرصين الكفيل بالقضاء على كافة ألوان الشرك
والإلحاد المتمثلة في الوطنية، والقومية العربية، والعلمانية، والحداثة
…
* إن التوحيد هو الشعار الخالص والعلم الفريد الذي يضمن للأمة وحدتها وتفردها وعلوها.
* إن التوحيد هو الفرقان الفارق، والحد الفاصل بين المسلمين والمشركين.
* إن التوحيد هو ثمن الجنة، ومهر الزحزحة عن النيران ولا سبيل للنجاة بدونه.
* إن التوحيد هو الحصن الحصين والمأمن الأمين من مكائد وفتن مردة الطغاة والشياطين.
* إن التوحيد هو المطهّر الفعال لصفوف المسلمين من آفات المنافقين والزنادقة.
* إن التوحيد هو السبيل المعصوم للبراءة من البدع ومحدثات الأمور.
* إن التوحيد هو البيان العملي والتجسيد الفعلي لدعوة الكتب الربانية ولرسالة الرسل الإلهية.
* إن التوحيد هو حائطة الصد الشامخ الذي تتهاوى عليه كافة الضربات المتلاحقة من سائر الكفار والملاحدة.
ولعظم هذه القضية - التي تطابقت وتصادقت عليها: الكتب الربانية، والرسالات الإلهية - جاء هذا المؤلف، وأعد لها.
وقد قمت في هذه الرسالة ببيان:
بعض الحجج المأخوذة لإفراد الله بالعبادة والبراءة من عبادة ما سواه، والمتمثلة في: الميثاق، والفطرة، والعقل، والآيات الكونية؛ وهي الحجج المذكورة في كتابي الأول "العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي" فقد عزمت مستعيناً بالله على إخراج كل باب منه في بحث مستفيض مستقل. والله المستعان، وعليه التكلان، وهو الهادي إلى سواء الصراط.
وقد قسمت هذه الرسالة إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: في حجية الميثاق. وتحدثت فيه عن: محتواه، وعلته، وأنه حجة مستقلة في: إفراد الله بالربوبية والألوهية، وكذا في بطلان الشرك، وأنه ليس بحجة مستقلة في وجوب العذاب في الدارين حتى تقوم الحجة الرسالية.
الفصل الثاني: في حجية الفطرة. وذلك فيه على أن الفطر والإيجاد يوجب عبادة الفاطر، وأن الفطرة قد قطعت: كافة الأسباب الداعية إلى الشرك، وأنها أسبق من سائر المعاذير الساقطة والحجج الداحضة التي يحتج بها المشركون على فعلتهم الخبيثة، المتشخصة في: عبادة غير الله.
الفصل الثالث: في حجية العقل. وأوضحت فيه أن أوجب شيء في العقول هو: حسن التوحيد؛ وأن من أرسخ مرتكزاته؛ قبح الشرك؛ وكذا فيه البراهين الباهرة والأدلة الدامغة على مقتضى الفطرة والميثاق؛ وضمنته حديثاً عن: حجية الآيات الكونية، وشهادتها على إفراد الله بالتأله، وعلى بطلان تأله ما سواه. وختمته بمبحث عن: حكم التحسين والتقبيح العقلي للأفعال قبل بلوغ الشرائع، وحررت فيه مذهب أهل السنة وجماهير فحو سلف الأمة، وعريت فيه سوءات ومخازي كل من حاد عن الصراط في هذه المسألة الفاصلة بين براهين التوحيد وزيف الشرك والإلحاد.
الفصل الرابع: وفيه "آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد".
وبرهنت فيه على أن: حكم الشرك ثابت لمن عبد غير الله، وإن كان جاهلاً ولم تقم عليه حجة البلاغ؛ وأن الشرك والفواحش ذنوب ومعاصي ولو لم يأت الخبر بحرمتها، ويجب على أصحابها التوبة والانخلاع منها بعد بلوغ الخطاب وقيام البرهان. ثم إن الله الرحمن الرحيم لحبه العذر وقف إنزال العقوبة على فعل الشرك والفواحش حتى يبعث الرسل لتزيح علل الكفار؛ وانتفاء العقوبة لانتفاء شرطها، لا لانتفاء سببها. فسببها قبل الرسالة موجود ومقتضاها قائم، إلا أن العذاب عليها مشروط بقيام الحجة وبلوغ الخطاب.
وختاماً أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرفع علم الجهاد بجحافل التوحيد، وأن يضع بهم أهل الشرك والفساد.
اللهم تقبله مني، واغفر لي خطئي وزللي، واجعله ذخراً لي في الدنيا وعتقاً من النيران في الآخرة.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل. وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو يوسف مدحت بن الحسن آل فراج.