الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الفطرة تقتضي بذاتها الإسلام والخروج عنه خلاف مقتضاها:
قال ابن تيمية رحمه الله: "والكتاب - والسنة - دل على ما اتفقت عليه من كون الخلق مفطورين على دين الله، الذي هو معرفة الله، والإقرار به، بمعنى أن ذلك موجب فطرتهم، ويمقتضاها يجب حصوله فيها؛ إذا لم يحصل ما يعوقها. فحصوله فيها لا يقف على وجود شرط، بل على انتفاء مانع.
ولهذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لموجب الفطرة شرطا، بل ذكر ما يمنع موجبها، حيث قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما قال تعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(1)، فأخبر أن المشركين مفترقون.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه لا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم"(2).
وقد قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)(3). وقال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)(4).
(1) سورة الروم، الآيات: 30 - 32.
(2)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه/ كتاب الأقضية - باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة برقم: 1715.
(3)
سورة الشورى، الآية:13.
(4)
سورة البقرة، لآية:213.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(1).
وأصل الدين الذي فطر الله عليه عباده. كما قال: "خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزِّل به سلطانا" فهو يجمع أصلين:
أحدهما: عبادة الله وحده لا شريك له، وإنما يُعبد بما أحبه وأمر به. وهذا هو المقصود الذي خلق الله له الخلق، وضده الشرك والبدع.
والثاني: حل الطيبات التي يستعان بها على المقصود. وهو الوسيلة، وضدها تحريم الحلال. والأول كثير في النصارى، والثاني - وهو تحريم الطيبات - كثير في اليهود، وهما جميعا في المشركين". (2) أ. هـ.
وقال الحافظ رحمه الله: "ويؤيد المذهب الصحيحح - أي أن المراد بالفطرة هو الإسلام - أن قوله "فأبواه يهودانه الخ" ليس فيه لوجود الفطرة شرط، بل ذكر ما يمنع موجبها؛ كحصول اليهودية مثلاً متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة، بخلاف الإسلام"(3) أ. هـ.
وقال ابن القيم: "وإن كان المراد بهذا القول (4) ما قاله طائفة من العلماء، أن المراد أنهم ولدوا على الفطرة السليمة التي لو تركت مع صحتها لاختارت المعرفة على الإنكار، والإيمان على الكفر، ولكن بما عرض لها من الفساد خرجت عن هذه الفطرة، فهذا القول قد يقال: لا يرد عليه ما يرد على القول
(1) سورة المؤمنون، الآيات: 51 - 53.
(2)
درء تعارض العقل والنقل (8/ 454: 455).
(3)
فتح الباري (3/ 294).
(4)
أي أن: كل مولود يولد على السلامة: خلقة وطبعاً وبنية ليس معها كفر ولا إيمان. وهو أحد الأقوال في تعريف الفطرة.
الذي قبله؛ فإن صاحبه يقول: في الفطرة قول تميل بها إلى المعرفة والإيمان، كما في البدن السليم قوة يحب بها الأغذية النافعة؛ وبهذا كانت محمودة وذم من أفسدها.
لكن يقال: فهذه الفطرة التي فيها هذه القوة والقبول والاستعداد والصلاحية هل هي كافية في حصول المعرفة؛ أو تقف المعرفة على أدلة من خارج؟
فإن كانت المعرفة تقف على أدلة من خارج أمكن أن يوجد تارة ويعدم أخرى. ذلك السبب يمتنع أن يكون موجبا للمعرفة بنفسه، بل غايته أن يكون معرفا ومذكرا؛ فعند ذلك إن وجب حصول المعرفة كانت واجبة الحصول عند وجود ذلك الأسباب؛ وإلا فلا؛ وحينئذ فلا يكون فيها إلا قبول المعرفة والإيمان، وحينئذ فلا فرق فيها بين: الإيمان والكفر، والمعرفة والإنكار، إنما فيها قوة قابلة لكل منهما واستعداد له! لكن يتوقف على المؤثر الفاعل من خارج، وهذا هو القسم الأول الذي أبطلناه، وبينا أنه ليس في ذلك مدح للفطرة.
وأما إن كان فيها قوة تقتضي المعرفة بنفسها - وإن لم يوجد من يعلمها أدلة المعرفة فيها بدون ما يسمعه من الأدلة - سواء قيل إن المعرفة ضرورية فيها، أو قيل إنها تحصل بأسباب تنتظم في النفس، وإن لم يسمع كلام مستدل؛ فإن النفس قد يقوم بها من النظر والاستدلال ما يحتاج معه إلى كلام الناس، فإن كان كل مولود يولد على هذه الفطرة؛ لزم أن يكون المقتضي للمعرفة حاصلا لكل مولود وهو المطلوب، والمقتضي التام مستلزم مقتضاه.
فتبين أن أحد الأمرين لازم: إما كون الفطرة مستلزمة للمعرفة؛ وإما استواء الأمرين بالنسبة إليها، وذلك ينفي مدحها
وتلخيص ذلك أن يقال: المعرفة والإيمان بالنسبة إليها ممكن بلا ريب؛ فإما أن تكون هي موجبة مستلزمة لذلك، وإما أن لا تكون مستلزمة له؛ فلا يكون
واجبا لها. فإن كان الثاني لم يكن فرق بين الكفر والإيمان بالنسبة إليها، أو كلاهما ممكن لها؛ فثبت أن المعرفة لازمة لها إلا أن يعارضها معارض.
فإن قيل: ليست موجبة مستلزمة للمعرفة ولكن هيء إليها الميل مع قبولها للنكرة.
قيل: فحينئذ إذا لم تستلزم المعرفة وجدت تارة، وعدمت تارة، وهي وحدها لا يحصلها؛ فلا تحصل إلا بشخص آخر كالأبوين فيكون الإسلام والتهويد والتنصير والتمجيس. ومعلوم أن هذه أنواع بعضها أبعد عن الفطرة من بعض كالتمجيس، فإن لم تكن الفطرة مقتضية للإسلام صار نسبتها إلى ذلك كنسبة التهويد والتنصير إلى التمجيس؛ فوجب أن يذكر كما ذكر ذلك، ويكون هذا كمكون الفطرة لا يقضى الرضاع إلا بسبب منفصل وليس كذلك، بل الطفل يختار مص اللبن؛ بنفسه فإذا مُكن من الثدي وجدت الرضاعة لا محالة؛ فارتضاعه ضروري إذا لم يوجد معارض، وهو مولود على أن يرضع؛ فكذلك هو مولود على أن يعرف الله؛ والمعرفة ضرورية لا محالة إذا لم يوجد معارض. وأيضا: فإن حب النفس لله، وخضوعها له، وإخلاصها له مع الكفر به، والشرك، والإعراض عنه، ونسيان ذكره إما أن يكون نسبتهما إلى الفطرة سواء، أو الفطرة مقتضية للأول دون الثاني.
فإن كانا سواء لزم انتفاء المدح كما تقدم، وإن لم يكن فرق بين: دعائها إلى الكفر، ودعائها إلى الإيمان، ويكون تمجيسها كتحنيفها؛ وقد عرف بطلان هذا.
وإن كان فيها مقتض لهذا: فإما أن يكون المقتضي مستلزماً لمقتضاه عند عدم المعارض، وإما أن يكون متوقفا على شخص خارج عنها؛ فإن كان الأول ثبت ذلك من لوازمها، وأنها مفطورة عليه، لا يفقد إلا إذا فسدت الفطرة؛ وإن قدر أنه متوقف على شخص فذلك الشخص هو الذي يجعلها حنيفية كما يجعلها مجوسية، وحينئذ فلا فرق بين هذا وهذا. وإذا قيل: هي إلى الحنيفية
أميل كان كما يقال: هي إلى غيرها أميل، فتبين أن فيها قوة موجبة لحب الله، والذل له، وإخلاص الدين له، وإنها موجبة لمقتضاها إذا سلمت من المعارض، كما أن فيها قوة تقتضي شرب اللبن الذي فطرت على محبته وطلبه.
مما يبين هذا: أن كل حركة إرادية فإن الموجب لها قوة في المريد، فإذا أمكن في الإنسان أن يحب الله، ويعبده، ويخلص له الدين كان فيه قوة تقتضي ذلك، إذ الأفعال الإرادية لا يكون سببها إلا من نفس الحي المريد الفاعل، ولا يشترط في إرادته إلا مجرد الشعور بالمراد، فما في النفوس من قوة المحبة له إذا شعرت به تقتضي حبه إذا لم يحصل معارض، وهذا موجود في محبة الأطعمة، والأشربة، والنكاح، والعلم وغيرها، وقد ثبت أن في النفس قوة المحبة لله، والإخلاص والذل له والخضوع، وأن فيها قوة الشعور به، فيلزم قطعا وجود المحبة له والتعظيم والخضوع بالفعل لوجود المقتضي إذا سلم عن المعارض. وتبين أن المعرفة والمحبة لا يشترط فيهما وجود شخص منفصل؛ وإن كان وجودها قد يذكر ويحرك، كما لو خوطب الجائع أو الظمآن بوصف طعام، أو خوطب المغتلم بوصف النساء؛ فإن هذا مما يذكره، ويحركه ويثير شهوته الكامنة بالقوة في نفسه؛ لا أنه يحدث له نفس تلك الإرادة والشهوة بعد أن لم تكن فيه فيجعلها موجودة بعد أن كانت عدما.
فكذلك الأسباب الخارجة عن الفطرة لا يتوقف عليها وجود ما في الفطرة من الشعور بالخالق ومحبته وتعظيمه والخضوع له؛ وإن كان ذلك مذكرا ومحركا ومنبها ومزيلا للعارض المانع؛ ولذلك سمى الله سبحانه ما كمل به موجبات الفطرة بذكر وذكرى، وجعل رسوله مذكرا فقال:(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) وقال: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) وقال: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) وقال: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) وقال: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ) وقال: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
وهذا كثير في القرآن يخبر أن كتابه ورسوله مذكر لهم بما هو مركوز في فطرهم من: معرفته، ومحبته، وتعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والإخلاص له، ومحبة شرعه - الذي هو العدل المحض - وإيثاره على ما سواه.
فالفطر مركوز فيها: معرفته، ومحبته، والإخلاص له، والإقرار بشرعه، وإيثاره على غيره، فهي تعرف ذلك، وتشعر به مجملا، ومفصلا بعض التفصيل؛ فجاءت الرسل تذكرها بذلك، وتنبهها عليه، وتفصله لها وتبينه، وتعرفها الأسباب المعارضة لموجب الفطرة المانعة من اقتفائها أثرها.
وهكذا شأن الشرائع التي جاءت بها الرسل فإنها: أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وإباحة طيب، وتحريم خبيث، وأمر بعدل، ونهي عن ظلم. وهذا كله مركوز في الفطرة، وكمال تفصيله وتبيينه موقوف على الرسل، وهكذا باب التوحيد وإثبات الصفات فإن في الفطرة الإقرار بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه للخالق سبحانه؛ ولكن معرفة هذا الكمال على التفصيل مما يتوقف على الرسل، وكذلك تنزيهه عن النقائص والعيوب هو أمر مستقر في فطر الخلائق خلافا لمن قال من المتكلمين إنه لم يقم دليل عقلي على تنزيهه عن النقائص، وإنما علم بالإجماع!!
قبحا لهاتيك العقول فإنها
…
عقال على أصحابها ووبالٌ
فليس في العقول أبين ولا أجلى من: معرفتها بكمال خالق هذا العالم، وتنزيهه عن العيوب والنقائص. وجاءت الرسل بالتذكرة بهذه المعرفة وتفصيلها، وكذلك في الفطر الإقرار بسعادة النفوس البشرية وشقاوتها، وجزائها بكسبها في غير هذه الدار. وأما تفصيل ذلك الجزاء والسعادة والشقاوة فلا تعلم إلا بالرسل، وكذلك فيها: معرفة العدل ومحبته وإيثاره. وأما تفاصيل العدل الذي هو شرع الرب تعالى فلا يعلم إلا بالرسل.
فالرسل تذكر بما في الفطر وتفصله وتبينه؛ ولهذا كان العقل الصريح موافقا: للنقل الصحيح، والشرعة مطابقة: للفطرة يتصادقان ولا يتعارضان خلافا لمن قال: إذا تعارض العقل والوحي قدمنا العقل على الوحي!!
فقبحا لعقل ينقض الوحي حكمه
…
ويشهد حقا أنه هو كاذب
والمقصود أن الله فطر عباده على فطرة فيها: الإقرار به، ومحبته، والإخلاص له، والإنابة إليه، وإجلاله وتعظيمه، وأن الشخص الخارج عنها لا يحدث فيها ذلك، ويجعلها فيها بعد أن لم يكن، وإنما يذكرها بما فيها، وينبهها عليه، ويحركها له، ويفصله لها ويبينه، ويعرفها الأسباب المقوية والأسباب المعارضة له والمانعة من كماله. كما أن الشخص الخارج لا يجعل في الفطرة شهوة اللبن عند الرضاع، والأكل والشرب والنكاح، وإنما تذكر النفس وتحركها لما هو مركوز فيها بالقوة.
ومما يبين ذلك: أن الإقرار بالصانع مع خلو القلب عن محبته والخضوع له وإخلاص الدين له لا يكون نافعا، بل الإقرار به مع الإعراض عنه، وعن محبته وتعظيمه والخضوع له أعظم استحقاقا للعذاب، فلا بد أن يكون للفطرة مقتض للعلم، ومقتض للمحبة، والمحبة مشروطة بالعلم فإن ما لا يشعر به الإنسان لا يحبه، والحب للمحبوبات لا يكون بسبب من خارج بل هو جبلي فطري؛ فإذا كانت المحبة جبلية فطرية فشرطها وهو المعرفة أيضاً جبلي فطري؛ فلا بد أن يكون في الفطرة: محبة الخالق مع الإقرار به وهذا أصل الحنيفية التي خلق الله خلقه عليها وفطرته فطرهم عليها.
فعلم أن الحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها؛ والحب لله والخضوع له والإخلاص هو أصل أعمال الحنيفية، وذلك مستلزم: للإقرار والمعرفة، ولازم اللازم لازم، وملزوم الملزوم ملزوم، فالفطرة ملزومة لهذه الأحوال، وهذه الأحوال لازمة لها (1).
(1) أي أن المحبة مستلزمة للمعرفة لاستحالة محبة المجهول، والإقرار والمعرفة أصل لانبثاق المحبة.
فقد تبين دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على: أن الخلق مفطورون على دين الله - الذي هو معرفته، والإقرار به، ومحبته والخضوع له - وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها يجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه ويقتضي حصول ضده، وأن حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع؛ فإذا لم يوجد فهو لوجود منافيه لا لعدم مقتضيه، ولهذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لوجود الفطرة شرطا بل ذكر ما يمنع موجبها حيث قال "فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" فحصول هذا التهويد والتنصير موقوف على أسباب خارجة عن الفطرة، وحصول الحنيفية والإخلاص ومعرفة الرب والخضوع له لا يتوقف أصله على غير الفطرة؛ وإن توقف كماله وتفصيله على غيرها وبالله التوفيق". (1) أ. هـ.
(1) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/ ص: 300 - 303.