الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: بعث الرسل إزاحة لعلل الكفار.
المبحث الثاني: الشرك قبل البيان افتراء على الله وأصحابه مذمومون.
المبحث الثالث: وجوب التوبة من فعل السيئات الواقعة قبل البيان.
الفصل الرابع
آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد
بعد استعراض حجج الله سبحانه على أعظم معنى في الوجود والقائم على: إفراد الله بالعبادة والطاعة، مع الكفر بكافة الأرباب والآلهة المغبودة من دونه.
تلك الحجج المتمثلة في: الميثاق والفطرة والعقل مع شهادة الآيات الكونية بصحة موجبها ومقتضاها.
يمكننا الجزم والحزم: بأن الشرك والظلم والفواحش ذنوب وسيئات، ولو لم يأت الخطاب بالنهي عنها، وتقم حجة البلاغ بحرمتها، وما ذلك إلا لقيام تلك الحجج: ببراهين قبحها وتحسين ضدها من: التوحيد والعدل والطيبات.
وقد أسجل الوحي على المشركين مخالفتهم لحجج التوحيد ونقضهم لعهودها ونبذهم للوفاء بها.
ووصم أفعالهم القبيحة بأنها ذنوب وسيئات من قبل أن يقرع آذانهم بحكم من السمع يخالفونه.
وحكم المولى جل في علاه على كل من وقع في عبادة غيره: بالافتراء والإفك والبهتان، ووبخهم على أفعالهم الممقوتة، وطالبهم تعجيزاً وتبكيتاً: بالسلطان والبرهان على دينهم المفترى وعلى صراطهم المعوج.
قال تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)(1) وقال سبحانه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ
(1) سورة الأنعام: 148.
لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (1).
وقد أمر الله عز وجل بالاستغفار والتوبة لكل ناقض لحجج التوحيد ومتعد على سلطانها، وإن كان جاهلاً ولم تأته رسالة، ولا سمع لها بخبر.
قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)(2).
فلو كان الشرك والظلم والفحشاء: كالمباح المستوي الطرفين والمعفو عنه، وكفعل الصبيان والمجانين، أو لم يثبت لها حكم قبل البيان، ما أمر بالاستغفار والتوبة منها، وما عيّر أصحابها بالافتراء والإفك مع توبيخهم وذمهم عليها، إذ كانت لا حكم لها ولا فرق بينها وبين الطعام والشراب واللهو المباح، ولا توصف بالقبح والسوء والذم إلا بالخبر.
وهذا دليل عزيز وبرهان باهر وحجة ساطعة على أن: حسن التوحيد والعدل والطيبات، وقبح الشرك والظلم والخبائث ثابت في نفس الأمر معلوم بالفطر والعقول، وإلا لزم استواؤها ونفي المرجحات بينها حتى يقوم الخبر بالبيان. وتلك سوءة النفاة التي آلت بهم إلى: المكابرة في الحقائق، وجحد ضروريات المعارف، والطعن في مسلمات العلوم، والسفسطة في أوليات النظر.
* * *
(1) سورة الأحقاف، الآية:4.
(2)
سورة نوح، الآيات: 1 - 4.