الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
حجية الفطرة:
- لو تركت الفطر ودواعيها لما كانت إلا عارفة بالله، وتوحيده، وأسمائه وصفاته المنبثق منها: وحدانية ألوهيته.
- فالمولى جل في علاه - قد فطر عباده منيبين إليه بالطاعة والتأله، ومعرضين عن تأله كل ما سواه.
- والفطر فيها كذلك: الإقرار بسعادة النفوس البشرية وشقاوتها، وجزائها بكسبها في غير هذه الدار؛ وأما تفصيل ذلك الجزاء، وبيان مراتب السعادة والشقاوة فلا تعلم إلا بالرسل.
- وبذلك شهدت فطر وعقول الموحدين: بأن الله أهل لأن يعبد، ولو لم يرسل بذلك الرسل، وينزل به الكتب.
- وعليه أصبحت الفطرة هي: بينة التوحيد وشاهده في أنفس الموحدين. فلا جرم أن الفطر يقتضي عبادة الفاطر، لا سيما إذا كان المبدأ منه، والمصير إليه. فهذا يحتم على المفطور: التفرغ لعبادة فاطره.
- وبهذا تكون الفطرة حجة مستقلة في بطلان الشرك، وذلك لسبق حجيتها: كافة الحجج الداحضة، والمعاذير الساقطة، والعلل العليلة التي يتشبث بها المشركون لتسويغ: افترائهم وإفكهم.
- والدليل على أن الفطرة تقتضي بذاتها الإسلام، والخروج عنه خلاف مقتضاها، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر للإسلام شرطاً مقتضياً له غيرها، وجعل ما دونه من الأديان والاعتقادات الباطلة من إحداث الأبوين - أو من يقوم مقامها في التربية والتنشئة -. والإجماع والآثار عن سلف الأمة وأئمتها لا تدل إلا على هذا القول الراجح في مقتضى الفطرة.
- ولا يلزم من تحرير مقتضى الفطرة أن يكون الطفل ساعة خروجه من
بطن أمه عالماً بمعنى: "لا إله إلا الله". فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا.
ولكن سلامة القلب واستقامته على التوحيد، وبراءته من الشرك بكافة صوره وألوانه، بحيث لو ترك صاحبه بلا مغير لصبغته - منذ ولادته حتى تعلقه - لما كان إلا موحداً لربه بالألوهية، وكافراً بكل معبود سواه.
- ثم أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب بتقرير الفطرة وتكميلها، لا بتغييرها وتحويلها.؟ والكمال يحصل: بالفطرة المكملة بالشرعة المنزلة.
- إلا أن الكتب الربانية، والرسل والإلهية لا تنشئ في فطر الخلق: العلم بالله وتوحيده وأسمائه وصفاته
…
ولكن تذكرها، وتنبهها، وتفصله لها، وتزيل العوارض عنها.
- وبذلك ظهر تطابق وتوافق: الفطر، والعقول، والسمع، وتبين خروجهم جميعاً من مشكاة واحدة. فأولياء الله وخاصته الموحدون المخلصون عبدوه، ووحدوه، وأحبوه، ومجدوه، وحمدوه .. بداعي الفطرة، وداعي العقل، وداعي النقل فاجتمعت لهم كافة الدواعي ونادتهم من كل جهة ودعتهم إلى: إلههم ووليهم وفاطرهم.
- أما المشركون الذين عبدوا مع الله غيره؛ فلم يكن لديهم قط - على تقوّلهم وباطلهم - دليل ولا حجة صحيحة من المعقول أو المنقول، بل وفي الفطر السليمة خلاف ذلك، هذا مع إعراضهم عن الأدلة والبراهين التي نصبها الله تعالى شاهدة على التوحيد، وناطقة بجرم المشركين وإفكهم.
- والمشرك قد ظن بالله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته من النقص والازدراء ما الله به عليم - شاء المشرك ذلك أم أبى - حتى أحوجه ذلك إلى عبودية غيره، وتأله سواه.
فلو ظن بالله ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير .. ما وقع في عبودية غيره، ولا في تأله أحد سواه.
- وبهذا كان جواز الشرك في الفطر والعقول مستحيلا وممتنعاً، لاستلزامه التنقص بالرحمن، والهضم لحقوق ربوبيته وتوحيده وأسمائه وصفاته، مع الظن به - والحال هكذا - أسوأ الظن وأشنعه.
- وبذلك تكون الفطرة قد قطعت: كافة الأسباب الواهية الداعية إلى: الشرك، أو التعطيل والإلحاد.
- ومن ثم كانت جميع العبادات البدنية لا تصح - فضلا عن أن تقبل - حتى تصح وتستقيم مسألة التوحيد في القلوب فيظهر أثرها على الجوارح وفي السلوك.
* * *