الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخذهم بكتاب الله وسنة رسوله، وكلام طَوِيلٍ. فَبَكَى الْمَهْدِيُّ وَأَمَرَ بِكِتَابَةِ ذَلِكَ الْكَلَامِ في دواوينه.
وفيها توفى عبد الملك بن محمد بن محمد بن أبى بكر عمرو بن حزم قدم قاضيا بالعراق. وفرج بن فضالة التنوخي الحمصي، كَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِبَغْدَادَ فِي خِلَافَةِ الرَّشِيدِ، فَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ فَمَاتَ وَلَهُ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ سَنَةً. وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّ الْمَنْصُورَ دَخَلَ يَوْمًا إلى قصر الذهب فقام الناس إلا فرج بْنُ فَضَالَةَ فَقَالَ لَهُ وَقَدْ غَضِبَ عَلَيْهِ: لم لم تقم؟ قال: خِفْتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَسْأَلَكَ لم رضيت بذلك، وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام للناس. قال: فبكى المنصور وقربه وقضى حوائجه. والمسيب بن زهير بن عمر وأبو سلمة الضَّبِّيُّ، كَانَ وَالِيَ الشُّرْطَةِ بِبَغْدَادَ فِي أَيَّامِ الْمَنْصُورِ وَالْمَهْدِيِّ وَالرَّشِيدِ، وَوَلِيَ خُرَاسَانَ مَرَّةً لِلْمَهْدِيِّ. عاش ستا وتسعين سنة. والوضاح بن عبد الله أبو عوانة السري مَوْلَاهُمْ، كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَشَايِخِ فِي الرِّوَايَةِ. تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائة
فيها عزل الرشيد جعفر البرمكي بعن مِصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا إِسْحَاقَ بْنَ سُلَيْمَانَ، وَعَزَلَ حَمْزَةَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ خُرَاسَانَ وَوَلَّى عَلَيْهَا الْفَضْلَ بْنَ يَحْيَى الْبَرْمَكِيَّ مُضَافًا إِلَى مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ بِالرَّيِّ وَسِجِسْتَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ أَصَابَ النَّاسَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَظُلْمَةٌ فِي أَوَاخِرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السنة، وكذلك في أواخر صفر منها. وفيها حج بالناس الرشيد.
وفيها توفى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْقَاضِي الْكُوفِيُّ النَّخَعِيُّ، سمع أبا إسحاق وغير واحد، وكان مشكورا في حكمه وتنفيذ الأحكام، وَكَانَ لَا يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ حَتَّى يَتَغَدَّى ثُمَّ يخرج ورقة من خفه فينظر فيها ثم يأمر بتقديم الخصومة إِلَيْهِ، فَحَرَصَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى قِرَاءَةِ مَا فِي تِلْكَ الْوَرَقَةِ فَإِذَا فِيهَا يَا شَرِيكُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اذْكُرِ الصِّرَاطَ وَحِدَّتَهُ يَا شَرِيكُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اذْكُرِ الْمَوْقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عز وجل. كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ السبت مستهل ذي القعدة منها.
وفيها توفى عبد الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ
فِيهَا وَثَبَتَ طَائِفَةٌ مِنَ الْحُوفِيَّةِ مِنْ قيس وقضاعة على عامل مصر إسحاق بن سليمان فقاتلوه وجرت فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ. فَبَعَثَ الرَّشِيدُ هَرْثَمَةَ بْنَ أَعْيَنَ نَائِبَ فِلَسْطِينَ فِي خَلْقٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ مَدَدًا لإسحاق، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى أَذْعَنُوا بِالطَّاعَةِ وَأَدَّوْا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ وَالْوَظَائِفِ، وَاسْتَمَرَّ هَرْثَمَةُ نَائِبًا عَلَى مِصْرَ نَحْوًا مِنْ شَهْرٍ عِوَضًا عَنْ إِسْحَاقَ بن سليمان، ثم عزله الرشيد عَنْهَا وَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ صَالِحٍ. وَفِيهَا وَثَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ فَقَتَلُوا الْفَضْلَ بْنَ رَوْحِ بْنِ حَاتِمٍ وَأَخْرَجُوا مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ آلِ الْمُهَلَّبِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ الرَّشِيدُ هَرْثَمَةَ فَرَجَعُوا إِلَى الطَّاعَةِ عَلَى يَدَيْهِ. وَفِيهَا فَوَّضَ الرَّشِيدُ أُمُورَ الْخِلَافَةِ كُلَّهَا إِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ. وَفِيهَا خَرَجَ الْوَلِيدُ بْنُ طَرِيفٍ بِالْجَزِيرَةِ وَحَكَمَ بِهَا وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْ أَهْلِهَا. ثُمَّ
مَضَى مِنْهَا إِلَى أَرْمِينِيَّةَ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا سَنَذْكُرُهُ. وَفِيهَا سَارَ الْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى إلى خراسان فأحسن السيرة فيها وَبَنَى فِيهَا الرُّبُطَ وَالْمَسَاجِدَ، وَغَزَا مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَاتَّخَذَ بِهَا جُنْدًا مِنَ الْعَجَمِ سَمَّاهُمُ العباسية، وجعل ولاءهم له، وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ خَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ، وَبَعَثَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى بَغْدَادَ، فَكَانُوا يعرفون بها بالكرمينية، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ:
مَا الْفَضْلُ إِلَّا شِهَابٌ لَا أُفُولَ لَهُ
…
عِنْدَ الْحُرُوبِ إِذَا مَا تَأْفُلُ الشُّهُبُ
حَامٍ على ملك قوم غرّ سَهْمُهُمُ
…
مِنَ الْوِرَاثَةِ فِي أَيْدِيهِمُ سَبَبُ
أَمْسَتْ يَدٌ لِبَنِي سَاقِي الْحَجِيجِ بِهَا
…
كَتَائِبُ مَا لَهَا فِي غَيْرِهِمْ أَرَبُ
كَتَائِبُ لِبَنِي الْعَبَّاسِ قَدْ عَرَفَتْ
…
مَا أَلَّفَ الْفَضْلُ مِنْهَا الْعُجْمُ وَالْعَرَبُ
أَثْبَتَّ خَمْسَ مِئِينٍ فِي عِدَادِهِمْ
…
مِنَ الْأُلُوفِ الَّتِي أَحْصَتْ لَهَا الْكُتُبُ
يُقَارِعُونَ عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينُ هُمُ
…
أَوْلَى بِأَحْمَدَ فِي الْفُرْقَانِ إِنْ نُسِبُوا
إِنَّ الْجَوَادَ ابْنَ يَحْيَى الْفَضْلَ لاورق
…
يَبْقَى عَلَى جُودِ كَفَّيْهِ وَلَا ذَهَبُ
مَا مَرَّ يَوْمٌ لَهُ مُذْ شَدَّ مِئْزَرَهُ
…
إِلَّا تَمَوَّلَ أَقْوَامٌ بِمَا يَهَبُ
كَمْ غَايَةٍ فِي النَّدَى وَالْبَأْسِ أَحْرَزَهَا
…
لِلطَّالِبِينَ مَدَاهَا دُونَهَا تَعَبُ
يعطى النهى حِينَ لَا يُعْطِي الْجَوَادُ وَلَا
…
يَنْبُو إِذَا سلت الهندية القضب
ولا الرضى والرضى للَّه غَايَتُهُ
…
إِلَى سِوَى الْحَقِّ يَدْعُوهُ وَلَا الْغَضَبُ
قَدْ فَاضَ عَرْفُكَ حَتَّى مَا يُعَادِلُهُ
…
غَيْثٌ مُغِيثٌ وَلَا بَحْرٌ لَهُ حَدَبُ
وَكَانَ قَدْ أَنْشَدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى خُرَاسَانَ:
أَلَمْ تر أن الجود من يد آدَمَ
…
تَحَدَّرَ حَتَّى صَارَ فِي رَاحَةِ الْفَضْلِ
إذا ما أبو العباس سحت سَمَاؤُهُ
…
فَيَا لَكَ مِنْ هَطِلٍ وَيَا لَكَ من وبل
وقال فيه أيضا:
إِذَا أُمَّ طِفْلٍ رَاعَهَا جُوعُ طِفْلِهَا
…
دَعَتْهُ باسم الفضل فاعتصم الطِّفْلُ
لِيَحْيَى بِكَ الْإِسْلَامُ إِنَّكَ عِزُّهُ
…
وَإِنَّكَ مِنْ قَوْمٍ صَغِيرُهُمْ كَهْلُ
قَالَ فَأَمَرَ لَهُ بمائة ألف درهم. ذكره ابن جَرِيرٍ. وَقَالَ سَلْمٌ الْخَاسِرُ فِيهِمْ أَيْضًا:
وَكَيْفَ تخاف من بؤس بدار
…
يجاورها [1] الْبَرَامِكَةُ الْبُحُورُ
وَقَوْمٌ مِنْهُمُ الْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى
…
نَفِيرٌ مَا يُوَازِنُهُ نَفِيرُ
لَهُ يَوْمَانِ يَوْمُ ندي وبأس
…
كأن الدهر بينهما أسير
[1] في المصرية والطبري: تكنفها.