الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبعدا للقوم الظالمين. وأدان اللَّهُ مِنْ مَرْوَانَ، وَقَدْ غَرَّهُ باللَّه الْغَرُورُ، وأرسل عدو الله في عنانه حتى عثر جواده فِي فَضْلِ خِطَامِهِ، أَظَنَّ عَدُوُّ اللَّهِ أَنْ لن يقدر عليه أحد؟ فنادى حزبه وجمع جنده وَرَمَى بِكَتَائِبِهِ فَوَجَدَ أَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تحته مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَبَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ مَا أَمَاتَ باطله، ومحق ضلاله، وأحل دائرة السوء به، وأحاط به خطيئته، ورد إلينا حقنا وآوانا.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَصَرَهُ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا، إِنَّمَا عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ بَعْدَ صلاة الجمعة لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَخْلِطَ بِكَلَامِ الْجُمُعَةِ غَيْرَهُ، وإنما قطعة عن استتمام الكلام شِدَّةُ الْوَعْكِ، فَادْعُوا اللَّهَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَافِيَةِ، فَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِمَرْوَانَ عَدُوِّ الرَّحْمَنِ، وَخَلِيفَةِ الشيطان، المتبع للسفلة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. المتوكل على الله المقتدى بالأبرار الْأَخْيَارِ الَّذِينَ أَصْلَحُوا الْأَرْضَ بَعْدَ فَسَادِهَا بِمَعَالِمِ الْهُدَى، وَمَنَاهِجِ الْتُّقَى. قَالَ فَعَجَّ النَّاسُ لَهُ بِالدُّعَاءِ ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمُوا يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَمْ يَصْعَدْ مِنْبَرَكُمْ هَذَا خَلِيفَةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَمِيرُ المؤمنين هَذَا- وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّفَّاحِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا، حَتَّى نُسْلِمَهُ إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليه السلام، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا أَبْلَانَا وَأَوْلَانَا. ثُمَّ نَزَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَدَاوُدُ حَتَّى دَخَلَا الْقَصْرَ. ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ خَرَجَ فَعَسْكَرَ بظاهر الكوفة واستخلف عليها عمه داود، وبعث عمه عبد الله ابن على إلى أبى عون بن أبى يَزِيدَ، وَبَعَثَ ابْنَ أَخِيهِ عِيسَى بْنَ مُوسَى إِلَى الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِوَاسِطَ يحاصر ابْنَ هُبَيْرَةَ، وَبَعَثَ يَحْيَى بْنَ [جَعْفَرِ بْنِ] تَمَّامِ بْنِ الْعَبَّاسِ إِلَى حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ بِالْمَدَائِنِ، وَبَعَثَ أَبَا الْيَقْظَانِ عُثْمَانَ بْنَ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ إِلَى بَسَّامِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَسَّامٍ بِالْأَهْوَازِ، وَبَعَثَ سَلَمَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ إِلَى مَالِكِ بْنِ الطَّوَّافِ. وَأَقَامَ هُوَ بِالْعَسْكَرِ أَشْهُرًا، ثُمَّ ارْتَحَلَ فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ الْهَاشِمِيَّةَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ، وَقَدْ تَنَكَّرَ لِأَبِي سَلَمَةَ الْخَلَّالِ، وَذَلِكَ لِمَا كَانَ بَلَغَهُ عَنْهُ مِنَ الْعُدُولِ بِالْخِلَافَةِ عَنْ ابن الْعَبَّاسِ إِلَى آلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
ذِكْرُ مَقْتَلِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ
آخِرِ خُلَفَاءِ بَنِي أمية، وتحول الخلافة إلى بنى العباس مأخوذ من قوله تعالى وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ من يَشاءُ 2: 247 وقوله قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ 3: 26 الآية. وقد ذكرنا أن مروان لما بلغه خبر أبى مسلم وأتباعه وما جرى بأرض خراسان، تَحَوَّلَ مِنْ حَرَّانَ فَنَزَلَ عَلَى نَهْرٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَوْصِلِ، يُقَالُ لَهُ الزَّابُ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ السَّفَّاحَ قَدْ بويع له بالكوفة والتفت عليه الجنود، واجتمع له أمره، شق عليه جِدًّا، وَجَمَعَ جُنُودَهُ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَبُو عَوْنِ بن أبى يزيد في جيش كثيف وهو أحد أمراء السفاح، فَنَازَلَهُ عَلَى الزَّابِ وَجَاءَتْهُ الْأَمْدَادُ مِنْ جِهَةِ السفاح، ثم ندب السفاح الناس ممن يلي القتال من أهل
بيته، فانتدب له عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ فَقَالَ: سِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَسَارَ فِي جُنُودٍ كَثِيرَةٍ فَقَدِمَ عَلَى أَبِي عَوْنٍ فَتَحَوَّلَ لَهُ أَبُو عَوْنٍ عَنْ سُرَادِقِهِ، وَخَلَّاهُ لَهُ وَمَا فِيهِ، وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى شُرْطَتِهِ حِيَاشَ ابن حبيب الطائي، ونصير بْنَ الْمُحْتَفِزِ، وَوَجَّهَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُوسَى بْنَ كَعْبٍ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ يَحُثُّهُ عَلَى مُنَاجَزَةِ مروان، والمبادرة إلى قتاله ونزاله قبل أن تحدث أمور، وتبرد نيران الحرب. فتقدم عبد الله بن على بجنوده حَتَّى وَاجَهَ جَيْشَ مَرْوَانَ، وَنَهَضَ مَرْوَانُ فِي جنوده وَتَصَافَّ الْفَرِيقَانِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ مَعَ مَرْوَانَ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ أَلْفٍ وَخَمْسُونَ ألفا، ويقال مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا. فَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ العزيز بن عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنْ زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل الزوال ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 ثُمَّ أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ الْمُوَادَعَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَذَبَ ابْنُ زُرَيْقٍ، لَا تَزُولُ الشَّمْسُ حَتَّى أُوطِئَهُ الْخَيْلَ إِنْ شَاءَ الله، وكان ذلك يوم السبت لإحدى عشر لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السنة، فقال مروان: قفوا لا تبتدئون بِقِتَالٍ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الشَّمْسِ فَخَالَفَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَرْوَانَ- وَهُوَ خَتَنُ مَرْوَانَ على ابنته- فحمل، فغضب مروان فشتمه فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَيْمَنَةِ فَانْحَازَ أَبُو عَوْنٍ إِلَى عبد الله بن على، فقاتل مُوسَى بْنُ كَعْبٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، فأمر الناس فنزلوا ونودي الأرض الأرض، فنزلوا وَأَشْرَعُوا الرِّمَاحَ وَجَثَوْا عَلَى الرَّكْبَ وَقَاتَلُوهُمْ، وَجَعَلَ أَهْلُ الشَّامِ يَتَأَخَّرُونَ كَأَنَّمَا يُدْفَعُونَ، وَجَعَلَ عَبْدُ الله يمشى قدما، وجعل يَقُولُ: يَا رَبِّ حَتَّى مَتَى نُقْتَلُ فِيكَ، ونادى: يا أهل خراسان، يا شارات إبراهيم الامام، يا محمد يا منصور، واشتد القتال جدا بين الناس، فلا تسمع إلا وقعا كالمرازب على النحاس، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى قُضَاعَةَ يَأْمُرُهُمْ بِالنُّزُولِ فَقَالُوا: قُلْ لِبَنِي سُلَيْمٍ فَلْيَنْزِلُوا، وَأَرْسَلَ إِلَى السَّكَاسِكِ أن احملوا فقالوا: قل لبني عامر أن يحملوا، فَأَرْسَلَ إِلَى السَّكُونِ أَنِ احْمِلُوا فَقَالُوا: قُلْ إلى غطفان فَلْيَحْمِلُوا.
فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: انْزِلْ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَجْعَلُ نَفْسِي غَرَضًا. قَالَ: أَمَا والله لأسوءنك. قال:
وددت والله لو قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِابْنِ هُبَيْرَةَ قَالُوا: ثُمَّ انْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ واتبعتهم أَهْلُ خُرَاسَانَ فِي أَدْبَارِهِمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَكَانَ مَنْ غَرِقَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَكْثَرَ مِمَّنْ قُتِلَ وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ غَرِقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْلُوعُ، وَقَدْ أَمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بِعَقْدِ الْجِسْرِ، واستخراج من غرق في الماء، وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 2: 50 وأقام عبد الله ابن عَلِيٍّ فِي مَوْضِعِ الْمَعْرَكَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فِي مَرْوَانَ وَفِرَارِهِ يَوْمَئِذٍ:
لَجَّ الْفِرَارُ بِمَرْوَانٍ فَقُلْتُ لَهُ
…
عَادَ الظَّلُومُ ظَلِيمًا هَمُّهُ الْهَرَبُ