الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاة الرشيد
كان قد رأى وهو بالكوفة رُؤْيَا أَفْزَعَتْهُ وَغَمَّهُ ذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بْنُ بَخْتَيْشُوعَ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَمِيرَ المؤمنين؟ فقال: رأيت كَفًّا فِيهَا تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ خَرَجَتْ مِنْ تَحْتِ سريري وقائلا يقول: هذه تربة هارون. فَهَوَّنَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ أَمْرَهَا وَقَالَ: هَذِهِ مِنْ أضغاث الأحلام من حَدِيثِ النَّفْسِ، فَتَنَاسَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا سَارَ يُرِيدُ خُرَاسَانَ وَمَرَّ بِطُوسَ وَاعْتَقَلَتْهُ الْعِلَّةُ بها، ذكر رؤياه فهاله ذلك وقال لجبريل:
ويحك! أما تذكر ما قصصته عليه من الرؤيا؟ فقال: بلى. فَدَعَا مَسْرُورًا الْخَادِمَ وَقَالَ: ائْتِنِي بِشَيْءٍ مِنْ تُرْبَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَجَاءَهُ بِتُرْبَةٍ حَمْرَاءَ فِي يَدِهِ، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ: وَاللَّهِ هَذِهِ الْكَفُّ الَّتِي رَأَيْتُ، وَالتُّرْبَةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا. قَالَ جبريل: فو الله ما أتت عليه ثلاث حتى توفي، وَقَدْ أَمَرَ بِحَفْرِ قَبْرِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي الدَّارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا، وَهِيَ دَارُ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي غَانِمٍ الطَّائِيِّ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى قبره وهو يقول: يا بن آدم تصير إلى هذا. ثم أمر أن يقرءوا القرآن في قبره، فقرءوه حَتَّى خَتَمُوهُ وَهُوَ فِي مَحَفَّةٍ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ احْتَبَى بِمُلَاءَةٍ وَجَلَسَ يُقَاسِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حضر: لو اضطجعت كان أهون عليك. فضحك ضحكا صحيحا ثُمَّ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَإِنِّي مِنْ قَوْمٍ كِرَامٍ يَزِيدُهُمْ
…
شِمَاسًا وَصَبْرًا شِدَّةُ الحدثان
مات لَيْلَةَ السَّبْتِ، وَقِيلَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، عَنْ خَمْسٍ، وقيل سبع وأربعين سنة. وكان ملكه ثلاثا وعشرين سنة.
وَهَذِهِ تَرْجَمَتُهُ
هُوَ هَارُونُ الرَّشِيدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ابْنُ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ علي ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ أَبُو جَعْفَرٍ. وأمه الخيزران أم ولد. كان مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَبْعٍ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ مُوسَى الْهَادِي فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ، بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ الْمَهْدِيِّ. رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَحَدَّثَ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» [1] . أَوْرَدَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُهُ وَسُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ وَالِدُ إِسْحَاقَ، وَنُبَاتَةُ بْنُ عَمْرٍو. وَكَانَ الرَّشِيدُ أَبْيَضَ طَوِيلًا سَمِينًا جَمِيلًا، وَقَدْ غَزَا الصَّائِفَةَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مِرَارًا، وَعَقَدَ الْهُدْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ بَعْدَ مُحَاصَرَتِهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَقَدْ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ جَهْدًا جَهِيدًا وَخَوْفًا شَدِيدًا، وكان الصلح مع امرأة ليون وَهِيَ الْمُلَقَّبَةُ بِأُغُسْطَةَ عَلَى حَمْلٍ كَثِيرٍ تَبْذُلُهُ للمسلمين في كل عام، ففرح المسلمون بذلك، وكان هذا هو الّذي حدا أباه على البيعة له بعد أخيه فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ لَمَّا أفضت إليه
[1] أخرجه البخاري في الأدب والزكاة والرقاق والتوحيد ومسلم في الزكاة ح (66- 67- 68- 70) والترمذي في القيامة (1) والزهد (37) والنسائي والدارميّ في الزكاة وا بن ماجة في المقدمة (13) والزكاة (38) وأحمد في المسند 1/ 288، 446 و 4/ 256، 358، 6/ 79، 138.
الخلافة في سنة سبعين كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ سِيرَةً وَأَكْثَرِهِمْ غَزْوًا وحجا، وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو السَّعْلِيِّ [1] :
فَمَنْ يَطْلُبْ لِقَاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ
…
فَبِالْحَرَمَيْنِ أَوْ أَقْصَى الثُّغُورِ
ففي أرض العدو على طمر
…
وفي أرض الترفه [2] فَوْقَ كُورِ
وَمَا حَازَ الثُّغُورَ سِوَاكَ خَلْقٌ
…
من المتخلفين عَلَى الْأُمُورِ
وَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَإِذَا حَجَّ أَحَجَّ مَعَهُ مِائَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَبْنَائِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَحُجَّ أَحَجَّ ثَلَاثَمِائَةٍ بِالنَّفَقَةِ السَّابِغَةِ وَالْكُسْوَةِ التَّامَّةِ، وَكَانَ يُحِبُّ التَّشَبُّهَ بِجَدِّهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ إِلَّا فِي الْعَطَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ سَرِيعَ الْعَطَاءِ جَزِيلَهُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْفُقَهَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَيُعْطِيهِمْ، ولا يضيع لديه بر ومعروف، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَكَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، إِلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تَعْرِضَ لَهُ عِلَّةٌ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ هُوَ الَّذِي يُضْحِكُهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ فَضِيلَةٌ بِأَخْبَارِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الرَّشِيدُ قَدْ أَنْزَلَهُ فِي قَصْرِهِ وَخَلَطَهُ بِأَهْلِهِ. نَبَّهَهُ الرَّشِيدُ يَوْمًا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَدْرَكَ الرَّشِيدَ وَهُوَ يَقْرَأُ وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 [يس: 22] فَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ:
لَا أَدْرِي وَاللَّهِ. فَضَحِكَ الرَّشِيدُ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَيْحَكَ اجْتَنِبِ الصَّلَاةَ وَالْقُرْآنَ وقل فيما عَدَا ذَلِكَ. وَدَخَلَ يَوْمًا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَى الرَّشِيدِ وَمَعَهُ بَرْنِيَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ فِيهَا غَالِيَةٌ مِنْ أَحْسَنِ الطِّيبِ، فَجَعَلَ يَمْدَحُهَا وَيَزِيدُ فِي شُكْرِهَا، وَسَأَلَ مِنَ الرَّشِيدِ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ فَقَبِلَهَا فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ فَوَهَبَهَا لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: وَيَحَكَ! جِئْتُ بشيء منعته نفسي وأهلي وآثرت به أمير المؤمنين سيدي فأخذته. فحلف ابن أبي مَرْيَمَ لَيُطَيِّبَنَّ بِهِ اسْتَهُ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا فَطَلَى بِهِ اسْتَهُ وَدَهَنَ جَوَارِحَهُ كُلَّهَا مِنْهَا، وَالرَّشِيدُ لَا يَتَمَالَكُ نَفْسَهُ مِنَ الضَّحِكِ. ثم قال لخادم قائم عندهم يُقَالُ لَهُ خَاقَانُ: اطْلُبْ لِي غُلَامِي. فَقَالَ الرَّشِيدُ: ادْعُ لَهُ غُلَامَهُ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ هَذِهِ الْغَالِيَةَ وَاذْهَبْ بِهَا إِلَى سِتِّكَ فَمُرْهَا فَلْتُطَيِّبْ مِنْهَا اسْتَهَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهَا فَأَنِيكَهَا. فَذَهَبَ الضَّحِكُ بِالرَّشِيدِ كُلَّ مَذْهَبٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ لَهُ: جِئْتَ بِهَذِهِ الْغَالِيَةِ تَمْدَحُهَا عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي مَا تُمْطِرُ السَّمَاءُ شَيْئًا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا إِلَّا وَهُوَ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَفِي يَدِهِ؟ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنْ قِيلَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: مَا أَمَرَكَ بِهِ هَذَا فَأَنْفِذْهُ. وَأَنْتَ تَمْدَحُ هَذِهِ الْغَالِيَةَ عِنْدَهُ كَأَنَّهُ بَقَّالٌ أَوْ خَبَّازٌ أَوْ طَبَّاخٌ أَوْ تَمَّارٌ، فَكَادَ الرَّشِيدُ يَهْلِكُ مِنْ شِدَّةِ الضَّحِكِ. ثُمَّ أَمَرَ لِابْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
[1] في الطبري 10/ 99: أبو المعالي الكلابي.
[2]
في فوات الوفيات 4/ 225: الثنية.
وَقَدْ شَرِبَ الرَّشِيدُ يَوْمًا دَوَاءً فَسَأَلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنْ يَلِيَ الْحِجَابَةَ فِي هَذَا اليوم، ومهما حصل له كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَلَّاهُ الْحِجَابَةَ، فَجَاءَتِ الرُّسُلُ بِالْهَدَايَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، مِنْ عِنْدِ زبيدة والبرامكة وكبار الأمراء، وكان حَاصِلُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ سِتِّينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَهُ الرَّشِيدُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَمَّا تَحَصَّلَ فأخبره بذلك، فقال له: فأين نصيبي؟ فقال ابن أبي مريم: قَدْ صَالَحْتُكَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ آلَافِ تُفَّاحَةٍ.
وَقَدِ اسْتَدْعَى إِلَيْهِ أَبَا مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرَ مُحَمَّدَ بْنَ حازم لِيَسْمَعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَا ذكرت عنده حديثا إِلَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِي، وإذا سمع فيه موعظة بكى حَتَّى يَبُلَّ الثَّرَى، وَأَكَلْتُ عِنْدَهُ يَوْمًا ثُمَّ قُمْتُ لِأَغْسِلَ يَدِي فَصَبَّ الْمَاءَ عَلَيَّ وَأَنَا لَا أَرَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ أتدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا. قال: يصب عليك أمير المؤمنين. قال أبو معاوية: فدعوت له، فقال:
إنما أردت تعظيم العلم. وحدثه أَبُو مُعَاوِيَةَ يَوْمًا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هريرة بحديث احتجاج آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ عَمُّ الرَّشِيدِ: أَيْنَ الْتَقَيَا يَا أَبَا مُعَاوِيَةَ؟ فَغَضِبَ الرَّشِيدُ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أَتَعْتَرِضُ عَلَى الْحَدِيثِ؟ عَلَيَّ بِالنَّطْعِ وَالسَّيْفِ، فَأُحْضِرَ ذَلِكَ فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ يَشْفَعُونَ فِيهِ فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَذِهِ زَنْدَقَةٌ. ثُمَّ أمر بسجنه وأقسم أن لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُخْبِرَنِي مَنْ أَلْقَى إِلَيْهِ هذا، فأقسم عمه بالأيمان المغلظة ما قال هذا له أحد، وإنما كانت هذه الكلمة بادرة مني وأنا أستغفر الله وأتوب إليه منها. فأطلقه.
وقال بعضهم: دخلت على الرَّشِيدِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ مَضْرُوبُ الْعُنُقِ وَالسَّيَّافُ يَمْسَحُ سَيْفَهُ فِي قَفَا الرَّجُلِ الْمَقْتُولِ، فَقَالَ الرشيد: قتلته لأنه قال القرآن مخلوق، فقتله على ذلك قربة إلى الله عز وجل.
وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْظُرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَيُقَدِّمُونَهُمَا فأكرمهم بعز سُلْطَانُكَ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: أَوَلَسْتُ كَذَلِكَ؟ أَنَا وَاللَّهِ كَذَلِكَ أُحِبُّهُمَا وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا وَأُعَاقِبُ مَنْ يبغضهما. وقال له ابن السماك: إن الله لم يجعل أحدا فَوْقَكُ فَاجْتَهِدْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَحَدٌ أَطْوَعَ إِلَى اللَّهِ مِنْكَ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ فِي الْكَلَامِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ فِي الْمَوْعِظَةِ.
وقال له الفضيل بن عياض- أو غيره- إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ فوقك في الدنيا، فاجهد نفسك أن لا يكون أحد منهم فوقك في الآخرة، فاكدح لنفسك وأعملها في طاعة ربك. وَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ السِّمَاكِ يَوْمًا فَاسْتَسْقَى الرَّشِيدُ فَأُتِيَ بِقُلَّةٍ فِيهَا مَاءٌ مُبَرَّدٌ فَقَالَ لِابْنِ السِّمَاكِ: عِظْنِي. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! بِكُمْ كُنْتَ مُشْتَرِيًا هَذِهِ الشَّرْبَةَ لَوْ مُنِعْتَهَا؟ فَقَالَ: بِنِصْفِ مُلْكِي. فَقَالَ: اشْرَبْ هَنِيئًا، فَلَمَّا شَرِبَ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مُنِعْتَ خُرُوجَهَا مِنْ بَدَنِكَ بكم كنت تشتري ذلك؟ قال بنصف ملكي الآخر.
فقال: إن ملكا قيمة نصفه شربة ماء، وقيمة نصفه الآخر بولة، لَخَلِيقٌ أَنْ لَا يُتَنَافَسَ فِيهِ. فَبَكَى هَارُونُ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ثِنَا الرِّيَاشِيُّ سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيدِ وَهُوَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَخْذُ الْأَظْفَارِ يَوْمَ الْخَمِيسِ مِنَ السُّنَّةِ، وَبَلَغَنِي أَنَّ أَخْذَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَنْفِي الْفَقْرَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَ تَخْشَى الْفَقْرَ؟ فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ وَهَلْ أَحَدٌ أَخْشَى لِلْفَقْرِ مِنَى؟.
وروى ابن عساكر عن إبراهيم الْمَهْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ الرَّشِيدِ فَدَعَا طَبَّاخَهُ فَقَالَ: أَعِنْدَكَ فِي الطَّعَامِ لَحْمُ جَزُورٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَلْوَانٌ مِنْهُ. فَقَالَ: أَحْضِرْهُ مَعَ الطَّعَامِ فَلَمَّا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَخَذَ لُقْمَةً مِنْهُ فَوَضَعَهَا فِي فِيهِ فَضَحِكَ جَعْفَرٌ الْبَرْمَكِيُّ، فَتَرَكَ الرَّشِيدُ مَضْغَ اللُّقْمَةِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ يَا أَمِيرَ المؤمنين، ذكرت كلاما بيني وبين جاريتي البارحة. فقال له: بحقي عليك لما أخبرتني به. فقال: حَتَّى تَأْكُلَ هَذِهِ اللُّقْمَةَ، فَأَلْقَاهَا مِنْ فِيهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُخْبِرَنِّي. فَقَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَمْ تَقُولُ إِنَّ هَذَا الطَّعَامَ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ يُقَوَّمُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ طلبت من طباخك لَحْمَ جَزُورٍ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: لَا يَخْلُوَنَّ الْمَطْبَخُ مِنْ لَحْمِ جَزُورٍ، فَنَحْنُ نَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ جزور لأجل مطبخ أمير المؤمنين، لأنا لا نشتري من السوق لحم جزور. فَصُرِفَ فِي لَحْمِ الْجَزُورِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يطلب أمير المؤمنين لحم جزور إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ. قَالَ جَعْفَرٌ: فَضَحِكْتُ لِأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا نَالَهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ اللُّقْمَةُ. فَهِيَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ.
قال: فبكى الرشيد بكاء شديدا وأمر برفع السماط من بين يديه، وَأَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ يُوَبِّخُهَا وَيَقُولُ: هَلَكْتَ وَاللَّهِ يا هارون. وَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ يَبْكِي حتى آذنه المؤذنون بصلاة العصر، وَقَدْ أَمَرَ بِأَلْفَيْ أَلْفٍ تُصْرَفُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمَيْنِ فِي كُلِّ حَرَمٍ أَلْفُ أَلْفٍ صَدَقَةً، وَأَمَرَ بِأَلْفَيْ أَلْفٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا فِي جَانِبَيْ بَغْدَادَ الْغَرْبِيِّ وَالشَّرْقِيِّ، وَبِأَلْفِ أَلْفٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا على فقراء الكوفة والبصرة. ثم خرج إلى صلاة الْعَصْرِ ثُمَّ رَجَعَ يَبْكِي حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَاكِيًا فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ فَذَكَرَ أَمْرَهُ وَمَا صَرَفَ مِنَ الْمَالِ الْجَزِيلِ لِأَجْلِ شَهْوَتِهِ، وَإِنَّمَا نَالَهُ مِنْهَا لُقْمَةٌ. فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِجَعْفَرٍ: هَلْ كان ما تذبحونه مِنَ الْجَزُورِ يَفْسَدُ، أَوْ يَأْكُلُهُ النَّاسُ؟ قَالَ: بَلْ يَأْكُلُهُ النَّاسُ. فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِثَوَابِ اللَّهِ فِيمَا صَرَفْتَهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي أَكَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، وَبِمَا يسره الله عليك من الصدقة، وَبِمَا رَزَقَكَ اللَّهُ مِنْ خَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ فِي هذا اليوم، وقد قال تَعَالَى وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ 55: 46 [الرحمن: 46] . فَأَمَرَ لَهُ الرَّشِيدُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ. ثُمَّ اسْتَدْعَى بطعام فأكل منه فكان غداؤه في هذا اليوم عشاء.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ: اجْتَمَعَ لِلرَّشِيدِ مِنَ الْجِدِّ وَالْهَزْلِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ من بعده، كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَاضِيَهُ، وَالْبَرَامِكَةُ وُزَرَاءَهُ، وَحَاجِبُهُ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ أَنْبَهُ النَّاسِ وَأَشَدُّهُمْ تَعَاظُمًا، ونديمه عمر بن الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ صَاحِبُ الْعَبَّاسِيَّةِ. وَشَاعِرُهُ مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَمُغَنِّيهِ إِبْرَاهِيمُ الْمَوْصِلِيُّ وَاحِدُ عصره في صناعته، ومضحكه ابن أبى مريم، وَزَامِرُهُ بَرْصُومَا. وَزَوْجَتُهُ أُمُّ جَعْفَرٍ- يَعْنِي زُبَيْدَةَ- وَكَانَتْ أَرْغَبَ النَّاسِ فِي كُلِّ خَيْرٍ وَأَسْرَعَهُمْ إِلَى كُلِّ بِرٍّ وَمَعْرُوفٍ، أَدْخَلَتِ الْمَاءَ الْحَرَمَ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ، إِلَى أَشْيَاءَ مِنَ المعروف أجراها الله على يدها.
وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ يَقُولُ: إنا من قوم عظمت رزيتهم، وحسنت بعثتهم، وَرِثْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبقيت فينا خلافة الله. وَبَيْنَمَا الرَّشِيدُ يَطُوفُ يَوْمًا بِالْبَيْتِ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلْظَةٌ، فَقَالَ لَا وَلَا نِعْمَتْ عَيْنٌ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا. وَعَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: رَأَيْتُ الرَّشِيدَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: قَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المنكر، فخوفتنى فقالت: إِنَّهُ الْآنَ يَضْرِبُ عُنُقَكَ. فَقُلْتُ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَنَادَيْتُهُ فَقُلْتُ:
يَا هَارُونُ! قَدْ أَتْعَبْتَ الْأُمَّةَ وَالْبَهَائِمَ. فَقَالَ: خُذُوهُ. فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ لَتٌّ مِنْ حَدِيدٍ يَلْعَبُ بِهِ وهو جالس على كرسي، فقال: من الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أمك ممن أنت؟ فقلت: من الأنبار. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ دَعَوْتَنِي بِاسْمِي؟ قال: فخطر ببالي شيء لم يخطر قَبْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا أَدْعُو اللَّهَ بِاسْمِهِ يا الله، أَفَلَا أَدْعُوكَ بِاسْمِكَ؟ وَهَذَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ دعا أحب خلقه إليه بأسمائهم: يا آدم، يا نوح، يا هود، يا صالح، يا إبراهيم، يا موسى يا عيسى، يا محمد، وكنى أبغض خلقه إليه فقال: تبت يدا أبى لهب. فَقَالَ الرَّشِيدُ: أَخْرِجُوهُ أَخْرِجُوهُ.
وَقَالَ لَهُ ابْنُ السماك يوما: إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث منه وحدك، فاحذر المقام بين يدي الله عز وجل، وَالْوُقُوفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حِينَ يُؤْخَذُ بِالْكَظَمِ وتزل المقدم، ويقع الندم، فلا توبة تقبل، وَلَا عَثْرَةَ تُقَالُ، وَلَا يُقْبَلُ فِدَاءٌ بِمَالٍ. فَجَعَلَ الرَّشِيدُ يَبْكِي حَتَّى عَلَا صَوْتُهُ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ لَهُ: يَا ابْنَ السِّمَاكِ! لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ اللَّيْلَةَ. فَقَامَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَبْكِي. وَقَالَ لَهُ الفضيل بن عياض- في كلام كثير ليلة وعظه بِمَكَّةَ-: يَا صَبِيحَ الْوَجْهِ إِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ هؤلاء كلهم، وقد قال تعالى وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ 2: 166 قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ:
الْوُصَلَاتُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا. فَبَكَى حَتَّى جَعَلَ يشهق. وقال الفضيل: اسْتَدْعَانِي الرَّشِيدُ يَوْمًا وَقَدْ زَخْرَفَ مَنَازِلَهُ وَأَكْثَرَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَاللَّذَّاتِ فِيهَا، ثُمَّ اسْتَدْعَى أَبَا الْعَتَاهِيَةِ فَقَالَ لَهُ: صِفْ لَنَا مَا نَحْنُ فيه من العيش والنعيم فقال: -
عِشْ مَا بَدَا لَكَ سَالِمًا
…
فِي ظِلِّ شاهقة القصور
تسعى عليك بما اشتهيت
…
لدى الرواح إلى الْبُكُورِ
فَإِذَا النُّفُوسُ تَقَعْقَعَتْ
…
عَنْ ضِيقِ حَشْرَجَةِ الصُّدُورِ
فَهُنَاكَ تَعْلَمُ مُوقِنًا
…
مَا كُنْتَ إِلَّا في غرور
قال: فبكى الرشيد بكاء كثيرا شديدا. فقال له الفضل بن يحيى: دعاك أمير المؤمنين تسره فَأَحْزَنْتَهُ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: دَعْهُ فَإِنَّهُ رَآنَا في عمر فَكَرِهَ أَنْ يَزِيدَنَا عَمًى. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الرَّشِيدَ قَالَ لِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ: عِظْنِي بِأَبْيَاتٍ من الشعر وأوجز فقال: -
لَا تَأْمَنِ الْمَوْتَ فِي طَرَفٍ وَلَا نَفَسٍ
…
ولو تمتعت بالحجاب والحرس
واعلم بأن سهام الموت صائبة
…
لِكُلِّ مُدَّرِعٍ مِنْهَا وَمُتَّرِسِ
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا
…
إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
قَالَ: فَخَرَّ الرَّشِيدُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. وَقَدْ حَبَسَ الرَّشِيدُ مَرَّةً أَبَا الْعَتَاهِيَةِ وَأَرْصَدَ عَلَيْهِ مَنْ يَأْتِيهِ بِمَا يَقُولُ، فَكَتَبَ مَرَّةً عَلَى جدار الحبس:
أما والله إن الظلم شوم
…
وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي
…
وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
قَالَ: فَاسْتَدْعَاهُ وَاسْتَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ وَوَهَبَهُ أَلْفَ دينار وأطلقه. وقال الحسن بن أبى الْفَهْمِ: ثِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيدِ فَقَالَ: مَا خَبَرُكَ؟ فَقُلْتُ:
بِعَيْنِ اللَّهِ مَا تَخْفَى الْبُيُوتُ
…
فَقَدْ طَالَ التَّحَمُّلُ وَالسُّكُوتُ
فَقَالَ: يَا فُلَانُ مِائَةُ أَلْفٍ لِابْنِ عُيَيْنَةَ تُغْنِيهِ وَتُغْنِي عَقِبَهُ، وَلَا تَضُرُّ الرَّشِيدَ شَيْئًا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ:
كُنْتُ مَعَ الرَّشِيدِ فِي الْحَجِّ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فإذا على شفيره امرأة حسناء بين يديها قصعة وهي تسأل منها وهي تقول: -
طَحْطَحَتْنَا طَحَاطِحُ الْأَعْوَامِ
…
وَرَمَتْنَا حَوَادِثُ الْأَيَّامِ
فَأَتَيْنَاكُمْ نمد أكفّا
…
نائلات لزادكم وَالطَّعَامِ
فَاطْلُبُوا الْأَجْرَ وَالْمَثُوبَةَ فِينَا
…
أَيُّهَا الزَّائِرُونَ بَيْتَ الْحَرَامِ
مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي وَرَحْلِي
…
فَارْحَمُوا غُرْبَتِي وَذُلَّ مَقَامِي
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَذَهَبْتُ إِلَى الرَّشِيدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِهَا فَجَاءَ بِنَفْسِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهَا فَسَمِعَهَا فَرَحِمَهَا وَبَكَى وَأَمَرَ مَسْرُورًا الْخَادِمَ أَنْ يَمْلَأَ قَصْعَتَهَا ذَهَبًا، فَمَلَأَهَا حَتَّى جَعَلَتْ تَفِيضُ يَمِينًا وَشِمَالًا. وَسَمِعَ مَرَّةً الرَّشِيدُ أعرابيا يحدو إبله في طريق الحج:
أيها المجمع هما لاتهم
…
أنت تقضى ولك الحمى تحم
كيف ترقيك وقد جف القلم
…
حطت الصحة منك والسقم
فقال الرشيد لبعض خدمه: مَا مَعَكَ؟ قَالَ: أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ: ادْفَعْهَا إِلَى هَذَا الْأَعْرَابِيِّ.
فَلَمَّا قَبَضَهَا ضَرَبَ رَفِيقُهُ بِيَدِهِ عَلَى كَتِفِهِ وَقَالَ مُتَمَثِّلًا:
وَكُنْتُ جَلِيسَ قعقعاع بْنِ عَمْرٍو
…
وَلَا يَشْقَى بِقَعْقَاعٍ جَلِيسُ
فَأَمَرَ الرَّشِيدُ بَعْضَ الْخَدَمِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُتَمَثِّلَ مَا مَعَهُ مِنَ الذَّهَبِ فَإِذَا مَعَهُ مِائَتَا دِينَارٍ. قال أبو عبيد إن [أصل] هذا المثل أن معاوية بن أبى سفيان أهديت له هدية جامات من ذهب فرقها عَلَى جُلَسَائِهِ وَإِلَى جَانِبِهِ قَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَإِلَى جَانِبِ الْقَعْقَاعِ أَعْرَابِيٌّ لَمْ يَفْضُلْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَأَطْرَقَ الْأَعْرَابِيُّ حَيَاءً فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْقَعْقَاعُ الْجَامَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ، فَنَهَضَ الْأَعْرَابِيُّ، وَهُوَ يَقُولُ: وَكُنْتُ جَلِيسَ قَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو إلى آخره.
وخرج الرشيد يوما من عنده زُبَيْدَةَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقِيلَ لَهُ مِمَّ تَضْحَكُ يا أمير المؤمنين؟ فقال:
دخلت اليوم إلى هذه المرأة- يعنى زبيدة- فأقلت عندها وبت، فما استيقظت إلا على صوت ذهب يصب، قَالُوا: هَذِهِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ قَدِمَتْ مِنْ مصر، فقالت زبيدة: هبها لي يا ابن عَمِّ، فَقُلْتُ: هِيَ لَكِ، ثُمَّ مَا خَرَجْتُ حتى عربدت على وقالت: أي خير رأيته مِنْكَ؟ وَقَالَ الرَّشِيدُ مَرَّةً لِلْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ: مَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الذِّئْبِ، وَلَكَ هَذَا الْخَاتَمُ، وَشِرَاؤُهُ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَنْشَدَ قَوْلَ الشاعر:
ينام بإحدى مقلتيه وينقى
…
بأخرى الرزايا فهو يقظان نائم
فَقَالَ: مَا قُلْتَ هَذَا إِلَّا لِتَسْلُبَنَا الْخَاتَمَ. ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيْهِ فَبَعَثَتْ زُبَيْدَةُ فَاشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ دِينَارٍ، وَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى الرَّشِيدِ وَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُكَ مُعْجَبًا بِهِ. فَرَدَّهُ إِلَى الْمُفَضَّلِ وَالدَّنَانِيرَ، وَقَالَ:
مَا كُنَّا لِنَهَبَ شَيْئًا وَنَرْجِعَ فِيهِ.
وَقَالَ الرَّشِيدُ يَوْمًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ الأحنف: أي بيت قالت الْعَرَبُ أَرَقُّ؟ فَقَالَ: قَوْلُ جَمِيلٍ فِي بُثَيْنَةَ:
أَلَا لَيْتَنِي أَعْمَى أَصَمُّ تَقُودُنِي
…
بُثَيْنَةُ لَا يخفى على كلامها
فقال له الرشيد: أرق منه قولك في مثل هذا:
طَافَ الْهَوَى فِي عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمْ
…
حَتَّى إِذَا مَرَّ بِي مِنْ بَيْنِهِمْ وَقَفَا
فَقَالَ له الْعَبَّاسُ: فَقَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَقُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ:
أَمَا يَكْفِيكِ أَنَّكِ تَمْلِكِينِي
…
وَأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَبِيدِي
وَأَنَّكِ لَوْ قَطَعْتِ يَدِي وَرِجْلِي
…
لَقُلْتُ مِنَ الْهَوَى أَحْسَنْتِ زِيدِي
قَالَ: فَضَحِكَ الرَّشِيدُ وَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ شَعْرِ الرَّشِيدِ فِي ثَلَاثِ حَظِيَّاتٍ كُنَّ عِنْدَهُ مِنَ الْخَوَاصِّ
قوله:
ملك الثلاث الناشئات عِنَانِي
…
وَحَلَلْنَ مِنْ قَلْبِي بِكُلِّ مَكَانِ
مَا لِي تُطَاوِعُنِي الْبَرِيَّةُ كُلُّهَا
…
وَأُطِيعُهُنَّ وَهُنَّ فِي عِصْيَانِي
مَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّ سُلْطَانَ الْهَوَى
…
وبه قوين أعز من سلطاني
ومما أورد له صاحب العقد في كتابه:
تبدي الصدود وتخفى الحب عاشقة
…
فالنفس راضية والطرف غضبان
وذكر ابن جرير وغيره أَنَّهُ كَانَ فِي دَارِ الرَّشِيدِ مِنَ الْجَوَارِي وَالْحَظَايَا وَخَدَمِهِنَّ وَخَدَمِ زَوْجَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ جارية، وأنهن حضرن يوما بين يديه فغنته المطربات منهن فطرب جدا، وأمر بمال فنثر عليهنّ. وكان مبلغ ما حصل لكل واحدة منهن ثلاثة آلاف دِرْهَمٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أيضا.
وَرَوَى أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ فَأُعْجِبَ بِهَا جِدًّا فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ مَوَالِيهَا وَمَنْ يَلُوذُ بهم ليقضى حوائجهم، فقدموا عليه بثمانين نفسا فأمر الحاجب- وهو الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ- أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ وَيَكْتُبَ حَوَائِجَهُمْ، فكان فيهم رجل قد أقام بالمدينة لأنه كان يهوى تلك الجارية، فبعثت إليه فأتى به فقال له الفضل: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي أَنْ يُجْلِسَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ فُلَانَةٍ فَأَشْرَبَ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ مِنْ خمر، وتغنيني ثَلَاثَةَ أَصْوَاتٍ. فَقَالَ: أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لَا ولكن اعرض حاجتي هذه على أمير المؤمنين. فذكر للرشيد ذلك فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ وَأَنْ تَجْلِسَ مَعَهُ الْجَارِيَةُ بِحَيْثُ ينظر إليهما ولا يريانه فجلست على كرسي والخدام بين يديها، وأجلس على كرسي فشرب رطلا وقال لها غنني:
خَلِيلَيَّ عُوجَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا
…
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِنْدُ بِأَرْضِكُمَا قَصْدَا
وَقُولَا لَهَا لَيْسَ الضَّلَالُ أَجَازَنَا
…
وَلَكِنَّنَا جُزْنَا لِنَلْقَاكُمْ عَمْدَا
غَدًا يكثر البادون مِنَّا وَمِنْكُمُ
…
وَتَزْدَادُ دَارِي مِنْ دِيَارِكُمْ بُعْدَا
قال: فغنته ثم استعجله الخدم فشرب رطلا آخر، وقال: غنني جُعِلْتُ فِدَاكِ:
تَكَلَّمُ مِنَّا فِي الْوُجُوهِ عُيُونُنَا
…
فَنَحْنُ سُكُوتٌ وَالْهَوَى يَتَكَلَّمُ
وَنَغْضَبُ أَحْيَانًا وَنَرْضَى بطرفنا
…
وذلك فيما بيننا ليس يعلم
قال: فغنته. ثم شرب رطلا ثالثا وقال: غنني جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكِ:
أَحْسَنُ مَا كُنَّا تَفَرُّقُنَا
…
وَخَانَنَا الدَّهْرُ وَمَا خُنَّا
فَلَيْتَ ذَا الدَّهْرَ لَنَا مَرَّةً
…
عَادَ لَنَا يَوْمًا كَمَا كُنَّا
قَالَ ثُمَّ قَامَ الشَّابُّ إِلَى دَرَجَةٍ هُنَاكَ ثُمَّ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ أَعْلَاهَا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَمَاتَ. فَقَالَ الرَّشِيدُ:
عَجِلَ الْفَتَى، وَاللَّهِ لو لم يعجل لوهبتها له.
وفضائل الرشيد ومكارمه كثيرة جدا. قد ذكر الأئمة من ذلك شيئا كثيرا فذكرنا منه أنموذجا صالحا. وَقَدْ كَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يَقُولُ: لَيْسَ موت أحد أعز علينا من موت الرشيد، لما أتخوف بعده من الحوادث، وَإِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَزِيدَ فِي عُمُرِهِ مِنْ عُمُرِي قَالُوا: فَلَمَّا مَاتَ الرَّشِيدُ وَظَهَرَتْ تلك الفتن والحوادث والاختلافات، وظهر القول بخلق القرآن، فعرفنا ما كان تخوفه الفضيل من ذلك. وقد تقدمت رؤياه لذلك الكف وتلك التربة الحمراء وقائل يقول: هذه تربة أمير المؤمنين.
فكان موته بِطُوسَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ الرَّشِيدَ رَأَى فِي مَنَامِهِ قَائِلًا يَقُولُ: كَأَنِّي بِهَذَا الْقَصْرِ قَدْ بَادَ أَهْلُهُ. الشِّعْرَ إِلَى آخِرِهِ.
وقد تقدم أن ذلك إنما رآه أخو مُوسَى الْهَادِي. وَأَبُوهُ مُحَمَّدٌ الْمَهْدِيُّ فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَمَرَ بِحَفْرِ قَبْرِهِ فِي حَيَاتِهِ، وأن تقرأ فيه ختمة تامة، وحمل حتى نظر إليه فجعل يقول:
إلى هنا تصير يا ابن آدَمَ. وَيَبْكِي، وَأَمَرَ أَنْ يُوَسَّعَ عِنْدَ صَدْرِهِ وَأَنْ يُمَدَّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سلطنيه ويبكى. وقيل: إنه لما احتضر قال: اللَّهمّ انْفَعْنَا بِالْإِحْسَانِ، وَاغْفِرْ لَنَا الْإِسَاءَةَ، يَا مَنْ لَا يَمُوتُ ارْحَمْ مَنْ يَمُوتُ. وَكَانَ مرضه بالدم، وقيل بالسيل، وجبريل الطبيب يكتم مَا بِهِ مِنَ الْعِلَّةِ، فَأَمَرَ الرَّشِيدُ رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ مَاءَهُ فِي قَارُورَةٍ وَيَذْهَبَ بِهِ إلى جبريل فيريه إياه، ولا يذكر له بول من هو، فان سأله قال: هو بول مريض عندنا. فلما رآه جبريل قَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: هَذَا مِثْلُ مَاءِ ذَلِكَ الرَّجُلِ. فَفَهِمَ صَاحِبُ الْقَارُورَةِ مَنْ عَنَى بِهِ، فَقَالَ لَهُ: باللَّه عَلَيْكَ أَخْبِرْنِي عَنْ حَالِ صَاحِبِ هَذَا الْمَاءِ، فَإِنَّ لِي عَلَيْهِ مَالًا، فان كان به رجاء وإلا أخذت مالي مِنْهُ. فَقَالَ: اذْهَبْ فَتَخَلَّصْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَّا أَيَّامًا. فَلَمَّا جَاءَ وَأَخْبَرَ الرَّشِيدَ بَعَثَ إِلَى جِبْرِيلَ فَتَغَيَّبَ حَتَّى مَاتَ الرَّشِيدُ. وقد قال الرشيد وهو فِي هَذِهِ الْحَالِ:
إِنِّي بِطُوسَ مُقِيمٌ
…
مَا لِي بِطُوسَ حَمِيمُ
أَرْجُو إِلَهِي لِمَا بِي
…
فإنه بى رحيم
لقد أتى بى طوسا
…
قَضَاؤُهُ الْمَحْتُومُ
وَلَيْسَ إِلَّا رِضَائِي
…
وَالصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ
مَاتَ بِطُوسَ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَقِيلَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ خَمْسٌ، وَقِيلَ سبع، وقيل ثمان وأربعون سنة. ومدة خلافته ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَشَهْرٌ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وقيل ثلاثة أَشْهُرٍ.
وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ صَالِحٌ وَدُفِنَ بِقَرْيَةٍ من قرى طوس يقال لها سناباذ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرَأْتُ عَلَى خِيَامِ الرَّشِيدِ بِسَنَابَاذَ وَالنَّاسُ مُنْصَرِفُونَ مِنْ طُوسَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ.
مَنَازِلُ الْعَسْكَرِ مَعْمُورَةٌ
…
وَالْمَنْزِلُ الْأَعْظَمُ مَهْجُورُ
خَلِيفَةُ الله بدار البلى
…
تسعى عَلَى أَجْدَاثِهِ الْمُورُ