الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأمراء، ثم ارتحل بهم إلى موضع آخر، ثم لم يزل ينقلهم من مكان إلى مكان حَتَّى فُتِحَتِ الْبِلَادُ.
ثُمَّ بُويِعَ لِلسَّفَّاحِ. وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ سِيرَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَرْوَانَ ابن محمد وهو بحران فحبسه، وَمَا زَالَ فِي السِّجْنِ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ، فَمَاتَ فِي صَفَرٍ مِنْهَا فِي السِّجْنِ، عَنْ ثمان وأربعين سنة. وقيل إنه غمّ بمرققة وُضِعَتْ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى مَاتَ عَنْ إِحْدَى وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بهلول بْنُ صَفْوَانَ، وَقِيلَ إِنَّهُ هُدِمَ عَلَيْهِ بَيْتٌ حَتَّى مَاتَ، وَقِيلَ بَلْ سُقِيَ لَبَنًا مَسْمُومًا فَمَاتَ، وَقِيلَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامَ شَهِدَ الْمَوْسِمَ عَامَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ هُنَالِكَ لَأَنَّهُ وَقَفَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَنَجَائِبَ كَثِيرَةٍ، وَحُرْمَةٍ وَافِرَةٍ، فَأَنْهَى أَمْرَهُ إِلَى مَرْوَانَ وَقِيلَ لَهُ: إن أبا مسلم يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَذَا وَيُسَمُّونَهُ الْخَلِيفَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَتَلَهُ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهَذَا أصح مما تقدم: وقيل إنه إنما أخذه مِنَ الْكُوفَةِ لَا مِنْ حُمَيْمَةِ الْبَلْقَاءِ فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ هَذَا كِرِيمًا جَوَادًا له فضائل وفواضل، وروى الحديث عن أبيه عن جده، وَأَبِي هَاشِمٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحنفية، وعنه أخواه عَبْدُ اللَّهِ السَّفَّاحُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ المنصور، وأبو سلمة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ هاشم. ومن كلامه الحسن: الْكَامِلُ الْمُرُوءَةِ مَنْ أَحْرَزَ دِينَهُ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ، وَاجْتَنَبَ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ.
خِلَافَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ
لَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْكُوفَةِ مَقْتَلُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَرَادَ أَبُو سَلَمَةَ الْخَلَّالُ أَنْ يحول الخلافة إلى آل على ابن أبى طالب، فغلبه بقية النقباء والأمراء، وَأَحْضَرُوا أَبَا الْعَبَّاسِ السَّفَّاحَ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، وَذَلِكَ بِالْكُوفَةِ، وَكَانَ عُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ سِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ أَبُو سَلَمَةَ الْخَلَّالُ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ صَلَاةِ الجمعة خرج السَّفَّاحُ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَبْلَقَ، وَالْجُنُودُ مُلَبَّسَةٌ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ دَارَ الْإِمَارَةِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المسجد الجامع وصلى بالناس، ثم صعد المنبر وبايعه الناس وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ، وَعَمُّهُ دَاوُدُ ابن عَلِيٍّ وَاقِفٌ دُونَهُ بِثَلَاثِ دَرَجٍ، وَتَكَلَّمَ السَّفَّاحُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَطَقَ بِهِ أَنْ قَالَ: الحمد للَّه الّذي اصطفى الإسلام لنفسه دينا، وكرمه وَشَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ، وَاخْتَارَهُ لَنَا، وَأَيَّدَهُ بِنَا، وَجَعَلَنَا أَهْلَهُ وَكَهْفَهُ وَالْقُوَّامَ بِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالنَّاصِرِينَ لَهُ، وَأَلْزَمَنَا كَلِمَةَ التَّقْوَى وَجَعَلَنَا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا، خَصَّنَا بِرَحِمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقرابته، ووضعنا بالإسلام وأهله في الموضع الرَّفِيعِ، وَأَنْزَلَ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ كِتَابًا يُتْلَى عَلَيْهِمْ. فَقَالَ تَعَالَى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 33: 33 وقال قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى 42: 23 وقال: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ 26: 214 وَقَالَ: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ 59: 7 الآية. فأعلمهم عز وجل فَضْلَنَا وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ حَقَّنَا وَمَوَدَّتَنَا، وَأَجْزَلَ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبَنَا تَكْرِمَةً لَنَا، وتفضلة علينا، والله ذو الفضل العظيم. وزعمت السبابية الضُّلَّالُ أَنَّ غَيْرَنَا أَحَقُّ بِالرِّيَاسَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَالْخِلَافَةِ منا، فشاهت وجوههم. أيها الناس بنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، ونصرهم بَعْدَ جَهَالَتِهِمْ، وَأَنْقَذَهُمْ بَعْدَ هَلَكَتِهِمْ وَأَظْهَرَ بِنَا الْحَقَّ وَأَدْحَضَ بِنَا الْبَاطِلَ، وَأَصْلَحَ بِنَا مِنْهُمْ مَا كَانَ فَاسِدًا، وَرَفَعَ بِنَا الْخَسِيسَةَ، وَأَتَمَّ النَّقِيصَةَ وَجَمَعَ الْفِرْقَةَ، حَتَّى عَادَ النَّاسُ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ أَهْلَ تَعَاطُفٍ وَبِرٍّ وَمُوَاسَاةٍ فِي دُنْيَاهُمْ، وَإِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ فِي أُخْرَاهُمْ، فَتَحَ الله علينا ذلك منة ومنحة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلما قبضه إليه قام بذلك الأمر بَعْدِهِ أَصْحَابُهُ، وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنِهِمْ، فَحَوَوْا مَوَارِيثَ الْأُمَمِ فَعَدَلُوا فِيهَا، وَوَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا، وَأَعْطَوْهَا أَهْلَهَا، وَخَرَجُوا خِمَاصًا مِنْهَا. ثُمَّ وَثَبَ بَنُو حَرْبٍ ومروان فابتزوها لأنفسهم، تداولوها. فَجَارُوا فِيهَا وَاسْتَأْثَرُوا بِهَا، وَظَلَمُوا أَهْلَهَا، فَأَمْلَى الله لهم حينا فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ 43: 55 فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وتولى أمرنا والقيام بنصرنا لِيَمُنَّ بِنَا عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَخَتَمَ بِنَا كَمَا افْتَتَحَ بِنَا، وَإِنِّي لَأَرْجُوَ [أَنْ] لَا يَأْتِيَكُمُ الْجَوْرُ مِنْ حَيْثُ جَاءَكُمُ الْخَيْرُ، وَلَا الْفَسَادُ مِنْ حَيْثُ جَاءَكُمُ الصَّلَاحُ، وَمَا تَوْفِيقُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا باللَّه. يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمْ مَحَلُّ مَحَبَّتِنَا وَمَنْزِلُ مَوَدَّتِنَا، وَأَنْتُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِنَا وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْنَا، وَقَدْ زِدْتُكُمْ فِي أَعْطِيَاتِكُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَاسْتَعِدُّوا فَأَنَا السَّفَّاحُ الْهَائِجُ وَالثَّائِرُ الْمُبِيرُ. وَكَانَ بِهِ وَعْكٌ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَهَضَ عمه داود فقال: الحمد للَّه شُكْرًا الَّذِي أَهْلَكَ عَدُوَّنَا وَأَصَارَ إِلَيْنَا مِيرَاثَنَا من بيتنا. أَيُّهَا النَّاسُ الْآنَ انْقَشَعَتْ حَنَادِسُ الظُّلُمَاتِ وَانْكَشَفَ غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، فطلعت شمس الخلافة من مطلعها، ورجع الحق إلى نصابه، إلى أهل نبيكم أهل الرأفة والرحمة وَالْعَطْفِ عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا وَاللَّهِ مَا خرجنا لهذا الأمر لنكنز لُجَيْنًا وَلَا عِقْيَانًا وَلَا لِنَحْفِرَ نَهْرًا وَلَا لنبنى قصرا ولا لنجمع ذهبا ولا فضة، وإنما أخرجتنا الأنفة من انتزاع حَقَّنَا وَالْغَضَبُ لِبَنِي عَمِّنَا، وَلِسُوءِ سِيرَةِ بَنِي أُمَيَّةَ فِيكُمْ، وَاسْتِذْلَالُهُمْ لَكُمْ، وَاسْتِئْثَارُهُمْ بِفَيْئِكُمْ وَصَدَقَاتِكُمْ، فلم علينا ذمة الله وذمة رسوله الْعَبَّاسِ، أَنْ نَحْكُمَ فِيكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، ونعمل بكتاب الله، ونسير في العمامة والخاصة بسيرة رسول الله، تباتبا لِبَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي مَرْوَانَ، آثَرُوا الْعَاجِلَةَ عَلَى الْآجِلَةِ، وَالدَّارَ الْفَانِيَةِ عَلَى الدَّارِ الْبَاقِيَةِ، فَرَكِبُوا الْآثَامَ وَظَلَمُوا الْأَنَامَ، وَارْتَكَبُوا الْمَحَارِمَ، وَغَشَوُا الْجَرَائِمَ، وَجَارُوا فِي سِيرَتِهِمْ فِي الْعِبَادِ، وَسُنَّتِهِمُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي بِهَا اسْتَلَذُّوا تَسَرْبُلَ الْأَوْزَارِ، وَتَجَلْبُبَ الْآصَارِ، وَمَرِحُوا فِي أَعِنَّةِ الْمَعَاصِي، وَرَكَضُوا فِي ميادين الغي، جهلا منهم باستدراج الله، وعميا عن أخذ اللَّهِ، وَأَمْنًا لِمَكْرِ اللَّهِ، فَأَتَاهُمْ بِأْسُ اللَّهِ بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحُوا أَحَادِيثَ وَمُزِّقُوا كُلَّ ممزق،