الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَاهِرٍ وَشَاعِرُهُ، كَانَ عَالِمًا بِاللُّغَةِ وَلَهُ فِيهَا مصنفات عديدة أورد منها ابْنُ خِلِّكَانَ جُمْلَةً، وَمِنْ شِعْرِهِ يَمْدَحُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ:
يَا مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ
…
كَصِفَاتِ عِبْدِ اللَّهِ أَنْصَتْ وَاسْمَعِ
فلأنصحنك في خصال والّذي
…
حج الحجيج إليه فاسمع أودع
أصدق وعفّ وبرّ واصبر واحتمل
…
واصفح وكافئ دار وَاحْلُمْ وَاشْجَعِ
وَالْطُفْ وَلِنْ وَتَأَنَّ وَارْفُقْ وَاتَّئِدْ
…
واحزم وجد وحام واحمل وادفع
فلقد نصحتك إِنْ قَبِلْتَ نَصِيحَتِي
…
وَهُدِيتَ لِلنَّهْجِ الْأَسَدِّ الْمَهْيَعِ
وأما سُحْنُونٌ الْمَالِكِيُّ صَاحِبُ الْمُدَوَّنَةِ
فَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ عبد السلام بن سعيد بن جندب بْنِ حَسَّانَ بْنِ هِلَالِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ رَبِيعَةَ التَّنُوخِيُّ، أَصْلُهُ مِنْ مَدِينَةِ حِمْصَ، فَدَخَلَ بِهِ أَبُوهُ مَعَ جُنْدِهَا بِلَادَ الْمَغْرِبِ فَأَقَامَ بها، وانتهت إليه رياسة مذهب مالك هنالك، وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ، وَسَبَبُهُ أنه قدم أسد بن الفرات صاحب الامام مالك من بلاد العرب إِلَى بِلَادِ مِصْرَ فَسَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ صَاحِبَ مَالِكٍ عَنْ أَسْئِلَةٍ كَثِيرَةٍ فَأَجَابَهُ عَنْهَا، فَعَقَلَهَا عَنْهُ وَدَخَلَ بِهَا بِلَادَ الْمَغْرِبِ فَانْتَسَخَهَا مِنْهُ سُحْنُونٌ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ مِصْرَ فَأَعَادَ أَسْئِلَتَهُ عَلَيْهِ فَزَادَ فِيهَا وَنَقَصَ، وَرَجَعَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْهَا، فَرَتَّبَهَا سُحْنُونٌ وَرَجَعَ بِهَا إِلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَكَتَبَ مَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَى أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ أَنْ يَعْرِضَ نُسْخَتَهُ عَلَى نُسْخَةِ سُحْنُونٍ وَيُصْلِحَهَا بِهَا فلم يقبل، فدعى عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ وَلَا بِكِتَابِهِ، وَصَارَتِ الرِّحْلَةُ إِلَى سُحْنُونٍ، وَانْتَشَرَتْ عَنْهُ الْمُدَوَّنَةُ، وَسَادَ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بِالْقَيْرَوَانِ إِلَى أَنَّ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثمانين سنة رحمه الله وإيانا.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِي جُمَادَى الْأُولَى أَوِ الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَثَبَ أَهْلُ حِمْصَ أَيْضًا عَلَى عَامِلِهِمْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَوَيْهِ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، وَسَاعَدَهُمْ نَصَارَى أَهْلِهَا أَيْضًا عَلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِمُنَاهَضَتِهِمْ، وَكَتَبَ إِلَى مُتَوَلِّي دِمَشْقَ أَنْ يَمُدَّهُ بِجَيْشٍ مِنْ عِنْدِهِ لِيُسَاعِدَهُ عَلَى أَهْلِ حِمْصَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ ثَلَاثَةً مِنْهُمْ مَعْرُوفِينَ بِالشَّرِّ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَمُوتُوا، ثُمَّ يَصْلُبَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ الْبَلَدِ، وَأَنْ يَضْرِبَ عشرين آخرين منهم كل واحد ثَلَاثَمِائَةٍ، وَأَنْ يُرْسِلَهُمْ إِلَى سَامَرَّا مُقَيِّدِينَ فِي الْحَدِيدِ، وَأَنْ يُخْرِجَ كُلَّ نَصْرَانِيٍّ بِهَا وَيَهْدِمَ كَنِيسَتَهَا الْعُظْمَى الَّتِي إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وأن يضيفها إِلَيْهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلِلْأُمَرَاءِ الذين ساعدوه بصلاة سَنِيَّةٍ. فَامْتَثَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْخَلِيفَةُ فِيهِمْ. وَفِيهَا أَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ بِضَرْبِ رَجُلٍ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ بَغْدَادَ يُقَالُ لَهُ عيسى بن
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، فَضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا مُبَرِّحًا، يُقَالُ إِنَّهُ ضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ حَتَّى مَاتَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا عِنْدَ قَاضِي الشَّرْقِيَّةِ أَبِي حَسَّانَ الزِّيَادِيِّ أَنَّهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ وحفصة رضى الله عنهم. فَرُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ فَجَاءَ كِتَابُ الْخَلِيفَةِ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين نائب بغداد يأمره أن يضربه بَيْنَ النَّاسِ حَدَّ السَّبِّ، ثُمَّ يُضْرَبَ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَمُوتَ وَيُلْقَى فِي دِجْلَةَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، لِيَرْتَدِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ وَالْمُعَانَدَةِ. فَفَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ. وَمِثْلُ هَذَا يكفر إن كان قد قذف عائشة بالإجماع، وفيمن قَذَفَ سِوَاهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفُرُ أَيْضًا، لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُنَّ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَضَّتِ الْكَوَاكِبُ بِبَغْدَادَ وَتَنَاثَرَتْ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِلَّيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ. قَالَ: وَفِيهَا مُطِرَ النَّاسُ فِي آبَ مَطَرًا شَدِيدًا جِدًّا. قَالَ: وَفِيهَا مات من الدواب شيء كثير ولا سيما البقر. قَالَ: وَفِيهَا أَغَارَتِ الرُّومُ عَلَى عَيْنِ زَرْبَةَ فَأَسَرُوا مَنْ بِهَا مِنَ الزُّطِّ وَأَخَذُوا نِسَاءَهُمْ وذراريهم ودوابهم. قال: وفيها كان الْفِدَاءُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ فِي بِلَادِ طَرَسُوسَ بِحَضْرَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ إِذَنِ الْخَلِيفَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَاسْتِنَابَتِهِ ابْنَ أَبِي الشَّوَارِبِ.
وَكَانَتْ عِدَّةُ الْأَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، وَمِنَ النِّسَاءِ مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ امْرَأَةً، وَقَدْ كَانَتْ أَمُّ الْمَلِكَ تَدُورَةُ لَعَنَهَا اللَّهُ عَرَضَتِ النَّصْرَانِيَّةَ عَلَى مَنْ كَانَ فِي يَدِهَا مِنَ الْأُسَارَى، وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا فَمَنْ أَجَابَهَا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَإِلَّا قَتَلَتْهُ، فَقَتَلَتِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وتنصر بعضهم، وبقي منهم هؤلاء الذين فودوا وَهُمْ قَرِيبٌ مِنَ التِّسْعِمِائَةِ رِجَالًا وَنِسَاءً.
وَفِيهَا أغارت البجة على جيش مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَقَدْ كَانَتِ الْبُجَّةُ لَا يغزون المسلمين قبل ذلك، لِهُدْنَةٍ كَانَتْ لَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَقَضُوا الْهُدْنَةَ وصرحوا بالخلاف. وَالْبُجَةُ طَائِفَةٌ مِنْ سُودَانِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَكَذَا النوبة وشنون وزغرير ويكسوم وأمم كثيرة لا يعلمهم إلا الله. وَفِي بِلَادِ هَؤُلَاءِ مَعَادِنُ الذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حِمْلٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ، فَلَمَّا كَانَتْ دَوْلَةُ الْمُتَوَكِّلِ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةً، فَكَتَبَ نَائِبُ مِصْرَ- وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَاذَغِيسِيُّ مَوْلَى الْهَادِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِقَوْصَرَةَ- بِذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ، فَغَضِبَ الْمُتَوَكِّلُ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَشَاوَرَ فِي أَمْرِ الْبُجَةِ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُمْ قَوْمٌ أَهْلُ إِبِلٍ وَبَادِيَةٍ، وَإِنَّ بِلَادَهُمْ بَعِيدَةٌ وَمُعْطِشَةٌ، وَيَحْتَاجُ الْجَيْشُ الذَّاهِبُونَ إِلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّدُوا لِمُقَامِهِمْ بِهَا طَعَامًا وَمَاءً، فَصَدَّهُ ذَلِكَ عَنِ الْبَعْثِ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يُغِيرُونَ عَلَى أَطْرَافِ الصعيد، ويخشى أهل مصر على أولادهم مِنْهُمْ، فَجَهَّزَ لِحَرْبِهِمْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمُّيَّ، وَجَعَلَ إِلَيْهِ نِيَابَةَ تِلْكَ الْبِلَادِ كُلِّهَا الْمُتَاخِمَةِ لِأَرْضِهِمْ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِ مِصْرَ أَنْ يعينوه بكل مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فتخلص وتخلص مَعَهُ مِنَ الْجُيُوشِ