الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
بدعة الفرح في يوم عاشوراء عند النواصب
(1)
تقدم في المبحث السابق، ذكر بدعة الحزن في يوم عاشوراء عند الرافضة، وفي هذا المبحث سنتكلم - إن شاء الله - عن الذين عارضوا الرافضة، فجعلوا يوم عاشوراء موسم فرح، وهم النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن الجهَّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء؛ كالاكتحال، والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يُفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح (2) .
وكان أول ظهورهم على زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة (3)، فقسمها بين الأربعة:
(1) - النواصب: أغلبهم من الخوارج الذين هم أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع. وهم الذين يكفِّرُون عثمان وعلى وسائر أهل الجماعة، ويكفِّرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقاً واجباً. يراجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/349) ، والْمِلل والنِّحل للشهرستاني ص (114-138) .
(2)
- يراجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/309، 310)
(3)
- ذهبية: تصغير ذهبة. وكانت تبراً - لم تخلص من تراب المعدن - لم يسبك. يراجع: فتح الباري (8/68) كتاب المغازي، حديث (4351) . وفي رواية مسلم: ذهبة - بدون تصغير -. يراجع: صحيح مسلم (2/741) حديث رقم (1064) .
الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري، أحد بني كلاب.
فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد (1) ويدعنا! . قال: ((إنَّما
(1) - النجد من الأرض: ما صلب منها وأشرف. ونجد - بفتح أوله وسمون ثانيه -: ما ارتفع عن بطن وادي الرمَّة، أو هي اسم للأرض العريضة التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام، ويقال: إن نجداً كلها من عمل اليمامة. وتقع في أواسط جزيرة العرب. يراجع: معجم البلدان (5/261-264) .
أتألفهم)) ، فأقبل رجل غائر العينين (1) ، مشرف الوجنتين (2) ، ناتئ (3) الجبين، كث اللحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد! ، فقال:((من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟)) . فسأله رجل قتله - أحسبه خالد بن الوليد رضي الله عنه فمنعه، فلما ولَّى قال:((إن من ضئضئ هذا - أو في عقب هذا - قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون (4) من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) (5) .
وفي رواية لمسلم: بينما نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً، أتاه ذو
(1) - أي أن: عينيه داخلتان في محاجرهما. وهو ضد المجحوظ. يراجع: فتح الباري (8/68) .
(2)
- أي: بارز الوجنتين وهما العظمتان المشرفان على الخدين. المرجع السابق (8/68) .
(3)
- أي: مرتفع الجبين. والنتوء: أي أنه يرتفع على ما حوله. المرجع السابق (8/68) .
(4)
- يمرقون من الدين: أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه، كما يخرق السهم المرمي به ويخرج منه، والمروق: الخروج من شيء من غير مدخله، وكذلك سرعة الخروج من الشيء. يُراجع: لسان العرب (10/ 340، 341) مادة (مرق) .
(5)
- رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (6/376) كتاب الأنبياء، حديث رقم (3344) . ورواه مسلم في صحيحه المطبوع مع شرح النووي (7/161، 162) كتاب الزكاة.
الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله! اعدل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أعدل)) فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: يا رسول الله! ائذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله (1) فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه (2) فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه (3) فلا يوجد فيه شيء - وهو القدح - ثم ينظر إلى قذذه (4) فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم. آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر (5) ، يخرجون على حين فرقة من الناس)) .
قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل (6) فالتمس فوجد فأتي به
(1) - النصل: حديدة السهم. يراجع: شرح النووي على صحيح مسلم (7/165) .
(2)
- الرصاف: مدخل النصل من السهم. يراجع السابق (7/165) .
(3)
- النضي - بفتح النون وكسر الضاد وتشديد الياء -: وهو القدح، أي: عود السهم. يراجع السابق (7/165) .
(4)
- القذذ - بضم القاف -: هو ريش السهم. يراجع السابق (7/165) .
(5)
- تدردر: أي تضطرب وتذهب وتجيء. والبضعة: القطعة من اللحم. يراجع السابق (7/165) .
(6)
-الرجل المصوف هو: ذو الثدية وهو من عرنة من بجيلة، وكان أسوداً شديد السواد، له ريح منتنة، معروف في العسكر. ويطلق عليه المخدج. يراجع: البداية والنهاية (7/316) .
حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكانت الكوفة (2) بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسي، وكان رأسهم المختار بن عبيد الكذاب. وقوم من الناصبة المبغضين لعلي رضي الله عنه وأولاده، منهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد ثبت في
(1) - رواها مسلم في صحيحه (2/744، 745) كتاب الزكاة، حديث رقم (1064)(148) .
(2)
- الكوفة: - الكوفة: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق، ويسميها قوم خد العذراء. وسُميت بالكوفة لاستدارتها، وقيل لاجتماع الناس بها، وكان تمصيرها في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17هـ. يُراجع: معجم البلدان (490، 494) .
الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سيكون في ثقيف كذاب ومبير)) (1) . فكان ذلك هو الكذاب وهذا الناصبي هو المبير (2) ، فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين- رضي الله عنه -وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له، وكل بدعة ضلالة، ولم يستحب أحد من الأئمة الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا، ولا في شيء من استحباب ذلك حجَّة شرعية (3) .
ولا شك في أن النواصب، وكذلك الرافضة، مبتدعون في فعلهم هذا مخطئون، خارج عن السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) (4) .
ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئاً من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح، ولا شعائر السرور والفرح، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وجد اليهود تصوم عاشوراء، فقال:((ما هذا؟)) . فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق فنحن نصومه. فقال: ((نحن أحق بموسى منكم)) . فصامه وأمر بصيامه (5) .
وكانت قريش أيضاً تعظمه في الجاهلية.
(1) - رواه مسلم في صحيحه (4/1971، 1972) كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2545)، ولفظه:((إن في ثقيف كذاباً ومبيراً)) . وقالت أسماء بنت أبي بكر: فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه.
(2)
- المبير: المهلك. يراجع: شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 100) .
(3)
- يراجع: منهاج السنة النبوية (3/323) .
(4)
- رواه الإمام أحمد في مسنده (4/126، 127) .
ورواه أبو داود في سننه المطبوع مع شرحه عون المعبود (12/358- 360) كتاب الفتن، واللفظ له.
ورواه الترمذي في سننه المطبوع مع شرحه تحفة الأحوذي (7/ 438-442) . وقال هذا حديث حسن صحيح، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة.
ورواه ابن ماجه في سننه (1/ 15، 16) ، المقدمة.
(5)
- رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم، حديث رقم (2004) ، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه (2/795) كتاب الصيام، حديث رقم (1130) .
واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوماً واحداً فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول، فلما كان في العام القابل، صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ صوم عاشوراء - أي وجوبه -.
وقد تنازع العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجباً، أو مستحباً؟ على قولين مشهورين، أصحهما: أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول:((هذا يوم عاشوراء، وأنا صائم فيه، فمن شاء صام)) متفق عليه (1) .
وقال عليه الصلاة والسلام: ((صوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين)) .
ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيداً قال: ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) (2) ؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً.
وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه، ولا يستحب صومه، بل يكره إفراده بالصوم، كما نقل ذلك عن طائفة من العلماء، ومن العلماء من يستحب صومه.
والصحيح أنه يستحب لمن صامه، أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله:((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) .
فهذا الذي سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما سائر الأمور: مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب، أو تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به. أو قصد الذبح، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب، أو الاغتسال، أو التصافح، أو التزاور، أو زيارة المساجد والمشاهد، ونحو ذلك. فهذه من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين المشهورين (3) .
(1) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم، حديث رقم (2003) ، ورواه مسلم في صحيحه (2/795) كتاب الصيام، حديث رقم (1129) .
(2)
- رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 236) . ورواه مسلم في صحيحه (2/797، 798) كتاب الصيام، حديث رقم (1134) . ورواه أبو داود في سننه (2/818، 819) كتاب الصوم، حديث رقم (2445) . ورواه ابن ماجه في سننه (1/552) كتاب الصيام، حديث (1736) .
(3)
- أمثال: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه من أئمة المسلمين وعلمائهم. يراجع: مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/312) .
فيجب على الإنسان، طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع دينه وسبيله، واقتفاء هداه ودليله. وعليه أن يشكر الله على ما عظمت به النعمة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) (2) . (3) .
(1) - سورة آل عمران:164.
(2)
- رواه مسلم في صحيحه (2/592) كتاب الجمعة، حديث (867)، ولفظه:((خير الحديث كتاب الله.......)) ورواه ابن ماجه (1/17) المقدمة، حديث رقم (45)، ولفظه:((خير الأمور كتاب الله.......))
(3)
- يراجع: مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/310-314)، ويراجع: زاد المعاد (2/66-77) .