الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتركها معونة على ترك ذلك، وحسم لمادة متابعتهم فيما يهوونه (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (واعلم أن كتاب الله من النهي عن مشابهة الأمم الكافرة، وقصصهم التي فيها عبرة لنا بترك ما فعلوه كثير، مثل قوله تعالى؛ لما ذكر ما فعله بأهل الكتاب من المثلات (2) : {
…
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (3) وقوله تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (4) . وأمثال ذلك، ومنه ما يدلُّ على مقصودنا ومنه ما فيه إشارة وتتميم للمقصود.
ثم متى كان المقصود بيان أن مخالفتهم في عامة أمورهم أصلح لنا، فجميع الآيات دالَّة على ذلك، وإن كان المقصود أن مخالفتهم واجبة علينا، فهذا إنَّما يدلُّ عليه بعض الآيات دون بعض، ونحن ذكرنا ما يدلُّ على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة، كان هو المقصود هنا) ا. هـ (5) .
ثانياً:
الأدلة من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)) (6)
وجه الدلالة من الحديث:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفتهم، وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً للشارع؛ لأنَّه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط، فهو لأجل ما فيه من المخالفة.
فالمخالفة إما علّة مفردة - أي أن المخالفة هي وحدها تكون علَّة للنهي- أو علة
(1) - يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/89) .
(2)
- المثلاث: المثلة - بفتح الميم، وضم الثاء -: العقوبة، والجمع: المثلاث. يُراجع: لسان العرب (11/615) ، مادة (مثل) .
(3)
-سورة الحشر: الآية2.
(4)
-سورة يوسف: الآية111.
(5)
- يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/89) .
(6)
-رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع الفتح الباري (6/496) ، كتاب أحاديث الأنبياء، حديث رقم (3462) . ورواه مسلم في صحيحه (3/1663) كتاب اللباس والزينة، حديث رقم (2103) .
أخرى، أو بعض علة، وعلى هذه التقديرات تكون مأموراً بها مطلوبة من الشارع (1) .
قوله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى)) (2)
وجه الدلالة من الحديث:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفة المشركين مطلقاً، ثم قال ((أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى)) . وهذه الجملة بدلاً من الأولى، فإن الإبدال يقع في الجمل، كما يقع في المفردات، كقوله تعالى:{َسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} (3) . فهذا الذبح والاستحياء هو سوم العذاب، فكذلك هنا: هذا هو المخالفة للمشركين المأمور بها هنا، لكن الأمر بها أولاً بلفظ مخالفة المشركين دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع وإن عنيت هنا في هذا الفعل فإن تقديم المخالفة علة تقديم العام على الخاص، وفي رواية لمسلم:((جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، وخالفوا المجوس)) (4) . (5) .
قوله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) (6)
وجه الدلالة من الحديث:
(كالحديث السابق) .
قوله صلى الله عليه وسلم: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)) (7) .
(1) - يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/160، 176) .
(2)
- رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع الفتح الباري (10/351) كتاب اللباس، حديث رقم (5893) . بلفظ ((انهكوا الشوارب واعفوا اللحى)) . ورواه مسلم في صحيحه (1/222) كتاب الطهارة، حديث رقم (259)(54) واللفظ له.
(3)
- سورة البقرة، الآية:49.
(4)
- ورواه مسلم في صحيحه (1/222) كتاب الطهارة، حديث رقم (260) .
(5)
- يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/176، 181) .
(6)
- رواه أبو داود في سنن (1/427) كتاب الصلاة، حديث رقم (652) . ورواه الحاكم في المستدرك (1/260) كتاب الصلاة، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/598) رقم (3879) وصححه.
(7)
- رواه أحمد في مسنده (4/197) . ورواه مسلم في صحيحه (2/770) كتاب الصيام، حديث رقم (1096) . ورواه الدارمي في سننه (2/6) كتاب الصوم، باب في فصل السحور. ورواه النسائي في سننه (4/146) كتاب الصيام، باب رقم (27) .
وجه الدلالة من الحديث:
أن الفصل بين عبادة المسلمين وعبادة أهل الكتاب: أمر مقصود للشارع، وقد صرح بذلك فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عن- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم:((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون)) (1) .
وهذا نص في ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى.
وإذا كانت مخالفتهم سبباً لظهور الدين، فإنَّما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة (2) .
قوله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) (3) .
وجه الدلالة من الحديث:
أنه قد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً، أو
(1) - رواه أحمد في مسنده (2/450) . ورواه أبو داود في سننه (2/763) كتاب الصوم، حديث رقم (2353) . ورواه ابن ماجه في سننه (1/542) كتاب الصيام، حديث رقم (1698) . ورواه ابن حبان في صحيحه، يُراجع: موارد الظمآن ص (224) كتاب الصيام، حديث رقم (889) . ورواه الحاكم في المستدرك (1/431) كتاب الصوم، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
(2)
- يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/181، 187) .
(3)
- رواه أحمد في مسنده (2/50) . ورواه أبو داود في سننه (4/314) كتاب اللباس، حديث رقم (4031) . قال المنذري في تهذيب سنن أبي داود (6/25) :(في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو ضعيف) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/236) : (وهذا إسناد جيد) . وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 590) رقم (8593) . وأشار إلى أنه حسن. من رواية أبي داود، والطبراني في الأوسط. وقال الحافظ العراقي: سنده صحيح، وصححه ابن حبان، وله شاهد عند البزار. وعند أبي نعيم في تاريخ أصبهان. يُراجع: كشف الخفاء (2/314)، حديث رقم (2436) . وقال الألباني رحمه الله: صحيح. يُراجع: إرواء الغليل (8/49) ، وحديث رقم (2384) .