الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
بعض البدع التي تقام في هذا الشهر
شهر رمضان شهر مبارك، وفضائله كثيرة، وقد شرع فيه من الأعمال والقرب الشيء الكثير، ولكن المبتدعة المعارضين لقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1) أحدثوا بدعاً في هذا الشهر الفضيل، وأرادوا بها إشغال الناس عن القرب المشروعة، ولم يسعهم ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته -رضوان الله عليهم-، ومن تبعهم بإحسان من السلف الصالح- رحمة الله عليهم-، الذين كانوا أحرص الناس على الخير -فلا وسع الله عليهم في الدنيا ولا في الآخرة- فزادوا في الدين ما ليس منه، وشرعوا ما لم يأذن به الله، ومن هذه البدع:
أولاً:
قراءة سورة الأنعام:
مما ابتدع في قيام رمضان في الجماعة، قراءة سورة الأنعام جميعها في ركعة واحدة، يخصونها بذلك في آخر ركعة من التراويح ليلة السابع أو قبلها. فعل ذلك ابتداعاً بعض أئمة المساجد الجهال مستشهداً بحديث لا أصل له عند أهل الحديث، ولا دليل فيه أيضاً، إنما يروى موقوفاً على علي وابن عباس، وذكره بعض المفسرين مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الأنعام بإسناد مظلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((نزلت سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك، لهم زجل بالتسبيح والتحميد)) (2) . فاغتر بذلك من سمعه من عوام المصلين.
وعلى فرض صحة الحديث فليس فيه دلالة على استحباب قراءتها في ركعة
(1) -سورة المائدة، الآية:3.
(2)
- قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/19، 20) . ورواه الطبراني في الصغير وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف. ا. هـ. قلت: قال ابن حجر في التقريب (2/381) متروك. وروى الحاكم في المستدرك (2/314، 315) كتاب التفسير، عن جابر رضي الله عنه (لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق) . وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. قال الذهبي: وأظن هذا موضوعاً.
واحدة، بل هي من جملة سور القرآن، فيستحب فيها ما يستحب في سائر السور، والأفضل لمن استفتح سورة في الصلاة وغيرها أن لا يقطعها بل يتمها إلى آخرها، وهذه كانت عادة السلف (1) .
وورد غي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب (2) ، وإن كان فرقها في الركعتين.
وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أنه قال: ((أقبل رجل بناضحين -وقد جنح الليل- فوافق معاذاً يصلي، فترك ناضحه وأقبل على معاذ، فقرأ بسورة البقرة -أو النساء- فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معاذ، أفتّان أنت- أو أفاتن أنت- أو أفاتن- ثلاث مرات، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)) (3) .
فكون قراءة سورة الأنعام كلها في ركعة واحدة في صلاة التراويح بدعة، ليس من جهة قرائتها كلها، بل من وجوه أخرى:
الأول: تخصيص ذلك بسورة الأنعام دون غيرها من السور، فيوهم ذلك أن هذا هو السنة فيها دون غيرها، والأمر بخلاف ذلك.
الثاني: تخصيص ذلك بصلاة التراويح دون غيرها من الصلاة، وبالركعة الأخيرة منها دون ما قبلها من الركعات.
الثالث: ما فيه من التطويل على المأمومين، ولاسيما من يجهل أن ذلك من عادتهم، فينشب في تلك الركعة، فيقلق ويضجر ويتسخط بالعبادة.
الرابع: ما فيه من مخالفة السنة من تقليل القراءة في الركعة الثانية عن الأولى، فقد ثبت في الصحيحين ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة
(1) - يراجع: الباعث لأبي شامة ص (82، 83) .
(2)
- رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (2/246) كتاب الأذان حديث رقم (764) . مختصراً. ورواه أبو داود في سننه (1/509) كتاب الصلاة، حديث رقم (812) . ورواه النسائي في سننه (2/170) باب القراءة في المغرب بـ {آلمص} .
(3)
- رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (2/200) كتاب الأذان حديث رقم (705) . ورواه مسلم في صحيحه (1/ 339، 340) كتاب الصلاة، حديث رقم (465) .