المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حالة المجتمع في ذلك العصر - البدع الحولية

[عبد الله بن عبد العزيز التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمَة

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌منهجي في إعداد البحث

- ‌ البدع لغة

- ‌ تعريف البدعة

- ‌ البدعة في الاصطلاح:

- ‌ حكم البدع في الإسلام:

- ‌ أسباب نشأة البدع:

- ‌ أول بدعة ظهرت في الإسلام:

- ‌ أسباب انتشار البدع:

- ‌ آثار البدع على المجتمع:

- ‌ وسائل الوقاية من البدع:

- ‌ البدع الحولية:

- ‌شهر المحرم

- ‌ بعض الآثار الواردة فيه

- ‌بدعة الحزن في شهر محرم عند الرافضة

- ‌بدعة الفرح في يوم عاشوراء عند النواصب

- ‌شهر صفر

- ‌بعض الآثار الواردة فيه

- ‌بدعة التشاؤم بصفر

- ‌شهر ربيع الأول

- ‌بدعة الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌ أول من أحدث هذه البدعة

- ‌حالة المجتمع في ذلك العصر

- ‌بعض الشبه التي عرضت للقائلين بهذه البدعة والجواب عنها

- ‌ الشبهة الأولى:

- ‌الجواب عن هذه الشبهة:

- ‌ الشبهة الثانية:

- ‌الجواب عن هذه الشبهة:

- ‌ الشبهة الثالثة:

- ‌الرد على هذه الشبهة:

- ‌الشبهة الرابعة:

- ‌الجواب عن هذه الشبهة:

- ‌ الشبهة الخامسة:

- ‌الجواب عن هذه الشبهة:

- ‌طريقة إحياء المولد

- ‌حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌موقف أهل السنة من هذه البدعة

- ‌شهر رجب

- ‌ بعض الآثار الواردة فيه

- ‌ تعظيم الكفار لشهر رجب

- ‌ عتيرة رجب

- ‌بدعة تخصيص شهر رجب بالصيام أو القيام

- ‌بدعة صلاة الرغائب

- ‌بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج

- ‌شهر شعبان

- ‌ بعض الآثار الواردة فيه

- ‌بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان

- ‌الصلاة الألفية المبتدعة في شعبان

- ‌شهر رمضان

- ‌فضل هذا الشهر وما ورد فيه

- ‌بعض البدع التي تقام في هذا الشهر

- ‌ قراءة سورة الأنعام:

- ‌ بدعة صلاة التراويح بعد المغرب:

- ‌ بدعة صلاة القدر:

- ‌ بدعة القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة:

- ‌ بدعة سرد آيات الدعاء:

- ‌ بدعة الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح:

- ‌ بعض بدع ليلة ختم القرآن:

- ‌ بدعة التسحير:

- ‌ البدع المتعلقة برؤية هلال رمضان:

- ‌ بدعة حفيظة رمضان:

- ‌ بدعة قرع النحاس آخر الشهر:

- ‌ بدعة وداع رمضان:

- ‌ بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر

- ‌شهر شوال

- ‌بعض الآثار الواردة فيه

- ‌بدعة التشاؤم من الزواج فيه

- ‌بدعة عيد الأبرار

- ‌شهر ذي الحجة

- ‌ بعض الآثار الواردة فيه

- ‌بدعة التعريف

- ‌حكم التعريف:

- ‌بدعة غدير خم

- ‌ حديث غدير خم

- ‌ أول من أحدث هذه البدعة

- ‌ حكم هذا العيد

- ‌مشابهة المسلمين للكفار في أعيادهم

- ‌تمهيد

- ‌الاحتفال بعيد ميلاد المسيح

- ‌الاحتفال بالنيروز

- ‌الاحتفال بأعياد الميلاد

- ‌الاحتفالات والأعياد المحدثة

- ‌الاحتفال برأس السنة الهجرية

- ‌الاحتفال برأس القرن الهجري

- ‌الاحتفال بذكرى بعض العلماء

- ‌مشروعية مخالفة أهل الكتاب

- ‌[الأدلة على تحريم مشابهة أهل الكتاب]

- ‌ الأدلة من الكتاب:

- ‌ الأدلة من السنة:

- ‌ الأدلة من الإجماع:

- ‌ آيات وأحاديث وآثار ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌ من الكتاب:

- ‌ من السنة:

- ‌من الإجماع:

- ‌ من الآثار:

- ‌ومن الاعتبار: وجوه عدة

- ‌ الوجه الأول:

- ‌ الوجه الثاني:

- ‌ الوجه الثالث:

- ‌ الوجه الرابع:

- ‌ الوجه الخامس:

- ‌ الوجه السادس:

- ‌ الوجه السابع:

- ‌ الوجه الثامن:

- ‌الخاتمة

- ‌ أهم النتائج التي خرجت بها من خلال كتابي في موضوع ((البدع الحولية)) :

الفصل: ‌حالة المجتمع في ذلك العصر

المبحث الثاني

‌حالة المجتمع في ذلك العصر

كانت سياسة العبيديين موجهة إلى غاية واحد، هي العمل بكل جدِّ وإخلاص لحمل الناس على اعتناق مذهبهم، وجعله سائداُ في كافة أنحاء الديار المصرية، وغيرها من البلاد التي كانوا يحكمونها، والمجاورة لهم.

فقد كان عبد العزيز يعطف على النصارى واليهود، كما كان أبوه - المعز معد أبو تميم - قبله، ولكن العزيز كان أكثر عطفاً على النصارى، لِما كان بينه وبينهم من صلة النسب (1) .

ورفع العزيز عيسى بن نسطورس إلى كرسي الوزارة، كما عيَّن منشأ

(1) - فقد تزوج بنصرانية واستعمل أخويها على بعض الكنائس. يراجع الدولة الفاطمية ص (202) .

ص: 152

اليهود، والياً على الشام، فأظهر ابن نسطورس ومنشأ محاباة جليَّة لبني ملتهم، فعينوهم في مناصب الدولة بعد أن أقصوا المسلمين عنها، فقدم المسلمون الاحتجاجات على تلك المحاباة التي أظهرها الخليفة لغير المسلمين وبلغ من حال هؤلاء الساخطين أن كتبت امرأة إلى العزيز: بالذي أعز اليهود بمنشأ، والنصارى بعيسى بن نسطورس، وأذل المسلمين بك ألا كشفت ظلامتي (1) .

فأمر بالقبض على ابن نسطورس، وكتب إلى الشام بالقبض على منشأ وغيره من الموظفين اليهود، وأمر برد الدواوين والأعمال إلى الكتاب المسلمين، وعيَّن القضاة للإشراف على أعمالهم في جميع أنحاء الدولة، لكن الأمير ست الملك ابنة الخليفة شفعت لابن نسطورس فردّ العزيز الوزارة إليه ثانية، وشرط عليه استخدام المسلمين في الحكومة.

ولقد تقلد أهل الكتاب أرقى المناصب وأعلاها في عهد العزيز (365-376) ، وشغلوا في عهد المستنصر (427-487) ، ومن جاء بعده من الخلفاء، معظم المناصب المالية في الدولة، بل تقلَّدُوا الوزارة أيضاً.

(1) - يراجع: البداية والنهاية (11/358) ، والمنتظم (7/190) ، واتعاظ الحنفا (1/297) .

ص: 153

ولم تقتصر هذه المعاملة على ما تقدم، فقد ولع بعض الخلفاء العبيديين: كالحافظ مثلاً (524-544هـ) بزيارة أديرة (1) النصارى، وكان الآمر (495- 524هـ) يعطي الرهبان (2) في بعض الأديرة عشرة آلف درهم كلما خرج للصيد، بل قد ازدادت موارد الكنائس (3) المصرية زيادة عظيمة في عهد العبيديين (4) .

فقد كان العبيديون يعاملون النصارى معاملة تنطوي على العطف والرعاية والمحاباة، فإذا كان هذا موقفهم من اليهود والنصارى فما موقفهم من أهل السنة؟!

لقد عمل العبيديون على لعن الخلفاء الثلاثة- أبي بكر، وعمر، وعثمان

(1) - أديرة: جمع دير، وهوخان النصارى، وبيت يتعبد فيه الرهبان، ويكون في الصحاري ورؤوس الجبال، وإذا كان داخل المصر فهو كنيسة أو بيعة. يراجع: لسان العرب (4/300، 301) مادة (دير) ، ومعجم البلدان (2/495) .

(2)

- الراهب: المتعبد في الصومعة، وأحد رهبان النصارى، وكانوا يترهبون بالتخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها، والزهد فيها. يراجع: لسان العرب (4/437، 438) .

(3)

- الكنائس: جمع كنيسة، والكنيسة متعبد اليهود أو النصارى أو الكفار. يراجع: القاموس المحيط (2/256) باب السين فصل الكاف.

(4)

- يراجع: تاريخ الدولة الفاطمية ص (202-216) .

ص: 154

-رضي الله عنهم أجمعين- وغيرهم من الصحابة؛ إذ عدّوهم أعداءً لعلي رضي الله عنه، وتفشت فضائل علي وأولاده من بهده على السكة (1) وعلى جدران المساجد، وكان الخطباء يلعنون الصحابة على كافة منابر مصر.

وقد ألزم العبيديون جميع الموظفين المصريين أن يعتنقوا المذهب العبيدي الباطني، كما حتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق قوانين هذا المذهب.

بل إن الحصول على مناصب الدولة مشروط بالتحول إلى المذهب الشيعي، مما دفع بعض الذميين (2) إلى اعتناق الإسلام، واتخاذ التشيع مذهباً لهم (3) .

وكان من عدائهم للسنة وأهلها: أن أمر العزيز بقطع صلاة التراويح من جميع البلاد المصرية، وذلك سنة 372هـ. وكذلك في سنة 393هـ قبض على ثلاثة عشر رجلاً، وضربوا وشهروا على الجمال، وحبسوا ثلاثة أيام، من أجل أنهم صلُّوا صلاة الضحى.

وفي سنة 381هـ ضرب رجل بمصر، وطيف به المدينة من أجل أنه وجد عنده كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله.

وفي سنة 395هـ في شهر صفر كتب على سائر المساجد، وعلى الجامع العتيق (4) بمصر، من ظاهره وباطنه، ومن جميع جوانبه، وعلى أبواب الحوانيت، والحجر،

(1) - السكة: حديدة منقوشة، يضرب عليها الدراهم، وتطلق ويُراد بها الدينار والدرهم المضروبين، سمي كل واحد منهما سكة؛ لأنه طبع بالحديدة المعلمة له. يراجع: القاموس المحيط (3/316) فصل السين، باب الكاف، ولسان العرب (10/440، 441) مادة (سكك) .

(2)

- الذميين: نسبة إلى الذمَّة والذمام: وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحركة والحق، وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكذلك المجوس؛ لأن لهم شبهة كتاب. يراجع: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/168) ، والإفصاح لابن هبيرة (2/292) .

(3)

- يراجع: تاريخ الدولة الفاطمية ص (218) .

(4)

- ويقع بمدينة فسطاط مصر، ويقال له: تاج الجوامع، وجامع عمرو بن العاص، وهو أول مسجد أسس بديار مصر في الملة الإسلامية بعد الفتح. يراجع: الخطط المقريزي (2/246) .

ص: 155

وعلى المقابر، سبّ السلف ولعنهم، ونقش ذلك، ولون بالأصباغ والذهب، وعمل ذلك على أبواب الدور، والقياسر (1) وأكره الناس على ذلك (2) .

فكان لعن السنيين تفيض به ألسنة الناس من على المنابر في كافة أنحاء مصر طوال الحكم العبيدي تقريباً، حتى أن العاضد - آخر الخلفاء العبيديين - كان شديد التشيع، متغالياً في سبّ الصحابة- رضوان الله عليهم- وإذا رأى سنياً استحل دمه (3) .

وأشد من ذلك كله أن الحاكم العبيدي قد ادَّعى الألوهية، فأمر الناس أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه، إعظاماً لذكره، واحتراماً لاسمه، وقد فُعِل ذلك في سائر ممالكه، حتى في الحرمين الشريفين، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجداً له، حتى أنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم، ممن كان لا يصلي الجمعة، وكانوا يتركون السجود لله في يوم الجمعة وغيره، ويسجدون للحاكم، حتى أن قوماً من الجهال إذا رأوه يقولون له: يا واحدنا يا واحدنا، يا محيي يا مميت.

وأمر السودان أن يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من الأموال، والمتاع، والحريم، فامتثلوا لأمره، وسبوا النساء، وفعلوا فيهن الفاحشة، والمنكرات، وأحرقوا ثلث مصر، ونهبوا نصفها (4) .

فما تقدَّم يعطي فكرة موجزة عن حالة المجتمع في عهد العبيديين، الذي هم أول من ابتدع الاحتفال بالموالد، وسبق وذكرت أن احتفالاتهم تلك ليست نابعة من محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وآله؛ لأنَّ من بدر منه ما سبق ذكره آنفاً- وإن ادَّعى محبته- صلى الله عليه وسلم ومحبة آله، فليس صادقاً ولا يعقل أن يصدر منه ذلك.

(1) - القياسر: هي كالخان العظيم تغلق عليها أبواب حديد، وتطيف بها دكاكين وبيوت بعضها على بعض، وهي في الواقع مجموعة من المباني العامة على هيئة رواق، وبها حوانيت، ومصانع، ومخازن، وأحياناً مساكن. يراجع: تاريخ الدولة الفاطمية ص (620) . وقد ذكرها المقريزي في الخطط بشيء من التفصيل في (2/86-91) .

(2)

- يراجع: الخطط المقريزي (2/341) .

(3)

- يراجع: وفيات الأعيان (3/110) .

(4)

- يراجع: البداية والنهاية (12/ 10، 11) ، والمنتظم (7/298) .

ص: 156

وإنما كان هدفهم الوحيد هو بلوغ أغراضهم السياسية، ونشر مذهبهم الإسماعيلي الباطني، واستمالة عامة الناس بإقامة الاحتفالات التي تتجلى فيها مظاهر الكرم، والهدايا النفسية من النقود، والجوائز للشعراء، وكتَّاب القصر، والعلماء، وكذلك الإحسان للفقراء، وإقامة الولائم. وكل هذه الأمور جديرة بأن تستميل كثيراً من الناس إلى اعتناق مذهبهم.

وبما أن نفقاتهم تلك على الاحتفالات والولائم كان القصد منها محاربة دين الله ورسوله، وإبعاد الناس عن العقيدة الصحيحة، والمنهج السليم، فقد ابتلاهم الله بالجوع ونقص الأموال والثمرات. فالبرغم من رخاء مصر، وعظم ثرائها، والأموال التي كانت تفيض بها خزائن العبيديين، والتي كانوا ينفقونها على ملذاتهم، وقصورهم، وبطانتهم الفاسدة، واحتفالاتهم وموالدهم البدعية، فقد حصل لأهل مصر من المجاعة ما تحدثت به كتب التاريخ، ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في (المنتظم) فقال في حوادث سنة 462هـ - وهي من سني خلافة المستنصر -:

(وفي ذي القعدة ورد من مصر والشام عدد كثير من رجال ونساء، هاربين من الجرف (1) والغلاء، وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير أحد من الجوع والموت، وأن الناس أكل بعضهم بعضاً، وظُهِرَ على رجل قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها، وحفر حفيرة دفن فيها رؤوسهم وأطرافهم، فقتل. وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس لصاحب مصر - المستنصر -بعد ألوف من الكراع، وماتت الفيلة، وبيع الكلاب بخمسة دنانير، وأوقية (2) زيت بقيراط (3) ، واللوز والسكر بوزن الدراهم، والبضة بعشرة قراريط، والراوية من الماء بدينار لغسل الثياب، وخرج وزير صاحب مصر إلى السلطان، فنزل عن بغلته وما معه إلا غلام واحد لعدم ما يطعم

(1) - الجرف: الأخذ الكثير، وجرفت الشيء أجرفه أي: ذهبت به كله أو جله وقد جرفه الدهر أي: اجتاح ماله وأفقره. يراجع: لسان العرب (9/25، 26) .

(2)

- الأوقية: زنة سبعة مثاقيل، وزنة أربعين درهماً، أو نصف سدس الرطل. يراجع: النهاية (5/217)، باب الواو مع القاف. يراجع: لسان العرب (15/404) مادة (وقى) .

(3)

- القيراط: جزء من أجزاء الدنيا، وهو نصف عشره في أكثر البلاد. وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين. يراجع: النهاية (4/42)، يراجع: لسان العرب (7/375) .

ص: 157

الغلمان، فدخل، وشُغِل الركابي (1) عن البلغة لضعف قوته فأخذها ثلاثة أنفس ومضوا بها فذبحوها وأكلوها، فأنهى ذلك إلى صاحب مصر فتقدم بقتلهم وصلبهم، فصُلِبُوا، فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم وقد أكلهم الناس، وباع رجل داراً بمصر كان ابتاعها بتسعمائة ديناراً فاشترى بها دون الكارة (2) من الدقيق) . ا. هـ (3) .

فخلاصة الكلام: أن العبيديين لما دخلوا مصر وأرادوا نشر مذهبهم الباطني، متخذين التشيع ستاراً يحجب أنظار الناس عن حقيقة دعوتهم، استعملوا في سبيل ذلك شتى الوسائل: فأغروا العامة ورعاع الناس بالهدايا والولائم والاحتفالات كأداة من أدوات نشر مذهبهم، وبالمقابل استعملوا القتل والسجن والأذى لمن عارضهم من أهل السنة المدركين لحقيقة دعوتهم. فعامة الناس كانوا متطلعين إلى هذه الاحتفالات البدعية لحاجتهم لما يُنْفق فيها من الأموال، ولرغبتهم في ترويح أنفسهم، والاستجابة لهواها. والخوف من السلطان ومن يعلم بدعية هذه الاحتفالات وغيرها من المحدثات لا يستطيع الإنكار لما ينتظره من القمع والتعذيب.

فكان مناخاً مناسباً لانتشار البدع، وتعويد الناس عليها، وتعليقهم بها، لما يعلموا من وراء ذلك من الترغيب والترهيب من السلطان الظالم.

بالإضافة إلى أنهم كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم -والله أعلم- بأنهم أدعياء على النسب الشريف، فظنُّوا- وتحقق ظنهم - أن إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم وآله تثبت للناس صحة نسبهم وانتسابهم إلى آل البيت، فابتدعوا تلك الموالد وأنفقوا عليها الأموال الطائلة، والله أعلم.

(1) - الركابي: نسبة إلى الركاب، والركاب: هو ما يركب من دابة. يراجع: لسان العرب (1/430) مادة (ركب) .

(2)

- الكارة: هي من الثياب ما يجمع ويشد، وهي مقدار أو معلوم من الطعام يحمله الرجل على ظهره. يراجع: الإفصاح في فقه اللغة (2/722) .

(3)

- يراجع: المنتظم (8/257، 258) . يراجع كذلك: وفيات الأعيان (5/230) ترجمة المستنصر، البداية والنهاية (12/107) ، واتعاظ الحنفا (1/279، 296- 299) .

ص: 158